نقد كتاب الإجابة الصادرة في صحة الصلاة في الطائرة
الكتاب تأليف محمد الأمين الشنقيطي وهو يدور حول موضوع الصلاة فى الطائرة وفى المقدمة بين الشنقيطى أن أحدهم سأله عن أدلة صحة الصلاة فى الطائرة فأجابه إلى ذلك فقال:
"أما بعــــــــد:فقد طلب منا بعض فضلاء إخواننا أن نقيد لهم حروفاً نظهر بها صحة صلاة من صلى في الطائرة فأجبناهم إلى ذلك ونذكر إن شاء الله وجه استنباط صحتها من كتاب الله ثم من سُنة نبيه (ص) ثم من كلام العلماء على طريق المناظرة الشرعية الخالية من لجاج الجدل"
واستهل الشنقيطى الكلام بالحديث عن المركوبات فى القرآن فقال كلاما لا علاقة له بموضوع الطائرة فقال:
"أما القرآن فقد امتن الله فيه على خلقه في مسودة الامتنان التي هي سورة النحل بهذه المراكب المستحدثة لأنه لما بين أنواع الامتنان فيها وذكر الامتنان بأنواع من المركوبات في قولـه: ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) أشار إلى امتنانه بمركوبات لم تخلق ولم يعلمها الموجــــودون في زمــــن النبي (ص) فقولـه ) وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) مقترناً بجنس المركوبات يدل على أنه من جنس ما يركب ودلالة الاقتران وإن ضعفها بعض الأصوليين كما أشار له صاحب مراقي السعود بقوله:
أما اقتران اللفظ في المشهور فلا يساوى في سوى المذكور
قال المؤلف في تفسير هذه الآيات:
قوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يخلق ما لا يعلم المخاطبون وقت نزولها، وأنهم من ذلك الذي يخلقه لتعبيره عنه بالموصول ولم يصرح هنا بشيء منه،ولكن قرينة ذكر ذلك في معرض الامتنان بالمركوبات تدل على أن منه ما هو من المركوبات، وقد شوهد ذلك في إنعام الله على عباده بمركوبات لم تكن معلومة وقت نزول الآية، كالطائرات، والقطارات، والسيارات ويؤيد ذلك إشارة النبي (ص) إلى ذلك في الحديث الصحيح قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله (ص): (والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد) ومحل الشاهد من هذا الحديث قولـه (ص): "ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها" فإنه قسم من النبي (ص) أنه ستترك الإبل فلا يسعى عليها، وهذا مشاهد الآن للاستغناء عن ركوبها بالمراكب المذكورة.
فقد صححها جماعة من المحققين ولا سيما في هذا الموضع الذي دلت فيه قرائن المشاهدة على صحة دلالة الاقتران فيه ونعني بدلالة الاقتران هنا دلالة اقتران"وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) بجنس ما يركب وإذا حققت أن الله امتن في سورة الامتنان على الخلق بوجود هذه المراكب التي من جملتها الطائرة "
الخطأ فيما قاله الشنقيطى هو :
الاستدلال برواية تخالف كتاب الله وأول تناقضها هو أنه تجعل النبى(ص) عالما بالغيب ممثلا فى عودة عيسى(ص) للحياة بعد موته قبل القيامة وهو ما يناقض قوله تعالى على لسان النبى" ولا أعلم الغيب" وقوله " لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنة السوء"وثانيها أنه لو بعث عيسى(ص) لوجب بعث يحيى لأن قول عيسى " والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا" قال الله مثله فى يحيى " والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا" ومن ثم لا بعث للاثنين وثالثها الاستدلال بالقول "ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها" ليس فيه دليل على وجود الطائرات أو غيرها
زد على هذا أن المركوبات التى ذكرها الله هى فى البر والبحر كما قال تعالى "هو الذى يسيركم فى البر والبحر"
ومن ثم لم يذكر مركوبات الجو ثم حدثنا الشنقيطى حول إباحة ركوب الطائرات :
"فاعلم أن ركوبها جائز لأن الله لا يمتن بمحرم وإذا كان جائزاً ودخل وقت الصلاة فيها فقد دل الكتاب والسُنة والإجماع على أن الله لا يكلف الإنسان إلا طاقته لقوله: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقولـه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقولـه (ص): (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) فإذا صلى الإنسان فيها فقد فعل طاقته ولم يؤمر إلا بطاقته وقد أشار النبي (ص) إلى حدوث هذه المركوبات لقولـه كما ثبت في صحيح مسلم ولتتركن القلاص فلا يسعين عليها وأما الدليل من السنة فقد ثبت عن النبي (ص) من حديث ابن عمر أنه سُئل عن الصلاة في السفينة فقال (صلِّ فيها قائماً إلا أن تخاف الغرق) أخرجه الدارقطني والحاكم على شرط الصحيحين مع أن القرآن دل بدلالة الإشارة على صحة الصلاة في السفينة حيث امتن بركوبها(تجري في البحر بما ينفع الناس) ومعلوم أنه لا يتيسر النزول بالساحل عند كل صلاة فالصلاة فيها صحيحة قطعاً وإذا دل الكتاب والسُنة والإجماع على صحة الصلاة في سفينة البحر فاعلم أنها لا يوجد بينها وبين الطائرة فرق لـه أثر في الحكم لأن كلاً منهما سفينة متحركة ماشية يصح عليها الإتيان بجميع أركان الصلاة من قيام وسجود وركوع واعتدال وغير ذلك بل هو بالطائرة أسهل لأنها أخف حركة من السفينة وكل منهما تمشي على جرم لأن الهواء جرم بإجماع المحققين من نظار المسلمين والفلاسفة وتحقق صحة ذلك إذا نفخت قربة مثلاً فإن الرائي يظنها مملوءة من الماء ولو كان الهواء غير جرم لما شغل الفراغ بـملء الأوعية المنفوخة وبين الهواء والماء مناسبات كثيرة حتى أن أحدهما لينتقل من عنصره إلى عنصر الآخر ألا ترى أن الماء إذا بلغ مائة درجة من درجات الحرارة تبخر فصار هواء فانتقل من عنصر الماء إلى عنصر الهواء وإذا لم يكن بينهما فارق لـه تأثير في الحكم فاعلم أن عامة العلماء ماعدا قوماً من أتباع داود الظاهري على أن المسألة المنطوق بها والمسألة المسكوت عنها إن لم يكن بينهما فارق له أثر في الحكم فإن المسكوت عنها تدخل في حكم المنطوق بها وهو الدليل المعروف عند الأصوليين بالإلحاق بنفي الفارق وهو نوع من تنقيح المناط وسماه الشافعي القياس في معنى الأصل قال في مراقي السعود:
قياس معنى الأصل عنهم حقق لما دعى الجمع بنفي الفارق
وقال أيضاً في مسالك العلة في الكلام على تنقيح المناط:
فمنه ما كان بإلغا الفارق وما بغير من دليل رائق
