نقد كتاب اختصار مفاكهة ذوي النبل والإجادة في شروط البيعة ونواقضها في الإسلام
الكتاب تأليف عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني المتوفى عام 1382 هـ وهو يدور حول ما يسمونه البيعة والتى يسمونها الآن الانتخاب أو تعيين الحاكم وفى مقدمته قال الكتانى:
"أما بعد؛ حيث علم الناس أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات والمناكحات، والجهاد والحدود، وإظهار شعائر الدين في الأعياد والجمعات والجماعات إنما هي مصالح عائدة إلى الخلق معاشا ومعادا، وذلك لا يتم إلا بإمام يكون من قبل الشارع، يرجعون إليه فيما يعن إليهم؛ فإنهم - مع اختلاف الأهواء وتشتت الآراء وما بينهم من الشحناء؛ قلما ينقاد بعضهم لبعض، فيفضي ذلك إلى التنازع والتواثب؛ فأردنا - بحول الله - أن نتنزل إلى الكلام بلسان الفقه والسياسة، والرشاقة التي اتخذها كل متكلم أساسه"
والخطأ فى المقدمة هو أن الإمام يكون من قبل الشارع وهى عبارة قد تفهم على معنيين وهى الأول وجوب اختيار المسلمين لأحدعن رئيسا لهم وهو الصحيح والثانى أن الله من يعين الحاكم بالنص وهو ما يخالف قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم"
وقد تناول الكتانى شروط الإمامة فقال:
"شروط الإمامة:
اعلم - أولا - أن الأمور التي إذا حصلها الرجل جازت توليته شرعا، وتعينت مبايعته طبعا؛ كثيرة، لكن المتفق على اشتراطها في الملك - كما قال الآمدي، ونقله الأبي في شرح مسلم - ثمانية:
الأول: أن يكون مجتهدا في الأحكام الشرعية؛ ليستقل بالفتوى وإثبات الأحكام
الثاني: أن يكون بصيرا بأمور الحرب، وتدبير الجيوش، وسد الثغور؛ إذ بذلك يتم حفظ بيضة الإسلام ولهذا؛ لما انهزم المسلمون كلهم؛ ثبت صلى الله عليه وسلم، وقال مرتجزا:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
الثالث: أن يكون له من قوة النفس ما لا تهوله إقامة الحدود، وضرب الرقاب، وإنصاف المظلوم من الظالم
الرابع: أن يكون عدلا ثقة ورعا، حتى يوثق بما يصدر عنه، ولأنه أحفظ لبيت المال وصرفه في مصارفه
الخامس: أن يكون بالغا
السادس: أن يكون ذكرا
السابع: أن يكون حرا؛ لشغل العبد بحقوق سيده، ولاحتقار الناس له، والأنفة من الدخول تحت حكمه
الثامن: أن يكون نافذ الحكم مطاعا، قادرا على من خرج عن طاعته"
الشروط الثمانية لخصها الله فى أمرين وهما صحة الجسم وهو القدرة على التحرك وسعة العلم كما قال تعالى فى اختيار طالوت ملكا " وزاده بصطة فى العلم والجسم"
فالشجاعة والعدل والاجتهاد كلها أمور يجب أن تتوافر فى كل مسلم وإلا كان كافرا من فقد صفة من هؤلاء فقد كفر ومن ثم فهى شروط موجودة فى كل المسلمين ولكن الله اشترط أن يكون الحاكم مجاهدا أى مقاتلا فى قوله تعالى :
" لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا"
وأما حكاية نفاذ حكمه وقدرته على من عصاه فهو خبل وجنون فالمفروض فى المسلمين أن يطيعوا حكم الله ولا يعصوا حكم الله فالحاكم أى الإمام لابد أن يكون مطيعا لله حتى يطيعه المسلمون فى طاعة الله
ثم ذكر الكتانى شروط الإمامة المختلف فيها فقال:
"قال الآمدي: "وأما الشروط المختلف فيها؛ فهي ستة: الأول: القرشية الثاني: أن يكون هاشميا الثالث: أن يكون عالما بجميع مسائل الدين الرابع: أن يكون أفضل الموجودين الخامس: أن يكون صاحب خوارق؛ عالما بجميع اللغات السادس: العصمة؛ وهو أضعفها"
والشروط المختلف فيها بعضها شروط مخالففة لحكام الله فالقريشية والهاشمية تتناقض مع قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم" فالشورى لكل المسلمين دون تحديد ومن يختارونه بلا تحديد
وأما العلم فواجب لقوله تعالى " وزاده بصطة فى العلم" وواجب لأن كتاب الله موجود فيه تفسير كل شىء " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وأما كونه صاحب خوارق أى معجزات فيتنافى مع منع الله للآيات وهى المعجزات من عصر النبى(ص) حيث قالك
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
وأما العصمة فلا يوجد أحد معصوم من الخطأ فكل ابن آدم خطاء وحتى الرسل(ص) ارتكبوا ذنوبا مختلفة ومنهم النبى الأخير(ص) الذى قال الله "واستغفر لذنبك"
ثم شرح الكتابى الشروط وبين ما يبطلها فقال:
"فهذا مجموع ما شرطه الناس قديما وحديثا في الملك المبايع ابتداء، وقد اختلف فيما بعد لثمانية؛ فمن مشترطها - أيضا -ومن لا يشترط إلا الثمانية المسطورة؛ وعليها وقع الاتفاق
شرح الشروط وبيان نواقضها
1- أما الشرط الأول - وهو الاجتهاد: فنحن لا نشترطه، ولكن نشترط بدلا عنه مطلق العلم؛ إذ به صلاح الأحوال وقيام الأمور، وسير الزمان، فإن أكثر الناس حاجة للتفقه؛ أكثرهم عيالا وأتباعا، وحشما وأصحابا، والخلق مستمدون من السلطان ما له من الخلائق السنية، والطرائق العلية، مفتقرون إليه في الأحكام، وقطع التشاجر وفصل الخصام
فهو أحوج خلق الله إلى معرفة العلوم، وشخص بلا علم كبلد بلا أهل، ومن أحوج الناس إلى مجالسة العلماء وصحبة الفقهاء، ودراسة كتب العلم والحكم، ومطالعة دواوين العلماء ومجاميع الفقهاء من السلطان؛ لما أنه قد نصب نفسه لممارسة أخلاق الناس، وفصل خصوماتهم، وتعاطي حكوماتهم، وكل ذلك يحتاج إلى علم بارع، ونظر ثاقب، وبصيرة بالعلم قوية، ودراسة طويلة فكيف يكون حاله إذا لم يعد لهذه الأمور عدتها، ولم يقدم لها أهبتها، وقد قال بعض الحكماء: "كل عز لا يوطده علم؛ مذلة، وكل علم لا يؤكده عقل؛ مضلة"
إذا لم يكن مر السنين مترجما
وما تنفع الأعوام حين تعدها
أرى الدهر من سوء التصرف مائلا
عن الفضل في الإنسان سميته طفلا
ولم تستفد فيهن علما ولا عقلا
إلى كل ذي جهل كأن به جهلا"
كلام الكتانى عن وجوب علم الإمام صحيح يتوافق مع قوله تعالى " وزاده بصطة فى العلم"
"2- وأما الشرط الثاني - وهو أن يكون بصيرا بأمور الحرب، وتدريب الجيوش، وسد الثغور"
وهو كلام ليس صحيحا فالشرط هو الاشتراك فى الجهاد واما البصر فهو يستعين بالمجاهدين وكل من له خبرة فى الجهاد لذلك وهو لو طبق أحكام الله فى الجهاد لم يحتج لغيره سوى فى التخطيط فى المعارك وهو أمر لايقوم به لأن من يخطط هم من فى الميدان وهو يشاركهم إن قدر على هذا
"3- وأما الشرط الثالث - وهو أن يكون له من قوة النفس ما لا تهوله إقامة الحدود، وضرب الرقاب، وإنصاف المظلوم من الظالم فإذا كان لا يطبق الحدود الشرعية؛ فأي فائدة لنصبه ؟!، فإنما ينصب السلطان لأجل ذلك وشبههومن وصية أردشير لابنه: "إن الملك والدين أخوان، لا غنى لأحدهما عن الآخر، فالدين أس، والملك حارس وما لم يكن له أس؛ فهو مهدوم وما لم يكن له حارس؛ فضائع ! يابني؛ اجعل حديثك مع أهل المراتب، وعطيتك لأهل الجهاد، وبشرك لأهل الدين، وسرك لمن عناه ما عناك، ولتكن من أهل العقل، وكان يقال: الدين والسلطان توأمان"
حكاية أن للإمام سلطة أو سلطان هو كلام باطل فالسلطة هى لكل المؤمنين معا الذى ينفذون أحكام الله فالسلطة ليست سوى أحكام الدين التى ينفذها كل واحد ووظيفته هى ان ينفذ الأحكام إن امتنع أحد عن تنفيذها بالاشتراك مع بقية المسلمين كما قال تعالى " قإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتىتفىء إلى أمر الله"
"4- وأما الشرط الرابع - وهو أن يكون عدلا ثقة ورعا؛ حتى يوثق بما يصدر عنه، ولأنه أحفظ لبيت المال وصرفه في مصارفه
فهذه مهمات الملك وأعظم شاراته؛ وهي: المالية، والعسكرية، والخارجية ومن شأن السلطان: أن تكون المخابرات في مهمات مشاكل هذه الإدارات الثلاث بيد وزير هو يبلغها آذان السلطان، وهو يمضيها بفكره"
ومقولة كون الإمام عادل هى مقولة لا تقال فى المجتمع المسلم لأن كل المسلمين لابد أن يكونوا عادلين وإلا كانوا كفرة ومن ثم فهذه حتمية وليس شقة لواحد منهم
وتحدث الكتانى عن خلع الحاكم فقال:
"خلع الحاكم:
على أن القائم على من تظاهر بالكفر لا يسمى ثائرا ولا مغتصبا في شرعنا المحمدي، بل يعد مجددا للدين، ويجب على المسلمين نصره وإعانته كما وقع والحمد لله، بل فهم جماعة من السلف أن النهي عن منازعة الأمر أهله خاص بأهل العدل لا غيرهم؛ ولذلك قام سيدنا الحسين وغيره على اليزيد، وقامت جماعة عظيمة من الصدر الأول على الحجاج لسوء فعله؛ فلم يعدهم أحد من الثوار قط
السبب الشرعي الموجب للخلع هو: ضعفه عن القيام بالمملكة من كل جهة، وعدم انتظام أمور المسلمين مع وجوده، ومن يكون كذلك؛ كيف يؤهل لمنصب الخلافة السامي، أو يكون سلطانا شرعيا؟!! معاذ الله أن يطلق عليه ذلك إلا هالك متهالك
ومهما وصل الحال في عصر إلى مثل هذا؛ إلا وجب على الكل إقامة من ينظر في مصالح المسلمين من غير تراخ
وها أنا أنقل نصوص أيمة الإسلام، وعلماء الحديث والكلام، الشاهدة بذلك، المصرحة بما سلكته هنالك؛ فأقول:
لما نفرت قلوب الرعية من السلطان مولانا سليمان بن سيدي محمد بن عبد الله - قدس الله أرواحهم - واختل نظام الجند في وقته؛ كتب رجال ذلك العصر شهادة عدلية ملخصها أنهم: يشهدون أن الناس بقوا فوضى، تتوارد عليهم الأحوال التى لا ترضى، من قطع الطريق، ونهب البضاعات، وسفك النفوس، وانهدام القواعد والأسوس، وأن هذا الأمر عم المغرب رسمه وحده، من مراكش إلى وجدة، حتى وصل إلى فاس
وعقب بسؤال علماء ذلك العصر: "هل يجوز مع وجود ذلك نصب إمام آخر يقيم لهم أودهم، وينصر عددهم، ويدفع بسبب عدله هذه الفتن التي أظلم يومها وعم تشويشها؟"
فأول من أجاب: مفتي القطر الفاسي؛ بل المغرب: أبو عبد الله محمد ابن إبراهيم الدكالي، وكتب ما نصه: "إن ما شهد به الشهود بالرسم حيث أشير؛ يوجب على المسلمين نصب إمام آخر إذ مما يشترط في الإمام دواما وابتداء - كما لغير واحد من الأيمة؛ حتى الشيخ السنوسي في شرح القصيدة - كونه قادرا على تنفيذ الأحكام، وانتصار المظلوم من الظالم، وتجهيز الجيوش، والذب عن بيضة الإسلام؛ إذ ذاك هو المقصود، والحكمة في نصب الإمام فإذا تعذر؛ وجب على الأمة نصب غيره ممن يقدر على القيام بأمور المسلمين، وتدبير مصالحهم العامة"
وتلاه شيخ الفقهاء، ومرجع الإفتاء؛ أبو محمد عبد السلام بن يوزيد الأزمي، وكتبا - أيضا - ما نصه: "إن ما ثبت أعلاه يبيح للمسلمين إقامة إمام يقوم بمصالحهم، ويدفعون به يد الظالم عن المظلوم، وتنحل به بيعة الأيمة قال في "المواقف" مانصه: وللأمة خلع الإمام وعزله لسبب يوجبه؛ مثل: أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين، وانتكاس أمور الدين، كما لهم نصبه وإقامته لإعلائهاهـوفي "شرح المقاصد": من الأسباب المتفق على حل عقد الإمامة بها: ما يزول به مقصود الإمامةولا خفاء أن ما قيد في الشهادة أعلاه صريح في ذلكقال في "الاستذكار" شرح قوله صلى الله عليه وسلم: وأن لا ننازع الأمر أهله: هم أهل العدل والإحسان، والفضل والدين مع القدرة على القيام بذلك"هـ
وتلاه العلامة الأديب أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد الكريم اليازغي، وكتب ما نصه: "المسطور أعلاه، طالع على التحقيق مبناه، وكيف لا؛ وهو من القضايا المشهورة الملحقات بالضروريات، والنقول واردة على نسجه ؟! قال الطيبي في حديث: ألا وكلكم راع مسؤول عن رعيته: إشارة إلى أن المقصود من الإمام الأعظم: الحياطة والذب وحيث انتفى ذلك في الأول بشهادة الأخبار المتواترة، والفتن المتكاثرة؛ فلا تخرج الناس عن دائرة الآثام إلا بخلعه، ونصب إمام آخر للإسلام وهبه بقطر آخر نافذ الأمر، محكما في زيد وعمرو؛ فإن ذلك لا يجدي، وليس إلى كلام أحد يهدي، لقصور فائدته على قطره وأبناء مصره" هـ
وقد أفتى بنحو ذلك من عاصرهم من أيمة ذلك الوقت وأعلامه؛ مثل: الشيخ عبد الملك بن عبد الكبير المريي الحسني، وسيدي أبي بكر بن إدريس بن عبد الرحمن المنجرة، وسيدي العربي بن الهاشمي الزرهوني، وقاضي مكناس سيدي العباس ابن كيران، وقاضي فاس سيدي علي التسولي، وخال جدي سيدي محمد بن حمدون ابن الحاج، وسيدي علي بن الصديق التوراني، وسيدي أحمد بن محمد المرنيسي، وسيدي محمد ين أحمد السنوسي، وسيدي محمد بن الطاهر العلوي، وسيدي العباس بن أحمد بن التاودي ابن سودة، وسيدي محمد بن الطالب ابن سودة، وسيدي عبد الواحد بن أحمد ابن سودة، وسيدي أبي بكر بن زيان الإدريسي"
مما سبق نجد الكتانى هو ومن نقل عنهم على الطريق الصحيح وهو وجوب خلع الحاكم الذى ينتج من حكمه الظلم أيا كان وهذا الكلام يخالف فتاوى الجمهور ممن يرون عدم خلع الحاكم بسبب شيوع الظلم واختلال أحوال المسلمين
وبين الكتانى بعض موجبات خلع الإمام فقال:
"من موجبات الخلع: الاستعانة بغير المسلمين على المسلمين
