نقد كتاب المعنى التفصيلي لتسبيح الله جل وعلا
المؤلف هو عبد الرحمن بن عبد الخالق وقد استهل الكلام بكون الإيمان حمد وتسبيح فقال:
"الإيمان حمد وتسبيح:
الإيمان بالله سبحانه وتعالى يشتمل على أمرين: الحمد والتسبيح، فالحمد هو الثناء على الله سبحانه وتعالى بما هو أهله والتسبيح هو تنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به، ولا هو من صفته وفعله جل وعلا، وإن شئت فقل الإيمان نفي وإثبات: فالنفي معناه تنزيه الله عما لا يليق به، والإثبات هو الثناء على الله جل وعلا بما يتصف به من الصفات والأفعال والذات."
والخطا كون الحمد ثناء وكون التسبيح تنزيه لله وهو ما يتعارض مع كون الحمد هو التسبيح هو السجود هو الإسلام وهو الطاعة كما قال تعالى :
"وله الحمد فى السموات والأرض "
وهو ما فسره بقوله:
"ألم تر أن الله يسبح له من فى السموات والأرض"
وفسره بقوله:
"ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها"
وفسره بقوله:
"وله أسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها"
وتحدق عن الإحاطة بالله فقال:
لا يحيط بالله علما إلا الله:
فأما محامد الله سبحانه وتعالى فإنه لا يحيط بها إلا الله، لأنه لا يعلم من هو الله على الحقيقة إلا الله، وأما الخلق من الملائكة والجن والإنس فإن عقولهم لا يتسع علمها للإحاطة بالله علما، قال جل وعلا عن ملائكته: {يعلم ما بين أيديهم ما خلفهم ولا يحيطون به علما}.
فالملائكة المقربون بالله جل وعلا لا يحيطون علما بالله، فالله سبحانه وتعالى أجل وأعظم وأكبر من أن يحيط أحدا علما به، وأما هو سبحانه وتعالى فقد وسع كل شيء علما فما من ذرة فما فوقها خلقها الله في السموات والأرض إلا وهو يعلمها منذ برأها، ويعلم كل ما يجري عليها من التصريف والتحويل لحظة بلحظة... قال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}، بل وما لم يخلقه الله قد أحاط الله علما به إذا كان كيف يكون."
كان ينبغى على المؤلف أن يذكر تفسير الله لعدم الإحاطة به وهو قوله تعالى :
" ولا يحيطون بشىء من علمه إلا بما شاء"
فالإحاطة تعنى العلم وقد بين الله أن الناس يعلمون من علومه ما يريد لهم أن يعرفوه
وأما العلم بالذات نفسها فقد شرحها فى الوحى من خلال الحدبث عن ذاته فى آيات كثيرة مثل" قل هو الله أحد" "الحلا الذى لا يموت" " ليس كمثله شىء"
فالله هو من احاطنا علما بنفسه من خلال الوحى
ثم قال:
"وهذه الصفة وحدها من صفات الله كافية لإعلام العباد أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن لخلقه أن يحيطوا علما به، إذ كيف يمكن تصور علم الله للموجودات، وهذه الموجودات هي من الاتساع والكثرة، وتقلب الأحوال ما لا يمكن لعقل حدة أو معرفة مقداره، وهل يتسع عقل في السماوات والأرض أن يحيط علما بهذا الكون الفسيح الذي لا يعلم البشر لليوم له نهاية وحدا... فإذا كانت عقول البشر لا تسع أن تعلم الموجود، فكيف تسع من وسع علمه كل الوجود {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير}. وقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه}. وقال تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا}، وقال تعالى: {وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} فكيف يمكن للمخلوق الصغير الضعيف أن يحيط علما بالإله العلي الكبير الذي مثل السموات والأرض في كفه سبحانه كخردلة في كف إنسان (ولله المثل الأعلى).
والذي قال عن نفسه: {يوم نطوى السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين}.
قال الإمام البخاري رحمه الله في قوله تعالى {وما قدروا الله حق قدره} حدثنا آدم حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السموات على أصبع والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع فيقول: أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة}.
وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى بلفظ آخر أبسط من هذا السياق وأطول فقال حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده يحركها يقبل بها ويدبر [يمجد الرب نفسه أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم] فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا ليخرن به.
وقد رواه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث عبدالعزيز بن أبي حازم زاد مسلم عن عبيد الله بن مقسم في هذا الحديث أنه نظر إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كيف يحكى النبي صلى الله عليه وسلم قال يأخذ الله تبارك وتعالى سمواته وأرضه بيده ويقول: أنا الملك ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟"
وكل الروايات السابقة روايات لا أصل لها فهو تشبيه لله بخلقه فى وجود أصابع وهو ما يخالف قوله تعالى :
"ليس كمثله شىء"
وهى تتعارض مع قوله تعالى:
" والأرض جميعا قبضته "
والقبضة مقفلة بينما الأصابع فى الروايات كلها واقفة على كل واحد منها شىء
زد على هذا أن ان السموات مطويات بيمينه أى فى يد وليس على أصبع فى قوله تعالى :
" والسموات مطويات بيمينه"
ثم قال :
"لا يبلغ أحد ثناءا على الله كما أثنى الله على نفسه:
فمن كانت هذه صفته أنى للعباد أن يحيطوا علما به.. بل لا يعلمون من صفاته إلا ما أعلمهم، وما تستوعبه عقولهم، والله بعد ذلك أكبر وأجل وأعظم من أن يحيط أحد علما به علي الصفة التي هو عليها سبحانه وتعالى، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أثنى على الله بما علمه الله سبحانه وتعالى يقول بعد ذلك: [سبحانك لا أحصى ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك].
