نظرات فى كتاب موقف علي في الحديبية
المؤلف جعفر مرتضى العاملي وهو يدور حول تبرير موقف على من عدم الاستجابة الفورية للرسول(ص) بمحو محمد رسول الله من صحيفة الصلح إلا بعد إلحاح من النبى (ص)
يقول العاملى فى مستهل حديثه :
"فإن بعض المصادر قد تحدثت عن موقف لأمير المؤمنين تجاه رسول الله (ص)، لا يتلاءم مع ما عرف عنه من انقياد تام لله سبحانه ولرسوله،فقد ذكرت: أنه لم يستجب لطلب النبي (ص) بمحو اسمه من الوثيقة التي كان يكتبها بينه (ص) وبين سهيل بن عمرو ممثل المشركين، وقال له: ما كنت لأمحو اسمك يا رسول الله"
وقد استهل الكتاب بالتشكيك فى الحديث فقال :
"الحدث المشكوك:
يذكر أهل الحديث والسيرة: أنه لما كانت هدنة الحديبية فيما بين رسول الله (ص) وبين مشركي مكة،كان الذي تولى كتابة صحيفة الصلح هو أمير المؤمنين علي وهذا مما لا شك فيه،ولا شبهة تعترية
غير أن فريقا من الرواة والمؤرخين، ومنهم البخاري أيضا يقولون: إنه (ص)وسلم أمر عليا أن يكتب حينئذ في بداية كتاب الصلح:
(بسم الله الرحمن الرحيم)، فاعترض على ذلك سهيل بن عمرو ممثل المشركين، قائلا: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم
فقال (ص): اكتب باسمك اللهم (فكتب علي ذلك)
ثم قال (ص) لعلي: اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو (فكتب) فاعترض عليه سهيل بن عمرو،وقال:لو نعلم أنك رسول الله، ما قاتلناك ولا صددناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فأمر(ص) عليا بمحوها، فقال لا والله، لا أمحاك أبدا
أو قال: إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة أو قال: ما أمحو اسمك من النبوة أبدا أو ما كنت لأمحو اسمك من النبوة أو قاللا أمحوه أبدا) وفي نص البخاري عن البراء بن عازب: (ما أنا بالذي أمحاه)
فمحاه (ص)، أو فقال له (ص): ضع يدي عليها أو: أرني إياها ؛ فأراه فمحاه بيده أو: فأخذه رسول الله، وليس يحسن أن يكتب، ثم قال: أكتب الخ
وعند ابن حبان: أنه (ص) أمر عليا بمحو اسمه مرتين، فأبى ذلك فيهما معا
وعند أحمد وغيره: ـ بعد أن ذكروا رفض علي محو اسمه ـ قالوا: ( فأخذ النبي (ص) الكتاب، وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله أن لا يدخل الخ)
وعن محمد بن كعب: أنه جعل يتلكأ،ويبكي، ويأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله فقال له رسول الله (ص): اكتب، فإن لك مثلها، تعطيها وأنت مضطهد فكتب ما قالوا"
قطعا الروايات رغم اتفاقها على اعتراض على وتمسكه بموقفه وهناك مماثلة مثل موقف عمر ومن معه فى الاعتراض على شرط ارجاع من اسلم إلى الكفار
وهذه المواقف من الاعتراضات تمثل مواقفا سليمة ولكن المشكلة أن صلح الحديبية لم يقع ولم يحدث فى المكان المسمى الحديبية
وقد استغل البعض هذه الموقف من عصيان الرسول (ص) ضد على مشككا بذلك فى إمامته فقال :
"الطعن في عصمة الإمام:
هذا، وقد اختلفت هذه الروايات في مضامينها كثيرا ولا نريد تتبع ذلك، ولكننا نريد أن نشير إلى مؤاخذة سجلها البعض هنا على أمير المؤمنين بأنه قد خالف أمر رسول الله له بمحو ما كتبه ولئن كانت الشيعة يحشدون الشواهد الكثيرة، والمتوافرة على مخالفات صدرت من الصحابة لأوامره (ص)بما فيها تلك المخالفات الصريحة، والقبيحة، والمؤذية له (ص)، فإن عليا قد وقع في نفس المحذور الذي وقع فيه غيره فكيف يدعي له الشيعة العصمة دون سائر الصحابة؟!
وقال السرخسي: (كان هذا الإباء بالرأي في مقابلة النص) وقد وجه البعض للسيد المرتضى سؤالا يقول:
(ما جواب من قدح في عصمة مولانا أمير المؤمنين بما جاء مستفيضا في امتناعه على النبي صلى الله عليه وآله، من محو (بسم الله الرحمن الرحيم ) من المكاتبة العام المعاصات بسهيل بن عمرو حتى أعاد النبي وترك يده عند محوها
فقال: (ليس يخلو من أن يكون قد علم أن النبي (ص)لا يأمر إلا بما فيه مصلحة ويقتضيه الحكمة والبينات، وأن أفعاله عن الله سبحانه وبأمره أو لم يعلم فإن كان يعلم ذلك،فلم خالف ما علم؟!
وإن كان لم يعلمه، فقد جهل ما يدعيه العقول من عصمة الأنبياء من الخطأ، وجوز المفسدة فيما أمر به النبي (ص)لهذا إن لم يكن قطع بها وهل يجوز أن يكون أمير المؤمنين توقف عن قبول الأمر لتجويزه أن يكون أمر النبي معتبرا له ومختبرا؟! مع ما في ذلك لكون النبي (ص)عالما بإيمانه قطعا وهو خلاف مذهبكم ومع ما فيه من قبح الأمر على طريق الاختبار بما لا مصلحة في فعله على كل حال
فإن قلتم: إنه جوز أن يكون النبي (ص)قد أضمر محذوفا، يخرج الأمر به من كونه قبيحا
قيل لكم: فقد كان يجب أن يستفهمه ذلك، ويستعلمه منه، ويقول: فما أمرتني قطعا من غير شرط أضمرته أولا
انتهى كلام هذا الذي أراد أن يجعل من هذه القضية ذريعة للطعن في عصمة الإمام "
وقد اعتبرالعاملى هذه شبهة ومن ثم جلب ردود عليها فقال :
"ونحن فيما يلي نذكر إجابات السيد المرتضى وبعض الإعلام، ثم نضيف ما يفيد في المزيد من جلاء الحقيقة، وإبطال الباطل، فنقول:
إجابة المرتضى وآخرين:
لقد أجاب السيد المرتضى على الشبهة المذكورة آنفا ـ ووافقه غيره على ذلك ـ بما مفاده:
أنه قد سلم بأن هذا الأمر قد صدر عن علي أمير المؤمنين ، ولكنه يرفض أن يكون دالا على عدم عصمته ، لأنه لم يصدر منه على سبيل التمرد، والعصيان، إذ ليس الأمر على سبيل الإيجاب
قال رحمه الله:
(إن النبي (ص) حينما أمر عليا بمحو كلمة (رسول الله) وإثبات اسمه الشريف، بدون هذه الكلمة، فإنه قد استكبر ذلك واستعظم هو جوز أن يكون (ص) إنما قال: افعل ذلك مرضيا لسهيل وإن كان لا يؤثر، ولا يريد فعله بل يؤثره التوقف عنه فتوقف حتى يظهر من النبي (ص) أنه لذلك مؤثر وأنه أمر حقيقي بالمحو، فصبر علي على ذلك على مضض شديد
وقد يثقل على الطباع ما فيه مصلحة من العبادات كالصوم في الحر)
ثم ذكر رحمه الله موقف عمر في هذه المناسبة، ثم أجاب عن قولهم بأنه كان يجب مع الشك أن يستفهم، بأنه قد فعل ما يقوم مقام الاستفهام، من التوقف حتى ينكشف الأمر، وإن لم يكن شاكا في أنه (ص) لا يوجب قبيحا، ولا يأمر بمفسدة لكنه لما تعلق صورة الأمر بفعل تنفر منه النفوس والطباع، فقد جوز أن لا يكون ذلك القول أمرا، فتلاه بتوقفه
وذلك منه غاية الحكمة، ونهاية الاحتياط للدين
وقال العيني: (قول علي : ما أنا بالذي أمحاه ليس بمخالفة لأمر رسول الله (ص)، لأنه علم بالقرينة: أن الأمر للإيجاب)
وقال القسطلاني والنووي: قال العلماء: وهذا الذي فعله علي من باب الأدب المستحب، لأنه لم يفهم من النبي (ص) تحتم محو على نفسه، ولهذا لم ينكر عليه ولو حتم محوه لنفسه لم يجز لعلي تركه ولا أقره النبي (ص) على المخالفة
رأينا في الرواية:
أما نحن فلم نجد ما يدعونا إلى الاعتقاد بصحة هذه الرواية من الأساس
وكلام السيد المرتضى والنووي، والعيني، والقسطلاني كلام جيد وسليم لو كان للقضية أصل أما إذا كان ثمة ريب وشك كبير في صحتها، وساقتنا الأدلة إلى اكتشاف ثغرات وتلمس دلالات تشير إلى تحريف خطير فيها، فلا تصل النوبة إلى أجوبة هؤلاء الأعلام، رغم قوتها في نفسها، ووضوحها
والذي أثار هذا الريب والشك لدينا في صحتها هو الأمور التالية:
أولا:
لقد كذب علي نفسه هذه الدعاوى الباطلة صراحة حيث يقول: (لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد (ص) أني لم أرد على الله، ولا على رسوله ساعة قط ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وتتأخر الأقدام، نجدة أكرمني الله بها الخ…)
وقال المعتزلي الشافعي، وهو يشير إلى اعتراضات بعض الصحابة على النبي (ص) في الحديبية: (إن هذا الخبر صحيح لا ريب فيه،والناس كلهم رووه)
ويمكن التأكيد على هذا الالتزام انطلاقا من قول رسول الله (ص) في علي عليه السلام: علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيث دار
وثانيا:
إن طاعة علي لرسول الله (ص)، والخضوع المطلق لأوامره ونواهيه، لهو السمة المميزة له عن كل من صحابته صلى الله عليه وآله، وعلى هو الذي يقول: (أنا عبد من عبيد محمد)
وهو الذي بلغ من تقيده بحدود الأوامر والزواجر: أنه حينما قال له النبي (ص) يوم خيبر: (اذهب، ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك) مشى هنيهة، ثم قام ولم يلتفت للعزمة، ثم قال:
علام أقاتل الناس؟!
قال النبي(ص): قاتلهم، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله الخ)
وثالثا:
قال ابن عباس لعمر عن علي: (إن صاحبنا من قد علمت، والله إنه ما غير ولا بدل ولا أسخط رسول الله (ص) أيام صحبته له)
ورابعا:
إن أعداء علي كثيرون، ومنهم من حاربه بكل ما قدر عليه، فلو أنهم وجدوا في هذه القضية ما يوجب أدنى طعن، أو تحامل عليه لما تركوه، بل كانوا ملأوا الخافقين في التشنيع عليه بأنه قد خالف أمر رسول الله، وعصاه ولم نجد أحدا منهم تفوه ببنت شفة حول الأمر أبدا
وخامسا:
إن مراجعة النصوص تعطينا: أنها غير متفقة في حكايتها لحقيقة ما جرى بل في بعضها ما يكذب الرواية المذكورة التي تتهم عليا بمخالفته أمر رسول الله له بمحو اسمه الشريف
وملاحظتها بمجموعها تعطينا انطباعا آخر غير ما توحي به الروايات التي تقدمت في صدر البحث"
بالطبع من رد أراد تكذيب الحكاية ولكن أهل السنة متمسكون بصحة الرواية ولخص العاملى القضية كالتالى :
"ويمكن تلخيص القضية على الصورة التالية:
إنه لما طلب النبي (ص) من علي أن يكتب كلمة رسول الله، واجهه سهيل بن عمرو بالاعتراض على ذلك فأثار ذلك حفيظة المسلمين، وضجوا وأمسك بعضهم يد علي مانعا له من الكتابة وقد أفاد عدد من هذه النصوص أيضا: أن سهيلا حين اعترض على النبي بقوله: لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه، أمحها
قال له علي: هو والله رسول الله وإن رغم أنفك لا والله لا أمحوها
فعلي إنما عارض سهيل عمرو، ورفض طلبه بالمحو فبادر النبي (ص) إلى الطلب من علي أن يضع يده على الكلمة، وذلك من أجل أن يحفظ لعلي شخصيته وعنفوانه أمام العدو
وحتى لو كان (ص) قد طلب من علي محو اسمه الشريف، فهذا الطلب إنما جاء في صورة احتدام الجدال بين علي وبين سهيل بن عمرو وهو يفيد في ظروف كهذه ولا سيما بعد أن راقب النبي ما جرى من حدة وجدال وتصلب حول هذا الأمر إلى درجة التهديد بعدم إتمام الصلح ـ إنه يفيد ـ أنه (ص) قد رفع الإلزام بهذا الأمر بهدف أن يمضي الشرط، ويتم الصلح ولم يرد أن يوجب محو اسمه ليلزم من ذلك العصيان لأمره الإلزامي
ومما يدل على أنه لم يكن ثمة ما يوجب الطعن على علي (ص) في هذا الأمر: أن أعدى أعدائه (عليه السلام) يروون هذه القضية ولا يشيرون إلى أي طعن عليه فيها"
وذكر العاملىروايات
ومهما يكن من أمر فإن الروايات لهذه القضية قد جاءت على طوائف نذكرها ـ باستثناء الطائفة التي ذكرناها في مطلع هذا البحث ـ فيما يلي من مطالب
1 ـ النصوص الساكتة:
هناك نصوص ذكرت هذه القضية، ولم تشر إلى رفض علي إطاعة أمر النبي بمحو شئ وقد روى بعضها أعداء علي وشانئوه وذلك يقرب أن يكون علي قد رفض طلب سهيل بن عمرو بعد مشادة كلامية حصلت بينهما
بل إن مروان والمسور بن مخرمة لم يدعهما حقدهما على علي أن يذكرا اسمه في روايتهما، فلو كان ثمة ما يأخذانه عليه لم يتركا التصريح باسمه، والتشنيع عليه به
ونذكر من هذه النصوص:
1 ـ أن ابن حبان وغيره يذكرون اعتراض سهيل بن عمرو على كتابة البسملة،ثم على كتابة كلمة (رسول الله) ثم يقولون:
(فقال رسول الله (ص): اكتب محمد بن عبد الله، وسهيل بن عمرو
فكتب: محمد بن عبد الله: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو)
وقريب من ذلك روي عن الإمام الصادق أيضا
وحسب نص اليعقوبي عن علي: (فقال سهيل: لو علمنا: إنك رسول الله ما قاتلناك فمحا رسول الله اسمه بيده، وأمرني فكتبت: من محمد بن عبد الله وقال: إن اسمي واسم أبي لا يذهبان بنبوتي)
2 ـ وفي نص الزهري: أنه لما اعترض سهيل على كتابة الاسم قال (ص): اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو الخ
3 ـ وهناك ما قاله ابن عباس للحرورية، حيث (قالوا: لو نعلم إنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال: اللهم انك تعلم إني رسولك ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: يا علي اكتب: هذا ما صالح عليه الخ)
4 ـ وكذا ما روي عن أنس بن مالك في حكايته لهذه القضية، فإنه أيضا لم يشر إلى أي تمنع من علي عليه السلام
5 ـ وهناك أيضا رواية مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة ـ وهما من أعداء علي عليه السلام، ولذا لم يصرحا باسم علي كاتب الصحيفة ـ فانهما أيضا لم ينسبا إلى على ما يشير إلى امتناعه عن تلبية طلب النبي (ص) بالمحو بل لقد أشار إلى أن المسلمين هم الذين عارضوا، فقد قالا: (فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا: بسم الله الرحمان الرحيم)
6 ـ ويروي المعتزلي عن علي عليه السلام، أنه (ص) قال له: (يا علي، إني لرسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم: من محمد بن عبد الله، فاكتبها، وامح ما أراد محوه أما إن لك مثلها ستعطيها وأنت مضطهد)
7 ـ ويذكر نص آخر: أن سهيل بن عمرو أمسك بيد رسول الله (ص)، وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب في قضيتنا ما نعرف
فقال: اكتب: هذا ما صالح محمد بن عبدالله
فبينما نحن كذلك، إذ خرج علينا ثلاثون شابا الخ
2 ـ المسلمون يمنعون عليا من المحو:
وهذه طائفة من النصوص أوردها المؤرخون، والمحدثون الأثبات تورد تفصيل هذه القضية، بصورة لا تدع مجالا للشك في أن عليا عليه السلام، كان يمتثل ما يأمره به النبي (ص)، ولم يبد أي اعتراض على الإطلاق والمسلمون هم الذين كانوا يعترضون ويأخذون بيد علي عليه السلام، ويمنعونه من الكتابة
ونذكر من هذه النصوص ما يلي:
ألف: يقول الواقدي: (فأمر النبي (ص) عليا يكتب فقال رسول الله (ص): اكتب بسم الله الرحمان الرحيم
فقال سهيل: لا أعرف الرحمان اكتب كما نكتب: باسمك اللهم
فضاق المسلمون من ذلك، فقالوا:هو الرحمان وقالوا لا تكتب إلا الرحمان
قال سهيل: إذا لا أقاضيه على شئ
فقال رسول الله (ص): اكتب باسمك اللهم،هذا ما اصطلح عليه رسول الله
فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك، واتبعتك أفترغب عن اسمك، واسم أبيك: محمد بن عبد الله؟!
فضج المسلمون منها ضجة هي أشد من الأولى،حتى ارتفعت الأصوات وقام من أصحاب رسول الله (ص) يقولون: لا نكتب إلا محمد رسول الله
فحدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبي فروة، عن واقد بن عمرو، قال: حدثني من نظر إلى أسيد بن حضير، وسعد بن عبادة أخذا بيد الكاتب فأمساكاها، وقالا: لا نكتب إلا محمد رسول الله، وإلا فالسيف بيننا، علام نعطي هذه الدنية في ديننا؟!
فجعل رسول الله (ص) يخفضهم، ويومئ بيده إليهم: اسكتوا وجعل حويطب يتعجب مما يصنعون، ويقبل على مكرز بن حفص ويقول: ما رأيت قوما أحوط لدينهم من هؤلاء القوم!!
فقال رسول الله (ص): اكتب باسمك اللهم فنزلت هذه الآية في سهيل، حين أبى أن يقربا الرحمان: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}
فقال رسول الله (ص): أنا محمد بن عبد الله، فاكتب
فكتب باسمك اللهم، هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبدالله، وسهيل بن عمرو الخ
ب - وقال البعض، بعد ذكره لاعتراض سهيل على كتابة البسملة، وكتابة: رسول الله:
قال لعلي: اكتب ما يريدون فهم المؤمنين أن يأبوا ذلك، ويبطشوا بهم، فأنزل الله السكينة عليهم، فتوقروا، وحلموا مع أن أصل الصلح لم يكن عندهم بمحل من القبول أول الأمر
ج ـ قال المؤرخ الثبت ابن واضح اليعقوبي: (تنازعوا بالكتاب لما كتب: (بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله) حتى كادوا أن يخرجوا إلى الحرب وقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك
وقال المسلمون: لا تمحها
فأمر رسول الله أن يكفوا، وأمر عليا فكتب: باسمك اللهم، من محمد بن عبد الله وقال: اسمي واسم أبي لايذهبان بنبوتي)
د ـ وفي رواية مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة: أن المسلمين هم الذين رفضوا كتابة باسمك اللهم
هـ ـ وعن عمر بن الخطاب: إن رسول الله (ص) كان يكتب بينه وبين أهل مكة فقال: اكتب بسم الله الرحمان الرحيم
فقالوا: لو نرى ذلك صدقناولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم
قال: فرضي رسول الله (ص)، وأبيت، حتى قال:يا عمر، تراني قد رضيت، وتأبى؟!
قال: فرضيت
قال الهيثمي: قلت: حديث عمر في الصحيح بغير هذا السياق رواه البزار ورجاله رجال الصحيح"
وهذه الأحاديث تنفى حادثة اعتراض على على النبى(ص) وفى أحاديث أخرى أن الاعتراض كان على سهيل بن عمرو كما قال فى الفقرات التالية:
"3 ـ بين علي وسهيل بن عمرو:
وقد صرحت بعض النصوص بأن عليا إنما رفض طلب سهيل بن عمرو بالمحو وكانت بينهما مشادة كلامية انتهت بمبادرة رسول الله (ص) إلى محو اسمه الشريف وذلك من أجل حفظ موقع علي أمام ذلك العدو اللجوج، ولكي يبر قسمه
فقد روى النسائي عن علي أنه قال: (قالوا: لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه أمحها
قلت: هو والله رسول، وإن رغم أنفك ولا والله، لا أمحوها
فقال لي رسول الله (ص): أرنيه فأريته، فمحاها وقال: أما إن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطر) ومما يؤيد أن المشادة بين سهيل بن عمرو وعلي، النصوص الآتية:
1 ـ ما روي عن علي أنه قال: ( قال لي رسول الله (ص): يا علي، إني لرسول الله، وإني لمحمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي إليهم: من محمد بن عبد الله، فاكتب: محمد بن عبد الله فراجعني المشركون في هذا)
2 ـ ويقول نص آخر عنه عليه السلام: (فقال سهيل بن عمرو: امح (رسول الله (ص)، فإنا لا نقر لك بذلك ولا نشهد لك به، اكتب اسمك واسم أبيك
فامتنعت من محوه فقال النبي (ص): أمح يا علي وستدعى لمثلها فتجيب وأنت على مضض)
فعلي إذن إنما امتنع عن إجابة طلب سهيل بالمحو، ولم يمتنع عن امتثال أمر رسول الله (ص)
3 ـ وعن علي: أنه قال لسهيل بن عمرو: بل رسول الله وانفك راغم
فقال لي رسول الله: اكتب ما أراد، وستعطى يا علي بعدي مثلها
فلما كتبت الصلح بيني وبين أهل الشام الخ
4 ـ وفي نص آخر، قال علي: (فغضبت، فقلت: بلى ـ والله ـ إنه لرسول الله، وإن رغم أنفك فقال رسول الله (ص): اكتب ما يأمرك إن لك مثلها ستعطيها، وأنت مضطهد)
5 ـ وأوضح من ذلك وأصرح تلك الرواية التي تقول: إنه لما طلب سهيل بن عمرو محو (بسم الله الرحمان الرحيم ) قال النبي (ص) لعلي: أمح ما كتبت
فقال أمير المؤمنين: لولا طاعتك لما محوتها فمحاها وكتب: باسمك اللهم فقال له النبي (ص): اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله (ص) سهيل بن عمرو
فقال سهيل: لو أجبتك في الكتاب الذي بيننا وبينك إلى هذا لأقررت بالنبوة، أمح هذا، واكتب اسمك فقال علي: والله، أنه لرسول الله على رغم أنفك فقال سهيل: اكتب اسمه يمضي الشرط فقال علي: ويلك يا سهيل، كف عن عنادك
فقال عليه السلام: امحها يا علي فقال: إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة
فقال: فضع يدي عليها فمحاها (ص) وقال لأمير المؤمنين: إنك ستدعى إلى مثلها فتجيب على مضض وتمم الكتاب"
وبنى على اختلاف وتناقض الروايات ما يلى :
"توضيح وتصحيح:
فهذه الرواية إذن تعطينا صورة واضحة عن الجدال الذي احتدم بين علي أمير المؤمنين وبين سهيل بن عمرو، وهي صريحة في أنه لم يستجب لطلب سهيل بمحو اسم النبي (ص) من النبوة كما أنه لم يستجب لطلبه بمحو البسملة حتى طلب منه النبي (ص) ذلك، فمحاها طاعة لرسول الله (ص) لا استجابة لسهيل
ومن الواضح: أنه لم يكن ليطيع النبي (ص) في محو البسملة، ثم يعصيه في محو وصف الرسالة عن اسمه الشريف، لأن الطاعة التي دعته لمحو تلك، لا بد أن تدعوه لمحو هذه أيضا
كما أنه لم يكن ليتوهم: أن محو وصف الرسالة من الوثيقة معناه محوه (ص) من الرسالة حقيقة وواقعا ولأجل ذلك
ولأجل أن أعداء علي لم يجدوا أي مجال لتوجيه أي نقد أو لوم له في قصة الحديبية، ولأجل سائر الدلائل والشواهد، فإننا لا نجد حرجا في الأخذ بالرواية التي تذكر: أنه قد امتثل أمر النبي بمحو اسمه الشريف ورفض هذه الفقرة من هذه الرواية واعتبارها من اختراعات رواة السوء
وإذا أردنا أن نصر على قبول هذه الفقرة برغم ذلك كله فلا بد أن نقول: إن أمر النبي (ص) له بالمحو لم يكن على سبيل الإلزام والإيجاب، بل أريد منه إباحة ذلك له إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، ثم بادر (ص) لرفع الحرج الذي نشأء عن المشادة الكلامية بين علي وبين عدوه، فطلب (ص) منه أن يضع يده عليها ليمحوها، ولا يكلف عليا بذلك، لكي لا يكسره أمام عدوه اللجوج
ضع يدي عليها:
وإذا كنا قد أكدنا: عدم صحة ما يقال: من عدم طاعة علي لرسول الله، فإننا نقول: ربما هؤلاء الناس!! قد استعاروا قضية حصلت لآخرين، ليمنحوها لأمير المؤمنين على هذا النحو، بهدف إثارة التساؤلات حول مدى انقياده لرسول الله (ص)وسلم، فقد روي أن تميم بن جراشة قدم على النبي (ص) في وفد ثقيف فاسلموا، وسألوه أن يكتب كتابا فيه شروط
فقال: اكتبوا ما بدا لكم، ثم ايتوني به فأتوا عليا ليكتب لهم
قال تميم: فسألناه في كتابه: أن يحل لنا الربا والزنى فأبى علي أن يكتب لنا فسألناه خالد بن سعيد بن العاص فقال له علي: تدري ما تكتب
قال: اكتب ما قالوا: ورسول الله(ص) أولى بأمره
فذهبنا بالكتاب إلى لسول الله (ص)
فقال للقارئ: إقرء
فلما انتهى إلى الربا قال: ضع يدي عليها في الكتاب
فوضع يده فقال: {أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} الآية، ثم محاها وألقيت علينا السكينة فما راجعناه فلما بلغ الزنا وضع يده عليها، وقال: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة} الآية ثم محاه
وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا، أخرجه أبو موسى
مفارقة، ولا أعجب منها:
والمفارقة التي تثير المزيد من التعجب والاستغراب هي: إننا في حين نجد البعض يحاول انطلاقا من دواعي الهوى والعصبية أن يسجل على أمير المؤمنين تهمة المخالفة لأمر رسول الله (ص)وسلم في كتابته لوثيقة الصلح
نجد البعض الآخر: يحاول ليس فقط تجاهل وجوده، ويستبعد ذكر اسمه، كما عن مروان والمسور بن مخرمة وغيرهما ـ كما يظهر بالمراجعة لعدد من المصادر ـ بل هو يزيد على ذلك حتى يصل به الأمر إلى درجة إنكار أن يكون علي هو كاتب الوثيقة أصلا
فقد روى عبد الرازق، عن ابن عباس، قال: كاتب الكتاب يوم الحديبية علي بن أبي طالب، ثم قال:
أخبرنا معمر، قال: سألت عنه الزهري، فضحك، وقال: هو علي بن أبي طالب ولو سألت عنه هؤلاء قالوا: عثمان يعني بني أمية
(وأخرج عمر بن شبة،من طريق عمرو بن سهيل بن عمرو، عن أبيه: الكتاب عندنا كاتبه محمد بن مسلمة انتهى
ويجمع بأن أصل كتاب الصلح بخط علي كما هو في الصحيح ونسخ مثله محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو) وأخرج ابن شبة من طريق: أن اسم الكتاب: محمد بن مسلمة
ولعل اسم علي لو لم يرد في الصحيح لكان لهؤلاء موقف آخر، وتحمس لجهة أخرى!!"
واستنتج العاملى أن هذا الحديث تم وضعه فيما بعد من قبل ألأمويين فقال :
"السر المكنون:
وبعدما تقدم نقول: إن اتهام علي بأنه قد خالف أمر رسول الله إنما حصل ـ فيما يظهر ـ بعد عشرات السنين من قضية الحديبية، بل لعله قد حصل في وقت متأخر من الحكم الأموي أي بعد وفاة مروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة، وأنس، وغيرهم
وذلك لما تقدم من أن هؤلاء وغيرهم قد رووا هذه القضية بصورة سليمة وقويمة أي من دون إشارة إلى تلك المخالفة المزعومة رغم أن فيهم الحاقدين على علي، إلى درجة أنهم لا يطيقون حتى ذكر اسمه في هذه القضية بالذات
ونستطيع أن نقول: إن تزوير الحقيقة في قضية كتابة الصلح قد جاء لعدة أسباب:
الأولى: الحفاظ على ماء وجه معاوية وحزبه الذين أصروا على محو كلمة (أمير المؤمنين) في قضية التحكيم بعد حرب صفين، الأمر الذي صدق نبوءة رسول الله (ص) حينما قال لعلي: لك مثلها ستعطيها، وأنت مضطهد، أو مظطر
الثاني: انكار فضيلة لأمير المؤمنين ظهرت من خلال نبوءة رسول الله (ص) بما سيحصل له من بعده، حسبما تقدم
الثالث: النيل من علي ،واتهامه بأمر شنيع وخطير
الرابع: أنه لا بدأن لا يبقى أحد من الصحابة إلا ويعترض على رسول الله، في أمر الصلح، ليبقى أبو بكر وحده هو الموافق، ليتبين علو مقامه، وليظهر فضله على من سواه حتى إنه ليصبح شريك النبي الأعظم (ص) في الإطلاع على الغيب، وهو حقيق بذلك
قال دحلان: (ولم يكن أحد في القوم راضيا بجميع ما يرضى به النبي (ص) غير أبي بكر الصديق (رض) وبهذا يتبين علو مقامه ويمكن أن الله كشف لقلبه،وأطلعه على بعض تلك الأسرار، التي ترتبت على ذلك الصلح، كما اطلع على ذلك النبي (ص)، فإنه حقيق بذلك (رض) كيف وقد قال النبي (ص): والله، ما صب الله في قلبي شيئا إلا وصببته في قلب أبي بكر) وإذا عرف السبب بطل العجب!!"
والكتاب كله مبنى على باطل هو وجود صلح الحديبية ففى القرآن لا يوجد شىء بهذا الاسم والموجود هو :
صلح مكة عند المسجد الحرام كما قال تعالى :
"إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام"
ومن ثم كل روايات صلح الحديبية بما فيها من مواقف متعددة لم تحدث ولم يكن منها أى شىء مما روى فى كتب الحديث وكتب التاريخ
ومن نظر فى الأحاديث وجد تناقضا بينا فى الكثير منها فمثلا موقف على نجد روايات تقول أنه اعترض على الرسول (ص) وروايات أنه اعترض على سهيل بن عمرو ومثلا روايات أن الكاتب على وروايات أخرى أن الكاتب محمد بن مسلمة ومثلا روايات أن على من محا رسول الله وروايات أن على من محى وكلها تناقضات تبين كذب الحكاية من المبدأ وحتى المنتهى
المؤلف جعفر مرتضى العاملي وهو يدور حول تبرير موقف على من عدم الاستجابة الفورية للرسول(ص) بمحو محمد رسول الله من صحيفة الصلح إلا بعد إلحاح من النبى (ص)
يقول العاملى فى مستهل حديثه :
"فإن بعض المصادر قد تحدثت عن موقف لأمير المؤمنين تجاه رسول الله (ص)، لا يتلاءم مع ما عرف عنه من انقياد تام لله سبحانه ولرسوله،فقد ذكرت: أنه لم يستجب لطلب النبي (ص) بمحو اسمه من الوثيقة التي كان يكتبها بينه (ص) وبين سهيل بن عمرو ممثل المشركين، وقال له: ما كنت لأمحو اسمك يا رسول الله"
وقد استهل الكتاب بالتشكيك فى الحديث فقال :
"الحدث المشكوك:
يذكر أهل الحديث والسيرة: أنه لما كانت هدنة الحديبية فيما بين رسول الله (ص) وبين مشركي مكة،كان الذي تولى كتابة صحيفة الصلح هو أمير المؤمنين علي وهذا مما لا شك فيه،ولا شبهة تعترية
غير أن فريقا من الرواة والمؤرخين، ومنهم البخاري أيضا يقولون: إنه (ص)وسلم أمر عليا أن يكتب حينئذ في بداية كتاب الصلح:
(بسم الله الرحمن الرحيم)، فاعترض على ذلك سهيل بن عمرو ممثل المشركين، قائلا: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم
فقال (ص): اكتب باسمك اللهم (فكتب علي ذلك)
ثم قال (ص) لعلي: اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو (فكتب) فاعترض عليه سهيل بن عمرو،وقال:لو نعلم أنك رسول الله، ما قاتلناك ولا صددناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فأمر(ص) عليا بمحوها، فقال لا والله، لا أمحاك أبدا
أو قال: إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة أو قال: ما أمحو اسمك من النبوة أبدا أو ما كنت لأمحو اسمك من النبوة أو قاللا أمحوه أبدا) وفي نص البخاري عن البراء بن عازب: (ما أنا بالذي أمحاه)
فمحاه (ص)، أو فقال له (ص): ضع يدي عليها أو: أرني إياها ؛ فأراه فمحاه بيده أو: فأخذه رسول الله، وليس يحسن أن يكتب، ثم قال: أكتب الخ
وعند ابن حبان: أنه (ص) أمر عليا بمحو اسمه مرتين، فأبى ذلك فيهما معا
وعند أحمد وغيره: ـ بعد أن ذكروا رفض علي محو اسمه ـ قالوا: ( فأخذ النبي (ص) الكتاب، وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله أن لا يدخل الخ)
وعن محمد بن كعب: أنه جعل يتلكأ،ويبكي، ويأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله فقال له رسول الله (ص): اكتب، فإن لك مثلها، تعطيها وأنت مضطهد فكتب ما قالوا"
قطعا الروايات رغم اتفاقها على اعتراض على وتمسكه بموقفه وهناك مماثلة مثل موقف عمر ومن معه فى الاعتراض على شرط ارجاع من اسلم إلى الكفار
وهذه المواقف من الاعتراضات تمثل مواقفا سليمة ولكن المشكلة أن صلح الحديبية لم يقع ولم يحدث فى المكان المسمى الحديبية
وقد استغل البعض هذه الموقف من عصيان الرسول (ص) ضد على مشككا بذلك فى إمامته فقال :
"الطعن في عصمة الإمام:
هذا، وقد اختلفت هذه الروايات في مضامينها كثيرا ولا نريد تتبع ذلك، ولكننا نريد أن نشير إلى مؤاخذة سجلها البعض هنا على أمير المؤمنين بأنه قد خالف أمر رسول الله له بمحو ما كتبه ولئن كانت الشيعة يحشدون الشواهد الكثيرة، والمتوافرة على مخالفات صدرت من الصحابة لأوامره (ص)بما فيها تلك المخالفات الصريحة، والقبيحة، والمؤذية له (ص)، فإن عليا قد وقع في نفس المحذور الذي وقع فيه غيره فكيف يدعي له الشيعة العصمة دون سائر الصحابة؟!
وقال السرخسي: (كان هذا الإباء بالرأي في مقابلة النص) وقد وجه البعض للسيد المرتضى سؤالا يقول:
(ما جواب من قدح في عصمة مولانا أمير المؤمنين بما جاء مستفيضا في امتناعه على النبي صلى الله عليه وآله، من محو (بسم الله الرحمن الرحيم ) من المكاتبة العام المعاصات بسهيل بن عمرو حتى أعاد النبي وترك يده عند محوها
فقال: (ليس يخلو من أن يكون قد علم أن النبي (ص)لا يأمر إلا بما فيه مصلحة ويقتضيه الحكمة والبينات، وأن أفعاله عن الله سبحانه وبأمره أو لم يعلم فإن كان يعلم ذلك،فلم خالف ما علم؟!
وإن كان لم يعلمه، فقد جهل ما يدعيه العقول من عصمة الأنبياء من الخطأ، وجوز المفسدة فيما أمر به النبي (ص)لهذا إن لم يكن قطع بها وهل يجوز أن يكون أمير المؤمنين توقف عن قبول الأمر لتجويزه أن يكون أمر النبي معتبرا له ومختبرا؟! مع ما في ذلك لكون النبي (ص)عالما بإيمانه قطعا وهو خلاف مذهبكم ومع ما فيه من قبح الأمر على طريق الاختبار بما لا مصلحة في فعله على كل حال
فإن قلتم: إنه جوز أن يكون النبي (ص)قد أضمر محذوفا، يخرج الأمر به من كونه قبيحا
قيل لكم: فقد كان يجب أن يستفهمه ذلك، ويستعلمه منه، ويقول: فما أمرتني قطعا من غير شرط أضمرته أولا
انتهى كلام هذا الذي أراد أن يجعل من هذه القضية ذريعة للطعن في عصمة الإمام "
وقد اعتبرالعاملى هذه شبهة ومن ثم جلب ردود عليها فقال :
"ونحن فيما يلي نذكر إجابات السيد المرتضى وبعض الإعلام، ثم نضيف ما يفيد في المزيد من جلاء الحقيقة، وإبطال الباطل، فنقول:
إجابة المرتضى وآخرين:
لقد أجاب السيد المرتضى على الشبهة المذكورة آنفا ـ ووافقه غيره على ذلك ـ بما مفاده:
أنه قد سلم بأن هذا الأمر قد صدر عن علي أمير المؤمنين ، ولكنه يرفض أن يكون دالا على عدم عصمته ، لأنه لم يصدر منه على سبيل التمرد، والعصيان، إذ ليس الأمر على سبيل الإيجاب
قال رحمه الله:
(إن النبي (ص) حينما أمر عليا بمحو كلمة (رسول الله) وإثبات اسمه الشريف، بدون هذه الكلمة، فإنه قد استكبر ذلك واستعظم هو جوز أن يكون (ص) إنما قال: افعل ذلك مرضيا لسهيل وإن كان لا يؤثر، ولا يريد فعله بل يؤثره التوقف عنه فتوقف حتى يظهر من النبي (ص) أنه لذلك مؤثر وأنه أمر حقيقي بالمحو، فصبر علي على ذلك على مضض شديد
وقد يثقل على الطباع ما فيه مصلحة من العبادات كالصوم في الحر)
ثم ذكر رحمه الله موقف عمر في هذه المناسبة، ثم أجاب عن قولهم بأنه كان يجب مع الشك أن يستفهم، بأنه قد فعل ما يقوم مقام الاستفهام، من التوقف حتى ينكشف الأمر، وإن لم يكن شاكا في أنه (ص) لا يوجب قبيحا، ولا يأمر بمفسدة لكنه لما تعلق صورة الأمر بفعل تنفر منه النفوس والطباع، فقد جوز أن لا يكون ذلك القول أمرا، فتلاه بتوقفه
وذلك منه غاية الحكمة، ونهاية الاحتياط للدين
وقال العيني: (قول علي : ما أنا بالذي أمحاه ليس بمخالفة لأمر رسول الله (ص)، لأنه علم بالقرينة: أن الأمر للإيجاب)
وقال القسطلاني والنووي: قال العلماء: وهذا الذي فعله علي من باب الأدب المستحب، لأنه لم يفهم من النبي (ص) تحتم محو على نفسه، ولهذا لم ينكر عليه ولو حتم محوه لنفسه لم يجز لعلي تركه ولا أقره النبي (ص) على المخالفة
رأينا في الرواية:
أما نحن فلم نجد ما يدعونا إلى الاعتقاد بصحة هذه الرواية من الأساس
وكلام السيد المرتضى والنووي، والعيني، والقسطلاني كلام جيد وسليم لو كان للقضية أصل أما إذا كان ثمة ريب وشك كبير في صحتها، وساقتنا الأدلة إلى اكتشاف ثغرات وتلمس دلالات تشير إلى تحريف خطير فيها، فلا تصل النوبة إلى أجوبة هؤلاء الأعلام، رغم قوتها في نفسها، ووضوحها
والذي أثار هذا الريب والشك لدينا في صحتها هو الأمور التالية:
أولا:
لقد كذب علي نفسه هذه الدعاوى الباطلة صراحة حيث يقول: (لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد (ص) أني لم أرد على الله، ولا على رسوله ساعة قط ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وتتأخر الأقدام، نجدة أكرمني الله بها الخ…)
وقال المعتزلي الشافعي، وهو يشير إلى اعتراضات بعض الصحابة على النبي (ص) في الحديبية: (إن هذا الخبر صحيح لا ريب فيه،والناس كلهم رووه)
ويمكن التأكيد على هذا الالتزام انطلاقا من قول رسول الله (ص) في علي عليه السلام: علي مع الحق، والحق مع علي، يدور معه حيث دار
وثانيا:
إن طاعة علي لرسول الله (ص)، والخضوع المطلق لأوامره ونواهيه، لهو السمة المميزة له عن كل من صحابته صلى الله عليه وآله، وعلى هو الذي يقول: (أنا عبد من عبيد محمد)
وهو الذي بلغ من تقيده بحدود الأوامر والزواجر: أنه حينما قال له النبي (ص) يوم خيبر: (اذهب، ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك) مشى هنيهة، ثم قام ولم يلتفت للعزمة، ثم قال:
علام أقاتل الناس؟!
قال النبي(ص): قاتلهم، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله الخ)
وثالثا:
قال ابن عباس لعمر عن علي: (إن صاحبنا من قد علمت، والله إنه ما غير ولا بدل ولا أسخط رسول الله (ص) أيام صحبته له)
ورابعا:
إن أعداء علي كثيرون، ومنهم من حاربه بكل ما قدر عليه، فلو أنهم وجدوا في هذه القضية ما يوجب أدنى طعن، أو تحامل عليه لما تركوه، بل كانوا ملأوا الخافقين في التشنيع عليه بأنه قد خالف أمر رسول الله، وعصاه ولم نجد أحدا منهم تفوه ببنت شفة حول الأمر أبدا
وخامسا:
إن مراجعة النصوص تعطينا: أنها غير متفقة في حكايتها لحقيقة ما جرى بل في بعضها ما يكذب الرواية المذكورة التي تتهم عليا بمخالفته أمر رسول الله له بمحو اسمه الشريف
وملاحظتها بمجموعها تعطينا انطباعا آخر غير ما توحي به الروايات التي تقدمت في صدر البحث"
بالطبع من رد أراد تكذيب الحكاية ولكن أهل السنة متمسكون بصحة الرواية ولخص العاملى القضية كالتالى :
"ويمكن تلخيص القضية على الصورة التالية:
إنه لما طلب النبي (ص) من علي أن يكتب كلمة رسول الله، واجهه سهيل بن عمرو بالاعتراض على ذلك فأثار ذلك حفيظة المسلمين، وضجوا وأمسك بعضهم يد علي مانعا له من الكتابة وقد أفاد عدد من هذه النصوص أيضا: أن سهيلا حين اعترض على النبي بقوله: لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه، أمحها
قال له علي: هو والله رسول الله وإن رغم أنفك لا والله لا أمحوها
فعلي إنما عارض سهيل عمرو، ورفض طلبه بالمحو فبادر النبي (ص) إلى الطلب من علي أن يضع يده على الكلمة، وذلك من أجل أن يحفظ لعلي شخصيته وعنفوانه أمام العدو
وحتى لو كان (ص) قد طلب من علي محو اسمه الشريف، فهذا الطلب إنما جاء في صورة احتدام الجدال بين علي وبين سهيل بن عمرو وهو يفيد في ظروف كهذه ولا سيما بعد أن راقب النبي ما جرى من حدة وجدال وتصلب حول هذا الأمر إلى درجة التهديد بعدم إتمام الصلح ـ إنه يفيد ـ أنه (ص) قد رفع الإلزام بهذا الأمر بهدف أن يمضي الشرط، ويتم الصلح ولم يرد أن يوجب محو اسمه ليلزم من ذلك العصيان لأمره الإلزامي
ومما يدل على أنه لم يكن ثمة ما يوجب الطعن على علي (ص) في هذا الأمر: أن أعدى أعدائه (عليه السلام) يروون هذه القضية ولا يشيرون إلى أي طعن عليه فيها"
وذكر العاملىروايات
ومهما يكن من أمر فإن الروايات لهذه القضية قد جاءت على طوائف نذكرها ـ باستثناء الطائفة التي ذكرناها في مطلع هذا البحث ـ فيما يلي من مطالب
1 ـ النصوص الساكتة:
هناك نصوص ذكرت هذه القضية، ولم تشر إلى رفض علي إطاعة أمر النبي بمحو شئ وقد روى بعضها أعداء علي وشانئوه وذلك يقرب أن يكون علي قد رفض طلب سهيل بن عمرو بعد مشادة كلامية حصلت بينهما
بل إن مروان والمسور بن مخرمة لم يدعهما حقدهما على علي أن يذكرا اسمه في روايتهما، فلو كان ثمة ما يأخذانه عليه لم يتركا التصريح باسمه، والتشنيع عليه به
ونذكر من هذه النصوص:
1 ـ أن ابن حبان وغيره يذكرون اعتراض سهيل بن عمرو على كتابة البسملة،ثم على كتابة كلمة (رسول الله) ثم يقولون:
(فقال رسول الله (ص): اكتب محمد بن عبد الله، وسهيل بن عمرو
فكتب: محمد بن عبد الله: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو)
وقريب من ذلك روي عن الإمام الصادق أيضا
وحسب نص اليعقوبي عن علي: (فقال سهيل: لو علمنا: إنك رسول الله ما قاتلناك فمحا رسول الله اسمه بيده، وأمرني فكتبت: من محمد بن عبد الله وقال: إن اسمي واسم أبي لا يذهبان بنبوتي)
2 ـ وفي نص الزهري: أنه لما اعترض سهيل على كتابة الاسم قال (ص): اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو الخ
3 ـ وهناك ما قاله ابن عباس للحرورية، حيث (قالوا: لو نعلم إنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال: اللهم انك تعلم إني رسولك ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: يا علي اكتب: هذا ما صالح عليه الخ)
4 ـ وكذا ما روي عن أنس بن مالك في حكايته لهذه القضية، فإنه أيضا لم يشر إلى أي تمنع من علي عليه السلام
5 ـ وهناك أيضا رواية مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة ـ وهما من أعداء علي عليه السلام، ولذا لم يصرحا باسم علي كاتب الصحيفة ـ فانهما أيضا لم ينسبا إلى على ما يشير إلى امتناعه عن تلبية طلب النبي (ص) بالمحو بل لقد أشار إلى أن المسلمين هم الذين عارضوا، فقد قالا: (فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا: بسم الله الرحمان الرحيم)
6 ـ ويروي المعتزلي عن علي عليه السلام، أنه (ص) قال له: (يا علي، إني لرسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم: من محمد بن عبد الله، فاكتبها، وامح ما أراد محوه أما إن لك مثلها ستعطيها وأنت مضطهد)
7 ـ ويذكر نص آخر: أن سهيل بن عمرو أمسك بيد رسول الله (ص)، وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب في قضيتنا ما نعرف
فقال: اكتب: هذا ما صالح محمد بن عبدالله
فبينما نحن كذلك، إذ خرج علينا ثلاثون شابا الخ
2 ـ المسلمون يمنعون عليا من المحو:
وهذه طائفة من النصوص أوردها المؤرخون، والمحدثون الأثبات تورد تفصيل هذه القضية، بصورة لا تدع مجالا للشك في أن عليا عليه السلام، كان يمتثل ما يأمره به النبي (ص)، ولم يبد أي اعتراض على الإطلاق والمسلمون هم الذين كانوا يعترضون ويأخذون بيد علي عليه السلام، ويمنعونه من الكتابة
ونذكر من هذه النصوص ما يلي:
ألف: يقول الواقدي: (فأمر النبي (ص) عليا يكتب فقال رسول الله (ص): اكتب بسم الله الرحمان الرحيم
فقال سهيل: لا أعرف الرحمان اكتب كما نكتب: باسمك اللهم
فضاق المسلمون من ذلك، فقالوا:هو الرحمان وقالوا لا تكتب إلا الرحمان
قال سهيل: إذا لا أقاضيه على شئ
فقال رسول الله (ص): اكتب باسمك اللهم،هذا ما اصطلح عليه رسول الله
فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك، واتبعتك أفترغب عن اسمك، واسم أبيك: محمد بن عبد الله؟!
