نقد كتاب العصمة للميلانى 1
الكتاب تأليف علي الحسيني الميلاني وعقيدة العصمة عقيدة غريبة على الإسلام ومع هذا فهناك شىء غريب وهو اعتقاد الفرق المختلفة لها فالسنة يعتقدون عصمة الأنبياء(ص) والشيعة يعتقدون عصمة الأنبياء(ص)ومعهم الأئمة وفاطمة
العصمة تعنى منع الشخص من ارتكاب الذنوب وهى المعاصى أى الخطايا أى السيئات
وقد بدأ الميلانى كتابه بتعريف العصمة فقال:
"العصمة شرط في النبي بلا خلاف بين المسلمين في الجملة، وإنما قلت: في الجملة، لان غير الإمامية يخالفون الإمامية في بعض الخصوصيات التي اشترطها واعتبرها الإمامية في العصمة، كما أن غير الإمامية أيضاً قد اختلفوا فيما بينهم في بعض الخصوصيّات، إلاّ أن الإجماع قائم على اعتبار العصمة بنحو الإجمال بين جميع الفرق من الإمامية والمعتزلة والأشاعرة
عرفنا إلى الآن معنى العصمة لغة، وأن العصمة بنحو الإجمال مورد قبول واتفاق بين المسلمين بالنسبة إلى النبي (ص)أو مطلق الأنبياء"
الخطأ هو اتفاق المسلمين على عصمة الأنبياء فالمسلم الحق لا يعتقد فى عصمة مخلوق بشرى أو جنى من ارتكاب الذنوب لأنه لو اعتقد تلك العقيدة لكان مكذبا لآيات القرآن مثل:
"وعصى آدم ربه فغوى"
"ووجدك ضالا فهدى"
""نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين"
"إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
"فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى والإبكار"
"ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين"
"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين"
"وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين"
"قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا قال لا تؤاخذنى بما نسيت
"ولقد عهدنا إلى أدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما
"ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت"
والعصمة الثابتة الوحيدة للنبى(ص) هى عصمته من أذى الناس كما قال تعالى:
" والله يعصمك من الناس"
ثم ذكر الميلانى العصمة في الاصطلاح فقال:
"وأما العصمة في الاصطلاح:
قال الشيخ المفيد في النكت الاعتقادية: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما ويقول المحقق الشيخ نصير الدين الطوسي في كتاب التجريد: ولا تنافي العصمة القدرة فذكر العلامة الحلي في شرح التجريد معنى هذه الجملة، وذكر أقوال الآخرين ثم ذكر العلامة الحلي في الباب الحادي عشر ما نصه: العصمة لطف بالمكلف بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك
ويضيف بعض علمائنا كالشيخ المظفر في كتاب العقائد: بل يجب أن يكون منزّهاً عما ينافي المروة، كالتبذّل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال، وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام
وإذا كان هذا تعريف العصمة، وأنها من اللطف والفضل والرحمة الإلهية بحقّ النبي، فنفس هذه العصمة يقول بها الإمامية للائمة الاثني عشر ولفاطمة الزهراء سلام الله عليها بعد رسول الله، فيكون المعصومون عندنا أربعة عشر، وقد رأيت في بعض الكتب أن سلمان الفارسي أيضاً معصوم"
الخطأ هنا هو تنزه المعصوم عما ينافي المروة، كالتبذّل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال، وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام
يناقض هذا الكلام أن الرسل كانوا يمشون فى الأسواق ويأكلون الطعام كما قال تعالى:
"وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق"
وبعد هذا استخلص الميلانى مما ذكره من نقول التالى:
"فظهر أن العصمة:
أولاً: حالة معنوية توجد في الإنسان بفضل الله سبحانه وتعالى، فلا تكون كسبيّة ولا تحصل بالاكتساب
ثانيا: لما كانت هذه الحالة بفضل الله سبحانه وتعالى وبرحمة منه، وبفضل ولطف، وبفعل منه كما عبّر علماؤنا، فلابد من دليل من قِبَله يكشف عن وجودها في المعصوم، ولذا لا تقبل دعوى العصمة من أي أحد إلاّ وأن يكون يدعمها نص أو معجزة يجريها الله سبحانه وتعالى على يد هذا المدّعي للعصمة، كما أن أصل النبوة والإمامة أيضاً كذلك، فلا تسمع دعوى النبوة ولا تسمع دعوى الإمامة من أحد ولأحد إلاّ إذا كان معه دليل قطعي يثبت إمامته أو نبوّته ورسالته"
الغريب فى الكلام أن العصمة يجب فيها النص ولا يوجد نص فى العصمة من الذنوب لأحد بل النصوص طافحة بضدها كما ذكرنا بعضها ويكفى منها قوله تعالى:
"إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
والغريب أيضا أنه فى حالة عدم وجود النص فيجب وجود معجزة أى آية وهو ما يناقض ان الله منع الآيات وهى المعجزات فى عهد النبى(ص) الأخير فقال:
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ونظرا لأن العصمة تتعارض مع قاعدة الاختيار فقد تناولها الميلانى فقال:
"أوضح علماؤنا أن هذه الحالة تجتمع تماماً مع ما ذهبت إليه الطائفة من أنْ لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين، وذلك بأن العصمة تمسك المعصوم وتمنعه عن أي مناف، ولكن لا تلجؤه إلى الطاعة، ولا تلجؤه إلى ترك المعصية أو المنافي وهذا المعنى قد أشار إليه العلامة في تعريفه من جهتين:
الاُولى:
قوله «بالمكلف» حيث قال: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف فإنه يريد أن يفهمنا بأن المعصوم مكلَّف، أي إنه مأمور بالطاعة وترك المعصية، وأنه إذا أطاع يثاب، وإذا عصى يعاقب، ولذا جاء في القرآن الكريم: (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) ، يعني: إن المرسلين كسائر أفراد أُممهم مكلَّفون بالتكاليف، فلا يكون من هذه الناحية فرق بين الرسول وبين أفراد أُمته، وعلى الرسول أنْ يعمل بالتكاليف، كما أن على كل فرد من أفراد أُمّته أن يكون مطيعاً وممتثلاً للتكاليف، فلو كان المعصوم مسلوب القدرة عن المعصية، مسلوب القدرة على ترك الإطاعة، فلا معنى حينئذ للثواب والعقاب، ولا معنى للسؤال وقد بيّنا بالإجمال هذا المطلب في بحثنا عن آية التطهير والجهة الثانية الموجودة في كلام العلامة قوله: بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة وفعل المعصية ففي هذه العبارة إشارة إلى أن ترك الطاعة وفعل المعصية إنما يكون بداع نفساني يحمل الإنسان على الإطاعة، أو يحمل الإنسان على إتيان المعصية وارتكابها، وهذا الإنسان قد أودع الله فيه سبحانه وتعالى مختلف القوى التي يستخدمها لأغراضه الصحيحة وغير الصحيحة، إلا أن العصمة تمسك المعصوم، بحيث لا يبقى له داع إلى ارتكاب المعصية أو ترك الطاعة والتكليف الشرعي ثم إن السيد الطباطبائي صاحب الميزان (رحمه الله)، عبّر عن هذا اللطف الإلهي بالموهبة، فالعصمة عبّر عنها بالموهبة الإلهية، وأرجع العصمة إلى العلم، وذكر أنها ـ أي العصمة ـ نوع من العلم والشعور يغاير سائر أنواع العلم، في أنه غير مغلوب لشيء من القوى الشعورية البتة، بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إيّاها، ولذلك كانت تصون صاحبها من الضلال والخطيئة مطلقاً وإذا كانت العصمة راجعة إلى العلم، فيكون الأمر أوضح، لان الإنسان إذا علم بقبح شيء فلا يريده، وإذا علم بالآثار المترتبة على الفعل الذي يريد أنْ يقدم عليه، تلك الآثار إنْ كانت حسنةً فإنه يقدم، وإنْ كانت سيّئة فإنه يحجم، فتكون العصمة حينئذ منبعثة عن العلم ؟
ويكون الفارق بين المعصوم وغير المعصوم: أن غير المعصوم لم يحصل له ذلك العلم الذي حصل عليه المعصوم، ولذا لا يبلغ غير المعصوم مرتبة العصمة، لعدم وجود العلم اللازم فيه، وعدم حصول ذلك العلم الخاص له، وكثير من الأشياء يعجز الإنسان عن درك حقائقها من محاسن ومساوي، أما إذا كان الإنسان عالماً وبتلك المرحلة من العلم، وكان عنده تلك الموهبة الإلهية ـ كما عبّر السيد الطباطبائي ـ فإنه يعلم بحقائق الأشياء ويمتنع صدور مالا يجوز عنه"
لف الرجل ودار حول نظرية خاطئة وهى كون العصمة أمر وسط بين الجبر والاختيار مع أنه لا يوجد شىء وسط بينهما فالقوم بشر سواء رسل او أئمة كما طلب الله من نبيه صراحة "قل إنما أنا بشر يوحى إلى"
ووصف العصمة بكونها موهبة أى هبة من الله تدخلنا فى متاهة اخرى يحتج بها الكفار على الله فالكافر سيحتج على الله انه لم يساوى بينه وبين المعصوم فى تلك الهبة ومن ثم فهو ظالم إن أدخله النار
