نقد كتاب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
الكتاب بالقطع ليس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإنما هو كتاب من الكتب التى يكتبها البعض مدعيا أن الإسلام سبق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فى مضمونه ومن يكتبون تلك الكتب لا يعوون أنهم بذلك يحطون من قيمة دين الله عندما يقارنون بين كتاب الخالق وكتاب المخلوقين
الإسلام لا يحتاج إلى أن نحاول أن نلصق به الكفر فتلك الإعلانات التى أصدرها بنو الإنسان الكثير منها مخالف لكتاب الله
والكتاب يدور حول استخلاص المبادىء من خطبة الوادع وهى خطبة بنصوصها فى الكتاب لم يقلها النبى (ص) على الإطلاق لتضمنها ما يخالف الوحى الإلهى وقد استهل الكتاب بذكر الحقوق الأمنية فقال :
" [1] الحقوق الأمنية
فقد روى الإمام مسلم، من حديث جابر بن عبد الله في سياق حجة النبي قوله: (حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: إن دماءكم، وأموالكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية، تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع، من دمائنا؛ دم ابن ربيعة بن الحارث- كان مسترضعا في بني سعد، فقتلته هذيل- وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا؛ ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء! فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده، إن اعتصمتم به، كتاب الله وأنتم تسألون عني! فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت فقال بإصبعه، السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد! اللهم اشهد! ثلاث مرات)
تتضمن هذه الخطبة الأخطاء التالية:
الأول كون أموال المسلمين حرام عليهم وأموال المسلمين حلال لهم وليست حرام لأنها لو كانت حرام ما جاز لهم أن ينفقوها فى أى شىء كما قال تعالى :
"الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم"
بل إن الله أباح لبعض المسلمين الانفاق من أموال بعضهم الأخر بالمعروف وهو العدل كما قال :
"وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف"
كما طالب بعض أخر أن يعطوها للعبيد المسلمين كى يتحرروا كما قال تعالى :
"والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وأتوهم من مال الله الذى أتاكم"
فلو كانت أموال المسلمين حرام على بعضهم البعض ما أذن الله بأخذها والانفاق منها ولا سمح لأصحابها بالنفقة منها فقال:
" لينفق ذو سعة من سعته من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله"
الثانى وضع دماء الجاهلية والدماء لا توضع بسبب ارتكاب الجريمة قبل الإسلام ما دامت أدلة ثبوتها قد قامت عليها فإذا أسلما صاحب الحق والقاتل وجب تراضيهما بحكم الله والنبى(ص) لا يملك أن يضع تلك الدماء ومن يملك وضعها هم أهالى القتلى كما قال تعالى :
""يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان"
فأهل القتيل هم من يعفون وليس الحاكم حتى ولو كان النبى(ص)
الثالث وضع ربا الجاهلية ومنه ربا عباس بن عبد المطلب وهذا الكلام يتعارض مع أن الربا محرم من المرحلة المكية فكيف يتم تأخير تحريمه إلى سنة الحج
الرابع القول أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه وأن عقاب الزنى الضرب غير غير المبرح هو إباحة للفاحشة وهى الزنى فالنساء لهم أن يجامعن من يرضى عنه أزواجهن وهو وطء الفرش
بينما العقوبة هى جلدهم الزناة مائة جلدة ضربا مبرحا ليس فيه رحمة كما قال تعالى :
"الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله"
والخطأ الخامس هو وجود جهة لله بدليل رفع الإصبع للسماء وهو ما يخالف أنه ليس كالخلق له جهة كما قال تعالى :
" ليس كمثله شىء"
ثم ذكر حديث أخر كرر نفس الأخطاء وهى :
"وكرر ذلك يوم النحر، فيما رواه ابن عباس، وأبو بكرة (خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى: قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى
قال: فإن دماءكم، وأموالكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم قال: اللهم اشهد! فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)"
ثم قام المؤلف بشرح الحديث فقال :
إن هذه الخطبة البليغة، ذات أهمية بالغة، من ناحية زمانها، ومكانها، وحال الخطيب، وحال المخاطبين:
1 - فالزمان: عشر ذي الحجة، أفضل أيام العام عملا صالحا، لحديث ابن عباس، - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله، من هذه الأيام، يعني أيام العشر) قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه، وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء) [رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وأحمد]
ولأجل ذا، نبه النبي على حرمة الزمان، ومناسبته، فقال في مستهل خطبته: أي يوم هذا، أي شهر هذا فاليوم يوم عرفة؛ خير يوم طلعت فيه الشمس، ويوم النحر، يوم الحج الأكبر، والشهر شهر ذي الحجة، أحد الأشهر الحرم"
والحديث باطل الخطأ فيه هو أن أى عمل صالح أحسن من الجهاد فى تلك الأيام والنبى(ص) لم يقله لأن الجهاد هو أفضل العمل فى أى وقت كما قال تعالى:
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم قال :
2 - والمكان: صعيد عرفات، ومشعر منى، خير بقاع الدنيا، ولهذا نبه على حرمة المكان، في مستهل خطبته، فقال: أي بلد هذا؟ أليست بالبلدة الحرام؟
3 - والخطيب: رسول الله، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وقائد الغر المحجلين، وخليل رب العالمين، في أعز موقف ديني، ودنيوي، مر به! ففيه نزل عليه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وهو يعلم، بأبي، هو، وأمي، أنها (حجة الوداع)، إذ كان يقول في أكثر من موقف: (لعلي لا أراكم بعد عامي هذا) [رواه النسائي، والترمذي]
