قراءة في كتاب القابضون على الجمر
استهل الملف الكتاب بالحديث عن أنه سوف يتحدث عن صنف والحد من القابضين على الجمر وهو الشباب الذى يطلب العلم ويحافظ على دينه بشتى الوسائل فقال :
"أما بعد:
فعنوان حديثنا القابضون على الجمر، وهو كما تعلمون حديث عن النبي (ص)فقد أخبر - صلى الله عليه وسلم -"أنه يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر".
وهو ليس حديثا عن القابضين على الجمر بأصنافهم وأحوالهم وأمورهم؛ إنما هو حديث عن طائفة نحسبهم والله حسيبهم ممن يصدق عليهم هذا الوصف النبوي ."
وتحدث عن تعرض الأمة للمؤامرات المختلفة التى تهدف لابعاد الناس عن دينهم فقال :
"لقد مرت الأمة بجهود للتغريب، وجهود لسلخها عن دينها وإخراجها من عقيدتها، ولقد تضافرت جهود أعداء الأمة بصد الشباب وفتنتهم عن دين الله تبارك وتعالى، ورأينا صورا في عالمنا الإسلامي تدمي وتحزن وتحرك أشجان من كان له قلب، ومن يملك غيرة وعاطفة على هذه الأمة المباركة، من بعد شباب المسلمين عن الله تبارك وتعالى، ومن سير هؤلاء وراء قذارة وتقليعات هذه الحضارة المعاصرة، وسيرهم وراء أعداء الله "
وحدثنا عن أنه رغم الواقع المظلم لإلا أن هناك بصيص من النور هو الشباب الصالح فقال :
"وفي وسط هذا الواقع المظلم البائس، وفي وسط هذا الانحراف والبعد؛ رأينا نماذج فذة، ورأينا صورا إيجابية، رأينا صورا لامعة من ذلكم الشباب المتدين، الشباب الصالح.
وهاهم هؤلاء الشباب أمام مرأى المسلمين وجمعهم، هاهم يلتزمون بأمر الله تبارك وتعالى، ويستقيمون على طاعة الله عز وجل، في هذا العصر المائج المضطرب.
فحديثنا عن بعض الجوانب المشرقة من واقع هؤلاء القابضين على الجمر ."
وقد تحدث الكاتب عن سبب كلامه في الايجابيات التى رآها في هؤلاء الشباب الصالح فقال :
"لماذا الحديث عن الإيجابيات؟
الحديث عن هذا الموضوع له دوافع عدة :
أولها: أنه تثبيت لهؤلاء السائرين على هذا الطريق، والذين قد يواجهون ما يواجهون، فهم حين يشار لهم بما ميزهم الله به وخصهم به، وحين ترفع أمامهم هذه اللافتات؛ يزيدهم هذا ثباتا، ويزيدهم إصرارا في المضي على الطريق، ويزيدهم عزيمة لأن يحتملوا ما يصيبهم في هذا الطريق من اللأواء والنصب والنكد.
ثانيها: هذا الحديث دعوة لأولئك الذين لما يسلكوا هذا الطريق، أولئك الذين لا يزالون يسيرون في ركاب الغفلة والبعد عن الله تبارك وتعالى، فنقول لهم : هاهو الطريق، وهاهم أولاء قد سبقوكم، فبادروا فالميدان رحب واسع فسيح، لا يزال يتسع لكم ولأمثالكم، وأنتم طالما سمعتم الدعوة من خلال الترهيب من هذا المسلك السيئ الذي تسلكونه، ومن خلال التحذير من مغبة هذا الطريق المعوج الذي تسيرون عليه، لكن ربما كان ذكر بعض الجوانب المشرقة من الطريق الآخر الذي ندعوكم إليه، الطريق الذي سلكه أقرانكم وأترابكم، ووفقهم الله تبارك وتعالى، بل أكرمهم عز وجل بسلوكه، إنكم حين تعرفون مزايا هذا الطريق، وحين تعرفون الجوانب المشرقة، وحين تعرفون تلك المنزلة التي يصلها أولئك الذين جانبوا الشهوات واللذات، وهجروا اللهو واللعب وساروا في طريق الصالحين، إنكم حين تعرفون هذه الجوانب ربما كان هذا دافعا لكم أن تسيروا، وأن تلحقوا بالقافلة، وأن تدركوها، كما أن الخطر يتهددكم حين تمضون على هذا الطريق المظلم؛ فإن الطريق الآخر أمامكم مفروش بالأضواء، الطريق أمامكم يدعوكم ويقول :هلموا فإن الطريق لا تزال تتسع لكم ولغيركم .
ثالثها: لا نزال نسمع الحديث الكثير عن النقد لبعض المظاهر السلبية لواقع الشباب الصالحين، والحديث عن بعض الأخطاء التي يقعون فيها، وهو حديث لا شك أن الكثير منه يصدر بلغة النصح ومنطق الإشفاق على هؤلاء، والهدف الرائد له الإصلاح والتغيير، وأشعر أنني ممن يشارك أيضا في الحديث في هذا الأمر، فقد تحدثت كثيرا عن بعض الجوانب، وعن بعض الأخطاء والسلبيات التي ربما وقع فيها هؤلاء الشباب الأخيار، لكننا نخشى حينما يكثر الحديث عن هذه الجوانب السلبية، وحينما يكثر الحديث عن الأخطاء -وهو وإن كان بمنطق النصح والإشفاق - أن يحول الصورة لدينا إلى صورة سلبية، وإلى صورة بائسة، وأن نتصور أن الالتزام والاستقامة التي عليها هؤلاء الشباب لا تعدو أن تكون سرابا ووهما، وأنها قضية خادعة.
إن هؤلاء الشباب يقعون في أخطاء في عبادتهم لله تبارك وتعالى ويقصرون، إنهم يقعون في المعاصي، ويرتكبون طائفة منها، إنهم يقعون في أخطاء في دعوتهم إلى الله تبارك وتعالى، إنهم يقصرون في حقوق إخوانهم، في حقوق أهلهم، في هذا الجانب وذاك، حتى لا تكاد ترى جانبا من الجوانب إلا وترى الحديث عن الأخطاء حوله.
رابعها: أن الحديث عن هذه الجوانب المشرقة فيه دعوة للناس، أن يدركوا موقع هؤلاء الشباب الذين أكرمهم الله تبارك وتعالى بهذه الهداية والسير على هذا الطريق، أن يدركوا عظم منزلتهم ومكانتهم، وأن يدركوا قيمة هذا الإنجاز الذي حققوه؛ فيتعاطفوا معهم في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى التعاطف مع قضيتهم .
إن هؤلاء الشباب الأخيار مع ما من الله عز وجل عليهم من الهداية والاستقامة على طاعة الله، يواجهون أخطارا تهددهم، إنهم يواجهون الخطر الأكبر الذي يؤرقهم: أن يختلجوا من هذا الطريق، وأن يسلكوا بنيات الطريق فينحرفوا .
وهاهم يرون أنهم يعيشون في واقع يعج بالفتن والمغريات، واقع يدعوهم صباح مساء إلى أن يعرضوا عما هم عليه، واقع يدعوهم إلى أن يسيروا مع طريق الضلالة والغواية، ولا عجب فها نحن نرى فئاما من الشباب ممن كتب الله له الاستقامة والصلاح في أول عمره، ربما تنكب الطريق، وزاغ وضل، إنها قضية تؤرقهم، قضية تستدعي أن يتعاطف الجميع معهم في هذه القضية التي يرونها قضية القضايا عندهم، أن يتعاطف الآباء، وأن يتعاطف المصلحون، وأن يتعاطف الغيورون في مجتمعات المسلمين، وأن يدركوا أن هذا النشء، وهذا الجيل المبارك يستحق أن نحميه، ويستحق أن نثبته، ويستحق أن نعينه.
ولذلك وغيره رأيت أن أتحدث بعض هذه الجوانب التي كثيرا مانهملها وننساها.
وحديثنا لا يعدو أن يكون استثارة لصور نراها من واقع هذا النشء، ودعوة للتذكير بهذه الصور التي قد ننساها ."