ومن ثم لا مجال لوجودها لأنها تجعل الله تعالى عن ذلك ظالما
ثم ناقش الرجل نظرية الطباطبائى فى العصمة فقال:
"ولابد من التحقيق الأكثر في نظرية السيد الطباطبائي رحمه الله، وأنه هل يريد أن العصمة منبعثة من العلم، وأنه هو المنشأ لهذه الحالة المعنوية الموجودة عند المعصوم، كما قرأنا في هذه العبارة، أو أنه يريد أنّ العصمة نفس العلم وعلى كل حال، فإن الإنسان إذا كان عالماً بحقائق الأشياء وما يترتب على كل فعل يريد أن يفعله، أو حتّى على كل نية ينويها فقط، عندما يكون عالماً ومطّلعاً على ما يترتب على ذلك، فسيكون عنده رادع على أثر علمه عن أنْ يقدم على ذلك العمل إذا كانت آثاره سيّئة، أو أنه سيقدم على العمل إذا كانت آثاره مطلوبة وحسنة"
نظرية الطباطبائى خاطئة فالعلم لا يمنع ارتكاب الذنوب فكل الأقوام كفرت بعد علمها بأحكام الله وفى هذا قال تعالى:
"كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين أمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه"
"وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم"
"وأتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون"
ثم تناول الرجل العصمة من السهو والنسيان فقال:
"العصمة عن السهو والخطأ والنسيان:
أننا نشترط في العصمة أنْ يكون المعصوم منزّهاً عن السهو والخطأ والنسيان أيضاً، ولا منزهاً عن المعاصي والذنوب فقط
كانت آية التطهير تدلّنا على عصمة الأئمة أو على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) من الرجس، وكلمة الرجس نستبعد أنْ تطلق وتستعمل ويراد منها الخطأ والنسيان والسهو، إذن، لابد من دليل آخر، فما ذلك الدليل على أن الإمام والنبي معصومان ومنزّهان حتى عن السهو والخطأ والنسيان وما شابه ذلك ؟
الدليل على ذلك: كل ما دلّ من الكتاب والسنّة والعقل والاجماع على وجوب الانقياد للإمام أو النبي، على وجوب إطاعته إطاعةً مطلقة غير مقيدة"
الرجل يطالبنا بإلغاء عقولنا فيقول أن الأدلة على العصمة من السهو والنسيان الكتاب والسنّة ومع هذا لم يذكر نصا واحدا من الاثنين ويهرب الرجل من ذلك فيردنا لكتب الكلام فيقول:
"ولو أنك راجعت كتب الكلام من السنّة والشيعة، عندما ينزّهون النبي عن المعصية وعن ارتكاب الخطأ يقولون: بأن ذلك منفّر، ويجب أنْ يكون النبي منزّهاً عن المنفّر، لان الله سبحانه وتعالى قد نصب هذا الشخص لان تكون جميع أعماله حجة، ولان يكون أُسوة وقدوة في جميع أعماله وحالاته وسيرته وهديه، فإذا جاء الأمر بالانقياد مطلقاً، جاء الأمر بالطاعة المطلقة، لابد وأنْ يكون المطاع والمنقاد له معصوماً حتى من الخطأ والنسيان"
ويمعن الميلانى فى الهرب فيبعدنا عن أدلة الكتاب والسنة فيضرب لنا أمثلة من واقع حياتنا فيقول:
"لو أنك طلبت من أُستاذ أنْ يدرّس ولدك درساً معيّناً، فجاء في يوم من الايام وقال: بأني نسيت درس اليوم، أو درّس هذا التلميذ درساً غير ما كان يجب عليه أنْ يدرّس، أو أخطأ في التدريس، لربما في اليوم الأول تسامحه ويكون معذوراً عندك، ولو جاء في اليوم الثاني، وأيضاً أخطأ في التدريس أو نسي الدرس، ثم جاء في اليوم الثالث وكرّر تلك القضية أيضاً، لاشك أنك ستعترض عليه، وستعوّضه بأُستاذ آخر
وهكذا لو أن إماماً نُصب في مسجد، لانْ يأتمّ به الناس في الصلاة، فسهى في صلاة، وفي اليوم الثاني أيضا سهى، وهكذا تكرّر منه السهو أياماً، لا ريب أن القوم سيجتمعون عليه، وسيطلبون منه مغادرة هذا المسجد، وسيتوجهون إلى شخص آخر وينصبونه إماماً لهم، وهذا شيء طبيعي ولو أنك راجعت طبيباً، وأخطأ في تشخيص مرضك، وراجعه مريض آخر وأخطأ أيضاً في تشخيص مرضه، وراجعه مريض ثالث وأخطأ أيضاً في تشخيص مرضه، لاجتمع الناس وأهل البلد كلهم على هذا الطبيب، ولأغلقوا عليه بابه، ولغادر البلد بكل احترام !! وهذا شيء واضح"
ثم ينقل الرجل عن علماء مذاهب السنة ما يؤيد به رأيه دون أن يستدلوا بنص واضح صريح من الوحى فيقول:
"يقول الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنيّة عن النبي (ص): إنه معصوم من الذنوب، بعد النبوة وقبلها، كبيرها وصغيرها، وعمدها وسهوها على الأصح [ كلمة على الأصح إشارة إلى وجود الخلاف بينهم ] في ظاهره وباطنه، سرّه وجهره، جدّه ومزحه، رضاه وغضبه، كيف ؟ وقد أجمع الصحب على أتباعه هذه هي النقطة والتأسي به في كل ما يفعله، وكذلك الأنبياء
أي: لا يختص هذا بنبيّنا، كل الأنبياء هكذا
قال السبكي: أجمعت الأمة على عصمة الأنبياء فيما يتعلق بالتبليغ وغيره، من الكبائر والصغائر، الخسّة أو الخسيسة، والمداومة على الصغائر، وفي صغائر لا تحط من رتبتهم خلاف: ذهب المعتزلة وكثير من غيرهم إلى جوازها، والمختار المنع [ لماذا ؟ هذه هي العلة: ] لانا أُمرنا بالاقتداء بهم في ما يصدر عنهم، فكيف يقع منهم ما لا ينبغي ؟
الميلانى لم يجد نص يؤيده فى رأيه سوى الرواية التالية حيث قال:
"أقول:
إن قضية شهادة خزيمة بن ثابت الانصاري، وأن النبي (ص) لقّبه في تلك الواقعة بلقب ذي الشهادتين هي من أحسن الشواهد وقضية شهادة خزيمة هي أن رسول الله (ص) اشترى من أعرابي فرساً، ثم إن الأعرابي أنكر البيع، وليس هناك من شاهد، فأقبل خزيمة بن ثابت ففرّج الناس بيده حتى انتهى إلى النبي (ص)فقال: أشهد يا رسول الله لقد اشتريته، فقال الأعرابي: أتشهد ولم تحضرنا ؟ - سؤال وجيه، لان الشهادة تجب أن تكون عن علم -وقال النبي: «أشهدتنا ؟» قال: لا يا رسول الله، عندما تبايعتم واشتريت الفرس من الأعرابي لم أكن حاضراً، ولكني علمت أنك قد اشتريت، وإذنْ أشهد عن علم، والشهادة يجب أن تكون عن علم، قال خزيمة: أفنصدّقك بما جئت به من عند الله، ولا أُصدّقك على هذا الأعرابي الخبيث ؟، قال: فعجب رسول الله وقال: «يا خزيمة شهادتك شهادة رجلين»
من هذه القضية نفهم أن الصحابة عرفوا رسول الله (ص)بأنه لا يكذب، ولا يدّعي مال الغير بلا دليل، هذا صحيح، ولا خلاف في هذا، لكنّ المدّعى أن النبي معصوم عن الخطأ والنسيان، وعن السهو، وعلى ذلك شهد خزيمة بالأمر، أما كان خزيمة يحتمل أن رسول الله مشتبه ؟ ألم يكن هذا الاحتمال ولو واحد بالمائة احتمالاً وارداً ليمنع خزيمة من القيام بهذه الشهادة ؟ لا ريب أنه كان عالما بانّ رسول الله لا يكذب، لا يدّعي مال الناس، هذا واضح، لكنْ أليس كان من المناسب أن يتأمّل ويسأل رسول الله (ص): يا رسول الله لعلّك سهوت ! لعلّك مشتبه ! لعلّك نسيت ! لعلّ هذا الأعرابي ليس ذلك الأعرابي الذي تعاملت معه، أو لعلّ هذا الفرس غير
الفرس الذي اشتريته من الأعرابي لكنّ كلّ هذه الاحتمالات منتفية عند خزيمة، ويأتي، ويفرّج الناس، ويشهد بأن الحق مع رسول الله، بلا تريّث ولا تأمل أبداً، وهكذا عرفوا رسول الله، ولابد وأنْ يكون كذلك"
لا يوجد دليل فى الرواية على العصمة من السهو والنسيان فالرواية تبين النبى(ص) فى صورة من يضرب بكلام الله عرض الحائط فشهادة الرجل هى شهادة واحدة تساوى شهادة امراتين كما قال تعالى
"واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى"
ولو كان هناك رجل شهادته بشهادة رجلين ما قال الله "ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه"
الغريب أن الميلانى استبعد رواية أخرى مماثلة فى تصديق النبى(ص) بدون مشاهدته نظرا لأن فاعلها هو أبو بكر وهى:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : " لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانُوا آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ ، وَسَعَوْا بِذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالُوا : هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ ؟ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، قَالَ : أَوَ قَالَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ ، قَالُوا : وَتُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِنِّي لأُصَدِّقُهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ : أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غُدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ " . لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ .
والرواية هى الأخرى ليست بدليل على العصمة فهى مجرد دليل على أن الرسل لا يكذبون بإرادتهم طمعا فيما عند الله وخوفا من عقاب الله وهو أشد عليهم من كل الناس كما قال تعالى :
"ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين"
ثم نقل الميلانى عن كتب أهل السنة ما يؤيد رأيه أيضا من نصوص أخرى فقال:
"قال السبكي: لانا أُمرنا بالاقتداء بهم فيما يصدر عنهم مطلقاً، فكيف يقع منهم ما لا ينبغي، ومن جوّزه لم يجوّز بنص ولا دليل
أضف إلى ذلك، هل الخطأ والنسيان والسهو فوق النوم ؟ والحال أن نوم النبي ويقظته واحد، نوم الإمام ويقظته واحد
اتفق الفريقان على أن رسول الله (ص)كانت تنام عينه ولا ينام قلبه، هذا الحديث في سنن الدارمي وفي صحيح الترمذي على ما رأيت في معجم ألفاظ الحديث النبوي ، وهذا المعنى أيضاً وارد في حق أئمّتنا سلام الله عليهم بلا فرق، ففي عدّة من الكتب للشيخ الصدوق في علامات الإمام قال : «تنام عينه ولا ينام قلبه»
وهل السهو والخطأ فوق النوم، الذي في نومه أيضاً يقظان،
الذي في حال نومه قلبه غير نائم، كيف يحتمل في حقه أن يكون في يقظته ساهياً خطئان مشتبهاً أحياناً ؟
أضف إلى ذلك، ألم نقرأ عن أمير المؤمنين سلام الله عليه في الخطبة القاصعة: إنّ النبي (ص) كان معه ملك أوكله الله سبحانه وتعالى في جميع أدوار حياة رسول الله يسدّده (ص) ؟ ونفس هذا المعنى موجود في حق أمير المؤمنين سلام الله عليه، قال رسول الله ـ وقد ضرب بيده على صدر علي ـ: «اللهم اهدِ قلبه وسدّد لسانه» رواه صاحب الاستيعاب وغيره بل العجيب، أن أهل السنة أنفسهم يروون عن أبي هريرة أنه قال لرسول الله (ص): إني سمعت منك حديثاً كثيراً فأنساه [ فإذا كان الحديث كثيراً، الإنسان ينسى ] فقال رسول الله: «ابسط رداءك» فبسطته، فغرف بيديه فيه، ثم قال: «اضممه» فضممته، فما نسيت حديثاً بعده
فكل ما يروى عن رسول الله (ص)بواسطة أبي هريرة يكون حقاً عن رسول الله !! وهذا ما يرويه محمد بن سعد في الطبقات ويرويه أيضاً الذهبي في سير أعلام النبلاء ويرويه
الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ويوجد في غير هذه الكتب، فهل من عاقل مسلم يشك في ثبوت هذه الحالة لرسول الله ولعلي وللائمة الأطهار ؟!"
نلاحظ الاستشهاد بروايات تعارض القرآن نفسه فعدم نوم النبى(ص) يناقض قوله تعالى:
"إذ يريكهم الله فى منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم فى الأمر"
ولم يستثن الله أحد من النوم بالعين والقلب فى قوله:
"ومن آياته منامكم بالليل والنهار"
ومعجزة عدم نسيان أبو هريرة تناقض منع الله الآيات وهى المعجزات فى عهد النبى(ص) فى قوله تعالى :
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ثم استشهد الرجل بالنصوص التالية:
"ثم إن عليّاً يقول: «وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم، سيماهم سيما الصدّيقين، وكلامهم كلام الأبرار، عمّار الليل ومنار النهار، مستمسكون بحبل الله، يحيون سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون ولا يغلون ولا يفسدون، قلوبهم [ لاحظوا هذه الكلمة بعد الكلمات السابقة، وكل كلمة تدل على مقام ] في الجنان وأجسادهم في العمل»
وإني لمن قوم [ فمن قومه ؟ لابدْ الأئمة الأطهار من ذريته ]قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل، ومن كان قلبه في الجنة وهو في هذا العالم، أتراه يشك، أتراه يسهو، أتراه يلهو، أتراه ينسى
هذا بالنسبة إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه
عصمة الأئمة (عليهم السلام وبالنسبة إلى جميع الأئمة، لاحظوا هذه الرواية في الكافي يقول : «إن الله خلقنا فأحسن خلقنا، وصوّرنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزّانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء ونبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله» فمن يكون عين الله في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده، يشتبه ويسهو وينسى ؟!
