قراءة فى كتاب البغال
الكتاب من تأليف ابو عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ وسبب تأليف الكتاب هو أن الجاحظ نسى ذكر البغال فيمن نسى الكتابة عنهم من الحيوانات فى كتاب الحيوان وفى هذا قال فى مقدمة الكتاب:
"كان وجه التدبير في جملة القول في البغال أن يكون مضموماً إلى جملة القول في الحافر كله، فيصير الجميع مصحفاً، كسائر مصاحف " كتاب الحيوان "
وقد بين أن سبب النسيان أو الترك هو الهموم والمرض وهو الزمانة وأيضا جهل من يمليهم فقال:
"وقد منع من ذلك ما حدث من الهم الشاغل، وعرض من الزمانة، ومن تخاذل الأعضاء، وفساد الأخلاط، وما خالط اللسان من سوء التبيان، والعجز عن الإفصاح، ولن تجتمع هذه العلل في إنسان واحد، فيسلم معها العقل سلامة تامة وإذا اجتمع على الناسخ سوء إفهام المملي، مع سوء تفهم المستملي، كان ترك التكلف لتأليف ذلك الكتاب أسلم لصاحبه من تكلف نظمه على جمع كل البال، واستفراغ القوى"0.
والمفترض فى أى كتاب يتناول نوع من الحيوان أن يتناوله من ناجية التركيب الجسمى والصفات الجسمانية كالطعام الذى يتناوله والتنفس ودورة الدم والتناسل وغير ذلك ولكن كتاب الجاحظ خلا من كل هذا عدا الحديث عن أير وهو قضيب البغل وأكثر من نصف الكتاب كان أشعارا قيلت فى البغال حذفنا معظمها لكونها تحكى حكايات أو تصف أفعالا لمن حدثت لهم حوادث مع البغال وأما بقية الكتاب فحكايات عن بغال الناس لا طائل من ذكرها إلا القليل
ويبدو أن ملاحظة أحد الباحثين عن الجاحظ فى كتابته عن الحيوان وقد قرأتها منذ حوالى ثلاثة عقود ولا أدرى هل كانت فى مجلة العربى الكويتية أو غيرها كانت صحيحة وهى :
ولع الرجل بالشهوة التى تسمى الجنسية وهو ما يظهر خلال هذ الكتاب من خلال اهتمامه بقضبان البغال وشغف البغال بالشهوة وشغف بعض الفسقة بها
وقد قسم الرجل كتابه أبوابه نستعرض بعض ما جاء فيها :
"باب ولع الأشراف بالبغال:
"نبدأ إن شاء الله، بما وصف الأشراف من شأن البغلة، في حسن سيرتها، وتمام خلقها، والأمور الدالة على السر الذي في جوهرها، وعلى وجوه الإرتفاق بها، وعلى تصرفها في منافعها، وعلى خفة مئونتها في التنقل في أمكنتها وأزمنتها، ولم كلف الأشراف بارتباطها، مع كثرة ما يزعمون من عيوبها ولم آثروها على ما هو أدوم طهارة خلق منها وكيف ظهر فضلها مع النقص الذي هو فيها؟ وكيف اغتفروا مكروه ما فيها، لما وجدوا من خصال المحبوب فيها؟ حتى صار الرجل منهم ينشد العذال فيها كقول السعدي:
أخ لي كأيام الحياة إخاؤه تلون ألواناً على خطوبها
إذا عبت منه خصلة فهجرته دعتني إليه خصلة لا أعيبها
ولقد كلف بارتباطها الأشراف حتى لقب بعضهم من أجل اشتهاره بها برواض البغال، ولقبوا آخر: بعاشق البغل، هذا مع طيب مغارسهم، وكرم نصابهم، ولذلك قال الشاعر:
وتثعلب الرواض بعد مراحه وانسل بين غرارتيه الأعور
وهجاه أيضاً الفرزدق بأمر الحجاج، ففحش عليه، حتى قال:
وأفلت رواض البغال ولم تدع له الخيل من أحراج زوجيه معشرا
وقال صفوان بن عبد الله بن الأهتم، لعبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن المطلب، وكان ركاباً للبغلة: مالك وهذا المركب الذي لا تدرك عليه الثار، ولا ينجيك يوم الفرار؟ قال: إنها نزلت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن ذلة العير وخير الأمور أوساطها فقال صفوان: إنما نعلمكم فإذا علمتم تعلمنا منكم وهو الذي كان يلقب: رواض البغال لحذقه بركوبها ولشغفه بها وحسن قيامه عليها، وكان يقول: أريدها واسعة الجفرة، مندحة السرة، شديدة العكوة بعيدة الخطوة، لينة الظهر، مكربة الرسغ، سفواء جرداء عنقاء، طويلة الأنقاء"
وما سبق من كلام لا يفيد القارىء بشىء وكذلك ما بعده وهو:
"وقال سليمان بن علي لخالد بن صفوان، ورآه على حمار: ما هذا يا أبا صفوان؟ قال: أصلح الله الأمير، ألا أخبرك عن المطايا؟ قال: بلى قال: الإبل للحمل والزمل، والبغال للأسفار والأثقال، والخيل للطلب والهرب، والبراذين للجمال والوطاءة وأما الحمير فللدبيب والمرفق"
فهذه أقوال بعض الناس فى البغال وقد تعرض الجاحظ لما جاء فى التاريخ النبوى وما بعده من ذكر لبغال فقال :
"قالوا: وكانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بغلة تسمى دلدل، وحمار يسمى يعفور، وفرس يسمى السكب، وله ناقتان العضباء والقصواء
قالوا: وكان علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، يكثر ركوب بغلة عبد الله بن وهب الشهباء، التي غنمها يوم النهروان هذا في قول الشيعة، وأما غيرهم فينكرون أن يكون علي، كرم الله وجهه، يرى أن يغنم شيئاً من أموال أهل الصلاة، كما لم يغنم من أموال أصحاب الجمل"
وهنا تعرض الجاحظ لمسألة جواز غنيمة أموال المسلمين إذا تحاربوا مع بعضهم فأنكر أن يكون على بن أبى طالب قد استباح أموال أهل القبلة وزعم أن استحلال مال أهل القبلة مباح بناء على واقعة البغلة فى يوم النهروان عند الشيعة
ثم ذكر الجاحظ روايات عن ركوب الصحابة للبغال فقال:
"حدثناعلي بن المديني قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثني أبي عن أبي إسحاق، قال: حدثني حكيم بن حكيم، عن مسعود بن الحكم، عن أمه قالت: كأني أنظر إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، على بغلة رسول الله (ص)الشهباء في شعب الأنصار ويروى عن عبد الرحمن بن سعد، قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه، على بغلة بيضاء، يضفر لحيته ومن حديث الزهري وغيره، عن كثير بن العباس، عن أبيه، قال: كان رسول الله (ص)يوم حنين على بغلته الشهباء في حديث طويل في المغازي وفي هذا الحديث: فحضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " الآن حمي الوطيس " وهذه كلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يسبقه إليها أحد، وكذلك قوله: " مات حتف أنفه " وكذلك قوله: " كل الصيد في جوف الفرا " وكذلك قوله: " هدنة على دخن " وكذلك قوله: " لا يلسع المؤمن من جحر مرتين " فصارت كلها أمثالاً"
وهو كلام صحيح المعنى فلابد أن يكون بعضهم قد ركب بغالا والملاحظ أن الجاحظ كثيرا ما يخرج عن سياق موضوع الباب أو الكتاب كما فى ثلثها الأخير حيث ذكر بعض تعبيرات النبى(ص) لتى صارت أمثالا رغم أنها لا علاقة لها بالبغال
وتناول الجاحظ رواية عن البغلة انتقدها بأنها لم تحدث ةأنها من وضع كارهى عائشة أم المؤمنين فقال:
"وعن أبي الأشهب، عن الحسن قال: قال قوم وعثمان رضي الله عنه محصور: لو بعثتم إلى أم المؤمنين رضي الله عنها فركبت، فلعلهم أن يكفوا فأرسلوا إلى أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة، فجاءت على بغلة شهباء في محفة قالوا: من هذه؟ قالوا: أم المؤمنين، أم حبيبة قالوا: لا - والله - لا تدخل، فردوها وقالوا: وقع بين حيين من قريش منازعة، فخرجت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها على بغلة، فلقيها ابن أبي عتيق، فقال: إلى أين جعلت فداك؟ قالت: أصلح بين هذين الحيين قال: والله ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل، فكيف إذا قيل: يوم البغل! فضحكت وانصرفت"
وأما نقده للرواية فهو :
"هذا - حفظك الله - حديث مصنوع، ومن توليد الروائض، فظن الذي ولد هذا الحديث، أنه إذا أضافه إلى ابن أبي عتيق، وجعله نادرة وملحة، أنه سيشيع، ويجري عند الناس مجرى الخبر عن أم حبيبة وصفية ولو عرف الذي اخترع هذا الحديث طاعة الناس لعائشة رضي الله عنها لما طمع في جواز هذا عنه وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: منيت بأربعة: منيت بأشجع الناس يعني الزبير وأجود الناس يعني طلحة وأنض الناس يعني يعلى بن منية وأطوع الناس في الناس، يعني عائشة
ومن بعد هذا، فأي رئيس قبيل من قبائل قريش كانت تبعث إليه عائشة رضي الله عنها رسولاً فلا يسارع، أو تأمره فلا يطيع، حتى احتاجت أن تركب بنفسها؟ وأي شيء كان قبل الركوب من المراسلة والمراوضة والمدافعة والتقديم والتأخير، حتى اضطرها الأمر إلى الركوب بنفسها؟ وإن شراً يكون بين حيين من أحياء قريش، تفاقم فيه الأمر، حتى احتاجت عائشة - رضي الله عنها إلى الركوب فيه، لعظيم الخطر، مستفيض الذكر، فمن هذا القبيلان؟ ومن أي ضرب كان هذا الشر؟ وفي أي شيء كان؟ وما سببه؟ ومن نطق من جميع رجالات قريش فعصوه وردوا قوله، حتى احتاجت عائشة فيه إلى الركوب؟ ولقد ضربوا قواديم الجمل، فلما برك ومال الهودج صاح الفريقان: أمكم أمكم "
فأمر عائشة أعظم، وشأنها أجل، عند من يعرف أقدار الرجال والنساء، من أن يجوز مثل هذا الحديث المولد، والشر المجهول، والقبيلتين اللتين لا تعرفان والحديث ليس له إسناد، وكيف وابن أبي عتيق شاهد بالمدينة، ولم يعلم بركوبها، ولا بهذا الشر المتفاقم بين هذين القبيلتين؟ ثم ركبت وحدها، ولو ركبت عائشة لما بقي مهاجري ولا أنصاري، ولا أمير ولا قاض إلا ركب؟ فما ظنك بالسوقة والحشوة، وبالدهماء والعامة
وما هو إلا أن ولد أبو مخنف حديثاً أو الشرقي بن القطامي، أو الكلبي، أو لقيط المحاربي، أو شوكر أو غطاء الملط، أو ابن دأب، أو أبو الحسن المدائني، ثم صوره في كتاب وألقاه في الوراقين، إلا رواه من لا يحصل ولا يتثبت ولا يتوقف، وهؤلاء كلهم يتشيعون"
ثم تناول الرجل كلمة صادقة حدثت أم لم تحدث وهى أن الحرب لا يستغنى فيها عن البغال فقال:
"ولما خرج قطري بن الفجاءة، أحب أن يجمع إلى رأيه رأي غيره، فدس إلى الأحنف بن قيس رجلاً ليجري ذكره في مجلسه، ويحفظ عنه ما يقول فلما فعل قال الأحنف: أما إنهم إن حنبوا بنات الصهال، وركبوا بنات النهاق، وأمسوا بأرض وأصبحوا بأرض طال أمرهم قالوا: فلا نرى صاحب الحرب يستغني عن البغال، كما لا نرى صاحب السلم يستغني عنها، ونرى صاحب السفر فيها كصاحب الحضر"
وقد أثبتت الحروب الجبلية صدق ذلك فالسيارات لا تستطيع ان تسير فى بعض الممرات الجبلية لنقل الجنود والمؤن وهو ما تستطيعه الحيوانات
وزعم الرجل أن هدية ملكة سبأ لسليمان (ص) كانت نوعا من البغال فقال:
"قالوا: والهدايا النفيسة، والطرف العجيبة، والكرامات الثمينة، التي أهدتها بلقيس بنت ذي شرح إلى سليمان بن داود، هي الهدايا التي أخبر الله عن سليمان بن داود عليهما السلام أنه قال: " بل أنتم بهديتكم تفرحون " ولم تكن الملكة تبتهج بتلك الهدايا وهي إلى سليمان وسليمان هو الذي أعطاه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده إلا وهي هدايا شريفة
قالوا: فهذه الهدايا الشريفة إنما كانت على البغال الشهب"
وهو كلام ليس عليه دليل وإنما هو حكايات عن الناس
ثم ذكر الرجل بابا لنوادر البغال وهى الحكايات المضحكة فقال :
"باب نوادر البغال:
ومن النوادر، قال: ادعى رجل على الهيثم بن مظهر الفأفاء أنه سرق بغلاً، فقال له الوالي: ما يقول؟ قال: ما أعرف مما يقول شيئاً! قال: أصلحك الله، إنه سكران فاستنكهه قال: لأي شيء يستنكهني؟ أكلت البغل؟...
وقال آخر يهجو رجلاً:
يا حابس الروث في أعفاج بغلته شحاً على الحب من لقط العصافير
...قال: ونظر أعرابي إلى بغل سقاء، وقد تفاج ليبول، فاستحثه بالمقرعة، وقطع عليه البول فقال الأعرابي: إنها إحدى الغوائل، قطع الله منك الوتين ....وتفاخر ناس بكبر الأيور، وشيخ جالس لا يخوض معهم فلما أكثروا قال الشيخ: لو كان كبر الأيور مجداً كان البغل من بني هاشم
وشهد مزبد المديني عند قاضي المدينة بشهادة، وكان ذلك القاضي مفرط الحدة، شديد البطش، سريع الطيرة، فقال له القاضي: أعلي تجترئ وعندي تشهد؟ جرا برجليه وألقياه تحت البغلة! فلما أمعنا به نحو البغلة، التفت إلى القاضي فقال: أصلحك الله كيف خلقها؟ فضحك وخلى سبيله
وكان نميلة بن عكاشة النميري متكايساً، فدخل دار بلال بن أبي بردة، فرأى ثوراً مجللاً، فقال: سبحان الله! ما أفرهها من بغلة لولا أن حوافرها مشقوقة ....قال أبو الحسن: نظر جحا إلى رجل بين يديه يسير على بغلة، فقال للرجل: الطريق يا حمصي! فقال الرجل: ما يدريك أني حمصي؟ قال: رأيت حر بغلتك، فإذا هو يشبه الحاء، ورأيت فقحتها فرأيتها تشبه الميم ورأيت ذنبها فإذا هو يشبه الصاد، فقلت: إنك حمصي
قالوا: وابتاع عبادي بغلاً، فمر بالحي، فقالوا: بارك الله لك! قال: لا تقولوا هكذا فكيف نقول؟ قال: قولوا: لا بارك الله لك فيه! قالوا: سبحان الله! أيقول أحد لأحد له فيه رأي؟ قال: قولوا كما أقول لكم! قالوا: لا بارك الله لك فيه! قال: وقولوا: وأعضك ببظر أمك قالوا: نعم قال: إن أعرتكموه أبداً!...قال: وكان عند محمد بن سليمان رجل مغفل فأنشد رجزاً قيل في عمر بن هبيرة:
جاءت به معتجراً ببرده سفواء تردى بنسيج وحده
تقدح قيس كلها بزنده فقال الشيخ: بأبي هو وأمي (ص)لأنه ظن حين سمع بذكر البرد والبغلة أنه النبي صلى الله عليه وسلم"
والباب كله حكايات الكثير منها مضحك ولكن البعض منها لا يجوز لكونه سخرية من خلقة الله ونلاحظ فيها ولع الجاحظ بالأعضاء لتى تسمى جنسية كالأيور والبظر
ثم بعد ذلك تناول الجاحظ بابا اسمه طباع البغال والمفروض أن يذكر فيه ما تحب من الأطعمة وطرق مشيها وغير ذلك من الأمور التى تفيد الخلق فى التعامل مع البغال ولكنه اقتصر على أمور لا تفيد إلا نادرا فقال :
"باب طباع البغال:
"قال: ركب صخر بن عثمان بغلاً، ليبكر عليه في حاجة، فقال له عثمان بن الحكم، وهو سيد ثقيف في عصره: إن كنت تركبه على أنه عدو فاركبه، وإلا فدعه"
وجهة نظر جنونية فراكب البغل يجب أن يتخذه عدوا يحذر منه وهو ا يخالف قوله تعالى " والخيل والبغال والحمير لتركبوها" فهى مذللة مسخرة للركوب وليست عدوا
وهى نفسها وجهة نظر المتكلم التالى:
"وقال أبو الحسين النخاس واسمه الحارث وهو الذي يقال له مؤمن آل فرعون إنما يجمح البرذون ليصرع راكبه فقط، ألا تراه إذا سقط عنه، أو رمى بنفسه عن ظهره، وقف البرذون، إلا برذوناً واحداً، فأني رأيته شد عليه بعد أن ألقاه، يكدمه ويرمحه، وكان الناس يشدون عليه، فيتنحي عنه ويشد عليهم، فإذا أجفلوا من بين يديه رجع إليه يكدمه ويرمحه"
وبالقطع هنا البغل هدفه رمى الإنسان من فوقه ويكرر الجاحظ مقولة منفرة من ركوب البغال وهى انها تقتل من يركبها فيذكر حكايات عديدة منها :
"وقال من يذم البغال: البغل كثير التلون، به يضرب المثل، وهو مع هذا قتال لصاحبه
وقال عثمان بن الحكم: كان عندنا في الحي فتى ولدته امرأة مذكرة، لرجل مؤنث: فما رأيت ولا سمعت بخلق ردي من أخلاق البغال إلا وقد رأيته فيه
كان معبد بن أخضر المازني وهو أخو عباد بن أخضر قاتل أبي بلال الخارجي عند سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب فخرج من عنده يوماً على بغل فصرعه، وكسر سرجه، فركبه عرياً وانصرف إلى أهله، فقال:
أما والله يا بن أبي سعيد جزاك الله شرا من عميد
فلو في دار طلحة دق سرجي لأداني على سرج جديد
فبعث إليه طلحة بسرجوأما ربيعة بن أبي الصلت، فقتله بغل على باب عبد الله بن عباس ومن ولده كلدة بن ربيعة وكان شريفاً شاعراً
وممن قتلته بغلته، خالد بن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وذاك أن خالداً كان بالسقيا ...وممن قتلته البغال، المنذر بن الزبير، وكان يكنى أبا عثمان، حمل على أهل الشام وهو على بغلة وردة بعد أن ألح عليه عبد الله بن الزبير يذمره، فلما سمعت البغلة قعقعة السلاح نفرت، فتوقلت به في الجبل حتى أخرجته من حدود أصحابه، فاتبعه أهل الشام، فناداه عبد الله: انج أبا عثمان، فداك أبي وأمي! فعثرت البغلة، ولحقه أهل الشام، فقتلوه ...وممن صرعته بغلته: البردخت الشاعر، واسمه علي بن خالد وهو الذي كان هجا جرير بن عطية، فقال جرير: من هذا الهاجي؟ قالوا: البردخت قال: وأي شيء البردخت؟ قالوا: الفارغ قال: فلست أول من صير لهذا شغلاً"
ثم ذكر الجاحظ المولع بحكايا الزنى بالحيوانات الحكايات التالية:
"وخبرني سعيد بن أبي مالك أن غلاماً كان لبعض أهل القطيعة يجامع بغلة لمولاه، وأنها في بعض الأيام وقد أدعم فيها، فاستزادته، فتأخرت وتأخر، حتى أسندته إلى زاوية من الإصطبل، فضغطته حتى مات ودخل بعض الغلمان لبعض الحوائج، فرأى الباب عليهما مغلقاً، فنادى باسم الغلام فلم يجبه، فقلع الباب، فإذا الغلام مسند إلى الزاوية وقد مات، وهي تضغطه، فصاح فتنحت وسقط الغلام ميتاً
ويقولون: إنها تفضح السائس الذي يكومها، لأنها تتلمظ إذا عاينته، ولا تفعل ذلك بغيره، فهي إما أن تقتل، وإما أن تفضح
وأنشدوا لقيس بن يزيد، في هجائه ابن أبي سبرة حين رماه بنيك بغلته قال:
نبئت بغلتك التي أتلدتها لا تستقر لديك ما لم تسفد
تدنو بمؤخرها إليك إذا رأت أن قد علوت لها جدار المذود
قالوا: ولما أخذ فتيان من فتيان بني كليب الفرزدق، وأتوه بأتان، وقالوا: والله لتنزون عليها، كما رميت عطية بن الخطفي، أو لنقتلنك! قال: إن كان فهاتوا الصخرة التي كان يقوم عليها إذا جامعها، حتى أنالها! فضحكوا جميعاً من ظرفه، وخلوا سبيله"
وهى حكايات تدل على سفالة بعض الناس وليس على سفالة البغال والمستفاد من حكاياته هو أن البغال تريد فى الشهوة هل من مزيد
ثم ذكر الجاحظ بابا عن استخدام البغال فى حمل البريد ونقل الأخبار فقال :