فقد اجتهد لهم في الموعظة، ومحضهم خالص النصح، واستشهدهم أمام ربه، واستبرأ لدينه، فقال: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد)
4 - والمخاطبون: مائة ألف أو يزيدون، وصفهم شاهد عيان، جابر بن عبد الله - - بقوله: (فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مد بصري، بين يديه؛ من راكب، وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به) [رواه مسلم]"
وتحدث عن الحقوق الموجودة فى الخطبة فقال :
"لقد كان محفلا هائلا، وتجمعا غير مسبوق، تجلت فيه عزة الإسلام، وكمال الشريعة، وتمام النعمة، فلا غرو أن يتم الإعلان فيه عن مقاصد الإسلام، وبيان حقوق الإنسان الحقيقية، كما أعلنها نبي البشرية، في عرفة، لا كما سطرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بعد هذه الإعلان الإيماني، بنحو أربعة عشر قرنا، عام 1948م، في جنيف فلنتبين هذه الحقوق العظيمة:
أولا: الحقوق الأمنية
(إن دماءكم، وأموالكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية، تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع، من دمائنا؛ دم ابن ربيعة بن الحارث)
يا لها من رعاية عظيمة للحقوق الأساسية، للنفس البشرية! إن من حق الإنسان أن يأمن على نفسه، وعلى ماله فلا يطيب العيش مع الخوف، والجوع، ولهذا امتن الله على قريش باجتماع هاتين النعمتين (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)
كما ضرب مثلا بالقرية التي جمعهما لها، فقال: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)
إن الشريعة تكفل هذين الحقين الأساسيين؛ فلا تسمح لمعتد أن يلغ في الدماء، ويزهق الأرواح، ولا لطامع أن يستبد بالمال، وينهب الثروات بل إن الأصوليين يجعلون النفس، والمال، إحدى الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بصيانتها ويكفي في بيان تعظيم حرمة الدماء:
- قول الله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)
- وقوله: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)
- وقوله (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) [رواه النسائي]
- وفي حديث ابن مسعود، مرفوعا: (من اقتطع مال امرئ مسلم، بيمين كاذبة، لقي الله، وهو عليه غضبان) قال عبد الله: ثم قرأ رسول الله مصداقه من كتاب الله جل ذكره:" إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله " [رواه البخاري]
- وعن سعيد بن زيد أن رسول الله قال: (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين) [رواه مسلم]"
والحديث السابق باطل والخطأ هو تطويق الله للمنتقص من 7 أرضين ويخالف هذا أن التطويق الوحيد هو التطويق بالذهب والفضة أى المبخول به مصداق لقوله "سيطوقون ما بخلوا "كما أن الأرض تبدل يوم القيامة ومن ثم لا تكون 7 أرضين مصداق لقوله تعالى "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات "
ثم قال:
"والنصوص في هذا المعنى كثيرة شهيرة ولو قارن الإنسان ذلك، بما مارسه موقعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ من أوربيين، وأمريكان، وروس، ويابان، وقد أفنوا نحو سبعين مليونا من البشر، في حروبهم العالمية، ثم ظلوا يفنون الأبرياء في كل مكان؛ في فيتنام، وأفغانستان، والبوسنة، والعراق، وفلسطين، وباكستان، لأدرك أن ذلك الإعلان، مجرد دعوى زائفة، وذر للرماد في العيون، لا ترعاه ذمة، ولا تحفظه ضمانات
ولو قارن الإنسان ذلك، بما مارسه موقعو الإعلان، من نهب للثروات، واستغلال للشعوب الضعيفة، لأدرك أن المبادئ التي لا تنطلق من دين، واعتقاد، لا تعدو أن تكون ستارا لتمرير السرقات، ولبوس مسوح الضأن، في قلوب الذئاب
كما أن تأمل هذا البند، من الخطبة النبوية الرصينة، أدرك مدى التيه الذي يتخبط به المتساهلون في دماء المسلمين، والمعصومين، باسم الجهاد، وكيف استزلهم الشيطان، حتى هانت عليهم هذه الحرمات العظيمة، كما هانت على الخوارج الأولين
ومن تأمل هذه الرعاية الحقة للأموال، أدرك فداحة ما يمارسه المستبدون، المتنفذون، الذين يسرقون اللقمة من أفواه اليتامى، والأرامل، والمساكين، من المال الخاص، والعام فعن خولة الأنصارية قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن رجالا يتخوضون في مال الله، بغير حق، فلهم النار يوم القيامة) [رواه البخاري]
أما إن هذه الحرمات لا يحترمها إلا نفس مؤمنة، وقلب تقي أما إنه لا غنى للبشرية عن دين الإسلام، الذي يحمي الدماء، والأموال ألا ما أحوج القانونيين، والمشرعين، إلى مراجعة هذه النصوص ليعلموا أن الإسلام دين الحق، والعدل، والمرحمة"
وتحدث عن الحقوق الاقتصادية فقال :
"ثانيا: الحقوق الاقتصادية
(المال) عصب الحياة، وزينة الحياة الدنيا، لا قوام للناس إلا به في معاشهم، ومصالحهم، وحركتهم والإسلام ليس دين (رهبانية)، كالنصرانية، يصرف الناس عن مقتضى فطرتهم، وضرورات حياتهم، كما أنه ليس مذهبا ماديا، يقيم نظام الدنيا على حسابات عنصرية، كاليهودية، أو تجارية محضة، كما النظام الاقتصادي الحديث
لم يكن مستغربا، في هذا المحفل العظيم، أن ينأى خاتم النبيين بالاقتصاد السليم، عن الأصول الجاهلية، القائمة على (الربا) ذلك أن (الربا) ورم سرطاني، يتضاعف في مال فئة محدودة من التجار، ويستنزف دماء، وعرق، الكادحين من الفقراء، بغير حق، دون أن يحدث في المجتمع حراكا اقتصاديا، أو تجاريا، أو صناعيا، سليما، مستديما ولأجل ذا، أطلق النبي ، إعلانا عالميا، صريحا، مدويا، بتجريم الربا، وإهدار الربا؛ قليله، وكثيره، وبدأ بأقرب الناس إليه، عمه العباس بن عبد المطلب، لتبدو النزاهة، والمصداقية، بأبهى تطبيقاتها، فيحصل التأسي، والامتثال، بأصدق، وأقنع، صوره، فقال: (وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا؛ ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله)
الله أكبر! ما أروع الوضوح! ما أجلى الصورة! هل أبقى موضعا لمراب، عابث، متلاعب؟ لا والله!
لقد كان ربا الجاهلية مؤسسا على قاعدة بسيطة: (إما أن توفي، وإما أن تربي)، ونال من وعيد الله - تعالى - وذمه، ما تقشعر منه الأبدان، وتشمئز منه النفوس، كقوله: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون "
وربا النظام الاقتصادي العالمي، اليوم، مؤسس على نظريات، وقواعد، تدرس في الجامعات، ويهيمن على المصارف، والبنوك، في كل زاوية من الكرة الأرضية، ويتمظهر بصور، وأشكال، ومنتجات، لا حصر لها لقد تمكن اليهود، دهاقنة الربا، من إرساء الاقتصاد العالمي على أساس خبيث، هو الربا، المذموم، في كتاب الله، الملعون على لسان رسول الله (لعن آكل الربا وموكله) رواه البخاري، وفي رواية: (آكل الربا ومؤكله وشاهده وكاتبه) [رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي]
لقد اجتاح النظام الربوي العالمي، جميع بلاد الدنيا، وانخرطت الدول الإسلامية، في هذا المساق اللعين، وانصاعت مؤسساتها النقدية، ومصارفها، لقواعد اللعبة اليهودية، التي تسرق المال العام من أيدي مستحقيه، لتصبه في جيوبهم البخيلة، كما وصفهم الخبير بهم: (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل)]
إن في العالم الإسلامي، من المخزون المالي، والسلع الاقتصادية العالمية المؤثرة، ما يمكنها من الاستقلال، بنظام مصرفي، إسلامي، متحرر، من أوهاق الربا، ومصائده، لو أن المسلمين جددوا الاستماع إلى خطبة حجة الوداع
وإنه لمن دواعي الأسى، أن تعمد البنوك، والمصارف الإسلامية، الواعدة بأسلمة الاقتصاد، إلى صنوف من الحيل، والممارسات، والتعاملات، تشبه الربا، أو دخنه لقد ملت تلك المصارف من المشاريع الاقتصادية الحقيقية، التي تتطلب جهدا، ووقتا، وآثرت صناعة (منتجات) سريعة المردود، قليلة الجهد، تدور المال بطريقة ابتزازية، ولا تنشئ اقتصادا حقيقيا، ولا حراكا سوقيا منتجا وقامت كثير من (الهيئات الشرعية) بـ (تكييف) و (شرعنة) بعض التعاملات الربوية، لتعيد إخراجها، بثوب (إسلامي) ممهور بختم (فقهاء)، لا (خبراء)، وتحمل أسماء (التورق) و (المرابحة) و (التمويل) و (الصكوك)، لا (الفائدة) و (الهامش) و (السندات) و (الكمبيالات)
إن على المجامع الفقهية، والمتخصصين من المفتين بشؤون الاقتصاد، أن يمحضوا النصح للمسلمين، ويحملوهم على ما حملهم عليه نبيهم في خطبته البليغة، الصريحة، الواضحة، وألا يتذرعوا بدعاوى (التيسير) و (التدرج) لتأنيس الربا، وتسليكه بين المسلمين، فلن يزيدهم ذلك، كما يشهد الواقع، إلا تتبعا للرخص، وإمعانا في الربا، (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم) وقى الله المسلمين مغبة الربا، وشؤم عاقبته"
وكما تحدث عن الربا فى الفقرات السابقة وأن الحكومات فى بلاد المنطقة رغم غناها بسبب ثروات المنطقة عن الربا حاولت عبر فقهاء السلطان إدخال الربا وقد نجحت من خلال الفتاوى تحدث عن الأسرة والحقوق الاجتماعية فقال :
"[3] الحقوق الاجتماعية
وتتمثل هذه الحقوق الاجتماعية، ببيان الحقوق الزوجية؛ إذ (الأسرة) نواة المجتمع، ولبنته الأولى، فإن كانت آمنة، مستقرة، وادعة، صار المجتمع كذلك! وإن طغى عليها الشقاق، والظلم، وسوء العشرة، استحال المجتمع إلى عش دبابير، يلسع بعضهم بعضا
جاء في سياق خطبته، (فاتقوا الله في النساء! فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [رواه مسلم]
ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربا غير مبرح
إن هذه الجمل المحكمة، تتضمن توزيع الحقوق والواجبات، على طرفي الحياة الزوجية، وتستند في الالتزام بها على أفضل الضمانات، وأعظمها، وهي (التقوى): (فاتقوا الله في النساء)، والتذكير العميق بحقيقة الوشيجة الزوجية، وسر رباطها: (فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) إن هذه الكلمات لتزرع الحرج الواعي في ضمائر الأزواج، الذين يجدون في أنفسهم نوع قدرة، وسلطة، على النساء الضعيفات، وتحملهم على الوفاء بالواجبات، كما أنها لا تبخسهم حقوقهم:
1 - فالزوجة مأمورة بحفظ غيبة زوجها، وطاعته، كما وصف الله بقوله: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) فيدخل في ذلك أن تحفظ بيت بعلها أن يغشاه من لا يحب؛ من رجل، أو امرأة فللزوج حق الطاعة بالمعروف، لما علل الله به، بقوله: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)
إن نظام الأسرة في الإسلام مبني بشكل واضح على (قوامة) أو (قيام) الزوج على أهل بيته، وتحمله المسؤولية التامة على من تحت يده، وذلك يمنحه، بطبيعة الحال، حق الطاعة على زوجته بالمعروف ولا يمكن أن يقود السفينة ربانان، وإلا أفضى إلى غرقها و (الزوجة) في النظام الأسري المعاصر، متحررة، متمردة، غير خاضعة لتوجيه زوجها؛ فيكفل لها القانون أن تصاحب من تشاء، وتخلوا بمن تشاء، وتستضيف من تشاء، وتعمل حيث تشاء، دون الرجوع إلى الزوج، والحصول على إذنه وقد أفرزت هذه الممارسات شرا عظيما، وخطرا مستطيرا، لم يعد خافيا على ذي عينين وليس من حق الزوج في النظام الأسري المعاصر، أن يمارس أي لون من ألوان التأديب، لأن القانون يحميها، ويدينه، فعليه أن يغمض على قذى، ويصبر على مضض
2 - والزوج في شريعة الله ملزم بالنفقة على أهل بيته، وأخصهم الزوجة: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) حتى إن نفقة الوالدين، والأولاد، تسقط باستغنائهم، ولا تسقط نفقة الزوجة بحال! ولو كانت من أغنى الناس بل قد أذن النبي للزوجة التي تعاني من بخل زوجها، وتقتيره، أن تأخذ كفايتها، وكفاية ولدها، من ماله، دون علمه، بالمعروف
فعن عائشة، أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني، وولدي، إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم فقال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) [رواه البخاري]
وكثيرا ما تلجأ الزوجة في المجتمعات الغربية، ومن تأثر بها، إلى ابتذال نفسها بالعمل، بغرض تحصيل الرزق، وتتعرض لصنوف الأذى الحسي، والمعنوي، والتحرش الجنسي، بسبب الحاجة للكسب في حين تضمن الشريعة للمرأة المسلمة، نفقاتها، وتحملها أباها، وزوجها، لتبقى درة مصونة، تزاول ما خلقت له، ولا تلقي بنفسها في مواطن الابتذال، والابتزاز
وتتعاظم القوانين الحديثة، باسم حقوق الإنسان، استعمال (الضرب) وسيلة تأديبية، وتنبز الإسلام بهذه الشائنة، زعموا! وتتلجلج العبارات في أفواه كثير من المنهزمين، روحيا، وفكريا، من الإسلاميين بسبب سياط النقد اللاذع الذي تنهال من الغربيين، وأذنابهم، فيتكلفون المحامل الاعتذارية الوعرة، ويلوون أعناق النصوص، ليرضوهم (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير)
إن الأنظمة الحديثة تعتمد مبدأ (الثواب) و (العقاب)، وتدرك أنه لا غنى لسياسة الناس، وكبح جماح الناشزين، من لون من الردع فلم تستعظم أن يلجأ الزوج في درجة ثالثة، بعد استنفاد الوسيلتين الأوليين، الموعظة، والهجر، إلى تأديب زوجته الناشز، بإيلام جسدي، غير مبرح، يكسر فوعة النشوز، ويردها إلى حال السواء؟!
