قراءة فى كتاب دفع التعسف عن اخوة يوسف
الكتاب تأليف جلال الدين السيوطى وموضوعه إجابة على سؤال هل اخوة يوسف(ص) رسل مثله أم لا وفى هذا قال السيوطى:
"مسألة - في رجلين قال أحدهما إن أخوة يوسف (ص) أنبياء وقال الآخر ليسوا بأنبياء فمن أصاب"
وكان الجواب :
"الجواب - في أخوة يوسف عليه السلام قولان للعلماء والذي عليه الأكثرون سلفا وخلفا أنهم ليسوا بأنبياء أما السلف فلم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم قالوا بنبوتهم- كذا قال ابن تيمية، ولا أحفظه عن أحد من التابعين وأما أتباع التابعين فنقل عن ابن زيد أنه قال بنبوتهم وتابعه على هذا فئة قليلة وأنكر ذلك أكثر الأتباع فمن بعدهم، وأما الخلف فالمفسرون فرق منهم من قال بقول ابن زيد كالبغوي ومنهم من بالغ في رده كالقرطبي والإمام فخر الدين وابن كثير ومنهم من حكى القولين بلا ترجيح كابن الجوزي ومنهم من لم يتعرض للمسألة ولكن ذكر ما يدل على عدم كونهم أنبياء كتفسيره الأسباط بمن نبئ من بني إسرائيل والمنزل إليهم بالمنزل إلى أنبيائهم كأبي الليث السمرقندي والواحدي ومنهم من لم يذكر شيئا من ذلك ولكن فسر الأسباط بأولاد يعقوب فحسبه ناس قولا بنبوتهم وإنما أريد بهم ذريته لا بنوه لصلبه كما سيأتي تحرير ذلك، قال القاضي عياض في الشفا أخوة يوسف لم تثبت نبوتهم وذكر الأسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الأنبياء قال المفسرون يريد من نبئ من أبناء الأسباط فانظر إلى هذا النقل عن المفسرين من مثل القاضي، وقال ابن كثير أعلم أنه لم يقم دليل على نبوة أخوة يوسف"
فى الفقرة السابقة نجد انقسام القوم بين أكثرية تنفى رسولية أو نبوة اخوة يوسف(ص) وأقلية تنفيها وذكر السيوطى أدلة المثبتين فى رأى ابن كثير فقال:
"وظاهر سياق القرآن يدل على خلاف ذلك ومن الناس من يزعم أنهم أوحى إليهم بعد ذلك وفي هذا نظر ويحتاج مدعى ذلك إلى دليل ولم يذكروا سوى قوله تعالى (وما أنزل إلى إبراهيم إلى قوله والأسباط)"
ثم ذكر رأى ابن كثير وهو وجود احتمال ولكنه رجح أنه بعيد فقال:
" وهذا فيه احتمال لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط كما يقال للعرب قبائل وللعجم شعوب فذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالا لأنهم كثيرون ولكن كل سبط من نسل رجل من أخوة يوسف ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحى إليهم "
ثم ذكر كلام الواحدى عن كون الأسباط قبائل وليس اخوة يوسف(ص) فقال:
" وقال الواحدي الأسباط من ولد إسحاق بمنزلة القبائل من ولد إسماعيل وكان في الأسباط أنبياء وقال في قوله تعالى (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب) يعني المختصين بالنبوة منهم، وقال السمرقندي في قوله تعالى (وما أنزل إلينا) إلى قوله والأسباط السبط بلغتهم بمنزلة القبيلة للعرب وما أنزل على أنبيائهم وهم كانوا يعملون به فأضاف إليهم كما أنه أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فأضاف إلى أمته فقال وما أنزل إلينا فكذلك الأسباط أنزل على أنبيائهم فأضاف إليهم لأنهم كانوا يعملون به وقال في قوله تعالى (إنا أوحينا إليك) إلى وقوله (والأسباط) هم أولاد يعقوب أوحى إلى أنبيائهم"
ثم نقل السيوطى رأى ابن تيمية الذى لخصه فى كتاب له فى المسألة فقال :
