نقد كتاب مبادىء الفلسفة لديكارت
الكتاب مهدى من ديكارت إلى الأميرة إليزابث وفى هذا قال :
"إهداء إلى حضرة صاحبة الشوكة الأميرة إليزابث كبرى بنات فردريك ملك بوهيميا وكونت بالاتينا والأمير الناخب للإمبراطورية"
تكلم ديكارت فبين وجود فرق بين الفضائل الحقيقية والفضائل التي ليست إلا ظاهرية وبين وجود أمرين مطلوبين للحكمة هما إدراك الذهن لما هو خير واستعداد الإرادة لأن تتبعه على الدوام كما أن هنالك أمرا هو مناط الإرادة وحده يمكن أن يملكه الناس جميعا على السواء؛ نظرا إلى أن قرائح بعض الناس أقل جودة من قرائح غيرهم
وبدأ الرجل ينافق الأميرة بقوله:
"ولكن عندي دليل يخصني أنا وهو أنني لم ألق قط شخصا قد استطاع أن يفهم بمثل ما بلغت من إحاطة وإتقان كل ما تشتمل عليه مؤلفاتي"
وقد عرض ديكارت معنى الفلسفة فقال :
"معنى الفلسفة مبتدئا بأقرب الأشياء إلى فهم الكافة مثل أن لفظ "الفلسفة" معناه دراسة الحكمة وأنه لا يقصد بالحكمة التحوط في تدبير الأمور فحسب بل يقصد منها معرفة كاملة لكل ما يستطيع الإنسان أن يعرفه إما لتدبير حياته أو لحفظ صحته أو لاستكشاف الفنون جميعا؛ وأن المعرفة التي يتوسل بها إلى هاتيك الغايات لا بد أن تكون مستنبطة من العلل الأولى بحيث يكون من الضروري لاكتسابها "
ثم تحدث عن المبادى فقال:
"العلل الأولى أي بالفحص عن "المبادئ"؛ وأن هاتيك المبادئ لا بد أن يتوافر فيها شرطان أحدهما أن يكون من الوضوح والبداهة بحيث لا يستطيع الذهن الإنساني أن يرتاب في حقيقتها متى أمعن النظر فيها والثاني أن تعتمد عليها معرفة الأشياء الأخرى بحيث إنها يمكن أن تعرف بدون هذه الأشياء ولا تعرف هذه الأشياء الأخرى بحيث إنها يمكن أن تعرف بدون هذه الأشياء ولا تعرف هذه الأشياء بدونها "
ثم تحدث عن منفعة الفلسفة فقال:
"فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين والهمجيين وأن حضارة الأمة وثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها"
ووضح أن الناس أهم جزء فيهم هو الذهن فيجب عليهم أن يجعلوا طلب الحكمة همهم الأكبر؛ لأن الحكمة هي القوت الصحيح للعقول
ثم شرح ديكارت مم تتألف كل المعرفة التي نملكها الآن وإلى أي درجات الحكمة وصلنا؟ الأولى لا تشتمل إلا على تصورات بلغ من وضوحها بذاتها أن أصبح اكتسابها ميسورا دون تأمل والثانية تشتمل على كل ما تدلنا عليه تجربة الحواس والثالثة ما نتعلمه من أحاديثنا مع غيرنا من الناس ويصح أن نضيف إلى ما سبق درجة رابعة وهي مطالعة الكتب لا أقول جميعا بل على الخصوص تلك التي كتبها أشخاص قادرون على تزويدنا بإرشادات حسنة؛ لأن مطالعة الكتب ضرب من التحدث مع مؤلفيها ويبدو لي أن كل الحكمة التي يقع امتلاكها في مألوفنا مكتسبة بهذه الطرق الأربعة فقط؛ لأني لا أضع الوحي الإلهي من بينها؛ إذ إن هدايته ليست على درجات وإنما يرفعنا دفعة واحدة إلى إيمان لا يتزعزع"
وبين عيب في جميع المنازعات وهو أنه لما كانت الحقيقة وسطا بين الرأيين المتقابلين فإن كل طرف يبعد عنها بمقدار ما يكون ميله إلى معارضة الطرف الآخر لكن خطأ من مالوا كل الميل إلى جانب الشك لم يجد من تابعه زمنا طويلا أما خطأ الفريق الآخر فقد تيسر تصحيحه شيئا ما حين تبين أن الحواس تخدعنا في كثير من الأشياء
ثم بين أنه سيعرض مبادىء الخير الأسمى في الحياة الإنسانية فقال:
"وأود بعد إيضاح هذه الأمور أن أورد هنا الأدلة اللازمة لإثبات أن المبادئ التي تعيننا على الوصول إلى مراتب الحكمة هذه -وهو قوام الخير الأسمى في الحياة الإنسانية- هي المبادئ التي وضعتها في هذا الكتاب"
المبدأ ألأول عند ديكارت أن الإنسان لا يمكن أن يشك فى وجوده ولو شك فى كل شىء أخر والمبدأ الثانى وجود الله والثالث مبادئ الأشياء الجسمانية أو الفيزيقية أعني وجود أجسام ممتدة طولا وعرضا وعمقا وذات أشكال مختلفة ومتحركة على أنحاء مختلفة" هذا بإيجاز جميع المبادئ التي استنبطت منها حقيقة الأشياء الأخرى"
وطلب ديكارت من القراء قراءة الكتاب مرة أولى كرواية ومرة ثانية لمعرفة الصعوبات التى لم يفهموها ومرة ثالثة لكى يعرفوا أنه اجاب على الصعوبات