إن دين الله ليس (مزادا علنيا) و (كلأ مباحا) لكل من هب، ودب، ومشى، ودرج، وليس خاضعا لتغير الأمزجة، والنظم البشرية إن الذي خلق الخلق أعلم بمصالحهم: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)
ولو تفحص هؤلاء المنهزمون ما يجري في بلاد الغرب من إساءة للنساء، بمختلف أنواع الإساءة، لأدركوا ما تتمتع به المرأة المسلمة من كرامة، ورعاية، وصيانة لقد بات ما يسمى: ( Women Abuse) ظاهرة سائدة في المجتمعات الغربية، تحكي الانهيار الأخلاقي، والمجتمعي للنظام الاجتماعي الحديث، المستظل بمظلة حقوق الإنسان
إنهما منظومتان اجتماعيتان متمايزتان:
- منظومة الإسلام التي جرى إعلانها في خطبة حجة الوداع،
- ومنظومة الجاهلية الحديثة التي جرى تدشين بعض فقراتها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) "
العجيب أن المؤلف لم يتناول حكاية وطء الفرش من يرضون لأنه مصيبة كبرى من المصائب معناها أن تزنى المرأة مع من يرضى زوجها وهو ما حرم الله بتحريم الزنى ومن صوره أن الرجل كان يبيح لزوجته أن تجامع فى بيته أو فى بيت الرجل صاحب المنزلة الكبيرة الرجل العظيم المزعوم حتى يأتى ابنهم مثله عظيم
وتحدث عن الحقوق الدستورية فقال :
"[4] الحقوق الدستورية
ختم النبي خطبته العصماء، بقوله: (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت فقال بإصبعه السبابة؛ يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد! اللهم اشهد! ثلاث مرات) [رواه مسلم]
لقد تضمن هذا النص الإحالة القطعية على مصدري الهدى، ودين الحق، وهما:
1 - كتاب الله: المحفوظ بين الدفتين، الذي تكفل الله بحفظه، فلا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه
2 - سنة نبيه ، التي شهد له الناس، بالبلاغ، والأداء، والنصح
إن فيصل التفرقة بين دين الحق، والجاهلية، هو في المرجعية التي تسمى في لغة العصر (الدستور) فأهل الجاهلية القديمة، والحديثة، يصطنعون لأنفسهم أحكاما، وقوانين، يحملون عليها الكافة، ويرسمون بها خطة معاشهم، ويحتكمون إليها عند التنازع، ويعظمونها، ويقسمون عليها عند تولي المناصب، والرياسات، ويعتبرون الإخلال بها (خيانة عظمى) في بعض الأحوال، و (خروجا عن القانون) في باقيها فربما سميت في قرون خلت (شريعة حمورابي)، أو (أحكام قراقوش)، أو (ياسق جنكيز خان) وربما سميت في العصور الحديثة: (القانون الفرنسي)، أو (القانون الإنجليزي)، أو (الشرعية الدولية)
أما أهل الإيمان، فيرون أن التشريع حق خالص لله، لا يشاركه فيه غيره، ولا يحتكم فيه لسواه قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) وقال: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله) وظلت هذه العقيدة مستقرة في خلد المسلمين، وفي واقعهم السياسي، وال تنظيمي، قرونا متعاقبة، بوصفها: (من المعلوم من الدين بالضرورة)
لم يخالج أهل الإسلام شك في أن (الهدى) في لزوم الكتاب والسنة، وإن قصروا في تطبيقه وأن (الضلال) في الحيدة عنهما، وإن تلبسوا بشيء ذلك وكان كل تجديد، وإصلاح، يقع في تاريخ الأمة، يعول على التمسيك بهذين الأصلين، والرد إليهما عند التنازع (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) "
الغريب فى أمر المؤلف أنه ذكر رواية تجعل المرجعية الوحيدة هى كتاب الله ولا يوجد فيها ذكر للسنة ومع هذا يصر على أنهما مرجعيتان رغم أنه قال بعدم إشراك أحد مع الله والسنة إن لم تكن سنة الله فهى نوع من الشراكة المحرمة لأنها تجعل الرسول(ص) شريكا لله فى التشريع
وحدثنا عن أن الانحراف عن الإسلام بتغيير القوانين بدأ منذ قرنين تقريبا فى عهد الدولة العثمانية وهو كلام يتناسى أن الشريعة تاريخيا توقف العمل بها منذ بداية حكم معاوية وتم وضع الأحكام البشرية بعدم تساوى الناس من خلال وراثة الحكم ومن خلال توزيع المناصب على أهل الحاكم ومنافقيه ومن خلال عدم تطبيق الحدود إلا على الهوى وفى الانحراف المزعم قال :
"وقد بدأ خط الانحراف بالانفراج عن الخط المستقيم، حين سعت الدولة العثمانية، إبان حكم السلطان محمود الثاني (ت:1839) في محاكاة الدول الأوربية في سن التنظيمات، والقوانين، التجارية، والمدنية، ثم سار على خطاه السلطان عبد المجيد الأول، فأصدر مرسومه الشهير (خط شريف كولخانه) الذي ألغى رسميا (نظام الملل)، عام 1839م، كما صنع إبراهيم باشا، ذات الإجراء حين استولى على بلاد الشام عام 1832م، حين أصدر (القانون البيورلدي) القاضي بإلغاء أحكام أهل الذمة، حتى آل الأمر بالدولة العثمانية، تحت ضغوط الدول الأوربية إلى إصدار تنظيم أكثر اتساعا، عام 1856م عرف باسم (الخط الهمايوني)
ولم يزل بساط الشرع يطوى، وتبسط مكانه القوانين الوضعية، حتى انحسر الحكم بالشريعة في معظم البلدان الإسلامية بما يسمى (الأحوال الشخصية)، المتعلقة بالنكاح، والطلاق، والنفقات، والميراث، ونحوها بل طرأ على هذه المذكورات ما يقتضي، في نظر القانونيين، ما يقتضي التغيير، استجابة للمعاهدات الدولية، والاستزلال العالمي ولا زالت الجامعات، والبعثات، تغذ السير لدراسة (النظم) و (القوانين) لإحلالها محل الشريعة الخاتمة، والهدي النبوي
وكانت النتيجة المشؤومة، المتوقعة، مزيدا من الضلال، والتخبط، والارتكاس في حمأة الجاهلية المعاصرة ونشأت أوضاع فطم عليها الصغير، وشاب عليها الكبير، تستسيغ تنحية كتاب الله، وتكتفي منه ببركة الترتيل، والتطريب، وتهجره في العمل، والاتباع ولا حول ولا قوة إلا بالله
ولا ريب أن الاهتداء بكتاب الله، وسنة رسول الله لا يقتصر على شؤون الحكم، والتنظيم، بل يتناول جميع مناحي الحياة؛ العلمية، والعملية، إلا إن المظهر العام للأمة، والأثر البليغ يحصل بالأحكام السلطانية، التي تطال جميع الرعية، فإن الله يزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن
ووالله، لو أن قلوب المسلمين امتلأت إيمانا، ويقينا، بموعود رسول الله ولو أن أولي الأمر منهم، تمسكوا بكتاب الله، لم يضلوا أبدا، ولهدوا إلى طريق العزة، والتمكين"