فضج المسلمون منها ضجة هي أشد من الأولى،حتى ارتفعت الأصوات وقام من أصحاب رسول الله (ص) يقولون: لا نكتب إلا محمد رسول الله
فحدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبي فروة، عن واقد بن عمرو، قال: حدثني من نظر إلى أسيد بن حضير، وسعد بن عبادة أخذا بيد الكاتب فأمساكاها، وقالا: لا نكتب إلا محمد رسول الله، وإلا فالسيف بيننا، علام نعطي هذه الدنية في ديننا؟!
فجعل رسول الله (ص) يخفضهم، ويومئ بيده إليهم: اسكتوا وجعل حويطب يتعجب مما يصنعون، ويقبل على مكرز بن حفص ويقول: ما رأيت قوما أحوط لدينهم من هؤلاء القوم!!
فقال رسول الله (ص): اكتب باسمك اللهم فنزلت هذه الآية في سهيل، حين أبى أن يقربا الرحمان: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}
فقال رسول الله (ص): أنا محمد بن عبد الله، فاكتب
فكتب باسمك اللهم، هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبدالله، وسهيل بن عمرو الخ
ب - وقال البعض، بعد ذكره لاعتراض سهيل على كتابة البسملة، وكتابة: رسول الله:
قال لعلي: اكتب ما يريدون فهم المؤمنين أن يأبوا ذلك، ويبطشوا بهم، فأنزل الله السكينة عليهم، فتوقروا، وحلموا مع أن أصل الصلح لم يكن عندهم بمحل من القبول أول الأمر
ج ـ قال المؤرخ الثبت ابن واضح اليعقوبي: (تنازعوا بالكتاب لما كتب: (بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله) حتى كادوا أن يخرجوا إلى الحرب وقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك
وقال المسلمون: لا تمحها
فأمر رسول الله أن يكفوا، وأمر عليا فكتب: باسمك اللهم، من محمد بن عبد الله وقال: اسمي واسم أبي لايذهبان بنبوتي)
د ـ وفي رواية مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة: أن المسلمين هم الذين رفضوا كتابة باسمك اللهم
هـ ـ وعن عمر بن الخطاب: إن رسول الله (ص) كان يكتب بينه وبين أهل مكة فقال: اكتب بسم الله الرحمان الرحيم
فقالوا: لو نرى ذلك صدقناولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم
قال: فرضي رسول الله (ص)، وأبيت، حتى قال:يا عمر، تراني قد رضيت، وتأبى؟!
قال: فرضيت
قال الهيثمي: قلت: حديث عمر في الصحيح بغير هذا السياق رواه البزار ورجاله رجال الصحيح"
وهذه الأحاديث تنفى حادثة اعتراض على على النبى(ص) وفى أحاديث أخرى أن الاعتراض كان على سهيل بن عمرو كما قال فى الفقرات التالية:
"3 ـ بين علي وسهيل بن عمرو:
وقد صرحت بعض النصوص بأن عليا إنما رفض طلب سهيل بن عمرو بالمحو وكانت بينهما مشادة كلامية انتهت بمبادرة رسول الله (ص) إلى محو اسمه الشريف وذلك من أجل حفظ موقع علي أمام ذلك العدو اللجوج، ولكي يبر قسمه
فقد روى النسائي عن علي أنه قال: (قالوا: لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه أمحها
قلت: هو والله رسول، وإن رغم أنفك ولا والله، لا أمحوها
فقال لي رسول الله (ص): أرنيه فأريته، فمحاها وقال: أما إن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطر) ومما يؤيد أن المشادة بين سهيل بن عمرو وعلي، النصوص الآتية:
1 ـ ما روي عن علي أنه قال: ( قال لي رسول الله (ص): يا علي، إني لرسول الله، وإني لمحمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي إليهم: من محمد بن عبد الله، فاكتب: محمد بن عبد الله فراجعني المشركون في هذا)
2 ـ ويقول نص آخر عنه عليه السلام: (فقال سهيل بن عمرو: امح (رسول الله (ص)، فإنا لا نقر لك بذلك ولا نشهد لك به، اكتب اسمك واسم أبيك
فامتنعت من محوه فقال النبي (ص): أمح يا علي وستدعى لمثلها فتجيب وأنت على مضض)
فعلي إذن إنما امتنع عن إجابة طلب سهيل بالمحو، ولم يمتنع عن امتثال أمر رسول الله (ص)
3 ـ وعن علي: أنه قال لسهيل بن عمرو: بل رسول الله وانفك راغم
فقال لي رسول الله: اكتب ما أراد، وستعطى يا علي بعدي مثلها
فلما كتبت الصلح بيني وبين أهل الشام الخ
4 ـ وفي نص آخر، قال علي: (فغضبت، فقلت: بلى ـ والله ـ إنه لرسول الله، وإن رغم أنفك فقال رسول الله (ص): اكتب ما يأمرك إن لك مثلها ستعطيها، وأنت مضطهد)
5 ـ وأوضح من ذلك وأصرح تلك الرواية التي تقول: إنه لما طلب سهيل بن عمرو محو (بسم الله الرحمان الرحيم ) قال النبي (ص) لعلي: أمح ما كتبت
فقال أمير المؤمنين: لولا طاعتك لما محوتها فمحاها وكتب: باسمك اللهم فقال له النبي (ص): اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله (ص) سهيل بن عمرو
فقال سهيل: لو أجبتك في الكتاب الذي بيننا وبينك إلى هذا لأقررت بالنبوة، أمح هذا، واكتب اسمك فقال علي: والله، أنه لرسول الله على رغم أنفك فقال سهيل: اكتب اسمه يمضي الشرط فقال علي: ويلك يا سهيل، كف عن عنادك
فقال عليه السلام: امحها يا علي فقال: إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة
فقال: فضع يدي عليها فمحاها (ص) وقال لأمير المؤمنين: إنك ستدعى إلى مثلها فتجيب على مضض وتمم الكتاب"
وبنى على اختلاف وتناقض الروايات ما يلى :
"توضيح وتصحيح:
فهذه الرواية إذن تعطينا صورة واضحة عن الجدال الذي احتدم بين علي أمير المؤمنين وبين سهيل بن عمرو، وهي صريحة في أنه لم يستجب لطلب سهيل بمحو اسم النبي (ص) من النبوة كما أنه لم يستجب لطلبه بمحو البسملة حتى طلب منه النبي (ص) ذلك، فمحاها طاعة لرسول الله (ص) لا استجابة لسهيل
ومن الواضح: أنه لم يكن ليطيع النبي (ص) في محو البسملة، ثم يعصيه في محو وصف الرسالة عن اسمه الشريف، لأن الطاعة التي دعته لمحو تلك، لا بد أن تدعوه لمحو هذه أيضا
كما أنه لم يكن ليتوهم: أن محو وصف الرسالة من الوثيقة معناه محوه (ص) من الرسالة حقيقة وواقعا ولأجل ذلك
