سورة الأحقاف
سميت بهذا لذكر الأحقاف بقوله "إذ أنذر قومه بالأحقاف ".
"بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات عادلة إلقاء الوحى من الرب الناصر القاضى ،يبين الله لنبيه (ص)أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو حم تنزيل الكتاب والمراد هو آيات عادلة وحى القرآن وبيانه مفرقات حيث أنزل الله القرآن وتفسيره آيات مفرقات على مرات عديدة من الله العزيز الحكيم والمراد من الرب الناصر القاضى بالحق والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون"المعنى ما أبدعنا السموات والأرض والذى وسطهما إلا للعدل وموعد محدد والذين كذبوا لما أبلغوا مخالفون،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما خلق أى ما أنشأ السموات والأرض وما بينهما والمراد والجو الذى وسطهما إلا بالحق والمراد إلا لإقامة العدل وأجل مسمى أى وموعد محدد هو القيامة والذين كفروا عما أنذروا معرضون والمراد والذين كذبوا بحكم الله لما أبلغوا من الأحكام عاصون .
"قل أرايتم ما تدعون من دون الله أرونى ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك فى السموات ائتونى بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين "المعنى قل أعلمونى ما تعبدون من سوى الرب أعلمونى ماذا أبدعوا فى الأرض أم لهم ملك فى السموات جيئونى بوحى من قبل القرآن أى بعض من وحى إن كنتم محقين ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يسأل الناس :أرأيتم ما تدعون من دون الله والمراد عرفونى ما تعبدون من سوى الله مصداق لقوله بسورة المائدة "أتعبدون من دون الله"أرونى ماذا خلقوا من الأرض والمراد عرفونى ماذا أنشئوا فى الأرض أم لهم شرك فى السموات والمراد هل لهم ملك أى خلق فى السموات ؟ائتونى بكتاب من قبل هذا والمراد جيئونى بوحى منزل من قبل القرآن وفسر هذا بقوله آثارة من علم أى بعض من وحى الله السابق يدل على خلق الأرباب المزعومة لشىء فى الكون إن كنتم صادقين أى عادلين فى قولكم ؟والغرض من القول هو إخبار الناس أن الأرباب المزعومة لم تخلق شىء فى الكون ولا يوجد فى أى وحى أنزله الله دليل على هذا .
"ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعاءهم غافلون "المعنى ومن أظلم ممن يعبد من سوى الرب من لا يعلم به إلى يوم البعث وهم عن عبادتهم ساهون،يبين الله لنبيه (ص)أن من أضل والمراد "ومن أظلم "كما قال بسورة البقرة وهذا يعنى أن الكافر هو من يدعو من دون الله والمراد هو من يعبد من سوى الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة والمراد من لا يعلم بعبادته حتى يوم البعث مصداق لقوله بسورة النحل"ويعبدون من دون الله "وهم عن دعاءهم غافلون والمراد وهم عن عبادتهم وهى طاعتهم ساهون مصداق لقوله بسورة يونس"إنا كنا عن عبادتكم غافلين "والمراد أن الأرباب المزعومة لا تعلم بعبادة الناس لها ولا تنفعهم بشىء والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين "المعنى وإذا بعث الخلق كانوا لهم كارهين وكانوا لطاعتهم مكذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس وهم الخلق إذا حشروا والمراد إذا بعثوا يوم القيامة كانوا لهم أعداء والمراد كانت الأرباب للعابدين لها كارهين وكانوا بعبادتهم كافرين والمراد وكانت الأرباب المزعومة بطاعة العابدين لها مكذبين .
"وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين "المعنى وإذا تبلغ لهم أحكامنا واضحات قال الذين كذبوا للعدل لما أتاهم هذا خداع عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس إذا تتلى عليهم آيات الله بينات والمراد إذا تبلغ لهم أحكام الله مفهومات وهذا يعنى إن يروا كل آية قال الذين كفروا للحق لما جاءهم أى قال الذين كذبوا بالعدل لما أتاهم :هذا سحر مبين أى هذا خداع أى كذب مستمر مصداق لقوله بسورة القمر"وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ".
"أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لى من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بينى وبينكم وهو الغفور الرحيم "المعنى هل يزعمون اختلقه قل إن اختلقته فلا تقدرون لى من الرب على عذاب هو أعرف بالذى تخوضون فيه حسبى حاكما بينى وبينكم وهو العفو النافع ،يسأل الله أم يقولون افتراه والمراد هل يزعمون تقوله أى اختلقه مصداق لقوله بسورة الطور"أم يقولون تقوله"ويطلب الله من نبيه (ص) أن يقول للناس إن افتريته والمراد إن تقولته فلا تملكون لى من الله شيئا والمراد فلا تقدرون لى من الرب على جلب العذاب ،هو أعلم بما تفيضون فيه والمراد هو أعرف بالذى تعملون مصداق لقوله بسورة الحج"إن الله أعلم بما تعملون "كفى به شهيدا بينى وبينكم والمراد حسبى الله قاضيا بينى وبينكم وهو الغفور الرحيم والمراد وهو النافع المفيد لمطيعيه والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلى وما أنا إلا نذير مبين "المعنى قل ما كنت صنفا من الأنبياء (ص)وما أعلم ما يصنع بى ولا بكم إن أطيع إلا الذى يلقى إلى وما أنا سوى مبلغ أمين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :ما كنت بدعا من الرسل والمراد ما كنت صنفا من الأنبياء(ص)وهذا يعنى أنه ليس حالة خاصة من الرسل (ص)وإنما واحد مشابه لهم تمام المشابهة ،وأن يقول وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم والمراد ولا أعرف الذى يصنع بى ولا بكم فى المستقبل وهو الغد مصداق لقوله بسورة لقمان"وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا"وهذا يعنى أنه لا يعلم الغيب،وأن يقول إن أتبع إلا ما يوحى إلى والمراد إن أطيع إلا الذى يلقى إلى من الوحى وهو دين إبراهيم (ص)مصداق لقوله بسورة النحل"اتبع ملة إبراهيم حنيفا "وما أنا إلا نذير مبين والمراد وما أنا إلا مبلغ أمين والمراد رسول كريم مصداق لقوله بسورة الزخرف "ورسول مبين"والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس
"قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى قل أعلمونى إن كان من لدى الرب وكذبتم به وأقر مقر من أولاد يعقوب (ص)على شبهه فصدق وكذبتم إن الرب لا يرحم الناس الكافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول أرأيتم أى عرفونى إن كان القرآن من عند أى لدى الله وكفرتم به والمراد وكذبتم بالقرآن فمن ينقذكم من عذاب الله ؟والغرض من القول أن لا أحد ينقذهم من العذاب وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله والمراد واعترف معترف من أولاد يعقوب (ص)على عالم شبهه وهذا يعنى أن أحد علماء بنى إسرائيل اعترف على عالم أخر بالتحريف فآمن أى فصدق بالقرآن واستكبرتم والمراد وكفرتم طاعة للعالم الآخر إن الله لا يهدى القوم الظالمين والمراد إن الرب لا يرحم الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الكافرين "والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم "المعنى وقال الذين كذبوا للذين صدقوا لو كان نفعا ما نافسونا فيه وإذا لم يرشدوا فسيقولون هذا كذب عتيق ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين كفروا أى كذبوا الحق قالوا للذين آمنوا والمراد للذين صدقوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه والمراد لو كان الإسلام نافعا ما سارعونا إليه وهذا يعنى أن الإسلام لو كان رحمة ما أسلم الضعاف والصغار قبلهم وأما إذا لم يهتدوا أى لم يسلموا فسيقولون عنه :هذا إفك قديم أى هذا كذب عتيق والمراد أنه خلق الأولين أى كذب السابقين نقله محمد (ص)عن السابقين ونسبه لله والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين "المعنى ومن قبل القرآن وبيانه وحى موسى (ص)هاديا أى نافعا وهذا حكم مشابه حكما واضحا ليخبر الذين كفروا ورحمة للمصلحين ،يبين الله لنبيه (ص)أن من قبل نزول القرآن وجد كتاب موسى وهو توراة موسى (ص)إماما أى رحمة والمراد هاديا أى نافعا وهذا أى القرآن وبيانه كتاب مصدق لسانا عربيا والمراد وحى مشابه لتوراة موسى (ص)حكما مفهوما مصداق لقوله بسورة الرعد"وكذلك أنزلناه حكما عربيا "والسبب فى نزوله أن تنذر الذين ظلموا والمراد أن تبلغ الذين كفروا بعذاب الله إن كفروا به وبشرى للمحسنين أى ونفع للمسلمين إن آمنوا به وأطاعوه مصداق لقوله بسورة النحل"وبشرى المسلمين " .
"إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون "المعنى إن الذين قالوا إلهنا الرب ثم أطاعوا فلا عقاب لهم أى ليسوا يعاقبون أولئك سكان الحديقة مقيمين فيها ثواب بما كانوا يحسنون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين قالوا ربنا أى خالقنا الله ثم استقاموا أى أطاعوا حكم الله بعد إيمانهم به لا خوف عليهم والمراد لا عذاب لهم وفسر هذا بقوله ولا هم يحزنون أى ليسوا يعذبون فى القيامة أولئك أصحاب الجنة والمراد أولئك سكان الحديقة خالدين فيها أى مقيمين أى "ماكثين فيها أبدا"كما قال بسورة الكهف جزاء بما كانوا يعملون والمراد ثوابا" بما كانوا يكسبون" كما قال بسورة التوبة.
"ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعنى أن اشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لى فى ذريتى إنى تبت إليك وإنى من المسلمين "المعنى وأمرنا المرء بأبويه برا رفعته والدته جبرا وولدته جبرا وحبله وفطامه ثلاثون شهرا حتى إذا وصل قوته أى وصل أربعين عاما قال إلهى قدرنى أن أحمد منحتك التى أعطيت لى ولأبويى وأن أفعل نافعا تقبله وأحسن لى فى نسلى إنى عدت لك أى إنى من المطيعين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه وصى الإنسان بوالديه إحسانا والمراد أن أمر الفرد بأبويه برا والمراد أن يعاملهما بالعدل،حملته أمه كرها ووضعته كرها والمراد حبلت به جبرا وولدته جبرا وهذا يعنى أن الأم تحبل وتلد دون إرادتها فالله وحده هو الذى يريد ،وحمله وفصاله والمراد ومدة الحبل به ورضاعته ثلاثون شهرا وهذا يعنى أن مدة الحمل ستة أشهر فقط لأن الفطام وهو الرضاع عامين أى 24شهر مصداق لقوله بسورة البقرة "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين "وهذا هى مدة الحمل الحقيقى الذى تكون فيه النفس فى الجسم ،وحتى إذا بلغ أشده والمراد وحتى إذا وصل سن قوته أى بلغ أربعين سنة أى وصل سن الأربعين قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى أبوى والمراد قدرنى أن أطيع وحيك الذى أبلغت لى ولوالدى وفسر هذا بقوله وأن أعمل صالحا ترضاه والمراد وأن أفعل إسلاما تقبله مصداق لقوله بسورة آل عمران "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"وقال وأصلح لى فى ذريتى والمراد أحسن لى فى أولادى إنى تبت إليك والمراد إنى عدت لدينك وفسر هذا بقوله وإنى من المسلمين أى المطيعين لدينك والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فى أصحاب الجنة وعد الصدق الذى كانوا يوعدون "المعنى أولئك الذين نرضى منهم أصلح ما فعلوا ونعفو عن خطاياهم من سكان الحديقة قول العدل الذى كانوا يخبرون،يبين الله لنا أن المسلمين هم الذين يتقبل منهم أحسن ما عملوا والمراد يرضى منهم أفضل ما صنعوا وهو الإسلام مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه "فالإسلام هو المقبول وغيره لا يقبله الله ونتجاوز عن سيئاتهم أى "ويعفوا عن السيئات"كما قال بسورة الشورى والمراد ونترك عقاب خطاياهم وهم أصحاب الجنة أى سكان الحديقة وهذا الدخول للجنة هو وعد أى قول الصدق أى العدل أى الحق الذى كانوا يوعدون أى يخبرون أى يبشرون فى الدنيا مصداق لقوله بسورة غافر"إن وعد الله حق ".
"والذى قال لوالديه أف لكما أتعداننى أن أخرج وقد خلت القرون من قبلى وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين "المعنى والذى قال لأبويه ويل لكما أتخبراننى أن أبعث وقد مضت الناس من قبلى وهما يستنجدان الله العذاب لك صدق إن قول الرب صدق فيقول ما هذا إلا أكاذيب السابقين أولئك الذين صدق فيهم الحكم فى جماعات قد مضت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا معذبين،يبين الله لنبيه (ص)أن الخاسر هو الذى قال لوالديه وهم أمه وأبيه :أف لكما والمراد العذاب لكما ،أتعداننى أن أخرج والمراد هل تخبراننى أن أعود للحياة من بعد الموت وقد خلت القرون من قبلى والمراد وقد مضت الأمم من قبلى أى ولم تعد الجماعات التى ماتت قبلى إلى الحياة ؟وهذا يعنى أنه مكذب بالبعث الذى أخبره الأبوان به ،ويبين له أن الأبوين استغاثا أى استنصرا أى استنجدا بالله لإقناع الإبن فقالا له :ويلك أى العذاب لك أنت إن كذبت ،آمن أى صدق بالبعث ،إن وعد الله حق والمراد إن عهد وهو قول الله صدق والمراد إن البعث واقع فى المستقبل فكان رده هو قوله :ما هذا إلا أساطير الأولين والمراد ما البعث سوى أكاذيب السابقين وهذا يعنى إصراره على التكذيب،ويبين له أن المكذبين بالبعث هم الذين حق عليهم القول والمراد الذين صدق فيهم الحديث أنهم كانوا خاسرين أى معذبين فى النار وهؤلاء المعذبين هم من أمم قد خلت من قبل كفار عهد الرسول (ص)والمراد من جماعات قد مضت أى عاشت وهلكت من قبل الناس فى عهد الرسول (ص)سواء كانت هذه الجماعات من الإنس أو الجن والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون "المعنى ولكل عطايا بما صنعوا أى ليعطيهم أجورهم وهم لا ينقصون حقا ويوم يدخل الذين كذبوا جهنم أضعتم متاعكم فى معيشتكم الأولى أى تلذذتم بها فالآن تعاقبون عقاب الذل بما كنتم تحكمون فى البلاد بغير العدل أى بما كنتم تكفرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن لكل درجات مما عملوا والمراد لكل جماعة جزاء ما صنعوا فالجنة لمن أسلم والنار لمن أساء وفسر هذا بقوله ليوفيهم أعمالهم والمراد وليعطيهم أجور أفعالهم ،ويوم يعرض الذين كفروا على النار والمراد ويوم يدخل الذين كذبوا الحق فى النار يقال لهم أذهبتم طيباتكم والمراد أضعتم متاعكم فى الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى وفسر هذا بقوله واستمتعتم بها أى وتلذذتم بالطيبات فى الدنيا فاليوم تجزون عذاب الهون والمراد فالآن تذوقون عذاب الذل بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق والمراد بما كنتم تعملون فى البلاد غير العدل وفسر هذا بقوله وبما كنتم تفسقون أى بما كنتم تكفرون بدين الله وهو العدل .
"واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم "المعنى وقص عن أخا عاد حين خوف شعبه بالرياح وقد مضت الآيات من أمامه ومن وراءه ألا تطيعوا سوى الله إنى أخشى عليكم عقاب يوم كبير،يطلب الله من نبيه (ص)أن يذكر أخا عاد والمراد أن يحكى قصة هود(ص)أخا وهو صاحب عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف والمراد حين خوف شعبه من الرياحات المهلكة وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه والمراد وقد سبقت التحذيرات من أمامه أى فى علنه ومن وراءه أى فى سر الناس حيث قال لهم ألا تعبدوا إلا الله والمراد ألا تطيعوا حكم سوى حكم الرب إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم والمراد إنى أخشى عليكم من عقاب يوم أليم والخطاب فى القصة للنبى(ص)ومنه للناس
"قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين"المعنى قالوا أأتيتنا لتبعدنا عن أربابنا فهات لنا الذى تخبرنا إن كنت من العادلين ،يبين الله على لسان نبيه (ص)أن عاد قالوا لهود(ص)قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا والمراد هل أتيتنا لتبعدنا عن أربابنا؟والغرض من السؤال إخبار هود(ص)أنه هدفه معروف لهم وهو إبعادهم عن دين أربابهم المزعومة،وقالوا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين والمراد فجئنا بما تخبرنا إن كنت من المحقين فى قولك،وهذا يعنى أنهم يطلبون منه العذاب حتى يؤمنوا وهو قول استهزائى منه .
"قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكن أراكم قوما تجهلون "المعنى قال إنما المعرفة لدى الرب وأوصل لكم ما بعثت به ولكن أعرفكم ناسا تكفرون ،يبين الله على لسان نبيه (ص)أن هود(ص)قال لعاد:إنما العلم عند الله والمراد إنما معرفة موعد العذاب فى كتاب الله وأبلغكم ما أرسلت به والمراد وأقول لكم ما بعثت له وهو ما أوحى إلى ولكن أراكم قوما تجهلون والمراد ولكن أعلمكم ناسا تكفرون بدين الله .
"فلما رأوه مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شىء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزى القوم المجرمين "المعنى فلما شهدوه سحابا واقف مواضعهم قالوا هذا سحاب ساقط بل هو ما طالبتم به ريح فيها عقاب شديد تهلك كل إنسان بإذن إلهها فأصبحوا لا يشاهد إلا مساكنهم كذلك نعاقب الناس الكافرين ،يبين الله لنا على لسان نبيه (ص)أن عاد لما رأوا السحاب عارضا والمراد لما شاهدوا السحاب مرابطا مستقبل أوديتهم أى أمام مواضعهم وهى مساكنهم وهذا يعنى أن السحاب وقف مدة طويلة أمام مساكن الكفار فقالوا :هذا عارض ممطرنا والمراد هذا سحاب نازل علينا غيثه ،فقال هود(ص)لهم :بل هو ما استعجلتم به والمراد إن هذا هو العذاب الذى طالبتم به ريح فيها عذاب أليم والمراد هواء متحرك به عقاب شديد بإذن ربها وهو أمر خالقها وهذا يعنى أن الأمر الصادر للريح هو إهلاكهم ،ويبين لنا أن عاد أصبحوا لا يرى إلا مساكنهم والمراد أصبحوا لا يشاهد إلا بيوتهم وأما هم فقد هلكوا وهكذا يجزى الله القوم المجرمين والمراد بتلك الطريقة يعاقب الرب الناس الظالمين مصداق لقوله بسورة يوسف"كذلك نجزى الظالمين ".
"ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شىء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا يستهزءون "المعنى ولقد حكمناهم فيما إن حكمناكم فيه وجعلنا لهم قلبا أى عقولا أى نفوسا فما منع عنهم قلبهم أى عقولهم أى نفوسهم من عذاب إذ كانوا يكفرون بأحكام الله ونزل بهم الذى كانوا به يسخرون ،يبين الله للناس أنه مكن عاد فيما مكنهم فيه والمراد حكم عاد فيما حكم الناس وهو الأرض بما عليها وجعل لهم سمعا وفسرها بأنها أبصارا وفسرها بأنها أفئدة والمراد خلق لهم عقول أى نفوس أى قلوب فما أغنى عنهم سمعهم والمراد فما منعت عنهم عقولهم أى أبصارا أى أفئدة من شىء أى من عذاب الله والسبب أنهم كانوا يجحدون بآيات الله فلا يستعملون عقولهم والمراد أنهم كانوا يكفرون بأحكام الرب وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون والمراد وحل بهم الذى كانوا به يكذبون وهو العذاب والخطاب للناس .
"ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون "المعنى ولقد دمرنا ما يحيط بكم من أهل البلاد وبينا الأحكام لعلهم يتوبون فلولا أنقذهم الذين عبدوا من سوى الله زلفى أرباب ،لقد تبرءوا منهم وذلك افتراءهم أى الذى كانوا يزعمون ،يبين الله للناس أنه أهلك ما حولهم من القرى والمراد دمر أى قصم الذى يحيطون بهم من أهل البلاد الكفار مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وكم قصمنا من قرية "ويبين للنبى(ص)أنه صرف الآيات والمراد بين الأحكام مصداق لقوله بسورة البقرة "قد بينا الآيات "والسبب لعلهم يرجعون والمراد لعلهم يتوبون أى يطيعونها ،فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة والمراد فهل أنقذهم الذين عبدوا من دون الرب شفعاء أرباب ؟والغرض من القول هو إخبار الناس أن الأرباب المزعومة لم تنقذ الكفار من العذاب وإنما ضلوا عنهم أى تبرءوا من عبادتهم لهم وذلك وهم الآلهة المزعومة هى إفكهم وهو افتراءهم أى اختراعهم وفسره بأنه ما كانوا يفترون أى الذى كانوا يزعمون مصداق لقوله بسورة الأنعام "وضل عنكم ما كنتم تزعمون "والخطاب حتى القرى للناس وهو قول محذوف أخره وما بعده للنبى (ص)وهو محذوف أوله
"وإذا صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم "المعنى وقد وجهنا لك جمعا من الجن ينصتون للوحى فلما سمعوه قالوا اسمعوا فلما انتهى انصرفوا إلى أهلهم مخبرين قالوا يا شعبنا إنا علمنا وحيا أوحى من بعد موسى (ص)مشابها لما معه يرشد إلى الإسلام أى إلى دين عادل ،يبين الله لنبيه (ص)أنه صرف إليه نفر من الجن والمراد أنه وجه إلى مكان وجود النبى (ص)جمع من الجن حتى يستمعوا للقرآن والمراد حتى يعلموا بوحى الله فلما حضروه والمراد فلما سمعوا القرآن قالوا لبعضهم :أنصتوا أى اسمعوا والمراد اعلموا لتطيعوه ،وهذا يعنى أن النبى (ص)لم يعرف بحضور الجن لسماع القرآن إلا بعد أن انصرفوا من عنده بمدة ،فلما قضى والمراد ولما أنهى النبى (ص)قراءة القرآن ولوا إلى قومهم منذرين والمراد ذهبوا إلى شعبهم وهو الجن مخبرين بوحى الله فقالوا لهم :يا قومنا أى يا أهلنا إنا سمعنا كتابا أى"إنا سمعنا قرآنا عجبا "كما قال بسورة الجن والمراد إنا علمنا وحيا أنزل أى أوحى من بعد وفاة موسى (ص)مصدقا لما بين يديه والمراد مشابه لما معه وهذا يعنى أن القرآن مشابه للتوراة يهدى إلى الحق والمراد يرشد إلى الإسلام وفسروا هذا بقولهم وإلى طريق مستقيم والمراد إلى دين عادل علينا إتباعه يدخل الجنة.
"يا قومنا أجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك فى ضلال مبين "المعنى يا شعبنا أطيعوا منادى الرب وصدقوا به يزيل لكم من خطاياكم أى ينقذكم من عقاب شديد ومن لا يطع منادى الرب فليس بمنتصر فى البلاد وليس له من سواه أنصار أولئك فى عذاب عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن النفر من الجن قالوا لقومهم:يا قومنا أى يا أهلنا أجيبوا داعى الله والمراد اتبعوا رسول الله وآمنوا به والمراد وصدقوا برسالته وهذا يعنى أنهم يطلبون منهم الإيمان بالنبى (ص) وقرآنه وطاعتهم ،يغفر لكم من ذنوبكم أى "ويكفر عنكم سيئاتكم"كما قال بسورة الأنفال والمراد يترك عقاب ما صنعتم من خطايا وفسر هذا بقوله ويجركم من عذاب أليم والمراد وينقذكم من عقاب عظيم مصداق لقوله بسورة التوبة "عذاب عظيم "ومن لا يجب داعى الله والمراد ومن لا يطع مبلغ الرب فليس بمعجز فى الأرض والمراد فليس بمنتصر فى البلاد مصداق لقوله بسورة الكهف"وما كان منتصرا"والمراد ليس بهارب من عذاب الله وليس له من دونه أولياء والمراد وليس له من سوى الله أنصار ينقذونه من العذاب أولئك فى ضلال مبين والمراد أولئك فى عذاب عظيم وهو النار والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"أو لم يروا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحى الموتى بلى إنه على كل شىء قدير "المعنى هل لم يعلموا أن الرب الذى أنشأ السموات والأرض ولم يتعب من إنشاءهن مستطيع أن يبعث الهلكى ؟حقا إنه لكل أمر مستطيع ،يسأل الله أو لم يروا والمراد هل لم يعرفوا أن الله الذى خلق أى أبدع أى"فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام ولم يعى بخلقهن والمراد ولم يتعب من خلقهن والمراد ولم يمرض من إبداعهن بقادر على أن يحى الموتى أى بمستطيع أن يبعث الهلكى للحياة ؟والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار عرفوا أن الله خالق السموات والأرض قادر على بعث الموتى وأنه لا يتعب من شىء ويجيب الله على السؤال بقوله بلى إنه على كل شىء قدير والمراد حقا إنه لكل أمر يريده فاعل وهذا يعنى أنه يفعل ما يريد دون تعب والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده .
"ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون "المعنى ويوم يدخل الذين كذبوا جهنم أليس هذا بالصدق قالوا حقا وإلهنا قال فإصلوا العقاب بما كنتم تكذبون،يبين الله لنبيه (ص)أن يوم يعرض الذين كفروا على النار والمراد يوم يدخل الذين جحدوا وحى الله فى الجحيم يقال لهم على لسان الملائكة :أليس هذا بالحق والمراد أليست النار بالصدق؟فقالوا بلى وربنا والمراد حقا وخالقنا وهذا يعنى أنهم يقرون بصدق الله فيقال لهم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون والمراد فإصلوا العقاب بالذى كنتم تعملون أى تكذبون مصداق لقوله بسورة السجدة"ذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ".
"فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار فهل يهلك إلا القوم الفاسقون "المعنى فأطع كما أطاع أصحاب الحكم من الأنبياء(ص)ولا تطلب لهم كأنهم يوم يشاهدون الذى يخبرون لم يعيشوا إلا جزء من يوم فهل يعاقب إلا الناس الكافرون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يصبر أى يطيع حكم ربه مصداق لقوله بسورة القلم"فاصبر لحكم ربك"كما صبر أولوا العزم من الرسل والمراد كما أطاع حكمه أصحاب الحكم وهم الأنبياء(ص)ويطلب منه ألا يستعجل لهم والمراد ألا يطلب للكفار العذاب لأنهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون والمراد كأنهم يوم يشاهدون ما يخبرون وهو العذاب لم يلبثوا إلا ساعة من نهار والمراد لم يبقوا فى الدنيا إلا جزء من النهار وهذا يعنى أنهم يتصورون يوم القيامة أنهم لم يعيشوا فى الدنيا عمرهم وإنما جزء قصير ويسأل فهل يهلك إلا القوم الفاسقون أى فهل يعذب إلا القوم الظالمون مصداق لقوله بسورة الأنعام"فهل يهلك إلا القوم الظالمون"والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار وحدهم هم المعذبون.
سميت بهذا لذكر الأحقاف بقوله "إذ أنذر قومه بالأحقاف ".
"بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات عادلة إلقاء الوحى من الرب الناصر القاضى ،يبين الله لنبيه (ص)أن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو حم تنزيل الكتاب والمراد هو آيات عادلة وحى القرآن وبيانه مفرقات حيث أنزل الله القرآن وتفسيره آيات مفرقات على مرات عديدة من الله العزيز الحكيم والمراد من الرب الناصر القاضى بالحق والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون"المعنى ما أبدعنا السموات والأرض والذى وسطهما إلا للعدل وموعد محدد والذين كذبوا لما أبلغوا مخالفون،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما خلق أى ما أنشأ السموات والأرض وما بينهما والمراد والجو الذى وسطهما إلا بالحق والمراد إلا لإقامة العدل وأجل مسمى أى وموعد محدد هو القيامة والذين كفروا عما أنذروا معرضون والمراد والذين كذبوا بحكم الله لما أبلغوا من الأحكام عاصون .
"قل أرايتم ما تدعون من دون الله أرونى ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك فى السموات ائتونى بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين "المعنى قل أعلمونى ما تعبدون من سوى الرب أعلمونى ماذا أبدعوا فى الأرض أم لهم ملك فى السموات جيئونى بوحى من قبل القرآن أى بعض من وحى إن كنتم محقين ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يسأل الناس :أرأيتم ما تدعون من دون الله والمراد عرفونى ما تعبدون من سوى الله مصداق لقوله بسورة المائدة "أتعبدون من دون الله"أرونى ماذا خلقوا من الأرض والمراد عرفونى ماذا أنشئوا فى الأرض أم لهم شرك فى السموات والمراد هل لهم ملك أى خلق فى السموات ؟ائتونى بكتاب من قبل هذا والمراد جيئونى بوحى منزل من قبل القرآن وفسر هذا بقوله آثارة من علم أى بعض من وحى الله السابق يدل على خلق الأرباب المزعومة لشىء فى الكون إن كنتم صادقين أى عادلين فى قولكم ؟والغرض من القول هو إخبار الناس أن الأرباب المزعومة لم تخلق شىء فى الكون ولا يوجد فى أى وحى أنزله الله دليل على هذا .
"ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعاءهم غافلون "المعنى ومن أظلم ممن يعبد من سوى الرب من لا يعلم به إلى يوم البعث وهم عن عبادتهم ساهون،يبين الله لنبيه (ص)أن من أضل والمراد "ومن أظلم "كما قال بسورة البقرة وهذا يعنى أن الكافر هو من يدعو من دون الله والمراد هو من يعبد من سوى الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة والمراد من لا يعلم بعبادته حتى يوم البعث مصداق لقوله بسورة النحل"ويعبدون من دون الله "وهم عن دعاءهم غافلون والمراد وهم عن عبادتهم وهى طاعتهم ساهون مصداق لقوله بسورة يونس"إنا كنا عن عبادتكم غافلين "والمراد أن الأرباب المزعومة لا تعلم بعبادة الناس لها ولا تنفعهم بشىء والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين "المعنى وإذا بعث الخلق كانوا لهم كارهين وكانوا لطاعتهم مكذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس وهم الخلق إذا حشروا والمراد إذا بعثوا يوم القيامة كانوا لهم أعداء والمراد كانت الأرباب للعابدين لها كارهين وكانوا بعبادتهم كافرين والمراد وكانت الأرباب المزعومة بطاعة العابدين لها مكذبين .
"وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين "المعنى وإذا تبلغ لهم أحكامنا واضحات قال الذين كذبوا للعدل لما أتاهم هذا خداع عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس إذا تتلى عليهم آيات الله بينات والمراد إذا تبلغ لهم أحكام الله مفهومات وهذا يعنى إن يروا كل آية قال الذين كفروا للحق لما جاءهم أى قال الذين كذبوا بالعدل لما أتاهم :هذا سحر مبين أى هذا خداع أى كذب مستمر مصداق لقوله بسورة القمر"وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ".
"أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لى من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بينى وبينكم وهو الغفور الرحيم "المعنى هل يزعمون اختلقه قل إن اختلقته فلا تقدرون لى من الرب على عذاب هو أعرف بالذى تخوضون فيه حسبى حاكما بينى وبينكم وهو العفو النافع ،يسأل الله أم يقولون افتراه والمراد هل يزعمون تقوله أى اختلقه مصداق لقوله بسورة الطور"أم يقولون تقوله"ويطلب الله من نبيه (ص) أن يقول للناس إن افتريته والمراد إن تقولته فلا تملكون لى من الله شيئا والمراد فلا تقدرون لى من الرب على جلب العذاب ،هو أعلم بما تفيضون فيه والمراد هو أعرف بالذى تعملون مصداق لقوله بسورة الحج"إن الله أعلم بما تعملون "كفى به شهيدا بينى وبينكم والمراد حسبى الله قاضيا بينى وبينكم وهو الغفور الرحيم والمراد وهو النافع المفيد لمطيعيه والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلى وما أنا إلا نذير مبين "المعنى قل ما كنت صنفا من الأنبياء (ص)وما أعلم ما يصنع بى ولا بكم إن أطيع إلا الذى يلقى إلى وما أنا سوى مبلغ أمين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :ما كنت بدعا من الرسل والمراد ما كنت صنفا من الأنبياء(ص)وهذا يعنى أنه ليس حالة خاصة من الرسل (ص)وإنما واحد مشابه لهم تمام المشابهة ،وأن يقول وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم والمراد ولا أعرف الذى يصنع بى ولا بكم فى المستقبل وهو الغد مصداق لقوله بسورة لقمان"وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا"وهذا يعنى أنه لا يعلم الغيب،وأن يقول إن أتبع إلا ما يوحى إلى والمراد إن أطيع إلا الذى يلقى إلى من الوحى وهو دين إبراهيم (ص)مصداق لقوله بسورة النحل"اتبع ملة إبراهيم حنيفا "وما أنا إلا نذير مبين والمراد وما أنا إلا مبلغ أمين والمراد رسول كريم مصداق لقوله بسورة الزخرف "ورسول مبين"والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس
"قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى قل أعلمونى إن كان من لدى الرب وكذبتم به وأقر مقر من أولاد يعقوب (ص)على شبهه فصدق وكذبتم إن الرب لا يرحم الناس الكافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول أرأيتم أى عرفونى إن كان القرآن من عند أى لدى الله وكفرتم به والمراد وكذبتم بالقرآن فمن ينقذكم من عذاب الله ؟والغرض من القول أن لا أحد ينقذهم من العذاب وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله والمراد واعترف معترف من أولاد يعقوب (ص)على عالم شبهه وهذا يعنى أن أحد علماء بنى إسرائيل اعترف على عالم أخر بالتحريف فآمن أى فصدق بالقرآن واستكبرتم والمراد وكفرتم طاعة للعالم الآخر إن الله لا يهدى القوم الظالمين والمراد إن الرب لا يرحم الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الكافرين "والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.
"وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم "المعنى وقال الذين كذبوا للذين صدقوا لو كان نفعا ما نافسونا فيه وإذا لم يرشدوا فسيقولون هذا كذب عتيق ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين كفروا أى كذبوا الحق قالوا للذين آمنوا والمراد للذين صدقوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه والمراد لو كان الإسلام نافعا ما سارعونا إليه وهذا يعنى أن الإسلام لو كان رحمة ما أسلم الضعاف والصغار قبلهم وأما إذا لم يهتدوا أى لم يسلموا فسيقولون عنه :هذا إفك قديم أى هذا كذب عتيق والمراد أنه خلق الأولين أى كذب السابقين نقله محمد (ص)عن السابقين ونسبه لله والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين "المعنى ومن قبل القرآن وبيانه وحى موسى (ص)هاديا أى نافعا وهذا حكم مشابه حكما واضحا ليخبر الذين كفروا ورحمة للمصلحين ،يبين الله لنبيه (ص)أن من قبل نزول القرآن وجد كتاب موسى وهو توراة موسى (ص)إماما أى رحمة والمراد هاديا أى نافعا وهذا أى القرآن وبيانه كتاب مصدق لسانا عربيا والمراد وحى مشابه لتوراة موسى (ص)حكما مفهوما مصداق لقوله بسورة الرعد"وكذلك أنزلناه حكما عربيا "والسبب فى نزوله أن تنذر الذين ظلموا والمراد أن تبلغ الذين كفروا بعذاب الله إن كفروا به وبشرى للمحسنين أى ونفع للمسلمين إن آمنوا به وأطاعوه مصداق لقوله بسورة النحل"وبشرى المسلمين " .
"إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون "المعنى إن الذين قالوا إلهنا الرب ثم أطاعوا فلا عقاب لهم أى ليسوا يعاقبون أولئك سكان الحديقة مقيمين فيها ثواب بما كانوا يحسنون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين قالوا ربنا أى خالقنا الله ثم استقاموا أى أطاعوا حكم الله بعد إيمانهم به لا خوف عليهم والمراد لا عذاب لهم وفسر هذا بقوله ولا هم يحزنون أى ليسوا يعذبون فى القيامة أولئك أصحاب الجنة والمراد أولئك سكان الحديقة خالدين فيها أى مقيمين أى "ماكثين فيها أبدا"كما قال بسورة الكهف جزاء بما كانوا يعملون والمراد ثوابا" بما كانوا يكسبون" كما قال بسورة التوبة.
"ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعنى أن اشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لى فى ذريتى إنى تبت إليك وإنى من المسلمين "المعنى وأمرنا المرء بأبويه برا رفعته والدته جبرا وولدته جبرا وحبله وفطامه ثلاثون شهرا حتى إذا وصل قوته أى وصل أربعين عاما قال إلهى قدرنى أن أحمد منحتك التى أعطيت لى ولأبويى وأن أفعل نافعا تقبله وأحسن لى فى نسلى إنى عدت لك أى إنى من المطيعين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه وصى الإنسان بوالديه إحسانا والمراد أن أمر الفرد بأبويه برا والمراد أن يعاملهما بالعدل،حملته أمه كرها ووضعته كرها والمراد حبلت به جبرا وولدته جبرا وهذا يعنى أن الأم تحبل وتلد دون إرادتها فالله وحده هو الذى يريد ،وحمله وفصاله والمراد ومدة الحبل به ورضاعته ثلاثون شهرا وهذا يعنى أن مدة الحمل ستة أشهر فقط لأن الفطام وهو الرضاع عامين أى 24شهر مصداق لقوله بسورة البقرة "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين "وهذا هى مدة الحمل الحقيقى الذى تكون فيه النفس فى الجسم ،وحتى إذا بلغ أشده والمراد وحتى إذا وصل سن قوته أى بلغ أربعين سنة أى وصل سن الأربعين قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى أبوى والمراد قدرنى أن أطيع وحيك الذى أبلغت لى ولوالدى وفسر هذا بقوله وأن أعمل صالحا ترضاه والمراد وأن أفعل إسلاما تقبله مصداق لقوله بسورة آل عمران "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"وقال وأصلح لى فى ذريتى والمراد أحسن لى فى أولادى إنى تبت إليك والمراد إنى عدت لدينك وفسر هذا بقوله وإنى من المسلمين أى المطيعين لدينك والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فى أصحاب الجنة وعد الصدق الذى كانوا يوعدون "المعنى أولئك الذين نرضى منهم أصلح ما فعلوا ونعفو عن خطاياهم من سكان الحديقة قول العدل الذى كانوا يخبرون،يبين الله لنا أن المسلمين هم الذين يتقبل منهم أحسن ما عملوا والمراد يرضى منهم أفضل ما صنعوا وهو الإسلام مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه "فالإسلام هو المقبول وغيره لا يقبله الله ونتجاوز عن سيئاتهم أى "ويعفوا عن السيئات"كما قال بسورة الشورى والمراد ونترك عقاب خطاياهم وهم أصحاب الجنة أى سكان الحديقة وهذا الدخول للجنة هو وعد أى قول الصدق أى العدل أى الحق الذى كانوا يوعدون أى يخبرون أى يبشرون فى الدنيا مصداق لقوله بسورة غافر"إن وعد الله حق ".
"والذى قال لوالديه أف لكما أتعداننى أن أخرج وقد خلت القرون من قبلى وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين "المعنى والذى قال لأبويه ويل لكما أتخبراننى أن أبعث وقد مضت الناس من قبلى وهما يستنجدان الله العذاب لك صدق إن قول الرب صدق فيقول ما هذا إلا أكاذيب السابقين أولئك الذين صدق فيهم الحكم فى جماعات قد مضت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا معذبين،يبين الله لنبيه (ص)أن الخاسر هو الذى قال لوالديه وهم أمه وأبيه :أف لكما والمراد العذاب لكما ،أتعداننى أن أخرج والمراد هل تخبراننى أن أعود للحياة من بعد الموت وقد خلت القرون من قبلى والمراد وقد مضت الأمم من قبلى أى ولم تعد الجماعات التى ماتت قبلى إلى الحياة ؟وهذا يعنى أنه مكذب بالبعث الذى أخبره الأبوان به ،ويبين له أن الأبوين استغاثا أى استنصرا أى استنجدا بالله لإقناع الإبن فقالا له :ويلك أى العذاب لك أنت إن كذبت ،آمن أى صدق بالبعث ،إن وعد الله حق والمراد إن عهد وهو قول الله صدق والمراد إن البعث واقع فى المستقبل فكان رده هو قوله :ما هذا إلا أساطير الأولين والمراد ما البعث سوى أكاذيب السابقين وهذا يعنى إصراره على التكذيب،ويبين له أن المكذبين بالبعث هم الذين حق عليهم القول والمراد الذين صدق فيهم الحديث أنهم كانوا خاسرين أى معذبين فى النار وهؤلاء المعذبين هم من أمم قد خلت من قبل كفار عهد الرسول (ص)والمراد من جماعات قد مضت أى عاشت وهلكت من قبل الناس فى عهد الرسول (ص)سواء كانت هذه الجماعات من الإنس أو الجن والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون "المعنى ولكل عطايا بما صنعوا أى ليعطيهم أجورهم وهم لا ينقصون حقا ويوم يدخل الذين كذبوا جهنم أضعتم متاعكم فى معيشتكم الأولى أى تلذذتم بها فالآن تعاقبون عقاب الذل بما كنتم تحكمون فى البلاد بغير العدل أى بما كنتم تكفرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن لكل درجات مما عملوا والمراد لكل جماعة جزاء ما صنعوا فالجنة لمن أسلم والنار لمن أساء وفسر هذا بقوله ليوفيهم أعمالهم والمراد وليعطيهم أجور أفعالهم ،ويوم يعرض الذين كفروا على النار والمراد ويوم يدخل الذين كذبوا الحق فى النار يقال لهم أذهبتم طيباتكم والمراد أضعتم متاعكم فى الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى وفسر هذا بقوله واستمتعتم بها أى وتلذذتم بالطيبات فى الدنيا فاليوم تجزون عذاب الهون والمراد فالآن تذوقون عذاب الذل بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق والمراد بما كنتم تعملون فى البلاد غير العدل وفسر هذا بقوله وبما كنتم تفسقون أى بما كنتم تكفرون بدين الله وهو العدل .
"واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم "المعنى وقص عن أخا عاد حين خوف شعبه بالرياح وقد مضت الآيات من أمامه ومن وراءه ألا تطيعوا سوى الله إنى أخشى عليكم عقاب يوم كبير،يطلب الله من نبيه (ص)أن يذكر أخا عاد والمراد أن يحكى قصة هود(ص)أخا وهو صاحب عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف والمراد حين خوف شعبه من الرياحات المهلكة وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه والمراد وقد سبقت التحذيرات من أمامه أى فى علنه ومن وراءه أى فى سر الناس حيث قال لهم ألا تعبدوا إلا الله والمراد ألا تطيعوا حكم سوى حكم الرب إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم والمراد إنى أخشى عليكم من عقاب يوم أليم والخطاب فى القصة للنبى(ص)ومنه للناس
"قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين"المعنى قالوا أأتيتنا لتبعدنا عن أربابنا فهات لنا الذى تخبرنا إن كنت من العادلين ،يبين الله على لسان نبيه (ص)أن عاد قالوا لهود(ص)قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا والمراد هل أتيتنا لتبعدنا عن أربابنا؟والغرض من السؤال إخبار هود(ص)أنه هدفه معروف لهم وهو إبعادهم عن دين أربابهم المزعومة،وقالوا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين والمراد فجئنا بما تخبرنا إن كنت من المحقين فى قولك،وهذا يعنى أنهم يطلبون منه العذاب حتى يؤمنوا وهو قول استهزائى منه .
"قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكن أراكم قوما تجهلون "المعنى قال إنما المعرفة لدى الرب وأوصل لكم ما بعثت به ولكن أعرفكم ناسا تكفرون ،يبين الله على لسان نبيه (ص)أن هود(ص)قال لعاد:إنما العلم عند الله والمراد إنما معرفة موعد العذاب فى كتاب الله وأبلغكم ما أرسلت به والمراد وأقول لكم ما بعثت له وهو ما أوحى إلى ولكن أراكم قوما تجهلون والمراد ولكن أعلمكم ناسا تكفرون بدين الله .
"فلما رأوه مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شىء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزى القوم المجرمين "المعنى فلما شهدوه سحابا واقف مواضعهم قالوا هذا سحاب ساقط بل هو ما طالبتم به ريح فيها عقاب شديد تهلك كل إنسان بإذن إلهها فأصبحوا لا يشاهد إلا مساكنهم كذلك نعاقب الناس الكافرين ،يبين الله لنا على لسان نبيه (ص)أن عاد لما رأوا السحاب عارضا والمراد لما شاهدوا السحاب مرابطا مستقبل أوديتهم أى أمام مواضعهم وهى مساكنهم وهذا يعنى أن السحاب وقف مدة طويلة أمام مساكن الكفار فقالوا :هذا عارض ممطرنا والمراد هذا سحاب نازل علينا غيثه ،فقال هود(ص)لهم :بل هو ما استعجلتم به والمراد إن هذا هو العذاب الذى طالبتم به ريح فيها عذاب أليم والمراد هواء متحرك به عقاب شديد بإذن ربها وهو أمر خالقها وهذا يعنى أن الأمر الصادر للريح هو إهلاكهم ،ويبين لنا أن عاد أصبحوا لا يرى إلا مساكنهم والمراد أصبحوا لا يشاهد إلا بيوتهم وأما هم فقد هلكوا وهكذا يجزى الله القوم المجرمين والمراد بتلك الطريقة يعاقب الرب الناس الظالمين مصداق لقوله بسورة يوسف"كذلك نجزى الظالمين ".
"ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شىء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا يستهزءون "المعنى ولقد حكمناهم فيما إن حكمناكم فيه وجعلنا لهم قلبا أى عقولا أى نفوسا فما منع عنهم قلبهم أى عقولهم أى نفوسهم من عذاب إذ كانوا يكفرون بأحكام الله ونزل بهم الذى كانوا به يسخرون ،يبين الله للناس أنه مكن عاد فيما مكنهم فيه والمراد حكم عاد فيما حكم الناس وهو الأرض بما عليها وجعل لهم سمعا وفسرها بأنها أبصارا وفسرها بأنها أفئدة والمراد خلق لهم عقول أى نفوس أى قلوب فما أغنى عنهم سمعهم والمراد فما منعت عنهم عقولهم أى أبصارا أى أفئدة من شىء أى من عذاب الله والسبب أنهم كانوا يجحدون بآيات الله فلا يستعملون عقولهم والمراد أنهم كانوا يكفرون بأحكام الرب وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون والمراد وحل بهم الذى كانوا به يكذبون وهو العذاب والخطاب للناس .
"ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون "المعنى ولقد دمرنا ما يحيط بكم من أهل البلاد وبينا الأحكام لعلهم يتوبون فلولا أنقذهم الذين عبدوا من سوى الله زلفى أرباب ،لقد تبرءوا منهم وذلك افتراءهم أى الذى كانوا يزعمون ،يبين الله للناس أنه أهلك ما حولهم من القرى والمراد دمر أى قصم الذى يحيطون بهم من أهل البلاد الكفار مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وكم قصمنا من قرية "ويبين للنبى(ص)أنه صرف الآيات والمراد بين الأحكام مصداق لقوله بسورة البقرة "قد بينا الآيات "والسبب لعلهم يرجعون والمراد لعلهم يتوبون أى يطيعونها ،فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة والمراد فهل أنقذهم الذين عبدوا من دون الرب شفعاء أرباب ؟والغرض من القول هو إخبار الناس أن الأرباب المزعومة لم تنقذ الكفار من العذاب وإنما ضلوا عنهم أى تبرءوا من عبادتهم لهم وذلك وهم الآلهة المزعومة هى إفكهم وهو افتراءهم أى اختراعهم وفسره بأنه ما كانوا يفترون أى الذى كانوا يزعمون مصداق لقوله بسورة الأنعام "وضل عنكم ما كنتم تزعمون "والخطاب حتى القرى للناس وهو قول محذوف أخره وما بعده للنبى (ص)وهو محذوف أوله
"وإذا صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم "المعنى وقد وجهنا لك جمعا من الجن ينصتون للوحى فلما سمعوه قالوا اسمعوا فلما انتهى انصرفوا إلى أهلهم مخبرين قالوا يا شعبنا إنا علمنا وحيا أوحى من بعد موسى (ص)مشابها لما معه يرشد إلى الإسلام أى إلى دين عادل ،يبين الله لنبيه (ص)أنه صرف إليه نفر من الجن والمراد أنه وجه إلى مكان وجود النبى (ص)جمع من الجن حتى يستمعوا للقرآن والمراد حتى يعلموا بوحى الله فلما حضروه والمراد فلما سمعوا القرآن قالوا لبعضهم :أنصتوا أى اسمعوا والمراد اعلموا لتطيعوه ،وهذا يعنى أن النبى (ص)لم يعرف بحضور الجن لسماع القرآن إلا بعد أن انصرفوا من عنده بمدة ،فلما قضى والمراد ولما أنهى النبى (ص)قراءة القرآن ولوا إلى قومهم منذرين والمراد ذهبوا إلى شعبهم وهو الجن مخبرين بوحى الله فقالوا لهم :يا قومنا أى يا أهلنا إنا سمعنا كتابا أى"إنا سمعنا قرآنا عجبا "كما قال بسورة الجن والمراد إنا علمنا وحيا أنزل أى أوحى من بعد وفاة موسى (ص)مصدقا لما بين يديه والمراد مشابه لما معه وهذا يعنى أن القرآن مشابه للتوراة يهدى إلى الحق والمراد يرشد إلى الإسلام وفسروا هذا بقولهم وإلى طريق مستقيم والمراد إلى دين عادل علينا إتباعه يدخل الجنة.
"يا قومنا أجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك فى ضلال مبين "المعنى يا شعبنا أطيعوا منادى الرب وصدقوا به يزيل لكم من خطاياكم أى ينقذكم من عقاب شديد ومن لا يطع منادى الرب فليس بمنتصر فى البلاد وليس له من سواه أنصار أولئك فى عذاب عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن النفر من الجن قالوا لقومهم:يا قومنا أى يا أهلنا أجيبوا داعى الله والمراد اتبعوا رسول الله وآمنوا به والمراد وصدقوا برسالته وهذا يعنى أنهم يطلبون منهم الإيمان بالنبى (ص) وقرآنه وطاعتهم ،يغفر لكم من ذنوبكم أى "ويكفر عنكم سيئاتكم"كما قال بسورة الأنفال والمراد يترك عقاب ما صنعتم من خطايا وفسر هذا بقوله ويجركم من عذاب أليم والمراد وينقذكم من عقاب عظيم مصداق لقوله بسورة التوبة "عذاب عظيم "ومن لا يجب داعى الله والمراد ومن لا يطع مبلغ الرب فليس بمعجز فى الأرض والمراد فليس بمنتصر فى البلاد مصداق لقوله بسورة الكهف"وما كان منتصرا"والمراد ليس بهارب من عذاب الله وليس له من دونه أولياء والمراد وليس له من سوى الله أنصار ينقذونه من العذاب أولئك فى ضلال مبين والمراد أولئك فى عذاب عظيم وهو النار والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"أو لم يروا أن الله الذى خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحى الموتى بلى إنه على كل شىء قدير "المعنى هل لم يعلموا أن الرب الذى أنشأ السموات والأرض ولم يتعب من إنشاءهن مستطيع أن يبعث الهلكى ؟حقا إنه لكل أمر مستطيع ،يسأل الله أو لم يروا والمراد هل لم يعرفوا أن الله الذى خلق أى أبدع أى"فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام ولم يعى بخلقهن والمراد ولم يتعب من خلقهن والمراد ولم يمرض من إبداعهن بقادر على أن يحى الموتى أى بمستطيع أن يبعث الهلكى للحياة ؟والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار عرفوا أن الله خالق السموات والأرض قادر على بعث الموتى وأنه لا يتعب من شىء ويجيب الله على السؤال بقوله بلى إنه على كل شىء قدير والمراد حقا إنه لكل أمر يريده فاعل وهذا يعنى أنه يفعل ما يريد دون تعب والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده .
"ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون "المعنى ويوم يدخل الذين كذبوا جهنم أليس هذا بالصدق قالوا حقا وإلهنا قال فإصلوا العقاب بما كنتم تكذبون،يبين الله لنبيه (ص)أن يوم يعرض الذين كفروا على النار والمراد يوم يدخل الذين جحدوا وحى الله فى الجحيم يقال لهم على لسان الملائكة :أليس هذا بالحق والمراد أليست النار بالصدق؟فقالوا بلى وربنا والمراد حقا وخالقنا وهذا يعنى أنهم يقرون بصدق الله فيقال لهم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون والمراد فإصلوا العقاب بالذى كنتم تعملون أى تكذبون مصداق لقوله بسورة السجدة"ذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ".
"فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار فهل يهلك إلا القوم الفاسقون "المعنى فأطع كما أطاع أصحاب الحكم من الأنبياء(ص)ولا تطلب لهم كأنهم يوم يشاهدون الذى يخبرون لم يعيشوا إلا جزء من يوم فهل يعاقب إلا الناس الكافرون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يصبر أى يطيع حكم ربه مصداق لقوله بسورة القلم"فاصبر لحكم ربك"كما صبر أولوا العزم من الرسل والمراد كما أطاع حكمه أصحاب الحكم وهم الأنبياء(ص)ويطلب منه ألا يستعجل لهم والمراد ألا يطلب للكفار العذاب لأنهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون والمراد كأنهم يوم يشاهدون ما يخبرون وهو العذاب لم يلبثوا إلا ساعة من نهار والمراد لم يبقوا فى الدنيا إلا جزء من النهار وهذا يعنى أنهم يتصورون يوم القيامة أنهم لم يعيشوا فى الدنيا عمرهم وإنما جزء قصير ويسأل فهل يهلك إلا القوم الفاسقون أى فهل يعذب إلا القوم الظالمون مصداق لقوله بسورة الأنعام"فهل يهلك إلا القوم الظالمون"والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار وحدهم هم المعذبون.