فإلحاق ضرب الوالدين بالتأفيــف في قولـه: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) وإلـحـــاق شـــهادة أربع عدول بالعـــدلـيـن فـي قــــولـــــه: ( وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ ) وإلحاق وزن الجبل بمثقال الذرة في قولـه: ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) وإلحاق إحراق مال اليتيم وإغراقه بأكله في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً ) الآية وإلحاق البول في إناء وصبه في الماء الراكد المنهي عنه. وإلحاق التضحية بالعمياء بالتضحية بالعوراء المنهي عن التضحية بها وإلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق في قولـه (ص) : (من أعتق شركاً لـه في عبد) . وإلحاق حكم القاضي في حالة الجوع والعطش والحقن والحقب والسرور والحزن ونحو ذلك من كل ما يشوش بالغضب المنصوص عليه في حديث أبي بكرة المتفق عليه لا يقضين حكَمٌ بين اثنين وهو غضبان ونحو ذلك مما هو كثير جرى كله إلحاقاً بنفي الفارق واعلم أن إلغاء الفارق يقول به من لا يقول بالقياس وهو في حكم النص عند جماهير من العلماء ومما يدل عليه أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى لا يقول بالقياس في الكفارة وقد قال فيها بالإلحاق بنفي الفارق وذلك في الأعرابي الذي قدم على النبي (ص) يضرب صدره وينتف شعره ويقول هلكت وأهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان فقال لـه النبي (ص) أعتق رقبة فالنبي (ص) نص على كفارة صوم رمضان في خصوص الجماع ولم يتكلم على الشرب والأكل فيه عمداً فحكم مالك وأبو حنيفة بإلغاء الفارق وألحقا الأكل والشرب عمداً المسكوت عنهما بالجماع المنصوص عليه في وجوب الكفارة فقالا بوجوبها في الأكل والشرب عمداً "
وأما ركوبها فهو مباح وأما الصلاة فيها فهى التى فيها محل نظر والشنقيطى هنا ذكر كلاما كثيرا لا داعى له فالقياسات المختلفة قد تنطبق أو لا تنطبق وهو أمر أغنانا الله عنه بنصوص الوحى بدلا من هذا الجدل الذى لا فائدة منه وفيها عند القوم اعتراضات وعلى الاعتراضات اعتراضات
ثم حدثنا عما اعترض به البعض على صحة الصلاة فى الطائرة وحاول مناقشته فقال:
"وأما ما وعدنا به من كلام العلماء عن طريق المناظرة الشرعية فإنا نقول أولاً إن من ادعى بطلان الصلاة في الطائرة فهو الذي عليه بيان دليل البطلان ومدعي الصحة معه الأصل لأنها صلاة لم يختل منها ركن ولا شرط وأركان الصلاة وشروطها معروفة ولا يختل بالصلاة في الطائرة منها شيء ولا دليل على بطلانها فيها من كتاب ولا سُنة ولا إجماع ولا كلام عن أحد من أصحاب المذاهب ونقول ثانياً إنا إذا أردنا تحقيق هذه المسألة المنطبق على جزئياتها أفرغناها في قالب الدليل العظيم المعروف عند الأصوليين بالسبر أي الاختبار والتقسيم وعند المنطقيين بالشرطي المنفصل وعند الجدليين بالترديد والتقسيم فنقوِّم أوصاف الراكب في الطائرة التي يتوهم أنها سبب لبطلان صلاته فيها يحصرها التقسيم الصحيح في هذه الأقسام الخمسة :
الأول: أنها غير متصلة بالأرض.
الثاني: أنها غير ساكنة.
الثالث: أنها ترفعه عن مسامتة القبلة فيكون غير مستقبل والقبلة شرط في الصلاة.
الرابع: عدم القدرة على إكمال الأركان لحركتها واضطرابها.
الخامس: عدم معرفة جهة القبلة ولا وصف غير هذه الأوصاف الخمسة إلا الأوصاف الطردية التي لا أثر لها في الأحكام فإذا حققت هذا التقسيم فاعلم أن السبر الصحيح يدل على أن هذه الأقسام ليس واحد منها يبطل الصلاة أما كونها غير متصلة بالأرض فلا يبطل الصلاة لأن أرض المصلي هي موضع صلاته إذا كان يمكنه الركوع والسجود وسائر الأركان وقد أجمع جميع العلماء على صحة الصلاة فوق السقف مع أن موضع المصلي المماس لأعضائه منه غير متصل بالأرض وفي الدسوقي عند قول خليل ورفع قوم ما يسجد عليه ما نصه وأما السجود غير المتصل بالأرض كسرير معلق فلا خلاف في عدم صحته كما مر أي والحال أنه غير واقف في ذلك السرير وإلا صحت كالصلاة في المحمل" منه بلفظه فترى هذا العالم المحقق صرح بأنه لو قام في سرير معلق بين السماء والأرض فصلى فيه أن صلاته صحيحة وأن المحذور هو ما لو صلى في الأرض وسجد على السرير المعلق لأنه يكون إيماء في الصلاة بلا عذر وهو مبطل لعدم السجود وهو ركن وأما كونها غير ساكنة فلا يبطل لإجماع العلماء على صحة الصلاة في سفينة الماء وهي تضطرب فوق جبال الموج فلو كانت الحركة مبطلة لبطلت في السفينة وأما كونها ترفعه عن مسامتة القبلة فلا يبطلها لإجماع العلماء أن من صلى فوق أبي قبيس فصلاته صحيحة وهو مرتفع عن مسامتة الكعبة ارتفاعاً كثيراً بيناً مع أن جماهير العلماء على أن الغائب عن مكة يجعل وجهه إلى جهة الكعبة ولا يلزمه الاجتهاد في مسامتتها كمـــا دل عليه قولـه: ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) والـمراد بالشطر الجهة ومنه قول الشاعر:
أقول لأم ذنباع أقيمي صدور العيس شطر بني تميم
أي جهتهم قال في المختصر وإلا فالأظهر جهتها اجتهاداً وإذا كانت الجهة كافية فمن في الطائرة مستقبل للجهة بلا شك وأما عدم القدرة على الإتيان بالأركان منتفٍ بل أهلها قادرون على جميع أركان الصلاة وقد صلينا فيها مراراً نسجد ونركع ونقوم ونجلس ونطمئن من غير تعسر شيء من ذلك وأما معرفة القبلة فهي متيسرة لشدة علم أهلها بالخطوط الجوية فظهر بالتقسيم الصحيح عدم بطلان الصلاة فيها وقد تقرر في علم الأصول في مبحث السبر والتقسيم أن السبر والتقسيم إذا كانا قطعيين فالحكم قطعي وإذا كانا ظنيين فالحكم ظني كما أشار له صاحب مراقي السعود بقوله:
وهو قطعي إذا ما نـميا للقطع والظن سواه وعيا
ولا يمكن أحد أن يزيد وصفاً غير الأوصاف التي بينا إلا وصفاً طردياً لا أثر لـه في الحكم وإبداء المعترض وصفاً زائداً على أوصاف المستدل بالسبر بتأثير ذلك الوصف الزائد كما هو مقرر في الأصول وأشار له صاحب مراقي السعود بقوله:
إن يبد وصف زائد معترض وفي له دون البيان الغرض
والشاهد منه في قولـه دون البيان أي أما مع البيان فلا يقدح الوصف الزائد في سبر المستدل هذا ما ظهر والعلم عند الله تعالى "
ولعد انتهى الشنقيطى من الاعتراضات التى تصور أن المبطلين يعترضون بها على صحة تلك الصلاة حدثنا عن مسائل متعلقة بالطائرة فقال:
بعض الـمسائل الـمتعلقة بركوب الطائرة :
المسألة الأولــى :
في كيفية الصلاة بالطائرة:
إذا ثبتت صحة الصلاة في الطائرة فما هي كيفية الصلاة فيها
أقول مما لا شك فيه أنه إذا صلى الإنسان في الطائرة ونحوها فإن الواجب عليه أن يصلي قائماً ويركع ويسجد إن استطاع ذلك فإن ذلك لازم في حقه في الفريضة وإن لم يستطع صلى على حسب حاله وأتى بما يقدر عليه من ذلك. فإذا كان مثلاً يستطيع أن يجلس لكن لا يستطيع أن يسجد فعليه أن يجلس وأن يوميء بالسجود لقولـه تعالى: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وإن كان يمكنه القيام فإنه يصلي في مكانه قائماً بدون اعتماد على شيء وإلا يمسك بالكرسي الذي أمامه لكن يوميء بالركوع قدر ما يمكن والخلاصة في ذلك أنه إن كان يستطيع أن يصلي بقيام وبركوع تامين فهذا واجب في حقه. وإن لم يمكنه ذلك أومأ بالركوع قائماً وأومأ بالسجود جالساً.
المسألة الثانية :في حكم صلاة الجماعة في الطائرة هل تصلي الفريضة جماعة أم فرادى؟
لا شك في وجوب صلاة الجماعة في الحضر والسفر للأدلة من الكتاب والسُنة الواردة في ذلك فالسفر ليس عذراً لترك الجماعة في الصلاة ولكن المسافر في الطائرة له أحوال.
الأولى : أن يكون بجانبه أي في الكرسي الذي بجانبه مسلم يريد الصلاة فهنا تجب في حقهم صلاة الجماعة بالصفة التي بيناها سابقاً.
الثـانية : أن يكون بينه وبين من يريد الصلاة أماكن بعيدة فإن أمكنهم الاجتماع لزمتهم الجماعة وإلا فلا لكونهم من أهل الأعذار في تركها ولقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
المسألة الثالثة :
هل تجوز الصلاة بالطائرة جالساً مع القدرة على الوقوف خجلا؟
الجواب: لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقـدر على القيام لعموم قولـه تعالى: ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) وحديث عمران بن حصين المخرج في صحيح البخاري أن النبي (ص) قال لـه (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) زاد النسائي بإسناد صحيح (فإن لم تستطع فمستلقيا).
المسألة الرابعة :
المسافر بالطائرة هل يجوز لـه أن يصلي في الوقت أم يجوز تأخيرها إلى ما بعد الوقت؟
الجواب: إذا كان المسافر بالطائرة تبدأ رحلته بعد دخول وقت الظهر مثلاً أو بعد المغرب فإنه يجمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء جمع تقديم قبل الركوب. وإن كانت الرحلة تبدأ قبل دخول وقت الصلاة الأولى أي قبل دخول صلاة الظهر أو المغرب فإنه ينوي جمع التأخير ويصليها إذا نزل ولو كان نزولـه في آخر وقت الصلاة الثانية أي العصر أو العشاء وأما إن كانت الرحلة تستمر إلى ما بعد خروج وقت الصلاة الثانية فإن الواجب عليه عندئذ الصلاة في الطائرة في المكان المناسب على حسب حاله.
المسألة الخامسة :إذا كان أمام الـمصلي امرأة فما الحكم؟
نقول: المرأة لها حالتان في هذه المسألة:
الأولى: أن تمر بين يدي المصلي فهل تبطل، محل خلاف بين أهل العلم والصواب أنها لا تبطل الصلاة وإنـما ينقص أجرها.
الثانية: أن تكون جالسة أي غير مارة بين يديه وإنما جالسة على الكرسي الذي أمامه فهنا لا بأس بذلك والصلاة صحيحة.
المسألة السادسة :
في مسافة القصر والجمع داخل الـمطارات للمسافر والعائد:
هذه المسألة لها حالتان:
الأولى: أن تكون المطارات داخل المدينة كمطار الرياض القديم ومطار المدينة النبوية فهنا يجب على قاصد السفر إذا كان من نفس البلد إتمام الصلاة لكونه لم يخرج من بلده.
الثانية: أن تكون المطارات خارج المدينة كمطار الملك خالد الدولي بالرياض ومطار القصيم مثلاً فهنا للمسافر القصر والجمع لأنه باشر السفر حتى ولو كان من نفس البلد.
المسألة السابعة :
في اقتداء الـمقيم بالـمسافر والعكس:
إذا كان الإمام مسافراً والمأموم مقيماً فهنا يجب في حقه الإتمام.
أما إذا كان الإمام مقيماً والمسافر مؤتماً أتم المسافر.
لقولـه (ص) (إنما جعل الإمام ليؤتم به) رواه البخاري ومسلم.
ولأن ابن عباس حينما سُئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام أربعاً فقال تلك هي السُنة. رواه أحمد وصححه الألباني أما إذا ائتم بمن يشك فيه هل هو مسافر أم مقيم فهنا إن كان الإمام بعلامة ظاهرة تدل على كونه مقيماً صلى أربعاً.
مثال ذلك: رأى الإمام كونه شرطياً مثلاً فالغالب أنه مقيم فهنا ينوي الصلاة أربعاً وإن كان يبدو عليه علامة السفر كأن يكون معه حقيبة مثلاً فهنا ينويها اثنتين.أما إن شك ولم يتبين لـه فإنه ينوي أربعاً لأن من شرط القصر أن ينويه بنية جازمة لا مع التردد.
المسألة الثامنة :
في حكم الصيام في السفر:
جاءت نصوص الكتاب والسُنة في إباحة الفطر للمسافر ووجوب القضاء بقدر الأيام التي أفطرها ولكن هل الأفضل الصيام أو الفطر في السفر وإذا غلب على ظنه أن سفره بالطائرة ليس فيه مشقة فما هو الأفضل في حقه نقول: (الأفضل للمسافر فعل الأسهل عليه من الصيام أو الفطر فإن تساويا فالصوم أفضل لأنه أسرع في إبراء ذمته وأنشط له إذا صام مع الناس ويدرك فضيلة الزمن وكذلك إذا غلب على ظنه أن سفره بالطائرة ليس فيه مشقة عليه فالأولى في حقه الصيام لما ذكرناه أما كون البعض يلزمون الناس بالصيام إذا سافروا بالطائرة لأن علة جواز الفطر منعدمة فهذا غير صحيح لأن العلة هنا هي السفر فما دام كونه مسافراً فيباح له الفطر.
المسألة التاسعة راكب الطائرة متى يفطر؟
الصائم إذا كان في الطائرة واطلع بواسطة الساعة وبالتليفون على إفطار البلد القريب منه فهل لـه الإفطار؟ علماً بأنه يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة أم لا؟ ثم كيف الحكم إذا أفطر بالبلد ثم أقلعت به الطائرة فرأى الشمس؟
إذا كان الصائم في الطائرة واطلع بواسطة الساعة والتليفون على افطار البلد القريبة منه وهو يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة فليس لـه أن يفطر لأن الله تعالى قال: ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وهذه الغاية لم تتحقق في حقه ما دام يرى الشمس.
أما إذا أفطر بالبلد بعد انتهاء السفر في حقه فاقلعت الطائرة ثم رأى الشمس فإنه يستمر مفطراً لأن حكمه حكم البلد التي أقلع منها وقد انتهى النهار وهو فيها.
ما هو وقت الإفطار في رمضان أثناء الطيران؟ إذا كان الشخص بالطائرة في نهار رمضان وهو صائم ويريد الاستمرار بصيامه إلى الليل فإنه لا يجوز أن يفطر إلا عند غروب الشمس بالنسبة للركاب.
