نقد قصة أبو القرن
الكتاب يدور حول حديث يحكى حكاية وقد استهلها المؤلف بذكر حديث عن أن بنى إسرائيل كتبوا كتابا فأطاعوه بديلا عن التوراة وفى هذا قال المؤلف :
" أما بعد ..
صاحبنا أبو القرن أخلص في فهم العقيدة والمنهج فحفظ الله به العقيدة والمنهج
في حديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" عن ربيع بن عميلة قال: حدثنا عبد الله، ما سمعنا حديثا هو أحسن منه إلا كتاب الله عز وجل، ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره. والحديث ذكره شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ في "الصحيحة" (2694) وعنون له بقوله: هل أصابنا ما أصابهم؟ وقال ولكن عندي وقفة في رفعه لأنه ليس صريحا فيه، ولكنه على كل حال في حكم المرفوع، والله أعلم.
وله شاهد مختصر جدا من رواية أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه، وتركوا التوراة" أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (5548)."
وأما الحديث الطويل فهو :
"نص الحديث
"إن بني إسرائيل لما طال الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم، استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فقالوا: اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل، فإن تابعوكم عليه، فاتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم، قال: لا، بل ابعثوا إلى فلان ـ رجل من علمائهم ـ فإن تابعكم فلن يختلف عليكم بعده أحد، فأرسلوا إليه فدعوه، فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله، ثم أدخلها في قرن، ثم علقها في عنقه، ثم لبس عليها الثياب، ثم أتاهم، فعرضوا عليه الكتاب فقالوا: تؤمن بهذا؟ فأشار إلى صدره ـ يعني الكتاب الذي في القرن ـ فقال: آمنت بهذا، ومالي لا أؤمن بهذا؟ فخلوا سبيله قال: وكان له أصحاب يغشونه فلما حضرته الوفاة أتوه، فلما نزعوا ثيابه وجدوا القرن في جوفه الكتاب، فقالوا: ألا ترون إلى قوله: آمنت بهذا ومالي لا أومن بهذا، فإنما عنى بـ (هذا) هذا الكتاب الذي في القرن قال: فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين فرقة، خير مللهم أصحاب أبي القرن"
ونص الحديث يدل على أنه باطل منكر موضوع لأن من اخترعوا الكتاب حسب نص الحديث هم بنو إسرائيل " إن بني إسرائيل لما طال الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم"
ومع هذا يقول الحديث أنهم عرضوا الحديث على بنى إسرائيل فى قولهم فقالوا: اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل، فإن تابعوكم عليه، فاتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم"
فإذا كانوا هم من اخترعوه فكيف يعرضونه على أنفسهم وهم يعرفونه؟
والغريب أنهم طلبوا قتل أنفسهم فى القول السابق
والأغرب أنهم اختلفوا بعد أبو القرن إلى 72 فرقة فى قولهم:
"فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين فرقة، خير مللهم أصحاب أبي القرن"
وهو كلام يتنافى مع اختلافهم المستمر حتى فى عهد موسى(ص) نفسه وفى عهود الرسل(ص) من بعده واتباعهم مثلا كلام الشياطين بعد موت سليمان(ص):
"واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا"
والخطأ ألخر هو كتابة العالم تاب الله فى ورقة واحدة وهو كلام لا يعقل أبدا فكيف يكتب الكتاب فى ورقة إلا أن تكون ذاكرة حاسوب مؤقتة( فلاشة أو ميمورى بلغتنا الدارجة)
وذكر المؤلف ما سماه فوائد الحديث فقال :
"فوائد الحديث
1/ من رحمة الله تعالى بأمة محمد أن لها العبرة والدرس مما وقع لبني إسرائيل، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.
2/ وفي الحديث أهمية معرفة السنة النبوية، وتقصي حقائقها من مظانها الصحيحة، للاستفادة من القصص الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاصة عمن حذرنا من أن نستن بسننهم اليهود والنصارى."
