نقد رسالة في كيفية توجه المصلي حين يقول إياك نعبد
المؤلف أحمد بن زين الدين الأحسائي مؤسس مذهب الأوحدية وهو مذهب ينسب لمذاهب الشيعة وإن كان هو مذهب صوفى عرفانى بالأساس والكتاب هو إجابة على سؤالين سألهما أحد أخوان الإحسائى له وفى هذا قال :
"أما بعد فيقول العبد المسكين أحمد بن زين الدين أنه قد أرسل الي بعض الاخوان المخلصين من العلماء العارفين الطالبين للحق واليقين بمسئلتين يطلب جوابهما علي سبيل الاستعجال مع كلال البال وتغير الاحوال فكتبت ما خطر من الجواب لذلك السؤال اذ لا يسقط الميسور بالمعسور والي الله ترجع الامور."
السؤال الأول هو :
"قال سلمه الله تعالي: ان المصلي حين يقول إياك نعبد وإياك نستعين كيف يقصد المخاطب بخطابه وأي معني يعقد قلبه عليه هل يقصد الذات الغير المدركة بصفة من صفاته الجمالية ولا الجلالية أم يقصد شيئا آخر، وعلي التقديرين ربما يصلي الرجل وحين التكلم بتلك الكلمتين لا يقصد شيئا وهو غافل ذاهل غير شاعر بقصد شيء فهل تصح صلاته أم لا"
هذا السؤال لا يمر ببال مسلم لأن المسلم يقصد من الخطاب الله وهو أمر لا يحتاج لسؤال أو لتفسير ولكن الأخ جعله مجالا للسؤال والإحسائى من جانبه هول المسألة وتكلم كلاما كثيرا كلاما لا طائل من خلفه لأنه مجرد كلام إنشاء فقال :
"أقول اعلم أن الله سبحانه لا يدرك من نحو ذاته بكل اعتبار وانما يدرك بما تعرف به لعبده فكل شيء يعرفه بما تعرف به له فتشير العبارات اليه بما أوجدها عليه وتشير القلوب اليه بما ظهر لها به ولا سبيل اليه الا بما جعل من السبيل اليه وهو جل شانه يظهر لكل شيء بنفس ذلك الشيء كما انه يحتجب عنه به والي ذلك الاشارة بقول علي لا تحيط به الأوهام بل تجلي لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها وكل مظهر لك به فهو مقام من مقامات ذاته فيك وحرف من حروف ذاتك به فمن وصل الي رتبة قد ظهر سبحانه له فيها تبين له ان المطلوب وراء ذلك وان هذا الذي حسبه اياه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب وهكذا واليه الاشارة بقول الحجة في دعاء رجب ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فهذه المقامات هي التي دعاك اليها فيتوجه اليها قلبك فيجده عندها كما يتوجه وجه جسدك الي بيته الكعبة فيجده عندها وتعبدك بان تدعوه بها وتعبده فيها بلا كيف ولا وجدان الا لما أوجدك من ظهوره لك وانه في كل مقام أقرب إليك من نفسك وليس ما وجدته ذاتا بحتا ولو كان ذاتا بحتا لجاز أن تدرك الذات البحت والذات البحت في الأزل وأنت في الامكان فيكون ما في الامكان بادراك الأزل في الأزل أو ما في الأزل بكونه مدركا للممكن في الامكان تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا وإلي ذلك أشار أمير المؤمنين انما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات الي نظائرها وقول الرضا وأسماؤه تعبير وصفاته تفهيم وقول الصادق كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم وذلك لأنه سبحانه هو المجهول المطلق والمعبود الحق فاذا قلت اياك نعبد كنت قد قصدت شيئا مخاطبا وقيد الخطاب دلك علي مخاطب والمخاطب لا يدرك منه الا جهة الخطاب كقولك يا قاعد لا تدرك من ذلك المدعو الا جهة القعود وان كنت تعني الموصوف بالقعود لان الموصوف غيب الصفة عند الواصف حتي انه عنده اقرب اليه من الصفة وأظهر منها له لكن الواصف لا يدرك الا جهة الصفة من الموصوف كما قال الرضا واسماؤه تعبير وصفاته تفهيم وبالجملة كل شيء لا يدرك اعلي من مبدئه وانت خلقت بعد أشياء كثيرة فلا تدرك ما وراء مبدئك ومع هذا تدرك انك مخلوق وتدرك أن للمخلوق خالقا وتدرك أن الخالق أوجدك بفعله الذي وصفته به وقلت خالق وتدرك ان الخلق ايجاد وحركة وتدرك انها حدثت من الفاعل وتدرك أن الفاعل هو المحدث للفعل وتدرك أن تلك الحركة الايجادية لم تكن قديمة ولم تنفصل من الذات بل انما أحدثت بنفسها فتكون جهة الصفة صفة الجهة ولا شيء مما ذكر قديم فلا تدرك الا نظائرك في المخلوقية وهي الآثار ومع هذا فهي لا شيء إلا به فهو أظهر منها أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك فهو أقرب اليك من نفسك فاذا قلت يا زيد كنت قد خاطبت شخصا ودعوته باسمه وهو غيره وأشرت اليه والاشارة وجهتها غير ذاته لأن ذاته ليست حيوانا ناطقا واشارة واسما ودعاء بل هذه غيره وهو غيرها مع أنك تخاطبه والخطاب وجهته غيره فافهم ما كررت ورددت قال الرضا كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيره تحديد لما سواه فانظر في زيد فانه حيوان ناطق لا غير ذلك ولا تدركه بنفس الحيوانية ونفس النطق وانما تدركه بمظاهره من الخطاب والنداء والاشارة وغير ذلك وكلها غيره ومع هذا فلا تلتفت الي شيء منها وانما يتعلق قلبك بذات زيد ولكن تلك الأشياء التي قلنا أنها غيره هي جهة تعلق قلبك به وجهة ظهوره لك فاذا عرفت هذا عرفت مطلوبك من عرف نفسه فقد عرف ربه سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق، فاذا قلت اياك نعبد فأنت تعبد الله وتقصده بعبادتك لا غير علي نحو ما قلنا لك وهو قوله تعالي ولله الأسماء الحسني فادعوه بها، هذا اذا توجهت واما اذا غفلت وذهلت فانه سبحانه لم يغفل ولم يذهل قال تعالي وما كنا عن الخلق غافلين وذلك اذا غفلت وذهلت فانك حينئذ قد توجهت الي شيء من أحوال الدنيا أو الأخرة وهي كلها بالحقيقة ليست شيئا الا بظهوره فيها فاذا غفلت عنه لم تغب عنه ولم يغب عنك قال الصادق في قوله تعالي أو لم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد قال يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك فصلاتك صحيحة بمعني انها مجزية وقد تكون غير مقبولة بمعني انها غير موجبة للجنة وحدها بدون غيرها من الأعمال ووجه صحتها واجزائها انك قد دخلت في الصلوة وانت مقبل عليه بنيتك عند أول التكبير وإلا لم تصح أصلا فان قلت قد أتوجه الي النية المعتبرة عند الفقهاء غير ملتفت الي ما يقصده العارفون قلت إن فعلك لما أمرك به يلزمك منه امتثال أمره ولو اجمالا كما يلزمك منه القرب اليه بذلك العمل ولو اجمالا كل ذلك توجه اليه من حيث أمر الا ان مقام العابدين تحت مقام الموحدين وكلها مقامات المعبود سبحانه فهذا القصد في الحقيقة لا غفلة فيه ثم في باقي الصلوة يستمر القصد حكما واختلف الفقهاء في معناه فقال بعضهم هو ألا يحدث نية تنافي نية الصلوة و قال آخرون هو العزم وتجديده كلما ذكرت والخلاف مبني علي الخلاف في أن الموجود الحادث الباقي هل يحتاج في بقائه إلي المؤثر أم لا والحق الأول في المسئلة الكلامية فالأصح الثاني في المسئلة الفقهية ووجه عدم مقبوليتها ان النية التي هي روح العمل كانت في الابتداء فعلية فان أقبل علي كل صلاته كانت بمنزلة توجه الروح الي الجسد في تدبيره فهو حي مشعر مدبر لأموره كما هو حالة اليقظة وإذا كانت في باقي الافعال حكمية كانت بمنزلة روح النائم في جسده هي مجتمعة في القلب فبشعاعها السفلي الذي هو وراءها وخلفها كانت متعلقة بالبدن واما وجهها فهو متوجه الي جابلسا و جابلقا وهورقليا فمن جهة انها في القلب كالنية الفعلية في التكبير وشعاعها السفلي في سائر البدن حالة النوم كالنية الحكمية قلنا إن الصلوة صحيحة مجزية كما أن الانسان حالة النوم يصدق عليه انه حي ومن جهة غفلته عن النية فعلا في سائر الصلوة وإنما في الباقي القصد الأول كالنائم قلنا انها لم يستقل بالمقبولية الموجبة للجنة بل لابد من انضمامها الي ما يكملها كما أن النائم انما نحكم له بالحيوة التي ينتفع بها بانضمامها الي حيوة اليقظة فافهم."
الأخطاء فى الفقرة الطويلة السابقة عديدة وهى :
الأول أن الإنسان يدرك الله بما تعرف به لعبده وهو قوله "اعلم أن الله سبحانه لا يدرك من نحو ذاته بكل اعتبار وانما يدرك بما تعرف به لعبده" وكرر نفس المعنى فى قوله " فمن وصل الي رتبة قد ظهر سبحانه له فيها تبين له ان المطلوب وراء ذلك" وكرره بقوله" وقيد الخطاب دلك علي مخاطب والمخاطب لا يدرك منه الا جهة الخطاب كقولك يا قاعد لا تدرك من ذلك المدعو الا جهة القعود وان كنت تعني الموصوف بالقعود"
ومعنى هذا أن الإنسان يعرف الله بأنه المطعم إذا أكل الطعام وهو المشرب إذا شرب وهو إذا مرض فشفاه الله يعرف أنه الشافى وإن أعطاه مال فهو الرازق ..وهكذا ومعنى هذا أن المطلوب من الإنسان عند قول إياك نعبد أن يتذكر مع كل نعمة من نعم الله الاسم المقابل لها ولو فعل هذا فلن تنتهى صلاته إلا بموته جائعا عطشانا لأن نعم الله لا تحصى ومن ثم لو جلس يتذكرها فسيموت قبل أن يحصى تلك النعم والاسم مقابلها وفى هذا قال سبحانه" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها "
ونجد الخبل فى القول أن الله يتجلى بالأوهام فى القول:
"لا تحيط به الأوهام بل تجلي لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها وكل مظهر لك به فهو مقام من مقامات ذاته فيك وحرف من حروف ذاتك به"
وهو كلام غامض والله يظهر نفسه لنا بكلامه وهو الوحى والوحى ليس وهما أى ظنا أى كذبا وإنما هو الصدق
وحدثنا عن عدم وجود فرق بين الله ومقاماته التى فى كل مكان فقال :
" ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك "
وهو ما يعنى أن الله يجل فى الأماكن لأنه لا فرق بينه وبين مقاماته التى تظهر فى المكان
والخطأ التالى هو أن الله عند الكعبة وهو نفسي خطأ الحلول والاتجاد الإلهى بالمكان فى قوله:
"كما يتوجه وجه جسدك الي بيته الكعبة فيجده عندها "
ومن المعروف أن الله كان قبل المكان فكيف يتواجد فى المكان؟
فاذا قلت اياك نعبد فأنت تعبد الله وتقصده بعبادتك لا غير
والخطأ الخامس أن الصلاة يجزى الله عليها ومع هذا تكون غير مقبولة فى قوله:
"علي نحو ما قلنا لك فصلاتك صحيحة بمعني انها مجزية وقد تكون غير مقبولة بمعني انها غير موجبة للجنة وحدها بدون غيرها من الأعمال ووجه صحتها واجزائها انك قد دخلت في الصلوة وانت مقبل عليه بنيتك عند أول التكبير وإلا لم تصح أصلا"
وبالقطع المجزر عليها لا يمكن أن تكون سوى مقبولة لأنه لو لم يقبلها لعاقب عليها ولم يثيبه عليها
والخطأ السادس أن مقام العابدين غير مقام الموحدين فى قوله:
"ولو اجمالا كل ذلك توجه اليه من حيث أمر الا ان مقام العابدين تحت مقام الموحدين وكلها مقامات المعبود سبحانه "
ونجد هنا الخبل أن مقامات الخلق وهم العابدين والموحدين أصبحت مقامات الخالق بلا فرق بينهم وهو كلام خاطىء لا يصح فالخلق غير الخالق كما أن مقامات الناس المسلمين كلها واحدة فهو عباد ومعناها موحدين ومعناها موحدين معناها مسلمين ومعناها متقين...إلخ
ونجد كلاما غريبا وأسماء غريبة فى القول:
"وإذا كانت في باقي الافعال حكمية كانت بمنزلة روح النائم في جسده هي مجتمعة في القلب فبشعاعها السفلي الذي هو وراءها وخلفها كانت متعلقة بالبدن وأما وجهها فهو متوجه الي جابلسا وجابلقا وهورقليا فمن جهة أنها في القلب كالنية الفعلية في التكبير وشعاعها السفلي في سائر البدن حالة النوم كالنية الحكمية"
ثم ذكر السؤال الثانى فقال :
"قال سلمه الله تعالي: و قد روي عن جعفر الصادق أنه قال لقد تجلي الله لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون وروي انه كان يصلي في بعض الأيام فخر مغشيا عليه في أثناء الصلوة فسئل بعدها عن سبب غشيته فقال ما زلت أردد هذه الآية حتي سمعتها من قائلها قال بعض العارفين إن لسان الصادق كان في ذلك الوقت كشجرة الطور عند قول اني أنا الله، افيدوا إن هذا السماع من القائل أي معني له فلو قيل إياي أعبد وإياي استعن بقول اياك نعبد واياك نستعين فالقول قول العابد لا قول المعبود وهذا الاستماع بهذا الاذن الجسماني أي معني له."
وكان الجواب هو :
"أقول الحديث مشهور والأدلة النقلية والعقلية تؤيده ومعني تجليه في كلامه ظهوره بكلامه في كلامه ومعني ذلك ان الكلام لا يقوم بدون ما يستند اليه و ذلك المستند اليه هو جهة التكلم من المتكلم علي حد ما سبق في المسئلة الأولي فراجع تفهم فمن أشعر بظهوره له فقد نفسه لأنه عرفها وهو قول علي لكميل جذب الأحدية لصفة التوحيد ومن لم يشعر جهل نفسه فكان الصادق لما اشعر بالتجلي فقد نفسه اذ عرفها فخر مغشيا عليه حيث لا يقدر علي الاستقرار و كثيرا ما تكون هذه الحالة علي جده (ص) والاوصياء لأنه تجلي له كما تجلي لموسي الا ان المتجلي لموسي مثل سم الابرة من نور الستر وجعفر تجلي له جميع نور الستر ويجب معه ذلك وبيانه علي ما ينبغي مما لا ينبغي لأنه من علمهم المكنون وأما علي مذاق غيرهم فهو سهل و ذلك لان الشيء لا يتقوم الا بالوجود والماهية فهو مجموعهما لا أحدهما فالوجود بدون ماهية لا يحس والماهية بدون وجود لا حيوة لها فليس أحدهما شيئا الا بالايجاد و شرط قبول الا يجاد انضمام احدهما الي الاخر فالوجود وجه فعل الله والماهية نفس الوجود من حيث نفسه فاذا أشعر العبد بالتجلي فانما يشعر بوجوده والوجود نور الله قال اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله يعني بوجوده ولا يلتفت الي الماهية اصلا فينفك تركيبه في شعوره لا في ظاهره لأنه لم يتجل للجبل فيقع لأن القيام بالتماسك وقد فقد في غيبه وأما مغشيا عليه فلأنه ساجد تحت العرش بين يدي الله سبحانه قد استولي عليه نور الظهور كاستيلاء حرارة النار علي الحديدة المحمية فان النار حقيقة هي الحرارة واليبوسة وهي لا تحس والحرارة التي ظهرت علي الحديدة فإنما هي من صفة النار وظهورها فظهرت النار بفعلها علي الحديدة كما ظهر المتكلم بكلامه علي قلب الامام والظهور هو المرتبة الخامسة للذات فقول بعض العارفين ان لسان الصادق كشجرة الطور مجاز أو تمثيل للمجهول بالمعلوم وإلا فشجرة الطور هي ثاني رتبة في الظهور للسان الصادق ولو قال شجرة الطور كلسان الصادق لكان كالصادق فقوله حتي سمعتها من المتكلم يراد به من المتكلم ما اشرنا اليه في المسئلة السابقة وفي هذه من ظهور المتكلم فيما يستند الكلام اليه من صفة فعله التي هي فعله بكلامه سبحانه له وهذا السماع هو في الحقيقة قابلية الوجود التشريعي الذي هو روح التشريع الوجودي وهو ان تكون حقيقة الامام اذنا واعية للملك العلام وقولك فلو قيل اياي اعبد الخ، لا يصح هذا الكلام الا اذا كان المتكلم يتكلم بما يخصه لا بالمخاطب فانه حينئذ يجري الكلام في حكاية المظهر فلا يصح أن يعني نفسه بالخطاب المحكي وإذا كان المتكلم يتكلم بالمخاطب للمخاطب كان المخاطب هو النصف الأسفل من وجود الخطاب فلا يحسن أن يقال اياي أعبد فلا يتوجه الخطاب الي الحاكي إلا بقرينة فالقول قول المعبود بالعابد فافهم.
واما قولكم أيدكم الله تعالي: فهذا الاستماع بالأذن الجسماني الخ، فجوابه ان هذا الاستماع أعلي مراتبه فؤاده وأذنه اذ ذاك الحقيقة الأولية التي هي فلك الولاية المطلقة ومقام أو أدني وبعده اذن قلبه وهي قاب قوسين ثم اذن روحه عند عروجه في الحجاب الاصفر حجاب الذهب الي ذلك المقصود الاكبر ثم اذن نفسه وهكذا الي اذن جسمه ثم اذن جسده فكل مقام سمع فيه كلام المتكلم من المتكلم هومظهره لانه ظهر فيه و قد تقدم ان معني ظهر فيه ظهر به فافهم و قد اختصرنا الجواب اعتمادا علي حسن الاستماع والفهم اللماع ولضيق الوقت واستعجال الجواب"
ناقض الإحسائى قوله تعالى" فلما تجلى ربه للجبل"بقوله أن الله تجلى لموسى(ص) ومحمد(ص) والأوصياء فى الفقرة التالية:
"فكان الصادق لما أشعر بالتجلي فقد نفسه اذ عرفها فخر مغشيا عليه حيث لا يقدر علي الاستقرار وكثيرا ما تكون هذه الحالة علي جده (ص) والأوصياء لأنه تجلي له كما تجلي لموسي الا ان المتجلي لموسي مثل سم الابرة من نور الستر "
ونجد الإحسائى يكذب قوله تعالى " فلما تجلى ربه للجبل"بقوله فى الفقرة "لأنه لم يتجل للجبل"
ويصر الإحسائى على حكاية تجلى الله لجعفر فى قوله"
"وجعفر تجلي له جميع نور الستر ويجب معه ذلك وبيانه علي ما ينبغي مما لا ينبغي لأنه من علمهم المكنون"
وهو ما يخالف أنه لا يتجلى للناس لقوله" لن ترانى"
ونجد الرجل يناقض نفسه عندما يقول أن وجود الله ليس ماهيته فى قوله:
"قال اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله يعني بوجوده ولا يلتفت الي الماهية اصلا"
والخطأ أيضا كون الإمام وحده أذن واعية لله فى قوله "وهو أن تكون حقيقة الامام اذنا واعية للملك العلام" وهو ما يخالف أن الوعى هو لمن يريد الوعى من الناس كما قال تعالى " وتعيها أذن واعية"
ونجد الإحسائى يخترع من عنده كلاما ليس من وحى الله وهو اذن الروح وإذن النفس وإذن الجسم وإذن الجسد ويحدثنا عن الحجاب الأصفر حجاب الذهب فى قوله"
"ثم اذن روحه عند عروجه في الحجاب الاصفر حجاب الذهب الي ذلك المقصود الاكبر ثم اذن نفسه وهكذا الي اذن جسمه ثم اذن جسده"
وكل هذا كلام مخترع ليس منه كلمة واحدة من الوحى
المؤلف أحمد بن زين الدين الأحسائي مؤسس مذهب الأوحدية وهو مذهب ينسب لمذاهب الشيعة وإن كان هو مذهب صوفى عرفانى بالأساس والكتاب هو إجابة على سؤالين سألهما أحد أخوان الإحسائى له وفى هذا قال :
"أما بعد فيقول العبد المسكين أحمد بن زين الدين أنه قد أرسل الي بعض الاخوان المخلصين من العلماء العارفين الطالبين للحق واليقين بمسئلتين يطلب جوابهما علي سبيل الاستعجال مع كلال البال وتغير الاحوال فكتبت ما خطر من الجواب لذلك السؤال اذ لا يسقط الميسور بالمعسور والي الله ترجع الامور."
السؤال الأول هو :
"قال سلمه الله تعالي: ان المصلي حين يقول إياك نعبد وإياك نستعين كيف يقصد المخاطب بخطابه وأي معني يعقد قلبه عليه هل يقصد الذات الغير المدركة بصفة من صفاته الجمالية ولا الجلالية أم يقصد شيئا آخر، وعلي التقديرين ربما يصلي الرجل وحين التكلم بتلك الكلمتين لا يقصد شيئا وهو غافل ذاهل غير شاعر بقصد شيء فهل تصح صلاته أم لا"
هذا السؤال لا يمر ببال مسلم لأن المسلم يقصد من الخطاب الله وهو أمر لا يحتاج لسؤال أو لتفسير ولكن الأخ جعله مجالا للسؤال والإحسائى من جانبه هول المسألة وتكلم كلاما كثيرا كلاما لا طائل من خلفه لأنه مجرد كلام إنشاء فقال :
"أقول اعلم أن الله سبحانه لا يدرك من نحو ذاته بكل اعتبار وانما يدرك بما تعرف به لعبده فكل شيء يعرفه بما تعرف به له فتشير العبارات اليه بما أوجدها عليه وتشير القلوب اليه بما ظهر لها به ولا سبيل اليه الا بما جعل من السبيل اليه وهو جل شانه يظهر لكل شيء بنفس ذلك الشيء كما انه يحتجب عنه به والي ذلك الاشارة بقول علي لا تحيط به الأوهام بل تجلي لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها وكل مظهر لك به فهو مقام من مقامات ذاته فيك وحرف من حروف ذاتك به فمن وصل الي رتبة قد ظهر سبحانه له فيها تبين له ان المطلوب وراء ذلك وان هذا الذي حسبه اياه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب وهكذا واليه الاشارة بقول الحجة في دعاء رجب ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك فهذه المقامات هي التي دعاك اليها فيتوجه اليها قلبك فيجده عندها كما يتوجه وجه جسدك الي بيته الكعبة فيجده عندها وتعبدك بان تدعوه بها وتعبده فيها بلا كيف ولا وجدان الا لما أوجدك من ظهوره لك وانه في كل مقام أقرب إليك من نفسك وليس ما وجدته ذاتا بحتا ولو كان ذاتا بحتا لجاز أن تدرك الذات البحت والذات البحت في الأزل وأنت في الامكان فيكون ما في الامكان بادراك الأزل في الأزل أو ما في الأزل بكونه مدركا للممكن في الامكان تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا وإلي ذلك أشار أمير المؤمنين انما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات الي نظائرها وقول الرضا وأسماؤه تعبير وصفاته تفهيم وقول الصادق كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم وذلك لأنه سبحانه هو المجهول المطلق والمعبود الحق فاذا قلت اياك نعبد كنت قد قصدت شيئا مخاطبا وقيد الخطاب دلك علي مخاطب والمخاطب لا يدرك منه الا جهة الخطاب كقولك يا قاعد لا تدرك من ذلك المدعو الا جهة القعود وان كنت تعني الموصوف بالقعود لان الموصوف غيب الصفة عند الواصف حتي انه عنده اقرب اليه من الصفة وأظهر منها له لكن الواصف لا يدرك الا جهة الصفة من الموصوف كما قال الرضا واسماؤه تعبير وصفاته تفهيم وبالجملة كل شيء لا يدرك اعلي من مبدئه وانت خلقت بعد أشياء كثيرة فلا تدرك ما وراء مبدئك ومع هذا تدرك انك مخلوق وتدرك أن للمخلوق خالقا وتدرك أن الخالق أوجدك بفعله الذي وصفته به وقلت خالق وتدرك ان الخلق ايجاد وحركة وتدرك انها حدثت من الفاعل وتدرك أن الفاعل هو المحدث للفعل وتدرك أن تلك الحركة الايجادية لم تكن قديمة ولم تنفصل من الذات بل انما أحدثت بنفسها فتكون جهة الصفة صفة الجهة ولا شيء مما ذكر قديم فلا تدرك الا نظائرك في المخلوقية وهي الآثار ومع هذا فهي لا شيء إلا به فهو أظهر منها أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك فهو أقرب اليك من نفسك فاذا قلت يا زيد كنت قد خاطبت شخصا ودعوته باسمه وهو غيره وأشرت اليه والاشارة وجهتها غير ذاته لأن ذاته ليست حيوانا ناطقا واشارة واسما ودعاء بل هذه غيره وهو غيرها مع أنك تخاطبه والخطاب وجهته غيره فافهم ما كررت ورددت قال الرضا كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيره تحديد لما سواه فانظر في زيد فانه حيوان ناطق لا غير ذلك ولا تدركه بنفس الحيوانية ونفس النطق وانما تدركه بمظاهره من الخطاب والنداء والاشارة وغير ذلك وكلها غيره ومع هذا فلا تلتفت الي شيء منها وانما يتعلق قلبك بذات زيد ولكن تلك الأشياء التي قلنا أنها غيره هي جهة تعلق قلبك به وجهة ظهوره لك فاذا عرفت هذا عرفت مطلوبك من عرف نفسه فقد عرف ربه سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق، فاذا قلت اياك نعبد فأنت تعبد الله وتقصده بعبادتك لا غير علي نحو ما قلنا لك وهو قوله تعالي ولله الأسماء الحسني فادعوه بها، هذا اذا توجهت واما اذا غفلت وذهلت فانه سبحانه لم يغفل ولم يذهل قال تعالي وما كنا عن الخلق غافلين وذلك اذا غفلت وذهلت فانك حينئذ قد توجهت الي شيء من أحوال الدنيا أو الأخرة وهي كلها بالحقيقة ليست شيئا الا بظهوره فيها فاذا غفلت عنه لم تغب عنه ولم يغب عنك قال الصادق في قوله تعالي أو لم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد قال يعني موجود في غيبتك وفي حضرتك فصلاتك صحيحة بمعني انها مجزية وقد تكون غير مقبولة بمعني انها غير موجبة للجنة وحدها بدون غيرها من الأعمال ووجه صحتها واجزائها انك قد دخلت في الصلوة وانت مقبل عليه بنيتك عند أول التكبير وإلا لم تصح أصلا فان قلت قد أتوجه الي النية المعتبرة عند الفقهاء غير ملتفت الي ما يقصده العارفون قلت إن فعلك لما أمرك به يلزمك منه امتثال أمره ولو اجمالا كما يلزمك منه القرب اليه بذلك العمل ولو اجمالا كل ذلك توجه اليه من حيث أمر الا ان مقام العابدين تحت مقام الموحدين وكلها مقامات المعبود سبحانه فهذا القصد في الحقيقة لا غفلة فيه ثم في باقي الصلوة يستمر القصد حكما واختلف الفقهاء في معناه فقال بعضهم هو ألا يحدث نية تنافي نية الصلوة و قال آخرون هو العزم وتجديده كلما ذكرت والخلاف مبني علي الخلاف في أن الموجود الحادث الباقي هل يحتاج في بقائه إلي المؤثر أم لا والحق الأول في المسئلة الكلامية فالأصح الثاني في المسئلة الفقهية ووجه عدم مقبوليتها ان النية التي هي روح العمل كانت في الابتداء فعلية فان أقبل علي كل صلاته كانت بمنزلة توجه الروح الي الجسد في تدبيره فهو حي مشعر مدبر لأموره كما هو حالة اليقظة وإذا كانت في باقي الافعال حكمية كانت بمنزلة روح النائم في جسده هي مجتمعة في القلب فبشعاعها السفلي الذي هو وراءها وخلفها كانت متعلقة بالبدن واما وجهها فهو متوجه الي جابلسا و جابلقا وهورقليا فمن جهة انها في القلب كالنية الفعلية في التكبير وشعاعها السفلي في سائر البدن حالة النوم كالنية الحكمية قلنا إن الصلوة صحيحة مجزية كما أن الانسان حالة النوم يصدق عليه انه حي ومن جهة غفلته عن النية فعلا في سائر الصلوة وإنما في الباقي القصد الأول كالنائم قلنا انها لم يستقل بالمقبولية الموجبة للجنة بل لابد من انضمامها الي ما يكملها كما أن النائم انما نحكم له بالحيوة التي ينتفع بها بانضمامها الي حيوة اليقظة فافهم."
الأخطاء فى الفقرة الطويلة السابقة عديدة وهى :
الأول أن الإنسان يدرك الله بما تعرف به لعبده وهو قوله "اعلم أن الله سبحانه لا يدرك من نحو ذاته بكل اعتبار وانما يدرك بما تعرف به لعبده" وكرر نفس المعنى فى قوله " فمن وصل الي رتبة قد ظهر سبحانه له فيها تبين له ان المطلوب وراء ذلك" وكرره بقوله" وقيد الخطاب دلك علي مخاطب والمخاطب لا يدرك منه الا جهة الخطاب كقولك يا قاعد لا تدرك من ذلك المدعو الا جهة القعود وان كنت تعني الموصوف بالقعود"
ومعنى هذا أن الإنسان يعرف الله بأنه المطعم إذا أكل الطعام وهو المشرب إذا شرب وهو إذا مرض فشفاه الله يعرف أنه الشافى وإن أعطاه مال فهو الرازق ..وهكذا ومعنى هذا أن المطلوب من الإنسان عند قول إياك نعبد أن يتذكر مع كل نعمة من نعم الله الاسم المقابل لها ولو فعل هذا فلن تنتهى صلاته إلا بموته جائعا عطشانا لأن نعم الله لا تحصى ومن ثم لو جلس يتذكرها فسيموت قبل أن يحصى تلك النعم والاسم مقابلها وفى هذا قال سبحانه" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها "
ونجد الخبل فى القول أن الله يتجلى بالأوهام فى القول:
"لا تحيط به الأوهام بل تجلي لها بها وبها امتنع منها واليها حاكمها وكل مظهر لك به فهو مقام من مقامات ذاته فيك وحرف من حروف ذاتك به"
وهو كلام غامض والله يظهر نفسه لنا بكلامه وهو الوحى والوحى ليس وهما أى ظنا أى كذبا وإنما هو الصدق
وحدثنا عن عدم وجود فرق بين الله ومقاماته التى فى كل مكان فقال :
" ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها الا انهم عبادك وخلقك "
وهو ما يعنى أن الله يجل فى الأماكن لأنه لا فرق بينه وبين مقاماته التى تظهر فى المكان
والخطأ التالى هو أن الله عند الكعبة وهو نفسي خطأ الحلول والاتجاد الإلهى بالمكان فى قوله:
"كما يتوجه وجه جسدك الي بيته الكعبة فيجده عندها "
ومن المعروف أن الله كان قبل المكان فكيف يتواجد فى المكان؟
فاذا قلت اياك نعبد فأنت تعبد الله وتقصده بعبادتك لا غير
والخطأ الخامس أن الصلاة يجزى الله عليها ومع هذا تكون غير مقبولة فى قوله:
"علي نحو ما قلنا لك فصلاتك صحيحة بمعني انها مجزية وقد تكون غير مقبولة بمعني انها غير موجبة للجنة وحدها بدون غيرها من الأعمال ووجه صحتها واجزائها انك قد دخلت في الصلوة وانت مقبل عليه بنيتك عند أول التكبير وإلا لم تصح أصلا"
وبالقطع المجزر عليها لا يمكن أن تكون سوى مقبولة لأنه لو لم يقبلها لعاقب عليها ولم يثيبه عليها
والخطأ السادس أن مقام العابدين غير مقام الموحدين فى قوله:
"ولو اجمالا كل ذلك توجه اليه من حيث أمر الا ان مقام العابدين تحت مقام الموحدين وكلها مقامات المعبود سبحانه "
ونجد هنا الخبل أن مقامات الخلق وهم العابدين والموحدين أصبحت مقامات الخالق بلا فرق بينهم وهو كلام خاطىء لا يصح فالخلق غير الخالق كما أن مقامات الناس المسلمين كلها واحدة فهو عباد ومعناها موحدين ومعناها موحدين معناها مسلمين ومعناها متقين...إلخ
ونجد كلاما غريبا وأسماء غريبة فى القول:
"وإذا كانت في باقي الافعال حكمية كانت بمنزلة روح النائم في جسده هي مجتمعة في القلب فبشعاعها السفلي الذي هو وراءها وخلفها كانت متعلقة بالبدن وأما وجهها فهو متوجه الي جابلسا وجابلقا وهورقليا فمن جهة أنها في القلب كالنية الفعلية في التكبير وشعاعها السفلي في سائر البدن حالة النوم كالنية الحكمية"
ثم ذكر السؤال الثانى فقال :
"قال سلمه الله تعالي: و قد روي عن جعفر الصادق أنه قال لقد تجلي الله لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون وروي انه كان يصلي في بعض الأيام فخر مغشيا عليه في أثناء الصلوة فسئل بعدها عن سبب غشيته فقال ما زلت أردد هذه الآية حتي سمعتها من قائلها قال بعض العارفين إن لسان الصادق كان في ذلك الوقت كشجرة الطور عند قول اني أنا الله، افيدوا إن هذا السماع من القائل أي معني له فلو قيل إياي أعبد وإياي استعن بقول اياك نعبد واياك نستعين فالقول قول العابد لا قول المعبود وهذا الاستماع بهذا الاذن الجسماني أي معني له."
وكان الجواب هو :
"أقول الحديث مشهور والأدلة النقلية والعقلية تؤيده ومعني تجليه في كلامه ظهوره بكلامه في كلامه ومعني ذلك ان الكلام لا يقوم بدون ما يستند اليه و ذلك المستند اليه هو جهة التكلم من المتكلم علي حد ما سبق في المسئلة الأولي فراجع تفهم فمن أشعر بظهوره له فقد نفسه لأنه عرفها وهو قول علي لكميل جذب الأحدية لصفة التوحيد ومن لم يشعر جهل نفسه فكان الصادق لما اشعر بالتجلي فقد نفسه اذ عرفها فخر مغشيا عليه حيث لا يقدر علي الاستقرار و كثيرا ما تكون هذه الحالة علي جده (ص) والاوصياء لأنه تجلي له كما تجلي لموسي الا ان المتجلي لموسي مثل سم الابرة من نور الستر وجعفر تجلي له جميع نور الستر ويجب معه ذلك وبيانه علي ما ينبغي مما لا ينبغي لأنه من علمهم المكنون وأما علي مذاق غيرهم فهو سهل و ذلك لان الشيء لا يتقوم الا بالوجود والماهية فهو مجموعهما لا أحدهما فالوجود بدون ماهية لا يحس والماهية بدون وجود لا حيوة لها فليس أحدهما شيئا الا بالايجاد و شرط قبول الا يجاد انضمام احدهما الي الاخر فالوجود وجه فعل الله والماهية نفس الوجود من حيث نفسه فاذا أشعر العبد بالتجلي فانما يشعر بوجوده والوجود نور الله قال اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله يعني بوجوده ولا يلتفت الي الماهية اصلا فينفك تركيبه في شعوره لا في ظاهره لأنه لم يتجل للجبل فيقع لأن القيام بالتماسك وقد فقد في غيبه وأما مغشيا عليه فلأنه ساجد تحت العرش بين يدي الله سبحانه قد استولي عليه نور الظهور كاستيلاء حرارة النار علي الحديدة المحمية فان النار حقيقة هي الحرارة واليبوسة وهي لا تحس والحرارة التي ظهرت علي الحديدة فإنما هي من صفة النار وظهورها فظهرت النار بفعلها علي الحديدة كما ظهر المتكلم بكلامه علي قلب الامام والظهور هو المرتبة الخامسة للذات فقول بعض العارفين ان لسان الصادق كشجرة الطور مجاز أو تمثيل للمجهول بالمعلوم وإلا فشجرة الطور هي ثاني رتبة في الظهور للسان الصادق ولو قال شجرة الطور كلسان الصادق لكان كالصادق فقوله حتي سمعتها من المتكلم يراد به من المتكلم ما اشرنا اليه في المسئلة السابقة وفي هذه من ظهور المتكلم فيما يستند الكلام اليه من صفة فعله التي هي فعله بكلامه سبحانه له وهذا السماع هو في الحقيقة قابلية الوجود التشريعي الذي هو روح التشريع الوجودي وهو ان تكون حقيقة الامام اذنا واعية للملك العلام وقولك فلو قيل اياي اعبد الخ، لا يصح هذا الكلام الا اذا كان المتكلم يتكلم بما يخصه لا بالمخاطب فانه حينئذ يجري الكلام في حكاية المظهر فلا يصح أن يعني نفسه بالخطاب المحكي وإذا كان المتكلم يتكلم بالمخاطب للمخاطب كان المخاطب هو النصف الأسفل من وجود الخطاب فلا يحسن أن يقال اياي أعبد فلا يتوجه الخطاب الي الحاكي إلا بقرينة فالقول قول المعبود بالعابد فافهم.
واما قولكم أيدكم الله تعالي: فهذا الاستماع بالأذن الجسماني الخ، فجوابه ان هذا الاستماع أعلي مراتبه فؤاده وأذنه اذ ذاك الحقيقة الأولية التي هي فلك الولاية المطلقة ومقام أو أدني وبعده اذن قلبه وهي قاب قوسين ثم اذن روحه عند عروجه في الحجاب الاصفر حجاب الذهب الي ذلك المقصود الاكبر ثم اذن نفسه وهكذا الي اذن جسمه ثم اذن جسده فكل مقام سمع فيه كلام المتكلم من المتكلم هومظهره لانه ظهر فيه و قد تقدم ان معني ظهر فيه ظهر به فافهم و قد اختصرنا الجواب اعتمادا علي حسن الاستماع والفهم اللماع ولضيق الوقت واستعجال الجواب"
ناقض الإحسائى قوله تعالى" فلما تجلى ربه للجبل"بقوله أن الله تجلى لموسى(ص) ومحمد(ص) والأوصياء فى الفقرة التالية:
"فكان الصادق لما أشعر بالتجلي فقد نفسه اذ عرفها فخر مغشيا عليه حيث لا يقدر علي الاستقرار وكثيرا ما تكون هذه الحالة علي جده (ص) والأوصياء لأنه تجلي له كما تجلي لموسي الا ان المتجلي لموسي مثل سم الابرة من نور الستر "
ونجد الإحسائى يكذب قوله تعالى " فلما تجلى ربه للجبل"بقوله فى الفقرة "لأنه لم يتجل للجبل"
ويصر الإحسائى على حكاية تجلى الله لجعفر فى قوله"
"وجعفر تجلي له جميع نور الستر ويجب معه ذلك وبيانه علي ما ينبغي مما لا ينبغي لأنه من علمهم المكنون"
وهو ما يخالف أنه لا يتجلى للناس لقوله" لن ترانى"
ونجد الرجل يناقض نفسه عندما يقول أن وجود الله ليس ماهيته فى قوله:
"قال اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله يعني بوجوده ولا يلتفت الي الماهية اصلا"
والخطأ أيضا كون الإمام وحده أذن واعية لله فى قوله "وهو أن تكون حقيقة الامام اذنا واعية للملك العلام" وهو ما يخالف أن الوعى هو لمن يريد الوعى من الناس كما قال تعالى " وتعيها أذن واعية"
ونجد الإحسائى يخترع من عنده كلاما ليس من وحى الله وهو اذن الروح وإذن النفس وإذن الجسم وإذن الجسد ويحدثنا عن الحجاب الأصفر حجاب الذهب فى قوله"
"ثم اذن روحه عند عروجه في الحجاب الاصفر حجاب الذهب الي ذلك المقصود الاكبر ثم اذن نفسه وهكذا الي اذن جسمه ثم اذن جسده"
وكل هذا كلام مخترع ليس منه كلمة واحدة من الوحى