المسألة العاشرة :
في الإحرام بالطائرة
من أراد الحج والعمرة بالطائرة فالمشروع في حقه الاغتسال والتطيب ولبس ملابس الإحرام في الطائرة إذا لم يكن في ذلك مشقة عليه أما إذا كان فيه مشقة فله أن يغتسل في بيته ويلبس الإزار والرداء إن شاء حتى إذا بقي على الميقات شيء قليل أحرم بما يريد من حج أو عمرة وليس في ذلك مشقة وإذا كان لا يعرف الميقات فالواجب عليه أن يسأل قائد الطائرة أو أحد مساعديه أو المضيفين الـمهم أنه يسأل، أما التساهل الذي نراه ونسمع عنه من بعض المسافرين من عدم عقد نية الإحرام وتأخيرها عن الميقات المحدد لهم فهذا كله لا يجوز فالذي ينبغي عليهم كما ذكرنا الاستعداد للإحرام من بلدهم ولبس ثياب الإحرام قبل صعود الطائرة أو بعده مباشرة ثم يأتي بالنية قبل الميقات لأن هذا هو الأحوط في حقهم هذا عند عدم المعرفة بالميقات أما إذا كان معروفاً لديهم أو ينبه إليه من قبل قائد الطائرة فإن المشروع في حقه نية الإحرام عند محاذاة الميقات كما ذكرنا ذلك.
ومن يراجع الفتاوى يجد أن الفتاوى تناست التالى:
أولا :
بطلان الصلاة بسبب عدم الاتجاه للقبلة لقوله تعالى "وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره"
فهنا لم يستثن مكان من وجوب الاتجاه للقبلة برا وبحرا والحالة الوحيدة التى يجوز فيها الاتجاه لغير القبلة هى الجهل باتجاهها وهى غير متوفرة فى تلك الأسئلة لأن فى وسائل النقل الحديثة وسائل لتحديد الاتجاه
ثانيا تغيير حركات الجسم فى الصلاة جائز فى حالة واحدة وهى الخوف من أذى العدو ويكون هذا فى الحرب كما قال تعالى :
"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون" وقال :
"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم"
ومن ثم فالسفر الوحيد الذى تغير فيه حركات الجسم فى الصلاة هو السفر لبلاد العدو المحارب للقتال والسفر الذى تتحدث عنه الفتاوى كله سفر آمن للعمل أو لزيارة الأقارب والأصحاب أو لقضاء المصالح
ثالثا: لم تفرق الفتاوى بين الركوبات فهناك نوعين :
-الركوبات التى يمكن إيقافها كالحيوانات والسيارات والنزول منها دقائق للصلاة
- الركوبات التى لا يمكن إيقافها كالطائرات والقطارات لأن فى إيقافها أذى كبير كتصادم القطارات لأن كل لكل واحد وقت محدد كى لا يلتقى بالأخر وحاجة لأماكن غالبا غير موجودة كالممرات التى تقلع منها الطائرات وتنزل عليها فحكم التى يمكن إيقافها هو وجوب إيقافها لصلاة الفرض والتى لا يمكن إيقافها لا توقف وخبراء الطيران والملاحة البحرية يعرفون أنه يمكن إيقاف الطائرة فى الجو وكذلك السفينة فى البحر إلا فى حالة الجو العاصف
ومعظم أسفار الناس حاليا ليست سفرا وإنما هى انتقالات قصيرة لا يمكن تسميتها سفراكما يجب أن نفرق بين السفينة فى البحر حيث يوجد اتجاه للقبلة يمكن الاتجاه له حال توقف السفينة فى البحر وفى حالة السفر بالسفينة لأيام فيجب على قائد السفينة أن يوقفها لمدة قليلة بحيث يقدر من عليها على الصلاة ثم يسيرها
وأما فى حالة الطائرة فالصلاة للقبلة غير ممكنة على الإطلاق سواء توقفت الطائرة أو لم تتوقف إلا فى حالة توقف الطائرة فوق الكعبة وتلك الصلاة سوف تكون من وضع الاستلقاء على البطن فهى الطريقة الوحيدة للنظر إلى أسفل حيث الكعبة وحتى فى تلك الحالة لن يتمكن المصلى من الاتجاه للقبلة لأنه يجب ان يكون اتجاه نظر وجهه بزاوية محددة تختلف من مكان لأخر وهذا يستوجب خرق أرضية الطائرة كى يتمكن المصلى من وضع نظر الوجه فى اتجاه محدد .
فى معظم الحالات هناك طريقة لأداء الصلاة قبل الانتقال أو بعده فلو أن البعض استيقظ مبكرا لصلى كما يجب قبل السفر والكثيرون حاليا لا يقومون إلا على رنين الأجراس أو رنين المحمولات ليلبسوا ملابسهم ويتوجهوا للعمل بعد قضاء الحاجة ولا يأكلون ولا يشربون لأنهم اعتادوا على الصحو قبل النزول للسفر بدقائق لا تزيد عن ربع ساعة
ومعظم من يواجهون مشكلة الصلاة يعملون فى شركات خاصة تستنزف قواهم طوال الوقت ولكن يمكنهم الصلاة أثناء فترة الاستراحة لتناول الغذاء ويمكنهم الصلاة بحجة دخول دورة المياه
وكل هذه الأحوال التى نحكى عنها هى أوضاع بلاد غير محكومة بشرع الله فهذه الأمور لا توجد فى دولة المسلمين لأن هناك وقت محدد للصلاة وسط وقت العمل يتم فيه إيقاف العمل فترة ما عدا بعض الأعمال كأعمال مراقبة الحدود للمجاهدين وأعمال النجدة كإسعاف المصابين
وأما السفر بالمراكب أو بالطائرات فهو عمل منظم داخل الدولة المسلمة بحيث لا توجد رحلة تستغرق وقت صلاة كاملة كما أن كل موظف أو عامل يعمل غالبا فى البلدة التى يقيم بها فالسفر هو للضرورة فقط كسفر المجاهدين لمناطق الحدود والقواعد العسكرية أو السفر للحج
ومن ثم فى حالة وجود الدولة المسلمة لن توجد تلك الأسئلة التى نتجت من عدم وجود دولة للمسلمين تطبق أحكام الله لأننا نعيش حاليا فى مجتمعات جاهلية تطبق بعض الشرع وتكفر بالبعض الأخر حتى وإن أعلنت أن دينها الإسلام وشريعة الله مصدر الأحكام
وبقى حكم أخر فى صلاة السفر وهو :
قصر الصلاة الذى يعنى إلغاء الصلاة بسبب الخوف من تعذيب العدو أو قتله للمسلم لأنها لو كانت بما فهمه البعض من كونها تقصير الصلاة إلى النصف لدلت العدو على كون الشخص مسلم ومن ثم يعذبونه أو يقتلونه وهو قوله تعالى:
"وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا"
فمعنى تقصروا عن الصلاة أى تمتنعوا عن أداء الصلاة
وأما الصوم فى السفر فمحرم لقوله تعالى " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" وهو ما جاء فى القول المأثور " ليس من البر الصيام فى السفر" والسفر المراد بها الانتقال طيلة النهار وليس مجرد عدة ساعات
كما أن الصوم على ميقات بلد والفطر على ميقات بلد أخر فى نفس النهار معضلة خاصة إذا كان النهار فى المكان الأول طويل وفى بلد الوصول قصير
الكتاب تأليف محمد الأمين الشنقيطي وهو يدور حول موضوع الصلاة فى الطائرة وفى المقدمة بين الشنقيطى أن أحدهم سأله عن أدلة صحة الصلاة فى الطائرة فأجابه إلى ذلك فقال:
"أما بعــــــــد:فقد طلب منا بعض فضلاء إخواننا أن نقيد لهم حروفاً نظهر بها صحة صلاة من صلى في الطائرة فأجبناهم إلى ذلك ونذكر إن شاء الله وجه استنباط صحتها من كتاب الله ثم من سُنة نبيه (ص) ثم من كلام العلماء على طريق المناظرة الشرعية الخالية من لجاج الجدل"