وأنهى الرجل حديثه بالقول أن الرسول(ص) بلغ الرسالة كما يجب فقال :
"ونحن نشهد، بما شهد به سلفنا لنبينا ونقول بملأ أفواهنا: (نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت) اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"
الكتاب بالقطع ليس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإنما هو كتاب من الكتب التى يكتبها البعض مدعيا أن الإسلام سبق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فى مضمونه ومن يكتبون تلك الكتب لا يعوون أنهم بذلك يحطون من قيمة دين الله عندما يقارنون بين كتاب الخالق وكتاب المخلوقين
الإسلام لا يحتاج إلى أن نحاول أن نلصق به الكفر فتلك الإعلانات التى أصدرها بنو الإنسان الكثير منها مخالف لكتاب الله
والكتاب يدور حول استخلاص المبادىء من خطبة الوادع وهى خطبة بنصوصها فى الكتاب لم يقلها النبى (ص) على الإطلاق لتضمنها ما يخالف الوحى الإلهى وقد استهل الكتاب بذكر الحقوق الأمنية فقال :
" [1] الحقوق الأمنية
فقد روى الإمام مسلم، من حديث جابر بن عبد الله في سياق حجة النبي قوله: (حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: إن دماءكم، وأموالكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية، تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع، من دمائنا؛ دم ابن ربيعة بن الحارث- كان مسترضعا في بني سعد، فقتلته هذيل- وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا؛ ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء! فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده، إن اعتصمتم به، كتاب الله وأنتم تسألون عني! فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت فقال بإصبعه، السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد! اللهم اشهد! ثلاث مرات)
تتضمن هذه الخطبة الأخطاء التالية:
الأول كون أموال المسلمين حرام عليهم وأموال المسلمين حلال لهم وليست حرام لأنها لو كانت حرام ما جاز لهم أن ينفقوها فى أى شىء كما قال تعالى :
"الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم"
بل إن الله أباح لبعض المسلمين الانفاق من أموال بعضهم الأخر بالمعروف وهو العدل كما قال :
"وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف"
كما طالب بعض أخر أن يعطوها للعبيد المسلمين كى يتحرروا كما قال تعالى :
"والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وأتوهم من مال الله الذى أتاكم"
فلو كانت أموال المسلمين حرام على بعضهم البعض ما أذن الله بأخذها والانفاق منها ولا سمح لأصحابها بالنفقة منها فقال:
" لينفق ذو سعة من سعته من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله"
الثانى وضع دماء الجاهلية والدماء لا توضع بسبب ارتكاب الجريمة قبل الإسلام ما دامت أدلة ثبوتها قد قامت عليها فإذا أسلما صاحب الحق والقاتل وجب تراضيهما بحكم الله والنبى(ص) لا يملك أن يضع تلك الدماء ومن يملك وضعها هم أهالى القتلى كما قال تعالى :
""يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان"
فأهل القتيل هم من يعفون وليس الحاكم حتى ولو كان النبى(ص)
الثالث وضع ربا الجاهلية ومنه ربا عباس بن عبد المطلب وهذا الكلام يتعارض مع أن الربا محرم من المرحلة المكية فكيف يتم تأخير تحريمه إلى سنة الحج
الرابع القول أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه وأن عقاب الزنى الضرب غير غير المبرح هو إباحة للفاحشة وهى الزنى فالنساء لهم أن يجامعن من يرضى عنه أزواجهن وهو وطء الفرش
بينما العقوبة هى جلدهم الزناة مائة جلدة ضربا مبرحا ليس فيه رحمة كما قال تعالى :
"الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله"
والخطأ الخامس هو وجود جهة لله بدليل رفع الإصبع للسماء وهو ما يخالف أنه ليس كالخلق له جهة كما قال تعالى :
" ليس كمثله شىء"
ثم ذكر حديث أخر كرر نفس الأخطاء وهى :
"وكرر ذلك يوم النحر، فيما رواه ابن عباس، وأبو بكرة (خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى: قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى
قال: فإن دماءكم، وأموالكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم قال: اللهم اشهد! فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)"
ثم قام المؤلف بشرح الحديث فقال :
إن هذه الخطبة البليغة، ذات أهمية بالغة، من ناحية زمانها، ومكانها، وحال الخطيب، وحال المخاطبين:
1 - فالزمان: عشر ذي الحجة، أفضل أيام العام عملا صالحا، لحديث ابن عباس، - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله، من هذه الأيام، يعني أيام العشر) قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه، وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء) [رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وأحمد]
ولأجل ذا، نبه النبي على حرمة الزمان، ومناسبته، فقال في مستهل خطبته: أي يوم هذا، أي شهر هذا فاليوم يوم عرفة؛ خير يوم طلعت فيه الشمس، ويوم النحر، يوم الحج الأكبر، والشهر شهر ذي الحجة، أحد الأشهر الحرم"
والحديث باطل الخطأ فيه هو أن أى عمل صالح أحسن من الجهاد فى تلك الأيام والنبى(ص) لم يقله لأن الجهاد هو أفضل العمل فى أى وقت كما قال تعالى:
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم قال :
2 - والمكان: صعيد عرفات، ومشعر منى، خير بقاع الدنيا، ولهذا نبه على حرمة المكان، في مستهل خطبته، فقال: أي بلد هذا؟ أليست بالبلدة الحرام؟
3 - والخطيب: رسول الله، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وقائد الغر المحجلين، وخليل رب العالمين، في أعز موقف ديني، ودنيوي، مر به! ففيه نزل عليه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وهو يعلم، بأبي، هو، وأمي، أنها (حجة الوداع)، إذ كان يقول في أكثر من موقف: (لعلي لا أراكم بعد عامي هذا) [رواه النسائي، والترمذي]
