قراءة في خطبة سلامة الصدور
الخطيب سعود الشريم وهو تدور حول سلامة الصدور التى تعنى صفاء النفوس وقد استهلها بمطالبة الناس بالتقوى وبعد ذلك أخبرهم ان سلامة الصدر تجلب السعادة لصاحبها فقال :
"أمّا بعد:
فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوَى الله سبحانه، ومن ثَمَّ فاعلموا أنه ليس أسعَدَ للمرء ولا أشرَح لصدره ولا أهنَأ لروحه من أن يحيَا في مجتمَعِه بين الناسِ صافيَ القلب صفيَّ الروح سليمَ الطباع مُنسلاًّ من وساوِس الضّغينة وسَورَة الحقد والحسد والبغضِ والتشفّي وحبِّ الانتصار للذّات والانتقام من النّدِّ، له سُمُوٍّ قلب يُعلي ذكرَه ويرفع قدره"
وصاحب الصدر السليم كما قال يكون سعيدا عندما يعلم برزق غيره ويشكر الله أن رزقهم كما رزقه وهو قوله:
" ترونَ مثلَه مُهنِّئًا رضيًّا حينما يَرى النعمةَ تنساق إلى أحدٍ غيره، مدرِكًا فضلَ الله فيها على عبدِه، فتجِدون لسانَ حاله يلهَج بقول النبي فيما رواه أبو داودَ وغيره: ((اللّهمَّ ما أصبح بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد والشكر))."
وتحدث عن أن صاحب القلب الطاهر وهو سليم النفس يرثى لمن أضروا أو أذنبوا ويتمنى لهم الخير والتوبة وهو يحمد الله على معافاته فقال :
"ولا عجَبَ ـ عبادَ الله ـ في أنَّ طهارة مثلِ هذا القلب وزكاتَه لا تقف عند هذا الحدِّ فحسب، بل إنه متى رأى أذًى أو بَلاء يلحَق أحدًا من المسلمين أو يحُلّ قريبًا من دارِه رثى لحالِه، وتمنى له الفرجَ والغفرانَ من الله، ولم ينسَ حينَها أهمّيّةَ وأدِ الفرح بتَرَح الآخرين في مهدِه، فلا يلبَث أن تُسارِعه سلامةُ قلبه، ولِسانُ حالها يقول ما رواه الترمذيّ عن النبيِّ فيما يقولُه من رأَى مبتلى: ((الحمد لله الذي عافاني مما ابتَلاه به، وفضَّلني على كثير ممن خلَق تفضيلاً))."
وتحدث عن أن صاحب القلب الصافى يشبه الإناء المصفح لا يسيل منه ماء كما أن الرجل أو المرأة لا يقوم بالذنوب وفى هذا قال :
إ"نَّ مثَلَ قلبٍ هذه حالُه كمثَل الإناء المصفَّح يستحيل تسرُّبُ السائل منه البتّة، وهذا هو القَلب التقيُّ النّقيّ المشرِق الذي يبارِك الله فيه، فتتسارَع إليه الخيراتُ حَثيثةً من حيث لا يحتسِب، وصاحبُ هذا القلبِ هو الذي ينجو مكرَّمًا يومَ لا ينفَع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم."
ونقل تعريفا للقلب السليم فقال :
" قال سعيدُ بن المسيّب: "القلبُ السليم هو القلبُ الصحيح، وهو قلب المؤمن"، وسئِل ابن سيرينَ رحمه الله: ما القلبُ السليم؟ قال: "الناصِح لله عزّ وجل في خلقه"، أي: لا غشَّ فيه ولا حسَد ولا غلّ."
والتعريف خاطىء فسلامة القلب لا تعنى أنه لا يكون فيه غل لأن الغل وهو الكراهية ممكنة الوقوع بين المسلمين كما قال تعالى :
" فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"
وهذا الغل وهو الكراهية تنزع من الصدور وهى النفوس في الجنة كما قال تعالى :
" ونزعنا ما في صدورهم من غل أخوانا على سرر متقابلين"
وحدث الناس عن عرض أعمالهم على الله في يومى الاثنين والخنيس من كل أسبوع فقال :
"أيّها المسلمون، إنَّ ديننا الحنيفَ ليتحسَّس نفوسَ الناس بين الفينةِ والأخرى ليغسِلَها بالماء الزُّلال من أدرانِ الغَشَش ودخَنه، وليُذكِيَ فيها مشاعرَ الزّكاء والنقاءِ تجاهَ الناس والمجتمع، ومِن أعظمِ هذا التحسُّس المقرَّر هي تلكمُ المتابَعة المتكرِّرة في كلِّ أسبوعٍ مرَّتين، والتي تجعل من المرءِ حَكمًا على نفسِه؛ ليصحِّحَ ما به من خلَلٍ ويتداركَ ما بقِي أمامه من شعور، يتمثَّل ذلكم في قولِ النبي : ((تُعرَض الأعمال في كلّ اثنين وخميس، فيغفِر الله عز وجل في ذلك اليومِ لكلِّ امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا إلا امرَأً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذَين حتى يصطلِحا)) رواه مسلم."
والرواية باطلة والخطأ فيهاعرض الأعمال يومى الإثنين والخميس والسؤال الواجب هنا هو لماذا تعرض الأعمال على الله إذا كان يعلم بها من قبل وقوعها من قبل خلق الكون مصداق لقوله تعالى:
"ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها "
كما أن العرض يتم على من يجهل وليس على من يعلم
زد على هذا السؤال التالى لماذا تعرض فى هذين اليومين دون سائر الأيام ؟إن الله بين لنا أن كل شىء يكتب يوميا فقال تعالى:
"ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"
وتحدث عن كون المجتمع المسلم قائم على الحب وهو خطأ منه لأن المجتمع المسلم هو قائم على العدل لوجود كراهية بين العديد من المسلمين فقال:
"إنَّ المجتمعَ المسلم الصّفيَّ هو ذلِكم المجتمعُ الذي يقوم على عواطِفِ الحبِّ والتآلُف والبُعد عن الأَثَرة المشاعَةِ بين أفراده، ولا مكانَ فيه للفرديّة المتسلِّطَة ولا الشحِّ الكنود، بل حالُ نبيه وأفرادِه يُحيي في نفسِ المؤمن استحضارَ قولِ الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [محمد:29]، وقولِ الله تعالى مادِحًا صفةَ قوم: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، ويستحضِر قولَه تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]."
وتحدث عن حث الشرع على كل ما هو مفروض ومباح عند الله فقال :
"إنَّ شريعتَنا الغرّاء قد جاءت حاضَّةً على التّراحُم والتلاحم والعدلِ والإنصاف، ونبذِ التدابُر والتقاطُع والتباغُض والتحاسُد وبَذرِ الفِتَن وتأجيجِ الفرقة؛ لأنّ الإخلالَ بهذه المبادِئ ينمِّي جذورَ الخصومة ويضرِم أتّونَها ويفرِّع أشواكَها ويُذبِل زَهرَ المجتمَع الغضّ وينكأ جراحَه، فينشَأ الحِقدُ والطّيش بالألباب والتعبِئة النفسية الغوغائيّة التي تتدلَّى بمُواقِعِها إلى اقترانِِ ما ضرُّه أكبرُ من نَفعِه، حتى يكثرَ السّخَط فتعمَى العين عن النَظَر إلى مِن زاويةٍ داكِنة، بل يذهَب بها عضُّ الأنامِل من الغيظ إلى التخيِيل وقَبول الأكاذيب والاعتمادِ على خيوطٍ من حِبال أطيَاف التنازُع والصّراع والأمَل في الهيمَنَة المثاليّة والوعودِ الواهية، وذلك كلُّه مما ينهى عنه الإسلامُ ويذمُّ المجتمعاتِ طُرّا أن تقعَ في هُوَّتِه."
قطعا الله طالبنا بالعدل في المعاملة فهى التى تمنع الانتقام وغيره من الأمور السيئة داخل المجتمع وقد تكلم عن الخير الذى يقوم به المسلم من خلال كلام عام لا يعلم شيئا من الأحكام الخاصة فقال :
"إنَّ الغضاضةَ التي كرِه الإسلامُ تغلغُلَها في جوفِ بني آدَم والانتقامَ الذي يجاذِب قلبَه بين حدَثٍ وآخر إنما هو فيما كانَ مُتولِّدًا بسبَبِ الدّنيا أهوائها والطّمَع وحظوظِ النفس ولذائِذ الرياسةِ والاستئثارِ بالعاجل على الآجل، أمّا إذا كان السّبَب غضبًا وبُغضًا لله وفي الله وإظهارًا للحق وغيرةً على محارِم الله هَيعَةً للشّرَف والدِّين والعقلِ فهذا شأنٌ آخر له في النّدب والتحضِيضِ في الشريعةِ الإسلامية ما له، غيرَ مقطوعِ الصِّلة بالتذكير والتّأكيد على حُسنِ التفريق بين النصيحةِ والتّعيير وبين التصحِيحِ والتّشهير، والتحذير منَ الدَّعوةِ إلى الائتلاف بأبواقِ الفُرقة والتماسِ الأمنِ من خِلال تنفيرِ الصَّيدِ، والمسلمُ النّصوح ليس عليه جُناح إذا باشر قلبَه حبُّ النصحِ والتوجيه والإشفاق على أمّتِه ومجتَمَعه متجرِّدًا من أيِّ خطّ مشبوه أو لَوثة ممجوجَة، ولقد كان لنا في رسول الله أُسوَة حسنةٌ إذ تصِفه عائشة رضي الله عنها في مثلِ ذلك فتقول: ما انتقَمَ رسول الله لنفسِه إلا أن تُنتَهَك حُرمة الله، فينتَقِم لله بها. رواه البخاري ومسلم."
وتحدث عن كون سلامة الصدر مفقودة في مجتمعاتنا فقال:
"والحاصِل ـ عباد الله ـ أنَّ سلامةَ الصدر وسَعتَه في التعامُل مع الآخرين هو المِقبَض المفقود في أفئِدَة كثيرٍ من المجتمعات في هذا الزّمن إلا من رحِم الله وقليلاً ما هم، فكم نحن بحاجةٍ إلى ذلكم في ردمِ هوّةِ التجافي والشّحناء، وكم نحنُ في حاجةٍ إليه في تعامُلنا مع نوايَا الآخرين وكوامِنِهم، وفي تعامُلنا مع اجتهاداتِنا المطعَّمَة بالإخلاصِ ومحاوَراتنا الناشِدةِ للحقّ،"
وناقض الرجل نفسه بوجوب تفصيل معايير التعامل وهو ما كان يجب أن يفصله في خطبته بدلا من هذا الكلام العام فقال :
" وكم تحتاجُ المجتمعاتُ المسلمة إلى ذلكم في تحديدِ معاييرِ التعامُل الآنيِّ واليوميّ، بين الفردِ والأسرة والأسرةِ والمجتمع والناصِحِ والمنصوح، وكم نحن بحاجةٍ ماسّة إلى سلامةِ الصّدر وسَعته في نظرةِ المرؤوس إلى رئيسِه والمحكوم إلى حاكِمِه والعكس بالعكس، مع مراعاةِ هيبةِ هذا الجانبِ وخطورتِه وعنايةِ الإسلام به؛ لِمَا في مراعاتِه من تحقيقٍ للمصالح ودرءٍ للمفاسد. ويدلُّ لذلكم ما رواه الشيخان في قصّةِ أسامة بن زيد رضي الله عنهما حينما طلَبوا منه أن يكلِّم عثمانَ بنَ عفّان رضي الله عنه علانيّةً فقال لهم: والله، لقد كلّمتُه فيما بيني وبينَه دونَ أن أفتحَ بابًا أكون أوّلَ من يفتحُه، ولا أقولُ لأميرٍ إن كان أميرًا عليَّ أو على غيرِي: إنّه خير الناس.
وقد بيَّن القاضي عِياض والحافظُ ابن حجر أنَّ قصدَ أسامة رضي الله تعالى عنه أنّه كلّمَه سِرًّا دون أن يفتحَ بابَ الإنكار على الأئمّة علانيةً خشيةَ أن تفترِقَ الكلمة، لأنّه قال له في الروايةِ الأخرى: إنكم لتَرونَ ـ أي: تظنون ـ أنّي لا أكلِّمُه إلاّ أسمعتُكم؟! ثمّ عرّفهم أنه لا يُداهِن أحدًا ولو كان أميرًا، بل ينصَح له في السّرِّ جهده، فذلك أجدرُ بالقبول. انتهى كلامهما رحمهما الله."
وبالقطع حكاية الفتن كفتنة عثمان لا أصل لها كباقى الفتن التى تحكيها الأحاديث والتى تناقض كلها قوله تعالى :
" رضى الله عنهم ورضوا عنه"
وأعاد الحديث عن سلامة الصدر فقال :
"إنّه بمثل هذا التوازُن الذي يمليه على المرء سلامةُ صدره تجاهَ الآخرين ليبرِز الأفضليّةَ التي ذكرَها النبي بقوله حينما سئل: أيّ الناس أفضل؟ قال: ((كلُّ مخمومِ القلب صدوقِ اللسان))، قيل: صدوق اللسان نعرفه، فما مخمومُ القلب؟ قال: ((هو التقيّ النّقِيّ، لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسد)) رواه ابن ماجه."
والحديث باطل لأنه كما قلنا جوز الله وجود الغل بين بعض المسلمين في الدنيا وهو الذى يمحوه من القلوب في الجنة
وتحدث عن العلاقة بين الولاة وبين الناس فقال:
"كما لا ينبغي أن لا يغيبَ عنا أنّ هذا التوازنَ أيضًا كفيلٌ لبروز الخيريّة التي أشار إليها النبيّ بقوله: ((خِيارُ أئمّتِكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم، وتُصلّون عليهم ويصلون عليكم ـ أي: تدعون لهم ويدعون لكم ـ، وشِرار أئمّتكم الذين تبغِضونهم ويبغِضونكم، وتلعَنونهم ويلعنونكم)) رواه مسلم.