واستهل الشنقيطى الكلام بالحديث عن المركوبات فى القرآن فقال كلاما لا علاقة له بموضوع الطائرة فقال:
"أما القرآن فقد امتن الله فيه على خلقه في مسودة الامتنان التي هي سورة النحل بهذه المراكب المستحدثة لأنه لما بين أنواع الامتنان فيها وذكر الامتنان بأنواع من المركوبات في قولـه: ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) أشار إلى امتنانه بمركوبات لم تخلق ولم يعلمها الموجــــودون في زمــــن النبي (ص) فقولـه ) وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) مقترناً بجنس المركوبات يدل على أنه من جنس ما يركب ودلالة الاقتران وإن ضعفها بعض الأصوليين كما أشار له صاحب مراقي السعود بقوله:
أما اقتران اللفظ في المشهور فلا يساوى في سوى المذكور
قال المؤلف في تفسير هذه الآيات:
قوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يخلق ما لا يعلم المخاطبون وقت نزولها، وأنهم من ذلك الذي يخلقه لتعبيره عنه بالموصول ولم يصرح هنا بشيء منه،ولكن قرينة ذكر ذلك في معرض الامتنان بالمركوبات تدل على أن منه ما هو من المركوبات، وقد شوهد ذلك في إنعام الله على عباده بمركوبات لم تكن معلومة وقت نزول الآية، كالطائرات، والقطارات، والسيارات ويؤيد ذلك إشارة النبي (ص) إلى ذلك في الحديث الصحيح قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله (ص): (والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد) ومحل الشاهد من هذا الحديث قولـه (ص): "ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها" فإنه قسم من النبي (ص) أنه ستترك الإبل فلا يسعى عليها، وهذا مشاهد الآن للاستغناء عن ركوبها بالمراكب المذكورة.
فقد صححها جماعة من المحققين ولا سيما في هذا الموضع الذي دلت فيه قرائن المشاهدة على صحة دلالة الاقتران فيه ونعني بدلالة الاقتران هنا دلالة اقتران"وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) بجنس ما يركب وإذا حققت أن الله امتن في سورة الامتنان على الخلق بوجود هذه المراكب التي من جملتها الطائرة "
الخطأ فيما قاله الشنقيطى هو :
الاستدلال برواية تخالف كتاب الله وأول تناقضها هو أنه تجعل النبى(ص) عالما بالغيب ممثلا فى عودة عيسى(ص) للحياة بعد موته قبل القيامة وهو ما يناقض قوله تعالى على لسان النبى" ولا أعلم الغيب" وقوله " لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنة السوء"وثانيها أنه لو بعث عيسى(ص) لوجب بعث يحيى لأن قول عيسى " والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا" قال الله مثله فى يحيى " والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا" ومن ثم لا بعث للاثنين وثالثها الاستدلال بالقول "ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها" ليس فيه دليل على وجود الطائرات أو غيرها
زد على هذا أن المركوبات التى ذكرها الله هى فى البر والبحر كما قال تعالى "هو الذى يسيركم فى البر والبحر"
ومن ثم لم يذكر مركوبات الجو ثم حدثنا الشنقيطى حول إباحة ركوب الطائرات :
"فاعلم أن ركوبها جائز لأن الله لا يمتن بمحرم وإذا كان جائزاً ودخل وقت الصلاة فيها فقد دل الكتاب والسُنة والإجماع على أن الله لا يكلف الإنسان إلا طاقته لقوله: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقولـه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقولـه (ص): (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) فإذا صلى الإنسان فيها فقد فعل طاقته ولم يؤمر إلا بطاقته وقد أشار النبي (ص) إلى حدوث هذه المركوبات لقولـه كما ثبت في صحيح مسلم ولتتركن القلاص فلا يسعين عليها وأما الدليل من السنة فقد ثبت عن النبي (ص) من حديث ابن عمر أنه سُئل عن الصلاة في السفينة فقال (صلِّ فيها قائماً إلا أن تخاف الغرق) أخرجه الدارقطني والحاكم على شرط الصحيحين مع أن القرآن دل بدلالة الإشارة على صحة الصلاة في السفينة حيث امتن بركوبها(تجري في البحر بما ينفع الناس) ومعلوم أنه لا يتيسر النزول بالساحل عند كل صلاة فالصلاة فيها صحيحة قطعاً وإذا دل الكتاب والسُنة والإجماع على صحة الصلاة في سفينة البحر فاعلم أنها لا يوجد بينها وبين الطائرة فرق لـه أثر في الحكم لأن كلاً منهما سفينة متحركة ماشية يصح عليها الإتيان بجميع أركان الصلاة من قيام وسجود وركوع واعتدال وغير ذلك بل هو بالطائرة أسهل لأنها أخف حركة من السفينة وكل منهما تمشي على جرم لأن الهواء جرم بإجماع المحققين من نظار المسلمين والفلاسفة وتحقق صحة ذلك إذا نفخت قربة مثلاً فإن الرائي يظنها مملوءة من الماء ولو كان الهواء غير جرم لما شغل الفراغ بـملء الأوعية المنفوخة وبين الهواء والماء مناسبات كثيرة حتى أن أحدهما لينتقل من عنصره إلى عنصر الآخر ألا ترى أن الماء إذا بلغ مائة درجة من درجات الحرارة تبخر فصار هواء فانتقل من عنصر الماء إلى عنصر الهواء وإذا لم يكن بينهما فارق لـه تأثير في الحكم فاعلم أن عامة العلماء ماعدا قوماً من أتباع داود الظاهري على أن المسألة المنطوق بها والمسألة المسكوت عنها إن لم يكن بينهما فارق له أثر في الحكم فإن المسكوت عنها تدخل في حكم المنطوق بها وهو الدليل المعروف عند الأصوليين بالإلحاق بنفي الفارق وهو نوع من تنقيح المناط وسماه الشافعي القياس في معنى الأصل قال في مراقي السعود:
قياس معنى الأصل عنهم حقق لما دعى الجمع بنفي الفارق
وقال أيضاً في مسالك العلة في الكلام على تنقيح المناط:
فمنه ما كان بإلغا الفارق وما بغير من دليل رائق