هذه هى ألسباب التى دعت المؤلف للحديث عن الإيجابيات في الشباب الصالح دون السلبيات وقد شرح أنه قد ينطلق من عاطفة حب نحوهم فقال :
"قد تتهمني بأني أنطلق من منطلق عاطفة، وأنا لا أبرئ نفسي، ومعاذ الله أن أسعى إلى أن أتخلى عن هذه العاطفة، كيف لا وأنا أدين الله تبارك وتعالى، وأتعبد الله عز وجل بحب هذا الجيل المبارك، وهذا النشء المبارك، لقد أخبر (ص)في ما رواه طائفة من أصحابه في الصحيحين وغيرهما أن المرء يوم القيامة يحشر مع من أحب، فإنني أملك عاطفة تجاه هذا الجيل لأنه أطاع الله تبارك وتعالى، بل إنني أتعبد الله عز وجل بحب هذا الجيل، بالولاء له، بالتعاطف معه، وأشعر أن الإيمان وحب الله تبارك وتعالى يستلزم منا حب من يحب الله ويحبه الله تبارك وتعالى، أليس النبي (ص)قال:"ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله…"، "
وهذا الحديث باطل الغلط فيه أن حلاوة الإيمان تظهر في ثلاث والحقيقة أن الحلاوة والمرارة يظهران معا بسبب الإيمان فليس لٌيمان حلاوة فقط بل مرارة يجب تحملها وهى المصائب التى تصيب المسلم كما قال تعالى :
" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون"
وذكر حديث الظل فقال :
"ألم يخبر (ص)أن ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"
والحديث باطل هو ألأخر فكل المسلمين بكل أعمالهم الصالحة وليس السبعة فقط في ظل الجنة كما قال تعالى :
"والذين أمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا"
وبعد أن قال أنه يتحدث عن الشباب بعاطفة الحب ناقض نفسه فنفى الحديث بالعاطفة فقال :
" إنني حين أسعى إلى دفع تهمة العاطفة عن حديثي هذا فإنني أسعى إلى أن أتخلى عن واجب شرعي، وحق شرعي، في أن أحب من يطيع الله تبارك وتعالى ومن يحبه الله، بل إننا جميعا نتعبد الله بحب الصالحين، ونشعر أن مما يكرم الله عز وجل به من أحب الصالحين : أن يبلغهم منازلهم ولو لم يلحق بهم، لقد سئل (ص)عن المرء يحب القوم ولما يلحق بهم فقال (ص)"المرء مع من أحب" "
والحديث باطل فلو كان المرء مع من احب لدخل النبى محمد(ص) النار لأنه أحب بعض الكفار حتى قال الله له :
" إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء"
وإنما في الجنة بعمله وفى النار بعمله وليس مع من يحبهم
وحدثنا عن أنه مع وجود العاطفة وهى الشعور إلا أنه يتحكم من خلال حكم عادل فقال:
:فالدعوة إلى إلغاء الشعور بالعاطفة هاهنا دعوة غير مقبولة، لكن الذي ينبغي ألا تؤثر في الحكم والتقويم.
وقد تقول لي : إن هؤلاء يقعون في أخطاء وعيوب، فأقول: نعم لكننا لسنا في مقام التقويم، ولسنا في مقام المقاضاة، ولسنا في مقام الموازنة بين الأخطاء والمحاسن، بل أعلم وتعلمون أني تحدثت عن كثير من هذه الأخطاء في أكثر من مناسبة، وأن حديثي عن هذه الأخطاء أكثر من حديثي عن هذه الجوانب، فأنا حين أتحدث عن هذه الجوانب المشرقة لست أدعي العصمة، ولست أدعي السلامة من الأخطاء، ومن ذا الذي لا يذنب؟ ومن ذا الذي لا يقع في الخطأ؟ ولكن هذه الأخطاء مهما كثرت وعظمت لا يمكن أن تقارن بجوانب الإحسان وجوانب الخير، خاصة وأن كثيرا من الأخطاء ليس مصدره الهوى وتعمد العصيان وركوب طريق الغواية."
والرجل هنا يقر بأن جيل الشباب الصالح يرتكب أخطاء وذنوب ولكن يجب تشجيعهم على العمل الصالح وليس تثبيطهم لأن هذا يدفع بالأمة كلها نحو الهاوية
وتحدث عن إيجابيات الجيل فقال :
طإيجابيات هذا الجيل المبارك:
الأول : أنه من أسعد الناس بتحقق طائفة من الأوصاف الشرعية :
ومن ذلك قوله (ص):"يأتي على الناس زمان القابض فيهم على دينه كالقابض على الجمر" ، رواه الترمذي وأحمد وأبو داود .
إن هؤلاء قد استقاموا على طاعة الله تبارك وتعالى وابتعدوا عن الشهوات في عصر يعج بالفتن والشهوات، في عصر يدعوهم إلى ركوب الغواية، لا شك أنهم كالقابضين على الجمر.
وهم من أسعد الناس بقوله (ص):"بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء" وفسر النبي (ص)الغرباء بأنهم الذين يصلحون إذا فسد الناس، وأنهم أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم"
وحديث غربة الإسلام باطل لأن الإسلام كان دين آدم(ص) وزوجته وأولاده ومن ثم فلم يكن هناك سواه وإنما من بدأ غريبا هو الكفروفى هذا قال تعالى :
"ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى"
وتحدث عن أجر الدعوة فقال :
" فهنيئا لكم يا شباب الإسلام، وقد أخذتم على عاتقكم الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فأنتم بين إحدى الحسنيين؛ إن استجاب لكم الناس وأطاعوكم فأنتم من أسعد الناس بقوله (ص) "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا"، وإن عصاكم الناس وأعرضوا عن دعوتكم فأنتم سعداء بقوله (ص) "أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم""
وحديث أجور الدعوة وأخذ الداهية أجر وأجر من هداهم يتناقض مع أن الثواب وكذلك العقاب فردى كما قال تعالى :
"كل نفس بما كسبت رهينة"
فاهتداء المدعوين أجره لهم وليس للداعية وكرر حديث الظل فقال:
" وهذا النشء المبارك من أسعد الناس بقوله (ص) "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل وشاب نشأ في طاعة الله …"الحديث.
الثاني : استقامتهم على الدين في وسط يحتقر الدين والتدين :
إن العالم الإسلامي اليوم قد فتن بصورة من صور الردة عافانا الله وإياكم، صورة احتقار الدين واحتقار المتدينين، حتى أصبح بعض من المسلمين يستحي حين يصلي مع أقرانه، يستحي حين يعمل طاعة من الطاعات، يستحي حين يمتنع عن معصية من المعاصي، ولئن تفاوتت الدرجات أو الدركات حول هذه الخطيئة التي عمت في بلاد المسلمين، فإن مجتمعات المسلمين تشترك في أن لها نصيب وافر من احتقار الدين وأهل الديانة والتدين، ووصفهم بأقبح الأوصاف وأحطها، واتهامهم بهذه التهم، ومع ذلك يسير هؤلاء الشباب ويستقيمون على طاعة الله تبارك وتعالى ويحتملون ما يواجهونه من احتقار الناس، ولعلهم من أسعد الناس بقول الله تبارك وتعالى : { إنه كان فريق من عبادى يقولون ربنآ ءامنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الرحمين*فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكرى وكنتم منهم تضحكون*إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفآئزون } . وقوله تبارك وتعالى: { إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون*وإذا مروا بهم يتغامزون*وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين*وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضآلون*ومآ أرسلوا عليهم حافظين*فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون*على الارآئك ينظرون } .
قال ابن عبد البر :وقد دأب أهل العلم على الاحتجاج بما نزل من الآيات في الكفار على من تشبه بأعمالهم ولو كان من المسلمين .
أيها الشباب المبارك لا يهولنكم أن يسخر الناس بكم ما دمتم تعتزون بدين الله تبارك وتعالى، لقد أخبر الله عز وجل عن طائفة من المنافقين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات فقال تبارك وتعالى عنهم : { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم } . وأخبر تبارك وتعالى عن حال الذين يقولون لشياطينهم إنا معكم إنما نحن مستهزئون فقال : { الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون } أي منزلة أعلى وأكمل من أن يسخر الله تبارك وتعالى بأولئك الذين يسخرون بعباده الصالحين، وأن يستهزئ بالذين يستهزئون بهم، وأي خسارة وبوار لأولئك حين يتعرضون لسخرية الجبار، وأن يستهزئ بهم تبارك وتعالى .
إن استقامة هؤلاء الشباب وثباتهم في هذا الوسط الذي يحتقر الدين والمتدينين، ويعد من صفات القصور والنقص في المرء؛ أن يكون متدينا، إن هذا من أعظم الإيجابيات، ومن أعظم جوانب الإنجاز التي حققها هؤلاء .