ألا فاتّقوا الله أيها المسلمون، وأنيبوا إلى ربكم، وأقيموا الصّلاةَ واتّقوه، وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:31، 32]."
وتحدث عن أن الناس يتعاملون برضا مع سليم القلب فقال :
"فيا أيّها الناس، إنّ من سلِم قلبُه واتَّسع صدرُه للنّاس ونصَح لهم وأشفقَ عليهم وكان مظهَره سببًا إلى مخبَره فإنّه سيُلقَى له القبولُ عند النّاس، عدوُّهم قبلَ صديقهم؛ لأنه لا يعرِف لحظّ النفس سبيلاً، ولا للانتِقام وحبِّ الانتصار دليلاً، ثم إنَّ للقلبِ السّليم مذاقًا وحلاوةً لا يعرِفها إلا من طعِمها، وشتّان ـ أيها المسلمون ـ بين قلبٍ سليم وبين قلب مليءٍ بالغلِّ والوساوِس وإعمالِ الفِكر في إدراك الانتصار للذّات."
ونقل قولا عن أن المسلم يكون لين القلب مع المسلمين شديد القسوة على المجرمين الذين يعتدون ظلما فقال :
"ولقد ضَرَب لنا الرعيلُ الأوّل أروعَ الأمثِلة في ذلك، فهَذا الفاروقُ رضي الله عنه يتحدَّث بعباراتٍ أبدى من خِلالها الإنصافَ من نفسه، فقال: (اعلَموا أنَّ تلكَ القسوةَ قد أُضعِفت، ولكنها إنما تكونُ على أهلِ الظّلم والتعدّي على المسلمين، فأما أهلُ السلامة والدِّين والقصدِ فأنا أليَنُ لهم من بعضِهم البعض، ولستُ أدعُ أحدًا يظلِم أحدًا أو يعتدِي عليه حتى أضعَ خدَّه وأضَع قدَمي على الخدِّ الآخر حتى يذعِنَ للحقّ، وإني بعدَ قَسوتي تلك أضَع خدِّي على الأرض لأهلِ العَفافِ وأهل الكفاف)."
والعبارة بهذا الشكل لا تصدر من عمر فإنها إن صدرت تكون بٌامة العقاب على المجرم وليس بالدوس على رأسه لأن ليس هذا عقاب من عقوبات المجرمين
ونقل الرجل لنا حديثا حكائيا فقال :
"وقد جاء في مسند أحمد من حديث أنس في قصّةِ الرجل الذي قال عنه النبيّ في مجلِسه: ((يطلع عليكم رجلٌ من أهلِ الجنة))، فطلع هذا الرجلُ وهو من الأنصار، وتكرّر قولُ النبيّ عن هذا الرجل ثلاثَ مرات في ثلاثة أيّام، فبات عبد الله بن عمرو بن العاصِ عند ذلك الرجلِ ليرى ما يفعَل من الطاعة، فلم يَر كبيرَ عمَلٍ فسأله: ما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ؟ فقال الرجل: ما هو إلاّ ما رأيتَ، فقال عبد الله: فلمّا ولّيتُ دعاني فقال: ما هو إلاّ ما رأيتَ، غيرَ أني لا أجِد في نفسي لأحدٍ منَ المسلمين عِشًّا ولا أحسدُ أحدًا على خيرٍ أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلَغَت بك."
والحديث باطل فالرجل لن يبيت مع رجل ثلاثة أيام تاركا زوجته وعياله في البيت
ونقل قولا أخر عن أن المسلم لا يحب ألذى لغيره فقال :
"ويسطِّر لنا شيخُ الإسلام ابن تيميةَ كلماتٍ ينبغي أن تدوِّي في قلبِ كلِّ مؤمن ناصح، إذ يتحدَّث لأصحابهِ عن خصومه وقد لاقى منهم ما لاقاه من الأذى والحسَد والمنازعة، فيقول: "تعلَمون ـ رضيَ الله عنكم جميعًا ـ أني لا أحِبّ أن يؤذَى أحدٌ من عمومِ المسلمين، فضلاً عن أصحابِنَا بشيءٍ أصلاً، لا باطِنًا ولا ظاهرًا، ولا أحِبّ أن يُنتصَر من أحدٍ بسببِ كذبِه عليَّ أو ظلمِه وعدوانه، فإني قد أحلَلتُ كلَّ مسلم، وأنا أحبّ الخيرَ لكلِّ المسلمين، وأريد لكلِّ مؤمنٍ منَ الخير ما أحِبّه لنفسي، والذين كذَبوا وظلَموا منهم في حِلٍّ من جهتي" انتهى كلامه
وأنهى الخطبة بالقولة الآتية:
"فالله أكبر ما أعظمَ تلكُم القلوبَ، واللهُ أكبر ما أعظمَ تلك الأجساد التي تحمِلها، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:62-64]."
الخطيب سعود الشريم وهو تدور حول سلامة الصدور التى تعنى صفاء النفوس وقد استهلها بمطالبة الناس بالتقوى وبعد ذلك أخبرهم ان سلامة الصدر تجلب السعادة لصاحبها فقال :
"أمّا بعد:
فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوَى الله سبحانه، ومن ثَمَّ فاعلموا أنه ليس أسعَدَ للمرء ولا أشرَح لصدره ولا أهنَأ لروحه من أن يحيَا في مجتمَعِه بين الناسِ صافيَ القلب صفيَّ الروح سليمَ الطباع مُنسلاًّ من وساوِس الضّغينة وسَورَة الحقد والحسد والبغضِ والتشفّي وحبِّ الانتصار للذّات والانتقام من النّدِّ، له سُمُوٍّ قلب يُعلي ذكرَه ويرفع قدره"
وصاحب الصدر السليم كما قال يكون سعيدا عندما يعلم برزق غيره ويشكر الله أن رزقهم كما رزقه وهو قوله:
" ترونَ مثلَه مُهنِّئًا رضيًّا حينما يَرى النعمةَ تنساق إلى أحدٍ غيره، مدرِكًا فضلَ الله فيها على عبدِه، فتجِدون لسانَ حاله يلهَج بقول النبي فيما رواه أبو داودَ وغيره: ((اللّهمَّ ما أصبح بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد والشكر))."
وتحدث عن أن صاحب القلب الطاهر وهو سليم النفس يرثى لمن أضروا أو أذنبوا ويتمنى لهم الخير والتوبة وهو يحمد الله على معافاته فقال :
"ولا عجَبَ ـ عبادَ الله ـ في أنَّ طهارة مثلِ هذا القلب وزكاتَه لا تقف عند هذا الحدِّ فحسب، بل إنه متى رأى أذًى أو بَلاء يلحَق أحدًا من المسلمين أو يحُلّ قريبًا من دارِه رثى لحالِه، وتمنى له الفرجَ والغفرانَ من الله، ولم ينسَ حينَها أهمّيّةَ وأدِ الفرح بتَرَح الآخرين في مهدِه، فلا يلبَث أن تُسارِعه سلامةُ قلبه، ولِسانُ حالها يقول ما رواه الترمذيّ عن النبيِّ فيما يقولُه من رأَى مبتلى: ((الحمد لله الذي عافاني مما ابتَلاه به، وفضَّلني على كثير ممن خلَق تفضيلاً))."
وتحدث عن أن صاحب القلب الصافى يشبه الإناء المصفح لا يسيل منه ماء كما أن الرجل أو المرأة لا يقوم بالذنوب وفى هذا قال :
إ"نَّ مثَلَ قلبٍ هذه حالُه كمثَل الإناء المصفَّح يستحيل تسرُّبُ السائل منه البتّة، وهذا هو القَلب التقيُّ النّقيّ المشرِق الذي يبارِك الله فيه، فتتسارَع إليه الخيراتُ حَثيثةً من حيث لا يحتسِب، وصاحبُ هذا القلبِ هو الذي ينجو مكرَّمًا يومَ لا ينفَع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم."
ونقل تعريفا للقلب السليم فقال :
" قال سعيدُ بن المسيّب: "القلبُ السليم هو القلبُ الصحيح، وهو قلب المؤمن"، وسئِل ابن سيرينَ رحمه الله: ما القلبُ السليم؟ قال: "الناصِح لله عزّ وجل في خلقه"، أي: لا غشَّ فيه ولا حسَد ولا غلّ."
والتعريف خاطىء فسلامة القلب لا تعنى أنه لا يكون فيه غل لأن الغل وهو الكراهية ممكنة الوقوع بين المسلمين كما قال تعالى :
" فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"
وهذا الغل وهو الكراهية تنزع من الصدور وهى النفوس في الجنة كما قال تعالى :
" ونزعنا ما في صدورهم من غل أخوانا على سرر متقابلين"
وحدث الناس عن عرض أعمالهم على الله في يومى الاثنين والخنيس من كل أسبوع فقال :
"أيّها المسلمون، إنَّ ديننا الحنيفَ ليتحسَّس نفوسَ الناس بين الفينةِ والأخرى ليغسِلَها بالماء الزُّلال من أدرانِ الغَشَش ودخَنه، وليُذكِيَ فيها مشاعرَ الزّكاء والنقاءِ تجاهَ الناس والمجتمع، ومِن أعظمِ هذا التحسُّس المقرَّر هي تلكمُ المتابَعة المتكرِّرة في كلِّ أسبوعٍ مرَّتين، والتي تجعل من المرءِ حَكمًا على نفسِه؛ ليصحِّحَ ما به من خلَلٍ ويتداركَ ما بقِي أمامه من شعور، يتمثَّل ذلكم في قولِ النبي : ((تُعرَض الأعمال في كلّ اثنين وخميس، فيغفِر الله عز وجل في ذلك اليومِ لكلِّ امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا إلا امرَأً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذَين حتى يصطلِحا)) رواه مسلم."