فإلحاق ضرب الوالدين بالتأفيــف في قولـه: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) وإلـحـــاق شـــهادة أربع عدول بالعـــدلـيـن فـي قــــولـــــه: ( وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ ) وإلحاق وزن الجبل بمثقال الذرة في قولـه: ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) وإلحاق إحراق مال اليتيم وإغراقه بأكله في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً ) الآية وإلحاق البول في إناء وصبه في الماء الراكد المنهي عنه. وإلحاق التضحية بالعمياء بالتضحية بالعوراء المنهي عن التضحية بها وإلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق في قولـه (ص) : (من أعتق شركاً لـه في عبد) . وإلحاق حكم القاضي في حالة الجوع والعطش والحقن والحقب والسرور والحزن ونحو ذلك من كل ما يشوش بالغضب المنصوص عليه في حديث أبي بكرة المتفق عليه لا يقضين حكَمٌ بين اثنين وهو غضبان ونحو ذلك مما هو كثير جرى كله إلحاقاً بنفي الفارق واعلم أن إلغاء الفارق يقول به من لا يقول بالقياس وهو في حكم النص عند جماهير من العلماء ومما يدل عليه أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى لا يقول بالقياس في الكفارة وقد قال فيها بالإلحاق بنفي الفارق وذلك في الأعرابي الذي قدم على النبي (ص) يضرب صدره وينتف شعره ويقول هلكت وأهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان فقال لـه النبي (ص) أعتق رقبة فالنبي (ص) نص على كفارة صوم رمضان في خصوص الجماع ولم يتكلم على الشرب والأكل فيه عمداً فحكم مالك وأبو حنيفة بإلغاء الفارق وألحقا الأكل والشرب عمداً المسكوت عنهما بالجماع المنصوص عليه في وجوب الكفارة فقالا بوجوبها في الأكل والشرب عمداً "
وأما ركوبها فهو مباح وأما الصلاة فيها فهى التى فيها محل نظر والشنقيطى هنا ذكر كلاما كثيرا لا داعى له فالقياسات المختلفة قد تنطبق أو لا تنطبق وهو أمر أغنانا الله عنه بنصوص الوحى بدلا من هذا الجدل الذى لا فائدة منه وفيها عند القوم اعتراضات وعلى الاعتراضات اعتراضات
ثم حدثنا عما اعترض به البعض على صحة الصلاة فى الطائرة وحاول مناقشته فقال:
"وأما ما وعدنا به من كلام العلماء عن طريق المناظرة الشرعية فإنا نقول أولاً إن من ادعى بطلان الصلاة في الطائرة فهو الذي عليه بيان دليل البطلان ومدعي الصحة معه الأصل لأنها صلاة لم يختل منها ركن ولا شرط وأركان الصلاة وشروطها معروفة ولا يختل بالصلاة في الطائرة منها شيء ولا دليل على بطلانها فيها من كتاب ولا سُنة ولا إجماع ولا كلام عن أحد من أصحاب المذاهب ونقول ثانياً إنا إذا أردنا تحقيق هذه المسألة المنطبق على جزئياتها أفرغناها في قالب الدليل العظيم المعروف عند الأصوليين بالسبر أي الاختبار والتقسيم وعند المنطقيين بالشرطي المنفصل وعند الجدليين بالترديد والتقسيم فنقوِّم أوصاف الراكب في الطائرة التي يتوهم أنها سبب لبطلان صلاته فيها يحصرها التقسيم الصحيح في هذه الأقسام الخمسة :
الأول: أنها غير متصلة بالأرض.
الثاني: أنها غير ساكنة.
الثالث: أنها ترفعه عن مسامتة القبلة فيكون غير مستقبل والقبلة شرط في الصلاة.
الرابع: عدم القدرة على إكمال الأركان لحركتها واضطرابها.
الخامس: عدم معرفة جهة القبلة ولا وصف غير هذه الأوصاف الخمسة إلا الأوصاف الطردية التي لا أثر لها في الأحكام فإذا حققت هذا التقسيم فاعلم أن السبر الصحيح يدل على أن هذه الأقسام ليس واحد منها يبطل الصلاة أما كونها غير متصلة بالأرض فلا يبطل الصلاة لأن أرض المصلي هي موضع صلاته إذا كان يمكنه الركوع والسجود وسائر الأركان وقد أجمع جميع العلماء على صحة الصلاة فوق السقف مع أن موضع المصلي المماس لأعضائه منه غير متصل بالأرض وفي الدسوقي عند قول خليل ورفع قوم ما يسجد عليه ما نصه وأما السجود غير المتصل بالأرض كسرير معلق فلا خلاف في عدم صحته كما مر أي والحال أنه غير واقف في ذلك السرير وإلا صحت كالصلاة في المحمل" منه بلفظه فترى هذا العالم المحقق صرح بأنه لو قام في سرير معلق بين السماء والأرض فصلى فيه أن صلاته صحيحة وأن المحذور هو ما لو صلى في الأرض وسجد على السرير المعلق لأنه يكون إيماء في الصلاة بلا عذر وهو مبطل لعدم السجود وهو ركن وأما كونها غير ساكنة فلا يبطل لإجماع العلماء على صحة الصلاة في سفينة الماء وهي تضطرب فوق جبال الموج فلو كانت الحركة مبطلة لبطلت في السفينة وأما كونها ترفعه عن مسامتة القبلة فلا يبطلها لإجماع العلماء أن من صلى فوق أبي قبيس فصلاته صحيحة وهو مرتفع عن مسامتة الكعبة ارتفاعاً كثيراً بيناً مع أن جماهير العلماء على أن الغائب عن مكة يجعل وجهه إلى جهة الكعبة ولا يلزمه الاجتهاد في مسامتتها كمـــا دل عليه قولـه: ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) والـمراد بالشطر الجهة ومنه قول الشاعر:
أقول لأم ذنباع أقيمي صدور العيس شطر بني تميم
أي جهتهم قال في المختصر وإلا فالأظهر جهتها اجتهاداً وإذا كانت الجهة كافية فمن في الطائرة مستقبل للجهة بلا شك وأما عدم القدرة على الإتيان بالأركان منتفٍ بل أهلها قادرون على جميع أركان الصلاة وقد صلينا فيها مراراً نسجد ونركع ونقوم ونجلس ونطمئن من غير تعسر شيء من ذلك وأما معرفة القبلة فهي متيسرة لشدة علم أهلها بالخطوط الجوية فظهر بالتقسيم الصحيح عدم بطلان الصلاة فيها وقد تقرر في علم الأصول في مبحث السبر والتقسيم أن السبر والتقسيم إذا كانا قطعيين فالحكم قطعي وإذا كانا ظنيين فالحكم ظني كما أشار له صاحب مراقي السعود بقوله:
وهو قطعي إذا ما نـميا للقطع والظن سواه وعيا
ولا يمكن أحد أن يزيد وصفاً غير الأوصاف التي بينا إلا وصفاً طردياً لا أثر لـه في الحكم وإبداء المعترض وصفاً زائداً على أوصاف المستدل بالسبر بتأثير ذلك الوصف الزائد كما هو مقرر في الأصول وأشار له صاحب مراقي السعود بقوله:
إن يبد وصف زائد معترض وفي له دون البيان الغرض
والشاهد منه في قولـه دون البيان أي أما مع البيان فلا يقدح الوصف الزائد في سبر المستدل هذا ما ظهر والعلم عند الله تعالى "
ولعد انتهى الشنقيطى من الاعتراضات التى تصور أن المبطلين يعترضون بها على صحة تلك الصلاة حدثنا عن مسائل متعلقة بالطائرة فقال:
بعض الـمسائل الـمتعلقة بركوب الطائرة :
المسألة الأولــى :
في كيفية الصلاة بالطائرة:
إذا ثبتت صحة الصلاة في الطائرة فما هي كيفية الصلاة فيها
أقول مما لا شك فيه أنه إذا صلى الإنسان في الطائرة ونحوها فإن الواجب عليه أن يصلي قائماً ويركع ويسجد إن استطاع ذلك فإن ذلك لازم في حقه في الفريضة وإن لم يستطع صلى على حسب حاله وأتى بما يقدر عليه من ذلك. فإذا كان مثلاً يستطيع أن يجلس لكن لا يستطيع أن يسجد فعليه أن يجلس وأن يوميء بالسجود لقولـه تعالى: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وإن كان يمكنه القيام فإنه يصلي في مكانه قائماً بدون اعتماد على شيء وإلا يمسك بالكرسي الذي أمامه لكن يوميء بالركوع قدر ما يمكن والخلاصة في ذلك أنه إن كان يستطيع أن يصلي بقيام وبركوع تامين فهذا واجب في حقه. وإن لم يمكنه ذلك أومأ بالركوع قائماً وأومأ بالسجود جالساً.