السؤال للمؤلف أين ذكرت السنة النبوية فى الحديث ؟
والحديث يدل على شىء واحد وهو كتاب الله فى قولهم" فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله، ثم أدخلها في قرن"؟
وما ينسب للنبى(ص) باسم السنة النبوية معظمه لم يقله وإنما هو مثل الكتاب المزعوم المفترى الذى طلبوا اتباعه
وقال:
3/ وفي الحديث بيان واضح أن ترك اتباع الكتاب والسنة الصحيحة، يؤدي إلى ضعف في الإيمان، وبمرور الوقت يعني تعدي الناس على كتاب الله تعالى؛ وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ بالتحريف، فإن لم يحرفوا الألفاظ، حرفوا المعاني اتباعا للهوى."
نفس الخطأ وهو اتباع السنة فى الحديث ولا يوجد ذكر فى الحديث سوى لكتاب الله
وقال :
4/ وفي الحديث بيان واضح أن الله تعالى يحق الحق بإذنه ومشيئته فيحول بين أهل الهوى ـ أهل الضلال والبغي والشهوات ـ، وبين ما يريدون الانتصار له من البدع والخزعبلات والتحريفات والضلالات والتعديات واللمز والغمز والهمز.
5/ وفي الحديث فضيحة بينة لهؤلاء المبتدعة أهل الضلال الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. وقد وصفهم الله تعالى في سورة البقرة بقوله: (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون)[101]. نقل القرطبي في الجامع قول الشعبي: هو بين أيديهم يقرؤونه؛ ولكن نبذوا العمل به. وقال سفيان بن عيينة: أدرجوه بالحرير والديباج، وحلوه بالذهب والفضة، ولم يحلوا حلاله، ولم يحرموا حرامه؛ فذلك النبذ.
قال الشيخ السعدي : وهذا أبلغ في الإعراض كأنهم في فعلهم هذا من الجاهلين، وهم يعلمون صدقه، وحقيقة ما جاء به. ثم قال:
ولما كان من العوائد القدسية والحكمة الإلهية، أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به ولم ينتفع، ابتلي بالاشتغال بما يضره، فمن ترك عبادة الرحمن ابتلي بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه، ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله، أنفقه في طاعة الشيطان، ومن ترك الذل لربه، ابتلي بالذل للعبيد، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل.أ.هـ
قال الكاتب: كذلك هؤلاء اليهود والنصارى لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلوا الشياطين وتختلق من السحر، وكذلك الناظر في أحوال مجتمعاتنا الآن يرى انصراف الناس إلى السحرة والمشعوذين وأهل الضلالات والبدع لأن قطاعا كبيرا من الناس آثر ترك الحق فابتلوا باتباع الباطل وأكبره اتباع الشياطين، قال تعالى في سورة بعدها: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر)..[102]. ثم قال الله تعالى بعدها: (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون)[103].
قال الشنقيطي : "ذكر الله تعالى في هذه الآية ـ يعني [101] من سورة البقرة ـ الكريمة أن كثيرا من اليهود نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ولم يؤمنوا به، وبين في موضع آخر أن هؤلاء الذين لم يؤمنوا بالكتاب هم الأكثر، وذلك في قوله تعالى في سورة آل عمران: (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) [110]".
وفي سورة آل عمران قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون)[187].
فقوله تعالى: (فنبذوه) أي: رموه وطرحوه. وقوله: (وراء ظهورهم) أي: تمثيل عن قلة مبالاتهم به، قال الشيخ أحمد بن يوسف، المعروف بالسمين الحلبي: لم يكتفوا بطرحه بل لا يهمون به، لأن الإنسان قد يرمي الشيء مع التفاته إليه.
أخرج ابن عبد البر عن مالك بن مغول في قوله تعالى: (فنبذوه وراء ظهورهم) قال: تركوا العمل به. وأخرج الخطيب البغدادي في كتابه "اقتضاء العلم العمل" عن عمر بن الخطاب قوله: لا يغرركم من قرأ القرآن إنما هو كلام نتكلم به، ولكن انظروا من يعمل به".
وقال الشيخ السعدي:
فأما الموفقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله، ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفا من إثم الكتمان. وأما الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق، وراء ظهورهم فلم يعبأوا بها، فكتموا الحق، وأظهروا الباطل، تجرؤا على محارم الله، وتهاونا بحقوقه تعالى، وحقوق الخلق، واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا، وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات، والأموال الحقيرة، من سفلتهم المتبعين أهوائهم، المقدمين شهواتهم على الحق. (فبئس ما يشترون) لأنه أخس العوض، والذي رغبوا عنه ـ وهو بيان الحق، الذي فيه السعادة الأبدية، والمصالح الدينية والدنيوية ـ أعظم المطالب وأجلها، فلم يختاروا الدين الخسيس ويتركوا العالي النفيس إلا لسوء حظهم وهوانهم وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له."
وما ذكره المؤلف من أن النبذ الرمى ومعناه ترك طاعة كتاب الله هو الصحيح وأما رميه على الأرض أو غير هذا فليس هو المراد
وقال :
6/ وفي الحديث بيان غرض آخر لهؤلاء الضلال متبعي الهوى، وهو حمل الناس بالقوة والشدة والإرهاب والغطرسة وحتى بالقتل ـ بعد التحريف الذي نالوا به كتاب الله وسنة نبيه ـ على الباطل الذي اخترعوه، وجاءوا به من عند أنفسهم فإذا تابعهم الناس على الباطل تركوهم، وإن تكلم العلماء وأهل العلم فيهم لمزوهم وغمزوهم وقتلوهم.
7/ وفي الحديث بيان رفيع لمنزلة العلماء، وأن هؤلاء الضلال لا يخفى عليهم أهل العلم والعلماء، وهو الذي بينه الله تعالى في الآية: (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون).
8/ وفي الحديث بيان أن العلماء ينظرون بنور الله تعالى ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته "."
ورقمى7و8 كلام باطل فهو يتحدث عن العلماء وكأنهم نسخة واحدة وليسوا صنفين علماء الحق وعلماء السوء والحديث المستشهد به باطل فالله لا يتداخل مع خلقه أى لا يحل فيهم لأنه ليس فى مكان لأنه كان ولا مكان والخطأ الثانى تردد الله والله ليس مخلوقا لا يتردد فى تقرير أى أمر وإنما قوله إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون والتردد هو سفة الخلق وهو لا يشبه خلقه كما قال " ليس كمثله شىء"
وقال :
9/ وفي الحديث فقه العلماء في الدين والواقع، خلافا لما يذهب إليه المتحمسون الذين فرغوا من فقه الدين والواقع.
10/ وفي الحديث بيان أن هذا الدين معلق في أعناق العلماء المخلصين وهو في قلوبهم ويلاحظ الطالب للحق ما ورد في نص الحديث: " فأرسلوا إليه فدعوه، فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله، ثم أدخلها في قرن، ثم علقها في عنقه".
وأن هذا الكتاب كتاب الله الذي كتبه بقي معلقا في عنقه حتى حضرته الوفاة.
11/ وفي الحديث فائدة: أن ما ذهب إليه العالم من التورية بقوله : فأشار إلى صدره ـ يعني الكتاب الذي في القرن ـ فقال: آمنت بهذا، ومالي لا أؤمن بهذا؟ فخلوا سبيله، مشروع في دين الله عز وجل، وله أسوة في نبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم، والتورية: أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه وإن كان كاذبا في ظاهر اللفظ بالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب.
ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذه الحال واستدل العلماء بجواز الكذب في هذه الحال بحديث أم كلثوم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا " (متفق عليه) وزاد مسلم في رواية: قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: " تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ".
وقال الحافظ في "الفتح" (5/300):
" واتفقوا على ان المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها، وكذا في الحرب في غير التأمين، واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم والله أعلم".أ.هـ
12/ بين الحديث أن هذا العالم من الربانيين وأنه امتثل قول الله تعالى كما هو في سورة آل عمران: (..ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) [79]. وامتثل قوله تعالى كما هو في سورة المائدة: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشوني ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) [44].
وقوله تعالى: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) [63].
أخرج الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه (1/51): عن محمد ابن عبد الواحد قال: سألت ثعلبا عن هذا الحرف (رباني) فقال: سألت ابن الأعرابي فقال: إذا كان الرجل عالما، عاملا، معلما، قيل له هذا رباني، فإن حرم عن خصلة منها، لم يقل له رباني.
" فالعالم الرباني هو الذي لا زيادة على فضله لفاضل، ولا منزلة فوق منزلته لمجتهد، وقد دخل في الوصف له بأنه رباني وصفه بالصفات التي يقتضيها العلم لأهله، ويمنع وصفه بما خالفها. ومعنى الرباني في اللغة: الرفيع الدرجة في العلم العالي المنزلة فيه، وعلى ذلك حملوا قول الله تعالى: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار) وقوله تعالى: (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ).
وفي تفسير أبي المظفر السمعاني نقل عن سعيد بن جبير قوله: الرباني: الفقيه العالم الذي يعمل بعلمه. وقال السمعاني ـ رحمه الله ـ والرباني من طريق المعنى: هو أن يكون على دين الرب، وعلى طريق الرب.
وقال مجاهد: الربانيون فوق الأحبار، فالأحبار العلماء، والربانيون: الذين جمعوا مع العلم البصيرة بسياسة الناس.
فالرباني: هو العالم البصير بسياسة الناس؛ فيربيهم على صغار العلم قبل كباره على منهاج النبوة.
وقال ابن كثير في قوله تعالى (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ): أي ولكن يقول الرسول للناس كونوا ربانيين، قال ابن عباس وأبو رزين وغير واحد: أي حكماء؛ علماء؛ حلماء.
وقوله تعالى (تعلمون الكتاب): قال الضحاك: حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيها، وقال ابن كثير: تعلمون: أي تفهمون، (وبما كنتم تدرسون): أي تحفظون ألفاظه.
13/ وفي الحديث الإشارة إلى اختلاف بني إسرائيل وأنهم تفرقوا إلى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة هي الناجية أصحاب صاحبنا أبو القرن، وانتصرت هذه الفرقة الناجية بإخلاص وثبات أبو القرن، قال الله تعالى في سورة الشورى: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)..[14]. وقال تعالى في سورة البينة: (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) [4].
وأختم الفوائد بالتساؤل الذي عنون شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ به للحديث:
هل أصابنا ما أصابهم؟ !!"
وكلمة الربانى تعنى من أطاع الرب فى أحكامه
الكتاب يدور حول حديث يحكى حكاية وقد استهلها المؤلف بذكر حديث عن أن بنى إسرائيل كتبوا كتابا فأطاعوه بديلا عن التوراة وفى هذا قال المؤلف :
" أما بعد ..
صاحبنا أبو القرن أخلص في فهم العقيدة والمنهج فحفظ الله به العقيدة والمنهج
في حديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" عن ربيع بن عميلة قال: حدثنا عبد الله، ما سمعنا حديثا هو أحسن منه إلا كتاب الله عز وجل، ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره. والحديث ذكره شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ في "الصحيحة" (2694) وعنون له بقوله: هل أصابنا ما أصابهم؟ وقال ولكن عندي وقفة في رفعه لأنه ليس صريحا فيه، ولكنه على كل حال في حكم المرفوع، والله أعلم.
وله شاهد مختصر جدا من رواية أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه، وتركوا التوراة" أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (5548)."
وأما الحديث الطويل فهو :
"نص الحديث
"إن بني إسرائيل لما طال الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم، استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فقالوا: اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل، فإن تابعوكم عليه، فاتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم، قال: لا، بل ابعثوا إلى فلان ـ رجل من علمائهم ـ فإن تابعكم فلن يختلف عليكم بعده أحد، فأرسلوا إليه فدعوه، فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله، ثم أدخلها في قرن، ثم علقها في عنقه، ثم لبس عليها الثياب، ثم أتاهم، فعرضوا عليه الكتاب فقالوا: تؤمن بهذا؟ فأشار إلى صدره ـ يعني الكتاب الذي في القرن ـ فقال: آمنت بهذا، ومالي لا أؤمن بهذا؟ فخلوا سبيله قال: وكان له أصحاب يغشونه فلما حضرته الوفاة أتوه، فلما نزعوا ثيابه وجدوا القرن في جوفه الكتاب، فقالوا: ألا ترون إلى قوله: آمنت بهذا ومالي لا أومن بهذا، فإنما عنى بـ (هذا) هذا الكتاب الذي في القرن قال: فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين فرقة، خير مللهم أصحاب أبي القرن"
ونص الحديث يدل على أنه باطل منكر موضوع لأن من اخترعوا الكتاب حسب نص الحديث هم بنو إسرائيل " إن بني إسرائيل لما طال الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم"
ومع هذا يقول الحديث أنهم عرضوا الحديث على بنى إسرائيل فى قولهم فقالوا: اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل، فإن تابعوكم عليه، فاتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم"
فإذا كانوا هم من اخترعوه فكيف يعرضونه على أنفسهم وهم يعرفونه؟
والغريب أنهم طلبوا قتل أنفسهم فى القول السابق
والأغرب أنهم اختلفوا بعد أبو القرن إلى 72 فرقة فى قولهم:
"فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين فرقة، خير مللهم أصحاب أبي القرن"
وهو كلام يتنافى مع اختلافهم المستمر حتى فى عهد موسى(ص) نفسه وفى عهود الرسل(ص) من بعده واتباعهم مثلا كلام الشياطين بعد موت سليمان(ص):
"واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا"
والخطأ ألخر هو كتابة العالم تاب الله فى ورقة واحدة وهو كلام لا يعقل أبدا فكيف يكتب الكتاب فى ورقة إلا أن تكون ذاكرة حاسوب مؤقتة( فلاشة أو ميمورى بلغتنا الدارجة)
وذكر المؤلف ما سماه فوائد الحديث فقال :
"فوائد الحديث
1/ من رحمة الله تعالى بأمة محمد أن لها العبرة والدرس مما وقع لبني إسرائيل، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.
2/ وفي الحديث أهمية معرفة السنة النبوية، وتقصي حقائقها من مظانها الصحيحة، للاستفادة من القصص الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاصة عمن حذرنا من أن نستن بسننهم اليهود والنصارى."
السؤال للمؤلف أين ذكرت السنة النبوية فى الحديث ؟
والحديث يدل على شىء واحد وهو كتاب الله فى قولهم" فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله، ثم أدخلها في قرن"؟
وما ينسب للنبى(ص) باسم السنة النبوية معظمه لم يقله وإنما هو مثل الكتاب المزعوم المفترى الذى طلبوا اتباعه
وقال:
3/ وفي الحديث بيان واضح أن ترك اتباع الكتاب والسنة الصحيحة، يؤدي إلى ضعف في الإيمان، وبمرور الوقت يعني تعدي الناس على كتاب الله تعالى؛ وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ بالتحريف، فإن لم يحرفوا الألفاظ، حرفوا المعاني اتباعا للهوى."
نفس الخطأ وهو اتباع السنة فى الحديث ولا يوجد ذكر فى الحديث سوى لكتاب الله
وقال :
4/ وفي الحديث بيان واضح أن الله تعالى يحق الحق بإذنه ومشيئته فيحول بين أهل الهوى ـ أهل الضلال والبغي والشهوات ـ، وبين ما يريدون الانتصار له من البدع والخزعبلات والتحريفات والضلالات والتعديات واللمز والغمز والهمز.
5/ وفي الحديث فضيحة بينة لهؤلاء المبتدعة أهل الضلال الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. وقد وصفهم الله تعالى في سورة البقرة بقوله: (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون)[101]. نقل القرطبي في الجامع قول الشعبي: هو بين أيديهم يقرؤونه؛ ولكن نبذوا العمل به. وقال سفيان بن عيينة: أدرجوه بالحرير والديباج، وحلوه بالذهب والفضة، ولم يحلوا حلاله، ولم يحرموا حرامه؛ فذلك النبذ.
قال الشيخ السعدي : وهذا أبلغ في الإعراض كأنهم في فعلهم هذا من الجاهلين، وهم يعلمون صدقه، وحقيقة ما جاء به. ثم قال:
ولما كان من العوائد القدسية والحكمة الإلهية، أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به ولم ينتفع، ابتلي بالاشتغال بما يضره، فمن ترك عبادة الرحمن ابتلي بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه، ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله، أنفقه في طاعة الشيطان، ومن ترك الذل لربه، ابتلي بالذل للعبيد، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل.أ.هـ
قال الكاتب: كذلك هؤلاء اليهود والنصارى لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلوا الشياطين وتختلق من السحر، وكذلك الناظر في أحوال مجتمعاتنا الآن يرى انصراف الناس إلى السحرة والمشعوذين وأهل الضلالات والبدع لأن قطاعا كبيرا من الناس آثر ترك الحق فابتلوا باتباع الباطل وأكبره اتباع الشياطين، قال تعالى في سورة بعدها: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر)..[102]. ثم قال الله تعالى بعدها: (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون)[103].
قال الشنقيطي : "ذكر الله تعالى في هذه الآية ـ يعني [101] من سورة البقرة ـ الكريمة أن كثيرا من اليهود نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ولم يؤمنوا به، وبين في موضع آخر أن هؤلاء الذين لم يؤمنوا بالكتاب هم الأكثر، وذلك في قوله تعالى في سورة آل عمران: (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) [110]".
وفي سورة آل عمران قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون)[187].
فقوله تعالى: (فنبذوه) أي: رموه وطرحوه. وقوله: (وراء ظهورهم) أي: تمثيل عن قلة مبالاتهم به، قال الشيخ أحمد بن يوسف، المعروف بالسمين الحلبي: لم يكتفوا بطرحه بل لا يهمون به، لأن الإنسان قد يرمي الشيء مع التفاته إليه.
أخرج ابن عبد البر عن مالك بن مغول في قوله تعالى: (فنبذوه وراء ظهورهم) قال: تركوا العمل به. وأخرج الخطيب البغدادي في كتابه "اقتضاء العلم العمل" عن عمر بن الخطاب قوله: لا يغرركم من قرأ القرآن إنما هو كلام نتكلم به، ولكن انظروا من يعمل به".
وقال الشيخ السعدي:
فأما الموفقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله، ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفا من إثم الكتمان. وأما الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق، وراء ظهورهم فلم يعبأوا بها، فكتموا الحق، وأظهروا الباطل، تجرؤا على محارم الله، وتهاونا بحقوقه تعالى، وحقوق الخلق، واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا، وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات، والأموال الحقيرة، من سفلتهم المتبعين أهوائهم، المقدمين شهواتهم على الحق. (فبئس ما يشترون) لأنه أخس العوض، والذي رغبوا عنه ـ وهو بيان الحق، الذي فيه السعادة الأبدية، والمصالح الدينية والدنيوية ـ أعظم المطالب وأجلها، فلم يختاروا الدين الخسيس ويتركوا العالي النفيس إلا لسوء حظهم وهوانهم وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له."
وما ذكره المؤلف من أن النبذ الرمى ومعناه ترك طاعة كتاب الله هو الصحيح وأما رميه على الأرض أو غير هذا فليس هو المراد
وقال :
6/ وفي الحديث بيان غرض آخر لهؤلاء الضلال متبعي الهوى، وهو حمل الناس بالقوة والشدة والإرهاب والغطرسة وحتى بالقتل ـ بعد التحريف الذي نالوا به كتاب الله وسنة نبيه ـ على الباطل الذي اخترعوه، وجاءوا به من عند أنفسهم فإذا تابعهم الناس على الباطل تركوهم، وإن تكلم العلماء وأهل العلم فيهم لمزوهم وغمزوهم وقتلوهم.
7/ وفي الحديث بيان رفيع لمنزلة العلماء، وأن هؤلاء الضلال لا يخفى عليهم أهل العلم والعلماء، وهو الذي بينه الله تعالى في الآية: (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون).
8/ وفي الحديث بيان أن العلماء ينظرون بنور الله تعالى ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته "."
ورقمى7و8 كلام باطل فهو يتحدث عن العلماء وكأنهم نسخة واحدة وليسوا صنفين علماء الحق وعلماء السوء والحديث المستشهد به باطل فالله لا يتداخل مع خلقه أى لا يحل فيهم لأنه ليس فى مكان لأنه كان ولا مكان والخطأ الثانى تردد الله والله ليس مخلوقا لا يتردد فى تقرير أى أمر وإنما قوله إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون والتردد هو سفة الخلق وهو لا يشبه خلقه كما قال " ليس كمثله شىء"
وقال :
9/ وفي الحديث فقه العلماء في الدين والواقع، خلافا لما يذهب إليه المتحمسون الذين فرغوا من فقه الدين والواقع.