الثالث :انتصاراتهم على شهواتهم في وسط مجتمع يعج بالفتن والشهوات:
إنها قضية أيها الأخوة ليست بحاجة إلى تمثيل، ليست بحاجة إلى بيان، وأنتم جميعا لستم بحاجة إلى أذكركم بما تعج به مجتمعات المسلمين من مظاهر الإغراء والرذيلة، تلك المظاهر التي تدعو الشباب وتدعو الفتيات إلى مواقع الرذيلة والفساد، حتى صارت الرذيلة تلاحق الشاب والفتاة، في الشارع وفي السوق، بل في منزله، ومع ذلك ينتصرون على شهواتهم ويسيرون في طريق العفة، بإذن الله
الرابع : أن هذا النشء المبارك قد أحيا سنة حفظ كتاب الله تبارك وتعالى
لقد كنا قبل سنوات في مجتمعنا يندر أن نرى إماما يصلي بالناس وهو حافظ لكتاب الله تبارك وتعالى، فضلا عن أن نجد شابا حافظا، حتى صار يقال :إن في بني فلان شاب أو رجل يحفظ كتاب الله، بل إنه كان من النادر أن تجد من يتقن تلاوة كتاب الله عز وجل ولو كان المصحف بين يديه.
أما الآن فها نحن نرى هذا الجيل المبارك، ها نحن نراه يتوافد ويقبل على كتاب الله تبارك وتعالى، ...وبحمد الله لا تكاد ترى شابا من هؤلاء الشباب المتدينين إلا وقد بدأ بحفظ كتاب الله وشرع فيه، حتى أولئك الذين قعدت بهم همتهم وقعد بهم كسلهم وفتورهم لا نزال نراهم يتساءلون في كل مناسبة : كيف أحفظ كتاب الله ؟ما الطريق إلى حفظ كتاب الله عز وجل، وهي صورة أوضح وأظهر من أن نشيد بها وأن نتحدث عنها .
الخامس: العلم الشرعي والعناية به وإحياؤه :
لقد مرت على مراكز العلم وحلقه ودروسه حالة من الجفاف، حالة من الفقر، كادت الأمة فيها أن تنسى العلم الشرعي ..إذا أردت مصداق ذلك فاذهب يمنة ويسرة وتأمل في حلق العلم، من هم روادها ؟ من هم الذين يثنون ركبهم في حلق العلم، في وقت يتوافد أترابهم وأقرانهم على أماكن اللهو والمتعة واللعب...وهانحن نرى بحمد الله الدراسات الشرعية والكليات الشرعية، تشهد إقبالا واسعا منقطع النظير من هذا الجيل بعد أن مرت بالأمة مرحلة يستحي الطالب فيها أن يقول أنه يدرس في كلية شرعية، وكان المسلمون يرون أنه من العيب والنقص في الشاب أن يدع سائر التخصصات ويقبل على العلم الشرعي.
إن رواج حلق العلم والإقبال على التخصصات الشرعية، ورواج الكتاب الإسلامي وانتشاره إن هذا دليل على إقبال الناشئة على العلم الشرعي، وهو بلا شك أمارة وعلامة على أن الأمة سائرة نحو المنهج الحق..
السادس : الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وحمل هم الإصلاح:
إن هذا الجيل وهذا النشء المبارك قد أخذ هذه الدعوة على عاتقه، هانحن نراه يصعد المنبر يخطب الناس أو يقف أمامهم واعظا أو داعيا بأي وسيلة من الوسائل، هانحن نراه يحيي الدعوة بمدرسته، في جامعته، في حيه، بل هانحن نرى هؤلاء هم أبرز الناس وأكثرهم حملا للدعوة
لقد أصبح هم الإصلاح وهم التغيير في مجتمعات المسلمين يسيطر عليهم بل يشغلهم عن سائر الهموم التي يهتم بها أقرانهم..
السابع :مساهمة كثير منهم في إصلاح بيوتهم:
كثيرة هي البيوت التي صلحت بدعوة شاب ربما لم يبلغ الحلم، أو لم يجاوز العشرين من عمره، وكثير من الآباء والأمهات الذين أصلحهم الله تبارك وتعالى واستقاموا وصلحت بيوتهم؛ فزالت منها المنكرات، واستقامت على طاعة الله تبارك وتعالى بسبب جهد شاب صالح أو فتاة صالحة من هذا النشء وهذا الجيل المبارك.
وطائفة ممن لم يستطيعوا إصلاح بيوتهم والتأثير عليها، قد بذلوا الجهد في ذلك؛ فهم كثيرا ما يتساءلون عن وسائل إصلاح بيوتهم، ويحدثونك بأن بذلوا هذه الوسيلة وتلك، وعملوا هذا الأمر، لكنهم لم يوفقوا ولم يستطيعوا، والنتائج بيد الله عز وجل.
الثامن : النفع للناس في أمور دنياهم :
إن هذا الجيل المبارك من الشباب والفتيات الصالحين قد أخذ على عاتقه حمل قضية الدعوة والإصلاح، وقد شعر أن قضية الناس الكبرى والأساس هي القضية التي خلقوا من أجلها، لعبادة الله تبارك وتعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ، وشعر أن أعظم خير ونفع يقدمه للناس هو أن يدعوهم إلى عبادة الله تبارك وتعالى وطاعته؛ فأخذ على عاتقه هذا الهم، ومع ذلك لم يكن ذلك مشغلا له عن أن يقوم بالواجب الآخر : أن ينفع الناس في أمور دنياهم، وهو أمر ظاهر بحمد الله، من هم الذين يتصدرون للإحسان إلى المحتاجين والفقراء؟ من هم الذين يقومون ويسهرون على المبرات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية؟ ويجهدون في نفع المسلمين في أمور دنياهم، في مسح دمعة يتيم، أو إطعام جائع في مسغبة، أو التخفيف عن مصاب في مصيبة؟
وقد أدرك أعداء الإسلام هذا الجانب، وشعروا أن هذه القضية قد تكسب هؤلاء بعدا عند الناس؛ ولهذا سعوا في حجب هذه الأدوار عن هؤلاء، لكن حالهم حال أولئك الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره .
التاسع : التفوق في سائر مجالات الحياة المختلفة :
مع ما شغل به هؤلاء، من الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ومن حفظ كتاب الله، وتعلم العلم الشرعي، ومن نصرة قضايا المسلمين والاشتغال بها؛ مع ذلك كله هاهم يثبتون للناس أنهم هم المتفوقون في مجالات الحياة، ...لقد سعى أعداء هذه الدعوة إلى أن يصوروا للأمة أن هذا التدين وهذه الاستقامة إنما هو إفراز لمشكلات نفسية، أو مشكلات اجتماعية واقتصادية، ....وفي إحدى الدول العربية -والتي كانت أول بلاد سعي فيها إلى تحرير المرأة ورفع الحجاب –كانت ثمانية من الطالبات العشر الأول في نتيجة الثانوية العامة على مستوى الدولة من الفتيات المحجبات، في بلد هي أول من نزع الحجاب
العاشر: أن اهتماماتهم تجاوزت اهتمامات الناس الفارغة :
ما هي القضايا التي تسيطر على هم المسلمين صغارا وكبارا، شيبا وشبانا؟ إنها قضية الدينار والدرهم، ...إن القضية التي تقلقه وتشغل باله هي: كيف يستقيم على طاعة الله؟ كيف يحفظ كتاب الله؟ كيف يحصل العلم الشرعي؟ كيف ينفع المسلمين؟ كيف يدعو إلى الله تبارك وتعالى؟
وهو إنجاز من أعظم الإنجازات، حينما يتجاوزون ما يهتم به سائر المسلمين والمسلمات ولسان حال أحدهم يقول: ( يا قوم أنتم في واد وأنا في واد، يا قوم لكم هم ولي هم آخر، لكم شأن ولي شأن آخر ) . وهذا جدير بهم أن يكونوا ممن يقولون يوم القيامة لله تبارك وتعالى حين يسألوا : قد مضى الناس ولم تمضوا، يقولون : يارب فارقنا الناس ونحن أحوج ما نكون إليهم، نعم لقد فارقناهم بالدنيا ونحن أحوج ما نكون إليهم، وها نحن نفارقهم يوم القيامة أحوج ما يكون الناس إلى ذلك، فنحن ننتظر ربنا تبارك وتعالى كما ورد ذلك عن النبي (ص)في حديث الشفاعة الطويل .
إنهم يغتنمون الفرص لكل ما فيه نصر للدين ودعوة إليه؛ فهم يتساءلون في كل مناسبة: ..يتساءلون كيف نستثمر هذا الموقف في الدعوة إلى الله عز وجل ؟ كيف نستغل هذا الوقت وهذا الموسم وهذه الفرصة في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ؟
في حين كانت القضية التي تشغل غيرهم في الإجازة هي قضية السفر واللهو واللعب، ؟
ولهم أسوة بنبيهم (ص)الذي كان لا يدع قضية من القضايا وبابا من الأبواب وميدانا من الميادين إلا ونشر فيه علما، ودعا فيه إلى الله تبارك وتعالى، أليس (ص)يأتي في موقف ربما لا يزيد أثره في الناس أن يستثير بعض عواطف الأمومة والأبوة نحوهم فيرى (ص)امرأة تأخذ طفلا من السبي فتضمه إلى صدرها فيستوقف أصحابه (ص)ويقول :"أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟" فيقولون : لا، فيقول:"لله أرحم بهذه من ولدها" أو يقول:"والله لا يلقي حبيبه في النار"
لقد كانت قضية الدعوة وقضية التعليم قضية تشغل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يستثمر كل هذه الفرص، ولهذا أخذ هذا النشء وهذا الجيل المبارك هذا الهدي المبارك منه (ص)فصار سؤاله في كل وقت : كيف يستثمر هذا الوقت في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى؟
الحادي عشر : أنه أحيا سنة الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى :
إن تجربة الجهد الأفغاني تجربة قريبة وتجربة لم ولن تنساها الأمة، في وقت كادت الأمة أن تنسى الجهاد وتنسى هذه الفريضة، بل للأسف كان بعض من يتصدر للتعليم وتدريس الناس الفقه يقفز باب الجهاد حين يصل إليه لأن الأمة قد نسيته ، وحين قام هذا الجهاد في تلك البلاد وفتح الميدان رأينا الشباب ممن لم يتجاوزوا العشرين أو تجاوزها بقليل، رأيناه يترك الدنيا ويترك الدينار والدرهم، ويترك كل ما يسير إليه الناس من متعهم، ويرحل إلى هناك إلى بلاد لا يعرف لغتهم، إلى بلاد لا يعرف طريقتهم، ولا يعرف حياتهم، ولسان حاله يقول وقد قال عبد الله بن رواحة حين ودع أصحابه وقالوا له حفظكم وردكم إلينا، قال : لا ردنا الله إليكم ، وقال:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة
أو طعنة بيدي حران مجهزة
حتى يقال إذا مروا على جدثي ... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
تغوص من الأحشاء تقذف الكبدا
يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
..لئن قالها صاحب بدعة وصاحب ضلالة، فهو يقولها وهو على السنة وهو يتمنى أن يرزقه الله الشهادة تحت لوائها.
وبعد أن نسيت الأمة صور الشهادة، ونسيت صور الجهاد، رأينا نماذج من هؤلاء، ممن قتلوا في سبيل الله -نحسبهم والله حسيبهم- من الشهداء في سبيل الله، فأحيوا فريضة الجهاد، وضربوا للأمة أروع الأمثلة في التضحية والبطولة والفداء، في وقت كان يسافر أترابهم وأقرانهم لقضاء الرذيلة، ولقضاء الشهوات المحرمة، وفي وقت كان يسافر فيه الكبار والصغار للنزهة، كان هؤلاء الشباب يسافرون لأن يتيسر لهم في تلك البلاد ما لا يتيسر لهم في بلادهم، أما هؤلاء فلهم شأن آخر وقضية أخرى وحياة أخرى.
وأولئك الذين لم تكتحل أعينهم برؤية ميدان الجهاد، ولم تتشنف أسماعهم بسماع صوت الجهاد ...إنها صورة تستحق الإشادة، وتستحق أن نحفل بها، وأن نشعر أنها من منجزات جيلنا المبارك، وكما قال (ص)"من خير معاش الناس لهم في دينهم ودنياهم رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة طار يبتغي القتل والموت من مظانه" .
الثالث عشر : أنهم قد أحيوا سنة الأخوة في الله :
لقد كادت الأمة أن تنسى الحب في الله والأخوة في الله، فجاء هذا النشء المبارك ليحيي معاني هذه الأخوة وليتأسى بنبيه (ص)والجيل المبارك الذين تآخوا على غير أرحام بينهم .
ولعل هؤلاء من أسعد الناس بقوله (ص) "رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"
الرابع عشر : موقف هؤلاء من المعاصي :
إن هؤلاء -شأنهم شأن سائر المسلمين- قد يقعون في المعصية وقد يواقعون الذنب، ومن هو الذي لا يقع في الذنب والمعصية؟"لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"
وهذا الحديث باطل وكلام الله يبين أنه أبقى الكفار وأجل عقاب الناس ولولا ذلك لأهلكهم جميعا كما قال :
"ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا"
وقال :
"و"كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون"كما قال (ص)
إن هؤلاء -وإن وقع أحدهم في المعصية - فحالهم مع المعصية ليست كحال سائر المسلمين، إن أحدهم ما يلبث أن يبادر إلى التوبة إلى الله والإقلاع، ولعله بهذا من أسعد الناس بقوله تبارك وتعالى : { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون * وإخوانهم يمدونهم في الغى ثم لا يقصرون } ، وبقوله تبارك وتعالى { : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين } ، ثم ذكر تبارك وتعالى في صفة هؤلاء أنهم { إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله } ، في حين يصر غيرهم على هذه المعاصي .
وهم لو وقعوا في المعصية فإن أحدهم يستعظم المعصية وتعظم عنده، كما قال ابن مسعود : "إن المؤمن يرى ذنبه كالجبل يوشك أن يقع عليه، وإن المنافق يرى ذنبه كذباب طار على أنفه فقال به هكذا".
كم يستهين كثير من المسلمين بالنظر الحرام بل يستنكر حين ينكر عليه هذا الأمر كم يستهينون بالكبائر والفواحش؟ أما هذا الجيل فإنك تراه حين تقع منه معصية أو نظرة محرمة فإنه يستعظمها ويقبل على الله عز وجل مستغفرا تائبا ويشعر أن هذه القضية تكاد وتوشك أن توبقه .
وهم أيضا لو وقعوا في المعصية فإنهم إنما يقعون وقوعا عارضا، فلا يسعون إلى المعصية، ولا يبحثون عنها، لكن قد يواقع أحدهم المعصية وقد غلبته شهوة وقد غلبه هوى، ولعله أسعد الناس بما قاله ابن القيم كما في مدارج السالكين : "والله تعالى إنما يغفر للعبد إذا كان وقوع الذنب منه على وجه غلبة الشهوة وقوة الطبيعة، فيواقع الذنب مع كراهته له من غير إصرار في نفسه، فهذا ترجى له مغفرة الله وصفحه وعفوه، لعلمه تعالى بضعفه وغلبة شهوته له وأنه يرى كل وقت مالا صبر له عليه. فهو إذا واقع الذنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لربه، خائف، مختلج في صدره شهوة النفس الذنب وكراهة الإيمان له، فهو يجيب داعي النفس تارة، وداعي الإيمان تارات. فأما من بنى أمره على أن لا يقف عن ذنب ولا يقدم خوفا ولا يدع لله شهوة، وهو فرح مسرور يضحك ظهرا لبطن إذا ظفر بالذنب، فهذا الذي يخاف عليه أن يحال بينه وبين التوبة ولا يوفق لها" .
وهم أيضا لو وقعوا في المعصية لا يجاهرون بها ويستحي أن يراه أحد عليها، ولا شك أن هذا بإذن الله دليل خير فكما قال (ص) " كل أمتي معافى إلا المجاهرين" "
والحديث باطل فالأمة هى أمة المسلمين وليست أمة محمد(ص) كما قال تعالى :
"وأن هذه أمتكم أمة واحدة"
وقال :
"ولعله أن ينطبق عليه قوله (ص)في حديث النجوى:" يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول عملت كذا وكذا؟ فيقول نعم، ويقول عملت كذا وكذا؟ فيقول نعم فيقرره ، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم""
والحديث باطل فالله لا يقرر أحد بذنبه ذنبا وإنما يسلم كتابه بما فيه من ذنوب وأعمال صالحة فقال :
"فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إنى ظننت أنى ملاق حسابيه "
وقال :
"وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتنى لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه"
استهل الملف الكتاب بالحديث عن أنه سوف يتحدث عن صنف والحد من القابضين على الجمر وهو الشباب الذى يطلب العلم ويحافظ على دينه بشتى الوسائل فقال :
"أما بعد:
فعنوان حديثنا القابضون على الجمر، وهو كما تعلمون حديث عن النبي (ص)فقد أخبر - صلى الله عليه وسلم -"أنه يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر".
