[size=18][size=24][size=24]قراءة فى كتاب فضل علم السلف على الخلف
[/size]مؤلف الكتاب هو ابن رجب وأساس الكتاب كما قال المؤلف :
"والتنبيه على فضل علم السلف على علم الخلف "
أساس الكتاب خاطىء فلا فضل لعلم السلف على علم الخلف فإذا كان الأساس يعنى كبر الكم المعلوماتى فالعصور تتفاوت فيما بينها فى كم المعلومات فقد يكون الكم كبير فى عصر قديم وفى عصر حديث قد يكون أعظم
وإذا كان الأساس يعنى العلم الصحيح فالعلم الصحيح موجود فى كل عصر محفوظ فى الكعبة الحقيقية كما قال تعالى :
"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
ولا فضل لخلف على سلف ولا لسلف على خلف لأن فى كل عصر ثلة من المقربين وثلة من أصحاب اليمين كما قال تعالى:
"والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الأخرين"
وقال :
"لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الأخرين"
ففى كل عصر يتواجد الصنفين ومن ثم لا تفاضل
وبين الرجل بعد ذلك انقسام العلم لنافع وضار فقال:
"قد ذكر الله تعالى في كتابه العلم تارة في مقام المدح وهو العلم النافع وتارة في مقام الذم وهو العلم الذي لا ينفع فأما الأول فمثل قوله تعالى قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون وقوله شَهِدَ اللَهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَة وَأُولوا العِلمَ قائِماً بِالقِسط وقوله وَقُل رَبِّ زِدني عِلماً وقوله إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ وما قص سبحانه من قصة آدم وتعليمه الأسماء وعرضهم على الملائكة وقولهم سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمتَنا إِنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحَكيم وما قصه سبحانه وتعالى من قصة موسى عليه السلام وقوله للخضر هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِمَني مِمّا عُلِّمتَ رُشدا فهذا هو العلم النافع
وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علماً ولم ينفعهم علمهم فهذا علم نافع في نفسه لكن صاحبه لم ينتفع به قال تعالى مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا وقال وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَإِتَّبَعَ هَواهُ وقال تعالى فَخَلَفَ مِن بَعدَهُم خَلفَ وَرِثوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذا الأَدنى وَيَقولونَ سَيُغفَرُ لَنا وَإِن يَأتِهِم عَرَضٌ مِثلُهُ يَأخُذوهُ أَلَم يُؤخَذ عَلَيهِم ميثاقُ الكِتابِ أَلّا يَقولوا عَلى اللَهِ إِلّا الحَقَّ وَدَرَسوا ما فيهِ وَالدارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذينَ يَتَّقون الآية وقال وَأَضَلَّهُ اللَهُ عَلى عِلمٍ على تأويل من تأول الآية على علم عند من أضله الله
وأما العلم الذي ذكره الله تعالى على جهة الذم له فقوله في السحر وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ وقوله فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئون وقوله تعالى يَعلَمونَ ظاهِراً مِنَ الحَياةِ الدُنيا وَهُم عَن الآخِرَةِ هُم غافِلون"
والخطأ هو أن الله مدح العلم النافع وذم العلم الضار مقولة مبنية على خطأ فالله يمدح أصحاب العلم الذين نفعوا أنفسهم أخرويا به ويذم أصحاب العلم الذين استعملوه استعمالا أضر بهم أخرويا فمثلا قال فى العمل بعلم السحر " وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ"
علم كعلم الحروب كيف يتم تصنيفه هل هو علم نافع أم ضار ؟ بالقطع إذا استعملت الحرب فى رد العدوان فهو نافع للمسلمين دنيويا وأخرويا لأنهم طبقوا قوله تعالى "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وأما إذا استخدمه الكفار فى الاعتداء فهو علم ضار بهم فالفارق بين النفع والضرر هو الاستخدام ولذا قال الملكين "إنما نحن فتنة فى تكفر" فالعلم ابتلاء أى اختبار إن استعمله الإنسان فى طاعة الله نفعه وإن استعمله فى عصيان الله أضره
ثم أورد المؤلف بعض ما جاء فى الروايات عن العلم النافع فقال:
"ولذلك جاءت السنة بتقسيم العلم إلى نافع وإلى غير نافع والاستعاذة من العلم الذي لا ينفع وسؤال العلم النافع ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها وخرجه أهل السنن من وجوه متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعضها ومن دعاء لا يسمع وفي بعضها أعوذ بك من هؤلاء الأربع وخرج النسائي من حديث جابر أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول اللهم إني أسألك علماً نافعاً وأعوذ بك من علم لا ينفع"
المستفاد من تلك الروايات هو طلب الحماية من الله من العلم غير النافع وهو العلم الذى يعصى به الله
ثم أورد المؤلف دعاء نفع العلم فقال:
" وخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً وخرج النسائي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علماً تنفعني به"
وطبقا لهذا فالمسلم يطلب العلم الذى ينفعه أى يفيده فى دنياه وأخرته وهو العلم الذى يطيع الله به
ثم ذكر المؤلف الرواية التالية:
" وخرج أبو نعيم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم إنّا نسألك إيماناً دائماً فرب إيمان غير دائم وأسألك علماً نافعاً فرب علم غير نافع"
وتبعا لهذا فالمسلم يطلب العلم النافع المستمر الذى يجعله يطيع أحكام الله باستمرار
ثم أورد ابن رجب الرواية الآتية:
" وخرج أبو داود من حديث بُريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنَّ منَ البيان سحراً وإن من العلم جهلاً "
والمستفاد من القول أن الكلام منه خداع وهو السحر للضحك به على الناس عن طريق الوقيعة بينهم والسخرية منهم ونهب أموالهم أو هتك أعراضهم أو غير هذا كما أن العلم يصبح جهلا عندما يترك من يعلمه العمل به فى طاعة أحكام الله إلى العمل به فى طاعة شيطانه وهو هواه الضال
ثم ذكر الرجل الرواية :
"في مراسيل أبي داود عن زيد بن أسلم قال قيل يا رسول الله ما أعلمَ فلانا قال بم قالوا بأنساب الناس قال علم لا ينفع وجهالة لا تضر"
والقول خطأ فالعلم بالأنساب نافع فى الدنيا فى مسائل الميراث ومسائل الزواج فلولاه لضاعت أموال الناس ولولاه تزوج الرجال النساء المحرمات
ثم أورد ابن رجب الرواية الآتية:
"وخرجه أبو نعيم في كتاب رياض المتعلمين من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا وفيه إنَّهم قالوا أعلم الناس بأنساب العرب وأعلم الناس بالشعر وبما اختلفت فيه العرب وزاد في آخره العلم ثلاثة ما خلاهن فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة: وهذا الإسناد لا يصح وبقية دَلَّسهُ عن غير ثقة، وآخر الحديث خرجه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا العلم ثلاثة ما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وفيه ضعف مشهور"
وبالقطع العلم الكثير منه فرض فتعلم علم الحساب واجب لمعرفة مواقيت الناس مثل عدة المطلقة الحامل وغير الحامل والأرملة وصيام القاتل ككفارة ولمعرفة مواعيد العمرة والحج وللحديث روايات أخرى يذكر فيها أربعة أمور وليس ثلاثة
وذكر الرجل ما يناقض كون النسب علم لا ينفع فجعله علم نافع فى صلة الأرحام فذكر الرواية التالية:
"حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم أخرجه الإمام احمد والترمذي وخرجه حميد بن زنجويه من طريق آخر عن أبي هريرة مرفوعا تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا وتعلموا من العربية ما تعرفون به كتاب الله ثم انتهوا وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا وفي إسناد روايته ابن لُهَيعة وخرج أيضاً من رواية نعيم بن أبي هند قال قال عمر: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم امسكوا وتعلموا من النسبة ما تصلون به أرحامكم وتعلموا ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم انتهوا وروى مسعر عن محمد ابن عبد الله قال قال عمر بن الخطاب تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق"
الرواية تطلب من المسلمين تعلم علوما نافعة تنفعهم فى حياتهم ويخص الرجل بالذكر علم النجوم لاهتداء به فى ظلمات البر والبحر والقبلة ثم يبين الرجل أن العلم بالنجوم منه علم يفيد الناس ومنه علم يضر الناس وهو علم التأثير ويريد الاعتقاد فى كون النجوم تؤثر فى حيوات الناس وهو قوله:
"وهذا محمول على علم التأثير لا علم التسيير فان علم التأثير باطل محرم وفيه ورد الحديث المرفوع ومن اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر خرجه أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعا وخرج أيضاً من حديث قبيصة مرفوعاً العيافة والطِيَرة والطرق من الجبت والعيافة زجر الطير: والطرق الخط في الأرض"
ثم ذكر رواية مناقضة تنهى عن علم النجوم المرتبط بالقدر من ولادة وموت وزواج وغيره فقال:
"وقد ورد النهي عن الخوض في القدر وفي صحيحي ابن حبان والحاكم عن ابن عباس مرفوعاً لا يزال أمر هذه الأمة موافيا ومقاربا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر وقد روي موقوفا ورجح بعضهم وقفه وخرج البيهقي من حديث ابن مسعود مرفوعاً إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا وقد روي من وجوه متعددة في أسانيدها مقال وروي عن ابن عباس أنه قال لميمون بن مهران إياك والنظر في النجوم فإنها تدعو إلى الكهانة والقدر فإنه يدعو إلى الزندقة وإياك وشتم أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فَيُكِبَّكَ اللَه في النار على وجهك وخرجه أبو نعيم مرفوعاً ولا يصح رفعه "
