نقد كتيب من آداب المروءة وخوارمها
مؤلف الكتاب صالح بن علي أبو عراد الخبير التربوى وهو يدور حول ما يسمى خلق المروءة وقد ذكر صالح اختلاف تعاريفها فقال فى مقدمته:
"وبعد :
فقد جاء دين الإسلام الحنيف داعيا لكل فضيلة ، و ناهيا عن كل رذيلة ، لأنه دين التربية الإسلامية الصافية ، والفضائل الإنسانية النبيلة ، والآداب الكريمة ، والأخلاق الحسنة التي تسمو بصاحبها ، وترتقي به في مدارج الشرف والرفعة والمثالية البشرية .
"ومن هذه الآداب الإسلامية الكريمة ، والأخلاق الإنسانية الفاضلة ما يسمى ( المروءة ) التي كثرت تعاريفها ، وتعددت معانيها حتى اختلف في تحديد تعريف موحد لها . فقد عرفت بأنها : " استعمال كل خلق حسن ، واجتناب كل خلق قبيح "وجاء في تعريفها كما ورد عند بعض السلف وقد سئل عن المروءة فأجاب : " أن لا تعمل في السر شيئا تستحي منه في العلانية " كما ورد في تعريف آخر أن المروءة تعني :" اجتناب الرجل ما يشينه ، واجتناؤه [ أي اكتسابه ] ما يزينه ".
…وقيل إن المقصود بالمروءة : " أن يجتنب الرجل القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها "
…كما ورد عن أبي حاتم البستي قوله : " والمروءة عندي خصلتان : اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال ، واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال "
وهكذا يتبين لنا أن التعريفات المذكورة تتفق في الدلالة والمفهوم العام والقصد ، ولا تختلف إلا على مستوى التعبير .
وعلى كل حال فإن كثرة تعاريف المروءة واختلافها وعدم الاتفاق على تعريف محدد لها دليل واضح على سمو منزلتها ، وعظيم شأنها ؛ لاسيما وأنها خلق كريم ، وسلوك قويم ، وفضيلة من الفضائل التي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بتوافرها في سلوكه القولي والفعلي ، نظرا لما تدل عليه من كمال الصفات ومحاسن الآداب ؛ حتى قيل في شأنها " المروءة اسم جامع للمحاسن كلها " "
وبعد أن انتهى صالح من القول أن التعاريف كثيرة ومختلفة قال أن كثرة التعاريف دليل على سمو منزلتها ، وعظيم شأنها وهو خطأ ظاهر فليس كثرة التعاريف أو ألفاظ التى ىتطلق على الشىء دليل على سموه وعظم شأنه فإبليس مثلا والخمر لهم أسماء كثيرة حتى ألف الفيروز آبادى مثلا كتابا فى أسماء الخمر سماه الجليس ألأنيس فى أسماء الخندريس
وعرف صالح أبو عراد المروءة بالتعريف التالى:
"ومن هنا يمكن القول : إن المروءة تعني جماع مكارم الأخلاق وكمال الأدب وحسن السلوك ، وتمام الخلق الإنساني الرفيع . وصدق من قال :
إني لتطربني الخلال كريمة
طرب الغريب بأوبة وتلاقي
وتهزني ذكرى المروءة والندى
بين الشمائل هزة المشتاق"
وهذا التعريف هو نفسه تعريف التقوى تعريف الخلق الحسين تعريف طاعة الله تعريف اتباع الوحى ومن ثم فالمروءة ليس خصلة وإنما تعريف شامل لكل النواحى ولذا قال فى الفقرة السابقة جماع مكارم الأخلاق وهو ما ناقض نفسه فيه بالقول أنه خصلة من الخصال بقوله:
"وليس هذا فحسب فهي خصلة إنسانية رفيعة القدر لما يترتب على التحلي بها من جلال وجمال وكمال في الخلق "
وبعد ذلك جعلها كمال الرجولية فقال :
وهي إلى جانب ذلك كله من خصال الرجولة المحمودة ؛ فقد جاء في لسان العرب أن " المروءة : كمال الرجولية وهذا يعني أن من كانت مروءته كاملة من الرجال فقد كملت رجولته و علا مقامه . قال الشاعر :
وإذا الفتى جمع المروءة والتقى وحوى مع الأدب الحياء فقد كمل
كما أن من كانت مروءتها كاملة من النساء فقد كملت أنوثتها ، وفي ذلك ما فيه من العون على صلاح الأمر بين الزوجين ، لما ورد أن مسلمة بن عبد الملك قال : " ما أعان على مروءة المرء كالمرأة الصالحة ". وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
إذا لم يكن في منزل المرء حرة
مدبرة ضاعت مروءة داره"
لغويا إذا كانت المروءة مأخوذة من مادة مرء فهى ما يطلقون عليه الإنسانية وهى كلمة معناها عند الناس عائم ولكنها فى الوحى كلمة تعنى الكفر فالإنسان وهو الكافر ملعون كما قال تعالى:
" قتل الإنسان ما أكفره"
والإنسانية أو المروءة فى العرف العام عند الناس هى القيام بأعمال غير واجبة أو أعمال لا يفعلها سوى أصحاب العزيمة كمن يقوم بالدخول بين متشاجرين يضربون رجلا فينقذه منهم غير مهتم بما يجرى له أو يجد حريقا فى مكان ولا أحد يتقدم لإنقاذ من فى الداخل أو اطفاء الحريق أو يجد من يغرق فيتقدم إلى المياه على الفور دون تردد لينقذه
المروءة أو المروة عند الناس إذا هى القيام بأعمال صالحة يتجنب عملها أغلبية الناس حفاظا على حيواتهم أو على صحتهم
وتحدث عن آدابها فقال :
"آداب المروءة :
…للمروءة آداب كثيرة قل أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى ؛ ولذلك فإن منازل الناس فيها تتباين تبعا لما يحصله الإنسان من آدابها ومراتبها . وقد وردت جملة من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءة ، ومنها :
أن يكون ذا أناة وتؤدة ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة أو رعونة ، كأن يكثر الالتفات في الطريق ، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حد الاعتدال ، وهكذا .
أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب أو دهشة الفرح ، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السراء والضراء .
أن يتحلى بالصراحة والترفع عن المجاملة والنفاق ، فلا يبدي لشخص الصداقة وهو يحمل له العداوة ، أو يشهد له باستقامة السيرة وهو يراه منحرفا عن السبيل .
ألا يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعد من سقطاته والمآخذ عليه ، وهو ما يشير إليه قول الشاعر :
فسري كإعلاني وتلك خليقتي وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري
أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعمل خفيف ؛ فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز قوله : " ليس من المروءة استخدام الضيف " .
أن يحسن الإصغاء لمن يحدثه من الناس ، لأن في ذلك دلالة على اهتمامه به ، وارتياحه لمجالسته ، وأنسه بحديثه . وإلى هذا المعنى يشير أبو تمام بقوله :
من لي بإنسان إذا أغضبته
ورضيت كان الحلم رد جوابه
وتراه يصغي للحديث بقلبه
وبسمعه ، ولعله أدرى به
أن يكون حافظا لما يؤتمن عليه من أسرار وأمور لا ينبغي أن تظهر لأحد غير صاحبها . وفي هذا المعنى يقول المتنبي :
كفتك المروءة ما تتقي
وأمنك الود ما تحذر
والمعنى أن صاحب المروءة لا يفشي سرا وهو مؤتمن عليه " كما أن من الآداب التي يمكن أن تضاف إلى ما سبق ذكره من آداب المروءة : أن يترفع الإنسان بطوعه واختياره عن كل ما لا يليق به من الأقوال الباطلة والأفعال الشائنة والسلوكيات المنحرفة ، وأن يربأ بنفسه عن إتيانها أو الاتصاف بها ، قال الشاعر :
وحذار من سفه يشينك وصفه
إن السفاه بذي المروءة زاري
ويتبع لذلك أن لا تخالف أقواله وأفعاله ما جرت عليه العادة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية الحسنة ، المتوافقة مع تعاليم الشرع وتوجيهات الدين . وأن يحترم الآخرين بأن يتعامل معهم بما يحب أن يتعاملوا معه ، وألا يفضل نفسه بشيء عنهم ، وفي ذلك يقول الشاعر :
وإذا جلست وكان مثلك قائما
فمن المروءة أن تقوم وإن أبى
وإذا اتكأت وكان مثلك جالسا
فمن المروءة أن تزيل المتكا
وإذا ركبت وكان مثلك ماشيا
فمن المروءة أن مشيت كما مشى
وانطلاقا من كون المروءة ترتبط بالأعراف الإنسانية الصحيحة والعادات المقبولة في المجتمع ؛ فإنه ينبغي مراعاة أن ما يكون مخالفا للمروءة في بلد أو مجتمع ما ، قد لا يكون مخالفا لها في بلد أو مجتمع آخر ، وخير مثال على ذلك عادة كشف الرأس وعدم تغطيته للرجال التي تعد مقبولة في بعض البلاد ، وغير مقبولة في بلاد أخرى وفي هذا الشأن يقول الشاطبي : ".. مثل كشف الرأس ، فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع ؛ فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقية وغير قبيح في البلاد المغربية ، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك ؛ فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة وعند أهل المغرب غير قادح "
ولهذا فإن كل سلوك يفعله الإنسان لا بد أن يخضع لميزان الشرع والعقل ؛ وألا يصادم النصوص الشرعية ، أو يكون مخالفا لما يستحسنه العقلاء ؛ فإن الشرع لم يأت بما يخالف العقل أبدا ، ولذلك " سئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل والمروءة ؟ فقال : العقل يأمرك بالأنفع ، والمروءة تأمرك بالأجمل ". وهذا يعني أن على الإنسان العاقل أن يحافظ على مروءته لما في ذلك من الجمال والكمال والجلال ، وإلى ذلك يشير الشيخ محمد الخضر حسين ( شيخ الجامع الأزهر ) بقوله : " إذا نظرنا إلى تفاصيل الأخلاق والآداب التي تقوم المروءة على رعايتها وجدناها تبعث على إجلال صاحبها وامتلاء الأعين بمهابته . ومن الحكم السائرة : ( ذو المروءة يكرم وإن كان معدما ، كالأسد يهاب وإن كان رابضا ، ومن لا مروءة له ، يهان وإن كان موسرا ، كالكلب يهان وإن طوق وحلي بالذهب ) ""
إذا المروءة هنا أقامها صالح مقام الإسلام فمنها تستقى الآداب وهو كلام لا يصلح أن يقال فكل شىء مأخوذ من كتاب الله وهذا اللفظ ليس فى القرآن
ثم حدثنا عن ما يزيل المروءة فقال :
خوارم المروءة :
"يقصد بالخوارم جمع خرم ، وقد جاء في المعجم : " انخرم الكتاب : نقص وذهب بعضه " ( 15 : 193 ) . وبذلك يكون المعنى المقصود من كلمة الخوارم تلك النقائص التي تفقد الشيء تمامه .
ولأن كثيرا من الناس قد اختل عندهم ميزان المروءة منذ أزمنة سابقة ، إلا أن الأمر زاد في هذا الزمان ، ولم يعد أكثرهم محافظا على كثير من آدابها الفاضلة وأخلاقها الكريمة ، وصفاتها الحميدة ؛ فإن هناك عددا من خوارم المروءة وقوادحها التي انتشرت بين الناس وأصبحت غير مستنكرة عندهم لكثرة من يمارسونها -ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم -حتى لقد صدق فينا قول الشاعر :
مررت على المروءة وهي تبكي
فقلت : علام تنتحب الفتاة ؟
فقالت : كيف لا أبكي وأهلي
جميعا دون خلق الله ماتوا
وفيما يلي ذكر لبعض خوارم المروءة التي تنتشر في مجتمعنا المعاصر سواء أكانت قولية أم فعلية ، ومنها :…
( 1 ) كثرة المزاح والمداعبة القولية والفعلية ولاسيما مع من لا يعرفهم الإنسان ؛ لما في ذلك من إسقاط هيبته ، والإقلال من مكانته ، و لأن كثرة المزاح مدعاة لحصول الخصام ، وإثارة الأحقاد في النفوس . قال الشاعر :
فإياك إياك المزاح فإنه يجري عليك الطفل والرجل النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه ويورث بعد العز صاحبه ذلا
وهنا يجدر التنبه إلى أن هذا لا يعني أن يكون الإنسان عبوسا منقبضا ؛ فإن هذا مما يذم و يكره ، ولكن هدي الإسلام أن يكون الإنسان جادا في قوله وعمله وكل شأنه ، مع شيء من البشاشة وطلاقة الوجه لما روي عن أبي ذر أنه قال : قال لي النبي (ص): " لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " . ( مسلم ، الحديث رقم 6690 ، ص 1145 ) .
كما ورد عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى عماله :" امنعوا الناس المزاح ؛ فإنه يذهب بالمروءة ، ويوغر الصدور " ( 9 : 241 ) . وما ذلك إلا لما ينتج عن كثرة المزاح - في الغالب - من الاستخفاف وقلة الهيبة وذهاب الحشمة ."
وبعض الروايات المستشهد بها هنا لا تصح فمنع المزاح حرام لأن الضحك منه المباح ومنه المحرم ثم قال :
( 2 ) أن يأكل الإنسان طعاما أو يشرب شرابا وهو يمشي في الأسواق والطرقات ، فهذا فعل وطبع يتنافى مع كمال المروءة ، ولا يتفق ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات . ولذلك فقد ورد أثر عن ابن سيرين أنه قال : " ثلاثة ليست من المروءة : الأكل في الأسواق ، والإدهان عند العطار ، والنظر في مرآة الحجام " ( 12 : 233 ) . ويتبع لذلك عادة قضم ما يسمى ( الفصفص أو الحب وغيره من أنواع المكسرات المعروفة ) أمام الناس ، ولا سيما في أماكن التجمعات والشوارع والأسواق والميادين العامة والمجالس لما في ذلك من مخالفة للمروءة ، وعدم احترام للآخرين في هذه الأماكن ."
هذا الكلام مخالف للإسلام فالرسل(ص) كانوا يأكلون فى الأسواق فهل كانوا عديمى المروءة ؟
قطعا لا وفى هذا قال سبحانه:
"وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق"
ثم قال :
( 3 ) عدم احترام الصغار للكبار سواء أكان ذلك في المجالس أم في المناسبات ، وعدم توقير كبار السن و إنزالهم منازلهم ، حتى أصبحنا في وقتنا الحاضر نرى الصغار يسابقون الكبار في كل شئ ، وقد يعارضونهم في الكلام ؛ أو يسخرون منهم والعياذ بالله ، وهذا أمر محرم ؛ لأن الله تعالى وهو رب العالمين يكرم ويجل ذي الشيبة المسلم .فقد روي عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله (ص): " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4843 ، ص 261 ) .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن على الآباء تربية أبنائهم على آداب المروءة وتعويدهم إياها منذ نعومة أظفارهم حتى لا تسبق إليهم الأخلاق والطباع السيئة فتحول بينهم وبين مكارم الأخلاق وجميل الطباع قال الشاعر :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا
فمطلبها كهلا عليه عسير
( 4 ) أن يعتاد الإنسان التبول واقفا لغير حاجة لاسيما في دورات المياه العامة ونحوها ؛ لأن الأولى أن يتبول الإنسان جالسا لما في ذلك من المنافع الصحية ، والاحتياط لعدم انتشار النجاسة أو التلوث بها أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك من مرض ونحوه فلا بأس في ذلك إن شاء الله ."
قطعا ليس هذا من احكام الإسلام فالمسلم يتبول بالطريقة التى تريحه طالما لا يراه أحد ثم قال :
( 5 ) الإكثار من تناول الطعام والإقبال عليه بنهم شديد لاسيما عندما يكون الإنسان مدعوا إلى وليمة أو نحو ذلك ؛ لما في ذلك من منافاة للأدب ، ولما فيه من مخالفة لهدي الإسلام عند تناول الطعام " وقد ذكر ابن عبد البر عن علي بن أبي طالب أنه كان إذا دعي إلى طعام أكل شيئا قبل أن يأتيه ، ويقول : قبيح بالرجل أن يظهر نهمته في طعام غيره " ( 6 : 141 ) "
هذا الكلام من ضمن التقعر فالجائع يأكل كما يحب طالما كان ملتزم بأحكام الطعام وكذلك الكلام التالى عن التكرع من ضمن التقعر :
( 6 ) التجشؤ بصوت مرتفع أو ما يعرف بعادة " التكعر " ، ويقصد بذلك إخراج صوت مرتفع ومزعج من الفم في حضرة الناس ، وعادة ما يكون التجشؤ نتيجة للشبع وكثرة الأكل . وهنا تجدر الإشارة إلى أن من أسوأ العادات وأكثرها أذى في الصلاة أن يتجشأ آكل الثوم ، أو البصل ، أو الكراث في صف المصلين فيزعجهم ويقطع خشوعهم وتخرج من فمه رائحة كريهة يؤذي بها عباد الله من الملائكة والمصلين ؛ فعن ابن عمر قال : تجشأ رجل عند النبي (ص)فقال : " كف عنا جشاءك فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2478 ، ص 649 ) "
والروايات لا تصح فالتكرع ليس على هوى الإنسان وإنما هو ردة فعل من الجسم ليس على كثرة الطعام وإنما على مرض ما فى الغالب أو على امتلاء المعدة بالهاء الذى يعنى الجوع وليس الشبع وهو كثرة الأكل ثم قال :
( 7 ) أن يأتي الإنسان ببعض الأقوال أو الأفعال الهزلية التي تضحك منه الناس كأن يقلد شخصا في كلامه ، أو حركاته ، أو نحو ذلك لغرض السخرية منه وإضحاك الآخرين عليه .ويعظم أمر هذا السلوك الخاطئ عندما يكون المقلد مبتلى بذلك الشيء أو تلك الصفة . فعن بهز بن حكيم قال : حدثني أبي عن جدي قال : سمعت النبي (ص)يقول : " ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ، ويل له " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2315 ، ص 557 ) ."
سبق أن ذكر صالح هذا فى المزاح وهو تكرار لما قاله ثم قال :
( 8 ) ارتداء بعض الناس وبخاصة من هم في سن الشباب للملابس الغريبة الوافدة ، لما قد يكون فيها من التشبه بأهلها ، أو لأنها لا تليق بالإنسان المسلم العاقل المتزن لا سيما في المساجد ، والأسواق ، و المجالس ، والأماكن العامة ومن هذه الملابس القبعات ، و الأقمصة الملونة ، والملابس الشفافة ، والملابس غير الساترة ، والبنطلونات والسراويل القصيرة ، وغيرها من الملابس المضحكة المزرية التي وفدت إلينا من مجتمعات غير محافظة على القيم والأخلاق الإسلامية ، والتي قد تكثر عليها الرموز والشعارات والعبارات المخالفة لتعاليم ديننا الحنيف ، أو المخلة بالآداب ، والمنافية للأذواق السليمة "
الملابس طالما التزم فيها الإنسان مواصفات الزى من عدم التجسيم وعدم الشفافية وراحة الجسم فله أن يلبس ما شاء بغض النظر عن الألوان ثم قال :
( 9 ) إضاعة الوقت بالجلوس لوقت طويل في المقاهي والاستراحات وما في حكمها لغير حاجة ملحة وكلنا نعلم أن المقاهي وما شابهها تعد – في الغالب - من الأماكن التي يجتمع فيها أراذل الناس ورفاق السوء . وقد ورد عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أنه قال : " آفة المروءة إخوان السوء " ( 12 : 234 ) .
يضاف إلى ذلك ما في ارتياد هذه الأماكن من هدر للوقت وإضاعته فيما لا فائدة منه ولا نفع فيه ، ولا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد والانحراف ؛ وهنا يجدر بنا أن نتذكر ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله (ص): " ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة ( أي حسرة وندامة ) ، وما مشى أحد ممشى لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة ، وما أوى أحد إلى فراشه ولم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة " ( ابن حبان ، ج 3 ، الحديث رقم 853 ، ص 133 ) ."
هذا الكلام المفروض أن يقال للسلطات التى تبيح افتتاح تلك الأماكن وهى أماكن تشغل الناس عن أسرهم والذنوب فيها كثيرة من ذكر الآخرين فى غيابهم وشرب الأدخنة والمخدرات وغير ذلك من المؤذيات ثم قال :
( 10 ) كشف العورات أمام الناس ، وهذا أمر محرم ومخالف للمروءة سواء أكان ذلك الكشف صادرا عن الرجال أم النساء ، ولا سيما في الاحتفالات والأعراس ، وعند ممارسة الألعاب الرياضية في الملاعب والمسابح والصالات المغلقة . وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز كشف الفخذ ، ولا الصدر ، ولا الظهر ، ولا الأكتاف ونحوها لما في ذلك من المخالفة الصريحة لأمر الله الذي أمر بالستر والعفاف والاحتشام . فعن زرعة بن عبد الرحمن عن جده جرهد أن النبي (ص)مر به وقد كشف فخذه فقال : " غطها فإنها عورة " ( الترمذي ، ج 5 ، الحديث رقم 2795 ، ص 110 ) ."
وهذا الكلام سبق ذكره فى حكاية الملابس وهو تكرار لا داعى له ثم قال :
( 11 ) قص شعر الرأس بأشكال غريبة وغير مألوفة ، وكلنا يعلم أنه قد انتشرت في هذا الزمان بعض قصات الشعر المضحكة المبكية وخاصة بين الشباب والشابات ، والتي يعلم الله أنها تشوه الشكل ، وتدل – دلالة واضحة - على فساد الذوق ، وحب التقليد ؛ كما تؤكد أن من يفعلها عامدا متعمدا ضعيف العقل ممسوخ الهوية ، لأنه مقلد للآخرين ممن لا دين لهم ولا مروءة ولا حياء ."
هذه المسئولية حاليا مسئولية السلطات التى تسمح بذلك أولا ولا تعاقب أحدا بحجة الحرية الشخصية ثم تحدث مكرر ما قاله عن المزاح واختراع الحكايات المضحة فقال :
( 12 ) كثرة الضحك والقهقهة بصوت عال ولا سيما في الأماكن العامة ؛ فقد جاء عند بعض أهل العلم قوله : " ويكره مضغ العلك لأنه دناءة " ويتبع ذلك عادة مضغ العلك ( اللبان ) أمام الناس ، وفي الأسواق ، وأماكن التجمعات ؛ وهو أمر لا يليق بالرجال على وجه الخصوص ؛ فقد ورد عن بعض السلف قولهم : " يكره العلك للرجل للتشبه بالنساء ، ما لم يكن للتداوي ، أو كان خاليا ببيته ونحوه لا في حضرة الناس ""
ثم تحدث عن الكلام الذي يسمى قلة الأدب فقال :
( 13 ) أن يتحدث الإنسان إلى جلسائه ببعض الأحاديث المخلة بالآداب ، وأن يخبرهم ( صادقا أو كاذبا ) ببعض القصص والمغامرات والأحداث الفاضحة بحجة الإمتاع و المؤانسة . وهذا أمر مخالف لما أمر الله به عباده من الستر وعدم نشر الفاحشة بين المسلمين .كما يتبع هذه المخالفة أن يتحدث الإنسان عن ما يقع بينه وبين امرأته من أمور خاصة ، أو وصف تفاصيل ذلك لما روي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله (ص): " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة ، الرجل يفضي إلى امرأته ، وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها " ( مسلم ، الحديث رقم 3542 ، ص 609 ) . وما ذلك إلا لما في هذا الأمر من خيانة للأمانة ومخالفة للمروءة وآداب المسلم التي تمنعه من مجرد التعرض لهذا الأمر تصريحا أو تلميحا " وأما مجرد ذكر الوقاع فإذا لم يكن لحاجة فذكره مكروه لأنه خلاف المروءة " ( 13 : 241 ) ."
وقطعا بعض ما يسمى كلام قلة ألأدب هو كلام مباح عندما يراد منه التعليم لطاعة الله بعدم نسيان النصيب من الدنيا ثم قال :
( 14 ) الرقص والتصفيق والتمايل مع الأنغام المحرمة ، وهز بعض أعضاء الجسم أو تحريكها وغير ذلك من الحركات الساقطة التي يؤديها البعض في الاحتفالات والأعراس ونحو ذلك مما لا يليق بالإنسان المسلم ذكرا كان أو أنثى . حتى إن بعض أهل العلم وصف الرقص والتصفيق والتمايل إذا صدر عن الرجال بأنه : " خفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث لا يفعلهما إلا أرعن " "
كما سبق القول السبب فى شيوع ذلك هو تخلى السلطات الحالية عن دورها فى الإشراف على كل شىء ثم قال :
( 15 ) امتهان الشحاذة و مد اليد للناس من غير حاجة ضرورية تدعو إلى ذلك . وما عد التسول مما يخالف المروءة إلا لما في ذلك الفعل من احتمال الكذب ، والخداع ، والتحايل ؛ الأمر الذي يسقط مروءة الإنسان ويذهب ماء وجهه في الدنيا ولحمه في الآخرة ؛ فقد روي عن حمزة بن عبد الله عن أبيه أن النبي (ص)قال : " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله ، وليس في وجهه مزعة لحم " ( مسلم ، الحديث رقم 2396 ، ص 418 ) . وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
وما شيء إذا فكرت فيه بأذهب للمروءة والجمال
من الكذب الذي لا خير فيه وأبعد بالبهاء من الرجال
كما قال بعض أهل العلم : " إن من كان أكثر عمره سائلا ، أو يكثر ذلك منه ؛ فينبغي أن ترد شهادته لأن ذلك دناءة وسقوط مروءة "
و هنا تجدر الإشارة إلى أن كثيرا من الشحاذين و المتسولين الذين اتخذوا سؤال الناس مهنة لهم ، وممن يتنقلون بين المساجد والجوامع وهم يحملون الأوراق والصكوك والتقارير الطبية ليستشهدوا بها على فقرهم وحاجتهم الزائفة ، وقد يحمل بعضهم أطفالا صغارا أو معاقين ليستدروا بهم عطف الناس وشفقتهم ، أكثرهم من الكاذبين والمحتالين الذين يحتاجون إلى تأديب وردع من الجهات المعنية ، فالواجب على الناس عدم الانخداع بهم أو التعاطف معهم ؛ لاسيما أنهم يحدثون كثيرا من التشويش والفوضى في بيوت الله تعالى ، ويتسببون في قطع خشوع الناس ومنعهم من الانشغال بالتسبيح والذكر بعد الصلاة ."
وفى نهاية كلامه تحدث خالطا بين الشرع والمروءة لأن الكلام يعتبر واحد فقال :
"وبعد ؛ فهذه بعض آداب المروءة وخوارمها التي تكثر في مجتمعنا ، والتي اتضح لنا -مما سبق -أن من آدابها ما يوافق الشرع ولا يتعارض مع الأعراف والعادات و التقاليد الحسنة ، وأن من خوارمها ما يخالف ذلك كله ؛ ولذلك فهو إما حرام بين لا يجوز ولا يباح ؛ وإما أنه ليس بحرام إلا أنه غير مقبول وغير مستحب . وهذا يعني أن هذه الصور المخالفة للمروءة تحتاج منا إلى أن نعيد النظر فيها متى وجدت عندنا ، وفي كل الأفعال والأقوال والتصرفات التي لا يقرها شرع ولا يقبلها عقل .كما أن علينا أن نجتهد جميعا في تصحيح أخطائنا ، وأن نجدد العهد مع الله سبحانه وتعالى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القول والعمل ، والالتزام بتعاليم الدين ، وتوجيهات سنة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وآداب تربيتنا الإسلامية السامية . وما أجمل قول الشاعر :
تأدب غير متكل على حسب ولا نسب
فإن مروءة الرجل الشـــــــــــــــــــــريف بصالح الأدب"
مؤلف الكتاب صالح بن علي أبو عراد الخبير التربوى وهو يدور حول ما يسمى خلق المروءة وقد ذكر صالح اختلاف تعاريفها فقال فى مقدمته:
"وبعد :
فقد جاء دين الإسلام الحنيف داعيا لكل فضيلة ، و ناهيا عن كل رذيلة ، لأنه دين التربية الإسلامية الصافية ، والفضائل الإنسانية النبيلة ، والآداب الكريمة ، والأخلاق الحسنة التي تسمو بصاحبها ، وترتقي به في مدارج الشرف والرفعة والمثالية البشرية .
"ومن هذه الآداب الإسلامية الكريمة ، والأخلاق الإنسانية الفاضلة ما يسمى ( المروءة ) التي كثرت تعاريفها ، وتعددت معانيها حتى اختلف في تحديد تعريف موحد لها . فقد عرفت بأنها : " استعمال كل خلق حسن ، واجتناب كل خلق قبيح "وجاء في تعريفها كما ورد عند بعض السلف وقد سئل عن المروءة فأجاب : " أن لا تعمل في السر شيئا تستحي منه في العلانية " كما ورد في تعريف آخر أن المروءة تعني :" اجتناب الرجل ما يشينه ، واجتناؤه [ أي اكتسابه ] ما يزينه ".
…وقيل إن المقصود بالمروءة : " أن يجتنب الرجل القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها "
…كما ورد عن أبي حاتم البستي قوله : " والمروءة عندي خصلتان : اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال ، واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال "
وهكذا يتبين لنا أن التعريفات المذكورة تتفق في الدلالة والمفهوم العام والقصد ، ولا تختلف إلا على مستوى التعبير .
وعلى كل حال فإن كثرة تعاريف المروءة واختلافها وعدم الاتفاق على تعريف محدد لها دليل واضح على سمو منزلتها ، وعظيم شأنها ؛ لاسيما وأنها خلق كريم ، وسلوك قويم ، وفضيلة من الفضائل التي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بتوافرها في سلوكه القولي والفعلي ، نظرا لما تدل عليه من كمال الصفات ومحاسن الآداب ؛ حتى قيل في شأنها " المروءة اسم جامع للمحاسن كلها " "
وبعد أن انتهى صالح من القول أن التعاريف كثيرة ومختلفة قال أن كثرة التعاريف دليل على سمو منزلتها ، وعظيم شأنها وهو خطأ ظاهر فليس كثرة التعاريف أو ألفاظ التى ىتطلق على الشىء دليل على سموه وعظم شأنه فإبليس مثلا والخمر لهم أسماء كثيرة حتى ألف الفيروز آبادى مثلا كتابا فى أسماء الخمر سماه الجليس ألأنيس فى أسماء الخندريس
وعرف صالح أبو عراد المروءة بالتعريف التالى:
"ومن هنا يمكن القول : إن المروءة تعني جماع مكارم الأخلاق وكمال الأدب وحسن السلوك ، وتمام الخلق الإنساني الرفيع . وصدق من قال :
إني لتطربني الخلال كريمة
طرب الغريب بأوبة وتلاقي
وتهزني ذكرى المروءة والندى
بين الشمائل هزة المشتاق"
وهذا التعريف هو نفسه تعريف التقوى تعريف الخلق الحسين تعريف طاعة الله تعريف اتباع الوحى ومن ثم فالمروءة ليس خصلة وإنما تعريف شامل لكل النواحى ولذا قال فى الفقرة السابقة جماع مكارم الأخلاق وهو ما ناقض نفسه فيه بالقول أنه خصلة من الخصال بقوله:
"وليس هذا فحسب فهي خصلة إنسانية رفيعة القدر لما يترتب على التحلي بها من جلال وجمال وكمال في الخلق "
وبعد ذلك جعلها كمال الرجولية فقال :
وهي إلى جانب ذلك كله من خصال الرجولة المحمودة ؛ فقد جاء في لسان العرب أن " المروءة : كمال الرجولية وهذا يعني أن من كانت مروءته كاملة من الرجال فقد كملت رجولته و علا مقامه . قال الشاعر :
وإذا الفتى جمع المروءة والتقى وحوى مع الأدب الحياء فقد كمل
كما أن من كانت مروءتها كاملة من النساء فقد كملت أنوثتها ، وفي ذلك ما فيه من العون على صلاح الأمر بين الزوجين ، لما ورد أن مسلمة بن عبد الملك قال : " ما أعان على مروءة المرء كالمرأة الصالحة ". وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
إذا لم يكن في منزل المرء حرة
مدبرة ضاعت مروءة داره"
لغويا إذا كانت المروءة مأخوذة من مادة مرء فهى ما يطلقون عليه الإنسانية وهى كلمة معناها عند الناس عائم ولكنها فى الوحى كلمة تعنى الكفر فالإنسان وهو الكافر ملعون كما قال تعالى:
" قتل الإنسان ما أكفره"
والإنسانية أو المروءة فى العرف العام عند الناس هى القيام بأعمال غير واجبة أو أعمال لا يفعلها سوى أصحاب العزيمة كمن يقوم بالدخول بين متشاجرين يضربون رجلا فينقذه منهم غير مهتم بما يجرى له أو يجد حريقا فى مكان ولا أحد يتقدم لإنقاذ من فى الداخل أو اطفاء الحريق أو يجد من يغرق فيتقدم إلى المياه على الفور دون تردد لينقذه
المروءة أو المروة عند الناس إذا هى القيام بأعمال صالحة يتجنب عملها أغلبية الناس حفاظا على حيواتهم أو على صحتهم
وتحدث عن آدابها فقال :
"آداب المروءة :
…للمروءة آداب كثيرة قل أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى ؛ ولذلك فإن منازل الناس فيها تتباين تبعا لما يحصله الإنسان من آدابها ومراتبها . وقد وردت جملة من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءة ، ومنها :
أن يكون ذا أناة وتؤدة ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة أو رعونة ، كأن يكثر الالتفات في الطريق ، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حد الاعتدال ، وهكذا .
أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب أو دهشة الفرح ، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السراء والضراء .
أن يتحلى بالصراحة والترفع عن المجاملة والنفاق ، فلا يبدي لشخص الصداقة وهو يحمل له العداوة ، أو يشهد له باستقامة السيرة وهو يراه منحرفا عن السبيل .
ألا يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعد من سقطاته والمآخذ عليه ، وهو ما يشير إليه قول الشاعر :
فسري كإعلاني وتلك خليقتي وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري
أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعمل خفيف ؛ فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز قوله : " ليس من المروءة استخدام الضيف " .
أن يحسن الإصغاء لمن يحدثه من الناس ، لأن في ذلك دلالة على اهتمامه به ، وارتياحه لمجالسته ، وأنسه بحديثه . وإلى هذا المعنى يشير أبو تمام بقوله :
من لي بإنسان إذا أغضبته
ورضيت كان الحلم رد جوابه
وتراه يصغي للحديث بقلبه
وبسمعه ، ولعله أدرى به
أن يكون حافظا لما يؤتمن عليه من أسرار وأمور لا ينبغي أن تظهر لأحد غير صاحبها . وفي هذا المعنى يقول المتنبي :
كفتك المروءة ما تتقي
وأمنك الود ما تحذر
والمعنى أن صاحب المروءة لا يفشي سرا وهو مؤتمن عليه " كما أن من الآداب التي يمكن أن تضاف إلى ما سبق ذكره من آداب المروءة : أن يترفع الإنسان بطوعه واختياره عن كل ما لا يليق به من الأقوال الباطلة والأفعال الشائنة والسلوكيات المنحرفة ، وأن يربأ بنفسه عن إتيانها أو الاتصاف بها ، قال الشاعر :
وحذار من سفه يشينك وصفه
إن السفاه بذي المروءة زاري
ويتبع لذلك أن لا تخالف أقواله وأفعاله ما جرت عليه العادة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية الحسنة ، المتوافقة مع تعاليم الشرع وتوجيهات الدين . وأن يحترم الآخرين بأن يتعامل معهم بما يحب أن يتعاملوا معه ، وألا يفضل نفسه بشيء عنهم ، وفي ذلك يقول الشاعر :
وإذا جلست وكان مثلك قائما
فمن المروءة أن تقوم وإن أبى
وإذا اتكأت وكان مثلك جالسا
فمن المروءة أن تزيل المتكا
وإذا ركبت وكان مثلك ماشيا
فمن المروءة أن مشيت كما مشى
وانطلاقا من كون المروءة ترتبط بالأعراف الإنسانية الصحيحة والعادات المقبولة في المجتمع ؛ فإنه ينبغي مراعاة أن ما يكون مخالفا للمروءة في بلد أو مجتمع ما ، قد لا يكون مخالفا لها في بلد أو مجتمع آخر ، وخير مثال على ذلك عادة كشف الرأس وعدم تغطيته للرجال التي تعد مقبولة في بعض البلاد ، وغير مقبولة في بلاد أخرى وفي هذا الشأن يقول الشاطبي : ".. مثل كشف الرأس ، فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع ؛ فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقية وغير قبيح في البلاد المغربية ، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك ؛ فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة وعند أهل المغرب غير قادح "
ولهذا فإن كل سلوك يفعله الإنسان لا بد أن يخضع لميزان الشرع والعقل ؛ وألا يصادم النصوص الشرعية ، أو يكون مخالفا لما يستحسنه العقلاء ؛ فإن الشرع لم يأت بما يخالف العقل أبدا ، ولذلك " سئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل والمروءة ؟ فقال : العقل يأمرك بالأنفع ، والمروءة تأمرك بالأجمل ". وهذا يعني أن على الإنسان العاقل أن يحافظ على مروءته لما في ذلك من الجمال والكمال والجلال ، وإلى ذلك يشير الشيخ محمد الخضر حسين ( شيخ الجامع الأزهر ) بقوله : " إذا نظرنا إلى تفاصيل الأخلاق والآداب التي تقوم المروءة على رعايتها وجدناها تبعث على إجلال صاحبها وامتلاء الأعين بمهابته . ومن الحكم السائرة : ( ذو المروءة يكرم وإن كان معدما ، كالأسد يهاب وإن كان رابضا ، ومن لا مروءة له ، يهان وإن كان موسرا ، كالكلب يهان وإن طوق وحلي بالذهب ) ""
إذا المروءة هنا أقامها صالح مقام الإسلام فمنها تستقى الآداب وهو كلام لا يصلح أن يقال فكل شىء مأخوذ من كتاب الله وهذا اللفظ ليس فى القرآن
ثم حدثنا عن ما يزيل المروءة فقال :
خوارم المروءة :
"يقصد بالخوارم جمع خرم ، وقد جاء في المعجم : " انخرم الكتاب : نقص وذهب بعضه " ( 15 : 193 ) . وبذلك يكون المعنى المقصود من كلمة الخوارم تلك النقائص التي تفقد الشيء تمامه .
ولأن كثيرا من الناس قد اختل عندهم ميزان المروءة منذ أزمنة سابقة ، إلا أن الأمر زاد في هذا الزمان ، ولم يعد أكثرهم محافظا على كثير من آدابها الفاضلة وأخلاقها الكريمة ، وصفاتها الحميدة ؛ فإن هناك عددا من خوارم المروءة وقوادحها التي انتشرت بين الناس وأصبحت غير مستنكرة عندهم لكثرة من يمارسونها -ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم -حتى لقد صدق فينا قول الشاعر :
مررت على المروءة وهي تبكي
فقلت : علام تنتحب الفتاة ؟
فقالت : كيف لا أبكي وأهلي
جميعا دون خلق الله ماتوا
وفيما يلي ذكر لبعض خوارم المروءة التي تنتشر في مجتمعنا المعاصر سواء أكانت قولية أم فعلية ، ومنها :…
( 1 ) كثرة المزاح والمداعبة القولية والفعلية ولاسيما مع من لا يعرفهم الإنسان ؛ لما في ذلك من إسقاط هيبته ، والإقلال من مكانته ، و لأن كثرة المزاح مدعاة لحصول الخصام ، وإثارة الأحقاد في النفوس . قال الشاعر :
فإياك إياك المزاح فإنه يجري عليك الطفل والرجل النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه ويورث بعد العز صاحبه ذلا
وهنا يجدر التنبه إلى أن هذا لا يعني أن يكون الإنسان عبوسا منقبضا ؛ فإن هذا مما يذم و يكره ، ولكن هدي الإسلام أن يكون الإنسان جادا في قوله وعمله وكل شأنه ، مع شيء من البشاشة وطلاقة الوجه لما روي عن أبي ذر أنه قال : قال لي النبي (ص): " لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " . ( مسلم ، الحديث رقم 6690 ، ص 1145 ) .
كما ورد عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى عماله :" امنعوا الناس المزاح ؛ فإنه يذهب بالمروءة ، ويوغر الصدور " ( 9 : 241 ) . وما ذلك إلا لما ينتج عن كثرة المزاح - في الغالب - من الاستخفاف وقلة الهيبة وذهاب الحشمة ."
وبعض الروايات المستشهد بها هنا لا تصح فمنع المزاح حرام لأن الضحك منه المباح ومنه المحرم ثم قال :
( 2 ) أن يأكل الإنسان طعاما أو يشرب شرابا وهو يمشي في الأسواق والطرقات ، فهذا فعل وطبع يتنافى مع كمال المروءة ، ولا يتفق ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات . ولذلك فقد ورد أثر عن ابن سيرين أنه قال : " ثلاثة ليست من المروءة : الأكل في الأسواق ، والإدهان عند العطار ، والنظر في مرآة الحجام " ( 12 : 233 ) . ويتبع لذلك عادة قضم ما يسمى ( الفصفص أو الحب وغيره من أنواع المكسرات المعروفة ) أمام الناس ، ولا سيما في أماكن التجمعات والشوارع والأسواق والميادين العامة والمجالس لما في ذلك من مخالفة للمروءة ، وعدم احترام للآخرين في هذه الأماكن ."
هذا الكلام مخالف للإسلام فالرسل(ص) كانوا يأكلون فى الأسواق فهل كانوا عديمى المروءة ؟
قطعا لا وفى هذا قال سبحانه:
"وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق"
ثم قال :
( 3 ) عدم احترام الصغار للكبار سواء أكان ذلك في المجالس أم في المناسبات ، وعدم توقير كبار السن و إنزالهم منازلهم ، حتى أصبحنا في وقتنا الحاضر نرى الصغار يسابقون الكبار في كل شئ ، وقد يعارضونهم في الكلام ؛ أو يسخرون منهم والعياذ بالله ، وهذا أمر محرم ؛ لأن الله تعالى وهو رب العالمين يكرم ويجل ذي الشيبة المسلم .فقد روي عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله (ص): " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4843 ، ص 261 ) .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن على الآباء تربية أبنائهم على آداب المروءة وتعويدهم إياها منذ نعومة أظفارهم حتى لا تسبق إليهم الأخلاق والطباع السيئة فتحول بينهم وبين مكارم الأخلاق وجميل الطباع قال الشاعر :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا
فمطلبها كهلا عليه عسير
( 4 ) أن يعتاد الإنسان التبول واقفا لغير حاجة لاسيما في دورات المياه العامة ونحوها ؛ لأن الأولى أن يتبول الإنسان جالسا لما في ذلك من المنافع الصحية ، والاحتياط لعدم انتشار النجاسة أو التلوث بها أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك من مرض ونحوه فلا بأس في ذلك إن شاء الله ."
قطعا ليس هذا من احكام الإسلام فالمسلم يتبول بالطريقة التى تريحه طالما لا يراه أحد ثم قال :
( 5 ) الإكثار من تناول الطعام والإقبال عليه بنهم شديد لاسيما عندما يكون الإنسان مدعوا إلى وليمة أو نحو ذلك ؛ لما في ذلك من منافاة للأدب ، ولما فيه من مخالفة لهدي الإسلام عند تناول الطعام " وقد ذكر ابن عبد البر عن علي بن أبي طالب أنه كان إذا دعي إلى طعام أكل شيئا قبل أن يأتيه ، ويقول : قبيح بالرجل أن يظهر نهمته في طعام غيره " ( 6 : 141 ) "
هذا الكلام من ضمن التقعر فالجائع يأكل كما يحب طالما كان ملتزم بأحكام الطعام وكذلك الكلام التالى عن التكرع من ضمن التقعر :
( 6 ) التجشؤ بصوت مرتفع أو ما يعرف بعادة " التكعر " ، ويقصد بذلك إخراج صوت مرتفع ومزعج من الفم في حضرة الناس ، وعادة ما يكون التجشؤ نتيجة للشبع وكثرة الأكل . وهنا تجدر الإشارة إلى أن من أسوأ العادات وأكثرها أذى في الصلاة أن يتجشأ آكل الثوم ، أو البصل ، أو الكراث في صف المصلين فيزعجهم ويقطع خشوعهم وتخرج من فمه رائحة كريهة يؤذي بها عباد الله من الملائكة والمصلين ؛ فعن ابن عمر قال : تجشأ رجل عند النبي (ص)فقال : " كف عنا جشاءك فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2478 ، ص 649 ) "
والروايات لا تصح فالتكرع ليس على هوى الإنسان وإنما هو ردة فعل من الجسم ليس على كثرة الطعام وإنما على مرض ما فى الغالب أو على امتلاء المعدة بالهاء الذى يعنى الجوع وليس الشبع وهو كثرة الأكل ثم قال :
( 7 ) أن يأتي الإنسان ببعض الأقوال أو الأفعال الهزلية التي تضحك منه الناس كأن يقلد شخصا في كلامه ، أو حركاته ، أو نحو ذلك لغرض السخرية منه وإضحاك الآخرين عليه .ويعظم أمر هذا السلوك الخاطئ عندما يكون المقلد مبتلى بذلك الشيء أو تلك الصفة . فعن بهز بن حكيم قال : حدثني أبي عن جدي قال : سمعت النبي (ص)يقول : " ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ، ويل له " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2315 ، ص 557 ) ."
سبق أن ذكر صالح هذا فى المزاح وهو تكرار لما قاله ثم قال :
( 8 ) ارتداء بعض الناس وبخاصة من هم في سن الشباب للملابس الغريبة الوافدة ، لما قد يكون فيها من التشبه بأهلها ، أو لأنها لا تليق بالإنسان المسلم العاقل المتزن لا سيما في المساجد ، والأسواق ، و المجالس ، والأماكن العامة ومن هذه الملابس القبعات ، و الأقمصة الملونة ، والملابس الشفافة ، والملابس غير الساترة ، والبنطلونات والسراويل القصيرة ، وغيرها من الملابس المضحكة المزرية التي وفدت إلينا من مجتمعات غير محافظة على القيم والأخلاق الإسلامية ، والتي قد تكثر عليها الرموز والشعارات والعبارات المخالفة لتعاليم ديننا الحنيف ، أو المخلة بالآداب ، والمنافية للأذواق السليمة "
الملابس طالما التزم فيها الإنسان مواصفات الزى من عدم التجسيم وعدم الشفافية وراحة الجسم فله أن يلبس ما شاء بغض النظر عن الألوان ثم قال :
( 9 ) إضاعة الوقت بالجلوس لوقت طويل في المقاهي والاستراحات وما في حكمها لغير حاجة ملحة وكلنا نعلم أن المقاهي وما شابهها تعد – في الغالب - من الأماكن التي يجتمع فيها أراذل الناس ورفاق السوء . وقد ورد عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أنه قال : " آفة المروءة إخوان السوء " ( 12 : 234 ) .
يضاف إلى ذلك ما في ارتياد هذه الأماكن من هدر للوقت وإضاعته فيما لا فائدة منه ولا نفع فيه ، ولا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد والانحراف ؛ وهنا يجدر بنا أن نتذكر ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله (ص): " ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة ( أي حسرة وندامة ) ، وما مشى أحد ممشى لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة ، وما أوى أحد إلى فراشه ولم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة " ( ابن حبان ، ج 3 ، الحديث رقم 853 ، ص 133 ) ."
هذا الكلام المفروض أن يقال للسلطات التى تبيح افتتاح تلك الأماكن وهى أماكن تشغل الناس عن أسرهم والذنوب فيها كثيرة من ذكر الآخرين فى غيابهم وشرب الأدخنة والمخدرات وغير ذلك من المؤذيات ثم قال :
( 10 ) كشف العورات أمام الناس ، وهذا أمر محرم ومخالف للمروءة سواء أكان ذلك الكشف صادرا عن الرجال أم النساء ، ولا سيما في الاحتفالات والأعراس ، وعند ممارسة الألعاب الرياضية في الملاعب والمسابح والصالات المغلقة . وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز كشف الفخذ ، ولا الصدر ، ولا الظهر ، ولا الأكتاف ونحوها لما في ذلك من المخالفة الصريحة لأمر الله الذي أمر بالستر والعفاف والاحتشام . فعن زرعة بن عبد الرحمن عن جده جرهد أن النبي (ص)مر به وقد كشف فخذه فقال : " غطها فإنها عورة " ( الترمذي ، ج 5 ، الحديث رقم 2795 ، ص 110 ) ."
وهذا الكلام سبق ذكره فى حكاية الملابس وهو تكرار لا داعى له ثم قال :
( 11 ) قص شعر الرأس بأشكال غريبة وغير مألوفة ، وكلنا يعلم أنه قد انتشرت في هذا الزمان بعض قصات الشعر المضحكة المبكية وخاصة بين الشباب والشابات ، والتي يعلم الله أنها تشوه الشكل ، وتدل – دلالة واضحة - على فساد الذوق ، وحب التقليد ؛ كما تؤكد أن من يفعلها عامدا متعمدا ضعيف العقل ممسوخ الهوية ، لأنه مقلد للآخرين ممن لا دين لهم ولا مروءة ولا حياء ."
هذه المسئولية حاليا مسئولية السلطات التى تسمح بذلك أولا ولا تعاقب أحدا بحجة الحرية الشخصية ثم تحدث مكرر ما قاله عن المزاح واختراع الحكايات المضحة فقال :
( 12 ) كثرة الضحك والقهقهة بصوت عال ولا سيما في الأماكن العامة ؛ فقد جاء عند بعض أهل العلم قوله : " ويكره مضغ العلك لأنه دناءة " ويتبع ذلك عادة مضغ العلك ( اللبان ) أمام الناس ، وفي الأسواق ، وأماكن التجمعات ؛ وهو أمر لا يليق بالرجال على وجه الخصوص ؛ فقد ورد عن بعض السلف قولهم : " يكره العلك للرجل للتشبه بالنساء ، ما لم يكن للتداوي ، أو كان خاليا ببيته ونحوه لا في حضرة الناس ""
ثم تحدث عن الكلام الذي يسمى قلة الأدب فقال :
( 13 ) أن يتحدث الإنسان إلى جلسائه ببعض الأحاديث المخلة بالآداب ، وأن يخبرهم ( صادقا أو كاذبا ) ببعض القصص والمغامرات والأحداث الفاضحة بحجة الإمتاع و المؤانسة . وهذا أمر مخالف لما أمر الله به عباده من الستر وعدم نشر الفاحشة بين المسلمين .كما يتبع هذه المخالفة أن يتحدث الإنسان عن ما يقع بينه وبين امرأته من أمور خاصة ، أو وصف تفاصيل ذلك لما روي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله (ص): " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة ، الرجل يفضي إلى امرأته ، وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها " ( مسلم ، الحديث رقم 3542 ، ص 609 ) . وما ذلك إلا لما في هذا الأمر من خيانة للأمانة ومخالفة للمروءة وآداب المسلم التي تمنعه من مجرد التعرض لهذا الأمر تصريحا أو تلميحا " وأما مجرد ذكر الوقاع فإذا لم يكن لحاجة فذكره مكروه لأنه خلاف المروءة " ( 13 : 241 ) ."
وقطعا بعض ما يسمى كلام قلة ألأدب هو كلام مباح عندما يراد منه التعليم لطاعة الله بعدم نسيان النصيب من الدنيا ثم قال :
( 14 ) الرقص والتصفيق والتمايل مع الأنغام المحرمة ، وهز بعض أعضاء الجسم أو تحريكها وغير ذلك من الحركات الساقطة التي يؤديها البعض في الاحتفالات والأعراس ونحو ذلك مما لا يليق بالإنسان المسلم ذكرا كان أو أنثى . حتى إن بعض أهل العلم وصف الرقص والتصفيق والتمايل إذا صدر عن الرجال بأنه : " خفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث لا يفعلهما إلا أرعن " "
كما سبق القول السبب فى شيوع ذلك هو تخلى السلطات الحالية عن دورها فى الإشراف على كل شىء ثم قال :
( 15 ) امتهان الشحاذة و مد اليد للناس من غير حاجة ضرورية تدعو إلى ذلك . وما عد التسول مما يخالف المروءة إلا لما في ذلك الفعل من احتمال الكذب ، والخداع ، والتحايل ؛ الأمر الذي يسقط مروءة الإنسان ويذهب ماء وجهه في الدنيا ولحمه في الآخرة ؛ فقد روي عن حمزة بن عبد الله عن أبيه أن النبي (ص)قال : " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله ، وليس في وجهه مزعة لحم " ( مسلم ، الحديث رقم 2396 ، ص 418 ) . وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
وما شيء إذا فكرت فيه بأذهب للمروءة والجمال
من الكذب الذي لا خير فيه وأبعد بالبهاء من الرجال
كما قال بعض أهل العلم : " إن من كان أكثر عمره سائلا ، أو يكثر ذلك منه ؛ فينبغي أن ترد شهادته لأن ذلك دناءة وسقوط مروءة "
و هنا تجدر الإشارة إلى أن كثيرا من الشحاذين و المتسولين الذين اتخذوا سؤال الناس مهنة لهم ، وممن يتنقلون بين المساجد والجوامع وهم يحملون الأوراق والصكوك والتقارير الطبية ليستشهدوا بها على فقرهم وحاجتهم الزائفة ، وقد يحمل بعضهم أطفالا صغارا أو معاقين ليستدروا بهم عطف الناس وشفقتهم ، أكثرهم من الكاذبين والمحتالين الذين يحتاجون إلى تأديب وردع من الجهات المعنية ، فالواجب على الناس عدم الانخداع بهم أو التعاطف معهم ؛ لاسيما أنهم يحدثون كثيرا من التشويش والفوضى في بيوت الله تعالى ، ويتسببون في قطع خشوع الناس ومنعهم من الانشغال بالتسبيح والذكر بعد الصلاة ."
وفى نهاية كلامه تحدث خالطا بين الشرع والمروءة لأن الكلام يعتبر واحد فقال :
"وبعد ؛ فهذه بعض آداب المروءة وخوارمها التي تكثر في مجتمعنا ، والتي اتضح لنا -مما سبق -أن من آدابها ما يوافق الشرع ولا يتعارض مع الأعراف والعادات و التقاليد الحسنة ، وأن من خوارمها ما يخالف ذلك كله ؛ ولذلك فهو إما حرام بين لا يجوز ولا يباح ؛ وإما أنه ليس بحرام إلا أنه غير مقبول وغير مستحب . وهذا يعني أن هذه الصور المخالفة للمروءة تحتاج منا إلى أن نعيد النظر فيها متى وجدت عندنا ، وفي كل الأفعال والأقوال والتصرفات التي لا يقرها شرع ولا يقبلها عقل .كما أن علينا أن نجتهد جميعا في تصحيح أخطائنا ، وأن نجدد العهد مع الله سبحانه وتعالى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القول والعمل ، والالتزام بتعاليم الدين ، وتوجيهات سنة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وآداب تربيتنا الإسلامية السامية . وما أجمل قول الشاعر :
تأدب غير متكل على حسب ولا نسب
فإن مروءة الرجل الشـــــــــــــــــــــريف بصالح الأدب"