فإن العباد مهما قالوا من المدح والثناء على الله فإنهم لا يبلغون حقيقة ما يتصف به الله.
ويوم القيامة عندما يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم للشفاعة بين يدي ربه تبارك وتعالى يلهمه الله من تحميده والثناء عليه شيئا لم يكن يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا.
والخلاصة أن معنى الحمد هو الثناء على الله بما هو أهله، وقد أنزل الله في الكتاب وعلى لسان الرسول من صفاته وأفعاله، ما عرفنا به سبحانه وتعالى عن نفسه من أنه الله الرب الرحمن الرحيم الملك القدوس البارئ المصور، من له الأسماء الحسنى والصفات العلى، والمثل الأعلى.
والشهادة لله بما شهد لنفسه، وبما يشهد له به ملائكته ورسله، وأهل العلم من خلقه هو الإيمان، وهو معنى الحمد. قال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو، والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم}.
هذا فيما يتعلق بالحمد ذكرناه على وجه الإجمال"
وما قاله هو تكرار لما سبق أن قاله وهو خطأ فادح فالتسبيح والحمد ليس كلمات مدح وثناء وإنما هو طاعة الله ثم كرر ما قاله سابقا فقال أيضا:
"التسبيح هو الوجه الآخر للحمد:
وأما التسبيح فإنه الوجه الآخر للحمد، إذ معناه نفس كل صفات النقص عن الله تبارك وتعالى، وتنزيه الله عما لا يليق به جل وعلا، وما ليس من صفته وفعله وما يتنزه سبحانه وتعالى عنه، فكل صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى فالله منزه عن ضدها من صفات النقص والعيب، فالله واحد منزه أن يكون له شبيه أو نظير."
وهذا ما ذكره فى أول الكتاب ثم قال عن الصفة والصفة المضادة كالرحمة والعقاب:
"كونه الرحمن الرحيم لا ينافي كونه شديد العقاب:
وهو الرحمن الرحيم منزه عن الظلم، وأما كونه سبحانه وتعالى شديد العقاب فهو لا ينافي ولا يضاد كونه سبحانه وتعالى رحمانا رحيما، لأن لا يعاقب إلا من هو أهل للعقاب، ويضع سبحانه وتعالى رحمته فيمن يستحقها. قال تعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم}.
فمغفرته سبحانه وتعالى للتائبين من عبادته ورحمته لأهل طاعته قال تعالى: {عذابي أصيب به من أشاء، ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون}.
وأكمل كلامه عن الصفات فقال:
الحي الذي لا يموت والقيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم:
والله سبحانه وتعالى هو الحي الذي لا يموت، والقيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم والعلي العظيم، الذي لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، والغني الذي لا يفتقر إلى سواه، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه فليس له من عبادة معين، ولا وزير، ولا وكيل، بل جميع خلقه في حاجة إليه وهو سبحانه وتعالى لا يحتاج أحدا من خلقه، وهو سبحانه وتعالى الجبار المتكبر الذي ذل له كل خلقه، وقهر كل ما سواه، والذي لا يقهره أحدا، ولا يكرهه أحد، ولا يجبره أحد تعالى الله أن يكون له من عباده مكره."
وتحدث عن الألوهية فقال:
1- الألوهية أعظم صفات الحمد ونفي أضدادها أعظم معاني التسبيح:
الشهادة لله سبحانه وتعالى بأنه الإله وحده مقدمة علي جميع الصفات لأن كل الصفات راجعة إلى هذه الصفة، فإن الإله بمعنى المعبود لا يكون إلها حقا إلا إذا كان يملك معبوده خلقا وتصريفا، وإحسانا وتربية ورزقا، ولا يملك هذه إلا الله وحده... وأما غيره ممن ادعيت له الألوهية كالملائكة والرسل، والكواكب والجن والحجر، والشجر والحيوان، فإنها بذاتها مخلوقات لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا فضلا أن تملكه لغيرها. ولذلك فمن عبدها من البشر فهو ظالم لأنه وضع العبادة في غير محلها {إن الشرك لظلم عظيم}، فمن عبد الملائكة مثلا مهما ادعى فيهم فهو كافر مشرك لأن الملائكة خلق محتاج مربوب، لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولا يملكون لغيرهم نفعا ولا ضرا إلا بإذن مولاهم، خالقهم. قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه، بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين}.
فمن عبد الملائكة ظانا أنهم أولاد الله فهو مفتر كذاب قائل بالظن والتخبيط، ثم إن هؤلاء الملائكة هم عباد الله لا يتكلمون إلا بما يأذن الله لهم أن يتكلموا به، وهذا من كمال عبوديتهم لله {لا يسبقونه بالقول}، ثم هم مطيعون لأمره {وهم بأمره يعملون}، ثم إن ربهم وخالقهم يحيط علما بكل عملهم وهم لا يحيطون علما بالله. قال تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما}.
ثم إن ربهم قادر عليهم فلو فرض أن أحدا منهم ادعى إنه إله مع الله، ودعا الناس إلى عبادة نفسه لأذله الله، وألقاه في النار {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين}..
فكيف يعبد بعد ذلك من هذه حاله، ومعلوم أن العبادة ذل وخضوع وطاعة واستسلام للمعبود... فكيف يذل العبد ويخضع ويستسلم، ويطيع من لا يملك ضره ولا نفعه ولا موته ولا حياته ولا نشوره، والذي لم يخلقه ولم يرزقه، ولم يحييه ولا يملك موته.
لا شك أن من فعل ذلك وعبد مخلوقا مثله لا يملك لعابده نفعا ولا ضرا فهو ظالم كافر مشرك.
وإذا كانت الملائكة كذلك في أنهم عباد الله المحتاجون إليه، وليسوا أولاده وليس لهم شركة مع الله في الخلق أو الأمر، فإن من دون الملائكة كذلك، فالرسل مثلا وهم صفوة الله من خلقه، وأمناؤه على وحيه، وأولياؤه وأنصاره، لا يعبدون. ومن عبدهم فهو ظالم مشرك، لأن الذي يستحق العبادة هو رب العالمين، وخالق الناس أجمعين، وأما الرسل مع كرامتهم على الله إلا أنهم لا يستحقون من المخلوق أن يعبدهم، كيف وهم الذين جاءوا يدعون الناس إلى عبادة ربهم وخالقهم، وهم كانوا أسبق الناس إلى طاعة إلههم ومولاهم.
وما كان لأحد منهم أن يدعو الناس إلى عبادة نفسه. قال تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون، ولا يأمركم أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابا، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}.
فمن عبد أحدا من الرسل فهو عاص لله أولا وعاص لرسل الله جميعا الذين ما جاءوا إلا ليدعوا الناس إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده. وكذلك الحال فيمن دون الرسل من الصالحين والأولياء...
الملائكة المعبودون هم أنفسهم عابدون مجتهدون!!
وقد بين سبحانه وتعال فساد عبادة هؤلاء المشركين، وسخر من شركهم وجهلهم وذلك أن هؤلاء المشركين يعبدون من هم مجدون مجتهدون في عبادة مولاهم. قال تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب، ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}.
والمعنى انظروا إلى عبادة هؤلاء المشركين للملائكة والرسل، والحال أن ملائكة الله ورسله مجدون مجتهدون في طلب القربى من الله والزلفى منه فهم يعبدون من هو قائم بعبادة الله!!
ولا أضل ممن هذا حاله... فكيف تعبد أيها المشرك من هو مجد مجتهد في عبادة ربه محتاج مفتقر إليه، ساع في طلب الوسيلة إليه!!
وأما الذين اتخذوا من دون الملائكة والرسل آلهة لهم كمن عبدوا الشمس والقمر والنجوم، والأشجار والأحجار والأنهار، فهم أضل سبيلا، وأضل منهم من عبد من هو دون ذلك في سلم الخلق كمن عبد القرود، والفئران، والحيات، والأبقار... الخ
عجبا للإنسان يتخذ ممن هو دونه إلها له يعبده ويخافه ويرجوه!!:
والعجب كل العجب من هذا الإنسان الذي كرمه الله بالعقل والسمع والبصر كيف يتخبط ليتخذ من هذه المخلوقات الحقيرة إلها يقدسه ويعبده ويصلي له، ويسجد له ويطلب منه النفع ويخاف منه الضر!!
وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول: {العصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
ويقول جل وعلا: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا عملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون}"
والكلام صحيح ولكن لا علاقة لموضوع الكتاب وهو التسبيح والحمد بمعنى الثناء والتنزيه ثم تحدث عن الملحدين فقال:
أحط البرية من عاش لا يعرف له إلها خالقا رازقا:
وأما من عاش في هذا الكون ولم يعلم له إلها ولا خالقا ولا رازقا، ولم يبصر في هذا الوجود حكمة لوجوده وظن أنه وجد في هذه الأرض ليأكل ويشرب ويتمتع ويعمل ما يحلو له، ولا يتخذ لنفسه معبودا إلا هواه ولا ربا إلا نفسه، فهذا أضل من الأنعام سبيلا. قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يعقلون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}"
وتحدث عن كون الله هو الاسم الأعظم فقال :
الله هو الاسم الأعظم للرب جل وعلا:
"والخلاصة: أن صفة الألوهية لله جل وعلا هي أجمع الصفات ولذلك كان اسم الله هو الإسم الأعظم للرب الخالق الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى.
والله معناها الإله، والله سبحانه وتعالى هو الإله الحق، وما عداه ممن تسمى بالإله إله باطل، تسمى بالإله ولا يستحق هذه التسمية، فإذا سمى بعض البشر الشمس (الإلهة) فتسميتهم إياها بالآلهة باطل، فالشمس ليست آلهة، ولا تملك من الألوهية شيء، وتسمية الكفار أصنامهم التي يعبدوها آلهة تسمية باطلة، وهذه الأصنام والأحجار ليست آلهة على الحقيقة، ولا تملك من معاني الألوهية شيء، فليست بخالقة ولا رازقة، ولا تحيي، ولا تميت، ولا تملك شيئا يؤهلها إلى أن تكون معبودة، فالتسمية باطلة ولذلك كان الرسل يقولون لأقوامهم المشركين {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}، والمعنى أنكم سميتموها آلهة وهي ليست كذلك ولا تملك من معاني الألوهية شيئا."
وقطعا لم يذكر الله فى الوحى شىء اسمه الأعظم وطبقا للروايات المزعومة ليس الله هو الاسم الأعظم
ثم تحدث عن الوحدانية فقال:
"الإله لا يكون إلا واحدا:
والإله الحق لا يكون في الوجود إلا واحدا، لأن الإله الحق لا بد وأن يكون خالقا رازقا متصرفا قديرا، ربا فالذي يستحق العبادة لا يكون إلا كذلك.
