نقد كتاب إتحاف التقي البر بصحة حديث لا يزيد في العمر إلا البر
الكتاب تصنيف أبو محمد أحمد شحاته الألفي وهو يدور حول صحة حديث لا يزيد في العمر إلا البر وكعادة القوم يذكرون روايات الحديث وأسانيده ولا يلتفتون إلى متن الحديث وهو متن يكذب القرآن يكذب كلام الخالق بكلام لا يمكن أن يقوله النبى(ص) بل أن يقوله مسلم عادى
استهل الألفى كتابه بذكر رواية الحديث الجامعة فقال :
"قال الإمام وكيع «الزهد» (407): حدثنا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء»."
الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث تخالف القرآن ليس مرة أو اثنين بل ثلاث مرات وهى :
الأول قولهم لا يزيد في العمر إلا البر" فالعمر لا يزيد ولا ينقص كما قال تعالى :
"لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"
وقال:
" إن أجل الله لا يؤخر لو كنتم تعلمون"
الثانى قولهم إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه والرزق لا يتم حرمان الفرد منه بسبب الذنوب بدليل أن الكفار رغم ذنوبهم يعطيهم أى يمدهم الله بالرزق كما قال :
"كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا"
والله يزيد الرزق وهو الخير للمذنبين استدراجا لهم كما قال تعالى :
"ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما "
الثالث قولهم لا يرد القدر إلا الدعاء وهذا معناه أن عمل المخلوق وهو الدعاء يغلب عمل الخالق وهو القدر وهو كلام لا يقوله سوى الكفار لو عقلوا فالقضاء لا يتغير ولا يتبدل كما قال تعالى :
" لا مبدل لكلماته"
ثم كيف عرف المجانين أن القدر يتغير بالدعاء وهم لا يعرفون القدر وهو ما يحدث مستقبلا لأنه غيب لا يعلمه سوى الله كما قال تعالى :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
ثم حدثنا عن تخريج الحديث وأخبرنا عن رواته فقال :
قلت: هذا الحديث محفوظ من حديث الثوري، رواه عنه جمع من أثبات أصحابه.
وأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 109/ 29867)، وأحمد «المسند» (37/ 68، 111/ 22386، 22438)، وهناد بن السري «الزهد» (2/ 491)، وابن ماجه (90، 4022)، وابن حبان (872)، وأبو بكر الكلاباذي «بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار» (ص 180)، وابن الجوزي «البر والصلة»، وعبد الغني المقدسي «نهاية المراد من كلام خير العباد/ الجزء الأول من كتاب الدعاء» والمزي «تهذيب الكمال» (14/ 366) جميعا من طريق وكيع بإسناده ومتنه تاما.
ورواته عن وكيع يتصرفون في تقديم وتأخير فقراته الثلاث، كما رواه الإمام أحمد عن وكيع هكذا: «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر» إلا ابن أبي شيبة، فرواه عن وكيع وأبي نعيم، ولم يذكر هذه الفقرة: «إن الرجل ليحرم الرزق»، وهذه الفقرة محفوظة عنهما، وإنما اختصر أبو بكر بن أبي شيبة الحديث.
وتابع وكيعا عن الثوري: عبد الله بن المبارك، وعبد الرزاق، وعبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي، وعصام بن يزيد بن عجلان الهمداني، والقاسم بن يزيد الجرمي، وقبيصة بن عقبة، ومحمد بن يوسف الفريابي، ومعاوية بن هشام، وأبو أحمد الزبيري، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي، وخالد بن يزيد العمري أحد المتروكين.
رواه جماعتهم تاما مستقصى، إلا ابن المبارك، فاقتصر على فقرته الثالثة فقط: «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» وتابعه على هذا: عبيد الله الأشجعي.
قال الحسين المروزي «زهد ابن المبارك»: أخبرنا ابن المبارك أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».
وأخرجه النسائي «السنن الكبرى» (10/ 380/ 11775) عن سويد بن نصر، والقضاعي «مسند الشهاب» (1001) من طريق الحسين المروزي، كلاهما عن ابن المبارك به.
وقال أبو يعلى «معجم شيوخه» (282): حدثنا فضل بن إسحاق البغدادي ثنا الأشجعي عن سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان بمثل حديث ابن المبارك.
أما روايات الجماعة:
فأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 109/ 29867)، والطحاوي «شرح مشكل الآثار» (3069)، والدينوري «المجالسة وجواهر العلم» (1892)، والطبراني «المعجم الكبير» (2/ 100/ 1442)، وعبد الغني المقدسي «نهاية المراد من كلام خير العباد/ الجزء الأول من كتاب الدعاء» (20، 21) جميعا من طريق أبي نعيم، وأحمد «المسند» (37/ 95/ 22413) عن عبد الرزاق، والروياني «مسنده» من طريق أبي أحمد الزبيري، والحاكم «المستدرك» (1/ 670) من طريقي أبي حذيفة وقبيصة بن عقبة، وأبو نعيم «أخبار أصبهان» (1/ 434) من طريق عصام بن يزيد الهمداني، والبيهقي «شعب الإيمان» (12/ 464/ 9752) من طريق القاسم بن يزيد، والبيهقي «القضاء والقدر» (249) من طريق معاوية بن هشام، والبغوي «شرح السنة» (3418) من طريقي أبي نعيم والفريابي، وأبو القاسم الأصبهاني «الترغيب والترهيب» (1262)، والقضاعي «مسند الشهاب» (831) كلاهما من طريق خالد بن يزيد العمري، جميعهم - عشرة أنفس- عن الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان بالحديث تاما.
قال أبو عبد الله الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الحافظ الذهبي.
وصححه أيضا ابن حبان، وأبو حاتم الرازي، نقله عنه ابنه عبد الرحمن بن أبي حاتم في «علل الحديث» (1988).
وحسن الحافظ العراقي إسناده، نقله عنه الحافظ البوصيري في «مصباح الزجاجة» (1/ 15).