المسألة الثانية :في حكم صلاة الجماعة في الطائرة هل تصلي الفريضة جماعة أم فرادى؟
لا شك في وجوب صلاة الجماعة في الحضر والسفر للأدلة من الكتاب والسُنة الواردة في ذلك فالسفر ليس عذراً لترك الجماعة في الصلاة ولكن المسافر في الطائرة له أحوال.
الأولى : أن يكون بجانبه أي في الكرسي الذي بجانبه مسلم يريد الصلاة فهنا تجب في حقهم صلاة الجماعة بالصفة التي بيناها سابقاً.
الثـانية : أن يكون بينه وبين من يريد الصلاة أماكن بعيدة فإن أمكنهم الاجتماع لزمتهم الجماعة وإلا فلا لكونهم من أهل الأعذار في تركها ولقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
المسألة الثالثة :
هل تجوز الصلاة بالطائرة جالساً مع القدرة على الوقوف خجلا؟
الجواب: لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقـدر على القيام لعموم قولـه تعالى: ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) وحديث عمران بن حصين المخرج في صحيح البخاري أن النبي (ص) قال لـه (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) زاد النسائي بإسناد صحيح (فإن لم تستطع فمستلقيا).
المسألة الرابعة :
المسافر بالطائرة هل يجوز لـه أن يصلي في الوقت أم يجوز تأخيرها إلى ما بعد الوقت؟
الجواب: إذا كان المسافر بالطائرة تبدأ رحلته بعد دخول وقت الظهر مثلاً أو بعد المغرب فإنه يجمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء جمع تقديم قبل الركوب. وإن كانت الرحلة تبدأ قبل دخول وقت الصلاة الأولى أي قبل دخول صلاة الظهر أو المغرب فإنه ينوي جمع التأخير ويصليها إذا نزل ولو كان نزولـه في آخر وقت الصلاة الثانية أي العصر أو العشاء وأما إن كانت الرحلة تستمر إلى ما بعد خروج وقت الصلاة الثانية فإن الواجب عليه عندئذ الصلاة في الطائرة في المكان المناسب على حسب حاله.
المسألة الخامسة :إذا كان أمام الـمصلي امرأة فما الحكم؟
نقول: المرأة لها حالتان في هذه المسألة:
الأولى: أن تمر بين يدي المصلي فهل تبطل، محل خلاف بين أهل العلم والصواب أنها لا تبطل الصلاة وإنـما ينقص أجرها.
الثانية: أن تكون جالسة أي غير مارة بين يديه وإنما جالسة على الكرسي الذي أمامه فهنا لا بأس بذلك والصلاة صحيحة.
المسألة السادسة :
في مسافة القصر والجمع داخل الـمطارات للمسافر والعائد:
هذه المسألة لها حالتان:
الأولى: أن تكون المطارات داخل المدينة كمطار الرياض القديم ومطار المدينة النبوية فهنا يجب على قاصد السفر إذا كان من نفس البلد إتمام الصلاة لكونه لم يخرج من بلده.
الثانية: أن تكون المطارات خارج المدينة كمطار الملك خالد الدولي بالرياض ومطار القصيم مثلاً فهنا للمسافر القصر والجمع لأنه باشر السفر حتى ولو كان من نفس البلد.
المسألة السابعة :
في اقتداء الـمقيم بالـمسافر والعكس:
إذا كان الإمام مسافراً والمأموم مقيماً فهنا يجب في حقه الإتمام.
أما إذا كان الإمام مقيماً والمسافر مؤتماً أتم المسافر.
لقولـه (ص) (إنما جعل الإمام ليؤتم به) رواه البخاري ومسلم.
ولأن ابن عباس حينما سُئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام أربعاً فقال تلك هي السُنة. رواه أحمد وصححه الألباني أما إذا ائتم بمن يشك فيه هل هو مسافر أم مقيم فهنا إن كان الإمام بعلامة ظاهرة تدل على كونه مقيماً صلى أربعاً.
مثال ذلك: رأى الإمام كونه شرطياً مثلاً فالغالب أنه مقيم فهنا ينوي الصلاة أربعاً وإن كان يبدو عليه علامة السفر كأن يكون معه حقيبة مثلاً فهنا ينويها اثنتين.أما إن شك ولم يتبين لـه فإنه ينوي أربعاً لأن من شرط القصر أن ينويه بنية جازمة لا مع التردد.
المسألة الثامنة :
في حكم الصيام في السفر:
جاءت نصوص الكتاب والسُنة في إباحة الفطر للمسافر ووجوب القضاء بقدر الأيام التي أفطرها ولكن هل الأفضل الصيام أو الفطر في السفر وإذا غلب على ظنه أن سفره بالطائرة ليس فيه مشقة فما هو الأفضل في حقه نقول: (الأفضل للمسافر فعل الأسهل عليه من الصيام أو الفطر فإن تساويا فالصوم أفضل لأنه أسرع في إبراء ذمته وأنشط له إذا صام مع الناس ويدرك فضيلة الزمن وكذلك إذا غلب على ظنه أن سفره بالطائرة ليس فيه مشقة عليه فالأولى في حقه الصيام لما ذكرناه أما كون البعض يلزمون الناس بالصيام إذا سافروا بالطائرة لأن علة جواز الفطر منعدمة فهذا غير صحيح لأن العلة هنا هي السفر فما دام كونه مسافراً فيباح له الفطر.
المسألة التاسعة راكب الطائرة متى يفطر؟
الصائم إذا كان في الطائرة واطلع بواسطة الساعة وبالتليفون على إفطار البلد القريب منه فهل لـه الإفطار؟ علماً بأنه يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة أم لا؟ ثم كيف الحكم إذا أفطر بالبلد ثم أقلعت به الطائرة فرأى الشمس؟
إذا كان الصائم في الطائرة واطلع بواسطة الساعة والتليفون على افطار البلد القريبة منه وهو يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة فليس لـه أن يفطر لأن الله تعالى قال: ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وهذه الغاية لم تتحقق في حقه ما دام يرى الشمس.
أما إذا أفطر بالبلد بعد انتهاء السفر في حقه فاقلعت الطائرة ثم رأى الشمس فإنه يستمر مفطراً لأن حكمه حكم البلد التي أقلع منها وقد انتهى النهار وهو فيها.
ما هو وقت الإفطار في رمضان أثناء الطيران؟ إذا كان الشخص بالطائرة في نهار رمضان وهو صائم ويريد الاستمرار بصيامه إلى الليل فإنه لا يجوز أن يفطر إلا عند غروب الشمس بالنسبة للركاب.