هذا عندنا - معشر المسلمين - من أعظم المحذورات؛ فإن تمكين بلاد المسلمين من النصارى لا يجوز شرعا ولا عادة، والحكم في فاعله أنه: مرتد عن الإسلام لا تقبل منه طاعة
ومن فتوى للإمام الحافظ أبي العباس المقري ما نصه: "ويرحم الله علماء الأندلس أواخر المائة الخامسة؛ حيث أفتوا بخلع المعتمد ابن عباد حيث أعطى بعض المعاقل للكفار أهل الزيغ والعناد، بل أفتى جمهورهم بقتله والإراحة منه، فهو من أعظم المهمات، ولعل ابن تاشفين أخذ بفتوى الأقل بصون دمه،؛ فخلعه ونقله إلى أغمات" هـ
وفي مسائل الأقضية والشهادات من نوازل البرزلي في الورقة الخامسة، عقب كلام ابن عبد الغفور عن بعض المتأخرين في تقسيم الأيمة إلى ضروب ما نصه: "قلت: ولم يتكلم في الفئة التي وقعت استعانتها بالعدو؛ وأحفظ أني رأيت لابن الصيرفي في دولة لمتونة من صنهاجة أن المعتمد ابن عباد استعان بهم في حرب المرابطين؛ فنصرهم الله عليه، وهرب هو، ثم نزل على حكم يوسف ابن تاشفين - أمير صنهاجة - فاستفتى فيه الفقهاء، فأكثرهم أفتى أنها ردة، وقاضيه مع بقية الفقهاء لم يروها ردة، ولم يبيحوا دمه؛ فأمضى ذلك من فتواهم، وأخذ بالأسر ونقله إلى غمات"
من موجبات الخلع: تبديل معالم الشرع:
ومن ذلك: تبديل المولى المذكور قاعدة من قواعد الدين الخمسة؛ وهي: الزكاة، بالترتيب، مع إجماع الأمة على كفر من غير شيئا من معالم الشرع، وهذا قدر مفروغ منه، نص عليه القاضي عياض في "الشفا" وغيرهبحيث نعده - معاشر المسلمين - من الضروريات
ولو فرضنا أن الترتيب (الضرائب) لا يتضمن إسقاط الزكاة الشرعية؛ فهو في نفسه لا يلزم أحدا من الرعية !
ومن جواب للقاضي أبي عمر ابن منظور ذكره صاحب "المعيار" في نوازل المعاوضات ما نصه: "الأصل: أن لا يطالب المسلون بمغارم غير واجبة بالشرع؛ وإنما يطالبون بالزكاة وما أوجبه القرآن والسنة؛ كالفيء والركاز، وإرث من يرثه بيت المال، وكذا ما أمكن به حماية الوطن، وما يحتاج إليه من جند ومصالح المسلمين، وسد ثلم الإسلامفإن عجز بيت المال عن أرزاق الجند وما يحتاج إليه من آلة وحرب وعدة؛ فيوزع على الناس ما يحتاج إليه من ذلك لكن؛ لا يجوز هذا إلا بشروط:
الأول: أن تتعين الحاجة فلو كان في بيت المال ما يقوم به؛ لم يجز أن يفرض عليهم شيء، لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس على مسلم جزية وقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة صاحب مكس (ضريبة) وهذا يرجع إلى إغرام الأموال ظلما
الثاني:أن يتصرف فيه بالعدل، ولا يجوز أن يستأثر به غير المسلمين، ولا ينفقه في سرف، ولا أن يعطيه من لا يستحق، ولا يعطي أحدا أكثر مما يستحق
الثالث: أن يصرفه مصرفه بحسب الحاجة والمصلحة، لا بحسب الغرض
الرابع: أن يكون الغرم على من كان قادرا من غير ضرر ولا إجحاف ومن لا شيء له أو له شيء قليل؛ فلا يغرم شيئا
الخامس: أن يتفقد هذا في كل وقت فربما جاء وقت لا يفتقر فيه لزيادة على ما في بيت المال فلا يوزع، وكما يتعين التوزيع في الأموال؛ كذلك إذا تعينت الضرورة للمعونة بالأبدان ولم يكف المال؛ فإن الناس يجبرون على التعاون على الأمر الداعي للمعونة، بشرط: القدرة، وتعين المصلحة، والافتقار إلى ذلك" انتهى بنصه ملخصا
وإنه ليعجبني أن أذكر هنا جواب القاضي أبي عبد الله ابن البراء الأندلسي ليعقوب بن تاشفين حين طلب من أهل مملكته الإعانة، وأفتاه جماعة بجواز طلب ذلك من الرعية اقتداء بسيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهذا نصه: "أما بعد؛ ما ذكره أمير المسلمين من اقتضاء المعونة، وأن أبا الوليد الباجي وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة والأندلس أفتوا بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اقتضاها وكان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعه في قبره ولا شك في عدله"فليس أمير المؤمنين ممن لا يشك في عدله؛ فإن كان الفقهاء والقضاة أنزلوك في منزلته في العدل؛ فالله سائلهم عما تقلدوه فيك، وما اقتضاها عمر حتى حلف في المسجد أن ليس عنده درهم واحد من بيت مال المسلمين؛ فلتدخل أنت المسجد الجامع وتحلف بحضرة أهل العلم وحينئذ تستوجب ذلك!" وقد قال الزرقاني على قول المختصر: "ودفعت - أي: الزكاة - للإمام العدل"، ما نصه: "ولا يجوز الإفتاء بأن العدل يأخذ الزكاة حيث شك في عدالته، كما يفيده كلام الأبياري؛ فإنه أفتى حين طلب الإمام من الرعية المعونة أنه: لا سبيل له إلى ذلك؛ لأن عدالته مشكوك فيها، والمفتون بأن عمر قد اقتضاها يبعثون في قبورهم إلى النار بلا زبانية أي: إنه لم يصل به أحد في العدالة، ولإيهام كون المشكوك في عدالته عدلا"هـ
وفي "نزهة الحادي" لما ترجم لسيدي محمد العياشي، بعد أن ذكر أن بعض القبائل دسوا للنصارى أيام محاربتهم له بأن محلته ليس فيها إقامة؛ قال ما نصه: "فأقام عليهم الحجة، وشاور العلماء في قتالهم؛ فأفتى سيدي العربي الفاسي بجواز مقاتلتهم لأنهم حادوا الله ورسوله، ووالوا الكفار ونصحوهم، ولأنهم تصرفوا في مال المسلمين ومنعوهم من الراتب، وقطعوا البيع والشراء عن الناس وخصوا به أنفسهم، وصادقوا النصارى وأمدوهم بالطعام والسلاح"
"وكان الإمام سيدي عبد الواحد ابن عاشر - رحمه الله - لم يجب عن ذلك إلى أن رآى بعينه - حيث قدم لسلا الأندلس - يحملون الطعام للكفار، ويعلمونهم بغرة المسلمين؛ فأفتى بجواز مقاتلتهم، وحكم في رقابهم السيف أياما إلى أن أخمد بدعتهم، ورجع بهم إلى الكلمة" انتهى منها
وقد سئل الإمام سيدي محمد بن عبد القادر الفاسي عن بيان الحكم في طوائف من بني عامر الذين أووا إلى النصارى ودخلوا في ذمتهم من غير اضطرار؛ هل تكون أموالهم فيئا على المسلمين أو غنائم تخمس كأموال المشركين؟
فأجاب: "إن فتاوي علماء المغرب من أهل القرن التاسع فما بعده قد تكررت في مثل النازلة؛ فليكن عليها الاعتماد، لأنهم قدوتنا في ديننا، وهم أعلم بمأخذ كتاب ربنا وسنة نبينا"
"فمنها: جواب الإمام مفتي الإسلام أبي مهدي عيسى الماواسي؛ وقد سئل عن أناس سكنوا بأوطانهم على ذمة العدو الكافر - دمره الله - مع أنه يتأتى لهم الانتقال من تلك الأوطان، وحالهم معهم على أقسام:
1 قسم يغرم لهم ولا يتردد إليهم
2 وقسم يتردد إليهم للتجارة لا غيرها
3 وقسم يتردد إليهم ويعلمهم بأخبار المسلمين
4 وقسم يركب معهم للاصطياد، ويقول لهم: أطال الله هذه المدة!"
