نقد كتاب التحصين في صفات العارفين من العزلة والخمول بالأسانيد المتلقاة عن آل الرسول الكتاب من تأليف جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلي وموضوعه كما قال :
" فهذا مضمونه العزلة والخمول بالأسانيد المتلقاة عن آل الرسول عليهم الصلاة والسلام وسميته: " كتاب التحصين في صفات العارفين "
وقد ألفه الرجل على ثلاثة فصول الأول تصور العزلة والمراد معناها الثانى إباحة العزلة كما ظن من الروايات الثالث فوائد العزلة كما يظن الحلى
وقد قال فى تعريفها :
"(القطب الأول في تصورها)
"فنقول العزلة الانقطاع إلى الله تعالى في كهف جبل أو ظل مسجد أو زاوية بيت وقد يقال العزلة هي الفرار والوحشة عن الخلق والإستيناس بالحق وهو أعم من الأول ولا يتهيأ ذلك إلا لمن قويت نفسه على هجر فضول الدنيا ومشتهياتها وكانت نفسه وهواه وراء عقله كما هو معلوم من أوصاف العارفين"
هذا التعريف يخالف وحى الله فالله لم يبح العزلة وهى البعد عن البشر والعزلة التى يمكن أن يقال أنه اباحها وهى الاعتكاف تكون فى مكان فيه ناس فالاعتكاف يكون فى مساجد البيوت حيث يمكن أن يباشر زوجته وفى هذا قال تعالى "ولا تباشروهن وانتم عاكفون فى المساجد" فالمباشرة وهى الجماع لا تكون فى المساجد العامة وإنما فى مساجد البيوت وهى أى ركن فيه مصحف ومكان تتم الصلاة فيه
العزلة وهى البعد عن الخلق فير ممكن فى الإسلام لأنه عصيان لأمر الله بالتعاون على الخير كما قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"
والعزلة عصيان لأحكام متعددة منها :
صلة الأرحام
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
الزواج
تربية الأولاد
صلاة الجمعة
الحج
وقد استدل الرجل على تعريفه العزلة بحكايات فقال:
" قال بعضهم لبعض الأمجاد وقد قال له سلنى حاجتك فقال: أولي تقول هذا ؟ ولي عبدان هما سيداك قال: ومن هما ؟ قال: الحرص والهوى فقد غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك وقيل لذى النون المصرى: متى يصح عزلة الخلق ؟ قال إذا قويت على عزلة نفسك قال فمتى يصح طلب الزهد ؟ قال إذا كنت زاهدا في نفسك هاربا جميع ما يشغلك عن الله أقول ولما كانت العزلة الفرار من الخلق والإقبال على الحق فما لم يفرغ القلب شهوات الدنيا ويقطع علائق التعلقات بها لم يقبل الله لشده ما به من الكدورات والحجب عن الوصول بل سلب لذه المناجاة والعبادة ولهذا ترى الصباغ يبالغ تنقيه الثوب من الوسخ وقلع الأثر الحاصل عليه الدسم وغيره قبل صبغه ليصير قابلا لإشراق أنوار الصبغ عليه فالتحلي بالفضائل مسبوق بالتخلي عن الرذائل وكذا الطبيب يبدأ بالإسهال لإخراج العفونات وإزالة الأخلاط المضرة ثم يبادر بعده بما يكون موجبا لصلاح البدن وقوة الأعضاء فما لم يخل البدن من العفونات لا ينفعه اصلاح الغذاء وما لم ينق الثوب من الوسخ والدسم لا يشرق عليه نور الصبغ وكذلك القلب ما لم ينق من الحرص وسورة الغضب وتقاضي الشهوة لم يكن محلا لإشراق الأنوار الإلهية بل لم يصلح لخدمه الربوبية"
وما قاله هنا من حكايات بعيد عن العزلة فعزلة القلب غير العزلة المكانية المحرمة فعزلة القلب عن غير الله مطلوبة وأما العزلة المكانية عن الناس فمحرمة
ثم روى الروايات التى ظن أنها مبيحة للعزلة فقال:
1 - فقد روي فيما أوحى الله تعالى إلى موسى أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتعظم على خلقي وقطع نهاره بذكرى والزم نفسه خوفى وكف نفسه الشهوات من أجلى "
هذا القول ليس فيه أى كلام عن العزلة بل كلام عن وجوب التعامل مع الخلق بعدم التعظم عليهم
2 - قال عيسى بحق أقول لكم كما نظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ به من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حلاوة بحق أقول لكم كما أن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعبت وتغير خلقها كذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت وبنصب العبادة تقسو وتغلظ وبحق أقول لكم إن الزق إذا لم ينخرق يوشك يكون وعاء العسل كذلك القلوب ما لم تخرقها الشهوات أو يدنسها الطمع أو يقسيها النعيم فسوف تكون أوعية الحكمة"
هذا القول هو الأخر ليس دليلا على العزلة بل هو دليل على أن التعامل مع الخلق واجب حيث يشعر العابد بحلاوة العبادة من خلال التعب فى معاملة الناس بينما لو ابتعد عنهم لن يجد أى صعوبة ومن ثم لا حلاوة فى العبادة
3 - وروى فيما أوحى الله تعالى إلى داود يا داود حذر وأنذر اصحابك من كل الشهوات فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا عقولها محجوبة عنى"
هذا القول ليس فيه أى كلام عن العزلة وإنما يتكلم عن الشهوات وحبها
4 - وفي الحديث من أكل طعاما للشهوة حرم على قلبه الحكمة ويحتاج صاحبها إلى ثلاثة أشياء الأول قطع الطمع عن الخلق الثاني أن ييأس من شئ ويأنس بالله سبحانه كما سيجئ في صفاتهم حتى قال قائلهم عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى * وصوت انسان فكدت أطير الثالث الهيبة بحيث لا يجرا الراغب في الدنيا ان يذكر بين يديه شيئا منها فربما ثارت نفسه وانبعثت ارادته وانتعشت شهواته فيحتاج قسرها وتأديبها ومجاهدتها وفي ذلك شغل شاغل له. "
الخطأ أن من أكل طعاما للشهوة حرم على قلبه الحكمة فالأكل كشهوة محللة كما قال تعالى "كلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا"أو للحصول على شهوة محللة كالجماع وأى شىء مباح من الله يدخل الحكمة فى القلب فإنما الشهوة الحرام هى التى تمنع الحكمة عن القلب