"ثم رأيت الشيخ تقي الدين بن تيمية ألف في هذه المسألة مؤلفا خاصا قال فيه ما ملخصه: الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن أخوة يوسف ليسوا بأنبياء وليس في القرآن ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا عن أصحابه خبر بأن الله تعالى نبأهم وإنما احتج من قال إنهم نبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء (والأسباط) وفسر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب، والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذريته كما يقال فيهم أيضا بنو إسرائيل وقد كان في ذريته الأنبياء فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل، قال أبو سعيد الضرير أصل السبط شجرة ملتفة كثيرة الأغصان فسموا الأسباط لكثرتهم فكما أن الأغصان من شجرة واحدة كذلك الأسباط كانوا من يعقوب ومثل السبط الحافد وكان الحسن والحسين سبطى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسباط حفدة يعقوب ذرارى أبنائه الاثنى عشر، وقال تعالى (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما) فهذا صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل كل سبطة أمة لا أنهم بنوه الاثنا عشر بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطا فالحال أن السبط هم الجماعة من الناس ومن قال الأسباط أولاد يعقوب لم يرد أنهم أولاده لصلبه بل أراد ذريته كما قال بنو إسرائيل وبنو آدم فتخصيص الآية ببنيه لصلبه غلط لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى ومن ادعاه فقد أخطأ بينا والصواب أيضا أن كونهم أسباطا إنما سموا به من عهد موسى للآية المتقدمة ومن حينئذ كانت فيهم النبوة فإنه لا يعرف أنه كان فيهم نبي قبل موسى إلا يوسف ومما يؤيد هذا أن الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال ومن ذريته داود وسليمان الآيات فذكر يوسف ومن معه ولم يذكر الأسباط فلو كان أخوة يوسف نبئوا كما نبئ يوسف لذكروا معه وأيضا فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة وإن كان قبل النبوة كما قال عن موسى (ولما بلغ أشده الآية) وقال في يوسف كذلك"
كلام ابن تيمية هو نفسه كلام ابن كثير والواحدى فى اعتبار السبط الأمة وليس الأبناء والمأخوذ على كلام ابن تيمية السابق هو أن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة وإن كان قبل النبوة كما قال عن موسى (ولما بلغ أشده الآية) وقال في يوسف كذلك" وهو كلام ليس سليم تماما فلو اعتبرنا اخفاء يوسف(ص) جريمة كبرى فقد ارتكب موسى(ص) جريمة القتل مرة وتاب منها وكاد يكررها كما قال تعالى "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين وأصبح فى المدينة خائفا يترقب فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين فلما أن أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين"
فالجريمة لا تمنع من النبوة أى الرسالة خاصة أن بعضهم لم يرض بها بل ونهاهم عن قتل يوسف(ص) ولكنه انقاد لرأى الجماعة
ثم نقل السيوطى بقية ما لخصه من كتاب ابن تيمية فقال :
" وفي الحديث أكرم الناس أكرم ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي من نبي من نبي فلو كانت اخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم وهو تعالى لما قص قصة يوسف وما فعلوا معه ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة ولا شيئا من خصائص الأنبياء بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة من عقوق الوالد وقطيعة الرحم وإرقاق المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر والكذب البين وغير ذلك مما حكاه عنهم ولم يحك عنهم شيئا يناسب الاصطفاء والاختصاص الموجب لنبوتهم بل الذي حكاه يخالف ذلك بخلاف ما حكاه عن يوسف"
فى الفقرة السابقة كرر ابن تيمية كلامه عن ذنوب اخوة يوسف(ص) مع أن النبى الأخير نفسه قال الله له "ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
واخوة يوسف(ص) اعترفوا بذنوبهم بقولهم "إنا كنا خاطئين " وطلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم كما قال تعالى "يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا" ومن اعترف بذنبه فقد أبدى الاستعداد لطلب الغفران من الله كما انه لو لم يستغفروا ما سجدوا ليوسف(ص) كما قال تعالى "ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم"