"فأجاب: أما قيام المسلمين اختيارا تحت إيالة الكفر؛ فحرام!، إذ لا يحل لمسلم أن يعقد الصلح مع الكافر على أن يغرم له، باتفاق مذهب مالك، فمن فعل ذلك؛ لا تجوز شهادته ولا إمامته
وأما القسم الثاني: فهو أسوأ حالا وأقبح
وأما الثالث؛ وهو من يعلمهم بأخبار المسلمين: فهذا أقبح الفرق الثلاثة، وأشبه حالا بالجاسوس الدال على عورات المسلمين
وأما القسم الرابع؛ وهو المتردد إليهم، ويعرفهم بالطرق الموصلة إلى استيتار المسلمين: فهذا بيس الفريق، وهو أقرب للكفر من الإيمان، لأن المحب للكافر والداعي بالعزة له والاستطالة على المسلمين؛ من علامة الكفر"انتهى ملخصا
من موجبات الخلع: خذلان المجاهدين في أهلهم وأموالهم وأنفسهم
وقد سأل السلطان المعظم سيدي محمد بن عبد الله العلوي علماء عصره أيام حصره على ثغر مليلية سنة ثمان وثمانين ومائة وألف، عما ظهر من بعض الترك من أن بعض المسلمين ممن شملتهم ولايتهم حضروا حصار امليلية، فلما رجعوا إليهم؛ أباحوا دماءهم، وروعوا أولياءهم، وتعاقدوا على أن يكون هذا جزاؤهم؟
فأجاب هلال المغرب أبو عبد الله التاودي ابن سودة بما نصه: "لا شك أن فعل ما ذكر من القتل والتنكيل بمن آوى إلى الله من المسلمين، وانحاز إلى طائفة المجاهدين؛ لا ينبغي أن يعد فاعله من أهل الدين، ولا أن يدخل في جملة المومنين؛ لما اقتضاه فعله هذا من رقة الديانة، وضعف الأمانة، وإهانته ما عظم الله قدره، ورفع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره"
"وجزاؤه هو: أن يوخذ فيقتل بعد أن يطاف به جزاء للسيئة بمثلها، وقصاصا من نفسه الخبيثة بسوء فعلها، ثم يرد إلى ربه، وهو أعلم بقصده ونيته، فإن كان قتله لمن جاهد نصرة لأعداء الله وحمية لهم، ومحبة في دينهم؛ فهذا خلع من عنقه ربقة الإسلام، واستحق بأن يلحق بمن عبد الأوثان والأصنام، ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا (، وفي صحيح مسلم: حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم؛ إلا وقف يوم القيامة فيأخذ من عمله ماشاء!هـ، فما بالك بمن يخونه في نفسه؟!، وفضل الجهاد وعظم موقعه من المعلوم ضرورة عند كل المسلمين" انتهى جوابه ملخصا
وأجاب الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن بناني أيضا بقوله: "إن الذي يفعل ذلك بالمسلمين لا شك في فسقه وظلمه وجوره، وأنه من أهل العظائم في الدين، وذوي الكبائر من المفسدين، يجب على كل من قدر عليه وتمكن أن يكف أذاه عن المسلمين"
"فإن قلت: هل على هؤلاء المومنين المقتولين درك حيث توجهوا للجهاد بغير إذن واليهم؟"
"قلت: لا درك عليهم في ذلك؛ حيث كان من ولاة الجور! قال ابن وهب: إن كان الإمام عدلا؛ لم يجز لأحد أن يبارز العدو أو يقاتله إلا بإذنه، وإن كان غير عدل؛ لم يلزم استيذانه في مبارزة ولا قتل" انتهى ملخصا
وأجاب سيدي علي بن هاشم العراقي بما نصه: "إن قتل النفر الذين توجهوا إلى محل الجهاد لتكثير سواد المسلمين، والإعانة في قتل أعداء الله الكافرين، يعد من فاعله ردة؛ لأنه لا يصدر إلا ممن خلع من عنقه ربقة الدين، وأنه إنما قتلهم من أجل جهادهم، وقد صرح بذلك حيث نادى: هذا جزاؤهم وجزاء من يفعل مثل فعلهم ولا يقتل مومنا مسلما لأجل الجهاد إلا كافر، فهو كمن قتله لأجل إيمانه؛ فقياسه عليه واضح ظاهر"
"وحكمه: أنه يستتاب من فعله الذميم، الذي يقصيه من دار النعيم، ويدنيه إلى دار الجحيم فإن تاب: فيمكن منه أولياء المقتولين؛ ليقتلوه قصاصا، وإن لم يتب: فيقتل حدا لكفره وقد خسر خسرانا مبينا، ويحق عليه قوله تعالى: ( ومن يقتل مومنا متعمدا( الآية، فالسيف يحكم عليه على كل حال، فهذا هو الحق!" هـ
فإذا كانت نصوص شرعنا المقدس تحكم على السلطان بما ذكرنا؛ فكيف يسمى سلطانا بعد، أو تلزم أحدا بيعته أو طاعته؟، لا لا؛ ما أمر الله أن يطاع إلا أولوا الأمر منا في قوله سبحانه: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (، وهو ليس من أولي الأمر ولا منا أخرج مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعنا، فكان فيما أخذ علينا: أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأترة علينا، و لا ننازع الأمر أهله قال: "إلا أن يكون كفر بواحا عندكم من الله فيه برهان"، قوله: بواحا: بالواو والراء، والأول أكثر، وهما بمعنى، يقال: باح بالشيء: إذا ظهر واشتهر، فالمعنى: إلا أن يكون كفرا ظاهرا مشتهرا قاله الأبي في شرح مسلم
ونقل عن القاضي عياض ما نصه: "لا خلاف أنه يجب على المسلمين عزل الإمام إذا فسق بكفر، وكذلك إذا ترك إقامة الصلاة، والدعاء إليها، أو غير شيئا من الشرع" انتهى من الأبي، ونقله ابن الشاط في حاشيته أيضا
وأولوا الأمر في الآية المذكورة: من وجبت طاعته من الأمراء والولاة وهو قول أكثر السلف في الآية، واستدل بعضهم بما جاء من قبل الآية: ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل (
والله المسؤول أن يكفينا ما أهمنا من أمر دنيانا وأخرانا، ويسبل رداء العفو فيما جلبناه على أنفسنا من الأضرار، وخالطناه من الأشرار، والظن أنا لا نعدم - إن شاء الله - أحرار الأفكار، الذين يأخذون لنا الحق ممن لا ينصفنا في هذه الدار وتلك الدار"
هذا الكلام عن موجبات خلع الحاكم معناه صحيح ولو طبق ما هدمت دولة المسلمين ولكن علماء السلطة الذين يفتون بعدم جواز خلع الحاكم مهما كان ظالما ومهما تخلى عن شرع الله بإباحة المحرمات بالقانون هم السبب فيما نحياه فيه من فساد وظلم وخراب بحجج واهية لا أساس لها وهم يدعون اجماع الجمهور على عدم خلع الحاكم بسبب ظلمه وتخايه عن بعض الشريعة مع أن الباحث لو بحث فى كتب القوم لوجد أن الإجماع هو الخلع
الكتاب تأليف عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني المتوفى عام 1382 هـ وهو يدور حول ما يسمونه البيعة والتى يسمونها الآن الانتخاب أو تعيين الحاكم وفى مقدمته قال الكتانى:
"أما بعد؛ حيث علم الناس أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات والمناكحات، والجهاد والحدود، وإظهار شعائر الدين في الأعياد والجمعات والجماعات إنما هي مصالح عائدة إلى الخلق معاشا ومعادا، وذلك لا يتم إلا بإمام يكون من قبل الشارع، يرجعون إليه فيما يعن إليهم؛ فإنهم - مع اختلاف الأهواء وتشتت الآراء وما بينهم من الشحناء؛ قلما ينقاد بعضهم لبعض، فيفضي ذلك إلى التنازع والتواثب؛ فأردنا - بحول الله - أن نتنزل إلى الكلام بلسان الفقه والسياسة، والرشاقة التي اتخذها كل متكلم أساسه"
والخطأ فى المقدمة هو أن الإمام يكون من قبل الشارع وهى عبارة قد تفهم على معنيين وهى الأول وجوب اختيار المسلمين لأحدعن رئيسا لهم وهو الصحيح والثانى أن الله من يعين الحاكم بالنص وهو ما يخالف قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم"
وقد تناول الكتانى شروط الإمامة فقال:
"شروط الإمامة:
اعلم - أولا - أن الأمور التي إذا حصلها الرجل جازت توليته شرعا، وتعينت مبايعته طبعا؛ كثيرة، لكن المتفق على اشتراطها في الملك - كما قال الآمدي، ونقله الأبي في شرح مسلم - ثمانية:
الأول: أن يكون مجتهدا في الأحكام الشرعية؛ ليستقل بالفتوى وإثبات الأحكام
الثاني: أن يكون بصيرا بأمور الحرب، وتدبير الجيوش، وسد الثغور؛ إذ بذلك يتم حفظ بيضة الإسلام ولهذا؛ لما انهزم المسلمون كلهم؛ ثبت صلى الله عليه وسلم، وقال مرتجزا:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
الثالث: أن يكون له من قوة النفس ما لا تهوله إقامة الحدود، وضرب الرقاب، وإنصاف المظلوم من الظالم
الرابع: أن يكون عدلا ثقة ورعا، حتى يوثق بما يصدر عنه، ولأنه أحفظ لبيت المال وصرفه في مصارفه
الخامس: أن يكون بالغا
السادس: أن يكون ذكرا
السابع: أن يكون حرا؛ لشغل العبد بحقوق سيده، ولاحتقار الناس له، والأنفة من الدخول تحت حكمه
الثامن: أن يكون نافذ الحكم مطاعا، قادرا على من خرج عن طاعته"
الشروط الثمانية لخصها الله فى أمرين وهما صحة الجسم وهو القدرة على التحرك وسعة العلم كما قال تعالى فى اختيار طالوت ملكا " وزاده بصطة فى العلم والجسم"
فالشجاعة والعدل والاجتهاد كلها أمور يجب أن تتوافر فى كل مسلم وإلا كان كافرا من فقد صفة من هؤلاء فقد كفر ومن ثم فهى شروط موجودة فى كل المسلمين ولكن الله اشترط أن يكون الحاكم مجاهدا أى مقاتلا فى قوله تعالى :
" لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا"
وأما حكاية نفاذ حكمه وقدرته على من عصاه فهو خبل وجنون فالمفروض فى المسلمين أن يطيعوا حكم الله ولا يعصوا حكم الله فالحاكم أى الإمام لابد أن يكون مطيعا لله حتى يطيعه المسلمون فى طاعة الله
ثم ذكر الكتانى شروط الإمامة المختلف فيها فقال:
"قال الآمدي: "وأما الشروط المختلف فيها؛ فهي ستة: الأول: القرشية الثاني: أن يكون هاشميا الثالث: أن يكون عالما بجميع مسائل الدين الرابع: أن يكون أفضل الموجودين الخامس: أن يكون صاحب خوارق؛ عالما بجميع اللغات السادس: العصمة؛ وهو أضعفها"
والشروط المختلف فيها بعضها شروط مخالففة لحكام الله فالقريشية والهاشمية تتناقض مع قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم" فالشورى لكل المسلمين دون تحديد ومن يختارونه بلا تحديد
وأما العلم فواجب لقوله تعالى " وزاده بصطة فى العلم" وواجب لأن كتاب الله موجود فيه تفسير كل شىء " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وأما كونه صاحب خوارق أى معجزات فيتنافى مع منع الله للآيات وهى المعجزات من عصر النبى(ص) حيث قالك
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
وأما العصمة فلا يوجد أحد معصوم من الخطأ فكل ابن آدم خطاء وحتى الرسل(ص) ارتكبوا ذنوبا مختلفة ومنهم النبى الأخير(ص) الذى قال الله "واستغفر لذنبك"
ثم شرح الكتابى الشروط وبين ما يبطلها فقال:
"فهذا مجموع ما شرطه الناس قديما وحديثا في الملك المبايع ابتداء، وقد اختلف فيما بعد لثمانية؛ فمن مشترطها - أيضا -ومن لا يشترط إلا الثمانية المسطورة؛ وعليها وقع الاتفاق
شرح الشروط وبيان نواقضها
1- أما الشرط الأول - وهو الاجتهاد: فنحن لا نشترطه، ولكن نشترط بدلا عنه مطلق العلم؛ إذ به صلاح الأحوال وقيام الأمور، وسير الزمان، فإن أكثر الناس حاجة للتفقه؛ أكثرهم عيالا وأتباعا، وحشما وأصحابا، والخلق مستمدون من السلطان ما له من الخلائق السنية، والطرائق العلية، مفتقرون إليه في الأحكام، وقطع التشاجر وفصل الخصام
فهو أحوج خلق الله إلى معرفة العلوم، وشخص بلا علم كبلد بلا أهل، ومن أحوج الناس إلى مجالسة العلماء وصحبة الفقهاء، ودراسة كتب العلم والحكم، ومطالعة دواوين العلماء ومجاميع الفقهاء من السلطان؛ لما أنه قد نصب نفسه لممارسة أخلاق الناس، وفصل خصوماتهم، وتعاطي حكوماتهم، وكل ذلك يحتاج إلى علم بارع، ونظر ثاقب، وبصيرة بالعلم قوية، ودراسة طويلة فكيف يكون حاله إذا لم يعد لهذه الأمور عدتها، ولم يقدم لها أهبتها، وقد قال بعض الحكماء: "كل عز لا يوطده علم؛ مذلة، وكل علم لا يؤكده عقل؛ مضلة"
إذا لم يكن مر السنين مترجما
وما تنفع الأعوام حين تعدها
أرى الدهر من سوء التصرف مائلا
عن الفضل في الإنسان سميته طفلا
ولم تستفد فيهن علما ولا عقلا
إلى كل ذي جهل كأن به جهلا"
كلام الكتانى عن وجوب علم الإمام صحيح يتوافق مع قوله تعالى " وزاده بصطة فى العلم"
"2- وأما الشرط الثاني - وهو أن يكون بصيرا بأمور الحرب، وتدريب الجيوش، وسد الثغور"
وهو كلام ليس صحيحا فالشرط هو الاشتراك فى الجهاد واما البصر فهو يستعين بالمجاهدين وكل من له خبرة فى الجهاد لذلك وهو لو طبق أحكام الله فى الجهاد لم يحتج لغيره سوى فى التخطيط فى المعارك وهو أمر لايقوم به لأن من يخطط هم من فى الميدان وهو يشاركهم إن قدر على هذا
"3- وأما الشرط الثالث - وهو أن يكون له من قوة النفس ما لا تهوله إقامة الحدود، وضرب الرقاب، وإنصاف المظلوم من الظالم فإذا كان لا يطبق الحدود الشرعية؛ فأي فائدة لنصبه ؟!، فإنما ينصب السلطان لأجل ذلك وشبههومن وصية أردشير لابنه: "إن الملك والدين أخوان، لا غنى لأحدهما عن الآخر، فالدين أس، والملك حارس وما لم يكن له أس؛ فهو مهدوم وما لم يكن له حارس؛ فضائع ! يابني؛ اجعل حديثك مع أهل المراتب، وعطيتك لأهل الجهاد، وبشرك لأهل الدين، وسرك لمن عناه ما عناك، ولتكن من أهل العقل، وكان يقال: الدين والسلطان توأمان"
