نقد بحث في تلحين الآذان
الكتاب من تأليف جابر السعدي وموضوعه سؤال عن تلحين الآذان وإجابة الرجل عليه
بداية المقصود بالتلحين هو تمديد الصوت فى حرف أو أكثر ومثاله مد اللام الثانية فى كلمة الله بحيث تستغرق وقتا أكثر مما تستغرقه بقية الحروف وأكثر وكذلك مد الواو فى رسول مدا طويلا
ويسمى هذا التغنى والتلحين والتطريب وقد ذكر السعدى السؤال فقال:
"فقد سألني بعض الإخوة الأعزة عليّ عن ما يفعله بعض المؤذنين في أذانهم من التلحين ورفع الأصوات وخفضها وهل ذلك أمر مشروع مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟"
ونلاحظ على إجابة السعدى أمرين :
الأول :
استغرق صفحة وأكثر فى كلام لا علاقة له بالسؤال عن وحدة المسلمين
الثانى :
أنه لم ينقل الإجابة من المذهب الإباضى مذهبه وإنما نقل أقوال أهل المذاهب الأربعة وألان لذكر جوابه:
"فأجبته مستعينا بالله تعالى بالآتي :
اعلم أخي وفقني الله وإياك إلى طريق الرشاد أن الله جل شأنه منّ على عباده المسلمين المؤمنين بأن جعلهم أمة تجمعهم جامعة الإسلام وتشدهم إلى بعضهم رابطة الإيمان والتقوى وتلفهم أواصر الأخوة والمحبة حاديهم رضى الرحمن وإخراج الناس مما هم فيه إلى هداية القرآن لينالوا سعادة الدارين الدار الدنيا بعيشهم فيها وفق منهج ربهم ، والدار الآخرة بفوزهم بثوابه ونجاتهم من عقابه من يقول الله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) .
وإن الإنسان ليعجب كيف يجمع قدر من المصالح المادية المشتركة في عالم اليوم بين كثير من الفرقاء الذين كانوا بالأمس القريب من ألد الأعداء بينما تبقى هذه الأمة أمة الهداية في هذا الخضم من الشحناء والتنافر الذي تنوء بحمله كواهل أبنائها مع امتلاكهم أسباب الوحدة المبنية على أصول اعتقادية روحية إضافة إلى عوامل الوحدة الأخرى ، والله أسأل أن يهيئ من شباب هذه الأمة من يدرك ذلك ويعمل على تحقيقه بالعودة إلى الإسلام الحق ، إسلام العلم والعمل ، إسلام الأخوة والتقوى ، والنصرة والألفة والمحبة ، إسلام نشدان الدليل وابتغاء مراد الله تعالى والتشوف إلى هدى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، إنه سبحانه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير .
وغرضي إذ أجبتك على هذا السؤال إنما هو بيان أن ما عليه أصحابنا من عمل في هذه المسالة إنما هو موافق للدليل الشرعي ، وقد حرصت أن أنقل أقوال غير الأصحاب من علماء المذاهب المختلفة لا سيما المذاهب الأربعة في هذه المسألة مستعينا بما تيسر من مصنفات أهل العلم دون كبير بحث أو تقصي ، ولم أعتمد على شئ من مراجع أصحابنا رحمهم الله تعالى لأن عملهم قديما فيما أثر عنهم في الأذان على عدم التطريب وكذلك حالهم اليوم في مختلف البلدان كعمان وشرق أفريقيا وتونس والجزائر وليبيا والحمد لله ، والله من وراء القصد .
أقول وبالله التوفيق ومنه تعالى أستلهم الصواب :
ما سألت عنه اصطلح أهل العلم على تسميته بمسألة ( التطريب في الآذان) ، ولا شك أن الحكمة المقصودة من الأذان هي الإعلام بدخول وقت الصلاة وذلك أمر جلي مأخوذ من أدلة مشروعية الأذان مع الحكم أخرى كإظهار شعار الإسلام وجملة التوحيد والناظر في أحاديث مشروعية الأذان كحديث عبد الله بن زيد وأبي سعيد الخدري وابي محذورة يتبين له أن التطريب أمر غير مشروع لم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فلا ينبغي فعله ولا التمسك به وهذه مصنفات أهل العلم على اختلاف مذاهبهم شاهدة على ذلك .
ولعل البعض يظن أن تعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمره عبد الله بن زيد إلقاء الأذان على بلال دليل على ذلك حيث قال له فإنه أندى صوتا منك ظانا أن الصوت الندي هو الصوت المطرب ، وبالرجوع إلى قواميس اللغة يتبين عدم صحة ذلك ، فالصوت الندي هو الصوت العالي الذي يبلغ مدى بعيدا ، ولا يعني لغة الصوت المطرب .
فقد جاء في القاموس المحيط ( وهو ندي الصوت كغني أي بعيده ) وجاء في مختار الصحاح ( الندا أيضاً بعد ذهاب الصوت يقال فلان أندى صوتا من فلان إذا كان بعيد الصوت )
ويقول ابن منظور في اللسان ( وفلان أندى صوتا من فلان أي أبعد مذهبا وارفع صوتا ... وفي حديث الأذان فإنه أندى صوتا منك أي أرفع واعلى وقيل أحسن وأعذب وقيل أبعد .)
وتفسير الصوت الندي بالحسن العذب لا دليل فيه على التطريب لأن حسن الصوت وعذوبته أمر خلقي فمن الناس من هو رخيم الصوت ومنهم من أجش ومنهم من هو جهوريه وأما التطريب فهو تصنع وتكلف ولذلك نهى عنه الفقهاء وشددوا في النكير على من يفعله :
فمن المالكية :
يقول القرافي في الذخيرة ( أنكر في الكتاب التطريب في الأذان ، قال ابن القاسم ما رأيت أحدا من مؤذني المدينة يطرب يعني العمل على خلافه ، والتطريب من الاضطراب الذي يصيب الإنسان من الخوف أو الفرح ، شبه بتقطيع الصوت وترعيده بذلك ، وكرهه لما فيه من التشبيه بالغناء الذي ينزه التقرب عنه ، وفي الجواهر قال ابن حبيب وكذلك التحزين بغير تطريب ، ولا يبالغ في المد بل يكون عدلا . قال صاحب الطراز والسنة أن يكون محدداً عالياً ).
ويقول ابن الحاج في المدخل ( فصل في النهي عن الأذان بالألحان ن وليحذر في نفسه أن يؤذن بالألحان وينهى غيره عما أحدثوا فيه مما يشبه الغناء وهذا ما لم يكن في جماعة يطربون تطريبا يشبه الغناء حتى لا يعلم ما يقولونه من ألفاظ الأذان إلا أصوات ترتفع وتنخفض وهي بدعة مستهجنة قريبة العهد بالحدوث أحداثها بعض الأمراء بمدرسة بناها ثم سرى ذلك منها إلى غيرها وهذا الأذان هو المعمول به في الشام في هذا الزمان ، وهي بدعة قبيحة إذ أن الأذان إنما المقصود به النداء إلى الصلاة فلا بد من تفيهم ألفاظه للسامع وهذا الأذان لا تفهم منه شئ لما دخل ألفاظه من شبه الهنوك والتغني . وقد ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، وقد روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلاً سمحاً وإلا فلا تؤذن ) أخرجه الدارقطني في سننه .
وقال الإمام أبو طالب المكي رحمه الله في كتابه :
ومما أحدثوه التلحين في الأذان وهو من البغي فيه والإعتداء . قال رجل من المؤذنين لابن عمر إني لأحبك في الله ، فقال له : لكني أبغضك في الله فقال ولم يا أبا عبد الرحمن قال لأنك تبغي في أذانك وتأخذ عليه أجرة ، وكان أبو بكر الآجري رحمه الله يقول خرجت من بغداد ولم يحل لي المقام بها قد ابتدعوا في كل شئ حتى في قراءة القرآن وفي الأذان يعني الإجارة والتلحين ، انتهى والعجب من بعض الناس ......) انتهى كلام ابن الحاج وهو من علماء المالكية المتقدمين حيث كانت وفاته في سنة 737 هجرية .
ومن الشافعية :
قال النووي في المجموع ناقلا كلام صاحب المهذب ومعلقا عليه : والمستحب أن يترسل في الأذان ويدرج الإقامة ... ويكره التمطيط وهو التمديد والبغي وهو التطريب لما روي أن رجلاً قال لابن عمر ( إني لأحبك في الله قال وأنا أبغضك في الله أنك تبغي في أذانك ) قال حماد يعني التطريب ، الشرح ( اي شرح النووي ) هذا الحكم الذي ذكره متفق عليه وهكذا نص عليه الشافعي في الأم ... وأما الأثر المذكور عن ابن عمر فرواه أبو بكر ابن أبي داود السجستاني في كتابه المغازي وقال فيه تختال في أذانك بدل تبغي ... ) ثم أورد كلام صاحب الحاوي الآتي في كراهة التلحين .
ويقول الماوردي في الحاوي ( مسألة : قال الشافعي :" وأحب أن يؤذن مترسلاً بغير تمطيط ولا يغني فيه وأحب الإقامة إدرجاً " ... فأما قول الشافعي من غير تمطيط ولا تغني فيه ففي التمطيط تأويلان :
أحدهما : أنه الإعراب الفاحش .
والثاني : أنه تفخيم الكلام والتشادق فيه ، ويكره تلحين الأذان لأنه يخرج بالتلحين عن حد الإفهام ، ولأن السلف تجافوه وإنما أحدثه العجم في بلادهم ... )
وأما الحنابلة :
فإن التلحين والتطريب من مكروهات الأذان عندهم يقول ابن النجار في منتهى الإرادات ( ويكره ملحنا ً وملحونا ً ) ويقول البهوتي في كشاف القناع ( ويصح أذان ملحن وهو الذي فيه تطريب ... مع الكراهة فيهما أي في الملحن والملحون ، قال أحمد : كل شئ محدث أكرهه مثل التطريب ).
فكلام أهل العلم في هذه المسألة على اختلاف مذاهبهم صريح واضح ولذلك تركته من غير تعليق أو تعقيب ، بل لم يزل أهل العلم إلى وقتنا هذا ينكرون التطريب والتلحين في الأذان فقد أخبرني شيخنا المجدد الخليلي متعنا الله بحياته أنه كان قد حضر ندوة علمية بلكهنو بالهند سنة 1401 هجرية ولما حضر وقت الصلاة طرب المؤذن في أذانه فقام الشيخ عبد البديع صقر المصري منكرا عليه مبينا أنه لا يليق بندوة يحضرها أهل العلم من مختلف أصقاع المعمورة ولا يكون الأذان فيها شرعياً ، بل لا يزال هذا الأذان الخالي من التطريب يرفع في مساجد مدينة القاهرة إلى وقتنا هذا ، كما ذكر شيخنا حفظه الله"
الملاحظ فيما ذكره الرجل من نقول عن الفقهاء أنه لا يوجد روايات تحرم أو تحلل الأمر فرواية :
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
رواية عامة فى كل الأمور وأما الرواية التالية:
" روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلاً سمحاً وإلا فلا تؤذن ) أخرجه الدارقطني في سننه "
فليس فيها بيان لكيفية الأذان السهل السمح ومن ثم لا يمكن الاعتماد عليها فى تحليل أو تحريم التطريب وأما رواية:
"قال رجل من المؤذنين لابن عمر إني لأحبك في الله ، فقال له : لكني أبغضك في الله فقال ولم يا أبا عبد الرحمن قال لأنك تبغي في أذانك وتأخذ عليه أجرة"
فهى الأخرى لم تبين ماهية البغى فى الآذان ومن ثم لا تصلح لتحليل أو تحريم التطريب
كما نلاحظ حكاية نداوة الصوت أى عذوبته فليس المطلوب فى الآذان سوى أن يفهم الناس من الصوت المطلوب وهذه الحكاية سبب من أسباب المصائب فى نفوس الناس فالناس سابقا وحاليا يتسابقون فى سماع هذه الأصوات ولا يفهمون ما يقرأ من القرآن مع أن الغرض من القراءة هى فهم أحكام القرآن لطاعتها وأما الاستماع لأصوات فقط ويقال أن فلان أحسن صوتا أو فلان صوت من أعماق السماء أو صوت من الجنة إلى أخر الهبل الذى يقوله الناس فحرام لكونه فعل الكفار الذين يسمعون ولا يسمعون أى لا يؤمنون فيطيعون وفيهم قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون"
محرمات الآذان كقول تشمل التالى :
- الزيادة فى الآذان سواء كانت زيادة كلمات أو حروف
- النقص فى الآذان سواء كانت نقص حروف أو كلمات
وهذا الأمران ينطبق عليهما ما سماه الله تحريف الناس للوحى بالزيادة كما قال تعالى :
" "وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا"
أو بالنقص وهو ما سماه الله كتم الحق كما قال تعالى:
"وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون"
-تأدية الآذان بغير النطق المعروف بالتطويل أو التقصير أو التغيير فى نوع الصوت قياسا على تحريم الخضوع بالقول فى قوله تعالى :
"يا نساء النبى لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفا"
فالمطلوب أن يكون القول قول معروف أى كامل الحروف ليس به تغير مقصود فى النطق كقول الناس فى الكلام العادى
الكتاب من تأليف جابر السعدي وموضوعه سؤال عن تلحين الآذان وإجابة الرجل عليه
بداية المقصود بالتلحين هو تمديد الصوت فى حرف أو أكثر ومثاله مد اللام الثانية فى كلمة الله بحيث تستغرق وقتا أكثر مما تستغرقه بقية الحروف وأكثر وكذلك مد الواو فى رسول مدا طويلا
ويسمى هذا التغنى والتلحين والتطريب وقد ذكر السعدى السؤال فقال:
"فقد سألني بعض الإخوة الأعزة عليّ عن ما يفعله بعض المؤذنين في أذانهم من التلحين ورفع الأصوات وخفضها وهل ذلك أمر مشروع مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟"
ونلاحظ على إجابة السعدى أمرين :
الأول :
استغرق صفحة وأكثر فى كلام لا علاقة له بالسؤال عن وحدة المسلمين
الثانى :
أنه لم ينقل الإجابة من المذهب الإباضى مذهبه وإنما نقل أقوال أهل المذاهب الأربعة وألان لذكر جوابه:
"فأجبته مستعينا بالله تعالى بالآتي :
اعلم أخي وفقني الله وإياك إلى طريق الرشاد أن الله جل شأنه منّ على عباده المسلمين المؤمنين بأن جعلهم أمة تجمعهم جامعة الإسلام وتشدهم إلى بعضهم رابطة الإيمان والتقوى وتلفهم أواصر الأخوة والمحبة حاديهم رضى الرحمن وإخراج الناس مما هم فيه إلى هداية القرآن لينالوا سعادة الدارين الدار الدنيا بعيشهم فيها وفق منهج ربهم ، والدار الآخرة بفوزهم بثوابه ونجاتهم من عقابه من يقول الله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) .
وإن الإنسان ليعجب كيف يجمع قدر من المصالح المادية المشتركة في عالم اليوم بين كثير من الفرقاء الذين كانوا بالأمس القريب من ألد الأعداء بينما تبقى هذه الأمة أمة الهداية في هذا الخضم من الشحناء والتنافر الذي تنوء بحمله كواهل أبنائها مع امتلاكهم أسباب الوحدة المبنية على أصول اعتقادية روحية إضافة إلى عوامل الوحدة الأخرى ، والله أسأل أن يهيئ من شباب هذه الأمة من يدرك ذلك ويعمل على تحقيقه بالعودة إلى الإسلام الحق ، إسلام العلم والعمل ، إسلام الأخوة والتقوى ، والنصرة والألفة والمحبة ، إسلام نشدان الدليل وابتغاء مراد الله تعالى والتشوف إلى هدى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، إنه سبحانه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير .
وغرضي إذ أجبتك على هذا السؤال إنما هو بيان أن ما عليه أصحابنا من عمل في هذه المسالة إنما هو موافق للدليل الشرعي ، وقد حرصت أن أنقل أقوال غير الأصحاب من علماء المذاهب المختلفة لا سيما المذاهب الأربعة في هذه المسألة مستعينا بما تيسر من مصنفات أهل العلم دون كبير بحث أو تقصي ، ولم أعتمد على شئ من مراجع أصحابنا رحمهم الله تعالى لأن عملهم قديما فيما أثر عنهم في الأذان على عدم التطريب وكذلك حالهم اليوم في مختلف البلدان كعمان وشرق أفريقيا وتونس والجزائر وليبيا والحمد لله ، والله من وراء القصد .
أقول وبالله التوفيق ومنه تعالى أستلهم الصواب :
ما سألت عنه اصطلح أهل العلم على تسميته بمسألة ( التطريب في الآذان) ، ولا شك أن الحكمة المقصودة من الأذان هي الإعلام بدخول وقت الصلاة وذلك أمر جلي مأخوذ من أدلة مشروعية الأذان مع الحكم أخرى كإظهار شعار الإسلام وجملة التوحيد والناظر في أحاديث مشروعية الأذان كحديث عبد الله بن زيد وأبي سعيد الخدري وابي محذورة يتبين له أن التطريب أمر غير مشروع لم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فلا ينبغي فعله ولا التمسك به وهذه مصنفات أهل العلم على اختلاف مذاهبهم شاهدة على ذلك .
ولعل البعض يظن أن تعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمره عبد الله بن زيد إلقاء الأذان على بلال دليل على ذلك حيث قال له فإنه أندى صوتا منك ظانا أن الصوت الندي هو الصوت المطرب ، وبالرجوع إلى قواميس اللغة يتبين عدم صحة ذلك ، فالصوت الندي هو الصوت العالي الذي يبلغ مدى بعيدا ، ولا يعني لغة الصوت المطرب .
فقد جاء في القاموس المحيط ( وهو ندي الصوت كغني أي بعيده ) وجاء في مختار الصحاح ( الندا أيضاً بعد ذهاب الصوت يقال فلان أندى صوتا من فلان إذا كان بعيد الصوت )
ويقول ابن منظور في اللسان ( وفلان أندى صوتا من فلان أي أبعد مذهبا وارفع صوتا ... وفي حديث الأذان فإنه أندى صوتا منك أي أرفع واعلى وقيل أحسن وأعذب وقيل أبعد .)
وتفسير الصوت الندي بالحسن العذب لا دليل فيه على التطريب لأن حسن الصوت وعذوبته أمر خلقي فمن الناس من هو رخيم الصوت ومنهم من أجش ومنهم من هو جهوريه وأما التطريب فهو تصنع وتكلف ولذلك نهى عنه الفقهاء وشددوا في النكير على من يفعله :
فمن المالكية :
يقول القرافي في الذخيرة ( أنكر في الكتاب التطريب في الأذان ، قال ابن القاسم ما رأيت أحدا من مؤذني المدينة يطرب يعني العمل على خلافه ، والتطريب من الاضطراب الذي يصيب الإنسان من الخوف أو الفرح ، شبه بتقطيع الصوت وترعيده بذلك ، وكرهه لما فيه من التشبيه بالغناء الذي ينزه التقرب عنه ، وفي الجواهر قال ابن حبيب وكذلك التحزين بغير تطريب ، ولا يبالغ في المد بل يكون عدلا . قال صاحب الطراز والسنة أن يكون محدداً عالياً ).
ويقول ابن الحاج في المدخل ( فصل في النهي عن الأذان بالألحان ن وليحذر في نفسه أن يؤذن بالألحان وينهى غيره عما أحدثوا فيه مما يشبه الغناء وهذا ما لم يكن في جماعة يطربون تطريبا يشبه الغناء حتى لا يعلم ما يقولونه من ألفاظ الأذان إلا أصوات ترتفع وتنخفض وهي بدعة مستهجنة قريبة العهد بالحدوث أحداثها بعض الأمراء بمدرسة بناها ثم سرى ذلك منها إلى غيرها وهذا الأذان هو المعمول به في الشام في هذا الزمان ، وهي بدعة قبيحة إذ أن الأذان إنما المقصود به النداء إلى الصلاة فلا بد من تفيهم ألفاظه للسامع وهذا الأذان لا تفهم منه شئ لما دخل ألفاظه من شبه الهنوك والتغني . وقد ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، وقد روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلاً سمحاً وإلا فلا تؤذن ) أخرجه الدارقطني في سننه .
وقال الإمام أبو طالب المكي رحمه الله في كتابه :
ومما أحدثوه التلحين في الأذان وهو من البغي فيه والإعتداء . قال رجل من المؤذنين لابن عمر إني لأحبك في الله ، فقال له : لكني أبغضك في الله فقال ولم يا أبا عبد الرحمن قال لأنك تبغي في أذانك وتأخذ عليه أجرة ، وكان أبو بكر الآجري رحمه الله يقول خرجت من بغداد ولم يحل لي المقام بها قد ابتدعوا في كل شئ حتى في قراءة القرآن وفي الأذان يعني الإجارة والتلحين ، انتهى والعجب من بعض الناس ......) انتهى كلام ابن الحاج وهو من علماء المالكية المتقدمين حيث كانت وفاته في سنة 737 هجرية .
ومن الشافعية :
قال النووي في المجموع ناقلا كلام صاحب المهذب ومعلقا عليه : والمستحب أن يترسل في الأذان ويدرج الإقامة ... ويكره التمطيط وهو التمديد والبغي وهو التطريب لما روي أن رجلاً قال لابن عمر ( إني لأحبك في الله قال وأنا أبغضك في الله أنك تبغي في أذانك ) قال حماد يعني التطريب ، الشرح ( اي شرح النووي ) هذا الحكم الذي ذكره متفق عليه وهكذا نص عليه الشافعي في الأم ... وأما الأثر المذكور عن ابن عمر فرواه أبو بكر ابن أبي داود السجستاني في كتابه المغازي وقال فيه تختال في أذانك بدل تبغي ... ) ثم أورد كلام صاحب الحاوي الآتي في كراهة التلحين .
ويقول الماوردي في الحاوي ( مسألة : قال الشافعي :" وأحب أن يؤذن مترسلاً بغير تمطيط ولا يغني فيه وأحب الإقامة إدرجاً " ... فأما قول الشافعي من غير تمطيط ولا تغني فيه ففي التمطيط تأويلان :
أحدهما : أنه الإعراب الفاحش .
والثاني : أنه تفخيم الكلام والتشادق فيه ، ويكره تلحين الأذان لأنه يخرج بالتلحين عن حد الإفهام ، ولأن السلف تجافوه وإنما أحدثه العجم في بلادهم ... )
وأما الحنابلة :
فإن التلحين والتطريب من مكروهات الأذان عندهم يقول ابن النجار في منتهى الإرادات ( ويكره ملحنا ً وملحونا ً ) ويقول البهوتي في كشاف القناع ( ويصح أذان ملحن وهو الذي فيه تطريب ... مع الكراهة فيهما أي في الملحن والملحون ، قال أحمد : كل شئ محدث أكرهه مثل التطريب ).
فكلام أهل العلم في هذه المسألة على اختلاف مذاهبهم صريح واضح ولذلك تركته من غير تعليق أو تعقيب ، بل لم يزل أهل العلم إلى وقتنا هذا ينكرون التطريب والتلحين في الأذان فقد أخبرني شيخنا المجدد الخليلي متعنا الله بحياته أنه كان قد حضر ندوة علمية بلكهنو بالهند سنة 1401 هجرية ولما حضر وقت الصلاة طرب المؤذن في أذانه فقام الشيخ عبد البديع صقر المصري منكرا عليه مبينا أنه لا يليق بندوة يحضرها أهل العلم من مختلف أصقاع المعمورة ولا يكون الأذان فيها شرعياً ، بل لا يزال هذا الأذان الخالي من التطريب يرفع في مساجد مدينة القاهرة إلى وقتنا هذا ، كما ذكر شيخنا حفظه الله"
الملاحظ فيما ذكره الرجل من نقول عن الفقهاء أنه لا يوجد روايات تحرم أو تحلل الأمر فرواية :
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
رواية عامة فى كل الأمور وأما الرواية التالية:
" روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلاً سمحاً وإلا فلا تؤذن ) أخرجه الدارقطني في سننه "
فليس فيها بيان لكيفية الأذان السهل السمح ومن ثم لا يمكن الاعتماد عليها فى تحليل أو تحريم التطريب وأما رواية:
"قال رجل من المؤذنين لابن عمر إني لأحبك في الله ، فقال له : لكني أبغضك في الله فقال ولم يا أبا عبد الرحمن قال لأنك تبغي في أذانك وتأخذ عليه أجرة"
فهى الأخرى لم تبين ماهية البغى فى الآذان ومن ثم لا تصلح لتحليل أو تحريم التطريب
كما نلاحظ حكاية نداوة الصوت أى عذوبته فليس المطلوب فى الآذان سوى أن يفهم الناس من الصوت المطلوب وهذه الحكاية سبب من أسباب المصائب فى نفوس الناس فالناس سابقا وحاليا يتسابقون فى سماع هذه الأصوات ولا يفهمون ما يقرأ من القرآن مع أن الغرض من القراءة هى فهم أحكام القرآن لطاعتها وأما الاستماع لأصوات فقط ويقال أن فلان أحسن صوتا أو فلان صوت من أعماق السماء أو صوت من الجنة إلى أخر الهبل الذى يقوله الناس فحرام لكونه فعل الكفار الذين يسمعون ولا يسمعون أى لا يؤمنون فيطيعون وفيهم قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون"
محرمات الآذان كقول تشمل التالى :
- الزيادة فى الآذان سواء كانت زيادة كلمات أو حروف
- النقص فى الآذان سواء كانت نقص حروف أو كلمات
وهذا الأمران ينطبق عليهما ما سماه الله تحريف الناس للوحى بالزيادة كما قال تعالى :
" "وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا"
أو بالنقص وهو ما سماه الله كتم الحق كما قال تعالى:
"وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون"
-تأدية الآذان بغير النطق المعروف بالتطويل أو التقصير أو التغيير فى نوع الصوت قياسا على تحريم الخضوع بالقول فى قوله تعالى :
"يا نساء النبى لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفا"
فالمطلوب أن يكون القول قول معروف أى كامل الحروف ليس به تغير مقصود فى النطق كقول الناس فى الكلام العادى