"قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين "يفسره قوله تعالى بسورة الحديد"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وأمنوا برسوله"فأطيعوا تعنى اتقوا وأمنوا وقوله بسورة الأعراف"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم "فأطيعوا تعنى اتبعوا الله ورسوله(ص)يعنى ما أنزل الله على رسوله(ص) وقوله بسورة آل عمران"والله لا يحب الظالمين"فالكافرين هم الظالمين والمعنى قل اتبعوا حكم الله ونبيه(ص)فإن عصوا الحكم فإن الله لا يثيب المكذبين لحكم الله،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للمؤمنين:أطيعوا الله ورسوله(ص)والمراد اتبعوا حكم الله المنزل على نبيه(ص)،ويبين الله لرسوله(ص) أنهم إن تولوا أى عصوا حكم الله فعليه أن يعرف أن الله لا يحب الكافرين أى لا يثيب العاصين لحكم الله والمراد أنه يعاقبهم على عصيانهم والخطاب للنبى(ص).
"إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم"المعنى إن الله اختار آدم(ص)ونوحا(ص)وأهل إبراهيم(ص)وأهل عمران من الناس فريق بعضه من بعض والله خبير محيط ،يبين الله لنا أنه اصطفى من العالمين والمراد اختار من الناس رسلا منهم :آدم(ص)ونوح(ص)وآل إبراهيم والمراد أهل إبراهيم وهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط عليهم الصلاة والسلام وآل عمران وهم عمران وعيسى عليهم الصلاة والسلام وهم ذرية بعضها من بعض والمراد شيعة واحدة الدين وليسوا ذرية بمعنى نسل بعض لأن نوح(ص)لم ينجب أحدا فبنى إسرائيل هم ذرية أى نسل من كانوا معه فى السفينة مصداق لقوله تعالى بسورة الإسراء"ذرية من حملنا مع نوح"،ويبين الله أنه سميع عليم أى خبير محيط بكل أمر فى الكون ،والخطاب وما بعده من بقية القصة للنبى(ص).
"إذ قالت امرأة عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم "المعنى لقد قالت زوجة عمران إلهى إنى جعلت لك الذى فى رحمى خالصا فإرض عنى إنك أنت الخبير المحيط ،يبين الله لنا أن امرأة أى زوجة عمران(ص)لما كانت حاملا وزوجها عمران(ص)ميت قالت أى دعت الله :رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا أى إلهى إنى خصصت لخدمة بيتك الذى فى رحمى خالصا ،وهذا يعنى أنها بينت لله أن الجنين فى بطنها سيكون خادم لبيت الله وحده ،وقالت فتقبل منى إنك أنت السميع العليم والمراد فإرض عن طلبى إنك أنت الخبير المحيط بكل أمر ،وهذا يعنى أنها طلبت من الله الرضا والموافقة على النذر وهذا النذر يدلنا على وفاة الأب لأنه لا يجوز للأم أن تنذر ولد زوجها دون موافقته .
"فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم "المعنى فلما ولدتها قالت إلهى إنى أنجبتها بنتا والله أعرف بالذى ولدت وليس الولد كالبنت وإنى أطلقت عليها مريم وإنى أحميها ونسلها من الكافر الملعون، يبين الله لنا أن زوجة عمران(ص)لما وضعتها أى ولدت البنت قالت:رب إنى وضعتها أنثى أى يا إلهى لقد أنجبت بنتا وهذا القول منها يعنى أنها كانت تظن أن ما فى بطنها كان ولدا ومن ثم فالنذر فى ظنها لا ينفع،ويبين لنا أنه أعلم بما وضعت أى والله أعرف بالذى ولدته وهذا يعنى أن النذر واجب التنفيذ لأن ظنها لا يفيد فى شىء ،وقالت:وليس الذكر كالأنثى والمراد وليس الولد كالبنت ،وهذا يعنى فى رأيها أن البنت لا تصلح لخدمة بيت الله مثل الولد،وقالت :وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم والمراد وإنى أطلقت عليها اسم مريم ويقولون أن معناه العابدة وأرى أنه يعنى المقصودة وإنى أحميها بحكمك من الكافر الملعون وهذا يعنى أنها تطلب من الله أن يحمى مريم(ص)ونسلها من وساوس الشهوات.
"فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل زكريا عليها المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" المعنى فرضا عنها خالقها رضا جميلا فنماها نموا جميلا وضمنها زكريا(ص) كلما ولج زكريا(ص) المسجد لقى لديها نفعا قال يا مريم من أين لك هذا قالت هو من لدى الله إن الله يعطى من يريد دون حدود ،يبين الله لنا أن الله تقبل مريم (ص)بقبول حسن والمراد رضا عنها الرضا التام وهذا يعنى أنه قبلها كنذر وأنبتها نباتا حسنا والمراد فنماها نموا جميلا أى رباها تربية حسنة وكفلها زكريا(ص)والمراد وجعل زكريا(ص)مسئولا عنها فى الرزق والتربية ومع هذا كان زكريا(ص)كلما دخل عليها المحراب والمراد كلما ولج على مريم(ص)المسجد وهو مكان خدمتها للإطمئنان عليها وجد عندها رزقا والمراد لقى لديها نفعا أى طعاما وشرابا وكافة ما تحتاجه وهى الأشياء التى يجب عليه توفيرها لها ومن ثم كان يسألها أنى لك هذا ؟أى من أين لك هذا النفع؟وهذا واجب كل رب أسرة أو كفيلها إذا وجد ما يريبه فقالت له:هو من عند أى لدى الله وهذا معناه أن الله أرسله لها إن الله يرزق من يشاء بغير حساب والمراد إن الله يعطى من يريد بغير حدود أى بدون قانون للعطاء ولأن زكريا(ص) رسول فقد كان يعلم صدق مريم(ص) ولذا تذكر أن له حاجة عند الله.
"هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء"يفسره قوله تعالى بسورة مريم"فهب لى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا "فالذرية هى الولى والطيبة هى الرضية والمعنى عند هذا نادى زكريا (ص)إلهه فقال:إلهى أعطنى من عندك نسلا صالحا إنك عارف النداء ،يبين الله لنا أن مريم (ص)لما ذكرت زكريا(ص)بقدرة الله على العطاء دون وجود الأسباب دعا أى نادى الله فقال:رب هب لى من لدنك ذرية طيبة والمراد إلهى أعطنى من عندك نسلا صالحا وهذا يعنى أنه يطلب من الله الولد الصالح لأنه سميع الدعاء أى مجيب النداء وهو الطلب كيف أراد .
"فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة مريم"وكان تقيا "و"وأتيناه الحكم صبيا" والسيد هو الحاكم بحكم الله المؤتى له والحصور هو التقى وليس العاقر لأن كل الرسل أنجبوا مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية "والكلمة هو عيسى مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران "إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم"والمعنى فخاطبته الملائكة وهو داع يدعو فى المسجد أن الله يخبرك بيحيى مؤمنا برحمة من الله وحاكما وتقيا ورسولا من المسلمين ،يبين الله لنا أن الإستجابة لدعاء زكريا(ص)كانت سريعة حيث تحققت وهو ما زال يكرر الدعاء ويلح عليه فى المسجد وهو المحراب فقد نادته أى خاطبته الملائكة فقالت إن الله يبشرك بيحيى أى إن الله يخبرك بإبن لك اسمه يحيى وهذا يعنى أن الله هو الذى اختار له الإسم،مصدقا بكلمة من الله والمراد مؤمنا برحمة من الله وهو عيسى (ص)وسيدا أى حاكما بحكم الله أى حصورا أى مطيعا لحكم الله ونبيا من الصالحين أى ورسولا من المحسنين وهذا يعنى أن الله جعله رسولا وأخبر الأب بهذا .