5 - ولقد كان رسول الله (ص) حين يدخل احدى زوجاته فيجد على بابها الستر وفيه التصاوير فيقول غيبيه عنى فانى إذا نظرت إليه ذكرت وزخارفها"
هذا القول ليس دليل على العزلة المكانية فالرجل يبعد نفسه عن الحرام بالبعد عما يشغله عن طاعة الله
ثم تناول الرجل إباحة العزبة المكانية فذكر الروايات التالية:
" (القطب الثاني في الاذن فيها) * والأخبار في ذلك لا تحصى كثرة فلنذكر ما يحضرنا
6 - الأول أبو عبد الله عن ابن أبي عمير عن بن عبد الحميد عن الوليد بن صبيح قال سمعت عبد الله يقول لولا الموضع الذي وضعني الله فيه لسرني أن أكون على رأس جبل لا أعرف الناس ولا يعرفونى حتى يأتيني الموت"
القول حرم العزلة بسبب إسلام الرجل فالإسلام يحتم التواجد فى مجتمع المسلمين كما طلب الله منهم الهجرة له فقال " والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا"
فهنا اعتبر الذى لم يهاجر ليس له ولاية للمسلمين
7 - الثاني ابن بكير عن فضيل بن يسار عن عبد الواحد بن المختار الانصاري قال قال لي أبو جعفر يا عبد الواحد ما يضرك أو ما يضر رجلا إذا كان على الحق ما قال له الناس ولو قالوا مجنون وما يضره وكان على رأس جبل يعبد الله حتى يجيئه الموت
8 - الثالث روى فضيل بن يسار عن أبي عبد قال ما يضر المؤمن ان يكون متفردا عن ولو على قلة جبل فأعادها ثلاث مرات
9 - الرابع عنه عن أبي جعفر ما يضر من عرفه الله الحق أن يكون على قله جبل يأكل من نبات الأرض حتى يجيئه الموت
10 - الخامس روى ابن فضال عن رفاعة بن عن عبد الله بن أبي يعفور قال سمعت أبا الله يقول ما يضر من كان على هذا الأمر ان لا يكون له ما يستظل به إلا الشجر ولا يأكل من ورقه :
الأقوال السابقة فى البعد عن الناس للجبل يتعارض كما قلنا مع كثير من الأحكام كتعاون المسلمين على الخير والزواج والنفقة على الأسرة وصلاة الجمعة وبر الأبوين والجيران والأصحاب والأقارب
11 - السادس روى ابن عباس عن (ص) انه قال ألا أخبركم بخير الناس منزله ؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله حتى يموت يقتل ألا أخبركم بالذى يليه ؟ قالوا بلى يا الله قال رجل في جبل يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعتزل شرار الناس ألا أخبركم بشر الناس منزلة الذي يسال بالله فلا يعطى به"
الخطأ هنا أن شر الناس منزلة الذي يسأل بالله فلا يعطى به وهو ما يناقض أن شرهم كما قال تعالى "إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون"وشر الشرار المنافقين كما قال تعالى "إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار"
12 - السابع بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي الله قال طوبى لعبد نومه عرف الناس فصاحبهم ببدنه ولم يصاحبهم في اعمالهم بقلبه فعرفوه في الظاهر وعرفهم في الباطن"
هنا العزلة المطلوبة عزل النفس عن أعمال الناس المنكرة مع مصاحبتهم بالبدن
13 - الثامن أبو عبد الله عن محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر واسحاق بن جرير عن عبد الحميد أبي الديلم قال قال لي أبو عبد الله لا عليك ان لا يعرفك الناس ثلاثا يا عبد الحميد إن لله رسلا مشتغلين ورسلا مستخفين فإذا سألته بحق المشتغلين فاسأله بحق المستخفين"
الخطأ وجود رسل مشتغلين ورسل مستخفين وهو جنون فكيف يبلغ الرسول الخفى الرسالة وهو لا يتعامل مع الناس كى يبلغهم الرسالة وهو ما يتعارض مع قوله تعالى " بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"
14 - التاسع أبو عبد عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد الله قال قال الله تبارك وتعالى ان من اغبط اوليائي عبدا مؤمنا ذا حظ من صلاة أحسن عباده ربه بالغيب والله في السريره وكان غامضا في الناس ولم يشر بالأصابع وكان رزقه كفافا فصبر عليه فعجلت به المنيه فقل تراثه وقلت بواكيه"
15 - العاشر أبو عبد الله عن النضر بن سويد عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم عن أبي قال قال رسول الله (ص) قال الله تبارك إن أغبط أوليائي عندي رجل خفيف ذو حظ من صلاة أحسن عباده ربه الغيب وكان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا فصبر حتى مات فقل تراثه وقلت بواكيه "
الخطأ المشترك بين الروايتين أن أسعد المسلمين المصلى العابد ربه بالغيب الذى لا يعرفه الناس وهو ما يخالف كون الأسعد وهو الأفضل المجاهد كما قال تعالى "وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "
16 - الحادى عشر عكرمه عن عبد الله بن عمرو قال بينا نحن حول رسول الله (ص) إذ ذكر الفتنة أو ذكرت عنده الفتنة فقال إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وحقرت أمانتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابع قال فقمت إليه فقلت كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال: الزم بيتك وامسك عليك لسانك وخذ ما تعرف وذر ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك وذر عنك العامة"
الخطأ لزوم البيت فى الفتنة وهو جنون من كل النواحى حيث يحرم نفسه وأهله من الرزق فيموت جوعا هو وهم ويحرم ما أوجب الله من العمل بالمشى فى مناكب الأرض كما قال تعالى "فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه" كما أن يعصى قوله تعالى بوجوب الإصلاح بين المسلمين كما قال تعالى "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"
17 - الثاني عشر عن النبي (ص) أحب إلى منزلة رجل يؤمن بالله ورسوله ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعمر ماله ويحفظ دينه ويعتزل"
نلاحظ الخبل فى الرواية أن حفظ الدين بكون بالاعتزال وكما قلنا صلاح الدين يكون بطاعة الدين فى كل شىء كالإصلاح بين المتقاتلين والتعاون على البر وهى أمور لا يمكن تحققها باعتزال الناس
18 - الثالث عشر روى أبو يوسف يعقوب بن يزيد جعفر بن الزبير عمن ذكره عن أبي عبد الله قال ان مما يحتج الله تبارك وتعالى به عبده يوم القيامة ان يقول الم اخمل ذكرك"
يتعارض القول بخمول الذكر مع قوله تعالى "ورفعنا لك ذكرك" كما يتعارض مع دعاء المسلمين بجعلهم أئمة يقتدى بهم كما دعوا الله قائلين "واجعلنا للمتقين إماما"
19 - الرابع عشر روى عن الصادق انه قال لحفص بن غياث في وصيه له مطوله يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا"
وصية تخالف كتاب الله فالمسلمون كلهم سواء ليس فيهم ذنب ولا رأس ولذا قال "إنما المؤمنون اخوة" وقال فى حكمهم أنه شركة اى سورى بين جميعهم فقال "وأمرهم شورى بينهم"
20 - الخامس عشر عنه للمعلى بن خنيس في كلام له من جملته يا معلى ان الله يحب ان يعبد في السر كما يحب ان يعبد في العلانية"
قول لا علاقة له بالعزلة
21 - السادس عشر عن أبي عبد الله قال له المعروف الكرخي أوصني يا بن رسول قال اقلل معارفك قال زدنى قال انكر من عرفت منهم قال زدنى قال حسبك "
الرجل هنا يأمر الرجل بالمنكر وهو الاقلال من المعارف وإنكار معرفة من يعرفهم وهو تعليم الكذب للرجل والمفروض فى المسلمين أن يتعارفوا كى يتعاونوا على الخير كما قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى"
22 - السابع عشر عن (ص) كفى بالرجل أن يشار إليه بالأصابع في دين دنيا"
الخطا ان معرفة الرجل بالدين او بالدنيا هلاك وهو كلام فارغ لأن معناه أن رسل الله(ص) هالكون لمعرفة الناس إياهم بسبب رسالاتهم التى يجب أن يبلغوها للناس
ثم تناول ما سماه فوائد العزلة فقال:
"(القطب الثالث في فوائدها وهي أمور) * الأول انها من حقائق الايمان 23 - روى عن النبي (ص) انه قال لا يستكمل العبد حقيقة الايمان يكون أن لا يعرف أحب إليه من أن يعرف و يكون قلة الشئ أحب إليه من كثرته"
الخطأ ان المسلم تكون قلة الشئ أحب إليه من كثرته وهو كلام ليس صحيحا فالمسلم يريد كثرة حسناته وليس قلتها وهو يريد كثرة المسلمين وليس قلتهم وهو يريد كثرة الأمن والأمان فى الأرض ولا يريد قلته وهو يريد كثرة الصدق
" الثاني السلامه الرياء فقد قيل من استوحش من الوحدة واستأنس بالناس لم يسلم من الرياء:
24 - روى أبو عبد الله وفضال عن على بن النعمان عن يزيد بن خليفة قال أبو عبد الله ما يضر أحدكم إن كان على قلة جبل حتى ينتهى إليه أجله أتريدون تراءون الناس إن من يعمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله كان ثوابه على الله إن كل رياء شرك"
هنا الرجل على قلة الجبل وحده فكيف يعمل للناس وهو بعيد عنهم ؟
" الثالث السلامه من الخلق وحفظ الدين بالهرب:
25 - روى عن ابن مسعود قال قال رسول (ص) ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذى دين دينه إلا من يفر من شاهق إلى شاهق ومن حجر إلى حجر كالثعلب بأشباله قالوا ومتى ذلك الزمان قال إذا لم ينل المعيشة بمعاصي الله فعند ذلك حلت العزوبة قالوا يا الله أمرتنا بالتزويج قال بلى ولكن إذا ذلك الزمان فهلاك الرجل على يدى أبويه فإن يكن له أبوان فعلى يدى زوجته وولده فإن لم يكن زوجه ولا ولد فعلى يدى قرابته وجيرانه قالوا وكيف يا رسول الله قال يعيرونه لضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق حتى يوردونه موارد الهلكة"
هذه الكلام كلام من لا يعرف حكم الله فى الاضطرار فالمسلم الذى يضطر احضار رزقه بما يظن أنه حرام لا يهلك أم الله اباح للمسلم ان يفعل أفعال الكفار ما دام لا يوجد هناك محرج من هذا الرزق الحرام لأنه فى تلك الحالة مكره على الكفر كما قال تعالى " وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"
"الرابع إنها توقر العرض وتستر الفاقة وترفع ثقل المكافأة:
" مر أويس القرنى براهب فقال يا راهب لم تخليت الدنيا ولزمت الوحدة ؟ فقال يا فتى لو ذقت حلاوة الوحدة لأنست من نفسك يا فتى الوحدة رأس العبادة ما أنستها الفكرة فقال يا راهب ما اقل ما يجد العبد في الوحدة ؟ قال الراحة من مداراة الناس والسلامة من شرهم وقال بعضهم جربت الناس منذ خمسين سنة فما وجدت أخا ستر لي عورة ولا غفر لي ذنبا فيما بينى وبينه ولا واصلني إذا قاطعته ولا أمنته إذا غضب فاشتغال بهؤلاء حمق كثير "
بالقطع الوحدة هى الرهبانية التى اخترعها الناس زعما منهم أنهم يعبدون الله وهو شىء لم يكتبه الله عليهم كما قال "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم"
"الخامس السلامه من آثام الخلق والوقوع فيهم والخلاص من تبعاتهم ولهذا قيل إذا كانت الفضيلة الجماعه فإن السلامة في العزلة قيل لراهب في صومعته لا تنزل فقال من مشى على وجه الأرض عثر وقيل لراهب من رهبان الصين يا راهب قال لست براهب إنما الراهب من رهب الله في سمائه وحمده نعمائه وصبر على بلائه ولا يزال فارا إلى ربه مستغفرا لذنبه وإنما أنا كلب عقور حبست نفسي في هذه الصومعة لئلا اعقر الناس"
الحكاية التى حكاها الرجل ليست دليلا على إباحة العزلة وإنما على تحريمها إلا فى حالة الاضطرار وهى أن يرتكب الإنسان الذنوب الكبرى مع الناس كالقتل والجرح
"السادس انها اقرب إلى السلامه ودليل قوه العقل
26 - قال الصادق عزت السلامة لقد خفى مطلبها فإن تكن في شئ فيوشك أن تكون الخمول فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون الصمت فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك ان تكون التخلي فإن طلبت في التخلي ولم توجد فيوشك تكون في كلام السلف الصالح والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها وذكره في كشف الغمة عن سفيان الثوري"
ما ذكره الرجل من كون السلامة فى الخمول والصمت والتخلى ينافى أن الخاملون وهم الضعفاء من البشر دخلوا جهنم لأنهم تركوا الكبار يأخذون حقوقهم وهو الخمول والتخلى ويقودونهم إلى عصيان الله وفى هذا قال تعالى "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون فيها وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب وإلعنهم لعنا كبيرا
"وعنهم الصبر على الوحدة دليل قوه العقل السابع انها ترفه العمر وتحرسه عن الضياع وتقصره مصالح الاخرة ورضى الرب من النظر والفكر والاعتبار والذكر:
27 - قيل لراهب ما اصبرك على الوحدة ؟ قال أنا جليس ربى إذا شئت ان يناجيني قرأت كتبه وإذا شئت أناجيه صليت وقال بعضهم اتيت منقطعا فكأنى رأيته ينقبض فقلت له كأنك تكره أن تؤتى قال أجل قلت فما تستوحش قال وكيف استوحش ويقول انا جليس من ذكرني وقال بعضهم مررت بصديق وهو خلف سارية وحده فجئت فسلمت وجلست ما أجلسك إلى قلت رأيتك وحدك فاغتنمت وحدتك فقال أما انك لو لم تجلس إلى لكان خيرا لي وخيرا لك فاختر أما ان اقوم عنك فهو والله خير ولك وأما ان تقوم عنى فقلت بل اقوم عنك فأوصني بوصية ينفعني الله بها فقال يا عبد الله اخف مكانك واحفظ لسانك واستغفر الله لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات كما أمرك وكتب حكيم إلى أخ له يا أخى إياك والإخوان الذين يكرمونك بالزيارة ليغصبوك يومك فإذا ذهب يومك خسرت الدنيا والآخرة وخرج قوم إلى السفر فجازوا الطريق فانتهوا إلى صومعة راهب فقالوا يا راهب أين الطريق فأومى برأسه إلى السماء فعلم القوم ما أراد فقالوا راهب إنا سائلوك فهل أنت مجيبنا فقال اسألوا وتكثروا فإن النهار لا يرجع والعمر لا يعود والطالب حثيث فقالوا على ما ذا الخلق غدا عند مليكهم ؟ فقال على نياتهم فعجب القوم كلامه ثم قالوا أوصنا فقال تزودوا على قدر سفركم فإن خير الزاد ما بلغ البغية ثم أرشدهم الطريق وأدخل رأسه في صومعته وقيل لراهب رؤى عليه مدرعة شعر سوداء ما الذي حملك على لبس السواد فقال هو لباس المحزونين وأنا أكبرهم فقيل له ومن أي شئ أنت محزون قال لأنى أصبت في نفسي وذلك انى قتلتها معركة الذنوب فأنا حزين عليها ثم أسيل دمعه فقيل ما الذي أبكاك الآن قال ذكرت يوما مضى من أجلى يحسن فيه عملي فبكائي لقلة الزاد وبعد المفازة وعقبه لا بد لي من صعودها ثم لا ادرى أين مهبطها الجنة ام إلى النار ثم انشد يقول يا باكيا يطوى المسافة عمره * بالله هل تدرى مكان نزولكا شمر وقم من قبل حطك في الثرى * في حفره تبلى لطول حلولكا"
بالقطع كما قلنا لم يشرع الله الوحدة فى مكان منعزل لأن هذه هى الرهبانية المبتدعة التى لم يشرعها الله
28 - وقال أمير المؤمنين في كلام طويل في ذم الدنيا إنما الدنيا ثلاثة أيام يوم مضى بما فيه فليس بعائد ويوم أنت فيه يحق اغتنامه ويوم لا تدرى من أهله ولعلك راحل فيه فأما أمس فحكيم مؤدب وأما اليوم فصديق مودع وغدا فإنما في يديك منه الامل فإن يكن أمس سبقك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته وان يكن يومك هذا آنسك بقدومه فقد كان طويل الغيبه عنك وهو سريع الرحله عنك فتزود منه وأحسن وداعه خذ بالثقة في العمل وإياك والاغترار بالأمل ولا تدخل عليك اليوم هم غد يكفى اليوم همه وغدا إذا حل لتشغله إنك إن حملت على اليوم هم غد زدت في حزنك وتعبك وتكلفت إن تجمع يومك ما يكفيك أياما فعظم الحزن وزاد الشغل واشتد التعب وضعف العمل للأمل ولو خليت قلبك من الأمل تجد ذلك العمل والأمل منك في اليوم قد ضرك وجهين سوفت به في العمل وزدت به في الهم والحزن أو لا ترى ان الدنيا ساعة بين ساعتين ساعة مضت وساعة بقيت وساعة أنت فيها فأما الماضية والباقية فلست تجد لرخائهما لذة ولا لشدتهما ألما فأنزل الساعة الماضية والساعة التي أنت فيها منزله الضيفين نزلا بك فظعن الراحل عنك بذمه إياك وحل النازل بك بالتجربة لك فإحسانك الثاوى يمحو اساءتك إلى الماضي فأدرك ما اضعت باغتنامك استقبلت واحذر أن تجمع عليك شهادتهما فيوبقاك ولو أن مقبورا من الأموات قيل له هذه الدنيا أولها آخرها تجعلها لولدك الذين لم يكن لك هم غيرهم أو يوم نرده اليك فتعمل فيه لنفسك لاختار يوما يستعتب فيه من سئ ما أسلف على جميع الدنيا يورثها لولده ومن خلفه فما يمنعك أيها المفرط المسوف ان تعمل على مهل قبل حلول الأجل وما يجعل المقبور أشد تعظيما لما في يديك منك ألا تسعى في تحرير رقبتك وفكاك رقك ووقاء نفسك"
هذا الكلام ليس فيه أى كلام عن العزلة أو فائدة منها ولا حتى إباحتها فهو كلام عن اغتنام الوقت فى عمل الصالحات من أجل دخول الجنة
" الثامن انها عباده بانفرادها:
29 - روى أبو بصير قال سمعت عبد الله يقول العزلة عبادة إن أقل العتب الرجل قعوده في منزله"
الخطأ كون العزلة عبادة والسؤال أين الدليل القرآنى على إباحة العزلة ؟
" فهذا مضمونه العزلة والخمول بالأسانيد المتلقاة عن آل الرسول عليهم الصلاة والسلام وسميته: " كتاب التحصين في صفات العارفين "
وقد ألفه الرجل على ثلاثة فصول الأول تصور العزلة والمراد معناها الثانى إباحة العزلة كما ظن من الروايات الثالث فوائد العزلة كما يظن الحلى
وقد قال فى تعريفها :
"(القطب الأول في تصورها)
"فنقول العزلة الانقطاع إلى الله تعالى في كهف جبل أو ظل مسجد أو زاوية بيت وقد يقال العزلة هي الفرار والوحشة عن الخلق والإستيناس بالحق وهو أعم من الأول ولا يتهيأ ذلك إلا لمن قويت نفسه على هجر فضول الدنيا ومشتهياتها وكانت نفسه وهواه وراء عقله كما هو معلوم من أوصاف العارفين"
هذا التعريف يخالف وحى الله فالله لم يبح العزلة وهى البعد عن البشر والعزلة التى يمكن أن يقال أنه اباحها وهى الاعتكاف تكون فى مكان فيه ناس فالاعتكاف يكون فى مساجد البيوت حيث يمكن أن يباشر زوجته وفى هذا قال تعالى "ولا تباشروهن وانتم عاكفون فى المساجد" فالمباشرة وهى الجماع لا تكون فى المساجد العامة وإنما فى مساجد البيوت وهى أى ركن فيه مصحف ومكان تتم الصلاة فيه
العزلة وهى البعد عن الخلق فير ممكن فى الإسلام لأنه عصيان لأمر الله بالتعاون على الخير كما قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"
والعزلة عصيان لأحكام متعددة منها :
صلة الأرحام
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
الزواج
تربية الأولاد
صلاة الجمعة
الحج
وقد استدل الرجل على تعريفه العزلة بحكايات فقال:
" قال بعضهم لبعض الأمجاد وقد قال له سلنى حاجتك فقال: أولي تقول هذا ؟ ولي عبدان هما سيداك قال: ومن هما ؟ قال: الحرص والهوى فقد غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك وقيل لذى النون المصرى: متى يصح عزلة الخلق ؟ قال إذا قويت على عزلة نفسك قال فمتى يصح طلب الزهد ؟ قال إذا كنت زاهدا في نفسك هاربا جميع ما يشغلك عن الله أقول ولما كانت العزلة الفرار من الخلق والإقبال على الحق فما لم يفرغ القلب شهوات الدنيا ويقطع علائق التعلقات بها لم يقبل الله لشده ما به من الكدورات والحجب عن الوصول بل سلب لذه المناجاة والعبادة ولهذا ترى الصباغ يبالغ تنقيه الثوب من الوسخ وقلع الأثر الحاصل عليه الدسم وغيره قبل صبغه ليصير قابلا لإشراق أنوار الصبغ عليه فالتحلي بالفضائل مسبوق بالتخلي عن الرذائل وكذا الطبيب يبدأ بالإسهال لإخراج العفونات وإزالة الأخلاط المضرة ثم يبادر بعده بما يكون موجبا لصلاح البدن وقوة الأعضاء فما لم يخل البدن من العفونات لا ينفعه اصلاح الغذاء وما لم ينق الثوب من الوسخ والدسم لا يشرق عليه نور الصبغ وكذلك القلب ما لم ينق من الحرص وسورة الغضب وتقاضي الشهوة لم يكن محلا لإشراق الأنوار الإلهية بل لم يصلح لخدمه الربوبية"
وما قاله هنا من حكايات بعيد عن العزلة فعزلة القلب غير العزلة المكانية المحرمة فعزلة القلب عن غير الله مطلوبة وأما العزلة المكانية عن الناس فمحرمة
ثم روى الروايات التى ظن أنها مبيحة للعزلة فقال:
1 - فقد روي فيما أوحى الله تعالى إلى موسى أقبل صلاة من تواضع لعظمتي ولم يتعظم على خلقي وقطع نهاره بذكرى والزم نفسه خوفى وكف نفسه الشهوات من أجلى "
هذا القول ليس فيه أى كلام عن العزلة بل كلام عن وجوب التعامل مع الخلق بعدم التعظم عليهم
2 - قال عيسى بحق أقول لكم كما نظر المريض إلى الطعام فلا يلتذ به من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حلاوة بحق أقول لكم كما أن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعبت وتغير خلقها كذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت وبنصب العبادة تقسو وتغلظ وبحق أقول لكم إن الزق إذا لم ينخرق يوشك يكون وعاء العسل كذلك القلوب ما لم تخرقها الشهوات أو يدنسها الطمع أو يقسيها النعيم فسوف تكون أوعية الحكمة"
هذا القول هو الأخر ليس دليلا على العزلة بل هو دليل على أن التعامل مع الخلق واجب حيث يشعر العابد بحلاوة العبادة من خلال التعب فى معاملة الناس بينما لو ابتعد عنهم لن يجد أى صعوبة ومن ثم لا حلاوة فى العبادة
3 - وروى فيما أوحى الله تعالى إلى داود يا داود حذر وأنذر اصحابك من كل الشهوات فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا عقولها محجوبة عنى"
هذا القول ليس فيه أى كلام عن العزلة وإنما يتكلم عن الشهوات وحبها
4 - وفي الحديث من أكل طعاما للشهوة حرم على قلبه الحكمة ويحتاج صاحبها إلى ثلاثة أشياء الأول قطع الطمع عن الخلق الثاني أن ييأس من شئ ويأنس بالله سبحانه كما سيجئ في صفاتهم حتى قال قائلهم عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى * وصوت انسان فكدت أطير الثالث الهيبة بحيث لا يجرا الراغب في الدنيا ان يذكر بين يديه شيئا منها فربما ثارت نفسه وانبعثت ارادته وانتعشت شهواته فيحتاج قسرها وتأديبها ومجاهدتها وفي ذلك شغل شاغل له. "
الخطأ أن من أكل طعاما للشهوة حرم على قلبه الحكمة فالأكل كشهوة محللة كما قال تعالى "كلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا"أو للحصول على شهوة محللة كالجماع وأى شىء مباح من الله يدخل الحكمة فى القلب فإنما الشهوة الحرام هى التى تمنع الحكمة عن القلب
5 - ولقد كان رسول الله (ص) حين يدخل احدى زوجاته فيجد على بابها الستر وفيه التصاوير فيقول غيبيه عنى فانى إذا نظرت إليه ذكرت وزخارفها"
هذا القول ليس دليل على العزلة المكانية فالرجل يبعد نفسه عن الحرام بالبعد عما يشغله عن طاعة الله
ثم تناول الرجل إباحة العزبة المكانية فذكر الروايات التالية:
" (القطب الثاني في الاذن فيها) * والأخبار في ذلك لا تحصى كثرة فلنذكر ما يحضرنا
6 - الأول أبو عبد الله عن ابن أبي عمير عن بن عبد الحميد عن الوليد بن صبيح قال سمعت عبد الله يقول لولا الموضع الذي وضعني الله فيه لسرني أن أكون على رأس جبل لا أعرف الناس ولا يعرفونى حتى يأتيني الموت"
القول حرم العزلة بسبب إسلام الرجل فالإسلام يحتم التواجد فى مجتمع المسلمين كما طلب الله منهم الهجرة له فقال " والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا"
فهنا اعتبر الذى لم يهاجر ليس له ولاية للمسلمين
7 - الثاني ابن بكير عن فضيل بن يسار عن عبد الواحد بن المختار الانصاري قال قال لي أبو جعفر يا عبد الواحد ما يضرك أو ما يضر رجلا إذا كان على الحق ما قال له الناس ولو قالوا مجنون وما يضره وكان على رأس جبل يعبد الله حتى يجيئه الموت
8 - الثالث روى فضيل بن يسار عن أبي عبد قال ما يضر المؤمن ان يكون متفردا عن ولو على قلة جبل فأعادها ثلاث مرات
9 - الرابع عنه عن أبي جعفر ما يضر من عرفه الله الحق أن يكون على قله جبل يأكل من نبات الأرض حتى يجيئه الموت
10 - الخامس روى ابن فضال عن رفاعة بن عن عبد الله بن أبي يعفور قال سمعت أبا الله يقول ما يضر من كان على هذا الأمر ان لا يكون له ما يستظل به إلا الشجر ولا يأكل من ورقه :
الأقوال السابقة فى البعد عن الناس للجبل يتعارض كما قلنا مع كثير من الأحكام كتعاون المسلمين على الخير والزواج والنفقة على الأسرة وصلاة الجمعة وبر الأبوين والجيران والأصحاب والأقارب
11 - السادس روى ابن عباس عن (ص) انه قال ألا أخبركم بخير الناس منزله ؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله حتى يموت يقتل ألا أخبركم بالذى يليه ؟ قالوا بلى يا الله قال رجل في جبل يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعتزل شرار الناس ألا أخبركم بشر الناس منزلة الذي يسال بالله فلا يعطى به"
الخطأ هنا أن شر الناس منزلة الذي يسأل بالله فلا يعطى به وهو ما يناقض أن شرهم كما قال تعالى "إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون"وشر الشرار المنافقين كما قال تعالى "إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار"
12 - السابع بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي الله قال طوبى لعبد نومه عرف الناس فصاحبهم ببدنه ولم يصاحبهم في اعمالهم بقلبه فعرفوه في الظاهر وعرفهم في الباطن"
هنا العزلة المطلوبة عزل النفس عن أعمال الناس المنكرة مع مصاحبتهم بالبدن
13 - الثامن أبو عبد الله عن محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر واسحاق بن جرير عن عبد الحميد أبي الديلم قال قال لي أبو عبد الله لا عليك ان لا يعرفك الناس ثلاثا يا عبد الحميد إن لله رسلا مشتغلين ورسلا مستخفين فإذا سألته بحق المشتغلين فاسأله بحق المستخفين"
الخطأ وجود رسل مشتغلين ورسل مستخفين وهو جنون فكيف يبلغ الرسول الخفى الرسالة وهو لا يتعامل مع الناس كى يبلغهم الرسالة وهو ما يتعارض مع قوله تعالى " بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"
14 - التاسع أبو عبد عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد الله قال قال الله تبارك وتعالى ان من اغبط اوليائي عبدا مؤمنا ذا حظ من صلاة أحسن عباده ربه بالغيب والله في السريره وكان غامضا في الناس ولم يشر بالأصابع وكان رزقه كفافا فصبر عليه فعجلت به المنيه فقل تراثه وقلت بواكيه"
15 - العاشر أبو عبد الله عن النضر بن سويد عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم عن أبي قال قال رسول الله (ص) قال الله تبارك إن أغبط أوليائي عندي رجل خفيف ذو حظ من صلاة أحسن عباده ربه الغيب وكان غامضا في الناس جعل رزقه كفافا فصبر حتى مات فقل تراثه وقلت بواكيه "
الخطأ المشترك بين الروايتين أن أسعد المسلمين المصلى العابد ربه بالغيب الذى لا يعرفه الناس وهو ما يخالف كون الأسعد وهو الأفضل المجاهد كما قال تعالى "وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "
16 - الحادى عشر عكرمه عن عبد الله بن عمرو قال بينا نحن حول رسول الله (ص) إذ ذكر الفتنة أو ذكرت عنده الفتنة فقال إذا رأيت الناس مرجت عهودهم وحقرت أمانتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابع قال فقمت إليه فقلت كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال: الزم بيتك وامسك عليك لسانك وخذ ما تعرف وذر ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك وذر عنك العامة"
الخطأ لزوم البيت فى الفتنة وهو جنون من كل النواحى حيث يحرم نفسه وأهله من الرزق فيموت جوعا هو وهم ويحرم ما أوجب الله من العمل بالمشى فى مناكب الأرض كما قال تعالى "فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه" كما أن يعصى قوله تعالى بوجوب الإصلاح بين المسلمين كما قال تعالى "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"
17 - الثاني عشر عن النبي (ص) أحب إلى منزلة رجل يؤمن بالله ورسوله ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعمر ماله ويحفظ دينه ويعتزل"
نلاحظ الخبل فى الرواية أن حفظ الدين بكون بالاعتزال وكما قلنا صلاح الدين يكون بطاعة الدين فى كل شىء كالإصلاح بين المتقاتلين والتعاون على البر وهى أمور لا يمكن تحققها باعتزال الناس
18 - الثالث عشر روى أبو يوسف يعقوب بن يزيد جعفر بن الزبير عمن ذكره عن أبي عبد الله قال ان مما يحتج الله تبارك وتعالى به عبده يوم القيامة ان يقول الم اخمل ذكرك"
يتعارض القول بخمول الذكر مع قوله تعالى "ورفعنا لك ذكرك" كما يتعارض مع دعاء المسلمين بجعلهم أئمة يقتدى بهم كما دعوا الله قائلين "واجعلنا للمتقين إماما"
19 - الرابع عشر روى عن الصادق انه قال لحفص بن غياث في وصيه له مطوله يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا"
وصية تخالف كتاب الله فالمسلمون كلهم سواء ليس فيهم ذنب ولا رأس ولذا قال "إنما المؤمنون اخوة" وقال فى حكمهم أنه شركة اى سورى بين جميعهم فقال "وأمرهم شورى بينهم"
20 - الخامس عشر عنه للمعلى بن خنيس في كلام له من جملته يا معلى ان الله يحب ان يعبد في السر كما يحب ان يعبد في العلانية"
قول لا علاقة له بالعزلة
21 - السادس عشر عن أبي عبد الله قال له المعروف الكرخي أوصني يا بن رسول قال اقلل معارفك قال زدنى قال انكر من عرفت منهم قال زدنى قال حسبك "
الرجل هنا يأمر الرجل بالمنكر وهو الاقلال من المعارف وإنكار معرفة من يعرفهم وهو تعليم الكذب للرجل والمفروض فى المسلمين أن يتعارفوا كى يتعاونوا على الخير كما قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى"
22 - السابع عشر عن (ص) كفى بالرجل أن يشار إليه بالأصابع في دين دنيا"
الخطا ان معرفة الرجل بالدين او بالدنيا هلاك وهو كلام فارغ لأن معناه أن رسل الله(ص) هالكون لمعرفة الناس إياهم بسبب رسالاتهم التى يجب أن يبلغوها للناس
ثم تناول ما سماه فوائد العزلة فقال:
"(القطب الثالث في فوائدها وهي أمور) * الأول انها من حقائق الايمان 23 - روى عن النبي (ص) انه قال لا يستكمل العبد حقيقة الايمان يكون أن لا يعرف أحب إليه من أن يعرف و يكون قلة الشئ أحب إليه من كثرته"
الخطأ ان المسلم تكون قلة الشئ أحب إليه من كثرته وهو كلام ليس صحيحا فالمسلم يريد كثرة حسناته وليس قلتها وهو يريد كثرة المسلمين وليس قلتهم وهو يريد كثرة الأمن والأمان فى الأرض ولا يريد قلته وهو يريد كثرة الصدق
" الثاني السلامه الرياء فقد قيل من استوحش من الوحدة واستأنس بالناس لم يسلم من الرياء:
24 - روى أبو عبد الله وفضال عن على بن النعمان عن يزيد بن خليفة قال أبو عبد الله ما يضر أحدكم إن كان على قلة جبل حتى ينتهى إليه أجله أتريدون تراءون الناس إن من يعمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله كان ثوابه على الله إن كل رياء شرك"
هنا الرجل على قلة الجبل وحده فكيف يعمل للناس وهو بعيد عنهم ؟
" الثالث السلامه من الخلق وحفظ الدين بالهرب:
25 - روى عن ابن مسعود قال قال رسول (ص) ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذى دين دينه إلا من يفر من شاهق إلى شاهق ومن حجر إلى حجر كالثعلب بأشباله قالوا ومتى ذلك الزمان قال إذا لم ينل المعيشة بمعاصي الله فعند ذلك حلت العزوبة قالوا يا الله أمرتنا بالتزويج قال بلى ولكن إذا ذلك الزمان فهلاك الرجل على يدى أبويه فإن يكن له أبوان فعلى يدى زوجته وولده فإن لم يكن زوجه ولا ولد فعلى يدى قرابته وجيرانه قالوا وكيف يا رسول الله قال يعيرونه لضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق حتى يوردونه موارد الهلكة"
هذه الكلام كلام من لا يعرف حكم الله فى الاضطرار فالمسلم الذى يضطر احضار رزقه بما يظن أنه حرام لا يهلك أم الله اباح للمسلم ان يفعل أفعال الكفار ما دام لا يوجد هناك محرج من هذا الرزق الحرام لأنه فى تلك الحالة مكره على الكفر كما قال تعالى " وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"
"الرابع إنها توقر العرض وتستر الفاقة وترفع ثقل المكافأة:
" مر أويس القرنى براهب فقال يا راهب لم تخليت الدنيا ولزمت الوحدة ؟ فقال يا فتى لو ذقت حلاوة الوحدة لأنست من نفسك يا فتى الوحدة رأس العبادة ما أنستها الفكرة فقال يا راهب ما اقل ما يجد العبد في الوحدة ؟ قال الراحة من مداراة الناس والسلامة من شرهم وقال بعضهم جربت الناس منذ خمسين سنة فما وجدت أخا ستر لي عورة ولا غفر لي ذنبا فيما بينى وبينه ولا واصلني إذا قاطعته ولا أمنته إذا غضب فاشتغال بهؤلاء حمق كثير "
بالقطع الوحدة هى الرهبانية التى اخترعها الناس زعما منهم أنهم يعبدون الله وهو شىء لم يكتبه الله عليهم كما قال "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم"
"الخامس السلامه من آثام الخلق والوقوع فيهم والخلاص من تبعاتهم ولهذا قيل إذا كانت الفضيلة الجماعه فإن السلامة في العزلة قيل لراهب في صومعته لا تنزل فقال من مشى على وجه الأرض عثر وقيل لراهب من رهبان الصين يا راهب قال لست براهب إنما الراهب من رهب الله في سمائه وحمده نعمائه وصبر على بلائه ولا يزال فارا إلى ربه مستغفرا لذنبه وإنما أنا كلب عقور حبست نفسي في هذه الصومعة لئلا اعقر الناس"
الحكاية التى حكاها الرجل ليست دليلا على إباحة العزلة وإنما على تحريمها إلا فى حالة الاضطرار وهى أن يرتكب الإنسان الذنوب الكبرى مع الناس كالقتل والجرح
"السادس انها اقرب إلى السلامه ودليل قوه العقل
26 - قال الصادق عزت السلامة لقد خفى مطلبها فإن تكن في شئ فيوشك أن تكون الخمول فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون الصمت فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك ان تكون التخلي فإن طلبت في التخلي ولم توجد فيوشك تكون في كلام السلف الصالح والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها وذكره في كشف الغمة عن سفيان الثوري"
ما ذكره الرجل من كون السلامة فى الخمول والصمت والتخلى ينافى أن الخاملون وهم الضعفاء من البشر دخلوا جهنم لأنهم تركوا الكبار يأخذون حقوقهم وهو الخمول والتخلى ويقودونهم إلى عصيان الله وفى هذا قال تعالى "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون فيها وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب وإلعنهم لعنا كبيرا
"وعنهم الصبر على الوحدة دليل قوه العقل السابع انها ترفه العمر وتحرسه عن الضياع وتقصره مصالح الاخرة ورضى الرب من النظر والفكر والاعتبار والذكر:
27 - قيل لراهب ما اصبرك على الوحدة ؟ قال أنا جليس ربى إذا شئت ان يناجيني قرأت كتبه وإذا شئت أناجيه صليت وقال بعضهم اتيت منقطعا فكأنى رأيته ينقبض فقلت له كأنك تكره أن تؤتى قال أجل قلت فما تستوحش قال وكيف استوحش ويقول انا جليس من ذكرني وقال بعضهم مررت بصديق وهو خلف سارية وحده فجئت فسلمت وجلست ما أجلسك إلى قلت رأيتك وحدك فاغتنمت وحدتك فقال أما انك لو لم تجلس إلى لكان خيرا لي وخيرا لك فاختر أما ان اقوم عنك فهو والله خير ولك وأما ان تقوم عنى فقلت بل اقوم عنك فأوصني بوصية ينفعني الله بها فقال يا عبد الله اخف مكانك واحفظ لسانك واستغفر الله لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات كما أمرك وكتب حكيم إلى أخ له يا أخى إياك والإخوان الذين يكرمونك بالزيارة ليغصبوك يومك فإذا ذهب يومك خسرت الدنيا والآخرة وخرج قوم إلى السفر فجازوا الطريق فانتهوا إلى صومعة راهب فقالوا يا راهب أين الطريق فأومى برأسه إلى السماء فعلم القوم ما أراد فقالوا راهب إنا سائلوك فهل أنت مجيبنا فقال اسألوا وتكثروا فإن النهار لا يرجع والعمر لا يعود والطالب حثيث فقالوا على ما ذا الخلق غدا عند مليكهم ؟ فقال على نياتهم فعجب القوم كلامه ثم قالوا أوصنا فقال تزودوا على قدر سفركم فإن خير الزاد ما بلغ البغية ثم أرشدهم الطريق وأدخل رأسه في صومعته وقيل لراهب رؤى عليه مدرعة شعر سوداء ما الذي حملك على لبس السواد فقال هو لباس المحزونين وأنا أكبرهم فقيل له ومن أي شئ أنت محزون قال لأنى أصبت في نفسي وذلك انى قتلتها معركة الذنوب فأنا حزين عليها ثم أسيل دمعه فقيل ما الذي أبكاك الآن قال ذكرت يوما مضى من أجلى يحسن فيه عملي فبكائي لقلة الزاد وبعد المفازة وعقبه لا بد لي من صعودها ثم لا ادرى أين مهبطها الجنة ام إلى النار ثم انشد يقول يا باكيا يطوى المسافة عمره * بالله هل تدرى مكان نزولكا شمر وقم من قبل حطك في الثرى * في حفره تبلى لطول حلولكا"
بالقطع كما قلنا لم يشرع الله الوحدة فى مكان منعزل لأن هذه هى الرهبانية المبتدعة التى لم يشرعها الله
28 - وقال أمير المؤمنين في كلام طويل في ذم الدنيا إنما الدنيا ثلاثة أيام يوم مضى بما فيه فليس بعائد ويوم أنت فيه يحق اغتنامه ويوم لا تدرى من أهله ولعلك راحل فيه فأما أمس فحكيم مؤدب وأما اليوم فصديق مودع وغدا فإنما في يديك منه الامل فإن يكن أمس سبقك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته وان يكن يومك هذا آنسك بقدومه فقد كان طويل الغيبه عنك وهو سريع الرحله عنك فتزود منه وأحسن وداعه خذ بالثقة في العمل وإياك والاغترار بالأمل ولا تدخل عليك اليوم هم غد يكفى اليوم همه وغدا إذا حل لتشغله إنك إن حملت على اليوم هم غد زدت في حزنك وتعبك وتكلفت إن تجمع يومك ما يكفيك أياما فعظم الحزن وزاد الشغل واشتد التعب وضعف العمل للأمل ولو خليت قلبك من الأمل تجد ذلك العمل والأمل منك في اليوم قد ضرك وجهين سوفت به في العمل وزدت به في الهم والحزن أو لا ترى ان الدنيا ساعة بين ساعتين ساعة مضت وساعة بقيت وساعة أنت فيها فأما الماضية والباقية فلست تجد لرخائهما لذة ولا لشدتهما ألما فأنزل الساعة الماضية والساعة التي أنت فيها منزله الضيفين نزلا بك فظعن الراحل عنك بذمه إياك وحل النازل بك بالتجربة لك فإحسانك الثاوى يمحو اساءتك إلى الماضي فأدرك ما اضعت باغتنامك استقبلت واحذر أن تجمع عليك شهادتهما فيوبقاك ولو أن مقبورا من الأموات قيل له هذه الدنيا أولها آخرها تجعلها لولدك الذين لم يكن لك هم غيرهم أو يوم نرده اليك فتعمل فيه لنفسك لاختار يوما يستعتب فيه من سئ ما أسلف على جميع الدنيا يورثها لولده ومن خلفه فما يمنعك أيها المفرط المسوف ان تعمل على مهل قبل حلول الأجل وما يجعل المقبور أشد تعظيما لما في يديك منك ألا تسعى في تحرير رقبتك وفكاك رقك ووقاء نفسك"
هذا الكلام ليس فيه أى كلام عن العزلة أو فائدة منها ولا حتى إباحتها فهو كلام عن اغتنام الوقت فى عمل الصالحات من أجل دخول الجنة
" الثامن انها عباده بانفرادها:
29 - روى أبو بصير قال سمعت عبد الله يقول العزلة عبادة إن أقل العتب الرجل قعوده في منزله"
الخطأ كون العزلة عبادة والسؤال أين الدليل القرآنى على إباحة العزلة ؟