المسألة العاشرة :
في الإحرام بالطائرة
من أراد الحج والعمرة بالطائرة فالمشروع في حقه الاغتسال والتطيب ولبس ملابس الإحرام في الطائرة إذا لم يكن في ذلك مشقة عليه أما إذا كان فيه مشقة فله أن يغتسل في بيته ويلبس الإزار والرداء إن شاء حتى إذا بقي على الميقات شيء قليل أحرم بما يريد من حج أو عمرة وليس في ذلك مشقة وإذا كان لا يعرف الميقات فالواجب عليه أن يسأل قائد الطائرة أو أحد مساعديه أو المضيفين الـمهم أنه يسأل، أما التساهل الذي نراه ونسمع عنه من بعض المسافرين من عدم عقد نية الإحرام وتأخيرها عن الميقات المحدد لهم فهذا كله لا يجوز فالذي ينبغي عليهم كما ذكرنا الاستعداد للإحرام من بلدهم ولبس ثياب الإحرام قبل صعود الطائرة أو بعده مباشرة ثم يأتي بالنية قبل الميقات لأن هذا هو الأحوط في حقهم هذا عند عدم المعرفة بالميقات أما إذا كان معروفاً لديهم أو ينبه إليه من قبل قائد الطائرة فإن المشروع في حقه نية الإحرام عند محاذاة الميقات كما ذكرنا ذلك.
ومن يراجع الفتاوى يجد أن الفتاوى تناست التالى:
أولا :
بطلان الصلاة بسبب عدم الاتجاه للقبلة لقوله تعالى "وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره"
فهنا لم يستثن مكان من وجوب الاتجاه للقبلة برا وبحرا والحالة الوحيدة التى يجوز فيها الاتجاه لغير القبلة هى الجهل باتجاهها وهى غير متوفرة فى تلك الأسئلة لأن فى وسائل النقل الحديثة وسائل لتحديد الاتجاه
ثانيا تغيير حركات الجسم فى الصلاة جائز فى حالة واحدة وهى الخوف من أذى العدو ويكون هذا فى الحرب كما قال تعالى :
"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون" وقال :
"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم"
ومن ثم فالسفر الوحيد الذى تغير فيه حركات الجسم فى الصلاة هو السفر لبلاد العدو المحارب للقتال والسفر الذى تتحدث عنه الفتاوى كله سفر آمن للعمل أو لزيارة الأقارب والأصحاب أو لقضاء المصالح
ثالثا: لم تفرق الفتاوى بين الركوبات فهناك نوعين :
-الركوبات التى يمكن إيقافها كالحيوانات والسيارات والنزول منها دقائق للصلاة
- الركوبات التى لا يمكن إيقافها كالطائرات والقطارات لأن فى إيقافها أذى كبير كتصادم القطارات لأن كل لكل واحد وقت محدد كى لا يلتقى بالأخر وحاجة لأماكن غالبا غير موجودة كالممرات التى تقلع منها الطائرات وتنزل عليها فحكم التى يمكن إيقافها هو وجوب إيقافها لصلاة الفرض والتى لا يمكن إيقافها لا توقف وخبراء الطيران والملاحة البحرية يعرفون أنه يمكن إيقاف الطائرة فى الجو وكذلك السفينة فى البحر إلا فى حالة الجو العاصف
ومعظم أسفار الناس حاليا ليست سفرا وإنما هى انتقالات قصيرة لا يمكن تسميتها سفراكما يجب أن نفرق بين السفينة فى البحر حيث يوجد اتجاه للقبلة يمكن الاتجاه له حال توقف السفينة فى البحر وفى حالة السفر بالسفينة لأيام فيجب على قائد السفينة أن يوقفها لمدة قليلة بحيث يقدر من عليها على الصلاة ثم يسيرها
وأما فى حالة الطائرة فالصلاة للقبلة غير ممكنة على الإطلاق سواء توقفت الطائرة أو لم تتوقف إلا فى حالة توقف الطائرة فوق الكعبة وتلك الصلاة سوف تكون من وضع الاستلقاء على البطن فهى الطريقة الوحيدة للنظر إلى أسفل حيث الكعبة وحتى فى تلك الحالة لن يتمكن المصلى من الاتجاه للقبلة لأنه يجب ان يكون اتجاه نظر وجهه بزاوية محددة تختلف من مكان لأخر وهذا يستوجب خرق أرضية الطائرة كى يتمكن المصلى من وضع نظر الوجه فى اتجاه محدد .
فى معظم الحالات هناك طريقة لأداء الصلاة قبل الانتقال أو بعده فلو أن البعض استيقظ مبكرا لصلى كما يجب قبل السفر والكثيرون حاليا لا يقومون إلا على رنين الأجراس أو رنين المحمولات ليلبسوا ملابسهم ويتوجهوا للعمل بعد قضاء الحاجة ولا يأكلون ولا يشربون لأنهم اعتادوا على الصحو قبل النزول للسفر بدقائق لا تزيد عن ربع ساعة
ومعظم من يواجهون مشكلة الصلاة يعملون فى شركات خاصة تستنزف قواهم طوال الوقت ولكن يمكنهم الصلاة أثناء فترة الاستراحة لتناول الغذاء ويمكنهم الصلاة بحجة دخول دورة المياه
وكل هذه الأحوال التى نحكى عنها هى أوضاع بلاد غير محكومة بشرع الله فهذه الأمور لا توجد فى دولة المسلمين لأن هناك وقت محدد للصلاة وسط وقت العمل يتم فيه إيقاف العمل فترة ما عدا بعض الأعمال كأعمال مراقبة الحدود للمجاهدين وأعمال النجدة كإسعاف المصابين
وأما السفر بالمراكب أو بالطائرات فهو عمل منظم داخل الدولة المسلمة بحيث لا توجد رحلة تستغرق وقت صلاة كاملة كما أن كل موظف أو عامل يعمل غالبا فى البلدة التى يقيم بها فالسفر هو للضرورة فقط كسفر المجاهدين لمناطق الحدود والقواعد العسكرية أو السفر للحج
ومن ثم فى حالة وجود الدولة المسلمة لن توجد تلك الأسئلة التى نتجت من عدم وجود دولة للمسلمين تطبق أحكام الله لأننا نعيش حاليا فى مجتمعات جاهلية تطبق بعض الشرع وتكفر بالبعض الأخر حتى وإن أعلنت أن دينها الإسلام وشريعة الله مصدر الأحكام
وبقى حكم أخر فى صلاة السفر وهو :
قصر الصلاة الذى يعنى إلغاء الصلاة بسبب الخوف من تعذيب العدو أو قتله للمسلم لأنها لو كانت بما فهمه البعض من كونها تقصير الصلاة إلى النصف لدلت العدو على كون الشخص مسلم ومن ثم يعذبونه أو يقتلونه وهو قوله تعالى:
"وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا"
فمعنى تقصروا عن الصلاة أى تمتنعوا عن أداء الصلاة
وأما الصوم فى السفر فمحرم لقوله تعالى " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" وهو ما جاء فى القول المأثور " ليس من البر الصيام فى السفر" والسفر المراد بها الانتقال طيلة النهار وليس مجرد عدة ساعات
كما أن الصوم على ميقات بلد والفطر على ميقات بلد أخر فى نفس النهار معضلة خاصة إذا كان النهار فى المكان الأول طويل وفى بلد الوصول قصير