نقد كتاب الفارق المبين بين الموحدين والمشركين
المؤلف جابر بن عبد القيوم الساعدي الشامي ويدور الكتاب حول توحيد الله بمعنى عبادته كما قال فى مقدمته :
"إن توحيد الله سبحانه وتعالى بألوهيته، والذي هو: عبادته وحده لا شريك له، ومن ضمنه توحيده بأسماءه وصفاته بإثبات كل ما أثبته الله لنفسه من أسماء وصفات أو ما أثبته له رسوله الكريم (ص)دون تحريف أو تعطيل ودون تكييف أو تمثيل أو تشبيه وإمرارها كما جاءت والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين والبراءة من أعدائه أعداء الدين هذا هو الفرق بين أهل التوحيد وأهل الشرك وإنما يصير الرجل مسلما حنيفا موحدا إذا ترك الشرك عمدا وعلى بصيرة وأفرد الله وحده بالعبادة والتأله "
وقد استهل الكتاب ببيان معنى العبادة فقال :
"ما هي العبادة؟
العبادة؛ هي إسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ...لذا فكل ما أمرنا الله به ورسوله فهو ما يحبه ويرضاه، وكل ما نهانا الله عنه ورسوله فهو ما لا يحبه ولا يرضاه
قال الرحمن: {ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم}
فعن أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال:" إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا، ويسخط لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا الحديث
قال ابن تيمية : (ودين الإسلام مبنى على أصلين: على أن يعبد الله وحده لا يشرك به شىء، وعلى أن يعبد بما شرعه على لسان نبيه (ص)وهذان هما حقيقة قولنا: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " فالإله هو الذى تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا وإكراما، والله عز وجل له حق لا يشركه فيه غيره فلا يعبد إلا الله، ولا يدعى إلا الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يطاع إلا الله والرسول (ص)هو المبلغ عن الله أمره ونهيه تحليله وتحريمه فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، والرسول (ص)واسطة بين الله وبين خلقه فى تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وتحليله وتحريمه؛ وسائر ما بلغه من كلامه)
والخطأ فى كلام ابن تيمية هو بناء الإسلام على أصلين فهو أصل واحد وهو عبادة الله وحده كما قال :
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
والخطأ كون الرسول(ص) واسطة بين الله وخلقه فلو كان بالواسطة فمعلم محمد(ص) وهو جبريل (ص) أيضا واسطة بين الله ومحمد(ص) وكان ينبغى ترك الكلمة لعلاقتها بالشرك
فعبادة الله تكون بما أمر فهما ليسا أصلين وإنما أصل واحد ثم نقل الشامى التالى:
"قال العلامة أبو قتادة الفلسطيني: (التوحيد مداره على آية هي لب الفاتحة {إياك نعبد وإياك نستعين}، ودين الله عز وجل كله مربوط بهذه الآية
{إياك نعبد}: أن يقصد الإنسان بأفعاله طاعة الله عز وجل بإمتثال ما أمر على لسان نبيه (ص)
{إياك نستعين}: أن لا يطلب حاجاته إلا من الله عز وجل ولا يستعين على حاجاته إلا الله عز وجل
والشرك أن يقصد بأفعاله غير الله، ويمتثل أوامر غير الله) "
وعاد الشامى إلى أصل واحد فتحت عنوان توحيد العبادة لا يكون إلا بالعلم كتب :
"توحيد العبادة لا يكون إلا بالعلم:
عبادة الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا بالعلم والمعرفة، ولن يعبد الله وحده إلا بالعلم والشرك هو دليل على الجهل بالله، والمشرك لم يعرف الله سبحانه وتعالى
قال الحق: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس ما قال: قال رسول الله (ص)لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم )
قال ابن حجر العسقلاني: (ففي رواية روح بن القاسم عن ابن عباس ما: فأول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله وفي رواية الفضل بن العلاء عن ابن عباس ما: إلى أن يوحدوا الله فإذا عرفوا ذلك ويجمع بينهما بأن المراد بعبادة الله: توحيده وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه (ص) ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما)
قال النووي : (قوله (ص) "فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم إلى آخره"
قال القاضي عياض : هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين الله تعالى، وهو مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله تعالى، وإن كانوا يعبدونه ويظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا، وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذب رسولا
قال القاضي عياض : ما عرف الله تعالى من كذب رسولا وقال القاضي عياض : ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود، أو أجاز عليه البداء، أو أضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد، وأجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى، أو وصفه مما لا يليق به، أو أضاف إليه الشريك والمعاند في خلقه من المجوس والثنوية، فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به، إذ ليس موصوفا بصفات الإله الواجبة له، فإذن ما عرفوا الله سبحانه، فتحقق هذه النكتة واعتمد عليها، وقد رأيت معناها لمتقدمي أشياخنا، وبها قطع الكلام أبو عمران الفارسي بين عامة أهل القيروان عند تنازعهم في هذه المسألة)
قال أبو بصير الشامي: (وقوله (ص) "فإذا عرفوا الله"؛ أي عرفوا الله بأسمائه وصفاته وخصائصه، وعرفوا حقه عليهم من التوحيد وإفراده في العبادة، وأطاعوك في ذلك فبعدها أخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم إلى آخر ما جاء في الحديث)
قال ابن القيم : (وهل تمكن عبادة الله التي هي حقه على العباد كلهم إلا بالعلم وهل ينال العلم إلا بطلبه) "
وما نقله الرجل مداره على أن العبادة تكون بمعرفة أحكام الإسلام فى كل شىء ثم نقل أيضا كلاما له معنى مشابه فقال :
"وقال ابن القيم : (وأصل الشرك والكفر هو القول على الله بلا علم فإن المشرك يزعم أن من اتخذه معبودا من دون الله يقربه إلى الله ويشفع له عنده، ويقضي حاجته بواسطته كما تكون الوسائط عند الملوك، فكل مشرك قائل على الله بلا علم دون العكس إذ القول على الله بلا علم قد يتضمن التعطيل والإبتداع في دين الله فهو أعم من الشرك، والشرك فرد من أفراده) قال أبو بصير الشامي: (أقول: لا شك أن المراد من العلم هو العلم الذي يزيد صاحبه إيمانا ويقينا، ويحمله على العمل والحركة من أجل إعلاء كلمة هذا الدين العلم الذي يحمل صاحبه على أن يوالي في الله ويعادي في الله، ويحب في الله ويبغض ويجافي في الله العلم الذي يحمله على معاداة أعداء التوحيد وأهله، وموالاة أهل التوحيد وجنده العلم الذي يؤدي بصاحبه إلى الفهم الحقيقي لدلالات التوحيد ومتطلباته العلم الذي يحمله على العمل والالتزام العلم المسأقى من الكتاب والسنة بعيدا عن إسلوب أهل الكلام ومسائلهم وتعقيداتهم الكلامية!
أما المعرفة النظرية المجردة الباردة، التي لا تلامس حرارة القلوب واليقين ولا تحمل صاحبها على الالتزام والعمل فهي لا تغني عنه شيئا، وهي لا تزيده إلا وزرا وإثما!
هذه المعرفة كان يتصف بها إبليس عليه لعائن الله، وأحبار ورهبان أهل الكتاب ومع ذلك ما نفعتهم في شيء، كما قال تعالى عنهم: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} ومع ذلك لما لم يتبعوا هذه المعرفة بالمتابعة والانقياد لتعاليم وهدي الشريعة فلم تنفعهم معرفتهم شيئا) "
وكرر الرجل الكلام وهو المعنى عبادة الله بأنها تكون بما شرع من أحكام فقال :
"عبادة الله لا تكون إلا بما شرع:
عبادة الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا بما شرع على لسان نبيه (ص)والله سبحانه وتعالى لا يقبل أي عمل إلا أن يكون خالصا له وحده لا شريك له، وعلى سنة نبيه (ص)
قال الرحمن: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}
والحنيف؛ هو التارك للشرك عن قصد وعلم وبصيرة
قال ابن كثير: (الحنيف: هو المائل عن الشرك قصدا، أي: تاركه عن بصيرة، ومقبل على الحق بكليتيه لا يصده عنه صاد ولا يرده عنه راد)
فالضالون من المشركين والنصارى وأشباههم لهم عبادات وزهادات لكن لغير الله أو بغير ما أمر الله، وإنما القصد والإرادة النافعة هو إرادة عبادة الله وحده، وهو إنما يعبد بما شرع لا بالبدع وعلى هذين الأصلين يدور دين الإسلام، على أن يعبد الله وحده، وأن يعبد بما شرع ولا يعبد بالبدع
قال رسول الله (ص) (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال ابن مسعود : (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)
قال الحسن: (والله لا يقبل من مبتدع عملا يتقرب به إليه أبدا لا صلاة، ولا صيام، ولا زكاة، ولا حج، ولا جهاد، ولا عمرة، ولا صدقة )، حتى ذكر أنواع البر
والمبتدع: هو الذي أحدث في دين الله ما ليس فيه، وعبد الله بغير ما شرع
قال ابن القيم :
(ومنها: أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا، فإنها شعائر الكفر والشرك، وهى أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة ألبتة، وهذا حكم المشاهد التى بنيت على القبور التى اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله، والأحجار التى تقصد للتعظيم والتبرك، والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شىء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركا عندها، وبها، والله المستعان
ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق، وتميت وتحيى، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وأخذوا مأخذهم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم، فصار المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، ونشأ فى ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام، وقل العلماء، وغلب السفهاء، وتفاقم الأمر، واشتد البأس، وظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين إلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين)
نقول وبالله التوفيق: ان ألله تعالى لا يعبد إلا بما شرع على لسان نبيه (ص)لا يعبد بالأهواء والظنون التي اخترعها الطواغيت على لسان الشياطين "
وتحدث عن عبادة الله بأنها لا تكون بطاعة شريك معه فقال :
"عبادة الله لا تكون بالشرك:
قال الحق تعالى ذكره: {ولئن أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}
وعن أبو هريرة قال: قال رسول الله (ص) (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)
قال شيخ الإسلام: (...ومن سوى بين المخلوق والخالق فى شىء من ذلك فقد عدل بالله، وهو من الذين بربهم يعدلون، وقد جعل مع الله إلها آخر، وإن كان مع ذلك يعتقد أن الله وحده خلق السموات والأرض
فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خلق السموات والأرض، كما قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} وكانوا مع ذلك مشركين يجعلون مع الله آلهة أخرى، قال تعالى: {أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد } وقال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} فصاروا مشركين لأنهم أحبوهم كحبه، لا أنهم قالوا: إن آلهتهم خلقوا كخلقه، كما قال تعالى: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم}
وهذا استفهام إنكار بمعنى النفى، أي ما جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، فإنهم مقرون أن آلهتهم لم يخلقوا كخلقه، وإنما كانوا يجعلونهم شفعاء، ووسائط قال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} وقال سبحانه وتعالى: {وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون}
الأصل الثانى: أن نعبده بما شرع على ألسن رسله، لا نعبده إلا بواجب أو مستحب، والمباح إذا قصد به الطاعة دخل فى ذلك
والدعاء من جملة العبادات، فمن دعا المخلوقين من الموتى والغائبين واستغاث بهم - مع أن هذا أمر لم يأمر به الله ولا رسوله أمر إيجاب ولا استحباب - كان مبتدعا فى الدين، مشركا برب العالمين، متبعا غير سبيل المؤمنين ومن سأل الله تعالى بالمخلوقين، أو أقسم عليه بالمخلوقين كان مبتدعا بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، فإن ذم من خالفه وسعى فى عقوبته كان ظالما جاهلا معتديا
وإن حكم بذلك فقد حكم بغير ما أنزل الله، وكان حكمه منقوضا بإجماع المسلمين، وكان إلى أن يستتاب من هذا الحكم ويعاقب عليه أحوج منه إلى أن ينفذ له هذا الحكم ويعان عليه، وهذا كله مجمع عليه بين المسلمين، ليس فيه خلاف لا بين الأئمة الأربعة ولا غيرهم)
وقال : (فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده ; فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده فهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره)
وقال: (وإنما يصير الرجل مسلما حنيفا موحدا إذا شهد أن لا إله إلا الله فعبد الله وحده بحيث لا يشرك معه أحدا في تألهه، ومحبته له وعبوديته وإنابته إليه، وإسلامه له، ودعائه له، والتوكل عليه، وموالاته فيه، ومعاداته فيه، ومحبته ما يحب؛ وبغضه ما يبغض ويفنى بحق التوحيد عن باطل الشرك، وهذا فناء يقارنه البقاء فيفنى عن تأله ما سوى الله بتأله الله تحقيقا لقوله: لا إله إلا الله، فينفي ويفنى من قلبه تأله ما سواه، ويثبت، ويبقى في قلبه تأله الله وحده، وقد قال النبي (ص)في الحديث الصحيح : " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة "، وفي الحديث الآخر: " من كان آخر كلامه، لا إله إلا الله دخل الجنة "، وقال في الصحيح: " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله "، فإنها حقيقة دين الإسلام فمن مات عليها مات مسلما)
قال الإمام الشوكاني تعالى: (وليس مجرد قول لا إله إلا الله، من دون عمل بمعناها مثبتا للإسلام، فإنه لو قالها أحد من أهل الجاهلية وكف على صنمه يعبده لم يكن ذلك إسلاما) "
وهذا الكلام صحيح فلا إسلام بقول دون عمل وكرر بعض ما قاله سابقا عن الرضا بأحكام غير الله فقال :
"قبول الأحكام من غير الله شرك:
قال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحدا}
وقال الله عز وجل: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}
قال ابن كثير تعالى: (أي: حيث عدلتم عن أمر الله وشرعه إلى قول غيره فقد متم عليه فهذا هو الشرك كما قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} وقال تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء}
قال ابن كثير : (أي اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كل شيء ومليكه {ولا تتبعوا من دونه أولياء}، أي لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره, فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره، {قليلا ما تذكرون}، كقوله: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
قال العلامة أبو قتادة الفلسطيني: (وإنه لمن الضروري كضرورة استنباط توحيد الأسماء والصفات من توحيد الربوبية وإفرادها بالذكر أن نفرد توحيد الحكم والقضاء والتشريع بالذكر لما صار من معارك كبرى حول حق الله على عبيده في الحكم والتشريع وإنكار أهل العصر له
ألم يقل علماؤنا: الإشراك بالله في حكمه كالإشراك بالله في عبادته، ...
وقال في رسالته "لماذا الجهاد" (وقد تكلم علماؤنا في كفر هذه الأديان والتشريعات الباطلة وحكموا على من شرعها وقام عليها بالكفر والردة:
قال ابن حزم : "من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام"
وقال ابن تيمية : "معلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد (ص)فهو كافر"
ويقول كذلك: "الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه، ولا يخرج عنه إلا كافر"
ويقول: "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا باتفاق الفقهاء"
ويقول ابن كثير تعالى: "فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر" "
ولا خلاف على ما قاله الشامى ونقله هنا وتحدث عن كون الكفر بالطاغوت من ضمن توحيد الله فقال :
"الكفر بالطاغوت شرط من شروط لـ "إله إلا الله":
قال الحق تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}
قال البغوي: ({فمن يكفر بالطاغوت} يعني: الشيطان، وقيل كل ما يعبد من دون الله)
قال ابن كثير: (وقوله: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} أي من خلع الأنداد والأوثان, وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله, ووحد الله فعبده وحده, وشهد أنه لا إله إلا هو {فقد استمسك بالعروة الوثقى}، أي فقد ثبت في أمره, واستقام على الطريق المثلى, والصراط المستقيم)
قال الطبري: (والصواب من القول عندي في الطاغوت: أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وغما بطاعة ممن عبده له إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شيء)
وأخرج الإمام مسلم عن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله (ص)يقول: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم الله ماله ودمه وحسابه على الله)، وفي رواية عند الإمام أحمد: (من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله )
قال صاحب "فتح المجيد": (قوله: "من قال لا إله إلا الله وكفر يما يعبد من دون الله"؛ اعلم أن النبى (ص)علق عصمة المال والدم فى هذا الحديث بأمرين:
الأول: قول لا إله إلا الله عن علم ويقين، كما هو قيد فى قولها فى غير ما حديث كما تقدم
والثانى: الكفر بما يعبد من دون الله، فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى، بل لابد من قولها والعمل بها "
والأحاديث السابقة لا تصح عن النبى(ص) فالحرمة وهى حرمة المال والدم ثابتة للكفار طالما لم يعتدوا على المسلمين كما قال تعالى :
"فإن جنحوا للسلم فاجنح لها"
وقال :
""وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"
وهناك الكثير التى تبين أن المعاملة لا تكون بإكراههم على فقول لا إله إلا الله بالقتال كما قال تعالى:
" لا أكراه فى الدين"
فالقتال واجب فى حاة الاعتداء علينا فقط كما قال تعالى:
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
ثم قال :
"قلت: وفيه معنى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}
قال المصنف تعالى: "وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل اللفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه فيا لها من مسألة ما أجلها ويا له من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع"
قلت: وهذا هو الشرط المصحح لقوله: لا إله إلا الله، فلا يصح قولها بدون هذا الخمس التى ذكرها المصنف أصلا، قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، وقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} أمر بقتالهم حتى يتوبوا من الشرك ويخلصوا أعمالهم لله تعالى، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن أبوا عن ذلك أو بعضه قوتلوا إجماعا)
الإنخلاع من الشرك عن قصد وعلم، والبراءة منه شرط في تحقيق التوحيد:
قال الحق تبارك وتعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}
قال القرطبي: ({فإن تابوا} أي: من الشرك، {وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} هذه الآية فيها تأمل وذلك أن الله تعالى علق القتل على الشرك، ثم قال: {فإن تابوا}، والأصل أن القتل متى كان للشرك يزول بزواله)
قال البغوي: ({فإن تابوا}، من الشرك، {وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}، يقول: دعوهم فليتصرفوا في أمصارهم ويدخلوا مكة)
قال الطبري: ({فإن تابوا} يقول: فإن رجعوا عما كانوا عليه من الشرك، وجحود نبوة محمد (ص)إلى تويد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم)
وقال تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}
وقال تعالى ذكره: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله}
قال ابن كثير: (وقال الضحاك عن ابن عباس {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}؛ يعني لا يكون شرك, وكذا قال أبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم, وقال محمد بن إسحاق: بلغني عن الزهري عن عروة بن الزبير, وغيره من علمائنا, حتى لا تكون فتنة, حتى لا يفتن مسلم عن دينه, وقوله: {ويكون الدين كله لله}، قال الضحاك: عن ابن عباس في هذه الاية, قال يخلص التوحيد لله, وقال الحسن وقتادة وابن جريج {ويكون الدين كله لله} أن يقال لا إله إلا الله, وقال محمد بن إسحاق: ويكون التوحيد خالصا لله, ليس فيه شرك, ويخلع ما دونه من الأنداد، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {ويكون الدين كله لله} , لا يكون مع دينكم كفر)
قال البغوي: ({وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي: شرك قال الربيع: حتى لا يفتن مؤمن عن دينه {ويكون الدين كله لله}، أي: ويكون الدين خالصا لله لا شرك فيه، {فإن انتهوا}، عن الكفر، {فإن الله بما يعملون بصير})
وأخرج مسلم في صحيحه عن ابن عمر ما قال: قال رسول الله (ص) (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)
وعن أبو هريرة قال: قال رسول الله (ص) (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله) عن أنس م قال: قال رسول الله (ص) (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا ويأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك؛ فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين)
عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص) (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)
فعلم من كلام رسول الله (ص)أن السيف لا يرفع عن رؤوس المشركين حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويقوموا بحقوقها وواجباتها وبإلتزامهم بها وبتلقي الأحكام من الله وحده لا شريك ولا ند له
قال أبو بطين: (وأيضا فالمقصود من لا إله إلا الله: البراءة من الشرك وعبادة غير الله، ومشركوا العرب يعرفون المراد منها لأنهم اهل لسان فإذا قال أحدهم: لا إله إلا الله فقد تبرأ من الشرك وعبادة غير الله فلو قال: لا إله إلا الله وهو مصر على عبادة غير الله لم تعصمه هذه الكلمة لقوله سبحانه وتعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي: شرك
{ويكون الدين كله لله}، وقوله تعالى: {وقاتلوهم حيث وجدتموهم - إلى قوله - فإن تابوا وأقاموا الصلاة آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وقال النبي (ص) بعث بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وهذا معنى قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين - أي الطاعة - كله لله} وهذا معنى: لا إله إلا الله)
قال صاحب "تيسير العزيز الحميد": (فمن قال هذه الكلمة عارفا لمعناها عاملا بمقتضاها من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك والعمل به فهذا هو المسلم حقا فان عمل به ظاهرا من غير اعتقاد فهو المنافق وإن عمل بخلافها من الشرك فهو الكافر ولو قالها إلا ترى أن المنافقين يعملون بها ظاهرا وهم في الدرك الأسفل من النار واليهود يقولونها وهم على ما هم عليه من الشرك والكفر فلم تنفعهم، وكذلك من ارتد عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فانها لا تنفعه ولو قالها مائة ألف فكذلك من يقولها ممن يصرف أنواع العبادة لغير الله كعباد القبور والأصنام فلا تنفعهم ولا يدخلون في الحديث الذي جاء في فضلها وما أشبهه من الأحاديث وقد بين النبي (ص)ذلك بقوله وحده لا شريك له تنبيها على أن الإنسان قد يقولها وهو مشرك كاليهود والمنافقين وعباد القبور لما رأوا ان النبي (ص)دعا قومه إلى قول "لا إله إلا الله"، ظنوا أنه إنما دعاهم الى النطق بها فقط وهذا جهل عظيم وهو عليه السلام إنما دعاهم اليها ليقولوها ويعملوا بمعناها ويتركوا عبادة غير الله ولهذا قالوا: {أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون}،
وقالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا}، فلهذا أبوا عن النطق بها وإلا فلو قالوها وبقوا على عبادة اللات والعزى ومناة لم يكونوا مسلمين ولقاتلهم عليه السلام حتى يخلعوا الأنداد ويتركوا عبادتها ويعبدوا الله وحده لا شريك له وهذا أمر معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة والاجماع)
وأخرج البخاري تعالى عن جبير قال: (بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين فندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا، فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم فقال المغيرة: سل عما شئت قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات والأرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبيا من أنفسنا، نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبينا رسول ربنا (ص) أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية)
فاعلم أخي الموحد أن القتال غايته إفراد الله تعالى بالعبادة، أن يعبد وحده لا شريك، والتبرأ من جميع الأنداد من الإنس والجن والشجر والحجر التي تعبد من دونه، من أجل هذا أرسل الله الرسل، ولهذا أنزل الكتب، ومن أجل هذا أقام سوق الآخرة، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} "
وكل ما ذكره الرجل من آيات فى قتال الكفار حتى يقولوا لا لإله إلا الله هو استدلال بجمل من آيات دون ربطها بالآيات الأخرى فكل الآيات لها معنى واحد وهى :
قتال من يقاتلنا كما قال تعالى :
"وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة"
وبألفاظ اخرى رد العدوان كما قال تعالى :
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وبألفاظ أخرى عقاب الكفار بنفس عقابهم لنا :
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"
ويتعارض هذا الفهم وهو اكراه الناس على قول لا إله إلا الله بالقتال مع قوله :
" لا إكراه فى الدين"
كما يتعارض مع أمر الله بعد قتال من لا يقالنا والتعامل معه بالعدل كما قال تعالى :
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين"
المؤلف جابر بن عبد القيوم الساعدي الشامي ويدور الكتاب حول توحيد الله بمعنى عبادته كما قال فى مقدمته :
"إن توحيد الله سبحانه وتعالى بألوهيته، والذي هو: عبادته وحده لا شريك له، ومن ضمنه توحيده بأسماءه وصفاته بإثبات كل ما أثبته الله لنفسه من أسماء وصفات أو ما أثبته له رسوله الكريم (ص)دون تحريف أو تعطيل ودون تكييف أو تمثيل أو تشبيه وإمرارها كما جاءت والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين والبراءة من أعدائه أعداء الدين هذا هو الفرق بين أهل التوحيد وأهل الشرك وإنما يصير الرجل مسلما حنيفا موحدا إذا ترك الشرك عمدا وعلى بصيرة وأفرد الله وحده بالعبادة والتأله "
وقد استهل الكتاب ببيان معنى العبادة فقال :
"ما هي العبادة؟
العبادة؛ هي إسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ...لذا فكل ما أمرنا الله به ورسوله فهو ما يحبه ويرضاه، وكل ما نهانا الله عنه ورسوله فهو ما لا يحبه ولا يرضاه
قال الرحمن: {ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم}
فعن أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال:" إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا، ويسخط لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا الحديث
قال ابن تيمية : (ودين الإسلام مبنى على أصلين: على أن يعبد الله وحده لا يشرك به شىء، وعلى أن يعبد بما شرعه على لسان نبيه (ص)وهذان هما حقيقة قولنا: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " فالإله هو الذى تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا وإكراما، والله عز وجل له حق لا يشركه فيه غيره فلا يعبد إلا الله، ولا يدعى إلا الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يطاع إلا الله والرسول (ص)هو المبلغ عن الله أمره ونهيه تحليله وتحريمه فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، والرسول (ص)واسطة بين الله وبين خلقه فى تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وتحليله وتحريمه؛ وسائر ما بلغه من كلامه)
والخطأ فى كلام ابن تيمية هو بناء الإسلام على أصلين فهو أصل واحد وهو عبادة الله وحده كما قال :
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
والخطأ كون الرسول(ص) واسطة بين الله وخلقه فلو كان بالواسطة فمعلم محمد(ص) وهو جبريل (ص) أيضا واسطة بين الله ومحمد(ص) وكان ينبغى ترك الكلمة لعلاقتها بالشرك
فعبادة الله تكون بما أمر فهما ليسا أصلين وإنما أصل واحد ثم نقل الشامى التالى:
"قال العلامة أبو قتادة الفلسطيني: (التوحيد مداره على آية هي لب الفاتحة {إياك نعبد وإياك نستعين}، ودين الله عز وجل كله مربوط بهذه الآية
{إياك نعبد}: أن يقصد الإنسان بأفعاله طاعة الله عز وجل بإمتثال ما أمر على لسان نبيه (ص)
{إياك نستعين}: أن لا يطلب حاجاته إلا من الله عز وجل ولا يستعين على حاجاته إلا الله عز وجل
والشرك أن يقصد بأفعاله غير الله، ويمتثل أوامر غير الله) "
وعاد الشامى إلى أصل واحد فتحت عنوان توحيد العبادة لا يكون إلا بالعلم كتب :
"توحيد العبادة لا يكون إلا بالعلم:
عبادة الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا بالعلم والمعرفة، ولن يعبد الله وحده إلا بالعلم والشرك هو دليل على الجهل بالله، والمشرك لم يعرف الله سبحانه وتعالى
قال الحق: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس ما قال: قال رسول الله (ص)لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم )
قال ابن حجر العسقلاني: (ففي رواية روح بن القاسم عن ابن عباس ما: فأول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله وفي رواية الفضل بن العلاء عن ابن عباس ما: إلى أن يوحدوا الله فإذا عرفوا ذلك ويجمع بينهما بأن المراد بعبادة الله: توحيده وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه (ص) ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما)
قال النووي : (قوله (ص) "فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم إلى آخره"
قال القاضي عياض : هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين الله تعالى، وهو مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله تعالى، وإن كانوا يعبدونه ويظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا، وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى من كذب رسولا
قال القاضي عياض : ما عرف الله تعالى من كذب رسولا وقال القاضي عياض : ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود، أو أجاز عليه البداء، أو أضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد، وأجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى، أو وصفه مما لا يليق به، أو أضاف إليه الشريك والمعاند في خلقه من المجوس والثنوية، فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به، إذ ليس موصوفا بصفات الإله الواجبة له، فإذن ما عرفوا الله سبحانه، فتحقق هذه النكتة واعتمد عليها، وقد رأيت معناها لمتقدمي أشياخنا، وبها قطع الكلام أبو عمران الفارسي بين عامة أهل القيروان عند تنازعهم في هذه المسألة)
قال أبو بصير الشامي: (وقوله (ص) "فإذا عرفوا الله"؛ أي عرفوا الله بأسمائه وصفاته وخصائصه، وعرفوا حقه عليهم من التوحيد وإفراده في العبادة، وأطاعوك في ذلك فبعدها أخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم إلى آخر ما جاء في الحديث)
قال ابن القيم : (وهل تمكن عبادة الله التي هي حقه على العباد كلهم إلا بالعلم وهل ينال العلم إلا بطلبه) "
وما نقله الرجل مداره على أن العبادة تكون بمعرفة أحكام الإسلام فى كل شىء ثم نقل أيضا كلاما له معنى مشابه فقال :
"وقال ابن القيم : (وأصل الشرك والكفر هو القول على الله بلا علم فإن المشرك يزعم أن من اتخذه معبودا من دون الله يقربه إلى الله ويشفع له عنده، ويقضي حاجته بواسطته كما تكون الوسائط عند الملوك، فكل مشرك قائل على الله بلا علم دون العكس إذ القول على الله بلا علم قد يتضمن التعطيل والإبتداع في دين الله فهو أعم من الشرك، والشرك فرد من أفراده) قال أبو بصير الشامي: (أقول: لا شك أن المراد من العلم هو العلم الذي يزيد صاحبه إيمانا ويقينا، ويحمله على العمل والحركة من أجل إعلاء كلمة هذا الدين العلم الذي يحمل صاحبه على أن يوالي في الله ويعادي في الله، ويحب في الله ويبغض ويجافي في الله العلم الذي يحمله على معاداة أعداء التوحيد وأهله، وموالاة أهل التوحيد وجنده العلم الذي يؤدي بصاحبه إلى الفهم الحقيقي لدلالات التوحيد ومتطلباته العلم الذي يحمله على العمل والالتزام العلم المسأقى من الكتاب والسنة بعيدا عن إسلوب أهل الكلام ومسائلهم وتعقيداتهم الكلامية!
أما المعرفة النظرية المجردة الباردة، التي لا تلامس حرارة القلوب واليقين ولا تحمل صاحبها على الالتزام والعمل فهي لا تغني عنه شيئا، وهي لا تزيده إلا وزرا وإثما!
هذه المعرفة كان يتصف بها إبليس عليه لعائن الله، وأحبار ورهبان أهل الكتاب ومع ذلك ما نفعتهم في شيء، كما قال تعالى عنهم: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} ومع ذلك لما لم يتبعوا هذه المعرفة بالمتابعة والانقياد لتعاليم وهدي الشريعة فلم تنفعهم معرفتهم شيئا) "
وكرر الرجل الكلام وهو المعنى عبادة الله بأنها تكون بما شرع من أحكام فقال :
"عبادة الله لا تكون إلا بما شرع:
عبادة الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا بما شرع على لسان نبيه (ص)والله سبحانه وتعالى لا يقبل أي عمل إلا أن يكون خالصا له وحده لا شريك له، وعلى سنة نبيه (ص)
قال الرحمن: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}
والحنيف؛ هو التارك للشرك عن قصد وعلم وبصيرة
قال ابن كثير: (الحنيف: هو المائل عن الشرك قصدا، أي: تاركه عن بصيرة، ومقبل على الحق بكليتيه لا يصده عنه صاد ولا يرده عنه راد)
فالضالون من المشركين والنصارى وأشباههم لهم عبادات وزهادات لكن لغير الله أو بغير ما أمر الله، وإنما القصد والإرادة النافعة هو إرادة عبادة الله وحده، وهو إنما يعبد بما شرع لا بالبدع وعلى هذين الأصلين يدور دين الإسلام، على أن يعبد الله وحده، وأن يعبد بما شرع ولا يعبد بالبدع
قال رسول الله (ص) (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال ابن مسعود : (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)
قال الحسن: (والله لا يقبل من مبتدع عملا يتقرب به إليه أبدا لا صلاة، ولا صيام، ولا زكاة، ولا حج، ولا جهاد، ولا عمرة، ولا صدقة )، حتى ذكر أنواع البر
والمبتدع: هو الذي أحدث في دين الله ما ليس فيه، وعبد الله بغير ما شرع
قال ابن القيم :
(ومنها: أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا، فإنها شعائر الكفر والشرك، وهى أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة ألبتة، وهذا حكم المشاهد التى بنيت على القبور التى اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله، والأحجار التى تقصد للتعظيم والتبرك، والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شىء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركا عندها، وبها، والله المستعان
ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق، وتميت وتحيى، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وأخذوا مأخذهم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم، فصار المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، ونشأ فى ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام، وقل العلماء، وغلب السفهاء، وتفاقم الأمر، واشتد البأس، وظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين إلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين)
نقول وبالله التوفيق: ان ألله تعالى لا يعبد إلا بما شرع على لسان نبيه (ص)لا يعبد بالأهواء والظنون التي اخترعها الطواغيت على لسان الشياطين "
وتحدث عن عبادة الله بأنها لا تكون بطاعة شريك معه فقال :
"عبادة الله لا تكون بالشرك:
قال الحق تعالى ذكره: {ولئن أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}
وعن أبو هريرة قال: قال رسول الله (ص) (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)
قال شيخ الإسلام: (...ومن سوى بين المخلوق والخالق فى شىء من ذلك فقد عدل بالله، وهو من الذين بربهم يعدلون، وقد جعل مع الله إلها آخر، وإن كان مع ذلك يعتقد أن الله وحده خلق السموات والأرض
فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خلق السموات والأرض، كما قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} وكانوا مع ذلك مشركين يجعلون مع الله آلهة أخرى، قال تعالى: {أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد } وقال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} فصاروا مشركين لأنهم أحبوهم كحبه، لا أنهم قالوا: إن آلهتهم خلقوا كخلقه، كما قال تعالى: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم}
وهذا استفهام إنكار بمعنى النفى، أي ما جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، فإنهم مقرون أن آلهتهم لم يخلقوا كخلقه، وإنما كانوا يجعلونهم شفعاء، ووسائط قال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} وقال سبحانه وتعالى: {وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون}
الأصل الثانى: أن نعبده بما شرع على ألسن رسله، لا نعبده إلا بواجب أو مستحب، والمباح إذا قصد به الطاعة دخل فى ذلك
والدعاء من جملة العبادات، فمن دعا المخلوقين من الموتى والغائبين واستغاث بهم - مع أن هذا أمر لم يأمر به الله ولا رسوله أمر إيجاب ولا استحباب - كان مبتدعا فى الدين، مشركا برب العالمين، متبعا غير سبيل المؤمنين ومن سأل الله تعالى بالمخلوقين، أو أقسم عليه بالمخلوقين كان مبتدعا بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، فإن ذم من خالفه وسعى فى عقوبته كان ظالما جاهلا معتديا
وإن حكم بذلك فقد حكم بغير ما أنزل الله، وكان حكمه منقوضا بإجماع المسلمين، وكان إلى أن يستتاب من هذا الحكم ويعاقب عليه أحوج منه إلى أن ينفذ له هذا الحكم ويعان عليه، وهذا كله مجمع عليه بين المسلمين، ليس فيه خلاف لا بين الأئمة الأربعة ولا غيرهم)
وقال : (فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده ; فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده فهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره)
وقال: (وإنما يصير الرجل مسلما حنيفا موحدا إذا شهد أن لا إله إلا الله فعبد الله وحده بحيث لا يشرك معه أحدا في تألهه، ومحبته له وعبوديته وإنابته إليه، وإسلامه له، ودعائه له، والتوكل عليه، وموالاته فيه، ومعاداته فيه، ومحبته ما يحب؛ وبغضه ما يبغض ويفنى بحق التوحيد عن باطل الشرك، وهذا فناء يقارنه البقاء فيفنى عن تأله ما سوى الله بتأله الله تحقيقا لقوله: لا إله إلا الله، فينفي ويفنى من قلبه تأله ما سواه، ويثبت، ويبقى في قلبه تأله الله وحده، وقد قال النبي (ص)في الحديث الصحيح : " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة "، وفي الحديث الآخر: " من كان آخر كلامه، لا إله إلا الله دخل الجنة "، وقال في الصحيح: " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله "، فإنها حقيقة دين الإسلام فمن مات عليها مات مسلما)
قال الإمام الشوكاني تعالى: (وليس مجرد قول لا إله إلا الله، من دون عمل بمعناها مثبتا للإسلام، فإنه لو قالها أحد من أهل الجاهلية وكف على صنمه يعبده لم يكن ذلك إسلاما) "
وهذا الكلام صحيح فلا إسلام بقول دون عمل وكرر بعض ما قاله سابقا عن الرضا بأحكام غير الله فقال :
"قبول الأحكام من غير الله شرك:
قال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحدا}
وقال الله عز وجل: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}
قال ابن كثير تعالى: (أي: حيث عدلتم عن أمر الله وشرعه إلى قول غيره فقد متم عليه فهذا هو الشرك كما قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} وقال تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء}
قال ابن كثير : (أي اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كل شيء ومليكه {ولا تتبعوا من دونه أولياء}، أي لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره, فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره، {قليلا ما تذكرون}، كقوله: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}
قال العلامة أبو قتادة الفلسطيني: (وإنه لمن الضروري كضرورة استنباط توحيد الأسماء والصفات من توحيد الربوبية وإفرادها بالذكر أن نفرد توحيد الحكم والقضاء والتشريع بالذكر لما صار من معارك كبرى حول حق الله على عبيده في الحكم والتشريع وإنكار أهل العصر له
ألم يقل علماؤنا: الإشراك بالله في حكمه كالإشراك بالله في عبادته، ...
وقال في رسالته "لماذا الجهاد" (وقد تكلم علماؤنا في كفر هذه الأديان والتشريعات الباطلة وحكموا على من شرعها وقام عليها بالكفر والردة:
قال ابن حزم : "من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام"
وقال ابن تيمية : "معلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد (ص)فهو كافر"
ويقول كذلك: "الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه، ولا يخرج عنه إلا كافر"
ويقول: "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا باتفاق الفقهاء"
ويقول ابن كثير تعالى: "فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر" "
ولا خلاف على ما قاله الشامى ونقله هنا وتحدث عن كون الكفر بالطاغوت من ضمن توحيد الله فقال :
"الكفر بالطاغوت شرط من شروط لـ "إله إلا الله":
قال الحق تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}
قال البغوي: ({فمن يكفر بالطاغوت} يعني: الشيطان، وقيل كل ما يعبد من دون الله)
قال ابن كثير: (وقوله: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} أي من خلع الأنداد والأوثان, وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله, ووحد الله فعبده وحده, وشهد أنه لا إله إلا هو {فقد استمسك بالعروة الوثقى}، أي فقد ثبت في أمره, واستقام على الطريق المثلى, والصراط المستقيم)
قال الطبري: (والصواب من القول عندي في الطاغوت: أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وغما بطاعة ممن عبده له إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شيء)
وأخرج الإمام مسلم عن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله (ص)يقول: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم الله ماله ودمه وحسابه على الله)، وفي رواية عند الإمام أحمد: (من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله )
قال صاحب "فتح المجيد": (قوله: "من قال لا إله إلا الله وكفر يما يعبد من دون الله"؛ اعلم أن النبى (ص)علق عصمة المال والدم فى هذا الحديث بأمرين:
الأول: قول لا إله إلا الله عن علم ويقين، كما هو قيد فى قولها فى غير ما حديث كما تقدم
والثانى: الكفر بما يعبد من دون الله، فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى، بل لابد من قولها والعمل بها "
والأحاديث السابقة لا تصح عن النبى(ص) فالحرمة وهى حرمة المال والدم ثابتة للكفار طالما لم يعتدوا على المسلمين كما قال تعالى :
"فإن جنحوا للسلم فاجنح لها"
وقال :
""وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"
وهناك الكثير التى تبين أن المعاملة لا تكون بإكراههم على فقول لا إله إلا الله بالقتال كما قال تعالى:
" لا أكراه فى الدين"
فالقتال واجب فى حاة الاعتداء علينا فقط كما قال تعالى:
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
ثم قال :
"قلت: وفيه معنى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}
قال المصنف تعالى: "وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل اللفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه فيا لها من مسألة ما أجلها ويا له من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع"
قلت: وهذا هو الشرط المصحح لقوله: لا إله إلا الله، فلا يصح قولها بدون هذا الخمس التى ذكرها المصنف أصلا، قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، وقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} أمر بقتالهم حتى يتوبوا من الشرك ويخلصوا أعمالهم لله تعالى، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن أبوا عن ذلك أو بعضه قوتلوا إجماعا)
الإنخلاع من الشرك عن قصد وعلم، والبراءة منه شرط في تحقيق التوحيد:
قال الحق تبارك وتعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}
قال القرطبي: ({فإن تابوا} أي: من الشرك، {وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} هذه الآية فيها تأمل وذلك أن الله تعالى علق القتل على الشرك، ثم قال: {فإن تابوا}، والأصل أن القتل متى كان للشرك يزول بزواله)
قال البغوي: ({فإن تابوا}، من الشرك، {وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}، يقول: دعوهم فليتصرفوا في أمصارهم ويدخلوا مكة)
قال الطبري: ({فإن تابوا} يقول: فإن رجعوا عما كانوا عليه من الشرك، وجحود نبوة محمد (ص)إلى تويد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم)
وقال تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}
وقال تعالى ذكره: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله}
قال ابن كثير: (وقال الضحاك عن ابن عباس {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}؛ يعني لا يكون شرك, وكذا قال أبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم, وقال محمد بن إسحاق: بلغني عن الزهري عن عروة بن الزبير, وغيره من علمائنا, حتى لا تكون فتنة, حتى لا يفتن مسلم عن دينه, وقوله: {ويكون الدين كله لله}، قال الضحاك: عن ابن عباس في هذه الاية, قال يخلص التوحيد لله, وقال الحسن وقتادة وابن جريج {ويكون الدين كله لله} أن يقال لا إله إلا الله, وقال محمد بن إسحاق: ويكون التوحيد خالصا لله, ليس فيه شرك, ويخلع ما دونه من الأنداد، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {ويكون الدين كله لله} , لا يكون مع دينكم كفر)
قال البغوي: ({وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي: شرك قال الربيع: حتى لا يفتن مؤمن عن دينه {ويكون الدين كله لله}، أي: ويكون الدين خالصا لله لا شرك فيه، {فإن انتهوا}، عن الكفر، {فإن الله بما يعملون بصير})
وأخرج مسلم في صحيحه عن ابن عمر ما قال: قال رسول الله (ص) (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)
وعن أبو هريرة قال: قال رسول الله (ص) (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله) عن أنس م قال: قال رسول الله (ص) (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا ويأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك؛ فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين)
عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص) (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)
فعلم من كلام رسول الله (ص)أن السيف لا يرفع عن رؤوس المشركين حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويقوموا بحقوقها وواجباتها وبإلتزامهم بها وبتلقي الأحكام من الله وحده لا شريك ولا ند له
قال أبو بطين: (وأيضا فالمقصود من لا إله إلا الله: البراءة من الشرك وعبادة غير الله، ومشركوا العرب يعرفون المراد منها لأنهم اهل لسان فإذا قال أحدهم: لا إله إلا الله فقد تبرأ من الشرك وعبادة غير الله فلو قال: لا إله إلا الله وهو مصر على عبادة غير الله لم تعصمه هذه الكلمة لقوله سبحانه وتعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي: شرك
{ويكون الدين كله لله}، وقوله تعالى: {وقاتلوهم حيث وجدتموهم - إلى قوله - فإن تابوا وأقاموا الصلاة آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وقال النبي (ص) بعث بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وهذا معنى قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين - أي الطاعة - كله لله} وهذا معنى: لا إله إلا الله)
قال صاحب "تيسير العزيز الحميد": (فمن قال هذه الكلمة عارفا لمعناها عاملا بمقتضاها من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك والعمل به فهذا هو المسلم حقا فان عمل به ظاهرا من غير اعتقاد فهو المنافق وإن عمل بخلافها من الشرك فهو الكافر ولو قالها إلا ترى أن المنافقين يعملون بها ظاهرا وهم في الدرك الأسفل من النار واليهود يقولونها وهم على ما هم عليه من الشرك والكفر فلم تنفعهم، وكذلك من ارتد عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فانها لا تنفعه ولو قالها مائة ألف فكذلك من يقولها ممن يصرف أنواع العبادة لغير الله كعباد القبور والأصنام فلا تنفعهم ولا يدخلون في الحديث الذي جاء في فضلها وما أشبهه من الأحاديث وقد بين النبي (ص)ذلك بقوله وحده لا شريك له تنبيها على أن الإنسان قد يقولها وهو مشرك كاليهود والمنافقين وعباد القبور لما رأوا ان النبي (ص)دعا قومه إلى قول "لا إله إلا الله"، ظنوا أنه إنما دعاهم الى النطق بها فقط وهذا جهل عظيم وهو عليه السلام إنما دعاهم اليها ليقولوها ويعملوا بمعناها ويتركوا عبادة غير الله ولهذا قالوا: {أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون}،
وقالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا}، فلهذا أبوا عن النطق بها وإلا فلو قالوها وبقوا على عبادة اللات والعزى ومناة لم يكونوا مسلمين ولقاتلهم عليه السلام حتى يخلعوا الأنداد ويتركوا عبادتها ويعبدوا الله وحده لا شريك له وهذا أمر معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة والاجماع)
وأخرج البخاري تعالى عن جبير قال: (بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين فندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا، فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم فقال المغيرة: سل عما شئت قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات والأرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبيا من أنفسنا، نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبينا رسول ربنا (ص) أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية)
فاعلم أخي الموحد أن القتال غايته إفراد الله تعالى بالعبادة، أن يعبد وحده لا شريك، والتبرأ من جميع الأنداد من الإنس والجن والشجر والحجر التي تعبد من دونه، من أجل هذا أرسل الله الرسل، ولهذا أنزل الكتب، ومن أجل هذا أقام سوق الآخرة، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} "
وكل ما ذكره الرجل من آيات فى قتال الكفار حتى يقولوا لا لإله إلا الله هو استدلال بجمل من آيات دون ربطها بالآيات الأخرى فكل الآيات لها معنى واحد وهى :
قتال من يقاتلنا كما قال تعالى :
"وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة"
وبألفاظ اخرى رد العدوان كما قال تعالى :
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وبألفاظ أخرى عقاب الكفار بنفس عقابهم لنا :
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"
ويتعارض هذا الفهم وهو اكراه الناس على قول لا إله إلا الله بالقتال مع قوله :
" لا إكراه فى الدين"
كما يتعارض مع أمر الله بعد قتال من لا يقالنا والتعامل معه بالعدل كما قال تعالى :
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين"