الدكتور "محمد سيد طنطاوي" يرد على "شيخ الأزهر"
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلقد تداولت وسائل الإعلام المقروءة والمرئية واقعة أمر "شيخ الأزهر" لـ"طالبة أزهرية" في الصف الثاني الإعدادي، ونص الخبر كما جاء على موقع "إسلام أون لاين":
"مع افتتاح العام الدراسي الجديد، شهد أحد المعاهد الإعدادية الأزهرية بـ"القاهرة" نقاشًا ساخنـًا بين شيخ الأزهر "محمد سيد طنطاوي" وطالبة منتقبة وإحدى المدرسات حول شرعية وحكم النقاب، انتهى بإعلان "شيخ الأزهر" عزمه منع النقاب بالمعاهد الأزهرية.
وفيما يلي نص الحوار الذي دار بينهم، حسبما أوردته صحف مصرية الاثنين 5-10-2009:
شيخ الأزهر للطالبة المنتقبة: "النقاب مجرد عادة لا علاقة لها بالدين الإسلامي لا من قريب أو بعيد، وبعدين أنتِ قاعدة مع زميلاتك البنات فقط في الفصل لابسة النقاب ليه؟"!
الطالبة -بالصف الثاني الإعدادي- تمتثل لأمر شيخ الأزهر وتخلع النقاب.
شيخ الأزهر -81 عامًا-: "لما أنتِ كده أمال لو كنت جميلة شوية كنت عملتي إيه؟!"!
المدرسة: "الطالبة تقوم بخلع نقابها داخل المعهد؛ لأن كل المتواجدات فيه فتيات، ولم تقم بارتدائه إلا حينما وجدت فضيلتك والوفد المرافق تدخلون الفصل، وبعدين النقاب إن لم يكن فرضًا فإنه لا يؤذي أحدًا وهو على الأقل حرية شخصية".
شيخ الأزهر للمدرسة -منفعلاً-: "قلتُ إن النقاب لا علاقة له بالإسلام، وهو مجرد عادة، وأنا أفهم في الدين أكتر منك ومن اللي خلفوكي"!
شيخ الأزهر: "سأصدر قرارًا رسميًا بمنع ارتداء النقاب داخل المعاهد، ومنع دخول أي طالبة أو مدرسة المعهد مرتدية النقاب".
حدثت هذه الواقعة أثناء زيارة "شيخ الأزهر" السبت 4-10-2009 لمعهد فتيات "أحمد الليبي" بضاحية "مدينة نصر بالقاهرة"، خلال جولة تفقدية قام بها لمعاهد الأزهر؛ للوقوف على مدى استعدادها لمواجهة انتشار أنفلونزا الخنازير" انتهى الخبر.
وقد وجدتُ أن أفضل تعليق على تلك المناظرة غير العادلة هو أن أستعين بكتب شيخ أزهري يُدعى الدكتور "محمد سيد طنطاوي" كانت رسالة الدكتوراه الخاصة به عن اليهود، وله تفسير ميسر للقرآن، ولحسن الحظ أنه يدرَّس في المعاهد الأزهرية يسمى بـ"التفسير الوسيط"، ومما جاء فيه في تفسير قوله -تعالى-: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور:31)، ما يلي:
"وقال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر، بحكم ضرورة حركة فيما لابد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك، (إِلا مَا ظَهَرَ) على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه.
قلت -أي القرطبي-: وهذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما، عادة وعبادة، صح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما.
يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة، أن أسماء بنت أبى بكر -رضي الله عنهم- دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: (يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا) وأشار إلى وجهه وكفيه. وقال بعض علمائنا: إن المرأة إذا كانت جميلة، وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك.
هذا، وفي هذه المسألة كلام كثير للعلماء فارجع إليه إن شئت" انتهى كلام الدكتور طنطاوي.
وقال الدكتور طنطاوي في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) (الأحزاب:59):
"وقوله: (يُدْنِينَ) من الإِدناه بمعنى التقريب، ولتضمنه معنى السدل والإِرخاء عُدِّىَ بعَلَى. وهو جواب الأمر، كما في قوله -تعالى-: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) (إبراهيم:31)، والجلابيب: جلابيب: جمع جلباب، وهو ثوب يستر جميع البدن، تلبسه المرأة، فوق ثيابها.
والمعنى: يا أيها النبي قل لأزواجك اللائي في عصمتك، وقل لبناتك اللائي هن من نسلك، وقل لنساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترًا تامًا، من رءوسهن إلى أقدامهن، زيادة في التستر والاحتشام، وبعدًا عن مكان التهمة والريبة" انتهى كلام الدكتور طنطاوي.