ولو فرض وجود خالقين رازقين يملك كل منهما القدرة على الإحياء والإماتة والتصريف، لفسد هذا الكون الذي نعيش فيه، وذلك أن كل إله لا بد وأن يكون منفصلا عن الآخر بمخلوقاته، ولا يتصور أن يوجد ويبقى خالق في كنف وطاعة خالق آخر مماثل له.
قال تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} أي السموات والأرض تفسدان لو كان الذي خلقهما خالقان وذلك أن أحدهما بالضرورة لا بد وأن يعادي الآخر ويحاربه ليكون هو الإله وحده، أو ينفصل أحدهما عن الآخر بما يخلقه. قال تعالى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا* سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا يسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا}.
فلو كان هناك آلهة يستحقون العبادة كما يقول المشركون فإنهم بالضرورة لا بد وأن يتخذوا سبيلا إلى مغالبة الرب العظيم صاحب العرش، والغالب في النهاية هو الإله وحده... وهذا الفرض إنما فرض للجدال وبيان الأمر، فإن الله سبحانه وتعالى بين لهم فساد اعتقادهم في وجود شريك مع الله. إذ لو كان معه شريك حقا يخلق ويرزق ويحيي ويميت فلا بد وأن يغالب الله لتكون الألوهية لواحد...
وسبحان الله أن يكون في الكون من يغالبه أو ينازعه. قال تعالى: {ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون}.
فالله سبحانه وتعالى لم يتخذ ولدا ولو كان له ولد لكان مثله يخلق ويرزق ويحيي ويميت كما يقولونه النصارى الضالون. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، والله جل وعلا ليس معه إله، لأنه لو كان معه إله يستحق أن يعبد لعلا كل منهما على الآخر، حتى يكون العلي واحدا أو لذهب كل إله بما خلق إلى ناحية من الوجود، وانفرد بخلقه وعباده عن خلق غيره... تعالى الله أن يكون في الوجود سواه، وأن يكون هناك إله معه."
ثم تحدث عن كون وحدة الخلق دليل على وحدة الخالق وهو استدلال خاطىء لأن الخلق ليس فيهم وحدة وإنما اختلاف وهو قوله:
"وحدة الخلق دليل على وحدة الخالق:
وأعظم دلالات الوحدانية هي وحدة الخلق فلما كان الخلق كله وحدة واحدة يرتبط كل جزء منه بالجزء الآخر، ارتباط العضو بالجسد كان هذا دليلا على أن الخالق واحدا، فالسموات مع الأرض ترتبطان ارتباط كل جزء في الآلة الواحدة بالجزء الآخر، وكأنها ساعة واحدة كل ترس من تروسها ينتظم مع الترس الآخر. انظر في السموات إلى ملايين النجوم، وآلاف المجرات. كل في فلكه يسبحون لا يتأخر كوكب أو نجم عن دورته ثانية واحدة، ولا جزءا من ثانية، ولا يخرج كوكب ولا نجم عن مساره قيد أنملة. فهل يمكن أن يكون هذا الخلق الذي ينتظم في وحدة واحدة إلا من خلق إله واحدا؟! هل يتصور خالقان يشتركان في خلق هذا الوجود وملائمتهما مع كل ذرة في الوجود.
انظر إلى الأرض التي نعيش عليها نجد أن كل جزء منه في موضعه الصحيح والمناسب من كل جزء آخر، وكل فرد من أفراد مخلوقاتها متناسبة في الخلق مع سائر الأفراد، فاليابسة مناسبة للماء تماما، والليل على سطح الأرض مناسب للنهار تماما، ولو طال الليل عما هو عليه الآن ساعة واحدة لتجمدت الأرض، ولو طال النهار عن منسوبه في الأرض لاحترقت.
وخليط الهواء الذي نستنشقه متناسق تماما ولو زاد بعض هذا الخليط عن نسبته لفسدت الحياة لو زاد الأكسجين في الجو عن معدله، لاحترقنا عند أول حريق!! ولفسد تنفس النبات فمات!! وانظر إلى دورة الماء على الأرض منذ صعودها من الجبال بخرا، وهطولها على الأرض مطرا وجريانها أنهارا، ودخولها إلى بطن الأرض مخزونا، وقيام حياة المخلوقات على الأرض على الماء حياة وبقاءا... ألا نبئك كل ذلك على أن الخالق واحد سبحانه وتعالى...
قال جل وعلا: {الله الذي يرسل الرياح فيثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله}.
وقال تعالى: {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، وأنزلنا من السماء ماءا طهورا لنحيي به بلدة ميتا، ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا، ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا}.
وآيات الله سبحانه وتعالى في الخلق لا يمكن إحصاؤها ولا الإحاطة بها.
والخلاصة: أن وحدانية الله سبحانه وتعالى هي أصل الصفات لأن الرب سبحانه وتعالى واحد في ذاته واحدا في صفاته، واحدا في أفعاله فلا شبيه له في ذات أو صفة أو فعل.
وأعظم معاني التسبيح هو تنزيه الله عن أي شبيه ومثيل له في الذات أو في الصفات، وفي كونه وحده الإله الحق الذي لا إله إلا هو."
قطعا الرجل أخطأ التعبير الذى قاله وهو وحدة الخلق وإنما قصد عدم التفاوت والمراد عدم النقص فى الخلق وهو إتقان الخلق
المؤلف هو عبد الرحمن بن عبد الخالق وقد استهل الكلام بكون الإيمان حمد وتسبيح فقال:
"الإيمان حمد وتسبيح:
الإيمان بالله سبحانه وتعالى يشتمل على أمرين: الحمد والتسبيح، فالحمد هو الثناء على الله سبحانه وتعالى بما هو أهله والتسبيح هو تنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به، ولا هو من صفته وفعله جل وعلا، وإن شئت فقل الإيمان نفي وإثبات: فالنفي معناه تنزيه الله عما لا يليق به، والإثبات هو الثناء على الله جل وعلا بما يتصف به من الصفات والأفعال والذات."
والخطا كون الحمد ثناء وكون التسبيح تنزيه لله وهو ما يتعارض مع كون الحمد هو التسبيح هو السجود هو الإسلام وهو الطاعة كما قال تعالى :
"وله الحمد فى السموات والأرض "
وهو ما فسره بقوله:
"ألم تر أن الله يسبح له من فى السموات والأرض"
وفسره بقوله:
"ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها"
وفسره بقوله:
"وله أسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها"
وتحدق عن الإحاطة بالله فقال:
لا يحيط بالله علما إلا الله:
فأما محامد الله سبحانه وتعالى فإنه لا يحيط بها إلا الله، لأنه لا يعلم من هو الله على الحقيقة إلا الله، وأما الخلق من الملائكة والجن والإنس فإن عقولهم لا يتسع علمها للإحاطة بالله علما، قال جل وعلا عن ملائكته: {يعلم ما بين أيديهم ما خلفهم ولا يحيطون به علما}.
فالملائكة المقربون بالله جل وعلا لا يحيطون علما بالله، فالله سبحانه وتعالى أجل وأعظم وأكبر من أن يحيط أحدا علما به، وأما هو سبحانه وتعالى فقد وسع كل شيء علما فما من ذرة فما فوقها خلقها الله في السموات والأرض إلا وهو يعلمها منذ برأها، ويعلم كل ما يجري عليها من التصريف والتحويل لحظة بلحظة... قال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}، بل وما لم يخلقه الله قد أحاط الله علما به إذا كان كيف يكون."
كان ينبغى على المؤلف أن يذكر تفسير الله لعدم الإحاطة به وهو قوله تعالى :
" ولا يحيطون بشىء من علمه إلا بما شاء"
فالإحاطة تعنى العلم وقد بين الله أن الناس يعلمون من علومه ما يريد لهم أن يعرفوه
وأما العلم بالذات نفسها فقد شرحها فى الوحى من خلال الحدبث عن ذاته فى آيات كثيرة مثل" قل هو الله أحد" "الحلا الذى لا يموت" " ليس كمثله شىء"
فالله هو من احاطنا علما بنفسه من خلال الوحى
ثم قال:
"وهذه الصفة وحدها من صفات الله كافية لإعلام العباد أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن لخلقه أن يحيطوا علما به، إذ كيف يمكن تصور علم الله للموجودات، وهذه الموجودات هي من الاتساع والكثرة، وتقلب الأحوال ما لا يمكن لعقل حدة أو معرفة مقداره، وهل يتسع عقل في السماوات والأرض أن يحيط علما بهذا الكون الفسيح الذي لا يعلم البشر لليوم له نهاية وحدا... فإذا كانت عقول البشر لا تسع أن تعلم الموجود، فكيف تسع من وسع علمه كل الوجود {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير}. وقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه}. وقال تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا}، وقال تعالى: {وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} فكيف يمكن للمخلوق الصغير الضعيف أن يحيط علما بالإله العلي الكبير الذي مثل السموات والأرض في كفه سبحانه كخردلة في كف إنسان (ولله المثل الأعلى).
والذي قال عن نفسه: {يوم نطوى السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين}.
قال الإمام البخاري رحمه الله في قوله تعالى {وما قدروا الله حق قدره} حدثنا آدم حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السموات على أصبع والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع فيقول: أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة}.
وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى بلفظ آخر أبسط من هذا السياق وأطول فقال حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده يحركها يقبل بها ويدبر [يمجد الرب نفسه أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم] فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا ليخرن به.
وقد رواه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث عبدالعزيز بن أبي حازم زاد مسلم عن عبيد الله بن مقسم في هذا الحديث أنه نظر إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كيف يحكى النبي صلى الله عليه وسلم قال يأخذ الله تبارك وتعالى سمواته وأرضه بيده ويقول: أنا الملك ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟"
وكل الروايات السابقة روايات لا أصل لها فهو تشبيه لله بخلقه فى وجود أصابع وهو ما يخالف قوله تعالى :
"ليس كمثله شىء"
وهى تتعارض مع قوله تعالى:
" والأرض جميعا قبضته "
والقبضة مقفلة بينما الأصابع فى الروايات كلها واقفة على كل واحد منها شىء
زد على هذا أن ان السموات مطويات بيمينه أى فى يد وليس على أصبع فى قوله تعالى :
" والسموات مطويات بيمينه"
ثم قال :
"لا يبلغ أحد ثناءا على الله كما أثنى الله على نفسه:
فمن كانت هذه صفته أنى للعباد أن يحيطوا علما به.. بل لا يعلمون من صفاته إلا ما أعلمهم، وما تستوعبه عقولهم، والله بعد ذلك أكبر وأجل وأعظم من أن يحيط أحد علما به علي الصفة التي هو عليها سبحانه وتعالى، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أثنى على الله بما علمه الله سبحانه وتعالى يقول بعد ذلك: [سبحانك لا أحصى ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك].