باب ذكر الإنتفاع بالبغال في البريد في الجاهلية والإسلام، وتعرف حقائق الأخبار، وأنها آلة من آلات السلطان عظيمة، ولابد للسلطان والملوك من تعرف الأخبار قيل لشيخ ذي تجربة: ما أذهب ملك بني مروان؟ قال: ما زال ملكهم قائماً حتى عميت عليهم الأخبار وذلك أن نصر بن سيار، كان صاحب خراسان، قبل خروج أبي مسلم وقوة أمره، إلى أن قوي عليه حتى هرب منه وذلك أنه، وإن كان والياً لأربعة خلفاء، فإنه كان مأموراً بمكاتبة صاحب العراق، وإن كان صاحب العراق لا يقدر على عزله، وقد كان يزيد ابن عمر يخاف أن يولي مكانه نصر بن سيار، أو مسور بن عمرو بن عباد، فاحتال لمسور، ولم تمكنه الحيلة في نصر، فكان إذا كتب إليه بالرأي الذي يحسم به من أسباب قوة المسودة كتب بذلك إلى يزيد فكان يزيد لا يرفع خبره ولا يمده بالرجال طمعاً في أن يهزم أو يقتل، ونسي يزيد أن غلبة أبي مسلم على خراسان سبب لغلبته على الجبال وإذا استحكم له ذلك، لم يكن له همة إلا صاحب العراق فلما طوى أخبار نصر سد وجه الرأي والتدبير على مروان حتى كان الذي كان
قالوا: ولما بلغ المأمون اختلاط من حال البريد وجه ثمامة بن أشرس ليتعرف له ذلك فلما رجع إليه وسأله، قال: يا أمير المؤمنين تركت بغلاً على معلف كذا وكذا وهو يقرأ: " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها "
والمستفاد من الحكاية رغم كونها من التاريخ المزيف أن انقطاع الأخبار من أطراف الدولة عن الحاكم وحاشيته يتسبب فى هزيمتهم لعدم معرفتهم بموقف الجيوش فى أطراف الدولة وكذلك حال الحكام لصغار ومؤسسات الدولة و ما كرره بذكر الحكاية لتالية:
"ولما فخم ابن غسطة عظيم الروم شأن ملكه، ثم قال للرسول: هل عندكم بعض ما تعارضوني به؟ قال: نعم، لملكنا أربعون ألف بغل موقوفة على إبلاغ رسائله وأخباره، من واسطة ملكه إلى أقطار سلطانه فأفحمه
يعني بغال البريد قال هذا وحال البرد على غير هذه الحال، ولم يعرفوا توجيه الخرائط في الماء، وعلى أيدي الرجال"
وقد بين الرجل أن نقل الأخبار على ظهور البغال يتسبب فى شهرة بعض الناس كأبى حنيفة حيث قال:
"حدثني علي بن المديني قال: كان يزيد بن زريع إذا سمع أصحاب الحديث يخوضون في أبي حنيفة وفي كيف عظم شأنه بعد خموله، قال: هيهات! طارت بفتياه البغال الشهب! "
وبين الجاحظ أن القوم يطلقون على كل بغلة بريد اسم عدس فروى التالى:
"قالوا: ووجه معاوية لما كلموه في يزيد بن ربيعة بن مفرغ رجلاً مجرداً لإخراجه من السجن فخرج حتى أتى سجستان فأخرجه فبلغ ذلك عباد بن زياد فأرسل إلى حمحام، فلما رأى عهد معاوية كف وأقبل حمحام بابن مفرغ على بغلة من بغال البريد، وأنشأ ابن مفرغ يقول:
عدس ما لعباد إمارة نجوت وهذا تحملين طليق
طليق الذي نجى من الكرب بعدما تلاحم في درب عليك مضيق
قوله: عدس ما لعباد عليك إمارة فزعم ناس أن عدس اسم لكل بغلة كمن وذهبوا إلى قول الشاعر:
إذا حملت بزتي على عدس على التي بين الحمار والفرس
فما أبالي من غزا ومن جلس
وقال أخرون: قولهم: عدس للبغلة مثل قولهم: سأسأ للحمار وحا للجمل وحل للناقة "
ثم ذكر أمور لا علاقة لها ببغال البريد كما فى الأقوال التالية:
"ومما اشتق من اسم البغل: الدرهم البغلي وفي بني تغلب رأس البغل وهو رئيس من رؤسائهم وهو الذي كان إبراهيم بن هانئ الخليع نسب إليه وإذا كان الإنسان عظيم الرأس لقبوه: رأس البغل والبغلات: جوار من رقيق مصر نتاج ما بين الصقالبة وجنس آخر والواحدة منهن يقال لها: بغلة ولهن أبدان ووثارة وحدارة"
وكعادته فى ذكر الجنس قال أن المصريين يسمون نساءهم بغلات فقال :
"ويروى عن بعض العراقيين: كنت عند قاضي مصر، وهو يقول لبعض جلسائه: عندي جارية أطؤها منذ حين، وقد اعتراني شبق، وأنا علي أن أشتري بغلة قلت: وما تصنع ببغلة؟ قال: أطؤها وأصيب منها فقلت في نفسي: هذا أمجن الناس وأحمقهم، يتكلم بهذا وهو قاض؟! ثم حكيت ذلك عند رجل من أهل مصر، فقال: عافاك الله، ما منا من أحد إلا وعنده بغلات يجامعهن! فتعجبت فلما رأى إنكاري ذلك، فسر لي معنى البغلة عندهمقالوا: وإذا عظمت المرأة، وعظم بطنها، قالوا: ما هي إلا بغلة وما رأس فلان إلا رأس بغل وما أيره إلا أير بغل، وما خلقه إلا من أخلاق البغال"
وهو كلام يدخل ضمن الاجتماعيات بين الرجال وكان الشائع بين الرجال فى هذا العصر فى مصر إطلاق اسم الفرسة على المرأة ثم تغير المسمى إلى المكنة وهى الآلة المسماة الماكينة وإن كان لا علاقة لها بموضوع البريد ومثله الأقوال التالية:
"ومن سير الإبل سير يسمى: التبغيل، قال الراعي:
وإذا ترقصت المفاوز غادرت ربذاً يبغل خلفها تبغيلاً
والبغيلة: اسم ناقة كانت لجميل بن معمر ولذلك قال:
أضر بأخفاف البغيلة أنها حذار ابن ربعي بهن تحوم
ولذلك قال الرقاشي في صفة ناقة له تسمى سروة:
لعمرك ما البغيلة حين تغدو وصيدح حين تسرح في الرحاب
كسروة حين تذرع عرض خرق بعيد الآل مشتيه الظراب
وقد كان أيضاً بالكوفة نتاج بين الخراسانية والهنديات، وكان أملح وأحسن قدوداً من البغلات اللواتي بمصر، وكانت ألوانهن تجيء ذهبية، لها حلاوة الهندية، وروعة الخراسانية وكذلك مطهمات جواري الكوفة، زرقاً تجدهن، إلا الواحدة بعد الواحدة، وإنما الثمينات المرتفعات، والغوالي الخطيرات بصريات"
الكتاب من تأليف ابو عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ وسبب تأليف الكتاب هو أن الجاحظ نسى ذكر البغال فيمن نسى الكتابة عنهم من الحيوانات فى كتاب الحيوان وفى هذا قال فى مقدمة الكتاب:
"كان وجه التدبير في جملة القول في البغال أن يكون مضموماً إلى جملة القول في الحافر كله، فيصير الجميع مصحفاً، كسائر مصاحف " كتاب الحيوان "
وقد بين أن سبب النسيان أو الترك هو الهموم والمرض وهو الزمانة وأيضا جهل من يمليهم فقال:
"وقد منع من ذلك ما حدث من الهم الشاغل، وعرض من الزمانة، ومن تخاذل الأعضاء، وفساد الأخلاط، وما خالط اللسان من سوء التبيان، والعجز عن الإفصاح، ولن تجتمع هذه العلل في إنسان واحد، فيسلم معها العقل سلامة تامة وإذا اجتمع على الناسخ سوء إفهام المملي، مع سوء تفهم المستملي، كان ترك التكلف لتأليف ذلك الكتاب أسلم لصاحبه من تكلف نظمه على جمع كل البال، واستفراغ القوى"0.
والمفترض فى أى كتاب يتناول نوع من الحيوان أن يتناوله من ناجية التركيب الجسمى والصفات الجسمانية كالطعام الذى يتناوله والتنفس ودورة الدم والتناسل وغير ذلك ولكن كتاب الجاحظ خلا من كل هذا عدا الحديث عن أير وهو قضيب البغل وأكثر من نصف الكتاب كان أشعارا قيلت فى البغال حذفنا معظمها لكونها تحكى حكايات أو تصف أفعالا لمن حدثت لهم حوادث مع البغال وأما بقية الكتاب فحكايات عن بغال الناس لا طائل من ذكرها إلا القليل
ويبدو أن ملاحظة أحد الباحثين عن الجاحظ فى كتابته عن الحيوان وقد قرأتها منذ حوالى ثلاثة عقود ولا أدرى هل كانت فى مجلة العربى الكويتية أو غيرها كانت صحيحة وهى :
ولع الرجل بالشهوة التى تسمى الجنسية وهو ما يظهر خلال هذ الكتاب من خلال اهتمامه بقضبان البغال وشغف البغال بالشهوة وشغف بعض الفسقة بها
وقد قسم الرجل كتابه أبوابه نستعرض بعض ما جاء فيها :
"باب ولع الأشراف بالبغال:
"نبدأ إن شاء الله، بما وصف الأشراف من شأن البغلة، في حسن سيرتها، وتمام خلقها، والأمور الدالة على السر الذي في جوهرها، وعلى وجوه الإرتفاق بها، وعلى تصرفها في منافعها، وعلى خفة مئونتها في التنقل في أمكنتها وأزمنتها، ولم كلف الأشراف بارتباطها، مع كثرة ما يزعمون من عيوبها ولم آثروها على ما هو أدوم طهارة خلق منها وكيف ظهر فضلها مع النقص الذي هو فيها؟ وكيف اغتفروا مكروه ما فيها، لما وجدوا من خصال المحبوب فيها؟ حتى صار الرجل منهم ينشد العذال فيها كقول السعدي:
أخ لي كأيام الحياة إخاؤه تلون ألواناً على خطوبها
إذا عبت منه خصلة فهجرته دعتني إليه خصلة لا أعيبها
ولقد كلف بارتباطها الأشراف حتى لقب بعضهم من أجل اشتهاره بها برواض البغال، ولقبوا آخر: بعاشق البغل، هذا مع طيب مغارسهم، وكرم نصابهم، ولذلك قال الشاعر:
وتثعلب الرواض بعد مراحه وانسل بين غرارتيه الأعور
وهجاه أيضاً الفرزدق بأمر الحجاج، ففحش عليه، حتى قال:
وأفلت رواض البغال ولم تدع له الخيل من أحراج زوجيه معشرا
وقال صفوان بن عبد الله بن الأهتم، لعبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن المطلب، وكان ركاباً للبغلة: مالك وهذا المركب الذي لا تدرك عليه الثار، ولا ينجيك يوم الفرار؟ قال: إنها نزلت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن ذلة العير وخير الأمور أوساطها فقال صفوان: إنما نعلمكم فإذا علمتم تعلمنا منكم وهو الذي كان يلقب: رواض البغال لحذقه بركوبها ولشغفه بها وحسن قيامه عليها، وكان يقول: أريدها واسعة الجفرة، مندحة السرة، شديدة العكوة بعيدة الخطوة، لينة الظهر، مكربة الرسغ، سفواء جرداء عنقاء، طويلة الأنقاء"
وما سبق من كلام لا يفيد القارىء بشىء وكذلك ما بعده وهو:
"وقال سليمان بن علي لخالد بن صفوان، ورآه على حمار: ما هذا يا أبا صفوان؟ قال: أصلح الله الأمير، ألا أخبرك عن المطايا؟ قال: بلى قال: الإبل للحمل والزمل، والبغال للأسفار والأثقال، والخيل للطلب والهرب، والبراذين للجمال والوطاءة وأما الحمير فللدبيب والمرفق"
فهذه أقوال بعض الناس فى البغال وقد تعرض الجاحظ لما جاء فى التاريخ النبوى وما بعده من ذكر لبغال فقال :
"قالوا: وكانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بغلة تسمى دلدل، وحمار يسمى يعفور، وفرس يسمى السكب، وله ناقتان العضباء والقصواء
قالوا: وكان علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، يكثر ركوب بغلة عبد الله بن وهب الشهباء، التي غنمها يوم النهروان هذا في قول الشيعة، وأما غيرهم فينكرون أن يكون علي، كرم الله وجهه، يرى أن يغنم شيئاً من أموال أهل الصلاة، كما لم يغنم من أموال أصحاب الجمل"
وهنا تعرض الجاحظ لمسألة جواز غنيمة أموال المسلمين إذا تحاربوا مع بعضهم فأنكر أن يكون على بن أبى طالب قد استباح أموال أهل القبلة وزعم أن استحلال مال أهل القبلة مباح بناء على واقعة البغلة فى يوم النهروان عند الشيعة
ثم ذكر الجاحظ روايات عن ركوب الصحابة للبغال فقال:
"حدثناعلي بن المديني قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثني أبي عن أبي إسحاق، قال: حدثني حكيم بن حكيم، عن مسعود بن الحكم، عن أمه قالت: كأني أنظر إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، على بغلة رسول الله (ص)الشهباء في شعب الأنصار ويروى عن عبد الرحمن بن سعد، قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه، على بغلة بيضاء، يضفر لحيته ومن حديث الزهري وغيره، عن كثير بن العباس، عن أبيه، قال: كان رسول الله (ص)يوم حنين على بغلته الشهباء في حديث طويل في المغازي وفي هذا الحديث: فحضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " الآن حمي الوطيس " وهذه كلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يسبقه إليها أحد، وكذلك قوله: " مات حتف أنفه " وكذلك قوله: " كل الصيد في جوف الفرا " وكذلك قوله: " هدنة على دخن " وكذلك قوله: " لا يلسع المؤمن من جحر مرتين " فصارت كلها أمثالاً"
وهو كلام صحيح المعنى فلابد أن يكون بعضهم قد ركب بغالا والملاحظ أن الجاحظ كثيرا ما يخرج عن سياق موضوع الباب أو الكتاب كما فى ثلثها الأخير حيث ذكر بعض تعبيرات النبى(ص) لتى صارت أمثالا رغم أنها لا علاقة لها بالبغال
وتناول الجاحظ رواية عن البغلة انتقدها بأنها لم تحدث ةأنها من وضع كارهى عائشة أم المؤمنين فقال:
"وعن أبي الأشهب، عن الحسن قال: قال قوم وعثمان رضي الله عنه محصور: لو بعثتم إلى أم المؤمنين رضي الله عنها فركبت، فلعلهم أن يكفوا فأرسلوا إلى أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة، فجاءت على بغلة شهباء في محفة قالوا: من هذه؟ قالوا: أم المؤمنين، أم حبيبة قالوا: لا - والله - لا تدخل، فردوها وقالوا: وقع بين حيين من قريش منازعة، فخرجت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها على بغلة، فلقيها ابن أبي عتيق، فقال: إلى أين جعلت فداك؟ قالت: أصلح بين هذين الحيين قال: والله ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل، فكيف إذا قيل: يوم البغل! فضحكت وانصرفت"
وأما نقده للرواية فهو :
"هذا - حفظك الله - حديث مصنوع، ومن توليد الروائض، فظن الذي ولد هذا الحديث، أنه إذا أضافه إلى ابن أبي عتيق، وجعله نادرة وملحة، أنه سيشيع، ويجري عند الناس مجرى الخبر عن أم حبيبة وصفية ولو عرف الذي اخترع هذا الحديث طاعة الناس لعائشة رضي الله عنها لما طمع في جواز هذا عنه وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: منيت بأربعة: منيت بأشجع الناس يعني الزبير وأجود الناس يعني طلحة وأنض الناس يعني يعلى بن منية وأطوع الناس في الناس، يعني عائشة
ومن بعد هذا، فأي رئيس قبيل من قبائل قريش كانت تبعث إليه عائشة رضي الله عنها رسولاً فلا يسارع، أو تأمره فلا يطيع، حتى احتاجت أن تركب بنفسها؟ وأي شيء كان قبل الركوب من المراسلة والمراوضة والمدافعة والتقديم والتأخير، حتى اضطرها الأمر إلى الركوب بنفسها؟ وإن شراً يكون بين حيين من أحياء قريش، تفاقم فيه الأمر، حتى احتاجت عائشة - رضي الله عنها إلى الركوب فيه، لعظيم الخطر، مستفيض الذكر، فمن هذا القبيلان؟ ومن أي ضرب كان هذا الشر؟ وفي أي شيء كان؟ وما سببه؟ ومن نطق من جميع رجالات قريش فعصوه وردوا قوله، حتى احتاجت عائشة فيه إلى الركوب؟ ولقد ضربوا قواديم الجمل، فلما برك ومال الهودج صاح الفريقان: أمكم أمكم "
فأمر عائشة أعظم، وشأنها أجل، عند من يعرف أقدار الرجال والنساء، من أن يجوز مثل هذا الحديث المولد، والشر المجهول، والقبيلتين اللتين لا تعرفان والحديث ليس له إسناد، وكيف وابن أبي عتيق شاهد بالمدينة، ولم يعلم بركوبها، ولا بهذا الشر المتفاقم بين هذين القبيلتين؟ ثم ركبت وحدها، ولو ركبت عائشة لما بقي مهاجري ولا أنصاري، ولا أمير ولا قاض إلا ركب؟ فما ظنك بالسوقة والحشوة، وبالدهماء والعامة
وما هو إلا أن ولد أبو مخنف حديثاً أو الشرقي بن القطامي، أو الكلبي، أو لقيط المحاربي، أو شوكر أو غطاء الملط، أو ابن دأب، أو أبو الحسن المدائني، ثم صوره في كتاب وألقاه في الوراقين، إلا رواه من لا يحصل ولا يتثبت ولا يتوقف، وهؤلاء كلهم يتشيعون"
ثم تناول الرجل كلمة صادقة حدثت أم لم تحدث وهى أن الحرب لا يستغنى فيها عن البغال فقال:
"ولما خرج قطري بن الفجاءة، أحب أن يجمع إلى رأيه رأي غيره، فدس إلى الأحنف بن قيس رجلاً ليجري ذكره في مجلسه، ويحفظ عنه ما يقول فلما فعل قال الأحنف: أما إنهم إن حنبوا بنات الصهال، وركبوا بنات النهاق، وأمسوا بأرض وأصبحوا بأرض طال أمرهم قالوا: فلا نرى صاحب الحرب يستغني عن البغال، كما لا نرى صاحب السلم يستغني عنها، ونرى صاحب السفر فيها كصاحب الحضر"
وقد أثبتت الحروب الجبلية صدق ذلك فالسيارات لا تستطيع ان تسير فى بعض الممرات الجبلية لنقل الجنود والمؤن وهو ما تستطيعه الحيوانات
وزعم الرجل أن هدية ملكة سبأ لسليمان (ص) كانت نوعا من البغال فقال:
"قالوا: والهدايا النفيسة، والطرف العجيبة، والكرامات الثمينة، التي أهدتها بلقيس بنت ذي شرح إلى سليمان بن داود، هي الهدايا التي أخبر الله عن سليمان بن داود عليهما السلام أنه قال: " بل أنتم بهديتكم تفرحون " ولم تكن الملكة تبتهج بتلك الهدايا وهي إلى سليمان وسليمان هو الذي أعطاه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده إلا وهي هدايا شريفة
قالوا: فهذه الهدايا الشريفة إنما كانت على البغال الشهب"
وهو كلام ليس عليه دليل وإنما هو حكايات عن الناس
ثم ذكر الرجل بابا لنوادر البغال وهى الحكايات المضحكة فقال :
"باب نوادر البغال:
ومن النوادر، قال: ادعى رجل على الهيثم بن مظهر الفأفاء أنه سرق بغلاً، فقال له الوالي: ما يقول؟ قال: ما أعرف مما يقول شيئاً! قال: أصلحك الله، إنه سكران فاستنكهه قال: لأي شيء يستنكهني؟ أكلت البغل؟...
وقال آخر يهجو رجلاً:
يا حابس الروث في أعفاج بغلته شحاً على الحب من لقط العصافير
...قال: ونظر أعرابي إلى بغل سقاء، وقد تفاج ليبول، فاستحثه بالمقرعة، وقطع عليه البول فقال الأعرابي: إنها إحدى الغوائل، قطع الله منك الوتين ....وتفاخر ناس بكبر الأيور، وشيخ جالس لا يخوض معهم فلما أكثروا قال الشيخ: لو كان كبر الأيور مجداً كان البغل من بني هاشم
وشهد مزبد المديني عند قاضي المدينة بشهادة، وكان ذلك القاضي مفرط الحدة، شديد البطش، سريع الطيرة، فقال له القاضي: أعلي تجترئ وعندي تشهد؟ جرا برجليه وألقياه تحت البغلة! فلما أمعنا به نحو البغلة، التفت إلى القاضي فقال: أصلحك الله كيف خلقها؟ فضحك وخلى سبيله
وكان نميلة بن عكاشة النميري متكايساً، فدخل دار بلال بن أبي بردة، فرأى ثوراً مجللاً، فقال: سبحان الله! ما أفرهها من بغلة لولا أن حوافرها مشقوقة ....قال أبو الحسن: نظر جحا إلى رجل بين يديه يسير على بغلة، فقال للرجل: الطريق يا حمصي! فقال الرجل: ما يدريك أني حمصي؟ قال: رأيت حر بغلتك، فإذا هو يشبه الحاء، ورأيت فقحتها فرأيتها تشبه الميم ورأيت ذنبها فإذا هو يشبه الصاد، فقلت: إنك حمصي
قالوا: وابتاع عبادي بغلاً، فمر بالحي، فقالوا: بارك الله لك! قال: لا تقولوا هكذا فكيف نقول؟ قال: قولوا: لا بارك الله لك فيه! قالوا: سبحان الله! أيقول أحد لأحد له فيه رأي؟ قال: قولوا كما أقول لكم! قالوا: لا بارك الله لك فيه! قال: وقولوا: وأعضك ببظر أمك قالوا: نعم قال: إن أعرتكموه أبداً!...قال: وكان عند محمد بن سليمان رجل مغفل فأنشد رجزاً قيل في عمر بن هبيرة:
جاءت به معتجراً ببرده سفواء تردى بنسيج وحده
تقدح قيس كلها بزنده فقال الشيخ: بأبي هو وأمي (ص)لأنه ظن حين سمع بذكر البرد والبغلة أنه النبي صلى الله عليه وسلم"
والباب كله حكايات الكثير منها مضحك ولكن البعض منها لا يجوز لكونه سخرية من خلقة الله ونلاحظ فيها ولع الجاحظ بالأعضاء لتى تسمى جنسية كالأيور والبظر
ثم بعد ذلك تناول الجاحظ بابا اسمه طباع البغال والمفروض أن يذكر فيه ما تحب من الأطعمة وطرق مشيها وغير ذلك من الأمور التى تفيد الخلق فى التعامل مع البغال ولكنه اقتصر على أمور لا تفيد إلا نادرا فقال :
"باب طباع البغال:
"قال: ركب صخر بن عثمان بغلاً، ليبكر عليه في حاجة، فقال له عثمان بن الحكم، وهو سيد ثقيف في عصره: إن كنت تركبه على أنه عدو فاركبه، وإلا فدعه"
وجهة نظر جنونية فراكب البغل يجب أن يتخذه عدوا يحذر منه وهو ا يخالف قوله تعالى " والخيل والبغال والحمير لتركبوها" فهى مذللة مسخرة للركوب وليست عدوا
وهى نفسها وجهة نظر المتكلم التالى:
"وقال أبو الحسين النخاس واسمه الحارث وهو الذي يقال له مؤمن آل فرعون إنما يجمح البرذون ليصرع راكبه فقط، ألا تراه إذا سقط عنه، أو رمى بنفسه عن ظهره، وقف البرذون، إلا برذوناً واحداً، فأني رأيته شد عليه بعد أن ألقاه، يكدمه ويرمحه، وكان الناس يشدون عليه، فيتنحي عنه ويشد عليهم، فإذا أجفلوا من بين يديه رجع إليه يكدمه ويرمحه"
وبالقطع هنا البغل هدفه رمى الإنسان من فوقه ويكرر الجاحظ مقولة منفرة من ركوب البغال وهى انها تقتل من يركبها فيذكر حكايات عديدة منها :
"وقال من يذم البغال: البغل كثير التلون، به يضرب المثل، وهو مع هذا قتال لصاحبه
وقال عثمان بن الحكم: كان عندنا في الحي فتى ولدته امرأة مذكرة، لرجل مؤنث: فما رأيت ولا سمعت بخلق ردي من أخلاق البغال إلا وقد رأيته فيه
كان معبد بن أخضر المازني وهو أخو عباد بن أخضر قاتل أبي بلال الخارجي عند سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب فخرج من عنده يوماً على بغل فصرعه، وكسر سرجه، فركبه عرياً وانصرف إلى أهله، فقال:
أما والله يا بن أبي سعيد جزاك الله شرا من عميد
فلو في دار طلحة دق سرجي لأداني على سرج جديد
فبعث إليه طلحة بسرجوأما ربيعة بن أبي الصلت، فقتله بغل على باب عبد الله بن عباس ومن ولده كلدة بن ربيعة وكان شريفاً شاعراً
وممن قتلته بغلته، خالد بن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وذاك أن خالداً كان بالسقيا ...وممن قتلته البغال، المنذر بن الزبير، وكان يكنى أبا عثمان، حمل على أهل الشام وهو على بغلة وردة بعد أن ألح عليه عبد الله بن الزبير يذمره، فلما سمعت البغلة قعقعة السلاح نفرت، فتوقلت به في الجبل حتى أخرجته من حدود أصحابه، فاتبعه أهل الشام، فناداه عبد الله: انج أبا عثمان، فداك أبي وأمي! فعثرت البغلة، ولحقه أهل الشام، فقتلوه ...وممن صرعته بغلته: البردخت الشاعر، واسمه علي بن خالد وهو الذي كان هجا جرير بن عطية، فقال جرير: من هذا الهاجي؟ قالوا: البردخت قال: وأي شيء البردخت؟ قالوا: الفارغ قال: فلست أول من صير لهذا شغلاً"
ثم ذكر الجاحظ المولع بحكايا الزنى بالحيوانات الحكايات التالية:
"وخبرني سعيد بن أبي مالك أن غلاماً كان لبعض أهل القطيعة يجامع بغلة لمولاه، وأنها في بعض الأيام وقد أدعم فيها، فاستزادته، فتأخرت وتأخر، حتى أسندته إلى زاوية من الإصطبل، فضغطته حتى مات ودخل بعض الغلمان لبعض الحوائج، فرأى الباب عليهما مغلقاً، فنادى باسم الغلام فلم يجبه، فقلع الباب، فإذا الغلام مسند إلى الزاوية وقد مات، وهي تضغطه، فصاح فتنحت وسقط الغلام ميتاً
ويقولون: إنها تفضح السائس الذي يكومها، لأنها تتلمظ إذا عاينته، ولا تفعل ذلك بغيره، فهي إما أن تقتل، وإما أن تفضح
وأنشدوا لقيس بن يزيد، في هجائه ابن أبي سبرة حين رماه بنيك بغلته قال:
نبئت بغلتك التي أتلدتها لا تستقر لديك ما لم تسفد
تدنو بمؤخرها إليك إذا رأت أن قد علوت لها جدار المذود
قالوا: ولما أخذ فتيان من فتيان بني كليب الفرزدق، وأتوه بأتان، وقالوا: والله لتنزون عليها، كما رميت عطية بن الخطفي، أو لنقتلنك! قال: إن كان فهاتوا الصخرة التي كان يقوم عليها إذا جامعها، حتى أنالها! فضحكوا جميعاً من ظرفه، وخلوا سبيله"
وهى حكايات تدل على سفالة بعض الناس وليس على سفالة البغال والمستفاد من حكاياته هو أن البغال تريد فى الشهوة هل من مزيد
ثم ذكر الجاحظ بابا عن استخدام البغال فى حمل البريد ونقل الأخبار فقال :
باب ذكر الإنتفاع بالبغال في البريد في الجاهلية والإسلام، وتعرف حقائق الأخبار، وأنها آلة من آلات السلطان عظيمة، ولابد للسلطان والملوك من تعرف الأخبار قيل لشيخ ذي تجربة: ما أذهب ملك بني مروان؟ قال: ما زال ملكهم قائماً حتى عميت عليهم الأخبار وذلك أن نصر بن سيار، كان صاحب خراسان، قبل خروج أبي مسلم وقوة أمره، إلى أن قوي عليه حتى هرب منه وذلك أنه، وإن كان والياً لأربعة خلفاء، فإنه كان مأموراً بمكاتبة صاحب العراق، وإن كان صاحب العراق لا يقدر على عزله، وقد كان يزيد ابن عمر يخاف أن يولي مكانه نصر بن سيار، أو مسور بن عمرو بن عباد، فاحتال لمسور، ولم تمكنه الحيلة في نصر، فكان إذا كتب إليه بالرأي الذي يحسم به من أسباب قوة المسودة كتب بذلك إلى يزيد فكان يزيد لا يرفع خبره ولا يمده بالرجال طمعاً في أن يهزم أو يقتل، ونسي يزيد أن غلبة أبي مسلم على خراسان سبب لغلبته على الجبال وإذا استحكم له ذلك، لم يكن له همة إلا صاحب العراق فلما طوى أخبار نصر سد وجه الرأي والتدبير على مروان حتى كان الذي كان
قالوا: ولما بلغ المأمون اختلاط من حال البريد وجه ثمامة بن أشرس ليتعرف له ذلك فلما رجع إليه وسأله، قال: يا أمير المؤمنين تركت بغلاً على معلف كذا وكذا وهو يقرأ: " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها "
والمستفاد من الحكاية رغم كونها من التاريخ المزيف أن انقطاع الأخبار من أطراف الدولة عن الحاكم وحاشيته يتسبب فى هزيمتهم لعدم معرفتهم بموقف الجيوش فى أطراف الدولة وكذلك حال الحكام لصغار ومؤسسات الدولة و ما كرره بذكر الحكاية لتالية:
"ولما فخم ابن غسطة عظيم الروم شأن ملكه، ثم قال للرسول: هل عندكم بعض ما تعارضوني به؟ قال: نعم، لملكنا أربعون ألف بغل موقوفة على إبلاغ رسائله وأخباره، من واسطة ملكه إلى أقطار سلطانه فأفحمه
يعني بغال البريد قال هذا وحال البرد على غير هذه الحال، ولم يعرفوا توجيه الخرائط في الماء، وعلى أيدي الرجال"
وقد بين الرجل أن نقل الأخبار على ظهور البغال يتسبب فى شهرة بعض الناس كأبى حنيفة حيث قال:
"حدثني علي بن المديني قال: كان يزيد بن زريع إذا سمع أصحاب الحديث يخوضون في أبي حنيفة وفي كيف عظم شأنه بعد خموله، قال: هيهات! طارت بفتياه البغال الشهب! "
وبين الجاحظ أن القوم يطلقون على كل بغلة بريد اسم عدس فروى التالى:
"قالوا: ووجه معاوية لما كلموه في يزيد بن ربيعة بن مفرغ رجلاً مجرداً لإخراجه من السجن فخرج حتى أتى سجستان فأخرجه فبلغ ذلك عباد بن زياد فأرسل إلى حمحام، فلما رأى عهد معاوية كف وأقبل حمحام بابن مفرغ على بغلة من بغال البريد، وأنشأ ابن مفرغ يقول:
عدس ما لعباد إمارة نجوت وهذا تحملين طليق
طليق الذي نجى من الكرب بعدما تلاحم في درب عليك مضيق
قوله: عدس ما لعباد عليك إمارة فزعم ناس أن عدس اسم لكل بغلة كمن وذهبوا إلى قول الشاعر:
إذا حملت بزتي على عدس على التي بين الحمار والفرس
فما أبالي من غزا ومن جلس
وقال أخرون: قولهم: عدس للبغلة مثل قولهم: سأسأ للحمار وحا للجمل وحل للناقة "
ثم ذكر أمور لا علاقة لها ببغال البريد كما فى الأقوال التالية:
"ومما اشتق من اسم البغل: الدرهم البغلي وفي بني تغلب رأس البغل وهو رئيس من رؤسائهم وهو الذي كان إبراهيم بن هانئ الخليع نسب إليه وإذا كان الإنسان عظيم الرأس لقبوه: رأس البغل والبغلات: جوار من رقيق مصر نتاج ما بين الصقالبة وجنس آخر والواحدة منهن يقال لها: بغلة ولهن أبدان ووثارة وحدارة"
وكعادته فى ذكر الجنس قال أن المصريين يسمون نساءهم بغلات فقال :
"ويروى عن بعض العراقيين: كنت عند قاضي مصر، وهو يقول لبعض جلسائه: عندي جارية أطؤها منذ حين، وقد اعتراني شبق، وأنا علي أن أشتري بغلة قلت: وما تصنع ببغلة؟ قال: أطؤها وأصيب منها فقلت في نفسي: هذا أمجن الناس وأحمقهم، يتكلم بهذا وهو قاض؟! ثم حكيت ذلك عند رجل من أهل مصر، فقال: عافاك الله، ما منا من أحد إلا وعنده بغلات يجامعهن! فتعجبت فلما رأى إنكاري ذلك، فسر لي معنى البغلة عندهمقالوا: وإذا عظمت المرأة، وعظم بطنها، قالوا: ما هي إلا بغلة وما رأس فلان إلا رأس بغل وما أيره إلا أير بغل، وما خلقه إلا من أخلاق البغال"
وهو كلام يدخل ضمن الاجتماعيات بين الرجال وكان الشائع بين الرجال فى هذا العصر فى مصر إطلاق اسم الفرسة على المرأة ثم تغير المسمى إلى المكنة وهى الآلة المسماة الماكينة وإن كان لا علاقة لها بموضوع البريد ومثله الأقوال التالية:
"ومن سير الإبل سير يسمى: التبغيل، قال الراعي:
وإذا ترقصت المفاوز غادرت ربذاً يبغل خلفها تبغيلاً
والبغيلة: اسم ناقة كانت لجميل بن معمر ولذلك قال:
أضر بأخفاف البغيلة أنها حذار ابن ربعي بهن تحوم
ولذلك قال الرقاشي في صفة ناقة له تسمى سروة:
لعمرك ما البغيلة حين تغدو وصيدح حين تسرح في الرحاب
كسروة حين تذرع عرض خرق بعيد الآل مشتيه الظراب
وقد كان أيضاً بالكوفة نتاج بين الخراسانية والهنديات، وكان أملح وأحسن قدوداً من البغلات اللواتي بمصر، وكانت ألوانهن تجيء ذهبية، لها حلاوة الهندية، وروعة الخراسانية وكذلك مطهمات جواري الكوفة، زرقاً تجدهن، إلا الواحدة بعد الواحدة، وإنما الثمينات المرتفعات، والغوالي الخطيرات بصريات"