إن دكتور "محمد سيد طنطاوي" صاحب دراسة "بنو إسرائيل في القران الكريم" لا يمكن أن يكون هو الذي يستقبل الحاخامات ويصافح قتلة الأطفال.
ودكتور "محمد سيد طنطاوي" صاحب "التفسير الوسيط" الذي مال إلى قول من يقول بوجوب ستر وجه المرأة في موضع لا سيما إن كانت جميلة، وذكره قولاً واحدًا دون أن يشير إلى الخلاف في موطن آخر، ليس هو بالذي يناظر فتاة صغيرة مدعيًا أن "النقاب عادة لا علاقة لها بالدين".
إذن فلنفترض أنهما شخصان فـُقد أحدهما يوم تولى الأخر منصب الإفتاء، ومن بعده مشيخة الأزهر، ولكن الأول ممثل حقيقي للأزهر وللعلم والعلماء وغير خارق لإجماع الأمة ولا خارج من منهجها.
هذه إجابتنا نيابة عن الفتاة وعن مدرستها اللتين ربما منعهما الحياء أو غيره عن الرد على شيخ الأزهر؛ ليبينوا له أن القول بمشروعية النقاب هو قول كل العلماء الذين يفهمون في الدين وفوق هذا يخافون من رب العالمين، وأن الخلاف بينهم محصور في درجة مشروعيته: هل هي الاستحباب أم الوجوب؟
وأن القول بأن النقاب عادة دخيلة هو قول دخيل على الأمة وعلى فقهها، وشاهدْنا على ذلك تفسير الدكتور "محمد سيد طنطاوي" نفسه.
وأما سائر المناقشة فنعرض عن ذكرها اكتفاء بما أصاب الناس من وجوم من جرائها.
وبقيت كلمة أخيرة:
إذا كان فضيلته متعطشًا لمناظرة أو راغبًا في مجادلة ففي البلاد كثيرون يطلبون النزال وكثيرات يطلبن المناقشة.
- ففي ديارنا يا شيخ الأزهر: امرأة تسمى "نجلاء الإمام" قدمت مشروع قانون للأحوال الشخصية ولما قيل لها: "شيوخ الأزهر لا يوافقون عليه" قالت لهم: "الأزهر مفروض يقعد على جنب"، فلما وجدت أن الأزهر ومشيخته أصابهم صمت أصحاب القبور؛ تنصَّرت مدعية: أن أهم أسباب تنصرها تخريفات شيوخ الأزهر، وما زال الأزهر صامتـًا!
- في ديارنا يا شيخ الأزهر: امرأة وابنتها يتزعمن مجموعة من النسوة، ومن أشباه الرجال؛ يُردن إلغاء المادة الثانية من الدستور القائلة بـ"أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع"، ويطالبن بنسبة الأولاد إلى أمهاتهن لا آبائهن، ويسخرن من الأزهر، ومن قبله الأئمة الأربعة؛ فهل نطمع في أن تسمعهن إحدى شخطاتك كتلك التي نالت الطلبة المنتقبة وأستاذتها؟!
- في ديارنا يا شيخ الأزهر: امرأة تعمل مخرجة أفلام تركز في أفلامها على العري والفجور، استضافها مذيع ماجن يقدم برنامج مضمونه وعنوانه التجرؤ على الدين، وعلى ثوابت الأمة! وسألها بخبث متى ترتدين الحجاب؟! فرفعت يديها إلى السماء قائلة: "ربنا ما يكتبه عليّ"، وأطمئنك أن هذه المرأة وجواريها اللاتي يمثلن في أفلامها يحتجن إلى أن تأمرهن بالحجاب والنقاب، ولسن قليلات الحظ من الجمال كالبنت الصغيرة التي رأيت فضيلتك أنها ليست جميلة!
وإن كانت شهادتك قد تكون فيها نظر في هذا الباب إن كان علمك بالجمال من نفس جنس علمك بالدين الذي زعمت أنك تفهم فيه أكثر من "اللي خلفوها"، مع أنه من الوارد أن يكون أبويها قد أتيا بهذا العلم الذي تراه فاسدًا من كتاب "التفسير الوسيط" الذي يقرره الأزهر على طلابه، وهو للدكتور "محمد سيد طنطاوي" سالف الذكر!
- في ديارنا يا شيخ الأزهر: تمنح وزارة الثقافة جوائز الدولة التشجيعية لمن يقول: "إن الإسلام لم يكن إلا حركة سياسية وضعية"! وهو كلام ثار له كل أحد إلا مشيخة الأزهر!!