وهو ليس حديثا عن القابضين على الجمر بأصنافهم وأحوالهم وأمورهم؛ إنما هو حديث عن طائفة نحسبهم والله حسيبهم ممن يصدق عليهم هذا الوصف النبوي ."
وتحدث عن تعرض الأمة للمؤامرات المختلفة التى تهدف لابعاد الناس عن دينهم فقال :
"لقد مرت الأمة بجهود للتغريب، وجهود لسلخها عن دينها وإخراجها من عقيدتها، ولقد تضافرت جهود أعداء الأمة بصد الشباب وفتنتهم عن دين الله تبارك وتعالى، ورأينا صورا في عالمنا الإسلامي تدمي وتحزن وتحرك أشجان من كان له قلب، ومن يملك غيرة وعاطفة على هذه الأمة المباركة، من بعد شباب المسلمين عن الله تبارك وتعالى، ومن سير هؤلاء وراء قذارة وتقليعات هذه الحضارة المعاصرة، وسيرهم وراء أعداء الله "
وحدثنا عن أنه رغم الواقع المظلم لإلا أن هناك بصيص من النور هو الشباب الصالح فقال :
"وفي وسط هذا الواقع المظلم البائس، وفي وسط هذا الانحراف والبعد؛ رأينا نماذج فذة، ورأينا صورا إيجابية، رأينا صورا لامعة من ذلكم الشباب المتدين، الشباب الصالح.
وهاهم هؤلاء الشباب أمام مرأى المسلمين وجمعهم، هاهم يلتزمون بأمر الله تبارك وتعالى، ويستقيمون على طاعة الله عز وجل، في هذا العصر المائج المضطرب.
فحديثنا عن بعض الجوانب المشرقة من واقع هؤلاء القابضين على الجمر ."
وقد تحدث الكاتب عن سبب كلامه في الايجابيات التى رآها في هؤلاء الشباب الصالح فقال :
"لماذا الحديث عن الإيجابيات؟
الحديث عن هذا الموضوع له دوافع عدة :
أولها: أنه تثبيت لهؤلاء السائرين على هذا الطريق، والذين قد يواجهون ما يواجهون، فهم حين يشار لهم بما ميزهم الله به وخصهم به، وحين ترفع أمامهم هذه اللافتات؛ يزيدهم هذا ثباتا، ويزيدهم إصرارا في المضي على الطريق، ويزيدهم عزيمة لأن يحتملوا ما يصيبهم في هذا الطريق من اللأواء والنصب والنكد.
ثانيها: هذا الحديث دعوة لأولئك الذين لما يسلكوا هذا الطريق، أولئك الذين لا يزالون يسيرون في ركاب الغفلة والبعد عن الله تبارك وتعالى، فنقول لهم : هاهو الطريق، وهاهم أولاء قد سبقوكم، فبادروا فالميدان رحب واسع فسيح، لا يزال يتسع لكم ولأمثالكم، وأنتم طالما سمعتم الدعوة من خلال الترهيب من هذا المسلك السيئ الذي تسلكونه، ومن خلال التحذير من مغبة هذا الطريق المعوج الذي تسيرون عليه، لكن ربما كان ذكر بعض الجوانب المشرقة من الطريق الآخر الذي ندعوكم إليه، الطريق الذي سلكه أقرانكم وأترابكم، ووفقهم الله تبارك وتعالى، بل أكرمهم عز وجل بسلوكه، إنكم حين تعرفون مزايا هذا الطريق، وحين تعرفون الجوانب المشرقة، وحين تعرفون تلك المنزلة التي يصلها أولئك الذين جانبوا الشهوات واللذات، وهجروا اللهو واللعب وساروا في طريق الصالحين، إنكم حين تعرفون هذه الجوانب ربما كان هذا دافعا لكم أن تسيروا، وأن تلحقوا بالقافلة، وأن تدركوها، كما أن الخطر يتهددكم حين تمضون على هذا الطريق المظلم؛ فإن الطريق الآخر أمامكم مفروش بالأضواء، الطريق أمامكم يدعوكم ويقول :هلموا فإن الطريق لا تزال تتسع لكم ولغيركم .
ثالثها: لا نزال نسمع الحديث الكثير عن النقد لبعض المظاهر السلبية لواقع الشباب الصالحين، والحديث عن بعض الأخطاء التي يقعون فيها، وهو حديث لا شك أن الكثير منه يصدر بلغة النصح ومنطق الإشفاق على هؤلاء، والهدف الرائد له الإصلاح والتغيير، وأشعر أنني ممن يشارك أيضا في الحديث في هذا الأمر، فقد تحدثت كثيرا عن بعض الجوانب، وعن بعض الأخطاء والسلبيات التي ربما وقع فيها هؤلاء الشباب الأخيار، لكننا نخشى حينما يكثر الحديث عن هذه الجوانب السلبية، وحينما يكثر الحديث عن الأخطاء -وهو وإن كان بمنطق النصح والإشفاق - أن يحول الصورة لدينا إلى صورة سلبية، وإلى صورة بائسة، وأن نتصور أن الالتزام والاستقامة التي عليها هؤلاء الشباب لا تعدو أن تكون سرابا ووهما، وأنها قضية خادعة.
إن هؤلاء الشباب يقعون في أخطاء في عبادتهم لله تبارك وتعالى ويقصرون، إنهم يقعون في المعاصي، ويرتكبون طائفة منها، إنهم يقعون في أخطاء في دعوتهم إلى الله تبارك وتعالى، إنهم يقصرون في حقوق إخوانهم، في حقوق أهلهم، في هذا الجانب وذاك، حتى لا تكاد ترى جانبا من الجوانب إلا وترى الحديث عن الأخطاء حوله.
رابعها: أن الحديث عن هذه الجوانب المشرقة فيه دعوة للناس، أن يدركوا موقع هؤلاء الشباب الذين أكرمهم الله تبارك وتعالى بهذه الهداية والسير على هذا الطريق، أن يدركوا عظم منزلتهم ومكانتهم، وأن يدركوا قيمة هذا الإنجاز الذي حققوه؛ فيتعاطفوا معهم في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى التعاطف مع قضيتهم .
إن هؤلاء الشباب الأخيار مع ما من الله عز وجل عليهم من الهداية والاستقامة على طاعة الله، يواجهون أخطارا تهددهم، إنهم يواجهون الخطر الأكبر الذي يؤرقهم: أن يختلجوا من هذا الطريق، وأن يسلكوا بنيات الطريق فينحرفوا .
وهاهم يرون أنهم يعيشون في واقع يعج بالفتن والمغريات، واقع يدعوهم صباح مساء إلى أن يعرضوا عما هم عليه، واقع يدعوهم إلى أن يسيروا مع طريق الضلالة والغواية، ولا عجب فها نحن نرى فئاما من الشباب ممن كتب الله له الاستقامة والصلاح في أول عمره، ربما تنكب الطريق، وزاغ وضل، إنها قضية تؤرقهم، قضية تستدعي أن يتعاطف الجميع معهم في هذه القضية التي يرونها قضية القضايا عندهم، أن يتعاطف الآباء، وأن يتعاطف المصلحون، وأن يتعاطف الغيورون في مجتمعات المسلمين، وأن يدركوا أن هذا النشء، وهذا الجيل المبارك يستحق أن نحميه، ويستحق أن نثبته، ويستحق أن نعينه.
ولذلك وغيره رأيت أن أتحدث بعض هذه الجوانب التي كثيرا مانهملها وننساها.
وحديثنا لا يعدو أن يكون استثارة لصور نراها من واقع هذا النشء، ودعوة للتذكير بهذه الصور التي قد ننساها ."
هذه هى ألسباب التى دعت المؤلف للحديث عن الإيجابيات في الشباب الصالح دون السلبيات وقد شرح أنه قد ينطلق من عاطفة حب نحوهم فقال :
"قد تتهمني بأني أنطلق من منطلق عاطفة، وأنا لا أبرئ نفسي، ومعاذ الله أن أسعى إلى أن أتخلى عن هذه العاطفة، كيف لا وأنا أدين الله تبارك وتعالى، وأتعبد الله عز وجل بحب هذا الجيل المبارك، وهذا النشء المبارك، لقد أخبر (ص)في ما رواه طائفة من أصحابه في الصحيحين وغيرهما أن المرء يوم القيامة يحشر مع من أحب، فإنني أملك عاطفة تجاه هذا الجيل لأنه أطاع الله تبارك وتعالى، بل إنني أتعبد الله عز وجل بحب هذا الجيل، بالولاء له، بالتعاطف معه، وأشعر أن الإيمان وحب الله تبارك وتعالى يستلزم منا حب من يحب الله ويحبه الله تبارك وتعالى، أليس النبي (ص)قال:"ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله…"، "
وهذا الحديث باطل الغلط فيه أن حلاوة الإيمان تظهر في ثلاث والحقيقة أن الحلاوة والمرارة يظهران معا بسبب الإيمان فليس لٌيمان حلاوة فقط بل مرارة يجب تحملها وهى المصائب التى تصيب المسلم كما قال تعالى :
" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون"
وذكر حديث الظل فقال :
"ألم يخبر (ص)أن ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"
والحديث باطل هو ألأخر فكل المسلمين بكل أعمالهم الصالحة وليس السبعة فقط في ظل الجنة كما قال تعالى :
"والذين أمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا"
وبعد أن قال أنه يتحدث عن الشباب بعاطفة الحب ناقض نفسه فنفى الحديث بالعاطفة فقال :
" إنني حين أسعى إلى دفع تهمة العاطفة عن حديثي هذا فإنني أسعى إلى أن أتخلى عن واجب شرعي، وحق شرعي، في أن أحب من يطيع الله تبارك وتعالى ومن يحبه الله، بل إننا جميعا نتعبد الله بحب الصالحين، ونشعر أن مما يكرم الله عز وجل به من أحب الصالحين : أن يبلغهم منازلهم ولو لم يلحق بهم، لقد سئل (ص)عن المرء يحب القوم ولما يلحق بهم فقال (ص)"المرء مع من أحب" "
والحديث باطل فلو كان المرء مع من احب لدخل النبى محمد(ص) النار لأنه أحب بعض الكفار حتى قال الله له :
" إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء"
وإنما في الجنة بعمله وفى النار بعمله وليس مع من يحبهم
وحدثنا عن أنه مع وجود العاطفة وهى الشعور إلا أنه يتحكم من خلال حكم عادل فقال:
:فالدعوة إلى إلغاء الشعور بالعاطفة هاهنا دعوة غير مقبولة، لكن الذي ينبغي ألا تؤثر في الحكم والتقويم.
وقد تقول لي : إن هؤلاء يقعون في أخطاء وعيوب، فأقول: نعم لكننا لسنا في مقام التقويم، ولسنا في مقام المقاضاة، ولسنا في مقام الموازنة بين الأخطاء والمحاسن، بل أعلم وتعلمون أني تحدثت عن كثير من هذه الأخطاء في أكثر من مناسبة، وأن حديثي عن هذه الأخطاء أكثر من حديثي عن هذه الجوانب، فأنا حين أتحدث عن هذه الجوانب المشرقة لست أدعي العصمة، ولست أدعي السلامة من الأخطاء، ومن ذا الذي لا يذنب؟ ومن ذا الذي لا يقع في الخطأ؟ ولكن هذه الأخطاء مهما كثرت وعظمت لا يمكن أن تقارن بجوانب الإحسان وجوانب الخير، خاصة وأن كثيرا من الأخطاء ليس مصدره الهوى وتعمد العصيان وركوب طريق الغواية."
والرجل هنا يقر بأن جيل الشباب الصالح يرتكب أخطاء وذنوب ولكن يجب تشجيعهم على العمل الصالح وليس تثبيطهم لأن هذا يدفع بالأمة كلها نحو الهاوية
وتحدث عن إيجابيات الجيل فقال :
طإيجابيات هذا الجيل المبارك:
الأول : أنه من أسعد الناس بتحقق طائفة من الأوصاف الشرعية :
ومن ذلك قوله (ص):"يأتي على الناس زمان القابض فيهم على دينه كالقابض على الجمر" ، رواه الترمذي وأحمد وأبو داود .
إن هؤلاء قد استقاموا على طاعة الله تبارك وتعالى وابتعدوا عن الشهوات في عصر يعج بالفتن والشهوات، في عصر يدعوهم إلى ركوب الغواية، لا شك أنهم كالقابضين على الجمر.
وهم من أسعد الناس بقوله (ص):"بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء" وفسر النبي (ص)الغرباء بأنهم الذين يصلحون إذا فسد الناس، وأنهم أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم"
وحديث غربة الإسلام باطل لأن الإسلام كان دين آدم(ص) وزوجته وأولاده ومن ثم فلم يكن هناك سواه وإنما من بدأ غريبا هو الكفروفى هذا قال تعالى :
"ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى"
وتحدث عن أجر الدعوة فقال :
" فهنيئا لكم يا شباب الإسلام، وقد أخذتم على عاتقكم الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فأنتم بين إحدى الحسنيين؛ إن استجاب لكم الناس وأطاعوكم فأنتم من أسعد الناس بقوله (ص) "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا"، وإن عصاكم الناس وأعرضوا عن دعوتكم فأنتم سعداء بقوله (ص) "أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم""
وحديث أجور الدعوة وأخذ الداهية أجر وأجر من هداهم يتناقض مع أن الثواب وكذلك العقاب فردى كما قال تعالى :
"كل نفس بما كسبت رهينة"
فاهتداء المدعوين أجره لهم وليس للداعية وكرر حديث الظل فقال:
" وهذا النشء المبارك من أسعد الناس بقوله (ص) "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل وشاب نشأ في طاعة الله …"الحديث.
الثاني : استقامتهم على الدين في وسط يحتقر الدين والتدين :
إن العالم الإسلامي اليوم قد فتن بصورة من صور الردة عافانا الله وإياكم، صورة احتقار الدين واحتقار المتدينين، حتى أصبح بعض من المسلمين يستحي حين يصلي مع أقرانه، يستحي حين يعمل طاعة من الطاعات، يستحي حين يمتنع عن معصية من المعاصي، ولئن تفاوتت الدرجات أو الدركات حول هذه الخطيئة التي عمت في بلاد المسلمين، فإن مجتمعات المسلمين تشترك في أن لها نصيب وافر من احتقار الدين وأهل الديانة والتدين، ووصفهم بأقبح الأوصاف وأحطها، واتهامهم بهذه التهم، ومع ذلك يسير هؤلاء الشباب ويستقيمون على طاعة الله تبارك وتعالى ويحتملون ما يواجهونه من احتقار الناس، ولعلهم من أسعد الناس بقول الله تبارك وتعالى : { إنه كان فريق من عبادى يقولون ربنآ ءامنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الرحمين*فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكرى وكنتم منهم تضحكون*إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفآئزون } . وقوله تبارك وتعالى: { إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون*وإذا مروا بهم يتغامزون*وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين*وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضآلون*ومآ أرسلوا عليهم حافظين*فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون*على الارآئك ينظرون } .
قال ابن عبد البر :وقد دأب أهل العلم على الاحتجاج بما نزل من الآيات في الكفار على من تشبه بأعمالهم ولو كان من المسلمين .
أيها الشباب المبارك لا يهولنكم أن يسخر الناس بكم ما دمتم تعتزون بدين الله تبارك وتعالى، لقد أخبر الله عز وجل عن طائفة من المنافقين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات فقال تبارك وتعالى عنهم : { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم } . وأخبر تبارك وتعالى عن حال الذين يقولون لشياطينهم إنا معكم إنما نحن مستهزئون فقال : { الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون } أي منزلة أعلى وأكمل من أن يسخر الله تبارك وتعالى بأولئك الذين يسخرون بعباده الصالحين، وأن يستهزئ بالذين يستهزئون بهم، وأي خسارة وبوار لأولئك حين يتعرضون لسخرية الجبار، وأن يستهزئ بهم تبارك وتعالى .
إن استقامة هؤلاء الشباب وثباتهم في هذا الوسط الذي يحتقر الدين والمتدينين، ويعد من صفات القصور والنقص في المرء؛ أن يكون متدينا، إن هذا من أعظم الإيجابيات، ومن أعظم جوانب الإنجاز التي حققها هؤلاء .
الثالث :انتصاراتهم على شهواتهم في وسط مجتمع يعج بالفتن والشهوات:
إنها قضية أيها الأخوة ليست بحاجة إلى تمثيل، ليست بحاجة إلى بيان، وأنتم جميعا لستم بحاجة إلى أذكركم بما تعج به مجتمعات المسلمين من مظاهر الإغراء والرذيلة، تلك المظاهر التي تدعو الشباب وتدعو الفتيات إلى مواقع الرذيلة والفساد، حتى صارت الرذيلة تلاحق الشاب والفتاة، في الشارع وفي السوق، بل في منزله، ومع ذلك ينتصرون على شهواتهم ويسيرون في طريق العفة، بإذن الله
الرابع : أن هذا النشء المبارك قد أحيا سنة حفظ كتاب الله تبارك وتعالى
لقد كنا قبل سنوات في مجتمعنا يندر أن نرى إماما يصلي بالناس وهو حافظ لكتاب الله تبارك وتعالى، فضلا عن أن نجد شابا حافظا، حتى صار يقال :إن في بني فلان شاب أو رجل يحفظ كتاب الله، بل إنه كان من النادر أن تجد من يتقن تلاوة كتاب الله عز وجل ولو كان المصحف بين يديه.
أما الآن فها نحن نرى هذا الجيل المبارك، ها نحن نراه يتوافد ويقبل على كتاب الله تبارك وتعالى، ...وبحمد الله لا تكاد ترى شابا من هؤلاء الشباب المتدينين إلا وقد بدأ بحفظ كتاب الله وشرع فيه، حتى أولئك الذين قعدت بهم همتهم وقعد بهم كسلهم وفتورهم لا نزال نراهم يتساءلون في كل مناسبة : كيف أحفظ كتاب الله ؟ما الطريق إلى حفظ كتاب الله عز وجل، وهي صورة أوضح وأظهر من أن نشيد بها وأن نتحدث عنها .
الخامس: العلم الشرعي والعناية به وإحياؤه :
لقد مرت على مراكز العلم وحلقه ودروسه حالة من الجفاف، حالة من الفقر، كادت الأمة فيها أن تنسى العلم الشرعي ..إذا أردت مصداق ذلك فاذهب يمنة ويسرة وتأمل في حلق العلم، من هم روادها ؟ من هم الذين يثنون ركبهم في حلق العلم، في وقت يتوافد أترابهم وأقرانهم على أماكن اللهو والمتعة واللعب...وهانحن نرى بحمد الله الدراسات الشرعية والكليات الشرعية، تشهد إقبالا واسعا منقطع النظير من هذا الجيل بعد أن مرت بالأمة مرحلة يستحي الطالب فيها أن يقول أنه يدرس في كلية شرعية، وكان المسلمون يرون أنه من العيب والنقص في الشاب أن يدع سائر التخصصات ويقبل على العلم الشرعي.
إن رواج حلق العلم والإقبال على التخصصات الشرعية، ورواج الكتاب الإسلامي وانتشاره إن هذا دليل على إقبال الناشئة على العلم الشرعي، وهو بلا شك أمارة وعلامة على أن الأمة سائرة نحو المنهج الحق..
السادس : الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وحمل هم الإصلاح:
إن هذا الجيل وهذا النشء المبارك قد أخذ هذه الدعوة على عاتقه، هانحن نراه يصعد المنبر يخطب الناس أو يقف أمامهم واعظا أو داعيا بأي وسيلة من الوسائل، هانحن نراه يحيي الدعوة بمدرسته، في جامعته، في حيه، بل هانحن نرى هؤلاء هم أبرز الناس وأكثرهم حملا للدعوة
لقد أصبح هم الإصلاح وهم التغيير في مجتمعات المسلمين يسيطر عليهم بل يشغلهم عن سائر الهموم التي يهتم بها أقرانهم..
السابع :مساهمة كثير منهم في إصلاح بيوتهم:
كثيرة هي البيوت التي صلحت بدعوة شاب ربما لم يبلغ الحلم، أو لم يجاوز العشرين من عمره، وكثير من الآباء والأمهات الذين أصلحهم الله تبارك وتعالى واستقاموا وصلحت بيوتهم؛ فزالت منها المنكرات، واستقامت على طاعة الله تبارك وتعالى بسبب جهد شاب صالح أو فتاة صالحة من هذا النشء وهذا الجيل المبارك.
وطائفة ممن لم يستطيعوا إصلاح بيوتهم والتأثير عليها، قد بذلوا الجهد في ذلك؛ فهم كثيرا ما يتساءلون عن وسائل إصلاح بيوتهم، ويحدثونك بأن بذلوا هذه الوسيلة وتلك، وعملوا هذا الأمر، لكنهم لم يوفقوا ولم يستطيعوا، والنتائج بيد الله عز وجل.
الثامن : النفع للناس في أمور دنياهم :
إن هذا الجيل المبارك من الشباب والفتيات الصالحين قد أخذ على عاتقه حمل قضية الدعوة والإصلاح، وقد شعر أن قضية الناس الكبرى والأساس هي القضية التي خلقوا من أجلها، لعبادة الله تبارك وتعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ، وشعر أن أعظم خير ونفع يقدمه للناس هو أن يدعوهم إلى عبادة الله تبارك وتعالى وطاعته؛ فأخذ على عاتقه هذا الهم، ومع ذلك لم يكن ذلك مشغلا له عن أن يقوم بالواجب الآخر : أن ينفع الناس في أمور دنياهم، وهو أمر ظاهر بحمد الله، من هم الذين يتصدرون للإحسان إلى المحتاجين والفقراء؟ من هم الذين يقومون ويسهرون على المبرات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية؟ ويجهدون في نفع المسلمين في أمور دنياهم، في مسح دمعة يتيم، أو إطعام جائع في مسغبة، أو التخفيف عن مصاب في مصيبة؟
وقد أدرك أعداء الإسلام هذا الجانب، وشعروا أن هذه القضية قد تكسب هؤلاء بعدا عند الناس؛ ولهذا سعوا في حجب هذه الأدوار عن هؤلاء، لكن حالهم حال أولئك الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره .
التاسع : التفوق في سائر مجالات الحياة المختلفة :
مع ما شغل به هؤلاء، من الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ومن حفظ كتاب الله، وتعلم العلم الشرعي، ومن نصرة قضايا المسلمين والاشتغال بها؛ مع ذلك كله هاهم يثبتون للناس أنهم هم المتفوقون في مجالات الحياة، ...لقد سعى أعداء هذه الدعوة إلى أن يصوروا للأمة أن هذا التدين وهذه الاستقامة إنما هو إفراز لمشكلات نفسية، أو مشكلات اجتماعية واقتصادية، ....وفي إحدى الدول العربية -والتي كانت أول بلاد سعي فيها إلى تحرير المرأة ورفع الحجاب –كانت ثمانية من الطالبات العشر الأول في نتيجة الثانوية العامة على مستوى الدولة من الفتيات المحجبات، في بلد هي أول من نزع الحجاب
العاشر: أن اهتماماتهم تجاوزت اهتمامات الناس الفارغة :
ما هي القضايا التي تسيطر على هم المسلمين صغارا وكبارا، شيبا وشبانا؟ إنها قضية الدينار والدرهم، ...إن القضية التي تقلقه وتشغل باله هي: كيف يستقيم على طاعة الله؟ كيف يحفظ كتاب الله؟ كيف يحصل العلم الشرعي؟ كيف ينفع المسلمين؟ كيف يدعو إلى الله تبارك وتعالى؟
وهو إنجاز من أعظم الإنجازات، حينما يتجاوزون ما يهتم به سائر المسلمين والمسلمات ولسان حال أحدهم يقول: ( يا قوم أنتم في واد وأنا في واد، يا قوم لكم هم ولي هم آخر، لكم شأن ولي شأن آخر ) . وهذا جدير بهم أن يكونوا ممن يقولون يوم القيامة لله تبارك وتعالى حين يسألوا : قد مضى الناس ولم تمضوا، يقولون : يارب فارقنا الناس ونحن أحوج ما نكون إليهم، نعم لقد فارقناهم بالدنيا ونحن أحوج ما نكون إليهم، وها نحن نفارقهم يوم القيامة أحوج ما يكون الناس إلى ذلك، فنحن ننتظر ربنا تبارك وتعالى كما ورد ذلك عن النبي (ص)في حديث الشفاعة الطويل .
إنهم يغتنمون الفرص لكل ما فيه نصر للدين ودعوة إليه؛ فهم يتساءلون في كل مناسبة: ..يتساءلون كيف نستثمر هذا الموقف في الدعوة إلى الله عز وجل ؟ كيف نستغل هذا الوقت وهذا الموسم وهذه الفرصة في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ؟
في حين كانت القضية التي تشغل غيرهم في الإجازة هي قضية السفر واللهو واللعب، ؟
ولهم أسوة بنبيهم (ص)الذي كان لا يدع قضية من القضايا وبابا من الأبواب وميدانا من الميادين إلا ونشر فيه علما، ودعا فيه إلى الله تبارك وتعالى، أليس (ص)يأتي في موقف ربما لا يزيد أثره في الناس أن يستثير بعض عواطف الأمومة والأبوة نحوهم فيرى (ص)امرأة تأخذ طفلا من السبي فتضمه إلى صدرها فيستوقف أصحابه (ص)ويقول :"أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟" فيقولون : لا، فيقول:"لله أرحم بهذه من ولدها" أو يقول:"والله لا يلقي حبيبه في النار"
لقد كانت قضية الدعوة وقضية التعليم قضية تشغل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يستثمر كل هذه الفرص، ولهذا أخذ هذا النشء وهذا الجيل المبارك هذا الهدي المبارك منه (ص)فصار سؤاله في كل وقت : كيف يستثمر هذا الوقت في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى؟
الحادي عشر : أنه أحيا سنة الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى :
إن تجربة الجهد الأفغاني تجربة قريبة وتجربة لم ولن تنساها الأمة، في وقت كادت الأمة أن تنسى الجهاد وتنسى هذه الفريضة، بل للأسف كان بعض من يتصدر للتعليم وتدريس الناس الفقه يقفز باب الجهاد حين يصل إليه لأن الأمة قد نسيته ، وحين قام هذا الجهاد في تلك البلاد وفتح الميدان رأينا الشباب ممن لم يتجاوزوا العشرين أو تجاوزها بقليل، رأيناه يترك الدنيا ويترك الدينار والدرهم، ويترك كل ما يسير إليه الناس من متعهم، ويرحل إلى هناك إلى بلاد لا يعرف لغتهم، إلى بلاد لا يعرف طريقتهم، ولا يعرف حياتهم، ولسان حاله يقول وقد قال عبد الله بن رواحة حين ودع أصحابه وقالوا له حفظكم وردكم إلينا، قال : لا ردنا الله إليكم ، وقال:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة
أو طعنة بيدي حران مجهزة
حتى يقال إذا مروا على جدثي ... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
تغوص من الأحشاء تقذف الكبدا
يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
..لئن قالها صاحب بدعة وصاحب ضلالة، فهو يقولها وهو على السنة وهو يتمنى أن يرزقه الله الشهادة تحت لوائها.
وبعد أن نسيت الأمة صور الشهادة، ونسيت صور الجهاد، رأينا نماذج من هؤلاء، ممن قتلوا في سبيل الله -نحسبهم والله حسيبهم- من الشهداء في سبيل الله، فأحيوا فريضة الجهاد، وضربوا للأمة أروع الأمثلة في التضحية والبطولة والفداء، في وقت كان يسافر أترابهم وأقرانهم لقضاء الرذيلة، ولقضاء الشهوات المحرمة، وفي وقت كان يسافر فيه الكبار والصغار للنزهة، كان هؤلاء الشباب يسافرون لأن يتيسر لهم في تلك البلاد ما لا يتيسر لهم في بلادهم، أما هؤلاء فلهم شأن آخر وقضية أخرى وحياة أخرى.
وأولئك الذين لم تكتحل أعينهم برؤية ميدان الجهاد، ولم تتشنف أسماعهم بسماع صوت الجهاد ...إنها صورة تستحق الإشادة، وتستحق أن نحفل بها، وأن نشعر أنها من منجزات جيلنا المبارك، وكما قال (ص)"من خير معاش الناس لهم في دينهم ودنياهم رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة طار يبتغي القتل والموت من مظانه" .
الثالث عشر : أنهم قد أحيوا سنة الأخوة في الله :
لقد كادت الأمة أن تنسى الحب في الله والأخوة في الله، فجاء هذا النشء المبارك ليحيي معاني هذه الأخوة وليتأسى بنبيه (ص)والجيل المبارك الذين تآخوا على غير أرحام بينهم .
ولعل هؤلاء من أسعد الناس بقوله (ص) "رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"
الرابع عشر : موقف هؤلاء من المعاصي :
إن هؤلاء -شأنهم شأن سائر المسلمين- قد يقعون في المعصية وقد يواقعون الذنب، ومن هو الذي لا يقع في الذنب والمعصية؟"لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"
وهذا الحديث باطل وكلام الله يبين أنه أبقى الكفار وأجل عقاب الناس ولولا ذلك لأهلكهم جميعا كما قال :
"ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا"
وقال :
"و"كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون"كما قال (ص)
إن هؤلاء -وإن وقع أحدهم في المعصية - فحالهم مع المعصية ليست كحال سائر المسلمين، إن أحدهم ما يلبث أن يبادر إلى التوبة إلى الله والإقلاع، ولعله بهذا من أسعد الناس بقوله تبارك وتعالى : { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون * وإخوانهم يمدونهم في الغى ثم لا يقصرون } ، وبقوله تبارك وتعالى { : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين } ، ثم ذكر تبارك وتعالى في صفة هؤلاء أنهم { إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله } ، في حين يصر غيرهم على هذه المعاصي .
وهم لو وقعوا في المعصية فإن أحدهم يستعظم المعصية وتعظم عنده، كما قال ابن مسعود : "إن المؤمن يرى ذنبه كالجبل يوشك أن يقع عليه، وإن المنافق يرى ذنبه كذباب طار على أنفه فقال به هكذا".
كم يستهين كثير من المسلمين بالنظر الحرام بل يستنكر حين ينكر عليه هذا الأمر كم يستهينون بالكبائر والفواحش؟ أما هذا الجيل فإنك تراه حين تقع منه معصية أو نظرة محرمة فإنه يستعظمها ويقبل على الله عز وجل مستغفرا تائبا ويشعر أن هذه القضية تكاد وتوشك أن توبقه .
وهم أيضا لو وقعوا في المعصية فإنهم إنما يقعون وقوعا عارضا، فلا يسعون إلى المعصية، ولا يبحثون عنها، لكن قد يواقع أحدهم المعصية وقد غلبته شهوة وقد غلبه هوى، ولعله أسعد الناس بما قاله ابن القيم كما في مدارج السالكين : "والله تعالى إنما يغفر للعبد إذا كان وقوع الذنب منه على وجه غلبة الشهوة وقوة الطبيعة، فيواقع الذنب مع كراهته له من غير إصرار في نفسه، فهذا ترجى له مغفرة الله وصفحه وعفوه، لعلمه تعالى بضعفه وغلبة شهوته له وأنه يرى كل وقت مالا صبر له عليه. فهو إذا واقع الذنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لربه، خائف، مختلج في صدره شهوة النفس الذنب وكراهة الإيمان له، فهو يجيب داعي النفس تارة، وداعي الإيمان تارات. فأما من بنى أمره على أن لا يقف عن ذنب ولا يقدم خوفا ولا يدع لله شهوة، وهو فرح مسرور يضحك ظهرا لبطن إذا ظفر بالذنب، فهذا الذي يخاف عليه أن يحال بينه وبين التوبة ولا يوفق لها" .
وهم أيضا لو وقعوا في المعصية لا يجاهرون بها ويستحي أن يراه أحد عليها، ولا شك أن هذا بإذن الله دليل خير فكما قال (ص) " كل أمتي معافى إلا المجاهرين" "
والحديث باطل فالأمة هى أمة المسلمين وليست أمة محمد(ص) كما قال تعالى :
"وأن هذه أمتكم أمة واحدة"
وقال :
"ولعله أن ينطبق عليه قوله (ص)في حديث النجوى:" يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول عملت كذا وكذا؟ فيقول نعم، ويقول عملت كذا وكذا؟ فيقول نعم فيقرره ، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم""
والحديث باطل فالله لا يقرر أحد بذنبه ذنبا وإنما يسلم كتابه بما فيه من ذنوب وأعمال صالحة فقال :
"فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إنى ظننت أنى ملاق حسابيه "
وقال :
"وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتنى لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه"