[SIZE="6"]إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فقد انتشر في الآونة الأخيرة الكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة بخصوص شهر رمضان المبارك وللأسف كثرا ما تترك وتنسى الأحاديث الثابتة الصحيحة ومعلوم عندكم إخوتي إن في صحيح الحديث غنية عن الضعيف .
ومن باب الدين النصيحة أحببت أن أنقل لكم كلام أهل العلم بخصوص بعض الأحاديث التي كثيرا ما نسمعها ونقرأها وهي ليست ثابتة فالواجب على المسلم والمسلمة أيا كانوا أن يتقوا الله في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد استفدت من كلام أهل العلم رحمهم الله فإنما أنا ناقل لكلام أهل العلم ولست بمجتهد فكل كلمة هي نقل من كلامهم حتى لا أكون متشبعا بما لم أعط هذا والله تعالى أعلم .
الحديث الأول :
حديث سلمان الفارسي الطويل المشهور، وفيه:
(قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك...من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ...وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار... من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء).
رواه ابن خزيمة وقال : إن صح هذا الخبر ، والبيهقى فى شعب الإيمان ، والأصبهانى فى الترغيب عن سلمان قال الحافظ ابن حجر فى أطرافه : مداره على علىِّ بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ويوسف بن زياد الراوى عنه ضعيف جدا وتابعه إياس بن عبد الغفار عن على بن زيد عند البيهقى فى شعب الإيمان قال ابن حجر : وإياس ما عرفته انتهى)
وأخرجه أيضًا : الحارث كما فى بغية الباحث (1/412 ، رقم 321) ، وابن عدى (5/293 ترجمة 1432 عبد العزيز بن عبد الله) وقال : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات .
الحديث الثاني:
قال رسول الله : (أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك، ويصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة). قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: (لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله).
هذا الحديث أخرجه أحمد (2/292)، والبزار (963-كشف الأستار)، وابن شاهين في فضائل رمضان (27)، والبيهقي في الشعب (3602)، وفضائل الأوقات (35)، والطحاوي في شرح المشكل (8/12)، والأصبهاني في الترغيب (1757)، وابن أبي الدنيا في فضائل رمضان (18).
جميعهم من طريق: يزيد بن هارون، عن هشام بن أبي هشام، عن محمد بن الأسود، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به.
وإسناده ضعيف جداً:
1. هشام متروك، قال ابن معين وأبو داود والنسائي: ليس بثقة.
2. وشيخه فيه جهالة.
وجاء من حديث جابر عند ابن شاهين في فضائل رمضان (19)، والبيهقي في الشعب (3603)، وفضائل الأوقات (36) كلهم من طريق:
عبد الوهاب بن عطاء، عن الهيثم بن الحواري، عن زيد العمي، عن أبي نضرة، قال: سمعت جابر..فذكره.
وهذا إسناد لا يصح أيضاً:
1. الهيثم بن الحواري لا يُعرف.
2. وزيد العمي ضعيف.
الحديث الثالث:
حديث: (صوموا تصحوا)
هذا الحديث جاء من عدة طرق عن جماعة من الصحابة: عند الطبراني وغيره
قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن سهيل بهذا اللفظ إلا زهير بن محمد».
وقال العقيلي: «لا يُتابع عليه إلا من وجهٍ فيه لين».
وضعفه العراقي، بل بالغ الصاغاني وحكم عليه بالوضع في الموضوعات (ص51) له.
الحديث الرابع :
حديث: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان)
هذا الحديث أخرجه: عبد الله بن الإمام أحمد (1/259)[19] والبيهقي في الشعب (3815)، وفضائل الأوقات (14)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (659) جميعهم من طريق: عبيد الله بن عمر القواريري.
والطبراني في الأوسط (4/189) من طريق عبد السلام بن عمر الجني.
وأبي نعيم في الحلية (6/269) والطبراني في الدعاء (911)، وابن عساكر (40/57) من طريق: محمد ابن أبي بكر المقدمي.
ثلاثتهم من طريق: زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النميري، عن أنس بن مالك مرفوعاً:
وهذا حديثٌ منكر، وإسناده ضعيف جداً؛ لأمور:
1. فيه زائدة بن أبي الرقاد: منكر الحديث.
2. فيه زياد بن عبد الله النميري البصري: ضعيف.
3. على ضعف زائدة فقد تفرد به كما قاله الطبراني، ولا يُحتمل ذلك منه.
4. أن هذه السلسلة قال فيها أبو حاتم: يحدث زائدة عن زياد النميري عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة. وقال البخاري: زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري منكر الحديث. (الضعفاء 2/437).
والحديث ضعفه جماعة؛ منهم:
البيهقي (فضائل الأوقات ص104)، والنووي (الأذكار ص314)، وابن رجب (اللطائف ص170)، وابن حجر (تبيين العجب ص37).
الحديث الخامس :
قال صلى الله عليه وسلم ذات يوم وقد أهلّ رمضان فقال: (لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن يكون السنة كلها) فقال رجل من خزاعة: يا نبي الله حدثنا. فقال: (إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق الجنة فتنظر الحور العين إلى ذلك فيقلن يا رب اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجا تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا قال فما من عبد يصوم يوما من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة مما نعت الله (حور مقصورات في الخيام) على كل امرأة سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى تعطى سبعين لونا من الطيب ليس منه لون على ريح الآخر لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها وسبعون ألف وصيف مع كل وصيف صحفة من ذهب فيها لون طعام تجد لآخر لقمة منها لذة لا تجد لأوله لكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوتة حمراء على كل سرير سبعون فراشاً بطائنها من إستبرق فوق كل فراش سبعون أريكة ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر موشح بالدر عليه سواران من ذهب هذا بكل يوم صامه من رمضان سوى ما عمل من الحسنات).
أخرجه ابن خزيمة (3/190) من طريق: جرير بن أيوب البجلي، عن الشعبي، عن نافع بن بردة، عن أبي مسعود به.
ورواه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (3/142).
وهذا الحديث باطل سنداً ومتناً.
فيه جرير بن أيوب البجلي: متروك الحديث، بل قال أبو نعيم: كان يضع الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث.
ولذا قال ابن خزيمة: «إن صح الخبر فإن في القلب من جرير بن أيوب البجلي».
وأما متنه فظاهر البطلان. والله أعلم.
الحديث السادس:
حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت).
وله عدة أسانيد:
1. فجاء في حديثٍ مرسل: أخرجه أبو داود (2358) وفي المراسيل (99)، ومن طريقه البيهقي (4/239)، وابن أبي شيبة (6/329) وعنده: وكان الربيع بن خثيم يقول: «الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت»، وابن المبارك في الزهد (1410)، وابن صاعد في زياداته على الزهد (1411)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (479) وفيه: عن حصين عن رجل عن معاذ. ويبدو أنه خطأ، ولفظه كما جاء عن الربيع بن خثيم موقوفاً عليه.
جميعهم من طريق: حصين، عن معاذ بن زهرة، عن النبي r به.
وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/227) وسماه: (محمد بن معاذ) وقال: مرسل. وذكره أيضاً في (7/364) باسم (معاذ بن زهرة).
وهذا الإسناد ضعيف:
أ- لأنه مرسل؛ معاذ تابعي، بل ذكره ابن حبان في الثقات (7/482) في قسم أتباع التابعين.
ب- ومعاذٌ هذا مجهول، وذِكْر ابن حبان له، كعادته في توثيق المجاهيل، ولعله لا يُعرف إلا بهذا الخبر.
2. وجاء من حديث أنس:
أخرجه الطبراني في الأوسط (7/298) من طريق: إسماعيل بن عمرو البجلي عن داود بن الزبرقان عن شعبة عن ثابت البناني عن أنس tمرفوعاً.
قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن شعبة إلا: داود بن الزبرقان، تفرد به إسماعيل بن عمرو».
وهو سند باطل:
أ- إسماعيل ضعفه كبار الحفاظ.
ب- وعلى ضعفه فقد تفرد به، ولا يحتمل ذلك منه.
ت- داود بن الزبرقان: متروك.
ث- وقد تفرد بهذا الإسناد عن شعبة، وشعبة من كبار الحفاظ فأين أصحابه الثقات عن هذا الخبر؟!.
3. وجاء من حديث ابن عباس:
أخرجه الدارقطني (2/185)، والطبراني في الكبير (12/146) من طريق: عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن ابن عباس t مرفوعاً.
وهذا سند باطل أيضاً؛ عبد الملك بن هارون متروك.
4. وجاء من حديث علي:
أخرجه الحارث بن أسامة (كما في المطالب العالية 6/141) من طريق: عبد الرحيم بن واقد، عن حماد بن عمرو، عن السري بن خالد بن شداد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي t مرفوعاً.
وهذا سند باطل أيضاً:
أ- عبدالرحيم بن واقد: ضعيف، ضعفه الخطيب البغدادي.
ب- حماد بن عمرو -هو النصيـبي-: متروك.
ت- السري بن خالد لا يُعرف، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/284) وسكت عليه.
فتبيّن مما تقدم أن هذا الخبر لا يصح من أسانيده شيء، وأقواها السند الأول -طريق: معاذ بن زهرة- على إرساله وعدم شهرة راويه. والله أعلم.
ولذا ضعف ابن القيم في زاد المعاد (2/49) هذا الحديث، فقال: ولا يثبت.
والله تعالى أعلم .
[/SIZE]