الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين . وبعد:
فإن كلمتي : ( السموات والأرض ) مقترنتان في القرآن الكريم ، ومع أن كلا منهما سبع إلا أننا نلحظ أن ( السموات ) قد ترد مجموعة ( السموات ) ، وقد ترد مفردة ( السماء ) ؛ فما السر في ورود ( السماء ) في بعض المواضع مفردة وفي بعضها جمعا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وكلمة ( الأرض ) لم ترد في القرآن الكريم إلا مفردة ؛ فلم تُجمع أبدا ؛ حتى المواضع التي يتطلب السياق فيها أن تكون جمعا بالضرورة لم يجمعها الله جل وعلا .
ومن ذلك قول الله جل وعلا : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12].
ففي تلك الآية الكريمة ذَكَر الله - سبحانه وتعالى- ما يشير إلى الجمع دون أن يجمع ( الأرض ) مع أن السياق يتطلب الجمع ؛ فما السر في ذلك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أولا : السماء تطلق ويراد بها :
1- مطلق العلوّ دون قصْد السموات السبع بعددها وما فيها ومن فيها ؛ فحينئذ تأتي مفردة .
ومن ذلك قوله عز وجل : إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران: 5]
إذن : كل موضع تجد فيه السماء مفردة ؛ فاعلم : أن المراد بالسماء هنا مطلق العلو .
2- يراد بها السموات السبع بعددها ؛ فحينئذ تُجمع لأن الجمع يتطلب متعدد حتى يُجمع .
وكل موضع يقصد فيه السموات السبع بعددها ؛ فتجمع .
ثانيا : كلمة ( الأرض ) أيضا تطلق ويراد بها :
1- مطلق السفل والانخفاض الذي يقابل العلو ؛ فكل ما يقابل العلو فهو سُفل .
2- ويراد بها الأرضين السبع بعددها ؛ فحينئذ تُجمع ، ولذا جمعت في قول النبي صلى الله عليه وسلم :
مَنْ ظَلَمَ مِنْ الأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ . صحيح البخاري - (8 / 329) .
وجمعت هنا لأن المقصود الأرضين السبع بعددها .
لكن لماذا لم تُجمع كلمة ( الأرض ) في القرآن الكريم إطلاقا مع أن السياق يتطلب أحيانا ضرورة الجمع ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لأن الناس عند إطلاق ( الأرض ) ينصرف ذهنهم إلى اليابس منها ؛ مع أنه يمثل الثلث تقريبا فقط ، ولا يدركون أن البحار والأنهار هي من الأرض .
فحتى لا ينصرف مفهوم الناس إلى أن الله جل وعلا خالق ويملك اليابس دون المياه والأنهار ................إلخ ؛ فلم يجمع الله كلمة ( الأرض ) أبدا حتى يشير إلى أنه خالق ومالك ( الأرض ) التي هي كل سفل يقابل علوا ؛ تصحيحا لعقيدة العباد .
فلو جمعت ( الأرض ) ربما يفهم البعض أن ما خلا اليابس من الأرض ليس في ملك الله سبحانه وتعالى .
ولذا لم ترد ( الأرض ) بالجمع أبدا في القرآن الكريم .
لكن هناك بعض الآيات المتشابهة في اللفظ قد ترد فيها ( السماء ) مفردة في موضع ، ومجموعة في موضع آخر مع أن القصد من الآيتين ظاهره واحد.
ومن ذلك قول الله عز وجل : قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [يونس : 31].
وقول الله سبحانه وتعالى : قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [سبأ : 24].
فنجد الآيتين الكريمتين تتحدثان في موضوع واحد ، لكن كلمة : ( السماء ) في موضع ( يونس ) ؛ بينما في موضع سورة ( سبأ ) وردت ( جمعا ) ؛ فما السر في ذلك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لو تدبرت أخي الكريم لأدركت أن السياق في سورة ( يونس ) يعالج القلوب التي امتلأت بالشرك والوثنية ؛ فهم لا يرجون لقاء الله ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ؛ وبالتالي هم يرون أن المطر ينزل من السماء وأن النبات به ينبت ............. إلخ .
فخاطبهم الله تعالى بناء على زعمهم حتى يدركوا الحقيقة ؛ فيؤمنوا ، ولذا أورد الله - سبحانه وتعالى - الإجابة هنا على لسانهم ( فسيقولون الله ) ثم حكم بفسقهم على الرغم من إقرارهم إشارة إلى أن مجرد الإقرار بتلك الحقائق لا يكفي لأن يكون العبد مؤمنا ، لكن لا بد من إقراره بتوحيد الله سبحانه وتعالى وتوجيه العبادة له جل وعلا ؛ وإلا فلا فائدة في هذا الإقرار .
أما سورة ( سبأ ) فتجد سياقها تقرير حقائق إيمانية ؛ حيث بدأت بالحمد لله مؤكدة كمال قدرته في ملكه .............. إلخ .
ولذا أور الله عز وجل الإجابة هنا في سورة ( سبأ ) بتوجيه الأمر - للنبي صلى الله عليه وسلم – ( قل الله ) ؛ ثم بين أن الناس فريقان : فريق على هدى ، وهم المؤمنون الذين لا يشركون بالله سبحانه وتعالى فهم متمكنون من الهداية ، ( فهم على هدى ) بحرف الاستعلاء الذي يفيد التمكن والاستقرار .
والفريق الثاني – هم الغارقون في الضلال المبين .
فلأنّ الأمر تقرير حقائق ؛ فجاءت ( السموات ) جمعا هنا تأكيدا لتقرير تلك الحقائق .
وهناك آيات أخر متشابهة لفظا وتجد السماء مفردة في موضع وجمعا في موضع آخر ، أو أن هناك بعض الآيات وردت فيها ( السماء ) مفردة ، وظاهر الآية قد يتطلب جمعا ، أو العكس بحسب فهمنا .