كما أنهم رضوا بوصية أبيهم وهو البقاء على الإسلام وهو عبادة الله كما قال تعالى:
"أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون" وهذا مدح لهم كما أن اصطفاء الدين لهم والمراد بنى يعقوب (ص) مدح لهم كما قال تعالى:
"ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا أنتم مسلمون"
وهناك مشكلة لم يلاحظها القوم وهو أن أخو يوسف(ص) الحادى عشر لم يشارك فى تلك الذنوب لكون أصغر القوم ولكونه أخيه ابن أمه وأبيه كما يقال فلماذا استبعدوه هو الأخر ؟
كما أن الاخوة العشرة لابد أن منهم من كان مقاربا ليوسف (ص) فى السن يعنى طفل هو الأخر لأن يوسف(ص) كان طفلا صغيرا عندما وقعت الجريمة الأولى ولابد أن واحد أو اثنين منهم كانوا من الأطفال ولم يشاركوا فى الجرائم فلماذا يتم أخذهم بذنب الكبار ؟
ثم نقل السيوطى بقية تلخيصه لكلام ابن تيمية فقال :
" ثم إن القرآن يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف لآية غافر، ولو كان من أخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر وظهرت أخبار نبوته فلما لم يكن ذلك علم أنه لم يكن منهم نبي فهذه وجوه متعددة يقوى بعضها بعضا. وقد ذكر أهل السير أن أخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر وهو أيضا وأوصى بنقله إلى الشام فنقله موسى"
كلام ابن تيمية عن عدم وجود نبى لأهل مصر قبل يوسف(ص) خاطىء فالآية وهى:
"ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم فى شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا"
لا تدل على عدم بعث رسول قبله ومن الممكن أن يكون الأسباط وهم اخوة يوسف(ص) أنبياء مشاركين ليوسف(ص) فى الرسالة كما طلب موسى(ص) الرسالة لأخيه هارون(ص) ومن ثم يذكر النبى الأساسى ولا يذكر البقية كما ذكر موسى(ص) كثيرا ولم يذكر هارون (ص) إلا قليلا ولا غرابة ان يبعث الاثنا عشر فقد بعث الله ثلاثة لقرية يس فقال "واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون"
ثم ذكر السيوطى بقية رأى ابن تيمية وهو تكرار لكون الأسباط ليسوا ألأخوة وإنما قبائل بنى إسرائيل فقال:
والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل من ظن انهم هم الأسباط وليس كذلك إنما الأسباط ذريتهم الذين قطعوا أسباطا من عهد موسى كل سبط أمة عظيمة ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال ويعقوب وبنيه فإنه أوجز وأبين واختير لفظ الأسباط على لفظ بني إسرائيل للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطا من عهد موسى- هذا كله كلام ابن تيمية والله أعلم."
وكلام القوم عن لفظ الأسباط ليس سليما فلو كانت تعنى الأنبياء (ص) من ذرية يعقوب(ص) وليس الاخوة كلهم أو حتى يوسف(ص) ما قالها الله وذكر بعدها بعض الأنبياء من ذرية يعقوب(ص) كموسى (ص)وعيسى(ص) كما فى قوله :
"قل أمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم"
وكذلك الأمر فى الآية التالية حيث ذكر ست رسل من بنى إسرائيل بعد كلمة الأسباط فقال:
"إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وأتينا داود زبورا"
ومن قم لا يمكن أن يكون تفسيرها القبائل أو السر من بنى إسرائيل فالله لا يوحى للكفار خاصة أن بنى إسرائيل كان أكثرهم كفرة
ولو كان المراد بالأسباط القبائل او الرسل منهم ما قال الله لبنى إسرائيل أن الأسباط قد خلوا أى ماتوا فى الآيات التالية:
"أم تقولون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"
فلو كانوا هم هم لم يقل أنهم ماتوا
كما ان قول يعقوب (ص) عن إتمام النعمة وهى الرسالة على يوسف(ص) وعلى بقية آل يعقوب(ص) تعنى اخوته كما أعطاها من قبل إبراهيم(ص) وإسحاق(ص) فى قوله تعالى :
"وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم واسحق إن ربك عليم حكيم"
الكتاب تأليف جلال الدين السيوطى وموضوعه إجابة على سؤال هل اخوة يوسف(ص) رسل مثله أم لا وفى هذا قال السيوطى:
"مسألة - في رجلين قال أحدهما إن أخوة يوسف (ص) أنبياء وقال الآخر ليسوا بأنبياء فمن أصاب"
وكان الجواب :
"الجواب - في أخوة يوسف عليه السلام قولان للعلماء والذي عليه الأكثرون سلفا وخلفا أنهم ليسوا بأنبياء أما السلف فلم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم قالوا بنبوتهم- كذا قال ابن تيمية، ولا أحفظه عن أحد من التابعين وأما أتباع التابعين فنقل عن ابن زيد أنه قال بنبوتهم وتابعه على هذا فئة قليلة وأنكر ذلك أكثر الأتباع فمن بعدهم، وأما الخلف فالمفسرون فرق منهم من قال بقول ابن زيد كالبغوي ومنهم من بالغ في رده كالقرطبي والإمام فخر الدين وابن كثير ومنهم من حكى القولين بلا ترجيح كابن الجوزي ومنهم من لم يتعرض للمسألة ولكن ذكر ما يدل على عدم كونهم أنبياء كتفسيره الأسباط بمن نبئ من بني إسرائيل والمنزل إليهم بالمنزل إلى أنبيائهم كأبي الليث السمرقندي والواحدي ومنهم من لم يذكر شيئا من ذلك ولكن فسر الأسباط بأولاد يعقوب فحسبه ناس قولا بنبوتهم وإنما أريد بهم ذريته لا بنوه لصلبه كما سيأتي تحرير ذلك، قال القاضي عياض في الشفا أخوة يوسف لم تثبت نبوتهم وذكر الأسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الأنبياء قال المفسرون يريد من نبئ من أبناء الأسباط فانظر إلى هذا النقل عن المفسرين من مثل القاضي، وقال ابن كثير أعلم أنه لم يقم دليل على نبوة أخوة يوسف"
فى الفقرة السابقة نجد انقسام القوم بين أكثرية تنفى رسولية أو نبوة اخوة يوسف(ص) وأقلية تنفيها وذكر السيوطى أدلة المثبتين فى رأى ابن كثير فقال:
"وظاهر سياق القرآن يدل على خلاف ذلك ومن الناس من يزعم أنهم أوحى إليهم بعد ذلك وفي هذا نظر ويحتاج مدعى ذلك إلى دليل ولم يذكروا سوى قوله تعالى (وما أنزل إلى إبراهيم إلى قوله والأسباط)"
ثم ذكر رأى ابن كثير وهو وجود احتمال ولكنه رجح أنه بعيد فقال:
" وهذا فيه احتمال لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط كما يقال للعرب قبائل وللعجم شعوب فذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالا لأنهم كثيرون ولكن كل سبط من نسل رجل من أخوة يوسف ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحى إليهم "
ثم ذكر كلام الواحدى عن كون الأسباط قبائل وليس اخوة يوسف(ص) فقال:
" وقال الواحدي الأسباط من ولد إسحاق بمنزلة القبائل من ولد إسماعيل وكان في الأسباط أنبياء وقال في قوله تعالى (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب) يعني المختصين بالنبوة منهم، وقال السمرقندي في قوله تعالى (وما أنزل إلينا) إلى قوله والأسباط السبط بلغتهم بمنزلة القبيلة للعرب وما أنزل على أنبيائهم وهم كانوا يعملون به فأضاف إليهم كما أنه أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فأضاف إلى أمته فقال وما أنزل إلينا فكذلك الأسباط أنزل على أنبيائهم فأضاف إليهم لأنهم كانوا يعملون به وقال في قوله تعالى (إنا أوحينا إليك) إلى وقوله (والأسباط) هم أولاد يعقوب أوحى إلى أنبيائهم"
ثم نقل السيوطى رأى ابن تيمية الذى لخصه فى كتاب له فى المسألة فقال :
"ثم رأيت الشيخ تقي الدين بن تيمية ألف في هذه المسألة مؤلفا خاصا قال فيه ما ملخصه: الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن أخوة يوسف ليسوا بأنبياء وليس في القرآن ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا عن أصحابه خبر بأن الله تعالى نبأهم وإنما احتج من قال إنهم نبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء (والأسباط) وفسر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب، والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذريته كما يقال فيهم أيضا بنو إسرائيل وقد كان في ذريته الأنبياء فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل، قال أبو سعيد الضرير أصل السبط شجرة ملتفة كثيرة الأغصان فسموا الأسباط لكثرتهم فكما أن الأغصان من شجرة واحدة كذلك الأسباط كانوا من يعقوب ومثل السبط الحافد وكان الحسن والحسين سبطى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسباط حفدة يعقوب ذرارى أبنائه الاثنى عشر، وقال تعالى (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما) فهذا صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل كل سبطة أمة لا أنهم بنوه الاثنا عشر بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطا فالحال أن السبط هم الجماعة من الناس ومن قال الأسباط أولاد يعقوب لم يرد أنهم أولاده لصلبه بل أراد ذريته كما قال بنو إسرائيل وبنو آدم فتخصيص الآية ببنيه لصلبه غلط لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى ومن ادعاه فقد أخطأ بينا والصواب أيضا أن كونهم أسباطا إنما سموا به من عهد موسى للآية المتقدمة ومن حينئذ كانت فيهم النبوة فإنه لا يعرف أنه كان فيهم نبي قبل موسى إلا يوسف ومما يؤيد هذا أن الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال ومن ذريته داود وسليمان الآيات فذكر يوسف ومن معه ولم يذكر الأسباط فلو كان أخوة يوسف نبئوا كما نبئ يوسف لذكروا معه وأيضا فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة وإن كان قبل النبوة كما قال عن موسى (ولما بلغ أشده الآية) وقال في يوسف كذلك"
كلام ابن تيمية هو نفسه كلام ابن كثير والواحدى فى اعتبار السبط الأمة وليس الأبناء والمأخوذ على كلام ابن تيمية السابق هو أن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة وإن كان قبل النبوة كما قال عن موسى (ولما بلغ أشده الآية) وقال في يوسف كذلك" وهو كلام ليس سليم تماما فلو اعتبرنا اخفاء يوسف(ص) جريمة كبرى فقد ارتكب موسى(ص) جريمة القتل مرة وتاب منها وكاد يكررها كما قال تعالى "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين وأصبح فى المدينة خائفا يترقب فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين فلما أن أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين"
فالجريمة لا تمنع من النبوة أى الرسالة خاصة أن بعضهم لم يرض بها بل ونهاهم عن قتل يوسف(ص) ولكنه انقاد لرأى الجماعة
ثم نقل السيوطى بقية ما لخصه من كتاب ابن تيمية فقال :
" وفي الحديث أكرم الناس أكرم ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي من نبي من نبي فلو كانت اخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم وهو تعالى لما قص قصة يوسف وما فعلوا معه ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة ولا شيئا من خصائص الأنبياء بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة من عقوق الوالد وقطيعة الرحم وإرقاق المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر والكذب البين وغير ذلك مما حكاه عنهم ولم يحك عنهم شيئا يناسب الاصطفاء والاختصاص الموجب لنبوتهم بل الذي حكاه يخالف ذلك بخلاف ما حكاه عن يوسف"
فى الفقرة السابقة كرر ابن تيمية كلامه عن ذنوب اخوة يوسف(ص) مع أن النبى الأخير نفسه قال الله له "ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
واخوة يوسف(ص) اعترفوا بذنوبهم بقولهم "إنا كنا خاطئين " وطلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم كما قال تعالى "يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا" ومن اعترف بذنبه فقد أبدى الاستعداد لطلب الغفران من الله كما انه لو لم يستغفروا ما سجدوا ليوسف(ص) كما قال تعالى "ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم"
كما أنهم رضوا بوصية أبيهم وهو البقاء على الإسلام وهو عبادة الله كما قال تعالى:
"أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون" وهذا مدح لهم كما أن اصطفاء الدين لهم والمراد بنى يعقوب (ص) مدح لهم كما قال تعالى:
"ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا أنتم مسلمون"
وهناك مشكلة لم يلاحظها القوم وهو أن أخو يوسف(ص) الحادى عشر لم يشارك فى تلك الذنوب لكون أصغر القوم ولكونه أخيه ابن أمه وأبيه كما يقال فلماذا استبعدوه هو الأخر ؟
كما أن الاخوة العشرة لابد أن منهم من كان مقاربا ليوسف (ص) فى السن يعنى طفل هو الأخر لأن يوسف(ص) كان طفلا صغيرا عندما وقعت الجريمة الأولى ولابد أن واحد أو اثنين منهم كانوا من الأطفال ولم يشاركوا فى الجرائم فلماذا يتم أخذهم بذنب الكبار ؟
ثم نقل السيوطى بقية تلخيصه لكلام ابن تيمية فقال :
" ثم إن القرآن يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف لآية غافر، ولو كان من أخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر وظهرت أخبار نبوته فلما لم يكن ذلك علم أنه لم يكن منهم نبي فهذه وجوه متعددة يقوى بعضها بعضا. وقد ذكر أهل السير أن أخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر وهو أيضا وأوصى بنقله إلى الشام فنقله موسى"
كلام ابن تيمية عن عدم وجود نبى لأهل مصر قبل يوسف(ص) خاطىء فالآية وهى:
"ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم فى شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا"
لا تدل على عدم بعث رسول قبله ومن الممكن أن يكون الأسباط وهم اخوة يوسف(ص) أنبياء مشاركين ليوسف(ص) فى الرسالة كما طلب موسى(ص) الرسالة لأخيه هارون(ص) ومن ثم يذكر النبى الأساسى ولا يذكر البقية كما ذكر موسى(ص) كثيرا ولم يذكر هارون (ص) إلا قليلا ولا غرابة ان يبعث الاثنا عشر فقد بعث الله ثلاثة لقرية يس فقال "واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون"
ثم ذكر السيوطى بقية رأى ابن تيمية وهو تكرار لكون الأسباط ليسوا ألأخوة وإنما قبائل بنى إسرائيل فقال:
والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل من ظن انهم هم الأسباط وليس كذلك إنما الأسباط ذريتهم الذين قطعوا أسباطا من عهد موسى كل سبط أمة عظيمة ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال ويعقوب وبنيه فإنه أوجز وأبين واختير لفظ الأسباط على لفظ بني إسرائيل للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطا من عهد موسى- هذا كله كلام ابن تيمية والله أعلم."
وكلام القوم عن لفظ الأسباط ليس سليما فلو كانت تعنى الأنبياء (ص) من ذرية يعقوب(ص) وليس الاخوة كلهم أو حتى يوسف(ص) ما قالها الله وذكر بعدها بعض الأنبياء من ذرية يعقوب(ص) كموسى (ص)وعيسى(ص) كما فى قوله :
"قل أمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم"
وكذلك الأمر فى الآية التالية حيث ذكر ست رسل من بنى إسرائيل بعد كلمة الأسباط فقال:
"إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وأتينا داود زبورا"
ومن قم لا يمكن أن يكون تفسيرها القبائل أو السر من بنى إسرائيل فالله لا يوحى للكفار خاصة أن بنى إسرائيل كان أكثرهم كفرة
ولو كان المراد بالأسباط القبائل او الرسل منهم ما قال الله لبنى إسرائيل أن الأسباط قد خلوا أى ماتوا فى الآيات التالية:
"أم تقولون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"
فلو كانوا هم هم لم يقل أنهم ماتوا
كما ان قول يعقوب (ص) عن إتمام النعمة وهى الرسالة على يوسف(ص) وعلى بقية آل يعقوب(ص) تعنى اخوته كما أعطاها من قبل إبراهيم(ص) وإسحاق(ص) فى قوله تعالى :
"وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم واسحق إن ربك عليم حكيم"