فإن العباد مهما قالوا من المدح والثناء على الله فإنهم لا يبلغون حقيقة ما يتصف به الله.
ويوم القيامة عندما يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم للشفاعة بين يدي ربه تبارك وتعالى يلهمه الله من تحميده والثناء عليه شيئا لم يكن يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا.
والخلاصة أن معنى الحمد هو الثناء على الله بما هو أهله، وقد أنزل الله في الكتاب وعلى لسان الرسول من صفاته وأفعاله، ما عرفنا به سبحانه وتعالى عن نفسه من أنه الله الرب الرحمن الرحيم الملك القدوس البارئ المصور، من له الأسماء الحسنى والصفات العلى، والمثل الأعلى.
والشهادة لله بما شهد لنفسه، وبما يشهد له به ملائكته ورسله، وأهل العلم من خلقه هو الإيمان، وهو معنى الحمد. قال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو، والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم}.
هذا فيما يتعلق بالحمد ذكرناه على وجه الإجمال"
وما قاله هو تكرار لما سبق أن قاله وهو خطأ فادح فالتسبيح والحمد ليس كلمات مدح وثناء وإنما هو طاعة الله ثم كرر ما قاله سابقا فقال أيضا:
"التسبيح هو الوجه الآخر للحمد:
وأما التسبيح فإنه الوجه الآخر للحمد، إذ معناه نفس كل صفات النقص عن الله تبارك وتعالى، وتنزيه الله عما لا يليق به جل وعلا، وما ليس من صفته وفعله وما يتنزه سبحانه وتعالى عنه، فكل صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى فالله منزه عن ضدها من صفات النقص والعيب، فالله واحد منزه أن يكون له شبيه أو نظير."
وهذا ما ذكره فى أول الكتاب ثم قال عن الصفة والصفة المضادة كالرحمة والعقاب:
"كونه الرحمن الرحيم لا ينافي كونه شديد العقاب:
وهو الرحمن الرحيم منزه عن الظلم، وأما كونه سبحانه وتعالى شديد العقاب فهو لا ينافي ولا يضاد كونه سبحانه وتعالى رحمانا رحيما، لأن لا يعاقب إلا من هو أهل للعقاب، ويضع سبحانه وتعالى رحمته فيمن يستحقها. قال تعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم}.
فمغفرته سبحانه وتعالى للتائبين من عبادته ورحمته لأهل طاعته قال تعالى: {عذابي أصيب به من أشاء، ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون}.
وأكمل كلامه عن الصفات فقال:
الحي الذي لا يموت والقيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم:
والله سبحانه وتعالى هو الحي الذي لا يموت، والقيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم والعلي العظيم، الذي لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، والغني الذي لا يفتقر إلى سواه، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه فليس له من عبادة معين، ولا وزير، ولا وكيل، بل جميع خلقه في حاجة إليه وهو سبحانه وتعالى لا يحتاج أحدا من خلقه، وهو سبحانه وتعالى الجبار المتكبر الذي ذل له كل خلقه، وقهر كل ما سواه، والذي لا يقهره أحدا، ولا يكرهه أحد، ولا يجبره أحد تعالى الله أن يكون له من عباده مكره."
وتحدث عن الألوهية فقال:
1- الألوهية أعظم صفات الحمد ونفي أضدادها أعظم معاني التسبيح:
الشهادة لله سبحانه وتعالى بأنه الإله وحده مقدمة علي جميع الصفات لأن كل الصفات راجعة إلى هذه الصفة، فإن الإله بمعنى المعبود لا يكون إلها حقا إلا إذا كان يملك معبوده خلقا وتصريفا، وإحسانا وتربية ورزقا، ولا يملك هذه إلا الله وحده... وأما غيره ممن ادعيت له الألوهية كالملائكة والرسل، والكواكب والجن والحجر، والشجر والحيوان، فإنها بذاتها مخلوقات لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا فضلا أن تملكه لغيرها. ولذلك فمن عبدها من البشر فهو ظالم لأنه وضع العبادة في غير محلها {إن الشرك لظلم عظيم}، فمن عبد الملائكة مثلا مهما ادعى فيهم فهو كافر مشرك لأن الملائكة خلق محتاج مربوب، لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولا يملكون لغيرهم نفعا ولا ضرا إلا بإذن مولاهم، خالقهم. قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه، بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين}.
فمن عبد الملائكة ظانا أنهم أولاد الله فهو مفتر كذاب قائل بالظن والتخبيط، ثم إن هؤلاء الملائكة هم عباد الله لا يتكلمون إلا بما يأذن الله لهم أن يتكلموا به، وهذا من كمال عبوديتهم لله {لا يسبقونه بالقول}، ثم هم مطيعون لأمره {وهم بأمره يعملون}، ثم إن ربهم وخالقهم يحيط علما بكل عملهم وهم لا يحيطون علما بالله. قال تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما}.
ثم إن ربهم قادر عليهم فلو فرض أن أحدا منهم ادعى إنه إله مع الله، ودعا الناس إلى عبادة نفسه لأذله الله، وألقاه في النار {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين}..
فكيف يعبد بعد ذلك من هذه حاله، ومعلوم أن العبادة ذل وخضوع وطاعة واستسلام للمعبود... فكيف يذل العبد ويخضع ويستسلم، ويطيع من لا يملك ضره ولا نفعه ولا موته ولا حياته ولا نشوره، والذي لم يخلقه ولم يرزقه، ولم يحييه ولا يملك موته.
لا شك أن من فعل ذلك وعبد مخلوقا مثله لا يملك لعابده نفعا ولا ضرا فهو ظالم كافر مشرك.
وإذا كانت الملائكة كذلك في أنهم عباد الله المحتاجون إليه، وليسوا أولاده وليس لهم شركة مع الله في الخلق أو الأمر، فإن من دون الملائكة كذلك، فالرسل مثلا وهم صفوة الله من خلقه، وأمناؤه على وحيه، وأولياؤه وأنصاره، لا يعبدون. ومن عبدهم فهو ظالم مشرك، لأن الذي يستحق العبادة هو رب العالمين، وخالق الناس أجمعين، وأما الرسل مع كرامتهم على الله إلا أنهم لا يستحقون من المخلوق أن يعبدهم، كيف وهم الذين جاءوا يدعون الناس إلى عبادة ربهم وخالقهم، وهم كانوا أسبق الناس إلى طاعة إلههم ومولاهم.
وما كان لأحد منهم أن يدعو الناس إلى عبادة نفسه. قال تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون، ولا يأمركم أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابا، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}.
فمن عبد أحدا من الرسل فهو عاص لله أولا وعاص لرسل الله جميعا الذين ما جاءوا إلا ليدعوا الناس إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده. وكذلك الحال فيمن دون الرسل من الصالحين والأولياء...
الملائكة المعبودون هم أنفسهم عابدون مجتهدون!!
وقد بين سبحانه وتعال فساد عبادة هؤلاء المشركين، وسخر من شركهم وجهلهم وذلك أن هؤلاء المشركين يعبدون من هم مجدون مجتهدون في عبادة مولاهم. قال تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب، ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}.
والمعنى انظروا إلى عبادة هؤلاء المشركين للملائكة والرسل، والحال أن ملائكة الله ورسله مجدون مجتهدون في طلب القربى من الله والزلفى منه فهم يعبدون من هو قائم بعبادة الله!!
ولا أضل ممن هذا حاله... فكيف تعبد أيها المشرك من هو مجد مجتهد في عبادة ربه محتاج مفتقر إليه، ساع في طلب الوسيلة إليه!!
وأما الذين اتخذوا من دون الملائكة والرسل آلهة لهم كمن عبدوا الشمس والقمر والنجوم، والأشجار والأحجار والأنهار، فهم أضل سبيلا، وأضل منهم من عبد من هو دون ذلك في سلم الخلق كمن عبد القرود، والفئران، والحيات، والأبقار... الخ
عجبا للإنسان يتخذ ممن هو دونه إلها له يعبده ويخافه ويرجوه!!:
والعجب كل العجب من هذا الإنسان الذي كرمه الله بالعقل والسمع والبصر كيف يتخبط ليتخذ من هذه المخلوقات الحقيرة إلها يقدسه ويعبده ويصلي له، ويسجد له ويطلب منه النفع ويخاف منه الضر!!
وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول: {العصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
ويقول جل وعلا: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا عملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون}"
والكلام صحيح ولكن لا علاقة لموضوع الكتاب وهو التسبيح والحمد بمعنى الثناء والتنزيه ثم تحدث عن الملحدين فقال:
أحط البرية من عاش لا يعرف له إلها خالقا رازقا:
وأما من عاش في هذا الكون ولم يعلم له إلها ولا خالقا ولا رازقا، ولم يبصر في هذا الوجود حكمة لوجوده وظن أنه وجد في هذه الأرض ليأكل ويشرب ويتمتع ويعمل ما يحلو له، ولا يتخذ لنفسه معبودا إلا هواه ولا ربا إلا نفسه، فهذا أضل من الأنعام سبيلا. قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يعقلون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}"
وتحدث عن كون الله هو الاسم الأعظم فقال :
الله هو الاسم الأعظم للرب جل وعلا:
"والخلاصة: أن صفة الألوهية لله جل وعلا هي أجمع الصفات ولذلك كان اسم الله هو الإسم الأعظم للرب الخالق الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى.
والله معناها الإله، والله سبحانه وتعالى هو الإله الحق، وما عداه ممن تسمى بالإله إله باطل، تسمى بالإله ولا يستحق هذه التسمية، فإذا سمى بعض البشر الشمس (الإلهة) فتسميتهم إياها بالآلهة باطل، فالشمس ليست آلهة، ولا تملك من الألوهية شيء، وتسمية الكفار أصنامهم التي يعبدوها آلهة تسمية باطلة، وهذه الأصنام والأحجار ليست آلهة على الحقيقة، ولا تملك من معاني الألوهية شيء، فليست بخالقة ولا رازقة، ولا تحيي، ولا تميت، ولا تملك شيئا يؤهلها إلى أن تكون معبودة، فالتسمية باطلة ولذلك كان الرسل يقولون لأقوامهم المشركين {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}، والمعنى أنكم سميتموها آلهة وهي ليست كذلك ولا تملك من معاني الألوهية شيئا."
وقطعا لم يذكر الله فى الوحى شىء اسمه الأعظم وطبقا للروايات المزعومة ليس الله هو الاسم الأعظم
ثم تحدث عن الوحدانية فقال:
"الإله لا يكون إلا واحدا:
والإله الحق لا يكون في الوجود إلا واحدا، لأن الإله الحق لا بد وأن يكون خالقا رازقا متصرفا قديرا، ربا فالذي يستحق العبادة لا يكون إلا كذلك.
ولو فرض وجود خالقين رازقين يملك كل منهما القدرة على الإحياء والإماتة والتصريف، لفسد هذا الكون الذي نعيش فيه، وذلك أن كل إله لا بد وأن يكون منفصلا عن الآخر بمخلوقاته، ولا يتصور أن يوجد ويبقى خالق في كنف وطاعة خالق آخر مماثل له.
قال تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} أي السموات والأرض تفسدان لو كان الذي خلقهما خالقان وذلك أن أحدهما بالضرورة لا بد وأن يعادي الآخر ويحاربه ليكون هو الإله وحده، أو ينفصل أحدهما عن الآخر بما يخلقه. قال تعالى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا* سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا يسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا}.
فلو كان هناك آلهة يستحقون العبادة كما يقول المشركون فإنهم بالضرورة لا بد وأن يتخذوا سبيلا إلى مغالبة الرب العظيم صاحب العرش، والغالب في النهاية هو الإله وحده... وهذا الفرض إنما فرض للجدال وبيان الأمر، فإن الله سبحانه وتعالى بين لهم فساد اعتقادهم في وجود شريك مع الله. إذ لو كان معه شريك حقا يخلق ويرزق ويحيي ويميت فلا بد وأن يغالب الله لتكون الألوهية لواحد...
وسبحان الله أن يكون في الكون من يغالبه أو ينازعه. قال تعالى: {ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون}.
فالله سبحانه وتعالى لم يتخذ ولدا ولو كان له ولد لكان مثله يخلق ويرزق ويحيي ويميت كما يقولونه النصارى الضالون. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، والله جل وعلا ليس معه إله، لأنه لو كان معه إله يستحق أن يعبد لعلا كل منهما على الآخر، حتى يكون العلي واحدا أو لذهب كل إله بما خلق إلى ناحية من الوجود، وانفرد بخلقه وعباده عن خلق غيره... تعالى الله أن يكون في الوجود سواه، وأن يكون هناك إله معه."
ثم تحدث عن كون وحدة الخلق دليل على وحدة الخالق وهو استدلال خاطىء لأن الخلق ليس فيهم وحدة وإنما اختلاف وهو قوله:
"وحدة الخلق دليل على وحدة الخالق:
وأعظم دلالات الوحدانية هي وحدة الخلق فلما كان الخلق كله وحدة واحدة يرتبط كل جزء منه بالجزء الآخر، ارتباط العضو بالجسد كان هذا دليلا على أن الخالق واحدا، فالسموات مع الأرض ترتبطان ارتباط كل جزء في الآلة الواحدة بالجزء الآخر، وكأنها ساعة واحدة كل ترس من تروسها ينتظم مع الترس الآخر. انظر في السموات إلى ملايين النجوم، وآلاف المجرات. كل في فلكه يسبحون لا يتأخر كوكب أو نجم عن دورته ثانية واحدة، ولا جزءا من ثانية، ولا يخرج كوكب ولا نجم عن مساره قيد أنملة. فهل يمكن أن يكون هذا الخلق الذي ينتظم في وحدة واحدة إلا من خلق إله واحدا؟! هل يتصور خالقان يشتركان في خلق هذا الوجود وملائمتهما مع كل ذرة في الوجود.
انظر إلى الأرض التي نعيش عليها نجد أن كل جزء منه في موضعه الصحيح والمناسب من كل جزء آخر، وكل فرد من أفراد مخلوقاتها متناسبة في الخلق مع سائر الأفراد، فاليابسة مناسبة للماء تماما، والليل على سطح الأرض مناسب للنهار تماما، ولو طال الليل عما هو عليه الآن ساعة واحدة لتجمدت الأرض، ولو طال النهار عن منسوبه في الأرض لاحترقت.
وخليط الهواء الذي نستنشقه متناسق تماما ولو زاد بعض هذا الخليط عن نسبته لفسدت الحياة لو زاد الأكسجين في الجو عن معدله، لاحترقنا عند أول حريق!! ولفسد تنفس النبات فمات!! وانظر إلى دورة الماء على الأرض منذ صعودها من الجبال بخرا، وهطولها على الأرض مطرا وجريانها أنهارا، ودخولها إلى بطن الأرض مخزونا، وقيام حياة المخلوقات على الأرض على الماء حياة وبقاءا... ألا نبئك كل ذلك على أن الخالق واحد سبحانه وتعالى...
قال جل وعلا: {الله الذي يرسل الرياح فيثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله}.
وقال تعالى: {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، وأنزلنا من السماء ماءا طهورا لنحيي به بلدة ميتا، ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا، ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا}.
وآيات الله سبحانه وتعالى في الخلق لا يمكن إحصاؤها ولا الإحاطة بها.
والخلاصة: أن وحدانية الله سبحانه وتعالى هي أصل الصفات لأن الرب سبحانه وتعالى واحد في ذاته واحدا في صفاته، واحدا في أفعاله فلا شبيه له في ذات أو صفة أو فعل.
وأعظم معاني التسبيح هو تنزيه الله عن أي شبيه ومثيل له في الذات أو في الصفات، وفي كونه وحده الإله الحق الذي لا إله إلا هو."
قطعا الرجل أخطأ التعبير الذى قاله وهو وحدة الخلق وإنما قصد عدم التفاوت والمراد عدم النقص فى الخلق وهو إتقان الخلق