الغريب أن الرجل يزكى نفسه ومن معه مخالفا قوله تعالى
"فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"
والأغرب أن يجد هذا الكلام من يصدقه فأين كان على ومن معه قبل عصورهم فى عهد محمد(ص) وأين يوجدون وقد ماتوا منذ زمن ولا يوجد منهم أحد فهل توقف كلام الله ومنافع كونه بسبب عدم وجودهم فى تلك العصور وبعد موتهم ؟
والغريب أن يعرف على حرمة تزكية النفس –وقطعا هو لم يقل شيئا من السابق ولا من اللاحق- ومع هذا يقول:
"وقال أمير المؤمنين في نهج البلاغة: «ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه، لذكر ذاكر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجّها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية، فإنّا صنايع ربّنا والناس بعد صنايع لنا»
والأغرب من هذا اعتراف الميلانى بوجود أدلة كثيرة تعارض مفهوم العصمة وهو يطلب تأويلها على غير حقيقتها حتى تتفق مع رأيه فيقول:
"تأويل ما ينافي العصمة في الكتاب والسنة وحينئذ، لابد من تأويل كلّ ما يخالف هذه القاعدة العقلية المستندة إلى الكتاب والسنّة والإجماع، كلما يخالف هذه القاعدة في القرآن الكريم بالنسبة إلى أنبياء الله سبحانه وتعالى، وكذلك الأمر في كل آية في القرآن هناك أدلة قطعية على خلاف ظاهرها من العقل أو النقل، لابد من تأويل ظاهر تلك الكلمة، وإلاّ فالآيات الدالة بظاهرها على التجسيم ـ مثلاً ـ موجودة في القرآن الكريم اذن، لابد من حمل كلّ ما يخالف بظاهره عصمة الأنبياء في القرآن الكريم، لاحظوا عبارة السيد المرتضى في كتاب الذخيرة يقول: ولا يجوز أن يبعث من يوجب علينا اتّباعه وتصديقه وهو على صفة تنفّر عنهم، وقد جنّب الأنبياء (عليهم السلام)الفظاظة والغلظة الشنيعة وكثيراً من الأمراض، لأجل التنفير (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)
لماذا الله سبحانه وتعالى يمدح نبيّه بأنه ليس فظّاً غليظ القلب ؟ لان هذه الحالة تنفّر الناس، لانفضّوا من حولك، فإذا كان ساهياً، كان ناسياً، أو كان لاهياً وغير ذلك، لانفضّوا من حوله
يقول (رحمه الله): وقد تكلّمنا على الآيات التي يتعلق بها المبطلون في جواز المعاصي من الأنبياء، وبيّنا الصحيح في تأويلها في كتابنا المفرد تنزيه الأنبياء والأئمة نعم، لابد من تأويل كلّ ما جاء مخالفاً بظاهره لما قرّره العقل والعلم وأجمع عليه العلماء "
هذا الكلام من الممكن الموافقة عليه لو كان عدد الآيات وعدد الروايات الدالة على عدم العصمة عددها قليل ومع هذا اختلف واحد من أكابر علماء الشيعة معهم فى مسألة العصمة من السهو وهو الصدوق وفى هذا يقول الميلانى:
"إن علماءنا لم يوافقوا الشيخ الصدوق الذي ذهب تبعاً لشيخه في مسألة سهو النبي إلى مذهب لم يوافقه عليه من أكابر الطائفة أحد، لا من قبله ولا من بعده، إنه استند إلى رواية ذي الشمالين، أما سائر علمائنا فقد أخذوا بالرواية القائلة بأن رسول الله لم يسجد سجدتي السهو قط، وكيف يسهو ويسجد سجدتي السهو من كان قلبه في الجنان وجسده في العمل كما عبّر الإمام أمير المؤمنين ؟بل يقول الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب: إن ما اشتمل عليه حديث ذو الشمالين من سهو النبي تمتنع العقول منه وفي الاستبصار يقول: ذلك مما تمنع من الادلة القاطعة في أنه لا يجوز عليه السهو والغلط وإنّا نستميح الشيخ الصدوق عذراً فيما إذا أردنا أنْ نقول له: أنت الذي سهوت، وإن نسبة السهو إلى الشيخ الصدوق في هذا القول أولى من نسبة السهو إلى رسول الله (ص)، نظير ما قاله الفخر الرازي في تفسيره فيما روي في الصحيحين وغيرهما من أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات، قال الفخر الرازي: نسبة الكذب إلى الراوي أولى من نسبة الكذب إلى إبراهيم "
الرجل يطالب القوم بتناسى حديث ذو الشمالين أو ذو اليدين وهو حديث رواياته كثيرة عند الفريقي ولا يمكن إنكاره عند السنة لوروده فى اصح كتاب عندهم وهو صحيح البخارى كما أن رواياته عند الشيعة لا يمكن إنكارها لورودها فى أصح كتبهم وهو الكافى
ويذكر الميلانى حديث أخر لا يتفق مع عقيدة القوم وهو حديث الغرانيق فيقول:
"وأيضاً، نرى أهل السنّة يضطربون أمام حديث الغرانيق وتتضارب كلماتهم بشدّة، ويتحيّرون ماذا يقولون، لان حديث الغرانيق يدل على جواز السهو على الأنبياء بصراحة، وهذا ما نصّ عليه بعض المفسرين كأبي السعود العمادي في تفسير سورة الحج ، وتحيّروا ماذا يفعلون، لان طرق هذا الحديث بعضها صحيح، ودافع عن صحته ابن حجر العسقلاني وغيره ، لكن الحافظ القاضي عياض صاحب كتاب الشفاء في حقوق المصطفى وأيضاً القاضي ابن العربي المالكي(وأيضاً الفخر الرازي، هؤلاء يكذّبون هذا الحديث على صحته سنداً عندهم، لأنه يصادم الأدلة القطعية من العقل والنقل لاحظوا عبارة القاضي عياض في كتاب الشفاء يقول: لا شك في إدخال بعض شياطين الإنس والجن هذا الحديث على بعض مغفلّي المحدّثين ليلبّس به على ضعفاء المسلمين
وهذا الكلام يفتح لنا باباً واسعاً يفيدنا في مباحث كثيرة، ولذلك يأبى مثل العسقلاني أن يقبل هذا التصريح من القاضي عياض ولا يوافق عليه العودة إلى بحث عصمة الأئمة (عليهم السلام)"
بالقطع حديث الغرانيق لم يحدث وإنما هو كذب على النبى(ص)
ثم ذكر الميلانى ما زعم أنه أدلة على العصمة من الروايات فقال:
"وأما الأحاديث الواردة في هذا الباب فكثيرة، ألا ترون أن رسول الله (ص) يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني ومن عصى عليّاً فقد عصاني»، هذا الحديث أورده الحاكم في المستدرك وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك وإذا كانت طاعة الله وطاعة الرسول وطاعة علي واحدة، فهل من معصية أو سهو أو خطأ يتصوَّر في رسول الله وعلي والأئمة الأطهار ؟
لا يوجد شىء فى الحديث يدل على العصمة من أى نوع ولو اعتبرنا الطاعة أى إنسان دليل على العصمة لكان معنى هذا أن أى أبوين مسلمين معصومين لوجوب طاعتهما فى الخير دون الشرك لقوله تعالى"ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما"
ولو اعتبرنا طاعة القوم دليل على العصمة باعتبارهم ولاة الأمر فلماذا أباح الله الاختلاف مع ولاة الأمر وجعل الحكم لله وحده فى نفس الآية عند اختلاف الولى مع غيره فقال:
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا"
فالتنازع دليل على وقوع الخطأ من ولاة الأمر
وقال:
" دلالة حديث السفينة على عصمة الأئمة (عليهم السلام)
مما يدل على إمامة أئمتنا وعصمتهم بالمعنى الذي يقول به علماؤنا وعليه مذهبنا حديث السفينة: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك»
لا نص فى الحديث على العصمة من أى نوع فمن ركبوا السفينة نجوا ليس بفضل السفينة وإنما بفضل إيمانهم كما قال تعالى:
حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل"
فلا فضل للسفينة سوى أن الله جعلها أداة لحفظ القوم من الهلاك من الغرق
وقال:
ومن الأدلة القاطعة الدالّة على عصمة أئمتنا بالمعنى الذي نذهب إليه، وليس فيه أيّ مجال للبحث والنقاش: حديث الثقلين، فإن رسول الله قرن العترة بالقرآن ـ وجعلهما معاً الوسيلة للهداية، وأنهما لن يفترقا ـ بـ «لن» التأبيدية حتى يردا عليه الحوض، قال: «فانظروا بما تخلفوني فيهما»، فكما أن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كما نص القرآن نفسه، كذلك أهل البيت لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم، هؤلاء كلّهم ـ أي الأئمة سلام الله عليهم ـ عين الله ويده ولسانه وإلى آخره كما في تلك الرواية التي قرأتها
ولا بأس بأن أقرأ لكم عناوين ما جاء في كتاب الكافي:
باب: في فرض طاعة الأئمة
--- الصفحة 42 ---
باب: في أن الأئمة شهداء الله على خلقه
باب: في أن الأئمة هم الهداة
باب: في أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه
باب: في أن الأئمة خلفاء الله عزوجل في أرضه وأبوابه التي منها يؤتى
باب: في أن الأئمة نور الله عزوجل
باب: في أن الأئمة هم أركان الارض
باب: في أن الأئمة هم الراسخون في العلم
باب: في أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة
باب: في أن الأئمة محدّثون مفهّمون
باب: في أن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد عن الله وأمر منه لا يتجاوزوه "
تشبيه القوم بالقرآن تشبيه خاطىء فالقرآن كلام الله وهم ناس القرآن كامل وهم ناس يمرون بمراحل نقص فى طفولتهم وشيخوختهم هم يحتاجون لأشياء تجعلهم يحيون والقرآن لا يحتاج لشىء
الرجل لم يجد كلمة فى الحديث تدل على العصمة وكل ما فعله هو أنه يستنتج المعنى على هواه وإلا فليظهر نصوص صريحة وليست استنتاجات لا يوجد حتى بها تلميح عن العصمة المزعومة
والغريب استشهاد الرجل بأسماء أبواب فى كتاب الكافى للكلينى كدليل على العصمة المزعومة مع أن الكافى لم يذكر فيها حديثا واحدا كدليل على العصمة
الكتاب تأليف علي الحسيني الميلاني وعقيدة العصمة عقيدة غريبة على الإسلام ومع هذا فهناك شىء غريب وهو اعتقاد الفرق المختلفة لها فالسنة يعتقدون عصمة الأنبياء(ص) والشيعة يعتقدون عصمة الأنبياء(ص)ومعهم الأئمة وفاطمة
العصمة تعنى منع الشخص من ارتكاب الذنوب وهى المعاصى أى الخطايا أى السيئات
وقد بدأ الميلانى كتابه بتعريف العصمة فقال:
"العصمة شرط في النبي بلا خلاف بين المسلمين في الجملة، وإنما قلت: في الجملة، لان غير الإمامية يخالفون الإمامية في بعض الخصوصيات التي اشترطها واعتبرها الإمامية في العصمة، كما أن غير الإمامية أيضاً قد اختلفوا فيما بينهم في بعض الخصوصيّات، إلاّ أن الإجماع قائم على اعتبار العصمة بنحو الإجمال بين جميع الفرق من الإمامية والمعتزلة والأشاعرة
عرفنا إلى الآن معنى العصمة لغة، وأن العصمة بنحو الإجمال مورد قبول واتفاق بين المسلمين بالنسبة إلى النبي (ص)أو مطلق الأنبياء"
الخطأ هو اتفاق المسلمين على عصمة الأنبياء فالمسلم الحق لا يعتقد فى عصمة مخلوق بشرى أو جنى من ارتكاب الذنوب لأنه لو اعتقد تلك العقيدة لكان مكذبا لآيات القرآن مثل:
"وعصى آدم ربه فغوى"
"ووجدك ضالا فهدى"
""نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين"
"إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
"فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى والإبكار"
"ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين"
"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين"
"وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين"
"قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا قال لا تؤاخذنى بما نسيت
"ولقد عهدنا إلى أدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما
"ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت"
والعصمة الثابتة الوحيدة للنبى(ص) هى عصمته من أذى الناس كما قال تعالى:
" والله يعصمك من الناس"
ثم ذكر الميلانى العصمة في الاصطلاح فقال:
"وأما العصمة في الاصطلاح:
قال الشيخ المفيد في النكت الاعتقادية: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما ويقول المحقق الشيخ نصير الدين الطوسي في كتاب التجريد: ولا تنافي العصمة القدرة فذكر العلامة الحلي في شرح التجريد معنى هذه الجملة، وذكر أقوال الآخرين ثم ذكر العلامة الحلي في الباب الحادي عشر ما نصه: العصمة لطف بالمكلف بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك
ويضيف بعض علمائنا كالشيخ المظفر في كتاب العقائد: بل يجب أن يكون منزّهاً عما ينافي المروة، كالتبذّل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال، وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام
وإذا كان هذا تعريف العصمة، وأنها من اللطف والفضل والرحمة الإلهية بحقّ النبي، فنفس هذه العصمة يقول بها الإمامية للائمة الاثني عشر ولفاطمة الزهراء سلام الله عليها بعد رسول الله، فيكون المعصومون عندنا أربعة عشر، وقد رأيت في بعض الكتب أن سلمان الفارسي أيضاً معصوم"
الخطأ هنا هو تنزه المعصوم عما ينافي المروة، كالتبذّل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال، وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام
يناقض هذا الكلام أن الرسل كانوا يمشون فى الأسواق ويأكلون الطعام كما قال تعالى:
"وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق"
وبعد هذا استخلص الميلانى مما ذكره من نقول التالى:
"فظهر أن العصمة:
أولاً: حالة معنوية توجد في الإنسان بفضل الله سبحانه وتعالى، فلا تكون كسبيّة ولا تحصل بالاكتساب
ثانيا: لما كانت هذه الحالة بفضل الله سبحانه وتعالى وبرحمة منه، وبفضل ولطف، وبفعل منه كما عبّر علماؤنا، فلابد من دليل من قِبَله يكشف عن وجودها في المعصوم، ولذا لا تقبل دعوى العصمة من أي أحد إلاّ وأن يكون يدعمها نص أو معجزة يجريها الله سبحانه وتعالى على يد هذا المدّعي للعصمة، كما أن أصل النبوة والإمامة أيضاً كذلك، فلا تسمع دعوى النبوة ولا تسمع دعوى الإمامة من أحد ولأحد إلاّ إذا كان معه دليل قطعي يثبت إمامته أو نبوّته ورسالته"
الغريب فى الكلام أن العصمة يجب فيها النص ولا يوجد نص فى العصمة من الذنوب لأحد بل النصوص طافحة بضدها كما ذكرنا بعضها ويكفى منها قوله تعالى:
"إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
والغريب أيضا أنه فى حالة عدم وجود النص فيجب وجود معجزة أى آية وهو ما يناقض ان الله منع الآيات وهى المعجزات فى عهد النبى(ص) الأخير فقال:
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ونظرا لأن العصمة تتعارض مع قاعدة الاختيار فقد تناولها الميلانى فقال:
"أوضح علماؤنا أن هذه الحالة تجتمع تماماً مع ما ذهبت إليه الطائفة من أنْ لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين، وذلك بأن العصمة تمسك المعصوم وتمنعه عن أي مناف، ولكن لا تلجؤه إلى الطاعة، ولا تلجؤه إلى ترك المعصية أو المنافي وهذا المعنى قد أشار إليه العلامة في تعريفه من جهتين:
الاُولى:
قوله «بالمكلف» حيث قال: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف فإنه يريد أن يفهمنا بأن المعصوم مكلَّف، أي إنه مأمور بالطاعة وترك المعصية، وأنه إذا أطاع يثاب، وإذا عصى يعاقب، ولذا جاء في القرآن الكريم: (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) ، يعني: إن المرسلين كسائر أفراد أُممهم مكلَّفون بالتكاليف، فلا يكون من هذه الناحية فرق بين الرسول وبين أفراد أُمته، وعلى الرسول أنْ يعمل بالتكاليف، كما أن على كل فرد من أفراد أُمّته أن يكون مطيعاً وممتثلاً للتكاليف، فلو كان المعصوم مسلوب القدرة عن المعصية، مسلوب القدرة على ترك الإطاعة، فلا معنى حينئذ للثواب والعقاب، ولا معنى للسؤال وقد بيّنا بالإجمال هذا المطلب في بحثنا عن آية التطهير والجهة الثانية الموجودة في كلام العلامة قوله: بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة وفعل المعصية ففي هذه العبارة إشارة إلى أن ترك الطاعة وفعل المعصية إنما يكون بداع نفساني يحمل الإنسان على الإطاعة، أو يحمل الإنسان على إتيان المعصية وارتكابها، وهذا الإنسان قد أودع الله فيه سبحانه وتعالى مختلف القوى التي يستخدمها لأغراضه الصحيحة وغير الصحيحة، إلا أن العصمة تمسك المعصوم، بحيث لا يبقى له داع إلى ارتكاب المعصية أو ترك الطاعة والتكليف الشرعي ثم إن السيد الطباطبائي صاحب الميزان (رحمه الله)، عبّر عن هذا اللطف الإلهي بالموهبة، فالعصمة عبّر عنها بالموهبة الإلهية، وأرجع العصمة إلى العلم، وذكر أنها ـ أي العصمة ـ نوع من العلم والشعور يغاير سائر أنواع العلم، في أنه غير مغلوب لشيء من القوى الشعورية البتة، بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إيّاها، ولذلك كانت تصون صاحبها من الضلال والخطيئة مطلقاً وإذا كانت العصمة راجعة إلى العلم، فيكون الأمر أوضح، لان الإنسان إذا علم بقبح شيء فلا يريده، وإذا علم بالآثار المترتبة على الفعل الذي يريد أنْ يقدم عليه، تلك الآثار إنْ كانت حسنةً فإنه يقدم، وإنْ كانت سيّئة فإنه يحجم، فتكون العصمة حينئذ منبعثة عن العلم ؟
ويكون الفارق بين المعصوم وغير المعصوم: أن غير المعصوم لم يحصل له ذلك العلم الذي حصل عليه المعصوم، ولذا لا يبلغ غير المعصوم مرتبة العصمة، لعدم وجود العلم اللازم فيه، وعدم حصول ذلك العلم الخاص له، وكثير من الأشياء يعجز الإنسان عن درك حقائقها من محاسن ومساوي، أما إذا كان الإنسان عالماً وبتلك المرحلة من العلم، وكان عنده تلك الموهبة الإلهية ـ كما عبّر السيد الطباطبائي ـ فإنه يعلم بحقائق الأشياء ويمتنع صدور مالا يجوز عنه"
لف الرجل ودار حول نظرية خاطئة وهى كون العصمة أمر وسط بين الجبر والاختيار مع أنه لا يوجد شىء وسط بينهما فالقوم بشر سواء رسل او أئمة كما طلب الله من نبيه صراحة "قل إنما أنا بشر يوحى إلى"
ووصف العصمة بكونها موهبة أى هبة من الله تدخلنا فى متاهة اخرى يحتج بها الكفار على الله فالكافر سيحتج على الله انه لم يساوى بينه وبين المعصوم فى تلك الهبة ومن ثم فهو ظالم إن أدخله النار
ومن ثم لا مجال لوجودها لأنها تجعل الله تعالى عن ذلك ظالما
ثم ناقش الرجل نظرية الطباطبائى فى العصمة فقال:
"ولابد من التحقيق الأكثر في نظرية السيد الطباطبائي رحمه الله، وأنه هل يريد أن العصمة منبعثة من العلم، وأنه هو المنشأ لهذه الحالة المعنوية الموجودة عند المعصوم، كما قرأنا في هذه العبارة، أو أنه يريد أنّ العصمة نفس العلم وعلى كل حال، فإن الإنسان إذا كان عالماً بحقائق الأشياء وما يترتب على كل فعل يريد أن يفعله، أو حتّى على كل نية ينويها فقط، عندما يكون عالماً ومطّلعاً على ما يترتب على ذلك، فسيكون عنده رادع على أثر علمه عن أنْ يقدم على ذلك العمل إذا كانت آثاره سيّئة، أو أنه سيقدم على العمل إذا كانت آثاره مطلوبة وحسنة"
نظرية الطباطبائى خاطئة فالعلم لا يمنع ارتكاب الذنوب فكل الأقوام كفرت بعد علمها بأحكام الله وفى هذا قال تعالى:
"كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين أمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه"
"وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم"
"وأتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون"
ثم تناول الرجل العصمة من السهو والنسيان فقال:
"العصمة عن السهو والخطأ والنسيان:
أننا نشترط في العصمة أنْ يكون المعصوم منزّهاً عن السهو والخطأ والنسيان أيضاً، ولا منزهاً عن المعاصي والذنوب فقط
كانت آية التطهير تدلّنا على عصمة الأئمة أو على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) من الرجس، وكلمة الرجس نستبعد أنْ تطلق وتستعمل ويراد منها الخطأ والنسيان والسهو، إذن، لابد من دليل آخر، فما ذلك الدليل على أن الإمام والنبي معصومان ومنزّهان حتى عن السهو والخطأ والنسيان وما شابه ذلك ؟
الدليل على ذلك: كل ما دلّ من الكتاب والسنّة والعقل والاجماع على وجوب الانقياد للإمام أو النبي، على وجوب إطاعته إطاعةً مطلقة غير مقيدة"
الرجل يطالبنا بإلغاء عقولنا فيقول أن الأدلة على العصمة من السهو والنسيان الكتاب والسنّة ومع هذا لم يذكر نصا واحدا من الاثنين ويهرب الرجل من ذلك فيردنا لكتب الكلام فيقول:
"ولو أنك راجعت كتب الكلام من السنّة والشيعة، عندما ينزّهون النبي عن المعصية وعن ارتكاب الخطأ يقولون: بأن ذلك منفّر، ويجب أنْ يكون النبي منزّهاً عن المنفّر، لان الله سبحانه وتعالى قد نصب هذا الشخص لان تكون جميع أعماله حجة، ولان يكون أُسوة وقدوة في جميع أعماله وحالاته وسيرته وهديه، فإذا جاء الأمر بالانقياد مطلقاً، جاء الأمر بالطاعة المطلقة، لابد وأنْ يكون المطاع والمنقاد له معصوماً حتى من الخطأ والنسيان"
ويمعن الميلانى فى الهرب فيبعدنا عن أدلة الكتاب والسنة فيضرب لنا أمثلة من واقع حياتنا فيقول:
"لو أنك طلبت من أُستاذ أنْ يدرّس ولدك درساً معيّناً، فجاء في يوم من الايام وقال: بأني نسيت درس اليوم، أو درّس هذا التلميذ درساً غير ما كان يجب عليه أنْ يدرّس، أو أخطأ في التدريس، لربما في اليوم الأول تسامحه ويكون معذوراً عندك، ولو جاء في اليوم الثاني، وأيضاً أخطأ في التدريس أو نسي الدرس، ثم جاء في اليوم الثالث وكرّر تلك القضية أيضاً، لاشك أنك ستعترض عليه، وستعوّضه بأُستاذ آخر
وهكذا لو أن إماماً نُصب في مسجد، لانْ يأتمّ به الناس في الصلاة، فسهى في صلاة، وفي اليوم الثاني أيضا سهى، وهكذا تكرّر منه السهو أياماً، لا ريب أن القوم سيجتمعون عليه، وسيطلبون منه مغادرة هذا المسجد، وسيتوجهون إلى شخص آخر وينصبونه إماماً لهم، وهذا شيء طبيعي ولو أنك راجعت طبيباً، وأخطأ في تشخيص مرضك، وراجعه مريض آخر وأخطأ أيضاً في تشخيص مرضه، وراجعه مريض ثالث وأخطأ أيضاً في تشخيص مرضه، لاجتمع الناس وأهل البلد كلهم على هذا الطبيب، ولأغلقوا عليه بابه، ولغادر البلد بكل احترام !! وهذا شيء واضح"
ثم ينقل الرجل عن علماء مذاهب السنة ما يؤيد به رأيه دون أن يستدلوا بنص واضح صريح من الوحى فيقول:
"يقول الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنيّة عن النبي (ص): إنه معصوم من الذنوب، بعد النبوة وقبلها، كبيرها وصغيرها، وعمدها وسهوها على الأصح [ كلمة على الأصح إشارة إلى وجود الخلاف بينهم ] في ظاهره وباطنه، سرّه وجهره، جدّه ومزحه، رضاه وغضبه، كيف ؟ وقد أجمع الصحب على أتباعه هذه هي النقطة والتأسي به في كل ما يفعله، وكذلك الأنبياء
أي: لا يختص هذا بنبيّنا، كل الأنبياء هكذا
قال السبكي: أجمعت الأمة على عصمة الأنبياء فيما يتعلق بالتبليغ وغيره، من الكبائر والصغائر، الخسّة أو الخسيسة، والمداومة على الصغائر، وفي صغائر لا تحط من رتبتهم خلاف: ذهب المعتزلة وكثير من غيرهم إلى جوازها، والمختار المنع [ لماذا ؟ هذه هي العلة: ] لانا أُمرنا بالاقتداء بهم في ما يصدر عنهم، فكيف يقع منهم ما لا ينبغي ؟
الميلانى لم يجد نص يؤيده فى رأيه سوى الرواية التالية حيث قال:
"أقول:
إن قضية شهادة خزيمة بن ثابت الانصاري، وأن النبي (ص) لقّبه في تلك الواقعة بلقب ذي الشهادتين هي من أحسن الشواهد وقضية شهادة خزيمة هي أن رسول الله (ص) اشترى من أعرابي فرساً، ثم إن الأعرابي أنكر البيع، وليس هناك من شاهد، فأقبل خزيمة بن ثابت ففرّج الناس بيده حتى انتهى إلى النبي (ص)فقال: أشهد يا رسول الله لقد اشتريته، فقال الأعرابي: أتشهد ولم تحضرنا ؟ - سؤال وجيه، لان الشهادة تجب أن تكون عن علم -وقال النبي: «أشهدتنا ؟» قال: لا يا رسول الله، عندما تبايعتم واشتريت الفرس من الأعرابي لم أكن حاضراً، ولكني علمت أنك قد اشتريت، وإذنْ أشهد عن علم، والشهادة يجب أن تكون عن علم، قال خزيمة: أفنصدّقك بما جئت به من عند الله، ولا أُصدّقك على هذا الأعرابي الخبيث ؟، قال: فعجب رسول الله وقال: «يا خزيمة شهادتك شهادة رجلين»
من هذه القضية نفهم أن الصحابة عرفوا رسول الله (ص)بأنه لا يكذب، ولا يدّعي مال الغير بلا دليل، هذا صحيح، ولا خلاف في هذا، لكنّ المدّعى أن النبي معصوم عن الخطأ والنسيان، وعن السهو، وعلى ذلك شهد خزيمة بالأمر، أما كان خزيمة يحتمل أن رسول الله مشتبه ؟ ألم يكن هذا الاحتمال ولو واحد بالمائة احتمالاً وارداً ليمنع خزيمة من القيام بهذه الشهادة ؟ لا ريب أنه كان عالما بانّ رسول الله لا يكذب، لا يدّعي مال الناس، هذا واضح، لكنْ أليس كان من المناسب أن يتأمّل ويسأل رسول الله (ص): يا رسول الله لعلّك سهوت ! لعلّك مشتبه ! لعلّك نسيت ! لعلّ هذا الأعرابي ليس ذلك الأعرابي الذي تعاملت معه، أو لعلّ هذا الفرس غير
الفرس الذي اشتريته من الأعرابي لكنّ كلّ هذه الاحتمالات منتفية عند خزيمة، ويأتي، ويفرّج الناس، ويشهد بأن الحق مع رسول الله، بلا تريّث ولا تأمل أبداً، وهكذا عرفوا رسول الله، ولابد وأنْ يكون كذلك"
لا يوجد دليل فى الرواية على العصمة من السهو والنسيان فالرواية تبين النبى(ص) فى صورة من يضرب بكلام الله عرض الحائط فشهادة الرجل هى شهادة واحدة تساوى شهادة امراتين كما قال تعالى
"واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى"
ولو كان هناك رجل شهادته بشهادة رجلين ما قال الله "ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه"
الغريب أن الميلانى استبعد رواية أخرى مماثلة فى تصديق النبى(ص) بدون مشاهدته نظرا لأن فاعلها هو أبو بكر وهى:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : " لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانُوا آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ ، وَسَعَوْا بِذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالُوا : هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ ؟ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، قَالَ : أَوَ قَالَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ ، قَالُوا : وَتُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِنِّي لأُصَدِّقُهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ : أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غُدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ " . لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ .
والرواية هى الأخرى ليست بدليل على العصمة فهى مجرد دليل على أن الرسل لا يكذبون بإرادتهم طمعا فيما عند الله وخوفا من عقاب الله وهو أشد عليهم من كل الناس كما قال تعالى :
"ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين"
ثم نقل الميلانى عن كتب أهل السنة ما يؤيد رأيه أيضا من نصوص أخرى فقال:
"قال السبكي: لانا أُمرنا بالاقتداء بهم فيما يصدر عنهم مطلقاً، فكيف يقع منهم ما لا ينبغي، ومن جوّزه لم يجوّز بنص ولا دليل
أضف إلى ذلك، هل الخطأ والنسيان والسهو فوق النوم ؟ والحال أن نوم النبي ويقظته واحد، نوم الإمام ويقظته واحد
اتفق الفريقان على أن رسول الله (ص)كانت تنام عينه ولا ينام قلبه، هذا الحديث في سنن الدارمي وفي صحيح الترمذي على ما رأيت في معجم ألفاظ الحديث النبوي ، وهذا المعنى أيضاً وارد في حق أئمّتنا سلام الله عليهم بلا فرق، ففي عدّة من الكتب للشيخ الصدوق في علامات الإمام قال : «تنام عينه ولا ينام قلبه»
وهل السهو والخطأ فوق النوم، الذي في نومه أيضاً يقظان،
الذي في حال نومه قلبه غير نائم، كيف يحتمل في حقه أن يكون في يقظته ساهياً خطئان مشتبهاً أحياناً ؟
أضف إلى ذلك، ألم نقرأ عن أمير المؤمنين سلام الله عليه في الخطبة القاصعة: إنّ النبي (ص) كان معه ملك أوكله الله سبحانه وتعالى في جميع أدوار حياة رسول الله يسدّده (ص) ؟ ونفس هذا المعنى موجود في حق أمير المؤمنين سلام الله عليه، قال رسول الله ـ وقد ضرب بيده على صدر علي ـ: «اللهم اهدِ قلبه وسدّد لسانه» رواه صاحب الاستيعاب وغيره بل العجيب، أن أهل السنة أنفسهم يروون عن أبي هريرة أنه قال لرسول الله (ص): إني سمعت منك حديثاً كثيراً فأنساه [ فإذا كان الحديث كثيراً، الإنسان ينسى ] فقال رسول الله: «ابسط رداءك» فبسطته، فغرف بيديه فيه، ثم قال: «اضممه» فضممته، فما نسيت حديثاً بعده
فكل ما يروى عن رسول الله (ص)بواسطة أبي هريرة يكون حقاً عن رسول الله !! وهذا ما يرويه محمد بن سعد في الطبقات ويرويه أيضاً الذهبي في سير أعلام النبلاء ويرويه
الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ويوجد في غير هذه الكتب، فهل من عاقل مسلم يشك في ثبوت هذه الحالة لرسول الله ولعلي وللائمة الأطهار ؟!"
نلاحظ الاستشهاد بروايات تعارض القرآن نفسه فعدم نوم النبى(ص) يناقض قوله تعالى:
"إذ يريكهم الله فى منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم فى الأمر"
ولم يستثن الله أحد من النوم بالعين والقلب فى قوله:
"ومن آياته منامكم بالليل والنهار"
ومعجزة عدم نسيان أبو هريرة تناقض منع الله الآيات وهى المعجزات فى عهد النبى(ص) فى قوله تعالى :
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ثم استشهد الرجل بالنصوص التالية:
"ثم إن عليّاً يقول: «وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم، سيماهم سيما الصدّيقين، وكلامهم كلام الأبرار، عمّار الليل ومنار النهار، مستمسكون بحبل الله، يحيون سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون ولا يغلون ولا يفسدون، قلوبهم [ لاحظوا هذه الكلمة بعد الكلمات السابقة، وكل كلمة تدل على مقام ] في الجنان وأجسادهم في العمل»
وإني لمن قوم [ فمن قومه ؟ لابدْ الأئمة الأطهار من ذريته ]قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل، ومن كان قلبه في الجنة وهو في هذا العالم، أتراه يشك، أتراه يسهو، أتراه يلهو، أتراه ينسى
هذا بالنسبة إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه
عصمة الأئمة (عليهم السلام وبالنسبة إلى جميع الأئمة، لاحظوا هذه الرواية في الكافي يقول : «إن الله خلقنا فأحسن خلقنا، وصوّرنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزّانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء ونبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله» فمن يكون عين الله في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده، يشتبه ويسهو وينسى ؟!
الغريب أن الرجل يزكى نفسه ومن معه مخالفا قوله تعالى
"فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"
والأغرب أن يجد هذا الكلام من يصدقه فأين كان على ومن معه قبل عصورهم فى عهد محمد(ص) وأين يوجدون وقد ماتوا منذ زمن ولا يوجد منهم أحد فهل توقف كلام الله ومنافع كونه بسبب عدم وجودهم فى تلك العصور وبعد موتهم ؟
والغريب أن يعرف على حرمة تزكية النفس –وقطعا هو لم يقل شيئا من السابق ولا من اللاحق- ومع هذا يقول:
"وقال أمير المؤمنين في نهج البلاغة: «ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه، لذكر ذاكر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجّها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية، فإنّا صنايع ربّنا والناس بعد صنايع لنا»
والأغرب من هذا اعتراف الميلانى بوجود أدلة كثيرة تعارض مفهوم العصمة وهو يطلب تأويلها على غير حقيقتها حتى تتفق مع رأيه فيقول:
"تأويل ما ينافي العصمة في الكتاب والسنة وحينئذ، لابد من تأويل كلّ ما يخالف هذه القاعدة العقلية المستندة إلى الكتاب والسنّة والإجماع، كلما يخالف هذه القاعدة في القرآن الكريم بالنسبة إلى أنبياء الله سبحانه وتعالى، وكذلك الأمر في كل آية في القرآن هناك أدلة قطعية على خلاف ظاهرها من العقل أو النقل، لابد من تأويل ظاهر تلك الكلمة، وإلاّ فالآيات الدالة بظاهرها على التجسيم ـ مثلاً ـ موجودة في القرآن الكريم اذن، لابد من حمل كلّ ما يخالف بظاهره عصمة الأنبياء في القرآن الكريم، لاحظوا عبارة السيد المرتضى في كتاب الذخيرة يقول: ولا يجوز أن يبعث من يوجب علينا اتّباعه وتصديقه وهو على صفة تنفّر عنهم، وقد جنّب الأنبياء (عليهم السلام)الفظاظة والغلظة الشنيعة وكثيراً من الأمراض، لأجل التنفير (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)
لماذا الله سبحانه وتعالى يمدح نبيّه بأنه ليس فظّاً غليظ القلب ؟ لان هذه الحالة تنفّر الناس، لانفضّوا من حولك، فإذا كان ساهياً، كان ناسياً، أو كان لاهياً وغير ذلك، لانفضّوا من حوله
يقول (رحمه الله): وقد تكلّمنا على الآيات التي يتعلق بها المبطلون في جواز المعاصي من الأنبياء، وبيّنا الصحيح في تأويلها في كتابنا المفرد تنزيه الأنبياء والأئمة نعم، لابد من تأويل كلّ ما جاء مخالفاً بظاهره لما قرّره العقل والعلم وأجمع عليه العلماء "
هذا الكلام من الممكن الموافقة عليه لو كان عدد الآيات وعدد الروايات الدالة على عدم العصمة عددها قليل ومع هذا اختلف واحد من أكابر علماء الشيعة معهم فى مسألة العصمة من السهو وهو الصدوق وفى هذا يقول الميلانى:
"إن علماءنا لم يوافقوا الشيخ الصدوق الذي ذهب تبعاً لشيخه في مسألة سهو النبي إلى مذهب لم يوافقه عليه من أكابر الطائفة أحد، لا من قبله ولا من بعده، إنه استند إلى رواية ذي الشمالين، أما سائر علمائنا فقد أخذوا بالرواية القائلة بأن رسول الله لم يسجد سجدتي السهو قط، وكيف يسهو ويسجد سجدتي السهو من كان قلبه في الجنان وجسده في العمل كما عبّر الإمام أمير المؤمنين ؟بل يقول الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب: إن ما اشتمل عليه حديث ذو الشمالين من سهو النبي تمتنع العقول منه وفي الاستبصار يقول: ذلك مما تمنع من الادلة القاطعة في أنه لا يجوز عليه السهو والغلط وإنّا نستميح الشيخ الصدوق عذراً فيما إذا أردنا أنْ نقول له: أنت الذي سهوت، وإن نسبة السهو إلى الشيخ الصدوق في هذا القول أولى من نسبة السهو إلى رسول الله (ص)، نظير ما قاله الفخر الرازي في تفسيره فيما روي في الصحيحين وغيرهما من أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات، قال الفخر الرازي: نسبة الكذب إلى الراوي أولى من نسبة الكذب إلى إبراهيم "
الرجل يطالب القوم بتناسى حديث ذو الشمالين أو ذو اليدين وهو حديث رواياته كثيرة عند الفريقي ولا يمكن إنكاره عند السنة لوروده فى اصح كتاب عندهم وهو صحيح البخارى كما أن رواياته عند الشيعة لا يمكن إنكارها لورودها فى أصح كتبهم وهو الكافى
ويذكر الميلانى حديث أخر لا يتفق مع عقيدة القوم وهو حديث الغرانيق فيقول:
"وأيضاً، نرى أهل السنّة يضطربون أمام حديث الغرانيق وتتضارب كلماتهم بشدّة، ويتحيّرون ماذا يقولون، لان حديث الغرانيق يدل على جواز السهو على الأنبياء بصراحة، وهذا ما نصّ عليه بعض المفسرين كأبي السعود العمادي في تفسير سورة الحج ، وتحيّروا ماذا يفعلون، لان طرق هذا الحديث بعضها صحيح، ودافع عن صحته ابن حجر العسقلاني وغيره ، لكن الحافظ القاضي عياض صاحب كتاب الشفاء في حقوق المصطفى وأيضاً القاضي ابن العربي المالكي(وأيضاً الفخر الرازي، هؤلاء يكذّبون هذا الحديث على صحته سنداً عندهم، لأنه يصادم الأدلة القطعية من العقل والنقل لاحظوا عبارة القاضي عياض في كتاب الشفاء يقول: لا شك في إدخال بعض شياطين الإنس والجن هذا الحديث على بعض مغفلّي المحدّثين ليلبّس به على ضعفاء المسلمين
وهذا الكلام يفتح لنا باباً واسعاً يفيدنا في مباحث كثيرة، ولذلك يأبى مثل العسقلاني أن يقبل هذا التصريح من القاضي عياض ولا يوافق عليه العودة إلى بحث عصمة الأئمة (عليهم السلام)"
بالقطع حديث الغرانيق لم يحدث وإنما هو كذب على النبى(ص)
ثم ذكر الميلانى ما زعم أنه أدلة على العصمة من الروايات فقال:
"وأما الأحاديث الواردة في هذا الباب فكثيرة، ألا ترون أن رسول الله (ص) يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني ومن عصى عليّاً فقد عصاني»، هذا الحديث أورده الحاكم في المستدرك وصحّحه ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك وإذا كانت طاعة الله وطاعة الرسول وطاعة علي واحدة، فهل من معصية أو سهو أو خطأ يتصوَّر في رسول الله وعلي والأئمة الأطهار ؟
لا يوجد شىء فى الحديث يدل على العصمة من أى نوع ولو اعتبرنا الطاعة أى إنسان دليل على العصمة لكان معنى هذا أن أى أبوين مسلمين معصومين لوجوب طاعتهما فى الخير دون الشرك لقوله تعالى"ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما"
ولو اعتبرنا طاعة القوم دليل على العصمة باعتبارهم ولاة الأمر فلماذا أباح الله الاختلاف مع ولاة الأمر وجعل الحكم لله وحده فى نفس الآية عند اختلاف الولى مع غيره فقال:
"يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا"
فالتنازع دليل على وقوع الخطأ من ولاة الأمر
وقال:
" دلالة حديث السفينة على عصمة الأئمة (عليهم السلام)
مما يدل على إمامة أئمتنا وعصمتهم بالمعنى الذي يقول به علماؤنا وعليه مذهبنا حديث السفينة: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك»
لا نص فى الحديث على العصمة من أى نوع فمن ركبوا السفينة نجوا ليس بفضل السفينة وإنما بفضل إيمانهم كما قال تعالى:
حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل"
فلا فضل للسفينة سوى أن الله جعلها أداة لحفظ القوم من الهلاك من الغرق
وقال:
ومن الأدلة القاطعة الدالّة على عصمة أئمتنا بالمعنى الذي نذهب إليه، وليس فيه أيّ مجال للبحث والنقاش: حديث الثقلين، فإن رسول الله قرن العترة بالقرآن ـ وجعلهما معاً الوسيلة للهداية، وأنهما لن يفترقا ـ بـ «لن» التأبيدية حتى يردا عليه الحوض، قال: «فانظروا بما تخلفوني فيهما»، فكما أن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كما نص القرآن نفسه، كذلك أهل البيت لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم، هؤلاء كلّهم ـ أي الأئمة سلام الله عليهم ـ عين الله ويده ولسانه وإلى آخره كما في تلك الرواية التي قرأتها
ولا بأس بأن أقرأ لكم عناوين ما جاء في كتاب الكافي:
باب: في فرض طاعة الأئمة
--- الصفحة 42 ---
باب: في أن الأئمة شهداء الله على خلقه
باب: في أن الأئمة هم الهداة
باب: في أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه
باب: في أن الأئمة خلفاء الله عزوجل في أرضه وأبوابه التي منها يؤتى
باب: في أن الأئمة نور الله عزوجل
باب: في أن الأئمة هم أركان الارض
باب: في أن الأئمة هم الراسخون في العلم
باب: في أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة
باب: في أن الأئمة محدّثون مفهّمون
باب: في أن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد عن الله وأمر منه لا يتجاوزوه "
تشبيه القوم بالقرآن تشبيه خاطىء فالقرآن كلام الله وهم ناس القرآن كامل وهم ناس يمرون بمراحل نقص فى طفولتهم وشيخوختهم هم يحتاجون لأشياء تجعلهم يحيون والقرآن لا يحتاج لشىء
الرجل لم يجد كلمة فى الحديث تدل على العصمة وكل ما فعله هو أنه يستنتج المعنى على هواه وإلا فليظهر نصوص صريحة وليست استنتاجات لا يوجد حتى بها تلميح عن العصمة المزعومة
والغريب استشهاد الرجل بأسماء أبواب فى كتاب الكافى للكلينى كدليل على العصمة المزعومة مع أن الكافى لم يذكر فيها حديثا واحدا كدليل على العصمة