ووضح الرجل أن أجزاء الفلسفة هى :
ما وراء الطبيعة وهو الميتافيزيقا والفيزيقا وهى الطبيعة ثم ذكر بعض مؤلفاته السابقة مثل
مقال في المنهج ورسائل ثلاث إحداها عن "البصريات" والأخرى عن "الآثار العلوية" والثالثة عن الهندسة وكتاب تأملات
ثم ذكر تكون كتابه من أربعة أجزاء هى الفلسفة الأولى أو الميتافيزيقا والأقسام الثلاثة الأخرى أعم ما في الفيزيقا أعني تفسير القوانين الأولى أو مبادئ الطبيعة
وقد بين صعوبة فهم الفلسفة فى أول الأمر وذكر أن أحد أنصاره سرق منه أفكاره وأصدرها فى كتاب اسمه أسس الفيزيقا عرض فيها لفلسفته بجهل وقد تناول ديكارت مبادئ المعرفة البشرية فقال:
- "في أنه للفحص عن الحقيقة يحتاج الإنسان مرة في حياته إلى أن يضع الأشياء جميعا موضع الشك بقدر ما في الإمكان"
وكرر الرجل كلامه عن الشك عدة مرات وكان الأولى به جعله مبدأ واحد فقال :
- "في أن من النافع أيضا أن نعد جميع الأشياء التي يمكن الشك فيها غير صحيحة"
- "في أنه لا ينبغي أن نستعمل هذا الشك في تدبير أفعالنا"
- "لم يمكن الشك في حقيقة الأشياء الحسية؟ "
- "لم يمكن الشك أيضا في براهين الرياضة؟ "
- في أن لنا حرية اختيار تجعلنا نستطيع أن نمسك عن التصديق بالأشياء المشكوك فيها؛ ومن ثم نصون أنفسنا من الوقوع في الضلال لكن على فرض أن الذي خلقنا واسع القدرة وعلى فرض أنه يرضيه إضلالنا فنحن لا نخلو من أن نجد في أنفسنا حرية نستطيع بها إذا شئنا أن نمتنع عن التصديق بالأشياء التي لا نعرفها حق المعرفة وبهذا نمنع أنفسنا من الضلال
- في أننا لا نستطيع أن نشك دون أن نكون موجودين وأن هذا أول معرفة يقينية يستطاع الحصول عليها
- في أننا نعرف أيضا بعد ذلك التمييز القائم بين النفس والبدن
- الفكر كل ما يختلج فينا بحيث ندركه بأنفسنا إدراكا مباشرا ومن أجل هذا لا يقتصر مجال الفكر على التعقل والإرادة والتخيل بل يتناول الإحساس أيضا وأنا حين قلت إن هذه القضية "أفكر وإذن فأنا موجود" هي أول وأوثق قضية تعرض لمن يتفلسف على نهج مرتب
- كيف نستطيع أن نعرف نفوسنا معرفة أوضح من معرفتنا لأجسامنا ؟
- لم كان الناس جميعا لا يعرفون النفس على هذا النحو؟
إن من لم يسلكوا سبيل التفلسف المرتب قد أدلوا بآراء أخرى في هذا الموضوع؛ لأنهم يبذلون القدر اللازم من العناية للتمييز بين النفس أو الجوهر المفكر وبين الجسم أو الجوهر الممتد طولا وعرضا وعمقا - على أي معنى يمكن القول بأن من جهل الله فلن يستطيع أن يعرف شيئا آخر معرفة يقينية؟
- في إمكان إثبات وجود الله من أن ضرورة الكينونة أو الوجود متضمنة في تصورنا له
- في أن ضرورة الوجود ليست متضمنة في فكرتنا عن الأشياء الأخرى بل إن كان الوجود فحسب ويستطيع الفكر أن يزداد وثوقا من صحة هذه النتيجة إذا انتبه
- في أن الأوهام تمنع الكثيرين من أن يتبينوا ما يتميز الله به من ضرورة الوجود
- في أنه بقدر ما تتصور من الكمال في شيء ينبغي أن نعتقد أن علته لابد أن تكون أوفر منه كمالا وهو الله تعالى
- في أننا وإن كنا لا نحيط علما بذات الله وصفاته فما من شيء نعلمه أوضح مما نعلم كمالاته
- في أننا لسنا علة أنفسنا وإنما الله علتنا
- في أن آجالنا في حياتنا كافية وحدها لإثبات وجود الله
- في أننا حين نعرف وجود الله على نحو ما أوضحنا ههنا نعرف أيضا جميع صفاته بقدر ما تستطاع معرفتها بنور الفطرة وحده
- في أن الله غير جسماني وأنه لا يعرف الأشياء بالحواس على نحو ما نعرفها وأنه ليس مريدا لحصول الخطيئة والإثم ذلك لأن في العالم أشياء هي محدودة وناقصة إلى حد ما وإن يكن فيها أيضا قدر من الكمال
- في أنه بعد معرفتنا بوجود الله ينبغي -للانتقال إلى معرفة المخلوقات- أن نتذكر أن أذهاننا متناهية وأن قدرة الله لامتناهية
- يجب علينا أن نؤمن بكل ما أنزله الله وإن يكن فوق متناول مداركنا
- في أننا لا ينبغي أن نحاول أن نفهم "اللامتناهي" بل حسبنا أن نسلم بأن كل ما لا نجد فيه حدودا فهو عندنا "لامحدود" بذلك ننأى بأنفسنا دائما عن الخوض في المجالات التي تدور حول اللامتناهي
- لا نقول عن الأشياء إنها "لامتناهية" بل هي عندنا أجدر باسم "اللامحدودة" تخصيصا لله وحده باسم اللامتناهي؛ لأننا لا نلحظ حدودا في كمالاته ولأننا موقنون جدا بأنه من غير الممكن أن يكون لها حدود أما الأشياء الأخرى فنحن نعلم أنها ليست في هذه المرتبة من الكمال المطلق
- في أنه لا ينبغي أن نفحص عن الغاية التي من أجلها صنع الله كل شيء بل حسبنا أن نفحص عن الوسيلة التي أراد أن يكون حدوث الشيء بها
- الله ليس علة لأفكارنا وأول صفاته التي يبدو من المستحسن النظر فيها ههنا هي أنه حق جدا وأنه منبع كل نور بحيث إنه من غير الممكن أن يضلنا أي إنه يكون علة مباشرة للأخطاء التي نكون عرضة لها والتي نبلوه في أنفسنا
- ويترتب على ذلك كل ما نعرفه في وضوح على أنه حق فهو حق وهو أمر يخلصنا من الشكوك التي أثرناها فيما تقدم
- أخطاءنا بالنسبة إلى الله ليست إلا أسلوبا ولكنها بالنسبة إلينا حرمان وعيب
- ليس فينا إلا نوعان من الفكر وهما إدراك الذهن وفعل الإرادة
- لا نخطئ إلا حين نحكم على شيء لم يعرف لنا معرفة كافية
- أن الإرادة لازمة للحكم لزوم الذهن إني أقر بأننا لا نستطيع أن نحكم على شيء ما لم يتدخل ذهننا فيه
- الإرادة أوسع نطاقا من الذهن وأنها لذلك مصدر لأخطائنا يضاف إلى ذلك أن إدراك الذهن إنما يتناول القليلة المعروضة له فمعرفته دائما محدودة جدا؛ بينما الإرادة على نحو ما تبدو لامتناهية
- أخطاءنا لا يصح نسبتها إلى الله
- أعلى مراتب الكمال عند الإنسان هو أنه حر الاختيار وهو الأمر الذي يجعله خليقا بالمدح والذم
- أخطاءنا هي عيوب في تصرفنا لا في طبيعتنا وأن أخطاء الناس يمكن في أكثر الأحيان أن تنسب إلى الفاعلين الآخرين لا إلى الله
- حرية إرادتنا لا تعرف بالدليل وإنما تعرف بتجربتنا لها
- نعلم أيضا بعلم يقيني جدا أن الله قدر الأشياء جميعا تقديرا سابقا على حصولها
- نملك من العقل ما يكفي لأن نعرف بوضوح وتميز أن تلك القدرة في الله؛ وليس لدينا منه ما يكفي لأن نفهم مدى تلك القدرة إلى الحد الذي نعلم معه كيف تأذن بأن تكون أفعالنا بتمامها حرة غير مقيدة وإننا من جهة أخرى لواثقون من الحرية وعدم التقيد القائمين فينا بحيث لا نعرف شيئا بوضوح أكثر مما نعرفهما؛
- إنما نخطئ بإرادتنا- لن نخطئ إذا ما التزمنا أن لا نحكم إلا على أشياء ندركها إدراكا واضحا
- لا نستطيع إلا أن نحكم حكما فاسدا على ما لا ندركه إدراكا واضحا وإن تصادف أن كان حكمنا صحيحا وكثيرا ما تكون ذاكرتنا سببا في ضلالنا
- المعرفة المتميزة هي التي بلغ من دقتها واختلافها عن كل ما عداها أنها لا تحتوي في ذاتها إلا على ما يبدو بجلاء لمن ينظر فيها كما ينبغي
- الإدراك يمكن أن يكون واضحا دون تميز ولكن العكس ليس صحيحا
- لكي نطرح الأوهام والأحكام المبتسرة التي كسبناها في طفولتنا يجب أن ننظر في كل فكرة من أفكارنا الأولى؛ لنتبين ما هو واضح منها
- كل موضوعات معرفتنا ننظر إليها إما على أنها أشياء أو حقائق؛
- الحقائق لا يمكن تعدادها
- الحقائق جميعا يمكن أن تدرك بوضوح لكن إدراكها ليس ميسورا لجميع الناس بسبب ما يغشى عقولهم من أوهام شائعة وأحكام
- في ماهية الجوهر وفي أنه اسم لا يمكن نسبته إلى الله وإلى المخلوقات بمعنى واحد
- لفظ الجوهر يمكن نسبته إلى النفس وإلى الجسم بمعنى واحد
- كل جوهر له صفة أولى وصفة النفس الفكر كما أن الامتداد صفة الجسم
- في استطاعتنا إذن أن نحصل على معنيين أو فكرتين واضحتين ومتميزتين إحداهما فكرة جوهر مخلوق يفكر والأخرى فكرة جوهر ممتد على شرط أن نحرص كل الحرص على أن نفصل بين جميع صفات الفكر وبين صفات الامتداد فنستطيع أن نحصل أيضا على فكرة واضحة متميزة عن جوهر غير مخلوق يفكر ومستقل عما عداه أعني عن الله على شرط أن لا يظن أن هذه الفكرة تمثل لنا كل ما هو فيه وأن لا نخلط شيئا بوهم من أوهام أذهاننا بل أن ننتبه إلى ما هو مفهوم حقا في المعنى المتميز الذي نعرف أنه يخص طبيعة موجود كامل كمالا مطلقا
- لدينا تصورات متميزة جدا عن المدة والترتيب والعدد إذا كنا لا نخلط في فكرتنا عنها ما هو خاص بفكرة الجوهر ونقتصر على أن نرى أن مدة كل شيء إنما هي حال أو نحو من الأنحاء ننظر منه إلى ذلك الشيء من حيث إنه مستمر في الوجود وكذلك الترتيب والعدد لا يختلفان في الواقع عن الأشياء المرتبة والمعدودة وإنما هما وجهان مختلفان لاعتبارنا هذه الأشياء
- الوجوه أو الأحوال لا نعني شيئا سوى الصفات أو الكيفيات ولكن حين نضع في الاعتبار أن الجوهر متأثر ومتغير بها يستعمل لفظ "الأحوال" أو "الوجوه" وحين يكون هذا التأثير أو التغير داعيا إلى تسمية الجوهر جوهرا يطلق اسم الكيفيات على الوجوه المختلفة التي تجعله خليقا بهذا الاسم
- بعض الصفات موجود في الأشياء التي توصف بها وفي أن بعضها موجود في الفكر فقط وهذه الكيفيات أو الصفات منها ما هي موجودة في الأشياء ذاتها ومنها ما لا وجود له إلا في فكرنا
- الأعداد و"الكليات" إنما وجودها في فكرنا وكذلك العدد الذي ننظر فيه بوجه عام دون تفكير في أي شيء آخر
- الكليات هي الأفكار التي تقوم في أذهاننا حين نستعمل فكرة واحدة نعقل بها أشياء كثيرة جزئية بينها علاقة معينة
- التمييز على ثلاثة ضروب الأول التمييز الواقعي والثاني من حيث الحال والثالث التمييز العقلي أي الذي يكون من عمل الذهن
- التمييز من حيث الحال على ضربين أحدهما بين التي سميناها وجها والجوهر الذي تعتمد الحال عليه وتجعله متنوعا والثاني بين وجهين لجوهر واحد
- التمييز بالفكر عبارة عن أننا نميز أحيانا الجوهر من صفة من صفاته بدونها لا يكون من الممكن أن يكون لنا به معرفة متميزة أو أن نحاول الفصل بين صفتين من صفات جوهر واحد حين نفكر في أحدهما دون أن نفكر في الآخر
- نستطيع كذلك أن نعتبر أن الفكر والامتداد هما الشيئان الأساسيان اللذان يقومان طبيعة الجوهر العاقل والجوهر الجسماني؛ ولذلك لا ينبغي أن نتصورهما إلا باعتبار أنهما الجوهر نفسه الذي يفكر والذي هو ممتد أي إنهما هما النفس والجسم
- نستطيع أيضا أن نعتبر الفكر والامتداد حالين أو وجهين مختلفين قائمين في الجوهر أعني أننا متى اعتبرنا أن الذهن الواحد يمكن أن يكون له أفكار مختلفة وأن الجسم الواحد يمكن دون أن يتغير حجمه أن يمتد على أنحاء عديدة تارة يكون أكثر طولا وأقل عرضا وتارة أخرى يكون أكثر عرضا وأقل طولا
- نستطيع أن ندرك بغاية الوضوح أنحاء كثيرة مختلفة للفكر كالفهم والإرادة والتخيل وما إلى ذلك وندرك أنحاء كثيرة مختلفة للامتداد أو ما يتعلق بالامتداد كالأشكال جميعا بوجه عام ووضع الأجزاء وحركاتها على شرط أن ننظر إليها فقط على أنها أحوال قائمة في الجوهر هي تابعة له
- أحاسيسنا وانفعالاتنا وشهواتنا نستطيع أن نعرفها أيضا معرفة واضحة متميزة إذا ما حرصنا على أن لا ندخل في الأحكام التي نطلقها عليها إلا ما يتيح لنا وضوح إدراكنا أن نعرف معرفة محددة
- ضرورة وجوب التمييز في هذه الأشياء بين ما يمكن أن نخطئ فيه وبين ما نعرفه في وضوح
- معرفتنا للعظام والأشكال وما إليها مختلفة عن معرفتنا للألوان وغيرها
- نستطيع أن نحكم بوجهين على الأشياء المحسوسة بأحدهما نقع في خطأ وبالآخر نتجنبه
- في أن العلة الأولى الكبرى لأخطائنا هي الأحكام المبتسرة التي اتخذناها في مقتبل عمرنا نستطيع أن نلاحظ هنا علة أخطائنا
- العلة الثانية لأخطائنا هي أننا لا نستطيع نسيان هذه الأحكام المبتسرة فإذا بلغنا أخيرا مرحلة نستعمل فيها عقولنا استعمالا تاما وحاولت نفوسنا بعد أن زال عنها خضوعها للبدن أن تحكم على الأشياء حكما سديدا وأن تعرف حقائقها معتبرة في ذاتها
- العلة الثالثة كون ذهننا يعتريه التعب من إطالة الانتباه إلى جميع الأشياء التي نحكم عليها
- العلة الرابعة لأخطائنا هي أننا نربط أفكارنا بألفاظ لا تعبر عنها تعبيرا
- إذا أردنا أن نفرغ لدراسة الفلسفة دراسة جدية وللبحث عن جميع الحقائق التي في مقدورنا معرفتها وجب علينا أن نتخلص أولا من أحكامنا السابقة وأن نحرص على اطراح جميع الآراء التي سلمنا بها من قبل
- ينبغي أن نفضل الأحكام الإلهية على استدلالاتنا
الكتاب مهدى من ديكارت إلى الأميرة إليزابث وفى هذا قال :
"إهداء إلى حضرة صاحبة الشوكة الأميرة إليزابث كبرى بنات فردريك ملك بوهيميا وكونت بالاتينا والأمير الناخب للإمبراطورية"
تكلم ديكارت فبين وجود فرق بين الفضائل الحقيقية والفضائل التي ليست إلا ظاهرية وبين وجود أمرين مطلوبين للحكمة هما إدراك الذهن لما هو خير واستعداد الإرادة لأن تتبعه على الدوام كما أن هنالك أمرا هو مناط الإرادة وحده يمكن أن يملكه الناس جميعا على السواء؛ نظرا إلى أن قرائح بعض الناس أقل جودة من قرائح غيرهم
وبدأ الرجل ينافق الأميرة بقوله:
"ولكن عندي دليل يخصني أنا وهو أنني لم ألق قط شخصا قد استطاع أن يفهم بمثل ما بلغت من إحاطة وإتقان كل ما تشتمل عليه مؤلفاتي"
وقد عرض ديكارت معنى الفلسفة فقال :
"معنى الفلسفة مبتدئا بأقرب الأشياء إلى فهم الكافة مثل أن لفظ "الفلسفة" معناه دراسة الحكمة وأنه لا يقصد بالحكمة التحوط في تدبير الأمور فحسب بل يقصد منها معرفة كاملة لكل ما يستطيع الإنسان أن يعرفه إما لتدبير حياته أو لحفظ صحته أو لاستكشاف الفنون جميعا؛ وأن المعرفة التي يتوسل بها إلى هاتيك الغايات لا بد أن تكون مستنبطة من العلل الأولى بحيث يكون من الضروري لاكتسابها "
ثم تحدث عن المبادى فقال:
"العلل الأولى أي بالفحص عن "المبادئ"؛ وأن هاتيك المبادئ لا بد أن يتوافر فيها شرطان أحدهما أن يكون من الوضوح والبداهة بحيث لا يستطيع الذهن الإنساني أن يرتاب في حقيقتها متى أمعن النظر فيها والثاني أن تعتمد عليها معرفة الأشياء الأخرى بحيث إنها يمكن أن تعرف بدون هذه الأشياء ولا تعرف هذه الأشياء الأخرى بحيث إنها يمكن أن تعرف بدون هذه الأشياء ولا تعرف هذه الأشياء بدونها "
ثم تحدث عن منفعة الفلسفة فقال:
"فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين والهمجيين وأن حضارة الأمة وثقافتها إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها"
ووضح أن الناس أهم جزء فيهم هو الذهن فيجب عليهم أن يجعلوا طلب الحكمة همهم الأكبر؛ لأن الحكمة هي القوت الصحيح للعقول
ثم شرح ديكارت مم تتألف كل المعرفة التي نملكها الآن وإلى أي درجات الحكمة وصلنا؟ الأولى لا تشتمل إلا على تصورات بلغ من وضوحها بذاتها أن أصبح اكتسابها ميسورا دون تأمل والثانية تشتمل على كل ما تدلنا عليه تجربة الحواس والثالثة ما نتعلمه من أحاديثنا مع غيرنا من الناس ويصح أن نضيف إلى ما سبق درجة رابعة وهي مطالعة الكتب لا أقول جميعا بل على الخصوص تلك التي كتبها أشخاص قادرون على تزويدنا بإرشادات حسنة؛ لأن مطالعة الكتب ضرب من التحدث مع مؤلفيها ويبدو لي أن كل الحكمة التي يقع امتلاكها في مألوفنا مكتسبة بهذه الطرق الأربعة فقط؛ لأني لا أضع الوحي الإلهي من بينها؛ إذ إن هدايته ليست على درجات وإنما يرفعنا دفعة واحدة إلى إيمان لا يتزعزع"
وبين عيب في جميع المنازعات وهو أنه لما كانت الحقيقة وسطا بين الرأيين المتقابلين فإن كل طرف يبعد عنها بمقدار ما يكون ميله إلى معارضة الطرف الآخر لكن خطأ من مالوا كل الميل إلى جانب الشك لم يجد من تابعه زمنا طويلا أما خطأ الفريق الآخر فقد تيسر تصحيحه شيئا ما حين تبين أن الحواس تخدعنا في كثير من الأشياء
ثم بين أنه سيعرض مبادىء الخير الأسمى في الحياة الإنسانية فقال:
"وأود بعد إيضاح هذه الأمور أن أورد هنا الأدلة اللازمة لإثبات أن المبادئ التي تعيننا على الوصول إلى مراتب الحكمة هذه -وهو قوام الخير الأسمى في الحياة الإنسانية- هي المبادئ التي وضعتها في هذا الكتاب"
المبدأ ألأول عند ديكارت أن الإنسان لا يمكن أن يشك فى وجوده ولو شك فى كل شىء أخر والمبدأ الثانى وجود الله والثالث مبادئ الأشياء الجسمانية أو الفيزيقية أعني وجود أجسام ممتدة طولا وعرضا وعمقا وذات أشكال مختلفة ومتحركة على أنحاء مختلفة" هذا بإيجاز جميع المبادئ التي استنبطت منها حقيقة الأشياء الأخرى"
وطلب ديكارت من القراء قراءة الكتاب مرة أولى كرواية ومرة ثانية لمعرفة الصعوبات التى لم يفهموها ومرة ثالثة لكى يعرفوا أنه اجاب على الصعوبات
ووضح الرجل أن أجزاء الفلسفة هى :
ما وراء الطبيعة وهو الميتافيزيقا والفيزيقا وهى الطبيعة ثم ذكر بعض مؤلفاته السابقة مثل
مقال في المنهج ورسائل ثلاث إحداها عن "البصريات" والأخرى عن "الآثار العلوية" والثالثة عن الهندسة وكتاب تأملات
ثم ذكر تكون كتابه من أربعة أجزاء هى الفلسفة الأولى أو الميتافيزيقا والأقسام الثلاثة الأخرى أعم ما في الفيزيقا أعني تفسير القوانين الأولى أو مبادئ الطبيعة
وقد بين صعوبة فهم الفلسفة فى أول الأمر وذكر أن أحد أنصاره سرق منه أفكاره وأصدرها فى كتاب اسمه أسس الفيزيقا عرض فيها لفلسفته بجهل وقد تناول ديكارت مبادئ المعرفة البشرية فقال:
- "في أنه للفحص عن الحقيقة يحتاج الإنسان مرة في حياته إلى أن يضع الأشياء جميعا موضع الشك بقدر ما في الإمكان"
وكرر الرجل كلامه عن الشك عدة مرات وكان الأولى به جعله مبدأ واحد فقال :
- "في أن من النافع أيضا أن نعد جميع الأشياء التي يمكن الشك فيها غير صحيحة"
- "في أنه لا ينبغي أن نستعمل هذا الشك في تدبير أفعالنا"
- "لم يمكن الشك في حقيقة الأشياء الحسية؟ "
- "لم يمكن الشك أيضا في براهين الرياضة؟ "
- في أن لنا حرية اختيار تجعلنا نستطيع أن نمسك عن التصديق بالأشياء المشكوك فيها؛ ومن ثم نصون أنفسنا من الوقوع في الضلال لكن على فرض أن الذي خلقنا واسع القدرة وعلى فرض أنه يرضيه إضلالنا فنحن لا نخلو من أن نجد في أنفسنا حرية نستطيع بها إذا شئنا أن نمتنع عن التصديق بالأشياء التي لا نعرفها حق المعرفة وبهذا نمنع أنفسنا من الضلال
- في أننا لا نستطيع أن نشك دون أن نكون موجودين وأن هذا أول معرفة يقينية يستطاع الحصول عليها
- في أننا نعرف أيضا بعد ذلك التمييز القائم بين النفس والبدن
- الفكر كل ما يختلج فينا بحيث ندركه بأنفسنا إدراكا مباشرا ومن أجل هذا لا يقتصر مجال الفكر على التعقل والإرادة والتخيل بل يتناول الإحساس أيضا وأنا حين قلت إن هذه القضية "أفكر وإذن فأنا موجود" هي أول وأوثق قضية تعرض لمن يتفلسف على نهج مرتب
- كيف نستطيع أن نعرف نفوسنا معرفة أوضح من معرفتنا لأجسامنا ؟
- لم كان الناس جميعا لا يعرفون النفس على هذا النحو؟
إن من لم يسلكوا سبيل التفلسف المرتب قد أدلوا بآراء أخرى في هذا الموضوع؛ لأنهم يبذلون القدر اللازم من العناية للتمييز بين النفس أو الجوهر المفكر وبين الجسم أو الجوهر الممتد طولا وعرضا وعمقا - على أي معنى يمكن القول بأن من جهل الله فلن يستطيع أن يعرف شيئا آخر معرفة يقينية؟
- في إمكان إثبات وجود الله من أن ضرورة الكينونة أو الوجود متضمنة في تصورنا له
- في أن ضرورة الوجود ليست متضمنة في فكرتنا عن الأشياء الأخرى بل إن كان الوجود فحسب ويستطيع الفكر أن يزداد وثوقا من صحة هذه النتيجة إذا انتبه
- في أن الأوهام تمنع الكثيرين من أن يتبينوا ما يتميز الله به من ضرورة الوجود
- في أنه بقدر ما تتصور من الكمال في شيء ينبغي أن نعتقد أن علته لابد أن تكون أوفر منه كمالا وهو الله تعالى
- في أننا وإن كنا لا نحيط علما بذات الله وصفاته فما من شيء نعلمه أوضح مما نعلم كمالاته
- في أننا لسنا علة أنفسنا وإنما الله علتنا
- في أن آجالنا في حياتنا كافية وحدها لإثبات وجود الله
- في أننا حين نعرف وجود الله على نحو ما أوضحنا ههنا نعرف أيضا جميع صفاته بقدر ما تستطاع معرفتها بنور الفطرة وحده
- في أن الله غير جسماني وأنه لا يعرف الأشياء بالحواس على نحو ما نعرفها وأنه ليس مريدا لحصول الخطيئة والإثم ذلك لأن في العالم أشياء هي محدودة وناقصة إلى حد ما وإن يكن فيها أيضا قدر من الكمال
- في أنه بعد معرفتنا بوجود الله ينبغي -للانتقال إلى معرفة المخلوقات- أن نتذكر أن أذهاننا متناهية وأن قدرة الله لامتناهية
- يجب علينا أن نؤمن بكل ما أنزله الله وإن يكن فوق متناول مداركنا
- في أننا لا ينبغي أن نحاول أن نفهم "اللامتناهي" بل حسبنا أن نسلم بأن كل ما لا نجد فيه حدودا فهو عندنا "لامحدود" بذلك ننأى بأنفسنا دائما عن الخوض في المجالات التي تدور حول اللامتناهي
- لا نقول عن الأشياء إنها "لامتناهية" بل هي عندنا أجدر باسم "اللامحدودة" تخصيصا لله وحده باسم اللامتناهي؛ لأننا لا نلحظ حدودا في كمالاته ولأننا موقنون جدا بأنه من غير الممكن أن يكون لها حدود أما الأشياء الأخرى فنحن نعلم أنها ليست في هذه المرتبة من الكمال المطلق
- في أنه لا ينبغي أن نفحص عن الغاية التي من أجلها صنع الله كل شيء بل حسبنا أن نفحص عن الوسيلة التي أراد أن يكون حدوث الشيء بها
- الله ليس علة لأفكارنا وأول صفاته التي يبدو من المستحسن النظر فيها ههنا هي أنه حق جدا وأنه منبع كل نور بحيث إنه من غير الممكن أن يضلنا أي إنه يكون علة مباشرة للأخطاء التي نكون عرضة لها والتي نبلوه في أنفسنا
- ويترتب على ذلك كل ما نعرفه في وضوح على أنه حق فهو حق وهو أمر يخلصنا من الشكوك التي أثرناها فيما تقدم
- أخطاءنا بالنسبة إلى الله ليست إلا أسلوبا ولكنها بالنسبة إلينا حرمان وعيب
- ليس فينا إلا نوعان من الفكر وهما إدراك الذهن وفعل الإرادة
- لا نخطئ إلا حين نحكم على شيء لم يعرف لنا معرفة كافية
- أن الإرادة لازمة للحكم لزوم الذهن إني أقر بأننا لا نستطيع أن نحكم على شيء ما لم يتدخل ذهننا فيه
- الإرادة أوسع نطاقا من الذهن وأنها لذلك مصدر لأخطائنا يضاف إلى ذلك أن إدراك الذهن إنما يتناول القليلة المعروضة له فمعرفته دائما محدودة جدا؛ بينما الإرادة على نحو ما تبدو لامتناهية
- أخطاءنا لا يصح نسبتها إلى الله
- أعلى مراتب الكمال عند الإنسان هو أنه حر الاختيار وهو الأمر الذي يجعله خليقا بالمدح والذم
- أخطاءنا هي عيوب في تصرفنا لا في طبيعتنا وأن أخطاء الناس يمكن في أكثر الأحيان أن تنسب إلى الفاعلين الآخرين لا إلى الله
- حرية إرادتنا لا تعرف بالدليل وإنما تعرف بتجربتنا لها
- نعلم أيضا بعلم يقيني جدا أن الله قدر الأشياء جميعا تقديرا سابقا على حصولها
- نملك من العقل ما يكفي لأن نعرف بوضوح وتميز أن تلك القدرة في الله؛ وليس لدينا منه ما يكفي لأن نفهم مدى تلك القدرة إلى الحد الذي نعلم معه كيف تأذن بأن تكون أفعالنا بتمامها حرة غير مقيدة وإننا من جهة أخرى لواثقون من الحرية وعدم التقيد القائمين فينا بحيث لا نعرف شيئا بوضوح أكثر مما نعرفهما؛
- إنما نخطئ بإرادتنا- لن نخطئ إذا ما التزمنا أن لا نحكم إلا على أشياء ندركها إدراكا واضحا
- لا نستطيع إلا أن نحكم حكما فاسدا على ما لا ندركه إدراكا واضحا وإن تصادف أن كان حكمنا صحيحا وكثيرا ما تكون ذاكرتنا سببا في ضلالنا
- المعرفة المتميزة هي التي بلغ من دقتها واختلافها عن كل ما عداها أنها لا تحتوي في ذاتها إلا على ما يبدو بجلاء لمن ينظر فيها كما ينبغي
- الإدراك يمكن أن يكون واضحا دون تميز ولكن العكس ليس صحيحا
- لكي نطرح الأوهام والأحكام المبتسرة التي كسبناها في طفولتنا يجب أن ننظر في كل فكرة من أفكارنا الأولى؛ لنتبين ما هو واضح منها
- كل موضوعات معرفتنا ننظر إليها إما على أنها أشياء أو حقائق؛
- الحقائق لا يمكن تعدادها
- الحقائق جميعا يمكن أن تدرك بوضوح لكن إدراكها ليس ميسورا لجميع الناس بسبب ما يغشى عقولهم من أوهام شائعة وأحكام
- في ماهية الجوهر وفي أنه اسم لا يمكن نسبته إلى الله وإلى المخلوقات بمعنى واحد
- لفظ الجوهر يمكن نسبته إلى النفس وإلى الجسم بمعنى واحد
- كل جوهر له صفة أولى وصفة النفس الفكر كما أن الامتداد صفة الجسم
- في استطاعتنا إذن أن نحصل على معنيين أو فكرتين واضحتين ومتميزتين إحداهما فكرة جوهر مخلوق يفكر والأخرى فكرة جوهر ممتد على شرط أن نحرص كل الحرص على أن نفصل بين جميع صفات الفكر وبين صفات الامتداد فنستطيع أن نحصل أيضا على فكرة واضحة متميزة عن جوهر غير مخلوق يفكر ومستقل عما عداه أعني عن الله على شرط أن لا يظن أن هذه الفكرة تمثل لنا كل ما هو فيه وأن لا نخلط شيئا بوهم من أوهام أذهاننا بل أن ننتبه إلى ما هو مفهوم حقا في المعنى المتميز الذي نعرف أنه يخص طبيعة موجود كامل كمالا مطلقا
- لدينا تصورات متميزة جدا عن المدة والترتيب والعدد إذا كنا لا نخلط في فكرتنا عنها ما هو خاص بفكرة الجوهر ونقتصر على أن نرى أن مدة كل شيء إنما هي حال أو نحو من الأنحاء ننظر منه إلى ذلك الشيء من حيث إنه مستمر في الوجود وكذلك الترتيب والعدد لا يختلفان في الواقع عن الأشياء المرتبة والمعدودة وإنما هما وجهان مختلفان لاعتبارنا هذه الأشياء
- الوجوه أو الأحوال لا نعني شيئا سوى الصفات أو الكيفيات ولكن حين نضع في الاعتبار أن الجوهر متأثر ومتغير بها يستعمل لفظ "الأحوال" أو "الوجوه" وحين يكون هذا التأثير أو التغير داعيا إلى تسمية الجوهر جوهرا يطلق اسم الكيفيات على الوجوه المختلفة التي تجعله خليقا بهذا الاسم
- بعض الصفات موجود في الأشياء التي توصف بها وفي أن بعضها موجود في الفكر فقط وهذه الكيفيات أو الصفات منها ما هي موجودة في الأشياء ذاتها ومنها ما لا وجود له إلا في فكرنا
- الأعداد و"الكليات" إنما وجودها في فكرنا وكذلك العدد الذي ننظر فيه بوجه عام دون تفكير في أي شيء آخر
- الكليات هي الأفكار التي تقوم في أذهاننا حين نستعمل فكرة واحدة نعقل بها أشياء كثيرة جزئية بينها علاقة معينة
- التمييز على ثلاثة ضروب الأول التمييز الواقعي والثاني من حيث الحال والثالث التمييز العقلي أي الذي يكون من عمل الذهن
- التمييز من حيث الحال على ضربين أحدهما بين التي سميناها وجها والجوهر الذي تعتمد الحال عليه وتجعله متنوعا والثاني بين وجهين لجوهر واحد
- التمييز بالفكر عبارة عن أننا نميز أحيانا الجوهر من صفة من صفاته بدونها لا يكون من الممكن أن يكون لنا به معرفة متميزة أو أن نحاول الفصل بين صفتين من صفات جوهر واحد حين نفكر في أحدهما دون أن نفكر في الآخر
- نستطيع كذلك أن نعتبر أن الفكر والامتداد هما الشيئان الأساسيان اللذان يقومان طبيعة الجوهر العاقل والجوهر الجسماني؛ ولذلك لا ينبغي أن نتصورهما إلا باعتبار أنهما الجوهر نفسه الذي يفكر والذي هو ممتد أي إنهما هما النفس والجسم
- نستطيع أيضا أن نعتبر الفكر والامتداد حالين أو وجهين مختلفين قائمين في الجوهر أعني أننا متى اعتبرنا أن الذهن الواحد يمكن أن يكون له أفكار مختلفة وأن الجسم الواحد يمكن دون أن يتغير حجمه أن يمتد على أنحاء عديدة تارة يكون أكثر طولا وأقل عرضا وتارة أخرى يكون أكثر عرضا وأقل طولا
- نستطيع أن ندرك بغاية الوضوح أنحاء كثيرة مختلفة للفكر كالفهم والإرادة والتخيل وما إلى ذلك وندرك أنحاء كثيرة مختلفة للامتداد أو ما يتعلق بالامتداد كالأشكال جميعا بوجه عام ووضع الأجزاء وحركاتها على شرط أن ننظر إليها فقط على أنها أحوال قائمة في الجوهر هي تابعة له
- أحاسيسنا وانفعالاتنا وشهواتنا نستطيع أن نعرفها أيضا معرفة واضحة متميزة إذا ما حرصنا على أن لا ندخل في الأحكام التي نطلقها عليها إلا ما يتيح لنا وضوح إدراكنا أن نعرف معرفة محددة
- ضرورة وجوب التمييز في هذه الأشياء بين ما يمكن أن نخطئ فيه وبين ما نعرفه في وضوح
- معرفتنا للعظام والأشكال وما إليها مختلفة عن معرفتنا للألوان وغيرها
- نستطيع أن نحكم بوجهين على الأشياء المحسوسة بأحدهما نقع في خطأ وبالآخر نتجنبه
- في أن العلة الأولى الكبرى لأخطائنا هي الأحكام المبتسرة التي اتخذناها في مقتبل عمرنا نستطيع أن نلاحظ هنا علة أخطائنا
- العلة الثانية لأخطائنا هي أننا لا نستطيع نسيان هذه الأحكام المبتسرة فإذا بلغنا أخيرا مرحلة نستعمل فيها عقولنا استعمالا تاما وحاولت نفوسنا بعد أن زال عنها خضوعها للبدن أن تحكم على الأشياء حكما سديدا وأن تعرف حقائقها معتبرة في ذاتها
- العلة الثالثة كون ذهننا يعتريه التعب من إطالة الانتباه إلى جميع الأشياء التي نحكم عليها
- العلة الرابعة لأخطائنا هي أننا نربط أفكارنا بألفاظ لا تعبر عنها تعبيرا
- إذا أردنا أن نفرغ لدراسة الفلسفة دراسة جدية وللبحث عن جميع الحقائق التي في مقدورنا معرفتها وجب علينا أن نتخلص أولا من أحكامنا السابقة وأن نحرص على اطراح جميع الآراء التي سلمنا بها من قبل
- ينبغي أن نفضل الأحكام الإلهية على استدلالاتنا