ولأجل أن أعداء علي لم يجدوا أي مجال لتوجيه أي نقد أو لوم له في قصة الحديبية، ولأجل سائر الدلائل والشواهد، فإننا لا نجد حرجا في الأخذ بالرواية التي تذكر: أنه قد امتثل أمر النبي بمحو اسمه الشريف ورفض هذه الفقرة من هذه الرواية واعتبارها من اختراعات رواة السوء
وإذا أردنا أن نصر على قبول هذه الفقرة برغم ذلك كله فلا بد أن نقول: إن أمر النبي (ص) له بالمحو لم يكن على سبيل الإلزام والإيجاب، بل أريد منه إباحة ذلك له إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، ثم بادر (ص) لرفع الحرج الذي نشأء عن المشادة الكلامية بين علي وبين عدوه، فطلب (ص) منه أن يضع يده عليها ليمحوها، ولا يكلف عليا بذلك، لكي لا يكسره أمام عدوه اللجوج
ضع يدي عليها:
وإذا كنا قد أكدنا: عدم صحة ما يقال: من عدم طاعة علي لرسول الله، فإننا نقول: ربما هؤلاء الناس!! قد استعاروا قضية حصلت لآخرين، ليمنحوها لأمير المؤمنين على هذا النحو، بهدف إثارة التساؤلات حول مدى انقياده لرسول الله (ص)وسلم، فقد روي أن تميم بن جراشة قدم على النبي (ص) في وفد ثقيف فاسلموا، وسألوه أن يكتب كتابا فيه شروط
فقال: اكتبوا ما بدا لكم، ثم ايتوني به فأتوا عليا ليكتب لهم
قال تميم: فسألناه في كتابه: أن يحل لنا الربا والزنى فأبى علي أن يكتب لنا فسألناه خالد بن سعيد بن العاص فقال له علي: تدري ما تكتب
قال: اكتب ما قالوا: ورسول الله(ص) أولى بأمره
فذهبنا بالكتاب إلى لسول الله (ص)
فقال للقارئ: إقرء
فلما انتهى إلى الربا قال: ضع يدي عليها في الكتاب
فوضع يده فقال: {أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} الآية، ثم محاها وألقيت علينا السكينة فما راجعناه فلما بلغ الزنا وضع يده عليها، وقال: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة} الآية ثم محاه
وأمر بكتابنا أن ينسخ لنا، أخرجه أبو موسى
مفارقة، ولا أعجب منها:
والمفارقة التي تثير المزيد من التعجب والاستغراب هي: إننا في حين نجد البعض يحاول انطلاقا من دواعي الهوى والعصبية أن يسجل على أمير المؤمنين تهمة المخالفة لأمر رسول الله (ص)وسلم في كتابته لوثيقة الصلح
نجد البعض الآخر: يحاول ليس فقط تجاهل وجوده، ويستبعد ذكر اسمه، كما عن مروان والمسور بن مخرمة وغيرهما ـ كما يظهر بالمراجعة لعدد من المصادر ـ بل هو يزيد على ذلك حتى يصل به الأمر إلى درجة إنكار أن يكون علي هو كاتب الوثيقة أصلا
فقد روى عبد الرازق، عن ابن عباس، قال: كاتب الكتاب يوم الحديبية علي بن أبي طالب، ثم قال:
أخبرنا معمر، قال: سألت عنه الزهري، فضحك، وقال: هو علي بن أبي طالب ولو سألت عنه هؤلاء قالوا: عثمان يعني بني أمية
(وأخرج عمر بن شبة،من طريق عمرو بن سهيل بن عمرو، عن أبيه: الكتاب عندنا كاتبه محمد بن مسلمة انتهى
ويجمع بأن أصل كتاب الصلح بخط علي كما هو في الصحيح ونسخ مثله محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو) وأخرج ابن شبة من طريق: أن اسم الكتاب: محمد بن مسلمة
ولعل اسم علي لو لم يرد في الصحيح لكان لهؤلاء موقف آخر، وتحمس لجهة أخرى!!"
واستنتج العاملى أن هذا الحديث تم وضعه فيما بعد من قبل ألأمويين فقال :
"السر المكنون:
وبعدما تقدم نقول: إن اتهام علي بأنه قد خالف أمر رسول الله إنما حصل ـ فيما يظهر ـ بعد عشرات السنين من قضية الحديبية، بل لعله قد حصل في وقت متأخر من الحكم الأموي أي بعد وفاة مروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة، وأنس، وغيرهم
وذلك لما تقدم من أن هؤلاء وغيرهم قد رووا هذه القضية بصورة سليمة وقويمة أي من دون إشارة إلى تلك المخالفة المزعومة رغم أن فيهم الحاقدين على علي، إلى درجة أنهم لا يطيقون حتى ذكر اسمه في هذه القضية بالذات
ونستطيع أن نقول: إن تزوير الحقيقة في قضية كتابة الصلح قد جاء لعدة أسباب:
الأولى: الحفاظ على ماء وجه معاوية وحزبه الذين أصروا على محو كلمة (أمير المؤمنين) في قضية التحكيم بعد حرب صفين، الأمر الذي صدق نبوءة رسول الله (ص) حينما قال لعلي: لك مثلها ستعطيها، وأنت مضطهد، أو مظطر
الثاني: انكار فضيلة لأمير المؤمنين ظهرت من خلال نبوءة رسول الله (ص) بما سيحصل له من بعده، حسبما تقدم
الثالث: النيل من علي ،واتهامه بأمر شنيع وخطير
الرابع: أنه لا بدأن لا يبقى أحد من الصحابة إلا ويعترض على رسول الله، في أمر الصلح، ليبقى أبو بكر وحده هو الموافق، ليتبين علو مقامه، وليظهر فضله على من سواه حتى إنه ليصبح شريك النبي الأعظم (ص) في الإطلاع على الغيب، وهو حقيق بذلك
قال دحلان: (ولم يكن أحد في القوم راضيا بجميع ما يرضى به النبي (ص) غير أبي بكر الصديق (رض) وبهذا يتبين علو مقامه ويمكن أن الله كشف لقلبه،وأطلعه على بعض تلك الأسرار، التي ترتبت على ذلك الصلح، كما اطلع على ذلك النبي (ص)، فإنه حقيق بذلك (رض) كيف وقد قال النبي (ص): والله، ما صب الله في قلبي شيئا إلا وصببته في قلب أبي بكر) وإذا عرف السبب بطل العجب!!"
والكتاب كله مبنى على باطل هو وجود صلح الحديبية ففى القرآن لا يوجد شىء بهذا الاسم والموجود هو :
صلح مكة عند المسجد الحرام كما قال تعالى :
"إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام"
ومن ثم كل روايات صلح الحديبية بما فيها من مواقف متعددة لم تحدث ولم يكن منها أى شىء مما روى فى كتب الحديث وكتب التاريخ
ومن نظر فى الأحاديث وجد تناقضا بينا فى الكثير منها فمثلا موقف على نجد روايات تقول أنه اعترض على الرسول (ص) وروايات أنه اعترض على سهيل بن عمرو ومثلا روايات أن الكاتب على وروايات أخرى أن الكاتب محمد بن مسلمة ومثلا روايات أن على من محا رسول الله وروايات أن على من محى وكلها تناقضات تبين كذب الحكاية من المبدأ وحتى المنتهى