10/ وفي الحديث بيان أن هذا الدين معلق في أعناق العلماء المخلصين وهو في قلوبهم ويلاحظ الطالب للحق ما ورد في نص الحديث: " فأرسلوا إليه فدعوه، فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله، ثم أدخلها في قرن، ثم علقها في عنقه".
وأن هذا الكتاب كتاب الله الذي كتبه بقي معلقا في عنقه حتى حضرته الوفاة.
11/ وفي الحديث فائدة: أن ما ذهب إليه العالم من التورية بقوله : فأشار إلى صدره ـ يعني الكتاب الذي في القرن ـ فقال: آمنت بهذا، ومالي لا أؤمن بهذا؟ فخلوا سبيله، مشروع في دين الله عز وجل، وله أسوة في نبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم، والتورية: أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه وإن كان كاذبا في ظاهر اللفظ بالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب.
ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذه الحال واستدل العلماء بجواز الكذب في هذه الحال بحديث أم كلثوم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا " (متفق عليه) وزاد مسلم في رواية: قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: " تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ".
وقال الحافظ في "الفتح" (5/300):
" واتفقوا على ان المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها، وكذا في الحرب في غير التأمين، واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم والله أعلم".أ.هـ
12/ بين الحديث أن هذا العالم من الربانيين وأنه امتثل قول الله تعالى كما هو في سورة آل عمران: (..ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) [79]. وامتثل قوله تعالى كما هو في سورة المائدة: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشوني ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) [44].
وقوله تعالى: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) [63].
أخرج الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه (1/51): عن محمد ابن عبد الواحد قال: سألت ثعلبا عن هذا الحرف (رباني) فقال: سألت ابن الأعرابي فقال: إذا كان الرجل عالما، عاملا، معلما، قيل له هذا رباني، فإن حرم عن خصلة منها، لم يقل له رباني.
" فالعالم الرباني هو الذي لا زيادة على فضله لفاضل، ولا منزلة فوق منزلته لمجتهد، وقد دخل في الوصف له بأنه رباني وصفه بالصفات التي يقتضيها العلم لأهله، ويمنع وصفه بما خالفها. ومعنى الرباني في اللغة: الرفيع الدرجة في العلم العالي المنزلة فيه، وعلى ذلك حملوا قول الله تعالى: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار) وقوله تعالى: (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ).
وفي تفسير أبي المظفر السمعاني نقل عن سعيد بن جبير قوله: الرباني: الفقيه العالم الذي يعمل بعلمه. وقال السمعاني ـ رحمه الله ـ والرباني من طريق المعنى: هو أن يكون على دين الرب، وعلى طريق الرب.
وقال مجاهد: الربانيون فوق الأحبار، فالأحبار العلماء، والربانيون: الذين جمعوا مع العلم البصيرة بسياسة الناس.
فالرباني: هو العالم البصير بسياسة الناس؛ فيربيهم على صغار العلم قبل كباره على منهاج النبوة.
وقال ابن كثير في قوله تعالى (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ): أي ولكن يقول الرسول للناس كونوا ربانيين، قال ابن عباس وأبو رزين وغير واحد: أي حكماء؛ علماء؛ حلماء.
وقوله تعالى (تعلمون الكتاب): قال الضحاك: حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيها، وقال ابن كثير: تعلمون: أي تفهمون، (وبما كنتم تدرسون): أي تحفظون ألفاظه.
13/ وفي الحديث الإشارة إلى اختلاف بني إسرائيل وأنهم تفرقوا إلى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة هي الناجية أصحاب صاحبنا أبو القرن، وانتصرت هذه الفرقة الناجية بإخلاص وثبات أبو القرن، قال الله تعالى في سورة الشورى: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)..[14]. وقال تعالى في سورة البينة: (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) [4].
وأختم الفوائد بالتساؤل الذي عنون شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ به للحديث:
هل أصابنا ما أصابهم؟ !!"
وكلمة الربانى تعنى من أطاع الرب فى أحكامه