- في ديارنا يا شيخ الأزهر: مدرس يهتك عرض 18 تلميذة من تلميذاته في مثل عمر الفتاة التي واجهتها، ولا نظن أنهن يفقنها جمالاً، ولكنها النار إذا وضعت بجوار الهشيم، والذئب إذا استودعت عنده الغنم، والرائد إذا كذب أهله فأوردهم المهالك ولم ينصح لهم، وعلم المصلحة فلم يأمر بها، وعلم المفسدة فلم ينه عنها!
- في ديارنا يا شيخ الأزهر: أخطاء وأخطار تحتاج مثل هذه الوقفات الجريئة، والمناظرات التي تسكت الجاهلين وترد على المشغبين، وتنزع البرقع الذي يخفي وجوه الطاعنين في الدين عن الناظرين.
- في ديارنا يا شيخ الأزهر: عادات وعادات.. وبدع ومحدثات، ومعاصي ومنكرات تحتاج إلى تلك الوقفة الشجاعة!!
ونحن منتظرون !!!
وأما الفتاة الصغيرة فعذرًا إذا ما دفعنا إليها كتاب "التفسير الوسيط"؛ لكي تعلم أن النقاب ليس عادة إسلامية دخيلة، ولتستر وجهها عن أعين الناظرين، ولتحافظ على حيائها في أعلى ما يكون.
فيا ابنتنا العزيزة التي لا أعرف اسمها ولا اسم والديها -ولكن الله يعرفهم-: لا أملك إلا أن أدعو الله لكِ أن يجعلك الله قرة عين لهما في الدنيا والآخرة، وأن يزينك بزينة الإيمان.
ابنتنا العزيزة:
"لقد اختارك الله لتقولي كلمة الحق فقلتيها، وساعدتك معلمتك أنعم بها من معلمة".
ابنتنا العزيزة:
"لا يصدنك عن نقابك أن قالوا "عادة" بعد إذ علمت أنه في كتاب الله."
ابنتنا العزيزة:
"لا يجرحنك أن قيل لكِ: "اللي خلفوك"؛ لأنهم إن خلفوا فقد خلفوا فتاة مسلمة مقتدية بأمهات المؤمنين في زيها، نسأل الله أن تكوني مقتدية بهم في كل شئونك".
ابنتنا العزيزة:
"لا يغضبنك أن قالوا: "ليست بجميلة"؛ فالغواني هم الذين يعجبهن الثناء، فمن ثمَّ يُزدن في زينتهن أشكالاً وألوانـًا، وأما الفتيات المسلمات فهن يسترن زينتهن".
ابنتنا العزيزة:
"في زماننا كثر التزييف في كل المجالات حتى العلم الشرعي نفسه طاله التزييف، وأما الجمال فقد طغى التزييف فيه حتى صار كأنه هو الأصل، فمن فرط طغيانه نسي البعض الجمال الحقيقي، وأما المصطنع فقلَّ فتاة أرادته إلا وحصلت منه على ما تريد، ومع ذلك فقد أباح الله منه ما أباح للمرأة في بيت زوجها".
ابنتنا العزيزة:
"اعتبري الأمر برمته كأن لم يكن، وتوكلي على الله، وبإذن نراك قريبًَا أمًا لفتيات منقبات ملتزمات بشرع الله".
فاللهم احفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
اللهم يا مصرف الأبصار صرف قلبي إلى طاعتك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعقيب بقلم الشيخ عبد المنعم الشحات:
تداولت وسائل الإعلام الخبر على مدار الأسبوع الماضي دون تعقيب من شيخ الأزهر، ومن ثمَّ افترض الجميع تسليمه بهذه الرواية، ولكنه خرج في برنامج تليفزيوني بعد نشرنا للمقالة، وذكر سياق آخر للقصة؛ نفى فيه توجيه كلمات جارحه للفتاة، ونفى فيه معارضته لارتداء النقاب، وإن كان قد أصر على أن النقاب عادة وليس عبادة!!
ورغم تأخر هذا التصريح جدًا، ورغم تردد الشيخ في نفي تفاصيل الحوار مكتفيًا بقوله: "دعك من هذا"، ثم لما كرر عليه مقدم البرنامج السؤال قال: "لم يحدث شيء من ذلك"، ولعل السر في "ذلك"، ومع ذلك إلا أننا سنقبل هذه الرواية لأننا نتمنى أن نتخلص من الخجل الذي ورثه لنا صدور هذه الألفاظ ممن يشغل منصب شيخ الأزهر.
وعلى كل يبقى مناقشته في اعتباره النقاب عادة مخالفـًا لما دوَّنه بنفسه من قـَبل في تفسيره!