قراءة فى كتاب أريد أن أتوب من الغيبة فما الوسيلة؟
المؤلفة نوال بنت عبد الله وهو يدور حول موضوع الغيبة وقد استهلت المؤلفة الكتاب بمقدمة عن مضار الغيبة فقالت:
" وبعد:فإن الغيبة بضاعة وسلعة لا يسعى لها ولا يحافظ عليها إلا ضعفاء الإيمان وهي في نفس الوقت تجارة خاسرة نعم تجارة خاسرة للمغتاب، بحيث يخسر كثيرا من حسناته ويكسب كثيرا من الذنوب والسيئات
وهي حرب ضروس على الأخلاق والمجتمع تفسد فيه وتنخر في جسمه ما لا يفسده الجيش العرمرم، وهي تهدم الفضيلة بين الناس ولها من المفاسد والمضار ما لا يحصر، ويكفي أن الله شبه الذي ينتهك عرض أخيه ويغتابه بالذي يأكل لحمه وهو ميت
فامتثالا لما أوجبه الله تعالى على المسلم من النصح لأخيه المسلم وتذكيره وتحذيره من خطورة ما قد يقع فيه، خاصة إذا كان من الأمور المحرمة شرعا ونظرا لما لوحظ من انتشار الغيبة بين الناس ووقوعهم فيها وتساهل الكثيرين في التوبة منها واستصعاب البعض الإقلاع عنها"
وبعد ذلك عرفت الغيبة فقالت:
"معنى الغيبة:
جاء تعريف الغيبة صريحا في قول النبي (ص): «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي
ويقول النووي في الأذكار: الغيبة هي ذكر المرء بما يكره سواء كان في بدنه أو دينه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته سواء كان هذا باللفظ أو بالرمز أو بالإشارة اهـ "
الغيبة هى ذكر الفرد بما يكره فى غيابه والمراد فى حالة عدم تواجده فى المكان الذى يتحدث فيه الذام له وأما فى حالة وجوده فى المكان فهى ليست غيبة وإنما عملية سب مباشرة
وتحدثت عن الفرق بين الغيبة والنميمة فقالت:
"الفرق بين الغيبة والنميمة:
هناك كثير من الناس قد لا يعرفون الفرق الدقيق بين الغيبة والنميمة وقد عرفت ما هي الغيبة أما النميمة: فهي نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد بينهم "
وتحدثت عن بعض أشكال الغيبة فقالت:
"من صور الغيبة:
الغيبة تكون تارة بالتصريح وتكون بالتلميح والتعريض أحيانا على حد سواء، وهي على أنواع منها (ما يتعلق بالبدن والخلقة): كأن يسخر من طوله أو من قصره أو يهزأ بنحالة جسمه أو ببدانته أو يقول: فلان أعور أو أعرج أو أشول بقصد السخرية والكبر، أو يقول فلان أسود أو أبيض أو غير ذلك على سبيل الاستهزاء، أما إذا ذكر هذه الصفات بنية التعريف فإن هذا سيأتي بيانه إن شاء الله
(أما غيبته في دينه؛ وهي أخطر وأعظم): فكأن يسخر من لحيته أو قصر ثوبه أو يطعن في دينه وسلامته وفي إخلاصه برميه بالرياء هذا إذا كانت السخرية في ذات الشخص فقط دون المساس بالدين وإلا كانت ردة وكفرا والعياذ بالله
(والغيبة قد تكون بالتعريض): كأن يقول أحدهم: أعرف واحدا يذهب يوميا إلى السوق، ويكون الحاضرون يعرفون من يقصد أو نحو ذلك "
والخطأ هنا أن الذهاب للسوق يوميا غيبة مكروهة عندها وهو كلام باطل لأن الرسل(ص) كانوا يفعلون هذا وهو ليس عيبا أو حراما وفى هذا قال تعالى:
"وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق"
ثم قالت:
"والغيبة قد تكون أيضا (باللفظ) كما سبق وقد تكون (بالرمز أو الإشارة): كأن يومئ بيده إلى قصره أو إلى طوله أو يقلده في طريقة مشيته وذلك كما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت للنبي (ص): حسبك من صفية كذا وكذا، قال بعض الرواة يعني «قصيرة» فقال النبي (ص): «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» رواه أحمد وابن أبي الدنيا والبيهقي وقال الترمذي حديث حسن صحيح
يقول النووي: وهو يعد من أنواع الغيبة:
"وكذا سائر ما يتوصل به إلى فهم المقصود كأن يمشي مشيته فهو غيبة، بل هو أعظم من الغيبة لأنه أبلغ في التصوير والتفهيم وأنكر للقلب" "
وكل الصور تدخل فى باب السب والساب إذا شهد عليه الشهود أمام القضاء بما قال ولم يكن على كلامه الذام شهود فإنه يجلد ثمانين جلة لأنه رمى للفرد بالباطل
وتحدث المؤلفة عن الأعذار المبيحة للغيبة فقالت:
"الأعذار المرخصة في الغيبة
قد استثنى بعض العلماء من الغيبة أمورا ستة:
أولا: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، ولكن يكون ذكره لذلك شكاية على من له قدرة على إزالتها وتخفيفها، فيقول ظلمني فلان بكذا أو أخذ مالي فلان ودليله قول هند بنت عتبة عند شكايتها له عليه الصلاة والسلام من أبي سفيان أنه رجل شحيح (كما في الصحيحين) "
الغيبة بمعنى سب الظالم مباحة حاكما أو غير حاكم فى حالة عدم وجوده كما قال تعالى :
" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
ثم قالت :
ثانيا: الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته، فيقول فلان فعل كذا، فازجره عن منكره ونحو ذلك
ثالثا: الاستفتاء، فيقول للمفتي ظلمني أبي أو أخي أو فلان بكذا فما طريقي إلى الخلاص؟
ويقول النووي: "والأحوط عدم التعيين إذا حصل به الغرض، كأن يقول ما تقول في رجل أو شخص فعل كذا" ويجوز التعيين كما في حديث هند السابق
رابعا: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح الرواة والشهود والمجروحين، ومن يتصدر الإفتاء والتدريس مع عدم الأهلية، ومنها المشاورة في معاصرة إنسان أو مشاركته أو إيداعه أو مجاورته فيسأل عن خلقه، ويجب على المشاور ألا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصح، ودليله كما في الصحيحين في قول النبي (ص) لفاطمة بنت قيس عندما جاءت تستشير النبي (ص) وتستأذنه وتذكر أن معاوية وأبا الجهم خطباها فقال:«أما معاوية، فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم، فلا يضع العصا عن عاتقه»
خامسا: ذكر من جاهر بالفسق أو البدعة، كالمجاهر بشرب الخمر، وأخذ المكس، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما جاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب (ذكره النووي) ودليله قول النبي (ص): «ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا» رواه البخاري وقال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين
سادسا: التعريف بالشخص بما فيه من العيب كالأعور والأعرج والأصم والأحول والطويل والقصير ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى (ذكره النووي) وقد جمعها ابن أبي شريف في قوله:
الذم ليس بغيبة في ستة
متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن
طلب الإعانة في إزالة منكر"
ومن ثم فالمبيح للغيبة إما ظلم المذموم الغائب وإما إنكار المنكر وإما التحذير من الوقوع فى حبائل المذموم
وتحدثت عن دوافع الغيبة فقالت:
"من الدوافع الباعثة للغيبة
هناك دوافع وأسباب عديدة تدفع الإنسان إلى الغيبة، وعن طريق معرفة هذه الدوافع نستطيع بيان الحكم والعلاج إن شاء الله
(1) منها مجاملة الرفقة السيئة وموافقتهم على الغيبة والكلام في الناس، فيرى المغتاب أنه لو أنكر عليهم حالهم ونهاهم عما يقولونه أو يعتقد أنه إذا قطع عليهم حديثهم فإنهم سيستثقلونه وينفرون منه فيدفعه ذلك إلى أن يشاركهم ويساندهم فيما يقولون، ويظن أن ذلك من حسن المعاشرة ومن حق الصحبة ومن هذا نعرف أهمية الرفقة الصالحة والابتعاد عن رفقاء السوء الذين لا يجلبون معهم إلا السوء، وما أحسن ما قاله الشاعر:
إذا لم أجد خلا تقيا فوحدتي ألذ وأشهى من صديق أحاذره
(2) ومن الدوافع وهو أكثرها وأعظمها: التشفي وإذهاب الغيظ الذي في القلب على فلان وذلك بالوقوع في غيبته وذكر مساوئه، وهذا كله بسبب ضعف الوازع الديني لديه وقلة الحلم والعفو الذي يذهب الحقد والغيظ من قلب المؤمن الحق لالتماسه الثواب والأجر من الله
(3) ومن الدوافع: السخرية والاستهزاء بالآخرين الناشئان عن الكبر والإعجاب بالنفس فيرى في أخيه عيوبا خلقية وخلقية ليست به فيسخر ويستهزئ به ويقع في غيبته، ناسيا قول الله تعالى: {لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن}
(4) ومن الدوافع الحسد وهو أن يحسد من يثني الناس عليه ويحبونه ويكرمونه فيريد زوال تلك النعمة عليه وهذا هو الحسد «المذموم» المنهي عنه فلا يجد سبيلا إليه إلا بالقدح فيه، حتى يكفوا عن الثناء عليه وإكرامه لأنه يثقل عليه ذلك
(5) ومنها التسلية والتلهي وتزجية الوقت وإشغاله بما يذهب عن نفسه أو نفس جليسه السآمة والملل دون الالتفات إلى فداحة ما يصنع
(6) ومنها أيضا التقرب إلى من يستمتع بهذه الجريمة أو يستفيد من ورائها ويتكسب بها "
قطعا دوافع الغيبة متعددة قد تكون إنكار المنكر أو التحذير من شر المذموم أو الظلم وقد تكون الكراهية أو الوقيعة أو غير ذلك
وتحدثت عن حكم الغيبة فقالت:
"حكم الغيبة
حكمها حرام وكبيرة من كبائر الذنوب وجريمة بشعة منكرة، لما ورد من الأخبار عن تحريمها وتحذير فاعلها منها
ومن ذلك قول الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا}
وقول رسول الله (ص): «كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه» رواه مسلم
وقوله (ص): «من أربى الربا استطالة المرء على عرض أخيه» رواه البزار
والأحاديث في الترهيب من الغيبة كثيرة لا يسعها هذا المختصر"
وحكم الغيبة ليس كونها حراما كليا فبعض الغيبة مباح كما قلنا فى الظلم وإنكار المنكر والتحذير من شر الفرد شرط وجود شهود على وقائع تبين ذلك وبعضها محرم وهو ما لا شهود عليه من الذم
وتحدثت عن كيفية التخلص منها فقالت:
"كيفية الابتعاد عنها
أولا: أن يعلم أنه بغيبته هذه يتعرض لسخط الله تعالى وغضبه لارتكابه ما نهى الله عنه، وإذا كان إيمان الإنسان بالله إيمانا حقيقيا فإنه بمجرد ذكره لما ورد من الأخبار في الغيبة فإنه لخوفه من الله سوف يمسك لسانه عن الغيبة وعن كل ما حرم الله سبحانه وتعالى
ثانيا: أن يتدبر في نفسه، فإن وجد فيها عيبا فإنه يشتغل بعيب نفسه، ومهما كان العيب فينبغي أن يستحي من أن يترك نفسه ويذم غيره
ثالثا: ليعلم المغتاب أن عجز غيره عن التنزه عن العيوب التي فيه كعجزه هو عن التنزه عن عيوب نفسه، هذا إذا كان هذا العيب يتعلق بفعله واختياره
مثال ذلك أن يظهر من شخص ما حركة أو كلمة دون أن يتحرز منها أو يتعمدها فيقوم آخر بذكر هذا التصرف منه على سبيل الاستهزاء
أما إذا كان أمرا خلقيا فيقوم شخص بالاستهزاء بعوره أو بنحافته أو بعرجه أو بطوله، فإن ذمه له ذم للخالق سبحانه وتعالى وليتق الإنسان ربه في سخريته هذه، وإذا لم يجد الإنسان في نفسه عيبا، فليحمد الله تعالى ويشكره على هذه النعمة حيث لم يجعله مثل الذي يستهزئ به، واستهزاؤه هذا من أعظم الذنوب ولا يظن هو أنه خال من العيوب، والله المستعان
رابعا: ليعلم أن غيبته تجارة رابحة لمن اغتابه فذاك يأخذ من حسناته وهو يكسب السيئات والأوزار والعياذ بالله وما أحسن قول القائل:
يشاركك المغتاب في حسناته
ويعطيك أجر صومه وصلاته
ويحمل وزرا عنك ظن حمله
عن النجب من أبنائه وبناته
خامسا: وليتصور من يغتاب أخاه المسلم أنه كمن يأكل لحمه وهو ميت، فهو ينهش في عرضه وهو غافل عن ذلك
سادسا: لابد عند زلة اللسان بالغيبة أن يتوب الإنسان ويذكر الله ويستغفره، وينهي من حوله بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا لم ينتهوا فليقم من ذلك المجلس حتى يخوضوا في حديث غيره
سابعا: إذا ذكر أحد غيبة، فلا يجب الإصغاء إلى المغتاب على سبيل التعجب والتنكر، بل إن الساكت على الغيبة شريك للمغتاب إلا أن ينكر بلسانه أو بقلبه، وذلك كما قال رسول الله (ص): «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم
ومن رد غيبة أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة كأن يقول ما علمت عن أخينا إلا كل خير، وفي الحديث: «من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة» رواه الترمذي وقال حديث حسن
ثامنا: لابد أن يعرف المغتاب أن تألم غيره بغيبته كتألمه بغيبة غيره له، وإذا كان لا يرضى لنفسه أن يغتابه أحد، فكذلك يجب ألا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه
تاسعا: وأخيرا من قوي إيمانه استطاع أن يتغلب على نفسه ولسانه وأن يكف عن الغيبة ولا بد أن يبادر إلى التوبة من هذه الغيبة، وأن يأتي بشروط التوبة كاملة وهي:
(1) الإقلاع التام عن هذا الذنب، والعودة إلى الله بقلب منيب
(2) الندم على ما زل به لسانه من الوقيعة في عرض أخيه المسلم
(3) أن يعزم عزما أكيدا على عدم العودة لمثل هذا الذنب
(4) التحلل من المغتاب وطلب العفو منه، وإن أراد أن يعرف ما قيل فيه فيخبره عن ذلك بصراحة، وإن لم يستطع التحلل منه وطلب العفو منه أو خشي أن يذكر الغيبة فليدع له ويستغفر له فبظهر الغيب"
والتخلص من الغيبة يحتاج لمشيئة أى إرادة تريد التخلص منها بالامتناع عن ذم الناس فى غيبتهم بلا شهود وأما ما قالته المؤلفة فهو خطوات للتوبة
المؤلفة نوال بنت عبد الله وهو يدور حول موضوع الغيبة وقد استهلت المؤلفة الكتاب بمقدمة عن مضار الغيبة فقالت:
" وبعد:فإن الغيبة بضاعة وسلعة لا يسعى لها ولا يحافظ عليها إلا ضعفاء الإيمان وهي في نفس الوقت تجارة خاسرة نعم تجارة خاسرة للمغتاب، بحيث يخسر كثيرا من حسناته ويكسب كثيرا من الذنوب والسيئات
وهي حرب ضروس على الأخلاق والمجتمع تفسد فيه وتنخر في جسمه ما لا يفسده الجيش العرمرم، وهي تهدم الفضيلة بين الناس ولها من المفاسد والمضار ما لا يحصر، ويكفي أن الله شبه الذي ينتهك عرض أخيه ويغتابه بالذي يأكل لحمه وهو ميت
فامتثالا لما أوجبه الله تعالى على المسلم من النصح لأخيه المسلم وتذكيره وتحذيره من خطورة ما قد يقع فيه، خاصة إذا كان من الأمور المحرمة شرعا ونظرا لما لوحظ من انتشار الغيبة بين الناس ووقوعهم فيها وتساهل الكثيرين في التوبة منها واستصعاب البعض الإقلاع عنها"
وبعد ذلك عرفت الغيبة فقالت:
"معنى الغيبة:
جاء تعريف الغيبة صريحا في قول النبي (ص): «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي
ويقول النووي في الأذكار: الغيبة هي ذكر المرء بما يكره سواء كان في بدنه أو دينه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته سواء كان هذا باللفظ أو بالرمز أو بالإشارة اهـ "
الغيبة هى ذكر الفرد بما يكره فى غيابه والمراد فى حالة عدم تواجده فى المكان الذى يتحدث فيه الذام له وأما فى حالة وجوده فى المكان فهى ليست غيبة وإنما عملية سب مباشرة
وتحدثت عن الفرق بين الغيبة والنميمة فقالت:
"الفرق بين الغيبة والنميمة:
هناك كثير من الناس قد لا يعرفون الفرق الدقيق بين الغيبة والنميمة وقد عرفت ما هي الغيبة أما النميمة: فهي نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد بينهم "
وتحدثت عن بعض أشكال الغيبة فقالت:
"من صور الغيبة:
الغيبة تكون تارة بالتصريح وتكون بالتلميح والتعريض أحيانا على حد سواء، وهي على أنواع منها (ما يتعلق بالبدن والخلقة): كأن يسخر من طوله أو من قصره أو يهزأ بنحالة جسمه أو ببدانته أو يقول: فلان أعور أو أعرج أو أشول بقصد السخرية والكبر، أو يقول فلان أسود أو أبيض أو غير ذلك على سبيل الاستهزاء، أما إذا ذكر هذه الصفات بنية التعريف فإن هذا سيأتي بيانه إن شاء الله
(أما غيبته في دينه؛ وهي أخطر وأعظم): فكأن يسخر من لحيته أو قصر ثوبه أو يطعن في دينه وسلامته وفي إخلاصه برميه بالرياء هذا إذا كانت السخرية في ذات الشخص فقط دون المساس بالدين وإلا كانت ردة وكفرا والعياذ بالله
(والغيبة قد تكون بالتعريض): كأن يقول أحدهم: أعرف واحدا يذهب يوميا إلى السوق، ويكون الحاضرون يعرفون من يقصد أو نحو ذلك "
والخطأ هنا أن الذهاب للسوق يوميا غيبة مكروهة عندها وهو كلام باطل لأن الرسل(ص) كانوا يفعلون هذا وهو ليس عيبا أو حراما وفى هذا قال تعالى:
"وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق"
ثم قالت:
"والغيبة قد تكون أيضا (باللفظ) كما سبق وقد تكون (بالرمز أو الإشارة): كأن يومئ بيده إلى قصره أو إلى طوله أو يقلده في طريقة مشيته وذلك كما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت للنبي (ص): حسبك من صفية كذا وكذا، قال بعض الرواة يعني «قصيرة» فقال النبي (ص): «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» رواه أحمد وابن أبي الدنيا والبيهقي وقال الترمذي حديث حسن صحيح
يقول النووي: وهو يعد من أنواع الغيبة:
"وكذا سائر ما يتوصل به إلى فهم المقصود كأن يمشي مشيته فهو غيبة، بل هو أعظم من الغيبة لأنه أبلغ في التصوير والتفهيم وأنكر للقلب" "
وكل الصور تدخل فى باب السب والساب إذا شهد عليه الشهود أمام القضاء بما قال ولم يكن على كلامه الذام شهود فإنه يجلد ثمانين جلة لأنه رمى للفرد بالباطل
وتحدث المؤلفة عن الأعذار المبيحة للغيبة فقالت:
"الأعذار المرخصة في الغيبة
قد استثنى بعض العلماء من الغيبة أمورا ستة:
أولا: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، ولكن يكون ذكره لذلك شكاية على من له قدرة على إزالتها وتخفيفها، فيقول ظلمني فلان بكذا أو أخذ مالي فلان ودليله قول هند بنت عتبة عند شكايتها له عليه الصلاة والسلام من أبي سفيان أنه رجل شحيح (كما في الصحيحين) "
الغيبة بمعنى سب الظالم مباحة حاكما أو غير حاكم فى حالة عدم وجوده كما قال تعالى :
" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
ثم قالت :
ثانيا: الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته، فيقول فلان فعل كذا، فازجره عن منكره ونحو ذلك
ثالثا: الاستفتاء، فيقول للمفتي ظلمني أبي أو أخي أو فلان بكذا فما طريقي إلى الخلاص؟
ويقول النووي: "والأحوط عدم التعيين إذا حصل به الغرض، كأن يقول ما تقول في رجل أو شخص فعل كذا" ويجوز التعيين كما في حديث هند السابق
رابعا: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح الرواة والشهود والمجروحين، ومن يتصدر الإفتاء والتدريس مع عدم الأهلية، ومنها المشاورة في معاصرة إنسان أو مشاركته أو إيداعه أو مجاورته فيسأل عن خلقه، ويجب على المشاور ألا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصح، ودليله كما في الصحيحين في قول النبي (ص) لفاطمة بنت قيس عندما جاءت تستشير النبي (ص) وتستأذنه وتذكر أن معاوية وأبا الجهم خطباها فقال:«أما معاوية، فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم، فلا يضع العصا عن عاتقه»
خامسا: ذكر من جاهر بالفسق أو البدعة، كالمجاهر بشرب الخمر، وأخذ المكس، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما جاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب (ذكره النووي) ودليله قول النبي (ص): «ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا» رواه البخاري وقال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين
سادسا: التعريف بالشخص بما فيه من العيب كالأعور والأعرج والأصم والأحول والطويل والقصير ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى (ذكره النووي) وقد جمعها ابن أبي شريف في قوله:
الذم ليس بغيبة في ستة
متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن
طلب الإعانة في إزالة منكر"
ومن ثم فالمبيح للغيبة إما ظلم المذموم الغائب وإما إنكار المنكر وإما التحذير من الوقوع فى حبائل المذموم
وتحدثت عن دوافع الغيبة فقالت:
"من الدوافع الباعثة للغيبة
هناك دوافع وأسباب عديدة تدفع الإنسان إلى الغيبة، وعن طريق معرفة هذه الدوافع نستطيع بيان الحكم والعلاج إن شاء الله
(1) منها مجاملة الرفقة السيئة وموافقتهم على الغيبة والكلام في الناس، فيرى المغتاب أنه لو أنكر عليهم حالهم ونهاهم عما يقولونه أو يعتقد أنه إذا قطع عليهم حديثهم فإنهم سيستثقلونه وينفرون منه فيدفعه ذلك إلى أن يشاركهم ويساندهم فيما يقولون، ويظن أن ذلك من حسن المعاشرة ومن حق الصحبة ومن هذا نعرف أهمية الرفقة الصالحة والابتعاد عن رفقاء السوء الذين لا يجلبون معهم إلا السوء، وما أحسن ما قاله الشاعر:
إذا لم أجد خلا تقيا فوحدتي ألذ وأشهى من صديق أحاذره
(2) ومن الدوافع وهو أكثرها وأعظمها: التشفي وإذهاب الغيظ الذي في القلب على فلان وذلك بالوقوع في غيبته وذكر مساوئه، وهذا كله بسبب ضعف الوازع الديني لديه وقلة الحلم والعفو الذي يذهب الحقد والغيظ من قلب المؤمن الحق لالتماسه الثواب والأجر من الله
(3) ومن الدوافع: السخرية والاستهزاء بالآخرين الناشئان عن الكبر والإعجاب بالنفس فيرى في أخيه عيوبا خلقية وخلقية ليست به فيسخر ويستهزئ به ويقع في غيبته، ناسيا قول الله تعالى: {لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن}
(4) ومن الدوافع الحسد وهو أن يحسد من يثني الناس عليه ويحبونه ويكرمونه فيريد زوال تلك النعمة عليه وهذا هو الحسد «المذموم» المنهي عنه فلا يجد سبيلا إليه إلا بالقدح فيه، حتى يكفوا عن الثناء عليه وإكرامه لأنه يثقل عليه ذلك
(5) ومنها التسلية والتلهي وتزجية الوقت وإشغاله بما يذهب عن نفسه أو نفس جليسه السآمة والملل دون الالتفات إلى فداحة ما يصنع
(6) ومنها أيضا التقرب إلى من يستمتع بهذه الجريمة أو يستفيد من ورائها ويتكسب بها "
قطعا دوافع الغيبة متعددة قد تكون إنكار المنكر أو التحذير من شر المذموم أو الظلم وقد تكون الكراهية أو الوقيعة أو غير ذلك
وتحدثت عن حكم الغيبة فقالت:
"حكم الغيبة
حكمها حرام وكبيرة من كبائر الذنوب وجريمة بشعة منكرة، لما ورد من الأخبار عن تحريمها وتحذير فاعلها منها
ومن ذلك قول الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا}
وقول رسول الله (ص): «كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه» رواه مسلم
وقوله (ص): «من أربى الربا استطالة المرء على عرض أخيه» رواه البزار
والأحاديث في الترهيب من الغيبة كثيرة لا يسعها هذا المختصر"
وحكم الغيبة ليس كونها حراما كليا فبعض الغيبة مباح كما قلنا فى الظلم وإنكار المنكر والتحذير من شر الفرد شرط وجود شهود على وقائع تبين ذلك وبعضها محرم وهو ما لا شهود عليه من الذم
وتحدثت عن كيفية التخلص منها فقالت:
"كيفية الابتعاد عنها
أولا: أن يعلم أنه بغيبته هذه يتعرض لسخط الله تعالى وغضبه لارتكابه ما نهى الله عنه، وإذا كان إيمان الإنسان بالله إيمانا حقيقيا فإنه بمجرد ذكره لما ورد من الأخبار في الغيبة فإنه لخوفه من الله سوف يمسك لسانه عن الغيبة وعن كل ما حرم الله سبحانه وتعالى
ثانيا: أن يتدبر في نفسه، فإن وجد فيها عيبا فإنه يشتغل بعيب نفسه، ومهما كان العيب فينبغي أن يستحي من أن يترك نفسه ويذم غيره
ثالثا: ليعلم المغتاب أن عجز غيره عن التنزه عن العيوب التي فيه كعجزه هو عن التنزه عن عيوب نفسه، هذا إذا كان هذا العيب يتعلق بفعله واختياره
مثال ذلك أن يظهر من شخص ما حركة أو كلمة دون أن يتحرز منها أو يتعمدها فيقوم آخر بذكر هذا التصرف منه على سبيل الاستهزاء
أما إذا كان أمرا خلقيا فيقوم شخص بالاستهزاء بعوره أو بنحافته أو بعرجه أو بطوله، فإن ذمه له ذم للخالق سبحانه وتعالى وليتق الإنسان ربه في سخريته هذه، وإذا لم يجد الإنسان في نفسه عيبا، فليحمد الله تعالى ويشكره على هذه النعمة حيث لم يجعله مثل الذي يستهزئ به، واستهزاؤه هذا من أعظم الذنوب ولا يظن هو أنه خال من العيوب، والله المستعان
رابعا: ليعلم أن غيبته تجارة رابحة لمن اغتابه فذاك يأخذ من حسناته وهو يكسب السيئات والأوزار والعياذ بالله وما أحسن قول القائل:
يشاركك المغتاب في حسناته
ويعطيك أجر صومه وصلاته
ويحمل وزرا عنك ظن حمله
عن النجب من أبنائه وبناته
خامسا: وليتصور من يغتاب أخاه المسلم أنه كمن يأكل لحمه وهو ميت، فهو ينهش في عرضه وهو غافل عن ذلك
سادسا: لابد عند زلة اللسان بالغيبة أن يتوب الإنسان ويذكر الله ويستغفره، وينهي من حوله بالحكمة والموعظة الحسنة، فإذا لم ينتهوا فليقم من ذلك المجلس حتى يخوضوا في حديث غيره
سابعا: إذا ذكر أحد غيبة، فلا يجب الإصغاء إلى المغتاب على سبيل التعجب والتنكر، بل إن الساكت على الغيبة شريك للمغتاب إلا أن ينكر بلسانه أو بقلبه، وذلك كما قال رسول الله (ص): «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم
ومن رد غيبة أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة كأن يقول ما علمت عن أخينا إلا كل خير، وفي الحديث: «من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة» رواه الترمذي وقال حديث حسن
ثامنا: لابد أن يعرف المغتاب أن تألم غيره بغيبته كتألمه بغيبة غيره له، وإذا كان لا يرضى لنفسه أن يغتابه أحد، فكذلك يجب ألا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه
تاسعا: وأخيرا من قوي إيمانه استطاع أن يتغلب على نفسه ولسانه وأن يكف عن الغيبة ولا بد أن يبادر إلى التوبة من هذه الغيبة، وأن يأتي بشروط التوبة كاملة وهي:
(1) الإقلاع التام عن هذا الذنب، والعودة إلى الله بقلب منيب
(2) الندم على ما زل به لسانه من الوقيعة في عرض أخيه المسلم
(3) أن يعزم عزما أكيدا على عدم العودة لمثل هذا الذنب
(4) التحلل من المغتاب وطلب العفو منه، وإن أراد أن يعرف ما قيل فيه فيخبره عن ذلك بصراحة، وإن لم يستطع التحلل منه وطلب العفو منه أو خشي أن يذكر الغيبة فليدع له ويستغفر له فبظهر الغيب"
والتخلص من الغيبة يحتاج لمشيئة أى إرادة تريد التخلص منها بالامتناع عن ذم الناس فى غيبتهم بلا شهود وأما ما قالته المؤلفة فهو خطوات للتوبة