الحمد لله الذي جعلنا باللسان العربي ناطقين , نحمده على تشريفه لنا بلغة القرآن أفصح اللغات وأحلاها بيان , وصلى الله على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم – أفصح من نطق بالعربية , سيد البيان على مر العصور والأزمان , وبعد :
إن كان شرف المرء من شرف معلومه فيالشرف من تعلم العربية وعلومها , خاصة علم النحو الذي به تستقيم ألسنتنا , وتسمو أفكارنا , فالنحو لابد لكل طالب للعلوم الشرعية أن يتعلم مبادءه ؛ ليسهل عليه الخوض في مضمار هذه العلوم , والسير على درب العلماء ومشايخ الإسلام , ولشرف تعلم النحو قال فيه العلماء :
* يقول شعبة : " مَنْ طَلَبِ الْحَدِيثَ ، وَلَمْ يُبْصِرِ الْعَرَبِيَّةَ فَمَثَلُهُ مَثَلُ رَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ لَيْسَ لَهُ رَأْسٌ!. " .
* عَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّنْجِيِّ قَالَ : " سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ : إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ ، إِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ ، فَمَهْمَا رَوَيْتَ عَنْهُ وَلَحَنْتَ فِيهِ كَذَبْتَ عَلَيْهِ " .
* وقال ابن الصلاح : " فَحَقَّ عَلَى طَالِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنَ النَّحْوِ ، وَاللُّغَةِ مَا يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ شَيْنِ اللَّحْنِ ، وَالتَّحْرِيفِ ، وَمَعَرَّتِهِمَا " .
* وقال حماد بن سلمة : " مَثَلُ الَّذِي يَطْلُبُ الْحَدِيثَ ، وَلَا يَعْرِفُ النَّحْوَ مَثَلُ الْحِمَارِ عَلَيْهِ مِخْلَاةٌ لَا شَعِيرَ فِيهَا " .
* وقال الإمام الشافعى :"مَنْ تبَحَرَّ فِى النَّحْوِ اهْتَدَى إلى كُلِّ العُلُومِ. "
والحمد لله في أمتنا المسلمة من يتقن هذا العلم ويهتم به , ويطلب من طلبة العلم أن يتعلموه , وهذا من حفظ الله تعالى لكتابه الكريم , وكذا توفيقه لأمة الإسلام لحفظ سنة نبيهم , فماذا لو أن من حفظ لنا السنة ممن لا يتقنون علوم العربية ؟!
ثم ماذا لو كان من نقل عنه غير عالم بها ؟!
إن حدث ذلك لصار الحديث مكتوبا بلغة غير العربية ولصار أعجميا لا يتقنه عالم أو جاهل , وفي هذا المعنى يقول الرَّحبي: سمعتُ بعض أصحابنا يقول: إذا كَتَبَ لَحَّان، فكتب عنِ اللَّحَّان لَحَّانٌ آخر، فكَتَب عنِ اللَّحَّان لحانٌ آخر، صارَ الحديث بالفارسيَّة " .
وقال حاجب بن سليمان: سمعتُ وكيعًا يقول: أتيتُ الأعمش أسمع منه الحديثَ، وكنتُ ربَّما لحنتُ، فقال لي: يا أبا سفيان، تركتَ ما هو أَوْلَى بكَ منَ الحديث , فقلتُ : يا أبا محمد، وأي شيء أَوْلَى منَ الحديث ؟ قال: النَّحو. فأَمْلَى عليَّ الأعمش النَّحو، ثُمَّ أملى عليَّ الحديثَ " .
النحو اصطلاحا : قال ابن جني في الخصائص: "النحو هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره: كالتثنية، والجمع، والتحقير والتكسير والإضافة والنسب، والتركيب، وغير ذلك ، ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة فينطق بها وإنْ لم يكن منهم، وإنْ شذ بعضهم عنها رد به إليها؛ وهو في الأصل مصدر شائع، أي نحوت نحوًا، كقولك قصدت قصداً، ثم خصّ به انتحاء هذا القبيل من العلم" .
فائدة تعلم النحو : الغاية والفائدة والثمرة اليانعة من تعلم النحو فهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم - , قال تعالى : " {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[يوسف: من الآية 2] وهذا شرف للعربية أن ينزل القرآن بها , وقال تعالى أيضا : " {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء: 195] فمن أجل أن يكون اللسان موصوف بالبيان لابد وأن يتبع قواعد اللغة – النحو - , وقال: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}[الزمر: من الآية 28] مستقيما .
وتعهد العلماء الأجلاء النحو بالرعاية والاهتمام فصنفوا فيه المصنفات , وسطروا عنه الكتب والمجلدات , ومنهم من كتب فيه متونا كمتن الألفية لابن مالك , وكذا متن الآجرومية .
لا تنسونا من صالح الدعاء .