حكاية أن للإمام سلطة أو سلطان هو كلام باطل فالسلطة هى لكل المؤمنين معا الذى ينفذون أحكام الله فالسلطة ليست سوى أحكام الدين التى ينفذها كل واحد ووظيفته هى ان ينفذ الأحكام إن امتنع أحد عن تنفيذها بالاشتراك مع بقية المسلمين كما قال تعالى " قإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتىتفىء إلى أمر الله"
"4- وأما الشرط الرابع - وهو أن يكون عدلا ثقة ورعا؛ حتى يوثق بما يصدر عنه، ولأنه أحفظ لبيت المال وصرفه في مصارفه
فهذه مهمات الملك وأعظم شاراته؛ وهي: المالية، والعسكرية، والخارجية ومن شأن السلطان: أن تكون المخابرات في مهمات مشاكل هذه الإدارات الثلاث بيد وزير هو يبلغها آذان السلطان، وهو يمضيها بفكره"
ومقولة كون الإمام عادل هى مقولة لا تقال فى المجتمع المسلم لأن كل المسلمين لابد أن يكونوا عادلين وإلا كانوا كفرة ومن ثم فهذه حتمية وليس شقة لواحد منهم
وتحدث الكتانى عن خلع الحاكم فقال:
"خلع الحاكم:
على أن القائم على من تظاهر بالكفر لا يسمى ثائرا ولا مغتصبا في شرعنا المحمدي، بل يعد مجددا للدين، ويجب على المسلمين نصره وإعانته كما وقع والحمد لله، بل فهم جماعة من السلف أن النهي عن منازعة الأمر أهله خاص بأهل العدل لا غيرهم؛ ولذلك قام سيدنا الحسين وغيره على اليزيد، وقامت جماعة عظيمة من الصدر الأول على الحجاج لسوء فعله؛ فلم يعدهم أحد من الثوار قط
السبب الشرعي الموجب للخلع هو: ضعفه عن القيام بالمملكة من كل جهة، وعدم انتظام أمور المسلمين مع وجوده، ومن يكون كذلك؛ كيف يؤهل لمنصب الخلافة السامي، أو يكون سلطانا شرعيا؟!! معاذ الله أن يطلق عليه ذلك إلا هالك متهالك
ومهما وصل الحال في عصر إلى مثل هذا؛ إلا وجب على الكل إقامة من ينظر في مصالح المسلمين من غير تراخ
وها أنا أنقل نصوص أيمة الإسلام، وعلماء الحديث والكلام، الشاهدة بذلك، المصرحة بما سلكته هنالك؛ فأقول:
لما نفرت قلوب الرعية من السلطان مولانا سليمان بن سيدي محمد بن عبد الله - قدس الله أرواحهم - واختل نظام الجند في وقته؛ كتب رجال ذلك العصر شهادة عدلية ملخصها أنهم: يشهدون أن الناس بقوا فوضى، تتوارد عليهم الأحوال التى لا ترضى، من قطع الطريق، ونهب البضاعات، وسفك النفوس، وانهدام القواعد والأسوس، وأن هذا الأمر عم المغرب رسمه وحده، من مراكش إلى وجدة، حتى وصل إلى فاس
وعقب بسؤال علماء ذلك العصر: "هل يجوز مع وجود ذلك نصب إمام آخر يقيم لهم أودهم، وينصر عددهم، ويدفع بسبب عدله هذه الفتن التي أظلم يومها وعم تشويشها؟"
فأول من أجاب: مفتي القطر الفاسي؛ بل المغرب: أبو عبد الله محمد ابن إبراهيم الدكالي، وكتب ما نصه: "إن ما شهد به الشهود بالرسم حيث أشير؛ يوجب على المسلمين نصب إمام آخر إذ مما يشترط في الإمام دواما وابتداء - كما لغير واحد من الأيمة؛ حتى الشيخ السنوسي في شرح القصيدة - كونه قادرا على تنفيذ الأحكام، وانتصار المظلوم من الظالم، وتجهيز الجيوش، والذب عن بيضة الإسلام؛ إذ ذاك هو المقصود، والحكمة في نصب الإمام فإذا تعذر؛ وجب على الأمة نصب غيره ممن يقدر على القيام بأمور المسلمين، وتدبير مصالحهم العامة"
وتلاه شيخ الفقهاء، ومرجع الإفتاء؛ أبو محمد عبد السلام بن يوزيد الأزمي، وكتبا - أيضا - ما نصه: "إن ما ثبت أعلاه يبيح للمسلمين إقامة إمام يقوم بمصالحهم، ويدفعون به يد الظالم عن المظلوم، وتنحل به بيعة الأيمة قال في "المواقف" مانصه: وللأمة خلع الإمام وعزله لسبب يوجبه؛ مثل: أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين، وانتكاس أمور الدين، كما لهم نصبه وإقامته لإعلائهاهـوفي "شرح المقاصد": من الأسباب المتفق على حل عقد الإمامة بها: ما يزول به مقصود الإمامةولا خفاء أن ما قيد في الشهادة أعلاه صريح في ذلكقال في "الاستذكار" شرح قوله صلى الله عليه وسلم: وأن لا ننازع الأمر أهله: هم أهل العدل والإحسان، والفضل والدين مع القدرة على القيام بذلك"هـ
وتلاه العلامة الأديب أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد الكريم اليازغي، وكتب ما نصه: "المسطور أعلاه، طالع على التحقيق مبناه، وكيف لا؛ وهو من القضايا المشهورة الملحقات بالضروريات، والنقول واردة على نسجه ؟! قال الطيبي في حديث: ألا وكلكم راع مسؤول عن رعيته: إشارة إلى أن المقصود من الإمام الأعظم: الحياطة والذب وحيث انتفى ذلك في الأول بشهادة الأخبار المتواترة، والفتن المتكاثرة؛ فلا تخرج الناس عن دائرة الآثام إلا بخلعه، ونصب إمام آخر للإسلام وهبه بقطر آخر نافذ الأمر، محكما في زيد وعمرو؛ فإن ذلك لا يجدي، وليس إلى كلام أحد يهدي، لقصور فائدته على قطره وأبناء مصره" هـ
وقد أفتى بنحو ذلك من عاصرهم من أيمة ذلك الوقت وأعلامه؛ مثل: الشيخ عبد الملك بن عبد الكبير المريي الحسني، وسيدي أبي بكر بن إدريس بن عبد الرحمن المنجرة، وسيدي العربي بن الهاشمي الزرهوني، وقاضي مكناس سيدي العباس ابن كيران، وقاضي فاس سيدي علي التسولي، وخال جدي سيدي محمد بن حمدون ابن الحاج، وسيدي علي بن الصديق التوراني، وسيدي أحمد بن محمد المرنيسي، وسيدي محمد ين أحمد السنوسي، وسيدي محمد بن الطاهر العلوي، وسيدي العباس بن أحمد بن التاودي ابن سودة، وسيدي محمد بن الطالب ابن سودة، وسيدي عبد الواحد بن أحمد ابن سودة، وسيدي أبي بكر بن زيان الإدريسي"
مما سبق نجد الكتانى هو ومن نقل عنهم على الطريق الصحيح وهو وجوب خلع الحاكم الذى ينتج من حكمه الظلم أيا كان وهذا الكلام يخالف فتاوى الجمهور ممن يرون عدم خلع الحاكم بسبب شيوع الظلم واختلال أحوال المسلمين
وبين الكتانى بعض موجبات خلع الإمام فقال:
"من موجبات الخلع: الاستعانة بغير المسلمين على المسلمين
هذا عندنا - معشر المسلمين - من أعظم المحذورات؛ فإن تمكين بلاد المسلمين من النصارى لا يجوز شرعا ولا عادة، والحكم في فاعله أنه: مرتد عن الإسلام لا تقبل منه طاعة
ومن فتوى للإمام الحافظ أبي العباس المقري ما نصه: "ويرحم الله علماء الأندلس أواخر المائة الخامسة؛ حيث أفتوا بخلع المعتمد ابن عباد حيث أعطى بعض المعاقل للكفار أهل الزيغ والعناد، بل أفتى جمهورهم بقتله والإراحة منه، فهو من أعظم المهمات، ولعل ابن تاشفين أخذ بفتوى الأقل بصون دمه،؛ فخلعه ونقله إلى أغمات" هـ
وفي مسائل الأقضية والشهادات من نوازل البرزلي في الورقة الخامسة، عقب كلام ابن عبد الغفور عن بعض المتأخرين في تقسيم الأيمة إلى ضروب ما نصه: "قلت: ولم يتكلم في الفئة التي وقعت استعانتها بالعدو؛ وأحفظ أني رأيت لابن الصيرفي في دولة لمتونة من صنهاجة أن المعتمد ابن عباد استعان بهم في حرب المرابطين؛ فنصرهم الله عليه، وهرب هو، ثم نزل على حكم يوسف ابن تاشفين - أمير صنهاجة - فاستفتى فيه الفقهاء، فأكثرهم أفتى أنها ردة، وقاضيه مع بقية الفقهاء لم يروها ردة، ولم يبيحوا دمه؛ فأمضى ذلك من فتواهم، وأخذ بالأسر ونقله إلى غمات"
من موجبات الخلع: تبديل معالم الشرع:
ومن ذلك: تبديل المولى المذكور قاعدة من قواعد الدين الخمسة؛ وهي: الزكاة، بالترتيب، مع إجماع الأمة على كفر من غير شيئا من معالم الشرع، وهذا قدر مفروغ منه، نص عليه القاضي عياض في "الشفا" وغيرهبحيث نعده - معاشر المسلمين - من الضروريات
ولو فرضنا أن الترتيب (الضرائب) لا يتضمن إسقاط الزكاة الشرعية؛ فهو في نفسه لا يلزم أحدا من الرعية !
ومن جواب للقاضي أبي عمر ابن منظور ذكره صاحب "المعيار" في نوازل المعاوضات ما نصه: "الأصل: أن لا يطالب المسلون بمغارم غير واجبة بالشرع؛ وإنما يطالبون بالزكاة وما أوجبه القرآن والسنة؛ كالفيء والركاز، وإرث من يرثه بيت المال، وكذا ما أمكن به حماية الوطن، وما يحتاج إليه من جند ومصالح المسلمين، وسد ثلم الإسلامفإن عجز بيت المال عن أرزاق الجند وما يحتاج إليه من آلة وحرب وعدة؛ فيوزع على الناس ما يحتاج إليه من ذلك لكن؛ لا يجوز هذا إلا بشروط:
الأول: أن تتعين الحاجة فلو كان في بيت المال ما يقوم به؛ لم يجز أن يفرض عليهم شيء، لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس على مسلم جزية وقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة صاحب مكس (ضريبة) وهذا يرجع إلى إغرام الأموال ظلما
الثاني:أن يتصرف فيه بالعدل، ولا يجوز أن يستأثر به غير المسلمين، ولا ينفقه في سرف، ولا أن يعطيه من لا يستحق، ولا يعطي أحدا أكثر مما يستحق
الثالث: أن يصرفه مصرفه بحسب الحاجة والمصلحة، لا بحسب الغرض
الرابع: أن يكون الغرم على من كان قادرا من غير ضرر ولا إجحاف ومن لا شيء له أو له شيء قليل؛ فلا يغرم شيئا
الخامس: أن يتفقد هذا في كل وقت فربما جاء وقت لا يفتقر فيه لزيادة على ما في بيت المال فلا يوزع، وكما يتعين التوزيع في الأموال؛ كذلك إذا تعينت الضرورة للمعونة بالأبدان ولم يكف المال؛ فإن الناس يجبرون على التعاون على الأمر الداعي للمعونة، بشرط: القدرة، وتعين المصلحة، والافتقار إلى ذلك" انتهى بنصه ملخصا
وإنه ليعجبني أن أذكر هنا جواب القاضي أبي عبد الله ابن البراء الأندلسي ليعقوب بن تاشفين حين طلب من أهل مملكته الإعانة، وأفتاه جماعة بجواز طلب ذلك من الرعية اقتداء بسيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهذا نصه: "أما بعد؛ ما ذكره أمير المسلمين من اقتضاء المعونة، وأن أبا الوليد الباجي وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة والأندلس أفتوا بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اقتضاها وكان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعه في قبره ولا شك في عدله"فليس أمير المؤمنين ممن لا يشك في عدله؛ فإن كان الفقهاء والقضاة أنزلوك في منزلته في العدل؛ فالله سائلهم عما تقلدوه فيك، وما اقتضاها عمر حتى حلف في المسجد أن ليس عنده درهم واحد من بيت مال المسلمين؛ فلتدخل أنت المسجد الجامع وتحلف بحضرة أهل العلم وحينئذ تستوجب ذلك!" وقد قال الزرقاني على قول المختصر: "ودفعت - أي: الزكاة - للإمام العدل"، ما نصه: "ولا يجوز الإفتاء بأن العدل يأخذ الزكاة حيث شك في عدالته، كما يفيده كلام الأبياري؛ فإنه أفتى حين طلب الإمام من الرعية المعونة أنه: لا سبيل له إلى ذلك؛ لأن عدالته مشكوك فيها، والمفتون بأن عمر قد اقتضاها يبعثون في قبورهم إلى النار بلا زبانية أي: إنه لم يصل به أحد في العدالة، ولإيهام كون المشكوك في عدالته عدلا"هـ
وفي "نزهة الحادي" لما ترجم لسيدي محمد العياشي، بعد أن ذكر أن بعض القبائل دسوا للنصارى أيام محاربتهم له بأن محلته ليس فيها إقامة؛ قال ما نصه: "فأقام عليهم الحجة، وشاور العلماء في قتالهم؛ فأفتى سيدي العربي الفاسي بجواز مقاتلتهم لأنهم حادوا الله ورسوله، ووالوا الكفار ونصحوهم، ولأنهم تصرفوا في مال المسلمين ومنعوهم من الراتب، وقطعوا البيع والشراء عن الناس وخصوا به أنفسهم، وصادقوا النصارى وأمدوهم بالطعام والسلاح"
"وكان الإمام سيدي عبد الواحد ابن عاشر - رحمه الله - لم يجب عن ذلك إلى أن رآى بعينه - حيث قدم لسلا الأندلس - يحملون الطعام للكفار، ويعلمونهم بغرة المسلمين؛ فأفتى بجواز مقاتلتهم، وحكم في رقابهم السيف أياما إلى أن أخمد بدعتهم، ورجع بهم إلى الكلمة" انتهى منها
وقد سئل الإمام سيدي محمد بن عبد القادر الفاسي عن بيان الحكم في طوائف من بني عامر الذين أووا إلى النصارى ودخلوا في ذمتهم من غير اضطرار؛ هل تكون أموالهم فيئا على المسلمين أو غنائم تخمس كأموال المشركين؟
فأجاب: "إن فتاوي علماء المغرب من أهل القرن التاسع فما بعده قد تكررت في مثل النازلة؛ فليكن عليها الاعتماد، لأنهم قدوتنا في ديننا، وهم أعلم بمأخذ كتاب ربنا وسنة نبينا"
"فمنها: جواب الإمام مفتي الإسلام أبي مهدي عيسى الماواسي؛ وقد سئل عن أناس سكنوا بأوطانهم على ذمة العدو الكافر - دمره الله - مع أنه يتأتى لهم الانتقال من تلك الأوطان، وحالهم معهم على أقسام:
1 قسم يغرم لهم ولا يتردد إليهم
2 وقسم يتردد إليهم للتجارة لا غيرها
3 وقسم يتردد إليهم ويعلمهم بأخبار المسلمين
4 وقسم يركب معهم للاصطياد، ويقول لهم: أطال الله هذه المدة!"
"فأجاب: أما قيام المسلمين اختيارا تحت إيالة الكفر؛ فحرام!، إذ لا يحل لمسلم أن يعقد الصلح مع الكافر على أن يغرم له، باتفاق مذهب مالك، فمن فعل ذلك؛ لا تجوز شهادته ولا إمامته
وأما القسم الثاني: فهو أسوأ حالا وأقبح
وأما الثالث؛ وهو من يعلمهم بأخبار المسلمين: فهذا أقبح الفرق الثلاثة، وأشبه حالا بالجاسوس الدال على عورات المسلمين
وأما القسم الرابع؛ وهو المتردد إليهم، ويعرفهم بالطرق الموصلة إلى استيتار المسلمين: فهذا بيس الفريق، وهو أقرب للكفر من الإيمان، لأن المحب للكافر والداعي بالعزة له والاستطالة على المسلمين؛ من علامة الكفر"انتهى ملخصا
من موجبات الخلع: خذلان المجاهدين في أهلهم وأموالهم وأنفسهم
وقد سأل السلطان المعظم سيدي محمد بن عبد الله العلوي علماء عصره أيام حصره على ثغر مليلية سنة ثمان وثمانين ومائة وألف، عما ظهر من بعض الترك من أن بعض المسلمين ممن شملتهم ولايتهم حضروا حصار امليلية، فلما رجعوا إليهم؛ أباحوا دماءهم، وروعوا أولياءهم، وتعاقدوا على أن يكون هذا جزاؤهم؟
فأجاب هلال المغرب أبو عبد الله التاودي ابن سودة بما نصه: "لا شك أن فعل ما ذكر من القتل والتنكيل بمن آوى إلى الله من المسلمين، وانحاز إلى طائفة المجاهدين؛ لا ينبغي أن يعد فاعله من أهل الدين، ولا أن يدخل في جملة المومنين؛ لما اقتضاه فعله هذا من رقة الديانة، وضعف الأمانة، وإهانته ما عظم الله قدره، ورفع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره"
"وجزاؤه هو: أن يوخذ فيقتل بعد أن يطاف به جزاء للسيئة بمثلها، وقصاصا من نفسه الخبيثة بسوء فعلها، ثم يرد إلى ربه، وهو أعلم بقصده ونيته، فإن كان قتله لمن جاهد نصرة لأعداء الله وحمية لهم، ومحبة في دينهم؛ فهذا خلع من عنقه ربقة الإسلام، واستحق بأن يلحق بمن عبد الأوثان والأصنام، ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا (، وفي صحيح مسلم: حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم؛ إلا وقف يوم القيامة فيأخذ من عمله ماشاء!هـ، فما بالك بمن يخونه في نفسه؟!، وفضل الجهاد وعظم موقعه من المعلوم ضرورة عند كل المسلمين" انتهى جوابه ملخصا
وأجاب الشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن بناني أيضا بقوله: "إن الذي يفعل ذلك بالمسلمين لا شك في فسقه وظلمه وجوره، وأنه من أهل العظائم في الدين، وذوي الكبائر من المفسدين، يجب على كل من قدر عليه وتمكن أن يكف أذاه عن المسلمين"
"فإن قلت: هل على هؤلاء المومنين المقتولين درك حيث توجهوا للجهاد بغير إذن واليهم؟"
"قلت: لا درك عليهم في ذلك؛ حيث كان من ولاة الجور! قال ابن وهب: إن كان الإمام عدلا؛ لم يجز لأحد أن يبارز العدو أو يقاتله إلا بإذنه، وإن كان غير عدل؛ لم يلزم استيذانه في مبارزة ولا قتل" انتهى ملخصا
وأجاب سيدي علي بن هاشم العراقي بما نصه: "إن قتل النفر الذين توجهوا إلى محل الجهاد لتكثير سواد المسلمين، والإعانة في قتل أعداء الله الكافرين، يعد من فاعله ردة؛ لأنه لا يصدر إلا ممن خلع من عنقه ربقة الدين، وأنه إنما قتلهم من أجل جهادهم، وقد صرح بذلك حيث نادى: هذا جزاؤهم وجزاء من يفعل مثل فعلهم ولا يقتل مومنا مسلما لأجل الجهاد إلا كافر، فهو كمن قتله لأجل إيمانه؛ فقياسه عليه واضح ظاهر"
"وحكمه: أنه يستتاب من فعله الذميم، الذي يقصيه من دار النعيم، ويدنيه إلى دار الجحيم فإن تاب: فيمكن منه أولياء المقتولين؛ ليقتلوه قصاصا، وإن لم يتب: فيقتل حدا لكفره وقد خسر خسرانا مبينا، ويحق عليه قوله تعالى: ( ومن يقتل مومنا متعمدا( الآية، فالسيف يحكم عليه على كل حال، فهذا هو الحق!" هـ
فإذا كانت نصوص شرعنا المقدس تحكم على السلطان بما ذكرنا؛ فكيف يسمى سلطانا بعد، أو تلزم أحدا بيعته أو طاعته؟، لا لا؛ ما أمر الله أن يطاع إلا أولوا الأمر منا في قوله سبحانه: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (، وهو ليس من أولي الأمر ولا منا أخرج مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعنا، فكان فيما أخذ علينا: أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأترة علينا، و لا ننازع الأمر أهله قال: "إلا أن يكون كفر بواحا عندكم من الله فيه برهان"، قوله: بواحا: بالواو والراء، والأول أكثر، وهما بمعنى، يقال: باح بالشيء: إذا ظهر واشتهر، فالمعنى: إلا أن يكون كفرا ظاهرا مشتهرا قاله الأبي في شرح مسلم
ونقل عن القاضي عياض ما نصه: "لا خلاف أنه يجب على المسلمين عزل الإمام إذا فسق بكفر، وكذلك إذا ترك إقامة الصلاة، والدعاء إليها، أو غير شيئا من الشرع" انتهى من الأبي، ونقله ابن الشاط في حاشيته أيضا
وأولوا الأمر في الآية المذكورة: من وجبت طاعته من الأمراء والولاة وهو قول أكثر السلف في الآية، واستدل بعضهم بما جاء من قبل الآية: ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل (
والله المسؤول أن يكفينا ما أهمنا من أمر دنيانا وأخرانا، ويسبل رداء العفو فيما جلبناه على أنفسنا من الأضرار، وخالطناه من الأشرار، والظن أنا لا نعدم - إن شاء الله - أحرار الأفكار، الذين يأخذون لنا الحق ممن لا ينصفنا في هذه الدار وتلك الدار"
هذا الكلام عن موجبات خلع الحاكم معناه صحيح ولو طبق ما هدمت دولة المسلمين ولكن علماء السلطة الذين يفتون بعدم جواز خلع الحاكم مهما كان ظالما ومهما تخلى عن شرع الله بإباحة المحرمات بالقانون هم السبب فيما نحياه فيه من فساد وظلم وخراب بحجج واهية لا أساس لها وهم يدعون اجماع الجمهور على عدم خلع الحاكم بسبب ظلمه وتخايه عن بعض الشريعة مع أن الباحث لو بحث فى كتب القوم لوجد أن الإجماع هو الخلع