والرواية باطلة والخطأ فيهاعرض الأعمال يومى الإثنين والخميس والسؤال الواجب هنا هو لماذا تعرض الأعمال على الله إذا كان يعلم بها من قبل وقوعها من قبل خلق الكون مصداق لقوله تعالى:
"ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها "
كما أن العرض يتم على من يجهل وليس على من يعلم
زد على هذا السؤال التالى لماذا تعرض فى هذين اليومين دون سائر الأيام ؟إن الله بين لنا أن كل شىء يكتب يوميا فقال تعالى:
"ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"
وتحدث عن كون المجتمع المسلم قائم على الحب وهو خطأ منه لأن المجتمع المسلم هو قائم على العدل لوجود كراهية بين العديد من المسلمين فقال:
"إنَّ المجتمعَ المسلم الصّفيَّ هو ذلِكم المجتمعُ الذي يقوم على عواطِفِ الحبِّ والتآلُف والبُعد عن الأَثَرة المشاعَةِ بين أفراده، ولا مكانَ فيه للفرديّة المتسلِّطَة ولا الشحِّ الكنود، بل حالُ نبيه وأفرادِه يُحيي في نفسِ المؤمن استحضارَ قولِ الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [محمد:29]، وقولِ الله تعالى مادِحًا صفةَ قوم: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، ويستحضِر قولَه تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]."
وتحدث عن حث الشرع على كل ما هو مفروض ومباح عند الله فقال :
"إنَّ شريعتَنا الغرّاء قد جاءت حاضَّةً على التّراحُم والتلاحم والعدلِ والإنصاف، ونبذِ التدابُر والتقاطُع والتباغُض والتحاسُد وبَذرِ الفِتَن وتأجيجِ الفرقة؛ لأنّ الإخلالَ بهذه المبادِئ ينمِّي جذورَ الخصومة ويضرِم أتّونَها ويفرِّع أشواكَها ويُذبِل زَهرَ المجتمَع الغضّ وينكأ جراحَه، فينشَأ الحِقدُ والطّيش بالألباب والتعبِئة النفسية الغوغائيّة التي تتدلَّى بمُواقِعِها إلى اقترانِِ ما ضرُّه أكبرُ من نَفعِه، حتى يكثرَ السّخَط فتعمَى العين عن النَظَر إلى مِن زاويةٍ داكِنة، بل يذهَب بها عضُّ الأنامِل من الغيظ إلى التخيِيل وقَبول الأكاذيب والاعتمادِ على خيوطٍ من حِبال أطيَاف التنازُع والصّراع والأمَل في الهيمَنَة المثاليّة والوعودِ الواهية، وذلك كلُّه مما ينهى عنه الإسلامُ ويذمُّ المجتمعاتِ طُرّا أن تقعَ في هُوَّتِه."
قطعا الله طالبنا بالعدل في المعاملة فهى التى تمنع الانتقام وغيره من الأمور السيئة داخل المجتمع وقد تكلم عن الخير الذى يقوم به المسلم من خلال كلام عام لا يعلم شيئا من الأحكام الخاصة فقال :
"إنَّ الغضاضةَ التي كرِه الإسلامُ تغلغُلَها في جوفِ بني آدَم والانتقامَ الذي يجاذِب قلبَه بين حدَثٍ وآخر إنما هو فيما كانَ مُتولِّدًا بسبَبِ الدّنيا أهوائها والطّمَع وحظوظِ النفس ولذائِذ الرياسةِ والاستئثارِ بالعاجل على الآجل، أمّا إذا كان السّبَب غضبًا وبُغضًا لله وفي الله وإظهارًا للحق وغيرةً على محارِم الله هَيعَةً للشّرَف والدِّين والعقلِ فهذا شأنٌ آخر له في النّدب والتحضِيضِ في الشريعةِ الإسلامية ما له، غيرَ مقطوعِ الصِّلة بالتذكير والتّأكيد على حُسنِ التفريق بين النصيحةِ والتّعيير وبين التصحِيحِ والتّشهير، والتحذير منَ الدَّعوةِ إلى الائتلاف بأبواقِ الفُرقة والتماسِ الأمنِ من خِلال تنفيرِ الصَّيدِ، والمسلمُ النّصوح ليس عليه جُناح إذا باشر قلبَه حبُّ النصحِ والتوجيه والإشفاق على أمّتِه ومجتَمَعه متجرِّدًا من أيِّ خطّ مشبوه أو لَوثة ممجوجَة، ولقد كان لنا في رسول الله أُسوَة حسنةٌ إذ تصِفه عائشة رضي الله عنها في مثلِ ذلك فتقول: ما انتقَمَ رسول الله لنفسِه إلا أن تُنتَهَك حُرمة الله، فينتَقِم لله بها. رواه البخاري ومسلم."
وتحدث عن كون سلامة الصدر مفقودة في مجتمعاتنا فقال:
"والحاصِل ـ عباد الله ـ أنَّ سلامةَ الصدر وسَعتَه في التعامُل مع الآخرين هو المِقبَض المفقود في أفئِدَة كثيرٍ من المجتمعات في هذا الزّمن إلا من رحِم الله وقليلاً ما هم، فكم نحن بحاجةٍ إلى ذلكم في ردمِ هوّةِ التجافي والشّحناء، وكم نحنُ في حاجةٍ إليه في تعامُلنا مع نوايَا الآخرين وكوامِنِهم، وفي تعامُلنا مع اجتهاداتِنا المطعَّمَة بالإخلاصِ ومحاوَراتنا الناشِدةِ للحقّ،"
وناقض الرجل نفسه بوجوب تفصيل معايير التعامل وهو ما كان يجب أن يفصله في خطبته بدلا من هذا الكلام العام فقال :
" وكم تحتاجُ المجتمعاتُ المسلمة إلى ذلكم في تحديدِ معاييرِ التعامُل الآنيِّ واليوميّ، بين الفردِ والأسرة والأسرةِ والمجتمع والناصِحِ والمنصوح، وكم نحن بحاجةٍ ماسّة إلى سلامةِ الصّدر وسَعته في نظرةِ المرؤوس إلى رئيسِه والمحكوم إلى حاكِمِه والعكس بالعكس، مع مراعاةِ هيبةِ هذا الجانبِ وخطورتِه وعنايةِ الإسلام به؛ لِمَا في مراعاتِه من تحقيقٍ للمصالح ودرءٍ للمفاسد. ويدلُّ لذلكم ما رواه الشيخان في قصّةِ أسامة بن زيد رضي الله عنهما حينما طلَبوا منه أن يكلِّم عثمانَ بنَ عفّان رضي الله عنه علانيّةً فقال لهم: والله، لقد كلّمتُه فيما بيني وبينَه دونَ أن أفتحَ بابًا أكون أوّلَ من يفتحُه، ولا أقولُ لأميرٍ إن كان أميرًا عليَّ أو على غيرِي: إنّه خير الناس.
وقد بيَّن القاضي عِياض والحافظُ ابن حجر أنَّ قصدَ أسامة رضي الله تعالى عنه أنّه كلّمَه سِرًّا دون أن يفتحَ بابَ الإنكار على الأئمّة علانيةً خشيةَ أن تفترِقَ الكلمة، لأنّه قال له في الروايةِ الأخرى: إنكم لتَرونَ ـ أي: تظنون ـ أنّي لا أكلِّمُه إلاّ أسمعتُكم؟! ثمّ عرّفهم أنه لا يُداهِن أحدًا ولو كان أميرًا، بل ينصَح له في السّرِّ جهده، فذلك أجدرُ بالقبول. انتهى كلامهما رحمهما الله."
وبالقطع حكاية الفتن كفتنة عثمان لا أصل لها كباقى الفتن التى تحكيها الأحاديث والتى تناقض كلها قوله تعالى :
" رضى الله عنهم ورضوا عنه"
وأعاد الحديث عن سلامة الصدر فقال :
"إنّه بمثل هذا التوازُن الذي يمليه على المرء سلامةُ صدره تجاهَ الآخرين ليبرِز الأفضليّةَ التي ذكرَها النبي بقوله حينما سئل: أيّ الناس أفضل؟ قال: ((كلُّ مخمومِ القلب صدوقِ اللسان))، قيل: صدوق اللسان نعرفه، فما مخمومُ القلب؟ قال: ((هو التقيّ النّقِيّ، لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسد)) رواه ابن ماجه."
والحديث باطل لأنه كما قلنا جوز الله وجود الغل بين بعض المسلمين في الدنيا وهو الذى يمحوه من القلوب في الجنة
وتحدث عن العلاقة بين الولاة وبين الناس فقال:
"كما لا ينبغي أن لا يغيبَ عنا أنّ هذا التوازنَ أيضًا كفيلٌ لبروز الخيريّة التي أشار إليها النبيّ بقوله: ((خِيارُ أئمّتِكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم، وتُصلّون عليهم ويصلون عليكم ـ أي: تدعون لهم ويدعون لكم ـ، وشِرار أئمّتكم الذين تبغِضونهم ويبغِضونكم، وتلعَنونهم ويلعنونكم)) رواه مسلم.
ألا فاتّقوا الله أيها المسلمون، وأنيبوا إلى ربكم، وأقيموا الصّلاةَ واتّقوه، وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:31، 32]."
وتحدث عن أن الناس يتعاملون برضا مع سليم القلب فقال :
"فيا أيّها الناس، إنّ من سلِم قلبُه واتَّسع صدرُه للنّاس ونصَح لهم وأشفقَ عليهم وكان مظهَره سببًا إلى مخبَره فإنّه سيُلقَى له القبولُ عند النّاس، عدوُّهم قبلَ صديقهم؛ لأنه لا يعرِف لحظّ النفس سبيلاً، ولا للانتِقام وحبِّ الانتصار دليلاً، ثم إنَّ للقلبِ السّليم مذاقًا وحلاوةً لا يعرِفها إلا من طعِمها، وشتّان ـ أيها المسلمون ـ بين قلبٍ سليم وبين قلب مليءٍ بالغلِّ والوساوِس وإعمالِ الفِكر في إدراك الانتصار للذّات."
ونقل قولا عن أن المسلم يكون لين القلب مع المسلمين شديد القسوة على المجرمين الذين يعتدون ظلما فقال :
"ولقد ضَرَب لنا الرعيلُ الأوّل أروعَ الأمثِلة في ذلك، فهَذا الفاروقُ رضي الله عنه يتحدَّث بعباراتٍ أبدى من خِلالها الإنصافَ من نفسه، فقال: (اعلَموا أنَّ تلكَ القسوةَ قد أُضعِفت، ولكنها إنما تكونُ على أهلِ الظّلم والتعدّي على المسلمين، فأما أهلُ السلامة والدِّين والقصدِ فأنا أليَنُ لهم من بعضِهم البعض، ولستُ أدعُ أحدًا يظلِم أحدًا أو يعتدِي عليه حتى أضعَ خدَّه وأضَع قدَمي على الخدِّ الآخر حتى يذعِنَ للحقّ، وإني بعدَ قَسوتي تلك أضَع خدِّي على الأرض لأهلِ العَفافِ وأهل الكفاف)."
والعبارة بهذا الشكل لا تصدر من عمر فإنها إن صدرت تكون بٌامة العقاب على المجرم وليس بالدوس على رأسه لأن ليس هذا عقاب من عقوبات المجرمين
ونقل الرجل لنا حديثا حكائيا فقال :
"وقد جاء في مسند أحمد من حديث أنس في قصّةِ الرجل الذي قال عنه النبيّ في مجلِسه: ((يطلع عليكم رجلٌ من أهلِ الجنة))، فطلع هذا الرجلُ وهو من الأنصار، وتكرّر قولُ النبيّ عن هذا الرجل ثلاثَ مرات في ثلاثة أيّام، فبات عبد الله بن عمرو بن العاصِ عند ذلك الرجلِ ليرى ما يفعَل من الطاعة، فلم يَر كبيرَ عمَلٍ فسأله: ما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ؟ فقال الرجل: ما هو إلاّ ما رأيتَ، فقال عبد الله: فلمّا ولّيتُ دعاني فقال: ما هو إلاّ ما رأيتَ، غيرَ أني لا أجِد في نفسي لأحدٍ منَ المسلمين عِشًّا ولا أحسدُ أحدًا على خيرٍ أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلَغَت بك."
والحديث باطل فالرجل لن يبيت مع رجل ثلاثة أيام تاركا زوجته وعياله في البيت
ونقل قولا أخر عن أن المسلم لا يحب ألذى لغيره فقال :
"ويسطِّر لنا شيخُ الإسلام ابن تيميةَ كلماتٍ ينبغي أن تدوِّي في قلبِ كلِّ مؤمن ناصح، إذ يتحدَّث لأصحابهِ عن خصومه وقد لاقى منهم ما لاقاه من الأذى والحسَد والمنازعة، فيقول: "تعلَمون ـ رضيَ الله عنكم جميعًا ـ أني لا أحِبّ أن يؤذَى أحدٌ من عمومِ المسلمين، فضلاً عن أصحابِنَا بشيءٍ أصلاً، لا باطِنًا ولا ظاهرًا، ولا أحِبّ أن يُنتصَر من أحدٍ بسببِ كذبِه عليَّ أو ظلمِه وعدوانه، فإني قد أحلَلتُ كلَّ مسلم، وأنا أحبّ الخيرَ لكلِّ المسلمين، وأريد لكلِّ مؤمنٍ منَ الخير ما أحِبّه لنفسي، والذين كذَبوا وظلَموا منهم في حِلٍّ من جهتي" انتهى كلامه
وأنهى الخطبة بالقولة الآتية:
"فالله أكبر ما أعظمَ تلكُم القلوبَ، واللهُ أكبر ما أعظمَ تلك الأجساد التي تحمِلها، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:62-64]."