فقد اجتهد لهم في الموعظة، ومحضهم خالص النصح، واستشهدهم أمام ربه، واستبرأ لدينه، فقال: (ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد)
4 - والمخاطبون: مائة ألف أو يزيدون، وصفهم شاهد عيان، جابر بن عبد الله - - بقوله: (فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مد بصري، بين يديه؛ من راكب، وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به) [رواه مسلم]"
وتحدث عن الحقوق الموجودة فى الخطبة فقال :
"لقد كان محفلا هائلا، وتجمعا غير مسبوق، تجلت فيه عزة الإسلام، وكمال الشريعة، وتمام النعمة، فلا غرو أن يتم الإعلان فيه عن مقاصد الإسلام، وبيان حقوق الإنسان الحقيقية، كما أعلنها نبي البشرية، في عرفة، لا كما سطرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بعد هذه الإعلان الإيماني، بنحو أربعة عشر قرنا، عام 1948م، في جنيف فلنتبين هذه الحقوق العظيمة:
أولا: الحقوق الأمنية
(إن دماءكم، وأموالكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية، تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع، من دمائنا؛ دم ابن ربيعة بن الحارث)
يا لها من رعاية عظيمة للحقوق الأساسية، للنفس البشرية! إن من حق الإنسان أن يأمن على نفسه، وعلى ماله فلا يطيب العيش مع الخوف، والجوع، ولهذا امتن الله على قريش باجتماع هاتين النعمتين (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)
كما ضرب مثلا بالقرية التي جمعهما لها، فقال: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)
إن الشريعة تكفل هذين الحقين الأساسيين؛ فلا تسمح لمعتد أن يلغ في الدماء، ويزهق الأرواح، ولا لطامع أن يستبد بالمال، وينهب الثروات بل إن الأصوليين يجعلون النفس، والمال، إحدى الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بصيانتها ويكفي في بيان تعظيم حرمة الدماء:
- قول الله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)
- وقوله: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)
- وقوله (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) [رواه النسائي]
- وفي حديث ابن مسعود، مرفوعا: (من اقتطع مال امرئ مسلم، بيمين كاذبة، لقي الله، وهو عليه غضبان) قال عبد الله: ثم قرأ رسول الله مصداقه من كتاب الله جل ذكره:" إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله " [رواه البخاري]
- وعن سعيد بن زيد أن رسول الله قال: (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين) [رواه مسلم]"
والحديث السابق باطل والخطأ هو تطويق الله للمنتقص من 7 أرضين ويخالف هذا أن التطويق الوحيد هو التطويق بالذهب والفضة أى المبخول به مصداق لقوله "سيطوقون ما بخلوا "كما أن الأرض تبدل يوم القيامة ومن ثم لا تكون 7 أرضين مصداق لقوله تعالى "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات "
ثم قال:
"والنصوص في هذا المعنى كثيرة شهيرة ولو قارن الإنسان ذلك، بما مارسه موقعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ من أوربيين، وأمريكان، وروس، ويابان، وقد أفنوا نحو سبعين مليونا من البشر، في حروبهم العالمية، ثم ظلوا يفنون الأبرياء في كل مكان؛ في فيتنام، وأفغانستان، والبوسنة، والعراق، وفلسطين، وباكستان، لأدرك أن ذلك الإعلان، مجرد دعوى زائفة، وذر للرماد في العيون، لا ترعاه ذمة، ولا تحفظه ضمانات
ولو قارن الإنسان ذلك، بما مارسه موقعو الإعلان، من نهب للثروات، واستغلال للشعوب الضعيفة، لأدرك أن المبادئ التي لا تنطلق من دين، واعتقاد، لا تعدو أن تكون ستارا لتمرير السرقات، ولبوس مسوح الضأن، في قلوب الذئاب
كما أن تأمل هذا البند، من الخطبة النبوية الرصينة، أدرك مدى التيه الذي يتخبط به المتساهلون في دماء المسلمين، والمعصومين، باسم الجهاد، وكيف استزلهم الشيطان، حتى هانت عليهم هذه الحرمات العظيمة، كما هانت على الخوارج الأولين
ومن تأمل هذه الرعاية الحقة للأموال، أدرك فداحة ما يمارسه المستبدون، المتنفذون، الذين يسرقون اللقمة من أفواه اليتامى، والأرامل، والمساكين، من المال الخاص، والعام فعن خولة الأنصارية قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن رجالا يتخوضون في مال الله، بغير حق، فلهم النار يوم القيامة) [رواه البخاري]
أما إن هذه الحرمات لا يحترمها إلا نفس مؤمنة، وقلب تقي أما إنه لا غنى للبشرية عن دين الإسلام، الذي يحمي الدماء، والأموال ألا ما أحوج القانونيين، والمشرعين، إلى مراجعة هذه النصوص ليعلموا أن الإسلام دين الحق، والعدل، والمرحمة"
وتحدث عن الحقوق الاقتصادية فقال :
"ثانيا: الحقوق الاقتصادية
(المال) عصب الحياة، وزينة الحياة الدنيا، لا قوام للناس إلا به في معاشهم، ومصالحهم، وحركتهم والإسلام ليس دين (رهبانية)، كالنصرانية، يصرف الناس عن مقتضى فطرتهم، وضرورات حياتهم، كما أنه ليس مذهبا ماديا، يقيم نظام الدنيا على حسابات عنصرية، كاليهودية، أو تجارية محضة، كما النظام الاقتصادي الحديث
لم يكن مستغربا، في هذا المحفل العظيم، أن ينأى خاتم النبيين بالاقتصاد السليم، عن الأصول الجاهلية، القائمة على (الربا) ذلك أن (الربا) ورم سرطاني، يتضاعف في مال فئة محدودة من التجار، ويستنزف دماء، وعرق، الكادحين من الفقراء، بغير حق، دون أن يحدث في المجتمع حراكا اقتصاديا، أو تجاريا، أو صناعيا، سليما، مستديما ولأجل ذا، أطلق النبي ، إعلانا عالميا، صريحا، مدويا، بتجريم الربا، وإهدار الربا؛ قليله، وكثيره، وبدأ بأقرب الناس إليه، عمه العباس بن عبد المطلب، لتبدو النزاهة، والمصداقية، بأبهى تطبيقاتها، فيحصل التأسي، والامتثال، بأصدق، وأقنع، صوره، فقال: (وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا؛ ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله)
الله أكبر! ما أروع الوضوح! ما أجلى الصورة! هل أبقى موضعا لمراب، عابث، متلاعب؟ لا والله!
لقد كان ربا الجاهلية مؤسسا على قاعدة بسيطة: (إما أن توفي، وإما أن تربي)، ونال من وعيد الله - تعالى - وذمه، ما تقشعر منه الأبدان، وتشمئز منه النفوس، كقوله: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون "
وربا النظام الاقتصادي العالمي، اليوم، مؤسس على نظريات، وقواعد، تدرس في الجامعات، ويهيمن على المصارف، والبنوك، في كل زاوية من الكرة الأرضية، ويتمظهر بصور، وأشكال، ومنتجات، لا حصر لها لقد تمكن اليهود، دهاقنة الربا، من إرساء الاقتصاد العالمي على أساس خبيث، هو الربا، المذموم، في كتاب الله، الملعون على لسان رسول الله (لعن آكل الربا وموكله) رواه البخاري، وفي رواية: (آكل الربا ومؤكله وشاهده وكاتبه) [رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي]
لقد اجتاح النظام الربوي العالمي، جميع بلاد الدنيا، وانخرطت الدول الإسلامية، في هذا المساق اللعين، وانصاعت مؤسساتها النقدية، ومصارفها، لقواعد اللعبة اليهودية، التي تسرق المال العام من أيدي مستحقيه، لتصبه في جيوبهم البخيلة، كما وصفهم الخبير بهم: (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل)]
إن في العالم الإسلامي، من المخزون المالي، والسلع الاقتصادية العالمية المؤثرة، ما يمكنها من الاستقلال، بنظام مصرفي، إسلامي، متحرر، من أوهاق الربا، ومصائده، لو أن المسلمين جددوا الاستماع إلى خطبة حجة الوداع
وإنه لمن دواعي الأسى، أن تعمد البنوك، والمصارف الإسلامية، الواعدة بأسلمة الاقتصاد، إلى صنوف من الحيل، والممارسات، والتعاملات، تشبه الربا، أو دخنه لقد ملت تلك المصارف من المشاريع الاقتصادية الحقيقية، التي تتطلب جهدا، ووقتا، وآثرت صناعة (منتجات) سريعة المردود، قليلة الجهد، تدور المال بطريقة ابتزازية، ولا تنشئ اقتصادا حقيقيا، ولا حراكا سوقيا منتجا وقامت كثير من (الهيئات الشرعية) بـ (تكييف) و (شرعنة) بعض التعاملات الربوية، لتعيد إخراجها، بثوب (إسلامي) ممهور بختم (فقهاء)، لا (خبراء)، وتحمل أسماء (التورق) و (المرابحة) و (التمويل) و (الصكوك)، لا (الفائدة) و (الهامش) و (السندات) و (الكمبيالات)
إن على المجامع الفقهية، والمتخصصين من المفتين بشؤون الاقتصاد، أن يمحضوا النصح للمسلمين، ويحملوهم على ما حملهم عليه نبيهم في خطبته البليغة، الصريحة، الواضحة، وألا يتذرعوا بدعاوى (التيسير) و (التدرج) لتأنيس الربا، وتسليكه بين المسلمين، فلن يزيدهم ذلك، كما يشهد الواقع، إلا تتبعا للرخص، وإمعانا في الربا، (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم) وقى الله المسلمين مغبة الربا، وشؤم عاقبته"
وكما تحدث عن الربا فى الفقرات السابقة وأن الحكومات فى بلاد المنطقة رغم غناها بسبب ثروات المنطقة عن الربا حاولت عبر فقهاء السلطان إدخال الربا وقد نجحت من خلال الفتاوى تحدث عن الأسرة والحقوق الاجتماعية فقال :
"[3] الحقوق الاجتماعية
وتتمثل هذه الحقوق الاجتماعية، ببيان الحقوق الزوجية؛ إذ (الأسرة) نواة المجتمع، ولبنته الأولى، فإن كانت آمنة، مستقرة، وادعة، صار المجتمع كذلك! وإن طغى عليها الشقاق، والظلم، وسوء العشرة، استحال المجتمع إلى عش دبابير، يلسع بعضهم بعضا
جاء في سياق خطبته، (فاتقوا الله في النساء! فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [رواه مسلم]
ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربا غير مبرح
إن هذه الجمل المحكمة، تتضمن توزيع الحقوق والواجبات، على طرفي الحياة الزوجية، وتستند في الالتزام بها على أفضل الضمانات، وأعظمها، وهي (التقوى): (فاتقوا الله في النساء)، والتذكير العميق بحقيقة الوشيجة الزوجية، وسر رباطها: (فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) إن هذه الكلمات لتزرع الحرج الواعي في ضمائر الأزواج، الذين يجدون في أنفسهم نوع قدرة، وسلطة، على النساء الضعيفات، وتحملهم على الوفاء بالواجبات، كما أنها لا تبخسهم حقوقهم:
1 - فالزوجة مأمورة بحفظ غيبة زوجها، وطاعته، كما وصف الله بقوله: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) فيدخل في ذلك أن تحفظ بيت بعلها أن يغشاه من لا يحب؛ من رجل، أو امرأة فللزوج حق الطاعة بالمعروف، لما علل الله به، بقوله: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)
إن نظام الأسرة في الإسلام مبني بشكل واضح على (قوامة) أو (قيام) الزوج على أهل بيته، وتحمله المسؤولية التامة على من تحت يده، وذلك يمنحه، بطبيعة الحال، حق الطاعة على زوجته بالمعروف ولا يمكن أن يقود السفينة ربانان، وإلا أفضى إلى غرقها و (الزوجة) في النظام الأسري المعاصر، متحررة، متمردة، غير خاضعة لتوجيه زوجها؛ فيكفل لها القانون أن تصاحب من تشاء، وتخلوا بمن تشاء، وتستضيف من تشاء، وتعمل حيث تشاء، دون الرجوع إلى الزوج، والحصول على إذنه وقد أفرزت هذه الممارسات شرا عظيما، وخطرا مستطيرا، لم يعد خافيا على ذي عينين وليس من حق الزوج في النظام الأسري المعاصر، أن يمارس أي لون من ألوان التأديب، لأن القانون يحميها، ويدينه، فعليه أن يغمض على قذى، ويصبر على مضض
2 - والزوج في شريعة الله ملزم بالنفقة على أهل بيته، وأخصهم الزوجة: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) حتى إن نفقة الوالدين، والأولاد، تسقط باستغنائهم، ولا تسقط نفقة الزوجة بحال! ولو كانت من أغنى الناس بل قد أذن النبي للزوجة التي تعاني من بخل زوجها، وتقتيره، أن تأخذ كفايتها، وكفاية ولدها، من ماله، دون علمه، بالمعروف
فعن عائشة، أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني، وولدي، إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم فقال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) [رواه البخاري]
وكثيرا ما تلجأ الزوجة في المجتمعات الغربية، ومن تأثر بها، إلى ابتذال نفسها بالعمل، بغرض تحصيل الرزق، وتتعرض لصنوف الأذى الحسي، والمعنوي، والتحرش الجنسي، بسبب الحاجة للكسب في حين تضمن الشريعة للمرأة المسلمة، نفقاتها، وتحملها أباها، وزوجها، لتبقى درة مصونة، تزاول ما خلقت له، ولا تلقي بنفسها في مواطن الابتذال، والابتزاز
وتتعاظم القوانين الحديثة، باسم حقوق الإنسان، استعمال (الضرب) وسيلة تأديبية، وتنبز الإسلام بهذه الشائنة، زعموا! وتتلجلج العبارات في أفواه كثير من المنهزمين، روحيا، وفكريا، من الإسلاميين بسبب سياط النقد اللاذع الذي تنهال من الغربيين، وأذنابهم، فيتكلفون المحامل الاعتذارية الوعرة، ويلوون أعناق النصوص، ليرضوهم (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير)
إن الأنظمة الحديثة تعتمد مبدأ (الثواب) و (العقاب)، وتدرك أنه لا غنى لسياسة الناس، وكبح جماح الناشزين، من لون من الردع فلم تستعظم أن يلجأ الزوج في درجة ثالثة، بعد استنفاد الوسيلتين الأوليين، الموعظة، والهجر، إلى تأديب زوجته الناشز، بإيلام جسدي، غير مبرح، يكسر فوعة النشوز، ويردها إلى حال السواء؟!
إن دين الله ليس (مزادا علنيا) و (كلأ مباحا) لكل من هب، ودب، ومشى، ودرج، وليس خاضعا لتغير الأمزجة، والنظم البشرية إن الذي خلق الخلق أعلم بمصالحهم: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)
ولو تفحص هؤلاء المنهزمون ما يجري في بلاد الغرب من إساءة للنساء، بمختلف أنواع الإساءة، لأدركوا ما تتمتع به المرأة المسلمة من كرامة، ورعاية، وصيانة لقد بات ما يسمى: ( Women Abuse) ظاهرة سائدة في المجتمعات الغربية، تحكي الانهيار الأخلاقي، والمجتمعي للنظام الاجتماعي الحديث، المستظل بمظلة حقوق الإنسان
إنهما منظومتان اجتماعيتان متمايزتان:
- منظومة الإسلام التي جرى إعلانها في خطبة حجة الوداع،
- ومنظومة الجاهلية الحديثة التي جرى تدشين بعض فقراتها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) "
العجيب أن المؤلف لم يتناول حكاية وطء الفرش من يرضون لأنه مصيبة كبرى من المصائب معناها أن تزنى المرأة مع من يرضى زوجها وهو ما حرم الله بتحريم الزنى ومن صوره أن الرجل كان يبيح لزوجته أن تجامع فى بيته أو فى بيت الرجل صاحب المنزلة الكبيرة الرجل العظيم المزعوم حتى يأتى ابنهم مثله عظيم
وتحدث عن الحقوق الدستورية فقال :
"[4] الحقوق الدستورية
ختم النبي خطبته العصماء، بقوله: (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت فقال بإصبعه السبابة؛ يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد! اللهم اشهد! ثلاث مرات) [رواه مسلم]
لقد تضمن هذا النص الإحالة القطعية على مصدري الهدى، ودين الحق، وهما:
1 - كتاب الله: المحفوظ بين الدفتين، الذي تكفل الله بحفظه، فلا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه
2 - سنة نبيه ، التي شهد له الناس، بالبلاغ، والأداء، والنصح
إن فيصل التفرقة بين دين الحق، والجاهلية، هو في المرجعية التي تسمى في لغة العصر (الدستور) فأهل الجاهلية القديمة، والحديثة، يصطنعون لأنفسهم أحكاما، وقوانين، يحملون عليها الكافة، ويرسمون بها خطة معاشهم، ويحتكمون إليها عند التنازع، ويعظمونها، ويقسمون عليها عند تولي المناصب، والرياسات، ويعتبرون الإخلال بها (خيانة عظمى) في بعض الأحوال، و (خروجا عن القانون) في باقيها فربما سميت في قرون خلت (شريعة حمورابي)، أو (أحكام قراقوش)، أو (ياسق جنكيز خان) وربما سميت في العصور الحديثة: (القانون الفرنسي)، أو (القانون الإنجليزي)، أو (الشرعية الدولية)
أما أهل الإيمان، فيرون أن التشريع حق خالص لله، لا يشاركه فيه غيره، ولا يحتكم فيه لسواه قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) وقال: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله) وظلت هذه العقيدة مستقرة في خلد المسلمين، وفي واقعهم السياسي، وال تنظيمي، قرونا متعاقبة، بوصفها: (من المعلوم من الدين بالضرورة)
لم يخالج أهل الإسلام شك في أن (الهدى) في لزوم الكتاب والسنة، وإن قصروا في تطبيقه وأن (الضلال) في الحيدة عنهما، وإن تلبسوا بشيء ذلك وكان كل تجديد، وإصلاح، يقع في تاريخ الأمة، يعول على التمسيك بهذين الأصلين، والرد إليهما عند التنازع (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) "
الغريب فى أمر المؤلف أنه ذكر رواية تجعل المرجعية الوحيدة هى كتاب الله ولا يوجد فيها ذكر للسنة ومع هذا يصر على أنهما مرجعيتان رغم أنه قال بعدم إشراك أحد مع الله والسنة إن لم تكن سنة الله فهى نوع من الشراكة المحرمة لأنها تجعل الرسول(ص) شريكا لله فى التشريع
وحدثنا عن أن الانحراف عن الإسلام بتغيير القوانين بدأ منذ قرنين تقريبا فى عهد الدولة العثمانية وهو كلام يتناسى أن الشريعة تاريخيا توقف العمل بها منذ بداية حكم معاوية وتم وضع الأحكام البشرية بعدم تساوى الناس من خلال وراثة الحكم ومن خلال توزيع المناصب على أهل الحاكم ومنافقيه ومن خلال عدم تطبيق الحدود إلا على الهوى وفى الانحراف المزعم قال :
"وقد بدأ خط الانحراف بالانفراج عن الخط المستقيم، حين سعت الدولة العثمانية، إبان حكم السلطان محمود الثاني (ت:1839) في محاكاة الدول الأوربية في سن التنظيمات، والقوانين، التجارية، والمدنية، ثم سار على خطاه السلطان عبد المجيد الأول، فأصدر مرسومه الشهير (خط شريف كولخانه) الذي ألغى رسميا (نظام الملل)، عام 1839م، كما صنع إبراهيم باشا، ذات الإجراء حين استولى على بلاد الشام عام 1832م، حين أصدر (القانون البيورلدي) القاضي بإلغاء أحكام أهل الذمة، حتى آل الأمر بالدولة العثمانية، تحت ضغوط الدول الأوربية إلى إصدار تنظيم أكثر اتساعا، عام 1856م عرف باسم (الخط الهمايوني)
ولم يزل بساط الشرع يطوى، وتبسط مكانه القوانين الوضعية، حتى انحسر الحكم بالشريعة في معظم البلدان الإسلامية بما يسمى (الأحوال الشخصية)، المتعلقة بالنكاح، والطلاق، والنفقات، والميراث، ونحوها بل طرأ على هذه المذكورات ما يقتضي، في نظر القانونيين، ما يقتضي التغيير، استجابة للمعاهدات الدولية، والاستزلال العالمي ولا زالت الجامعات، والبعثات، تغذ السير لدراسة (النظم) و (القوانين) لإحلالها محل الشريعة الخاتمة، والهدي النبوي
وكانت النتيجة المشؤومة، المتوقعة، مزيدا من الضلال، والتخبط، والارتكاس في حمأة الجاهلية المعاصرة ونشأت أوضاع فطم عليها الصغير، وشاب عليها الكبير، تستسيغ تنحية كتاب الله، وتكتفي منه ببركة الترتيل، والتطريب، وتهجره في العمل، والاتباع ولا حول ولا قوة إلا بالله
ولا ريب أن الاهتداء بكتاب الله، وسنة رسول الله لا يقتصر على شؤون الحكم، والتنظيم، بل يتناول جميع مناحي الحياة؛ العلمية، والعملية، إلا إن المظهر العام للأمة، والأثر البليغ يحصل بالأحكام السلطانية، التي تطال جميع الرعية، فإن الله يزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن
ووالله، لو أن قلوب المسلمين امتلأت إيمانا، ويقينا، بموعود رسول الله ولو أن أولي الأمر منهم، تمسكوا بكتاب الله، لم يضلوا أبدا، ولهدوا إلى طريق العزة، والتمكين"
وأنهى الرجل حديثه بالقول أن الرسول(ص) بلغ الرسالة كما يجب فقال :
"ونحن نشهد، بما شهد به سلفنا لنبينا ونقول بملأ أفواهنا: (نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت) اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"