والنهى عن النظر فى النجوم ينافى قوله تعالى "وعلامات وبالنجم هم يهتدون"
ثم بين الرجل أن الجدال هو أحد الطرق نحو الضلال خاصة فى القدر فقال:
وقد أنكر ذلك السلف وورد في الحديث المرفوع في السنن ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل ثم قرأ ما ضَرَبوهُ لَكَ إِلّا جَدَلاً بَل هُم قَومٌ خَصِمون وقال بعض السلف إذا أراد الله بعبد شراً أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل"
والرجل هنا لا يفرق بين نوعين من الجدال احدهما فرض مطلوب وهو الجدال بالحسنى كما قال تعالى لنبيه(ص):
"وجادلهم بالتى هى أحسن"
كما يناقض قوله أيضا:
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن"
ثم بين الرجل أن المطلوب هو تفهيم الناس بالقول العادل السديد المختصر فقال:
"وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً ولهذا ورد النهي عن كثرة الكلام والتوسع في القيل والقال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أن اللَه لم يبعث نبيا إلا مبلغاً وأن تشقيق الكلام من الشيطان يعني أن النبي إنما يتكلم بما يحصل به البلاغ وأما كثرة القول وتشقيق الكلام فإنه مذموم وكانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم قصداً وكان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه وقال أن من البيان سحراً وإنما قاله في ذم ذلك لا مدحاً له كما ظن ذلك من ظنه ومن تأمل سياق ألفاظ الحديث قطع بذلك"
ثم ذكر ابن رجب الرواية التالية:
"وفي الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً أن اللَه ليبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها وفي المعنى أحاديث كثيرة مرفوعة وموقوفة على عمر وسعد وابن مسعود وعائشة وغيرهم من الصحابة فيجب أن يعتقد أنه ليس كل من كثر بسطة للقول وكلامه في العلم كان أعلم ممن ليس كذلك"
وهو قول يبين أن تشعيب القول فى المسألة الواحدة تشعيبا هو تصعيب للأمر على الناس
وعاد المؤلف لمقولة الكتاب وهو ان الخلف لا يمكن أن يكونوا أعلم من السلف فقال:
"وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين انه أعلم ممن تقدم فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين وهذا يلزم منه ما قبله لأن هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوعين أكثر قولا ممن كان قبلهم فإذا كان من بعدهم أعلم منهم لاتساع قوله كان أعلم ممن كان أقل منهم قولا بطريق الأولى كالثوري والأوزاعي والليث وابن المبارك وطبقتهم وممن قبلهم من التابعين والصحابة أيضاً
فإن هؤلاء كلهم أقل كلاماً ممن جاء بعدهم وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح وإساءة ظن بهم ونسبته لهم إلى الجهل وقصور العلم ولا حول ولا قوة إلا باللَه ولقد صدق ابن مسعود في قوله في الصحابة أنهم أبر الأمة قلوباً وأعمقها علوماً وأقلها تكلفاً وروي نحوه عن ابن عمر أيضاً وفي هذا إشارة إلى أن من بعدهم أقل علوماً وأكثر تكلفاً
وقال ابن مسعوداً أيضاً إنكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح ومن كان بالعكس فهو مذموم وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن بالإيمان والفقه وأهل اليمن أقل الناس كلاماً وتوسعاً في العلوم لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك وهذا هو الفقه والعلم النافع فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثوراً عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم الذين سميناهم فيما سبق"
والمقولة كما قلنا ناقدين قولة الرجل خاطئة ففى كل عصر نجد العلماء وطالبى العلم ومن يفهمون فهما متوسطا ومن يعلمون علما قليلا فلم يكن الصحابة المؤمنون كلهم منزلة واحدة فى العلم فكان القليل منهم علماء فى الدين كما قال تعالى:
" وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"
فالعلماء طائفة قليلة وهم موجودون فى العديد من العصور وإن لم يكن العديد من العلماء متساوين فى العديد بالعصور لم يكن للدين قائمة وهو قوله تعالى :
" وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب"
ومن هنا جاءت المقولة " يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ"
ويتناول ابن رجب مسألة تقليد السلف فيراه فريضة وهو كلام ملقى على عواهنه فليس السلف معصومين من الخطأ كما فى القولة المأثورة"كل ابن آدم خطاء" وإنما الوحى المنزل هو الذى ليس به خطأ ولو كان كلام السلف صحيحا كله فلماذا اختلفوا فى الكثير من المسائل والخلاف هو دليل على وجود الخطأ فواحد من الأقوال صحيح والباقى خطأ وفى هذا التقليد قال :
"فضبط ما روي عنه في ذلك أفضل العلوم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه إلا أن يكون شرحاً لكلام يتعلق من كلامهم وأما ما كان مخالفاً لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة مالا يهتدى إليه من بعدهم ولا يلم به فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كله مع ما يقع في كثير من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم ويحتاج من أراد جمع كلامهم إلى معرفة صحيحة من سقيمه وذلك بمعرفة الجرح والتعديل والعلل فمن لم يعرف ذلك فهو غير واثق بما ينقله من ذلك ويلتبس عليه حقه بباطله ولا يثق بما عنده من ذلك كما يرى من قل علمه بذلك لا يثق بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف لجهله بصحيحه من سقيمه فهو لجهله يجوز أن يكون كله باطلا لعدم معرفته بما يعرف به صحيح ذلك وسقيمه"
ونلاحظ أن ابن رجب يناقض نفسه فيقول أن العلم ما كان عليه الصحابة فى الفقرة التالية:
"قال الأوزاعي العلم ما جاء به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما كان غير ذلك فليس بعلم: وكذا قال الإمام أحمد وقال في التابعين أنت مخير يعنى مخيرا في كتابته وتركه: وقد كان الزُهري يكتب ذلك وخالفه صالح بن كيسان ثم ندم على تركه كلام التابعين"
ولو كان كلامه صحيحا فقد أسس لدولة الفساد فما نسب للصحابة فيه اختلاف كثير ومشاحنات وضغائن كما فيه تفسيرات متناقضة فهل نحن ملزمون باتباع العلم الناتج عن الضغائن والشحناء والتناقضات ؟ بالقطع لا نحن ملزمون بشىء واحد كما قال تعالى "وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله" فالحكم وهو العلم هو فى كتاب الله وليس عند الناس حتى ولو كانوا مؤمنين مسلمين
ونجد الرجل يفرق بين السلف فيقول أن نأخذ بالسلف حتى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأما السلف بعدهم فلا يجب الأخذ إلا بعد دراسة وهو قوله:
"وفي زماننا يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد: وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم وهو أشد مخالفة لها لشذوذه عن الأئمة وانفراده عنهم بفهم يفهمه أو يأخذ مالم يأخذ به الأئمة من قبله"
وهى تفرقة غير مقبولة لأنه فى الفقرة قبلها قصر العلم على الصحابة فكيف يتم الأخذ بمن بعدهم ؟
بالقطع الكلام متناقض وهو فى كل الأحوال يخالف كتاب الله
ويحرم ابن رجب الدخول فى كلام المتكلمين والفلاسفة فيقول:
"فأما الدخول مع ذلك في كلام المتكلمين أو الفلاسفة فشر محض وقل من دخل في شيء من ذلك إلا وتلطخ ببعض أوضارهم كما قال أحمد لا يخلو من نظر في الكلام من أن يتجهم: وكان هو وغيره من أئمة السلف يحذرون من أهل الكلام وأن ذبوا عن السنة وأما ما يوجد في كلام من أحب الكلام المحدث واتبع أهله من ذم من لا يتوسع في الخصومات والجدال ونسبته إلى الجهل أو إلى الحشو أو إلى أنه غير عارف باللَه أو غير عارف بدينه فكل ذلك من خطوات الشيطان نعوذ باللَه منه ومما أحدث من العلوم الكلام في العلوم الباطنة من المعارف وأعمال القلوب وتوابع ذلك بمجرد الرأي والذوق أو الكشف وفيه خطر عظيم: وقد أنكره أعيان الأئمة كالإمام أحمد وغيره: وكان أبو سليمان يقول أنه لتَمُرُّ بي النكتةُ من نُكَتِ القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة وقال الجنيد علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة من لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في علمنا هذا: وقد اتسع الخرق في هذا الباب ودخل فيه قوم إلى أنواع الزندقة والنفاق ودعوى أن أولياء اللَه أفضل من الأنبياء أو أنهم مستغنون عنهم وإلى التنقص بما جاءت به الرسل من الشرائع: وإلى دعوى الحلول والاتحاد أو القول بوحدة الوجود وغير ذلك من أصول الكفر والفسوق والعصيان كدعوى الإباحة وحل محظورات الشرائع وأدخلوا في هذا الطريق أشياء كثيرة ليست من الدين في شيء فبعضها زعموا أنه يحصل به ترقيق القلوب كالغناء والرقص وبعضها زعموا أنه يراد لرياضة النفوس لعشق الصور المحرمة ونظرها وبعضها زعموا أنه لكسر النفوس والتواضع كشهرة اللباس وغير ذلك مما لم تأت به الشريعة وبعضه يصد عن ذكر اللَه وعن الصلاة كالغناء والنظر إلى المحرم وشابهوا بذلك الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً"
والرجل هنا لا يعقل كلام الله فإذا لم نعرف أقوال القوم فكيف يتم الرد عليها؟
ولو كلمنا من يصدق ابن رجب وهم كثرة للأسف بما هو معروف تاريخيا عندهم من تعلم لغة العدو "تعلم لغة يهود فإنى لا آمنهم على الكتاب" فهل يصدقون أم أنهم يتركون القول لاتباع ابن رجب وأمثاله؟
لا يمكن أن نرد على أخطاء وتناقضات قوم بدون معرفة كتبهم وما يقولون فيها
و[/size][/size]
[/size]مؤلف الكتاب هو ابن رجب وأساس الكتاب كما قال المؤلف :
"والتنبيه على فضل علم السلف على علم الخلف "
أساس الكتاب خاطىء فلا فضل لعلم السلف على علم الخلف فإذا كان الأساس يعنى كبر الكم المعلوماتى فالعصور تتفاوت فيما بينها فى كم المعلومات فقد يكون الكم كبير فى عصر قديم وفى عصر حديث قد يكون أعظم
وإذا كان الأساس يعنى العلم الصحيح فالعلم الصحيح موجود فى كل عصر محفوظ فى الكعبة الحقيقية كما قال تعالى :
"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
ولا فضل لخلف على سلف ولا لسلف على خلف لأن فى كل عصر ثلة من المقربين وثلة من أصحاب اليمين كما قال تعالى:
"والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الأخرين"
وقال :
"لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الأخرين"
ففى كل عصر يتواجد الصنفين ومن ثم لا تفاضل
وبين الرجل بعد ذلك انقسام العلم لنافع وضار فقال:
"قد ذكر الله تعالى في كتابه العلم تارة في مقام المدح وهو العلم النافع وتارة في مقام الذم وهو العلم الذي لا ينفع فأما الأول فمثل قوله تعالى قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون وقوله شَهِدَ اللَهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَة وَأُولوا العِلمَ قائِماً بِالقِسط وقوله وَقُل رَبِّ زِدني عِلماً وقوله إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ وما قص سبحانه من قصة آدم وتعليمه الأسماء وعرضهم على الملائكة وقولهم سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمتَنا إِنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحَكيم وما قصه سبحانه وتعالى من قصة موسى عليه السلام وقوله للخضر هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِمَني مِمّا عُلِّمتَ رُشدا فهذا هو العلم النافع
وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علماً ولم ينفعهم علمهم فهذا علم نافع في نفسه لكن صاحبه لم ينتفع به قال تعالى مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا وقال وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَإِتَّبَعَ هَواهُ وقال تعالى فَخَلَفَ مِن بَعدَهُم خَلفَ وَرِثوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذا الأَدنى وَيَقولونَ سَيُغفَرُ لَنا وَإِن يَأتِهِم عَرَضٌ مِثلُهُ يَأخُذوهُ أَلَم يُؤخَذ عَلَيهِم ميثاقُ الكِتابِ أَلّا يَقولوا عَلى اللَهِ إِلّا الحَقَّ وَدَرَسوا ما فيهِ وَالدارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذينَ يَتَّقون الآية وقال وَأَضَلَّهُ اللَهُ عَلى عِلمٍ على تأويل من تأول الآية على علم عند من أضله الله
وأما العلم الذي ذكره الله تعالى على جهة الذم له فقوله في السحر وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ وقوله فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئون وقوله تعالى يَعلَمونَ ظاهِراً مِنَ الحَياةِ الدُنيا وَهُم عَن الآخِرَةِ هُم غافِلون"
والخطأ هو أن الله مدح العلم النافع وذم العلم الضار مقولة مبنية على خطأ فالله يمدح أصحاب العلم الذين نفعوا أنفسهم أخرويا به ويذم أصحاب العلم الذين استعملوه استعمالا أضر بهم أخرويا فمثلا قال فى العمل بعلم السحر " وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ"
علم كعلم الحروب كيف يتم تصنيفه هل هو علم نافع أم ضار ؟ بالقطع إذا استعملت الحرب فى رد العدوان فهو نافع للمسلمين دنيويا وأخرويا لأنهم طبقوا قوله تعالى "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وأما إذا استخدمه الكفار فى الاعتداء فهو علم ضار بهم فالفارق بين النفع والضرر هو الاستخدام ولذا قال الملكين "إنما نحن فتنة فى تكفر" فالعلم ابتلاء أى اختبار إن استعمله الإنسان فى طاعة الله نفعه وإن استعمله فى عصيان الله أضره
ثم أورد المؤلف بعض ما جاء فى الروايات عن العلم النافع فقال:
"ولذلك جاءت السنة بتقسيم العلم إلى نافع وإلى غير نافع والاستعاذة من العلم الذي لا ينفع وسؤال العلم النافع ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها وخرجه أهل السنن من وجوه متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعضها ومن دعاء لا يسمع وفي بعضها أعوذ بك من هؤلاء الأربع وخرج النسائي من حديث جابر أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول اللهم إني أسألك علماً نافعاً وأعوذ بك من علم لا ينفع"
المستفاد من تلك الروايات هو طلب الحماية من الله من العلم غير النافع وهو العلم الذى يعصى به الله
ثم أورد المؤلف دعاء نفع العلم فقال:
" وخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً وخرج النسائي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علماً تنفعني به"
وطبقا لهذا فالمسلم يطلب العلم الذى ينفعه أى يفيده فى دنياه وأخرته وهو العلم الذى يطيع الله به
ثم ذكر المؤلف الرواية التالية:
" وخرج أبو نعيم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم إنّا نسألك إيماناً دائماً فرب إيمان غير دائم وأسألك علماً نافعاً فرب علم غير نافع"
وتبعا لهذا فالمسلم يطلب العلم النافع المستمر الذى يجعله يطيع أحكام الله باستمرار
ثم أورد ابن رجب الرواية الآتية:
" وخرج أبو داود من حديث بُريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنَّ منَ البيان سحراً وإن من العلم جهلاً "
والمستفاد من القول أن الكلام منه خداع وهو السحر للضحك به على الناس عن طريق الوقيعة بينهم والسخرية منهم ونهب أموالهم أو هتك أعراضهم أو غير هذا كما أن العلم يصبح جهلا عندما يترك من يعلمه العمل به فى طاعة أحكام الله إلى العمل به فى طاعة شيطانه وهو هواه الضال
ثم ذكر الرجل الرواية :
"في مراسيل أبي داود عن زيد بن أسلم قال قيل يا رسول الله ما أعلمَ فلانا قال بم قالوا بأنساب الناس قال علم لا ينفع وجهالة لا تضر"
والقول خطأ فالعلم بالأنساب نافع فى الدنيا فى مسائل الميراث ومسائل الزواج فلولاه لضاعت أموال الناس ولولاه تزوج الرجال النساء المحرمات
ثم أورد ابن رجب الرواية الآتية:
"وخرجه أبو نعيم في كتاب رياض المتعلمين من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا وفيه إنَّهم قالوا أعلم الناس بأنساب العرب وأعلم الناس بالشعر وبما اختلفت فيه العرب وزاد في آخره العلم ثلاثة ما خلاهن فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة: وهذا الإسناد لا يصح وبقية دَلَّسهُ عن غير ثقة، وآخر الحديث خرجه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا العلم ثلاثة ما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وفيه ضعف مشهور"
وبالقطع العلم الكثير منه فرض فتعلم علم الحساب واجب لمعرفة مواقيت الناس مثل عدة المطلقة الحامل وغير الحامل والأرملة وصيام القاتل ككفارة ولمعرفة مواعيد العمرة والحج وللحديث روايات أخرى يذكر فيها أربعة أمور وليس ثلاثة
وذكر الرجل ما يناقض كون النسب علم لا ينفع فجعله علم نافع فى صلة الأرحام فذكر الرواية التالية:
"حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم أخرجه الإمام احمد والترمذي وخرجه حميد بن زنجويه من طريق آخر عن أبي هريرة مرفوعا تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا وتعلموا من العربية ما تعرفون به كتاب الله ثم انتهوا وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا وفي إسناد روايته ابن لُهَيعة وخرج أيضاً من رواية نعيم بن أبي هند قال قال عمر: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم امسكوا وتعلموا من النسبة ما تصلون به أرحامكم وتعلموا ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم انتهوا وروى مسعر عن محمد ابن عبد الله قال قال عمر بن الخطاب تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق"
الرواية تطلب من المسلمين تعلم علوما نافعة تنفعهم فى حياتهم ويخص الرجل بالذكر علم النجوم لاهتداء به فى ظلمات البر والبحر والقبلة ثم يبين الرجل أن العلم بالنجوم منه علم يفيد الناس ومنه علم يضر الناس وهو علم التأثير ويريد الاعتقاد فى كون النجوم تؤثر فى حيوات الناس وهو قوله:
"وهذا محمول على علم التأثير لا علم التسيير فان علم التأثير باطل محرم وفيه ورد الحديث المرفوع ومن اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر خرجه أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعا وخرج أيضاً من حديث قبيصة مرفوعاً العيافة والطِيَرة والطرق من الجبت والعيافة زجر الطير: والطرق الخط في الأرض"
ثم ذكر رواية مناقضة تنهى عن علم النجوم المرتبط بالقدر من ولادة وموت وزواج وغيره فقال:
"وقد ورد النهي عن الخوض في القدر وفي صحيحي ابن حبان والحاكم عن ابن عباس مرفوعاً لا يزال أمر هذه الأمة موافيا ومقاربا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر وقد روي موقوفا ورجح بعضهم وقفه وخرج البيهقي من حديث ابن مسعود مرفوعاً إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا وقد روي من وجوه متعددة في أسانيدها مقال وروي عن ابن عباس أنه قال لميمون بن مهران إياك والنظر في النجوم فإنها تدعو إلى الكهانة والقدر فإنه يدعو إلى الزندقة وإياك وشتم أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فَيُكِبَّكَ اللَه في النار على وجهك وخرجه أبو نعيم مرفوعاً ولا يصح رفعه "
والنهى عن النظر فى النجوم ينافى قوله تعالى "وعلامات وبالنجم هم يهتدون"
ثم بين الرجل أن الجدال هو أحد الطرق نحو الضلال خاصة فى القدر فقال:
وقد أنكر ذلك السلف وورد في الحديث المرفوع في السنن ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل ثم قرأ ما ضَرَبوهُ لَكَ إِلّا جَدَلاً بَل هُم قَومٌ خَصِمون وقال بعض السلف إذا أراد الله بعبد شراً أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل"
والرجل هنا لا يفرق بين نوعين من الجدال احدهما فرض مطلوب وهو الجدال بالحسنى كما قال تعالى لنبيه(ص):
"وجادلهم بالتى هى أحسن"
كما يناقض قوله أيضا:
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن"
ثم بين الرجل أن المطلوب هو تفهيم الناس بالقول العادل السديد المختصر فقال:
"وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً ولهذا ورد النهي عن كثرة الكلام والتوسع في القيل والقال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أن اللَه لم يبعث نبيا إلا مبلغاً وأن تشقيق الكلام من الشيطان يعني أن النبي إنما يتكلم بما يحصل به البلاغ وأما كثرة القول وتشقيق الكلام فإنه مذموم وكانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم قصداً وكان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه وقال أن من البيان سحراً وإنما قاله في ذم ذلك لا مدحاً له كما ظن ذلك من ظنه ومن تأمل سياق ألفاظ الحديث قطع بذلك"
ثم ذكر ابن رجب الرواية التالية:
"وفي الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً أن اللَه ليبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها وفي المعنى أحاديث كثيرة مرفوعة وموقوفة على عمر وسعد وابن مسعود وعائشة وغيرهم من الصحابة فيجب أن يعتقد أنه ليس كل من كثر بسطة للقول وكلامه في العلم كان أعلم ممن ليس كذلك"
وهو قول يبين أن تشعيب القول فى المسألة الواحدة تشعيبا هو تصعيب للأمر على الناس
وعاد المؤلف لمقولة الكتاب وهو ان الخلف لا يمكن أن يكونوا أعلم من السلف فقال:
"وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين انه أعلم ممن تقدم فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين وهذا يلزم منه ما قبله لأن هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوعين أكثر قولا ممن كان قبلهم فإذا كان من بعدهم أعلم منهم لاتساع قوله كان أعلم ممن كان أقل منهم قولا بطريق الأولى كالثوري والأوزاعي والليث وابن المبارك وطبقتهم وممن قبلهم من التابعين والصحابة أيضاً
فإن هؤلاء كلهم أقل كلاماً ممن جاء بعدهم وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح وإساءة ظن بهم ونسبته لهم إلى الجهل وقصور العلم ولا حول ولا قوة إلا باللَه ولقد صدق ابن مسعود في قوله في الصحابة أنهم أبر الأمة قلوباً وأعمقها علوماً وأقلها تكلفاً وروي نحوه عن ابن عمر أيضاً وفي هذا إشارة إلى أن من بعدهم أقل علوماً وأكثر تكلفاً
وقال ابن مسعوداً أيضاً إنكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح ومن كان بالعكس فهو مذموم وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن بالإيمان والفقه وأهل اليمن أقل الناس كلاماً وتوسعاً في العلوم لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك وهذا هو الفقه والعلم النافع فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثوراً عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم الذين سميناهم فيما سبق"
والمقولة كما قلنا ناقدين قولة الرجل خاطئة ففى كل عصر نجد العلماء وطالبى العلم ومن يفهمون فهما متوسطا ومن يعلمون علما قليلا فلم يكن الصحابة المؤمنون كلهم منزلة واحدة فى العلم فكان القليل منهم علماء فى الدين كما قال تعالى:
" وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"
فالعلماء طائفة قليلة وهم موجودون فى العديد من العصور وإن لم يكن العديد من العلماء متساوين فى العديد بالعصور لم يكن للدين قائمة وهو قوله تعالى :
" وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب"
ومن هنا جاءت المقولة " يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ"
ويتناول ابن رجب مسألة تقليد السلف فيراه فريضة وهو كلام ملقى على عواهنه فليس السلف معصومين من الخطأ كما فى القولة المأثورة"كل ابن آدم خطاء" وإنما الوحى المنزل هو الذى ليس به خطأ ولو كان كلام السلف صحيحا كله فلماذا اختلفوا فى الكثير من المسائل والخلاف هو دليل على وجود الخطأ فواحد من الأقوال صحيح والباقى خطأ وفى هذا التقليد قال :
"فضبط ما روي عنه في ذلك أفضل العلوم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه إلا أن يكون شرحاً لكلام يتعلق من كلامهم وأما ما كان مخالفاً لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة مالا يهتدى إليه من بعدهم ولا يلم به فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كله مع ما يقع في كثير من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم ويحتاج من أراد جمع كلامهم إلى معرفة صحيحة من سقيمه وذلك بمعرفة الجرح والتعديل والعلل فمن لم يعرف ذلك فهو غير واثق بما ينقله من ذلك ويلتبس عليه حقه بباطله ولا يثق بما عنده من ذلك كما يرى من قل علمه بذلك لا يثق بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف لجهله بصحيحه من سقيمه فهو لجهله يجوز أن يكون كله باطلا لعدم معرفته بما يعرف به صحيح ذلك وسقيمه"
ونلاحظ أن ابن رجب يناقض نفسه فيقول أن العلم ما كان عليه الصحابة فى الفقرة التالية:
"قال الأوزاعي العلم ما جاء به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما كان غير ذلك فليس بعلم: وكذا قال الإمام أحمد وقال في التابعين أنت مخير يعنى مخيرا في كتابته وتركه: وقد كان الزُهري يكتب ذلك وخالفه صالح بن كيسان ثم ندم على تركه كلام التابعين"
ولو كان كلامه صحيحا فقد أسس لدولة الفساد فما نسب للصحابة فيه اختلاف كثير ومشاحنات وضغائن كما فيه تفسيرات متناقضة فهل نحن ملزمون باتباع العلم الناتج عن الضغائن والشحناء والتناقضات ؟ بالقطع لا نحن ملزمون بشىء واحد كما قال تعالى "وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله" فالحكم وهو العلم هو فى كتاب الله وليس عند الناس حتى ولو كانوا مؤمنين مسلمين
ونجد الرجل يفرق بين السلف فيقول أن نأخذ بالسلف حتى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأما السلف بعدهم فلا يجب الأخذ إلا بعد دراسة وهو قوله:
"وفي زماننا يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد: وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم وهو أشد مخالفة لها لشذوذه عن الأئمة وانفراده عنهم بفهم يفهمه أو يأخذ مالم يأخذ به الأئمة من قبله"
وهى تفرقة غير مقبولة لأنه فى الفقرة قبلها قصر العلم على الصحابة فكيف يتم الأخذ بمن بعدهم ؟
بالقطع الكلام متناقض وهو فى كل الأحوال يخالف كتاب الله
ويحرم ابن رجب الدخول فى كلام المتكلمين والفلاسفة فيقول:
"فأما الدخول مع ذلك في كلام المتكلمين أو الفلاسفة فشر محض وقل من دخل في شيء من ذلك إلا وتلطخ ببعض أوضارهم كما قال أحمد لا يخلو من نظر في الكلام من أن يتجهم: وكان هو وغيره من أئمة السلف يحذرون من أهل الكلام وأن ذبوا عن السنة وأما ما يوجد في كلام من أحب الكلام المحدث واتبع أهله من ذم من لا يتوسع في الخصومات والجدال ونسبته إلى الجهل أو إلى الحشو أو إلى أنه غير عارف باللَه أو غير عارف بدينه فكل ذلك من خطوات الشيطان نعوذ باللَه منه ومما أحدث من العلوم الكلام في العلوم الباطنة من المعارف وأعمال القلوب وتوابع ذلك بمجرد الرأي والذوق أو الكشف وفيه خطر عظيم: وقد أنكره أعيان الأئمة كالإمام أحمد وغيره: وكان أبو سليمان يقول أنه لتَمُرُّ بي النكتةُ من نُكَتِ القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة وقال الجنيد علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة من لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في علمنا هذا: وقد اتسع الخرق في هذا الباب ودخل فيه قوم إلى أنواع الزندقة والنفاق ودعوى أن أولياء اللَه أفضل من الأنبياء أو أنهم مستغنون عنهم وإلى التنقص بما جاءت به الرسل من الشرائع: وإلى دعوى الحلول والاتحاد أو القول بوحدة الوجود وغير ذلك من أصول الكفر والفسوق والعصيان كدعوى الإباحة وحل محظورات الشرائع وأدخلوا في هذا الطريق أشياء كثيرة ليست من الدين في شيء فبعضها زعموا أنه يحصل به ترقيق القلوب كالغناء والرقص وبعضها زعموا أنه يراد لرياضة النفوس لعشق الصور المحرمة ونظرها وبعضها زعموا أنه لكسر النفوس والتواضع كشهرة اللباس وغير ذلك مما لم تأت به الشريعة وبعضه يصد عن ذكر اللَه وعن الصلاة كالغناء والنظر إلى المحرم وشابهوا بذلك الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً"
والرجل هنا لا يعقل كلام الله فإذا لم نعرف أقوال القوم فكيف يتم الرد عليها؟
ولو كلمنا من يصدق ابن رجب وهم كثرة للأسف بما هو معروف تاريخيا عندهم من تعلم لغة العدو "تعلم لغة يهود فإنى لا آمنهم على الكتاب" فهل يصدقون أم أنهم يتركون القول لاتباع ابن رجب وأمثاله؟
لا يمكن أن نرد على أخطاء وتناقضات قوم بدون معرفة كتبهم وما يقولون فيها
و[/size][/size]