قلت: والحديث صحيح بفقراته الثلاث، كما قالوا ورجال إسناده: الثوري فمن فوقه ثقات مشهورون، خلا عبد الله بن أبي الجعد، وقد وثق.
فتكلم فيه أبو الحسن بن القطان بما لا يوجب رد توثيقه، إذ قال: إنه مجهول الحال.
قلت: فليس مع من يضعفون الحديث، إلا هذه الشاردة!.
وما ضر الرجل جهل ابن القطان بحاله؛ إذ هو ثقة عند من روى عنه من الثقات، وعلم صدقه وعدالته، وتحمل حديثه وروايته. وهو أيضا ثقة عند من عرفه من أئمة الجرح والتعديل، وسبر أحاديثه، ولم يقف له على ما ينكر من الحديث، ولا ما خالف فيه الثقات الأثبات.
وأما من لم يعرفه من الأئمة، فسكت عنه، ولم يذكره بجرحة
فقد ذكره البخاري «التاريخ الكبير» (5/ 61/ 142) قال: عبد الله بن أبي الجعد، أخو سالم وزياد وعبيد، يعد في الكوفيين، سمع جعيلا، وعن ثوبان. روى عنه يزيد بن أبي زياد، وعبد الله بن عيسى، واسم أبي الجعد رافع مولى غطفان وسكت عنه، ولم يعرفه بجرح، ولا عدالة.
وسكوت البخاري عنه هو سند ابن القطان إلى حكمه الفذ، إذ لم يعتد بتوثيق غيره من الأئمة!.
فقد ذكر في «بيان الوهم والإيهام» (4/ 396) حديث رافع بن سلمة بن زياد عنه عن جعيل الأشجعي: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ... الحديث.
ثم قال: أما عبد الله بن أبي الجعد، فذكره البخاري، ولم يعرف من أمره بشيء، زيادة على ما في هذا الإسناد اهـ.
فأخطأ على البخاري كخطئه على ابن أبي الجعد؛ فقد عرفه البخاري بشيئين آخرين، وهما روايته عن ثوبان، ورواية يزيد بن أبي زياد، وعبد الله بن عيسي عنه وعرفه أيضا بأنه أخو سالم، وزياد، وعبيد بني أبي الجعد، وبأن أباه رافع مولى غطفان، فهذه أربعة أشياء زائدة على ما في هذا الإسناد. وليس كما زعم أبو الحسن، لكنه الوهم والغلط، الذي لا ينجو منه أحد!.
على أن البخاري لم يستقصي ترجمته، إذ فاتته أشياء أخري عنه:
فهو عبد الله بن أبي الجعد رافع الأشجعي الغطفاني مولاهم، أخو سالم بن أبي الجعد الثقة الثبت، وأربعة إخوة آخرين: عمران، ومسلم، وزياد، وعبيد.
وفي «كتاب الإخوة» لأبي داود السجستاني: وهو أخو عمران ومسلم، وكانوا ستة: اثنان شيعيان، واثنان مرجئان، واثنان خارجيان.
أما عدالته وشهرته، فقد ثبتت عدالته، وانتفت جهالة عينه واشتهر، بما عرف من روايته عن ثلاثة من الصحابة: ثوبان، وعبد الله بن عباس، وجعيل الأشجعي، ورواية جمع عنه: أوثقهم أخوه سالم بن أبي الجعد، وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ويزيد بن أبي زياد، وابن ابن أخيه رافع بن سلمة بن زياد.
وأما توثيقه، فتصريحي، وضمني، وكلا المأخذين معتبر عند أهل الحديث، ويتأكد التوثيق إذا اجتمعا، كنحو اجتماعهما فيه. وليس من اقتصر على التراجم المختصرات، كمن سبر ما للرواة من خفايا الأحوال، وخبايا الروايات!.
فقد ذكره ابن حبان في «كتاب الثقات» (5/ 20/3635)، وخرج حديثه وصححه هو، وأستاذه أبو بكر بن خزيمة، وأبو عبد الله الحاكم في صحاحهم. فكان هذا من ثلاثتهم توثيقا له، وهو تصريحي من ابن حبان، وضمني من ابن خزيمة، والحاكم.
وصحح أبو بكر البيهقي حديثه عن ابن عباس في دباغ جلود الميتة في «سننه الكبرى» (1/ 26) بقوله: هذا إسناد صحيح.
وذكره ابن خلفون في الثقات في كتابه المسمى «المنتقى في الرجال»، نقله عنه الحافظ مغلطاي بن قليج في «إكمال تهذيب الكمال» (7/ 277).
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي: حديثه حسن، نقله عنه الحافظ الشهاب البوصيري في «مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه».
أما الحافظ الذهبي، فقال في «الكاشف» (1/ 542): وثق.
وقال في «ميزان الاعتدال» (2/ 400): وثق، وفيه جهالة.
فظن من لا علم له باختلاف منهجه في كتابه «ميزان الاعتدال» عنه في كتابه «الكاشف»، وأن المعتبر من قوليه عن الثقة المتكلم فيه بما لا يوجب رد توثيقه هو ما اختاره في «الكاشف»، ظن هذا أنه متناقض، ثم استروح لقبول ما قاله عنه في «الميزان». ومع رضاه وقناعته بمقاله في ميزانه، وصفه بالتناقض لموافقته الحاكم علي تصحيح الحديث في تلخيصه للمستدرك.
والحق الذي لا شك فيه: أن الحافظ الذهبي ليس متناقضا، ولا متغافلا في موافقته هذه، وإنما العيب فيمن لم يفهم مقاصده في تصانيفه المتنوعة!.
والنكتة التي خفيت على من ذكرناه آنفا: أن الحافظ الذهبي ذكر في كتابه «ميزان الاعتدال» كل من تكلم فيه من الثقات بأدنى لين، وبأقل تجريح، وذكر كثيرا من المجاهيل، ممن نص أبو حاتم الرازي على الواحد منهم: أنه مجهول، أو بقول غيره: لا يعرف، أو فيه جهالة، أو يجهل، وعدد أصنافا أخرى من المجروحين. وبين سبب ذكره لهؤلاء الرواة في «ميزانه»، وقد زادوا كثيرا عمن ذكرهم في «كاشفه»، فقال: ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن له ذكر بتليين ما في كتب الأئمة المذكورين، خوفا من أن يتعقب علي، لا أني ذكرته لضعف فيه عندي
فكان بينا صريحا من قوله وعمله: أنه ليس كل من ضعف، أو لين من الثقات هو كذلك عنده.
فإذا تقرر ذلك، وفهم فحواه، فقوله في «الميزان» عن عبد الله بن أبي الجعد: وثق، وفيه جهالة؛ إنما هو لمقال ابن القطان عنه: إنه مجهول الحال، وليس حكما منه عليه، وإنما حكمه عليه ما ذكره في «الكاشف»: وثق، وهو كالرد الضمني على من تكلم فيه بلا حجة، أو جهل حاله.
ومن البيان الذي يمحق اتهام الحافظ الذهبي بالتناقض، أنه في كتابه «الكاشف» لا يجسر على جرح من لم يعلم فيه جرحا مفسرا، ولا مجهول لمجرد جهالته، حتى يختبر حديثه، ويعتبره بميزاني الصدق والضبط، وهما المعياران اللذان لا يخطئان.
وله في هذا المعني قاعدته الذهبية، التي ذكرها في ذيل كتابه «ديوان الضعفاء» (ص 478): «وأما المجهولون من الرواة، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم؛ احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن؛ إذا سلم من مخالفة الأصول، وركاكة الألفاظ» اهـ.
فالراجح عنده في المجهول من كبار التابعين وأوساطهم، ممن لم يذكره إمام من أئمة الجرح والتعديل المعتبرين بجرح: قبول روايته، والاحتجاج بها.
وقد صدق من قال واصفا منهج من على شاكلته من متقدمي الأئمة: «وهذا يدل على أن جل اعتمادهم في التوثيق والجرح إنما هو على سبر حديث الراوي، فإذا تتبع أحدهم أحاديث الراوي، فوجدها مستقيمة تدل على صدق وضبط، ولم يبلغه عنه ما يوجب طعنا في دينه وثقه».
ولولا خشية التطويل، لذكرت جمع كثرة من المجاهيل، الذين وثقهم فحول الأئمة النقاد: مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم، وتلقوا أحاديثهم بالقبول، ولم يطرحوها لمجرد جهالة رواتها، إذ تبينوا صدقهم، وضبطهم، واستقامة رواياتهم.
وقد بينت مناهجهم هذه بيانا شافيا في كتابي: «الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل».
ومن المهمات التي يجب التنبيه عليها هاهنا، زيادة على ما أسلفنا:
[1] أن من خرج له ابن حبان، وأستاذه ابن خزيمة في صحيحيهما، فهو ثقة عندهما، ما لم يقل ابن خزيمة: لا أعرفه بجرح، ولا عدالة، وما لم يقل عنه ابن حبان في ثقاته: لا أدري من هو!.
[2] وتوثيقهما لمن لم يعرف فيه جرح مفسر، معتبر، متلقى عنهما بالقبول، خلافا لمن وصفهما بالتساهل.
ولا يذهبن عنك قول الحافظ الذهبي: «لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة».
فإذا شاركهما النسائي، والحاكم، فخرجا لمن وثقاه، فهذا أرفع، وأوثق ممن تفردا به.
[3] من لطائف تنبيهات الجهابذة النقاد: ما قاله ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» (2/ 36):
باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه، وعن المطعون عليه أنها لا تقويه.
قال: سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة؛ مما يقويه؟، قال: إذا كان معروفا بالضعف لم تقوه روايته عنه، وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه.
ولا معنى لقوله عن المجهول: نفعه رواية الثقة عنه، إلا حسن الظن به، وتعديله، وتلقي روايته بالرضا والقبول، ما لم تخالف الأصول. ومن أبين تطبيقاته عند أبي حاتم الرازي:
ما قاله ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» (7/ 255/ 1399): محمد بن أبي رزين. روى عن أمه. روى عنه سليمان بن حرب. سئل أبي عنه، فقال: شيخ بصري، لا أعرفه، لا أعلم روى عنه غير سليمان بن حرب، وكان سليمان قل من يرضى من المشايخ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ، فاعلم أنه ثقة اهـ. فهذا أحد المجاهيل، ممن لا يعرفهم أبو حاتم، فوثقه لرواية الثقة سليمان بن حرب عنه؛ لما علم من تثبته، وتحرزه، وانتقائه لشيوخه، وأنه لا يروي إلا عن ثقة.
[4] وليس الأمر في هذا النوع من التوثيق على إطلاقه، ولكنه نافع فيمن لا يعلم فيه جرح، ولم يتكلم فيه بتليين. فقد سئل أحمد بن حنبل عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب؟، فقال: يزين أمره عندي أن مالكا روى عنه، يعني أن: مالكا لا يروي إلا عن ثقة. ومع ذلك، قال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي، وإن كان روى عنه مالك. وإنما قالها النسائي لوجود المانع، وهو التليين.
وشعبة بن الحجاج ممن قالوا عنه في جمع من الأئمة، كيحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد، وأبي زرعة: لا يروي إلا عن ثقة. ومع ذلك، فقد روى عن جماعة من الضعفاء: جابر بن يزيد الجعفي، وإبراهيم بن مسلم الهجري، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وغيرهم. وإنما ردوا رواية شعبة عن هؤلاء؛ لوجود الجرح فيهم.
فهذا فرقان واضح بين ما يقبل من التوثيق الضمني، وما لا يقبل منه، فليتنبه لمثله!.
فصل:
وقد يتأكد توثيق عبد الله بن أبي الجعد برواية أخيه الثقة الثبت سالم بن أبي الجعد عنه، إذ هو أوثق وأرفع الرواة عنه، والأخ أعلم الناس بحال أخيه، فدلت روايته عنه على علو درجته، وإن كان سالم أبين، وأسلم توثيقا منه؛ بل ومن سائر إخوته، إذ لا مغمز في توثيقه، إلا قولهم: يدلس ويرسل، ومع ذا فهو من رجال الصحيحين.
وحديثه عن أخيه عبد الله بن أبي الجعد، أخرجه أحمد «المسند» (4/ 25/ 2117 و 5/ 64/ 2878) قال: حدثنا يزيد بن هارون، ويحيى بن آدم - فرقهما واللفظ لأولهما قالا:- أخبرنا مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أخيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: في جلود الميتة قال: «إن دباغه قد أذهب بخبثه، أو رجسه، أو نجسه».
وأخرجه ابن خزيمة «صحيحه» (114)، والحاكم «المستدرك» (1/ 265) كلاهما من طريق يحيى بن آدم، والبيهقي «السنن الكبرى» (1/ 26)، وأبو نعيم «حلية الأولياء» (5/ 99)، وابن عبد البر «التمهيد» (4/ 161) ثلاثتهم من طريق يزيد بن هارون، كلاهما - يحيى ويزيد- عن مسعر بإسناده نحوه.
قال أبو بكر البيهقي: هذا إسناد صحيح. وسألت أحمد بن علي الأصبهاني عن أخي سالم هذا، فقال: اسمه عبد الله بن أبي الجعد.
وقال أبو عبد الله الحاكم: هذا حديث صحيح، ولا أعرف له علة، ولم يخرجاه.
فصل: ذكر من خالف الثوري على سند الحديث ومتنه
وخولف الثوري على رواية الحديث على لونين:
[الأول] خالفه عمر بن شبيب المسلي الكوفي بما:
أخرجه الروياني «مسنده» (626)، وأبو القاسم الأصبهاني «الترغيب والترهيب» (427)، وعبد الغني المقدسي «الترغيب في الدعاء» جميعا من طريق عمر بن شبيب عن عبد الله بن عيسى عن حفص، وعبيد الله ابني أخي سالم بن أبي الجعد عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان مرفوعا بنحو حديث الثوري.
وزاد الروياني، والمقدسي في حديثيهما: «وإن في التوراة لمكتوب: يا ابن آدم، اتق ربك، وبر والدك، وصل رحمك، أمدد لك في عمرك، وأيسر لك يسرك، وأصرف عنك عسرك».
قلت: وهذا منكر الإسناد والمتن. وعلته: عمر بن شبيب المسلي الكوفي. بين الأمر في الضعف، وليس حديثه بشيء.
قال يحيى بن معين: قد رأيته لم يكن بشيء. وقال مرة: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: ضعيف لا يحتج بروايته.
وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم، قال: وكنت أسمع أصحابنا يضعفونهم.
وقال: ليس حديثه بشيء. وذكره في الضعفاء: العقيلي، وابن عدي، وابن الجوزي، والذهبي.
قال ابن أبي حاتم «علل الحديث» (1988): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عمر بن شبيب عن عبد الله بن عيسى عن حفص، وعبيد الله ابني أخي سالم بن أبي الجعد عن سالم عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزيد في العمر إلا البر ... » الحديث؟.
فقالا: هذا خطأ؛ رواه سفيان الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح. قلت لهما: ليس لسالم بن أبي الجعد هاهنا معنى؟، قالا: لا اهـ.
[الثاني] وخالف فضيل بن محمد الملطي جماعة الرواة عن الثوري:
فقد أخرج الطبراني «الدعاء» قال: حدثنا فضيل بن محمد الملطي ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن يحيى بن الحارث عن أبي الأشعث الصنعاني عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن العبد ليحرم الرزق بذنب يذنبه».
قلت: وهذا متن صحيح، وإسناد مقلوب. أخطأ فضيل بن محمد الملطي في روايته عن أبي نعيم، فلزم الجادة، وخالف الأثبات من أصحاب أبي نعيم الفضل بن دكين.
فقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو زرعة الدمشقي، وإبراهيم بن ديزيل، وفهد بن سليمان، كلهم عن أبي نعيم عن الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان.
وبهذا الإسناد المحفوظ، رواه الأثبات من أصحاب الثوري عنه، كما أسلفنا بيانه في التخريج."
ومن كل ما سبق يتبين أن الألفى في كتابه هذا يقول لنا أن المجهولين في الأسانيد يوثقون إذا صحت الروايات ولا ندرى كيف يعرف صدق روايات بعض المجاهيل من كذبها بصحة الروايات وعلم الحديث دائر على صحة الإسناد وهو معرفة الرواة وصدقهم أو كذبهم او نسيانهم وهنا لا يوجد معروف بدليل كونه مجهول
والغريب أيضا أنه يضرب كلام المتحدثين في الرجال ببعضه فمثلا انتقد البخارى عندما جعل راويا مجهول رغم روايته عنه ودافع عن الذهبى رغم تناقض كلامه في رجل واحد وهو كلام لا يستقيم فغما أن انتقد الاثنين أو أسكت
وتناقض كلام الواحد في رجل يدل على عدم الوثاقة أساسا بعلم الحديث كما أن تناقض الاثنين والثلاثة وغيرهم في الرجل الواحد يجعل كل الروايات باطلة لا تصح منها رواية واحدة حتى أن بعض الكتب اتهمت أئمة الحديث والمذاهب جميعا بضعف حديثهم وهو ما يجرنا إلى أن القاعدة الوحيدة المقبولة لصحة أو بطلان الحديث هو عرضه على القرآن فإن وافقه في المعنى صحت الرواية وإن كان رجالها جميعا ضعفاء ومتهمون وإن عارضه في المعنى بطلت الرواية وإن كان رجالها موثقون عند أئمة الحديث
الكتاب تصنيف أبو محمد أحمد شحاته الألفي وهو يدور حول صحة حديث لا يزيد في العمر إلا البر وكعادة القوم يذكرون روايات الحديث وأسانيده ولا يلتفتون إلى متن الحديث وهو متن يكذب القرآن يكذب كلام الخالق بكلام لا يمكن أن يقوله النبى(ص) بل أن يقوله مسلم عادى
استهل الألفى كتابه بذكر رواية الحديث الجامعة فقال :
"قال الإمام وكيع «الزهد» (407): حدثنا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء»."
الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث تخالف القرآن ليس مرة أو اثنين بل ثلاث مرات وهى :
الأول قولهم لا يزيد في العمر إلا البر" فالعمر لا يزيد ولا ينقص كما قال تعالى :
"لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"
وقال:
" إن أجل الله لا يؤخر لو كنتم تعلمون"
الثانى قولهم إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه والرزق لا يتم حرمان الفرد منه بسبب الذنوب بدليل أن الكفار رغم ذنوبهم يعطيهم أى يمدهم الله بالرزق كما قال :
"كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا"
والله يزيد الرزق وهو الخير للمذنبين استدراجا لهم كما قال تعالى :
"ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما "
الثالث قولهم لا يرد القدر إلا الدعاء وهذا معناه أن عمل المخلوق وهو الدعاء يغلب عمل الخالق وهو القدر وهو كلام لا يقوله سوى الكفار لو عقلوا فالقضاء لا يتغير ولا يتبدل كما قال تعالى :
" لا مبدل لكلماته"
ثم كيف عرف المجانين أن القدر يتغير بالدعاء وهم لا يعرفون القدر وهو ما يحدث مستقبلا لأنه غيب لا يعلمه سوى الله كما قال تعالى :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
ثم حدثنا عن تخريج الحديث وأخبرنا عن رواته فقال :
قلت: هذا الحديث محفوظ من حديث الثوري، رواه عنه جمع من أثبات أصحابه.
وأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 109/ 29867)، وأحمد «المسند» (37/ 68، 111/ 22386، 22438)، وهناد بن السري «الزهد» (2/ 491)، وابن ماجه (90، 4022)، وابن حبان (872)، وأبو بكر الكلاباذي «بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار» (ص 180)، وابن الجوزي «البر والصلة»، وعبد الغني المقدسي «نهاية المراد من كلام خير العباد/ الجزء الأول من كتاب الدعاء» والمزي «تهذيب الكمال» (14/ 366) جميعا من طريق وكيع بإسناده ومتنه تاما.
ورواته عن وكيع يتصرفون في تقديم وتأخير فقراته الثلاث، كما رواه الإمام أحمد عن وكيع هكذا: «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر» إلا ابن أبي شيبة، فرواه عن وكيع وأبي نعيم، ولم يذكر هذه الفقرة: «إن الرجل ليحرم الرزق»، وهذه الفقرة محفوظة عنهما، وإنما اختصر أبو بكر بن أبي شيبة الحديث.
وتابع وكيعا عن الثوري: عبد الله بن المبارك، وعبد الرزاق، وعبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي، وعصام بن يزيد بن عجلان الهمداني، والقاسم بن يزيد الجرمي، وقبيصة بن عقبة، ومحمد بن يوسف الفريابي، ومعاوية بن هشام، وأبو أحمد الزبيري، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي، وخالد بن يزيد العمري أحد المتروكين.
رواه جماعتهم تاما مستقصى، إلا ابن المبارك، فاقتصر على فقرته الثالثة فقط: «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» وتابعه على هذا: عبيد الله الأشجعي.
قال الحسين المروزي «زهد ابن المبارك»: أخبرنا ابن المبارك أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».
وأخرجه النسائي «السنن الكبرى» (10/ 380/ 11775) عن سويد بن نصر، والقضاعي «مسند الشهاب» (1001) من طريق الحسين المروزي، كلاهما عن ابن المبارك به.
وقال أبو يعلى «معجم شيوخه» (282): حدثنا فضل بن إسحاق البغدادي ثنا الأشجعي عن سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان بمثل حديث ابن المبارك.
أما روايات الجماعة:
فأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 109/ 29867)، والطحاوي «شرح مشكل الآثار» (3069)، والدينوري «المجالسة وجواهر العلم» (1892)، والطبراني «المعجم الكبير» (2/ 100/ 1442)، وعبد الغني المقدسي «نهاية المراد من كلام خير العباد/ الجزء الأول من كتاب الدعاء» (20، 21) جميعا من طريق أبي نعيم، وأحمد «المسند» (37/ 95/ 22413) عن عبد الرزاق، والروياني «مسنده» من طريق أبي أحمد الزبيري، والحاكم «المستدرك» (1/ 670) من طريقي أبي حذيفة وقبيصة بن عقبة، وأبو نعيم «أخبار أصبهان» (1/ 434) من طريق عصام بن يزيد الهمداني، والبيهقي «شعب الإيمان» (12/ 464/ 9752) من طريق القاسم بن يزيد، والبيهقي «القضاء والقدر» (249) من طريق معاوية بن هشام، والبغوي «شرح السنة» (3418) من طريقي أبي نعيم والفريابي، وأبو القاسم الأصبهاني «الترغيب والترهيب» (1262)، والقضاعي «مسند الشهاب» (831) كلاهما من طريق خالد بن يزيد العمري، جميعهم - عشرة أنفس- عن الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان بالحديث تاما.
قال أبو عبد الله الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الحافظ الذهبي.
وصححه أيضا ابن حبان، وأبو حاتم الرازي، نقله عنه ابنه عبد الرحمن بن أبي حاتم في «علل الحديث» (1988).
وحسن الحافظ العراقي إسناده، نقله عنه الحافظ البوصيري في «مصباح الزجاجة» (1/ 15).
قلت: والحديث صحيح بفقراته الثلاث، كما قالوا ورجال إسناده: الثوري فمن فوقه ثقات مشهورون، خلا عبد الله بن أبي الجعد، وقد وثق.
فتكلم فيه أبو الحسن بن القطان بما لا يوجب رد توثيقه، إذ قال: إنه مجهول الحال.
قلت: فليس مع من يضعفون الحديث، إلا هذه الشاردة!.
وما ضر الرجل جهل ابن القطان بحاله؛ إذ هو ثقة عند من روى عنه من الثقات، وعلم صدقه وعدالته، وتحمل حديثه وروايته. وهو أيضا ثقة عند من عرفه من أئمة الجرح والتعديل، وسبر أحاديثه، ولم يقف له على ما ينكر من الحديث، ولا ما خالف فيه الثقات الأثبات.
وأما من لم يعرفه من الأئمة، فسكت عنه، ولم يذكره بجرحة
فقد ذكره البخاري «التاريخ الكبير» (5/ 61/ 142) قال: عبد الله بن أبي الجعد، أخو سالم وزياد وعبيد، يعد في الكوفيين، سمع جعيلا، وعن ثوبان. روى عنه يزيد بن أبي زياد، وعبد الله بن عيسى، واسم أبي الجعد رافع مولى غطفان وسكت عنه، ولم يعرفه بجرح، ولا عدالة.
وسكوت البخاري عنه هو سند ابن القطان إلى حكمه الفذ، إذ لم يعتد بتوثيق غيره من الأئمة!.
فقد ذكر في «بيان الوهم والإيهام» (4/ 396) حديث رافع بن سلمة بن زياد عنه عن جعيل الأشجعي: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ... الحديث.
ثم قال: أما عبد الله بن أبي الجعد، فذكره البخاري، ولم يعرف من أمره بشيء، زيادة على ما في هذا الإسناد اهـ.
فأخطأ على البخاري كخطئه على ابن أبي الجعد؛ فقد عرفه البخاري بشيئين آخرين، وهما روايته عن ثوبان، ورواية يزيد بن أبي زياد، وعبد الله بن عيسي عنه وعرفه أيضا بأنه أخو سالم، وزياد، وعبيد بني أبي الجعد، وبأن أباه رافع مولى غطفان، فهذه أربعة أشياء زائدة على ما في هذا الإسناد. وليس كما زعم أبو الحسن، لكنه الوهم والغلط، الذي لا ينجو منه أحد!.
على أن البخاري لم يستقصي ترجمته، إذ فاتته أشياء أخري عنه:
فهو عبد الله بن أبي الجعد رافع الأشجعي الغطفاني مولاهم، أخو سالم بن أبي الجعد الثقة الثبت، وأربعة إخوة آخرين: عمران، ومسلم، وزياد، وعبيد.
وفي «كتاب الإخوة» لأبي داود السجستاني: وهو أخو عمران ومسلم، وكانوا ستة: اثنان شيعيان، واثنان مرجئان، واثنان خارجيان.
أما عدالته وشهرته، فقد ثبتت عدالته، وانتفت جهالة عينه واشتهر، بما عرف من روايته عن ثلاثة من الصحابة: ثوبان، وعبد الله بن عباس، وجعيل الأشجعي، ورواية جمع عنه: أوثقهم أخوه سالم بن أبي الجعد، وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ويزيد بن أبي زياد، وابن ابن أخيه رافع بن سلمة بن زياد.
وأما توثيقه، فتصريحي، وضمني، وكلا المأخذين معتبر عند أهل الحديث، ويتأكد التوثيق إذا اجتمعا، كنحو اجتماعهما فيه. وليس من اقتصر على التراجم المختصرات، كمن سبر ما للرواة من خفايا الأحوال، وخبايا الروايات!.
فقد ذكره ابن حبان في «كتاب الثقات» (5/ 20/3635)، وخرج حديثه وصححه هو، وأستاذه أبو بكر بن خزيمة، وأبو عبد الله الحاكم في صحاحهم. فكان هذا من ثلاثتهم توثيقا له، وهو تصريحي من ابن حبان، وضمني من ابن خزيمة، والحاكم.
وصحح أبو بكر البيهقي حديثه عن ابن عباس في دباغ جلود الميتة في «سننه الكبرى» (1/ 26) بقوله: هذا إسناد صحيح.
وذكره ابن خلفون في الثقات في كتابه المسمى «المنتقى في الرجال»، نقله عنه الحافظ مغلطاي بن قليج في «إكمال تهذيب الكمال» (7/ 277).
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي: حديثه حسن، نقله عنه الحافظ الشهاب البوصيري في «مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه».
أما الحافظ الذهبي، فقال في «الكاشف» (1/ 542): وثق.
وقال في «ميزان الاعتدال» (2/ 400): وثق، وفيه جهالة.
فظن من لا علم له باختلاف منهجه في كتابه «ميزان الاعتدال» عنه في كتابه «الكاشف»، وأن المعتبر من قوليه عن الثقة المتكلم فيه بما لا يوجب رد توثيقه هو ما اختاره في «الكاشف»، ظن هذا أنه متناقض، ثم استروح لقبول ما قاله عنه في «الميزان». ومع رضاه وقناعته بمقاله في ميزانه، وصفه بالتناقض لموافقته الحاكم علي تصحيح الحديث في تلخيصه للمستدرك.
والحق الذي لا شك فيه: أن الحافظ الذهبي ليس متناقضا، ولا متغافلا في موافقته هذه، وإنما العيب فيمن لم يفهم مقاصده في تصانيفه المتنوعة!.
والنكتة التي خفيت على من ذكرناه آنفا: أن الحافظ الذهبي ذكر في كتابه «ميزان الاعتدال» كل من تكلم فيه من الثقات بأدنى لين، وبأقل تجريح، وذكر كثيرا من المجاهيل، ممن نص أبو حاتم الرازي على الواحد منهم: أنه مجهول، أو بقول غيره: لا يعرف، أو فيه جهالة، أو يجهل، وعدد أصنافا أخرى من المجروحين. وبين سبب ذكره لهؤلاء الرواة في «ميزانه»، وقد زادوا كثيرا عمن ذكرهم في «كاشفه»، فقال: ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن له ذكر بتليين ما في كتب الأئمة المذكورين، خوفا من أن يتعقب علي، لا أني ذكرته لضعف فيه عندي
فكان بينا صريحا من قوله وعمله: أنه ليس كل من ضعف، أو لين من الثقات هو كذلك عنده.
فإذا تقرر ذلك، وفهم فحواه، فقوله في «الميزان» عن عبد الله بن أبي الجعد: وثق، وفيه جهالة؛ إنما هو لمقال ابن القطان عنه: إنه مجهول الحال، وليس حكما منه عليه، وإنما حكمه عليه ما ذكره في «الكاشف»: وثق، وهو كالرد الضمني على من تكلم فيه بلا حجة، أو جهل حاله.
ومن البيان الذي يمحق اتهام الحافظ الذهبي بالتناقض، أنه في كتابه «الكاشف» لا يجسر على جرح من لم يعلم فيه جرحا مفسرا، ولا مجهول لمجرد جهالته، حتى يختبر حديثه، ويعتبره بميزاني الصدق والضبط، وهما المعياران اللذان لا يخطئان.
وله في هذا المعني قاعدته الذهبية، التي ذكرها في ذيل كتابه «ديوان الضعفاء» (ص 478): «وأما المجهولون من الرواة، فإن كان من كبار التابعين أو أوساطهم؛ احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن؛ إذا سلم من مخالفة الأصول، وركاكة الألفاظ» اهـ.
فالراجح عنده في المجهول من كبار التابعين وأوساطهم، ممن لم يذكره إمام من أئمة الجرح والتعديل المعتبرين بجرح: قبول روايته، والاحتجاج بها.
وقد صدق من قال واصفا منهج من على شاكلته من متقدمي الأئمة: «وهذا يدل على أن جل اعتمادهم في التوثيق والجرح إنما هو على سبر حديث الراوي، فإذا تتبع أحدهم أحاديث الراوي، فوجدها مستقيمة تدل على صدق وضبط، ولم يبلغه عنه ما يوجب طعنا في دينه وثقه».
ولولا خشية التطويل، لذكرت جمع كثرة من المجاهيل، الذين وثقهم فحول الأئمة النقاد: مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم، وتلقوا أحاديثهم بالقبول، ولم يطرحوها لمجرد جهالة رواتها، إذ تبينوا صدقهم، وضبطهم، واستقامة رواياتهم.
وقد بينت مناهجهم هذه بيانا شافيا في كتابي: «الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل».
ومن المهمات التي يجب التنبيه عليها هاهنا، زيادة على ما أسلفنا:
[1] أن من خرج له ابن حبان، وأستاذه ابن خزيمة في صحيحيهما، فهو ثقة عندهما، ما لم يقل ابن خزيمة: لا أعرفه بجرح، ولا عدالة، وما لم يقل عنه ابن حبان في ثقاته: لا أدري من هو!.
[2] وتوثيقهما لمن لم يعرف فيه جرح مفسر، معتبر، متلقى عنهما بالقبول، خلافا لمن وصفهما بالتساهل.
ولا يذهبن عنك قول الحافظ الذهبي: «لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة».
فإذا شاركهما النسائي، والحاكم، فخرجا لمن وثقاه، فهذا أرفع، وأوثق ممن تفردا به.
[3] من لطائف تنبيهات الجهابذة النقاد: ما قاله ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» (2/ 36):
باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه، وعن المطعون عليه أنها لا تقويه.
قال: سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة؛ مما يقويه؟، قال: إذا كان معروفا بالضعف لم تقوه روايته عنه، وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه.
ولا معنى لقوله عن المجهول: نفعه رواية الثقة عنه، إلا حسن الظن به، وتعديله، وتلقي روايته بالرضا والقبول، ما لم تخالف الأصول. ومن أبين تطبيقاته عند أبي حاتم الرازي:
ما قاله ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» (7/ 255/ 1399): محمد بن أبي رزين. روى عن أمه. روى عنه سليمان بن حرب. سئل أبي عنه، فقال: شيخ بصري، لا أعرفه، لا أعلم روى عنه غير سليمان بن حرب، وكان سليمان قل من يرضى من المشايخ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ، فاعلم أنه ثقة اهـ. فهذا أحد المجاهيل، ممن لا يعرفهم أبو حاتم، فوثقه لرواية الثقة سليمان بن حرب عنه؛ لما علم من تثبته، وتحرزه، وانتقائه لشيوخه، وأنه لا يروي إلا عن ثقة.
[4] وليس الأمر في هذا النوع من التوثيق على إطلاقه، ولكنه نافع فيمن لا يعلم فيه جرح، ولم يتكلم فيه بتليين. فقد سئل أحمد بن حنبل عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب؟، فقال: يزين أمره عندي أن مالكا روى عنه، يعني أن: مالكا لا يروي إلا عن ثقة. ومع ذلك، قال النسائي: عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي، وإن كان روى عنه مالك. وإنما قالها النسائي لوجود المانع، وهو التليين.
وشعبة بن الحجاج ممن قالوا عنه في جمع من الأئمة، كيحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد، وأبي زرعة: لا يروي إلا عن ثقة. ومع ذلك، فقد روى عن جماعة من الضعفاء: جابر بن يزيد الجعفي، وإبراهيم بن مسلم الهجري، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وغيرهم. وإنما ردوا رواية شعبة عن هؤلاء؛ لوجود الجرح فيهم.
فهذا فرقان واضح بين ما يقبل من التوثيق الضمني، وما لا يقبل منه، فليتنبه لمثله!.
فصل:
وقد يتأكد توثيق عبد الله بن أبي الجعد برواية أخيه الثقة الثبت سالم بن أبي الجعد عنه، إذ هو أوثق وأرفع الرواة عنه، والأخ أعلم الناس بحال أخيه، فدلت روايته عنه على علو درجته، وإن كان سالم أبين، وأسلم توثيقا منه؛ بل ومن سائر إخوته، إذ لا مغمز في توثيقه، إلا قولهم: يدلس ويرسل، ومع ذا فهو من رجال الصحيحين.
وحديثه عن أخيه عبد الله بن أبي الجعد، أخرجه أحمد «المسند» (4/ 25/ 2117 و 5/ 64/ 2878) قال: حدثنا يزيد بن هارون، ويحيى بن آدم - فرقهما واللفظ لأولهما قالا:- أخبرنا مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أخيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: في جلود الميتة قال: «إن دباغه قد أذهب بخبثه، أو رجسه، أو نجسه».
وأخرجه ابن خزيمة «صحيحه» (114)، والحاكم «المستدرك» (1/ 265) كلاهما من طريق يحيى بن آدم، والبيهقي «السنن الكبرى» (1/ 26)، وأبو نعيم «حلية الأولياء» (5/ 99)، وابن عبد البر «التمهيد» (4/ 161) ثلاثتهم من طريق يزيد بن هارون، كلاهما - يحيى ويزيد- عن مسعر بإسناده نحوه.
قال أبو بكر البيهقي: هذا إسناد صحيح. وسألت أحمد بن علي الأصبهاني عن أخي سالم هذا، فقال: اسمه عبد الله بن أبي الجعد.
وقال أبو عبد الله الحاكم: هذا حديث صحيح، ولا أعرف له علة، ولم يخرجاه.
فصل: ذكر من خالف الثوري على سند الحديث ومتنه
وخولف الثوري على رواية الحديث على لونين:
[الأول] خالفه عمر بن شبيب المسلي الكوفي بما:
أخرجه الروياني «مسنده» (626)، وأبو القاسم الأصبهاني «الترغيب والترهيب» (427)، وعبد الغني المقدسي «الترغيب في الدعاء» جميعا من طريق عمر بن شبيب عن عبد الله بن عيسى عن حفص، وعبيد الله ابني أخي سالم بن أبي الجعد عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان مرفوعا بنحو حديث الثوري.
وزاد الروياني، والمقدسي في حديثيهما: «وإن في التوراة لمكتوب: يا ابن آدم، اتق ربك، وبر والدك، وصل رحمك، أمدد لك في عمرك، وأيسر لك يسرك، وأصرف عنك عسرك».
قلت: وهذا منكر الإسناد والمتن. وعلته: عمر بن شبيب المسلي الكوفي. بين الأمر في الضعف، وليس حديثه بشيء.
قال يحيى بن معين: قد رأيته لم يكن بشيء. وقال مرة: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: ضعيف لا يحتج بروايته.
وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم، قال: وكنت أسمع أصحابنا يضعفونهم.
وقال: ليس حديثه بشيء. وذكره في الضعفاء: العقيلي، وابن عدي، وابن الجوزي، والذهبي.
قال ابن أبي حاتم «علل الحديث» (1988): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عمر بن شبيب عن عبد الله بن عيسى عن حفص، وعبيد الله ابني أخي سالم بن أبي الجعد عن سالم عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزيد في العمر إلا البر ... » الحديث؟.
فقالا: هذا خطأ؛ رواه سفيان الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح. قلت لهما: ليس لسالم بن أبي الجعد هاهنا معنى؟، قالا: لا اهـ.
[الثاني] وخالف فضيل بن محمد الملطي جماعة الرواة عن الثوري:
فقد أخرج الطبراني «الدعاء» قال: حدثنا فضيل بن محمد الملطي ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن يحيى بن الحارث عن أبي الأشعث الصنعاني عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن العبد ليحرم الرزق بذنب يذنبه».
قلت: وهذا متن صحيح، وإسناد مقلوب. أخطأ فضيل بن محمد الملطي في روايته عن أبي نعيم، فلزم الجادة، وخالف الأثبات من أصحاب أبي نعيم الفضل بن دكين.
فقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو زرعة الدمشقي، وإبراهيم بن ديزيل، وفهد بن سليمان، كلهم عن أبي نعيم عن الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان.
وبهذا الإسناد المحفوظ، رواه الأثبات من أصحاب الثوري عنه، كما أسلفنا بيانه في التخريج."
ومن كل ما سبق يتبين أن الألفى في كتابه هذا يقول لنا أن المجهولين في الأسانيد يوثقون إذا صحت الروايات ولا ندرى كيف يعرف صدق روايات بعض المجاهيل من كذبها بصحة الروايات وعلم الحديث دائر على صحة الإسناد وهو معرفة الرواة وصدقهم أو كذبهم او نسيانهم وهنا لا يوجد معروف بدليل كونه مجهول
والغريب أيضا أنه يضرب كلام المتحدثين في الرجال ببعضه فمثلا انتقد البخارى عندما جعل راويا مجهول رغم روايته عنه ودافع عن الذهبى رغم تناقض كلامه في رجل واحد وهو كلام لا يستقيم فغما أن انتقد الاثنين أو أسكت
وتناقض كلام الواحد في رجل يدل على عدم الوثاقة أساسا بعلم الحديث كما أن تناقض الاثنين والثلاثة وغيرهم في الرجل الواحد يجعل كل الروايات باطلة لا تصح منها رواية واحدة حتى أن بعض الكتب اتهمت أئمة الحديث والمذاهب جميعا بضعف حديثهم وهو ما يجرنا إلى أن القاعدة الوحيدة المقبولة لصحة أو بطلان الحديث هو عرضه على القرآن فإن وافقه في المعنى صحت الرواية وإن كان رجالها جميعا ضعفاء ومتهمون وإن عارضه في المعنى بطلت الرواية وإن كان رجالها موثقون عند أئمة الحديث