"قال رب أنى يكون لى غلام وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقرا قال كذلك الله يفعل ما يشاء"المعنى قال إلهى كيف يصبح لى ابن وقد وصلنى العجز وزوجتى عقيمة قال هكذا يصنع ما يريد ،يبين الله لنا أن زكريا(ص)لما سمع الإجابة استغرب من مجىء الولد دون وجود الأسباب المعروفة قال :كيف يصبح لى ابن وقد وصلتنى الشيخوخة وزوجتى عقيم؟إن هذا السؤال يدل على كبر زكريا(ص)أى وصوله لسن متقدمة وأيضا يدل على عقر أى عقم زوجته وهذا يعنى أنهما لا يصلحان للإنجاب والتساؤل يعنى كيف سيأتى الولد هل من زوجتى أم من زوجة أخرى؟فرد الملاك وهو جبريل(ص)عليه فقال:كذلك أى ستنجبان وأنتما على حالكما فالله يصنع الذى يريد .
"قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والأبكار "يفسر الآية قوله تعالى بسورة مريم"آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا "فالأيام هى الليالى والمعنى قال إلهى حدد لى علامة للحمل قال علامتك ألا تحدث البشر إلا إشارة وأطع إلهك دوما أى اتبع حكم الله بالليالى والنهارات ،يبين الله لنا أن زكريا(ص)طلب من الله أن يحدد له آية أى علامة يعرف بها حدوث الحمل فأخبره جبريل(ص)أن علامة حدوث الحمل هى اللحظة التى لا يتكلم فيها لسانه ويستمر على هذه الحال ثلاثة أيام لا يتحدث فيها سوى بالرمز وهو الإشارة وطلب منه الملاك أن يذكر ربه كثيرا أى أن يطيع حكم الله دوما وفسر هذا بأن يسبحه بالعشى والأبكار أى يتبع حكم الله دوما بالليالى والنهارات وهنا الحمل حدث دون جماع فالرجل فى المحراب وزوجته فى البيت .
"وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين"المعنى وقد قال جبريل(ص):يا مريم إن الرب اختارك أى زكاك أى اجتباك من إناث الخلق،يبين الله لنا أن الملائكة والمراد جبريل(ص)قال لمريم(ص)بأمر من الله:إن الله اصطفاك أى طهرك أى اختارك من نساء العالمين أى من إناث البشر وهذا يعنى أن الله اختارها من بين إناث الناس كلهن لأداء مهمة معينة هى ولادة طفل بدون أب .
"يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج "يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم "وقوله بسورة البقرة"وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين "فالركوع هنا هو السجود هو القنوت هو العبادة هو إقامة الصلاة هو إيتاء الزكاة والمعنى يا مريم اخضعى لخالقك أى اتبعى حكم ربك أى أصبحى من المطيعين ،يبين الله لنا أن جبريل(ص)طلب من مريم(ص)أن تقنت لله أى تسجد لله والمراد أن تطيع حكم الله أى تركع مع الراكعين والمقصود أن تكون مع المسلمين المطيعين لحكم الله.
"ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة طه"كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق "فنوحيه إليك تعنى نقص عليك وأنباء الغيب هى أنباء ما قد سبق والمعنى ذلك من أخبار المجهول نلقيه لك وما كنت عندهم حين يضعون أقلامهم أيهم يضمن مريم وما كنت معهم حين يتنازعون ،يبين الله لرسوله(ص)أن ما سبق ذكره من أمر زكريا(ص)وامرأة عمران ومريم(ص)هو من أنباء الغيب أى أخبار المجهول الذى لا يعلم حقيقته الناس التى يوحيها أى يلقيها أى يقصها الله عليه وينفى الله عن رسوله(ص)حضور إلقاء القوم وهم المختصمون أى المتنازعون فى كفالة مريم(ص)أقلامهم والمراد رميهم أقلامهم وهى أدوات الكتابة أيهم الكفيل أى الوصى على مريم(ص)،وينفى حضوره الخصام وهو الإختلاف بين القوم فى أمر مريم(ص)،ومما ينبغى قوله أن نفى الله وجود رسوله (ص)فى عصر زكريا (ص)ومريم(ص)يعنى عدم وجود ما يسمونه التناسخ الذى يعنى وجود الإنسان فى أكثر من عصر ومما ينبغى قوله أن رمى الأقلام لم يرد فيه خبر موجود حاليا فى الكتب المعروفة ولكن المفهوم هو أن صاحب القلم المميز بخاصية معينة هو الذى كفل مريم(ص)وهذه الخاصية قد تكون الغطس فى الماء أو الطفو عليه أو غير ذلك والله أعلم .
"إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والأخرة ومن المقربين ويكلم الناس فى المهد وكهلا ومن الصالحين"يفسرالآية قوله تعالى بسورة مريم"قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا"فالكلمة هو الغلام الزكى وقوله بسورة مريم "ولنجعله آية للناس ورحمة منا "فالكلمة هو الرحمة هو الآية وقوله بنفس السورة"وجعلنى مباركا أينما كنت "فالوجيه هو المبارك وقوله بسورة مريم"قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا قال إنى عبد الله أتانى الكتاب وجعلنى نبيا"فكونه من المقربين يعنى أنه نبى والمعنى قد قال جبريل(ص)يا مريم إن الرب يخبرك برحمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم مباركا فى الأولى والقيامة ومن الرسل ويحدث الخلق فى الرضاع وشابا ومن المسلمين ،يبين الله لنا أن الملائكة والمراد جبريل(ص)أخبر مريم(ص)أن الله يخبرها بكلمة منه أى رحمة أى روح من لديه وهى ولد اسمه وهو اللفظ الذى يدعى به المسيح عيسى ابن مريم وهذا يعنى أن الولد ليس له أب لأنه منسوب إلى أمه ،أضف لهذا أن الله هو الذى سماه ومعنى المسيح السائح أى العابد وأما عيسى فيعنى الصابر غالبا-والله أعلم- وأخبرها أنه وجيها فى الدنيا والأخرة أى مباركا أى زكيا أى طاهرا أى مسلما وهو من المقربين أى المصطفين أى من الرسل المختارين ويكلم الناس فى المهد وكهلا والمراد أنه يحدث البشر بكلام العقلاء وهو فى فراش الرضاع كما يحدثهم عندما يكبر وهذه معجزة إلهية وهو من الصالحين أى المسلمين .
"قالت رب أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون "يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة يس"إنما أمره إذا أراد أمرا أن يقول له كن فيكون"فقضى تعنى أراد والمعنى قالت مريم(ص)كيف يصبح لى ابن ولم يجامعنى إنسان ؟قال هكذا الله يصنع ما يريد إذا أراد شيئا أن يوحى له تواجد فيتواجد ،يبين الله لنا أن مريم (ص)لما سمعت كلام جبريل(ص)اندهشت وتساءلت:أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر أى كيف أنجب ابن ولم يباشرنى إنسان حلالا أو حراما؟وهذا السؤال منها دليل على أنها لم تتزوج حتى ذلك الوقت ولم ترتكب الزنى والسؤال هنا هو عن كيفية مجىء الولد مع امتناع أسباب وجوده وهو الجماع فقال لها جبريل (ص)كذلك أى ستلدين وأنت على هذه الحال دون زواج أو زنى لأن الله يخلق ما يشاء أى ينشىء ما يريد بأى كيفية وطريقة الخلق هى أنه إذا قضى أمرا أى إذا أراد خلقا لشىء فإنه يقول له كن فيكون والمراد فإنه يوحى له :تواجد فيتواجد وهذا يرينا قدرة الله ليس لها حدود فهو يخلق بلا أب وأم وبلا أم وبلا أب وبأم وأب فهو قادر على كل شىء.
"ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة مريم "وجعلنى نبيا"فرسولا تعنى نبيا وقوله بسورة مريم "قال إنى أعبد الله أتانى الكتاب "وقوله تعالى بسورة الزخرف"قال قد جئتكم بالحكمة "فالكتاب هو الحكمة هو التوراة والإنجيل وتفسيرهما وهو الوحى وقوله بسورة المائدة"وإذ تخرج الموتى بإذنى"فأحى الموتى تعنى أنه يخرج الموتى للحياة مرة ثانية بإذن الله وقوله بسورة النازعات"إن فى ذلك لعبرة لمن يخشى"فالآية هى العبرة والمؤمنين هم من يخشى والمعنى ويعرفه الوحى أى حكم الله أى التوراة والإنجيل ومبعوثا إلى أولاد يعقوب (ص)أنى قد أتيتكم بعلامة من خالقكم أنى أصنع لكم من الطين كشكل الطير فأنفث فيه فيصبح طيرا بأمر الله وأشفى الأعمى والأمهق وأبعث الهلكى بأمر الرب وأخبركم بما تطعمون وما تخزنون فى مساكنكم إن فى هذا لعلامة لكم إن كنتم مصدقين ،يبين الله لنا أن جبريل(ص)أخبر مريم(ص)أن ولدها سيعلمه أى سيوحى إليه الله الكتاب وهو الحكمة أى حكم الله ممثلا فى التوراة والإنجيل وهذا خبر بالغيب الممثل فى نزول وحى على عيسى(ص)فى المستقبل اسمه الإنجيل ،وقال ورسولا إلى بنى إسرائيل والمراد أن عيسى(ص)سيكون مبعوثا لأولاد يعقوب(ص)برسالة الله ،فلما بعثه الله لهم قال لهم :أنى قد جئتكم بآية من ربكم والمراد أنى قد أتيتكم بعلامات من إلهكم تدل على أن رسالتى من عند الله وهى:أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير والمراد أنى أصنع لكم من التراب المعجون بالماء كشكل الطيور فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله والمراد فأنفث فيه بفمى فتصبح الأشكال الطينية طيورا حية بأمر الله ونسبة الإحياء لله تدل على أنه لا يقدر على عمل ذلك من نفسه وهذه العلامة الأولى ،وقال وأبرىء الأكمه والأبرص والمراد وأشفى الأعمى وهو من لا يبصر والأمهق وهو المصاب بتغير لونى فى بعض مناطق الجلد والشفاء هنا ليس بالدواء وإنما بالكلام وهذه العلامة الثانية ،وقال وأحى الموتى بإذن الله والمراد وأبعث المتوفين للحياة مرة أخرى بأمر الله ونسبة الشفاء والإحياء إلى الله يدل على أنه لا قدرة له على هذا وإنما هو فعل الله وهذه العلامة الثالثة ،وقال وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم والمراد وأخبركم بأصناف الذى تطعمون والذى تخزنون فى مساكنكم وهذا يعنى أن الله أعطاه القدرة على معرفة أصناف الطعام فى بطونهم ومعرفة الأشياء التى يخزنونها فى المساكن من طعام وشراب وحلى ومال وهى فى البيوت وهذه المعجزة الرابعة ،وقال إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين والمراد إن فى الذى سبق ذكره من المعجزات لدليل على رسوليتى إن كنتم صادقين فى أنكم أتباع لدين الله.
"ومصدقا لما بين يدى من التوراة ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزخرف"قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه"فالآية هى الحكمة والمختلف فيه هو الذى سيحله لهم وقوله بسورة الزخرف "واتبعون "فأطيعون تعنى اتبعون وقوله بسورة الأعراف"فاذكروا آلاء الله"فاتقوا الله هى اذكروا آلاء الله والمعنى ومؤمنا بالذى عندى من التوراة ولأبيح لكم بعض الذى منع عليكم وأتيتكم بإنجيل من إلهكم فأطيعوا حكم الله أى اتبعوا الحكم المنزل على ،يبين الله لنا أن عيسى (ص)بين لبنى إسرائيل أنه مصدق بما بين يديه من التوراة والمراد مؤمن بالذى يحفظه فى نفسه من التوراة والمراد مؤمن بكل ما فى التوراة الإلهية وبين لهم أنه جاء ليحل لهم بعض الذى حرم عليهم والمراد ليبيح لهم بعض الذى منعه الله عليهم بسبب ظلمهم وهو الأحكام الثقيلة التى طلبوا تكلفتهم بها ومنها تحريم الطعام الذى حرمه إسرائيل (ص)على نفسه ،وبين لهم أنه جاءهم بآية من ربهم والمراد قد أتاهم بدليل من إلههم هو الإنجيل وطلب منهم أن يتقوا الله أى يطيعوا حكم الله وهو الإنجيل وفسر ذلك بأن يطيعوه أى يتبعوا الإنجيل المنزل عليه.
"إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج"فإلهكم إله واحد فله أسلموا"فربكم تعنى إلهكم واعبدوه تعنى أسلموا له وقوله بسورة مريم "أهدك صراطا سويا"فالمستقيم هو السوى والمعنى إن الرب إلهى وإلهكم فأطيعوه هذا دين سوى ،يبين الله لنا أن عيسى(ص) قال لبنى إسرائيل:إن الله ربى أى خالقى وربكم أى وخالقكم فاعبدوه أى أطيعوا حكمه فهذا هو الصراط المستقيم أى الدين العادل السليم .
"فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأعراف"آمنا بآيات الله "فالإيمان بالله هو الإيمان بآيات الله والمعنى فلما عرف عيسى(ص)منهم التكذيب لحكم الله قال من أعوانى فى نصر دين الله قال المؤمنون به نحن أعوان دين الله صدقنا بدين الله واعترف بأننا مطيعون ،يبين الله لنا أن عيسى(ص)لما أحس الكفر منهم والمراد لما عرف التكذيب من القوم قال :من أنصارى إلى الله والمراد من أعوانى فى نصر دين الله ؟فكان رد الحواريين وهم المحيطين أى المؤمنين برسالة عيسى(ص) :نحن أنصار الله أى نحن أعوان دين الله آمنا بالله أى صدقنا بدين الله واشهد بأنا مسلمون أى واعترف بأنا مطيعون لحكم الله .
"ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا فاكتبنا مع الشاهدين" يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأعراف"آمنا بآيات الله "وقوله بسورة النور"وأطعنا"فالإيمان بما أنزل هو الإيمان بآيات الله واتبعنا تعنى أطعنا والمعنى إلهنا صدقنا بالذى أوحيت وأطعنا فاجعلنا من المسلمين ،يبين الله لنا أن الحواريين قالوا :ربنا أمنا بما أنزلت أى إلهنا صدقنا بالذى أوحيت لنا وهو الإنجيل واتبعنا أى وأطعنا الوحى فاكتبنا مع الشاهدين أى فأدخلنا الجنة مع المسلمين وهم الذين يتقون مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"فسأكتبها للذين يتقون".
"ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال"وأن الله موهن كيد الكافرين"وقوله بسورة الطارق"إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا "فمكروا تعنى يكيدون وخير الماكرين هو موهن كيد الكافرين والمعنى وكادوا وكاد الله والله أحسن الكائدين،يبين الله لنا أن الكفار مكروا بعيسى (ص) أى دبروا له خطة ليقتلوه ومكر الله والمراد ورد الله كيدهم إليهم فبدلا من أن يقتل عيسى(ص)قتل أحدهم وهو شبيه عيسى(ص)والله خير الماكرين أى أفضل من يرد كيد أعداء الإسلام.
"إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم تختلفون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة المؤمنون "وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "فالرفع لله هو دخوله الربوة وهى الجنة وقوله بسورة الصف"فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين"فجعل الذين اتبعوا عيسى(ص)فوق الكفار هو تأييد الله لهم على عدوهم وقوله بسورة لقمان"ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "فأحكم بينكم فيما كنتم تختلفون تعنى أنبئكم بما كنتم تعملون والمعنى وقد قال الله يا عيسى إنى مميتك أى مدخلك جنتى وناصرك على الذين كذبوا بحكم الله وناصر الذين أطاعوك على الذين كذبوك إلى يوم البعث ثم إلى عودتكم فأفصل بينكم فى الذى كنتم فيه تتنازعون،يبين الله لنا أنه أخبر عيسى(ص) أنه سيتوفاه أى سيميته أى سيرفعه إليه والمراد أنه سيجعله بعد الموت فى مكان رفيع عالى هو الجنة وفسر الله ذلك بأنه مطهره من الذين كفروا أى رافعه على الذين كذبوا وهذا يعنى أنه فى الجنة العالية وهم فى النار السفلى وأخبره أنه سيجعل أى سينصر الذين اتبعوه وهم الذين أطاعوا ما أنزل عليه على الذين كفروا أى كذبوا حكم الله المنزل عليه وهذا النصر سيظل مستمر حتى يوم القيامة وهو يوم البعث وعند ذلك يكون مرجعهم إلى أى عودتهم إلى جزاء الله فيحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون والمراد فيفصل بينهم فى الذى كانوا فيه يتنازعون عن طريق إعطاء المؤمنين كتابهم بيمينهم والكفار كتابهم بشمالهم .
"فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا فى الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزخرف"فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم "فالذين كفروا هم الذين ظلموا والعذاب الشديد هو الأليم وقوله بسورة هود "وما لكم من دون الله من أولياء"فالناصرين هم الأولياء والمعنى فأما الذين كذبوا بحكم الله فأعاقبهم عقابا أليما فى الأولى والقيامة وما لهم من منقذين ،يبين الله لعيسى(ص)أن الذين كفروا أى عصوا حكم الله لهم عذاب شديد والمراد عقاب مهين فى الدنيا وهو انتصار المسلمين عليهم وإنزال بعض العقاب عليهم فيها وفى الآخرة وهو دخولهم النار وما لهم من ناصرين أى ليس لهم من منقذين ينقذونهم من العقاب الربانى.
"وأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "والله لا يحب الكافرين "فالظالمين هم الكافرين والمعنى وأما الذين صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات فيعطيهم ثوابهم والله لا يثيب الكافرين ،يبين الله لعيسى(ص)أن الذين أمنوا أى صدقوا بوحى الله وعملوا الصالحات أى وصنعوا الطاعات لأحكام الله يوفيهم أجورهم أى يعطيهم ثوابهم الممثل فى دخولهم الجنة ويبين له أنه لا يحب الظالمين أى لا يثيب الكافرين والمراد لا يدخلهم الجنة .
"ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم"المعنى ذلك نقصه عليك من الأحكام أى الوحى الفاصل ،يبين الله لرسوله(ص)أن ما سبق ذكره من القصص يتلوه عليه أى يوحيه له من الآيات وهى الأحكام وفسرها بأنها الذكر الحكيم أى القرآن القاضى بالحق.
"إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكونن من الممترين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام"ولا تكونن من المشركين"فالممترين هم المشركين والمعنى إن شبه عيسى (ص)لدى الله كشبه آدم (ص)أنشأه من طين ثم أوحى له تواجد فتواجد، الصدق من إلهك فلا تصبحن من الكافرين ، يبين الله لرسوله(ص)أن مثل عيسى (ص)عند الله كمثل آدم(ص) والمراد أن خلق عيسى (ص)يشبه خلق أدم(ص)فى أن كلاهما تم خلقه من تراب والمراد أنشأه من طين وكلاهما قال الله له كن فكان والمراد وكلاهما تم خلقه بقول تواجد فتواجد وهذا القول من الله رد على من ادعوا ألوهية عيسى (ص)فهو يقول لهم لو كان عيسى(ص)إلها لكان آدم(ص)إلها مع الأخذ فى الإعتبار أن آدم (ص) يتميز عليه بأنه ليس له أم ،ويبين الله لرسوله (ص)أن ذلك هو الحق من ربه أى العدل أى الصدق فى أمر عيسى(ص)ويطلب منه ألا يكون من الممترين وهم الكافرين بدين الله .
"فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج"وإن جادلوك"فحاجك يعنى جادلوك وقوله بسورة البقرة"من بعد ما جاءتهم البينات"فالعلم هو البينات وقوله بسورة البقرة"فلعنة الله على الكافرين "فالكاذبين هم الكافرين وقوله بسورة النحل"فعليهم غضب من الله"فاللعنة هى الغضب والمعنى فمن جادلك فى عيسى(ص)من بعد الذى أتاك من الوحى فقل هلموا نجمع أولادنا وأولادكم وزوجاتنا وزوجاتكم وذواتنا وذواتكم ثم ندعو فنطلب غضب الله للكافرين بدينه ،يبين الله لرسوله (ص)أن من حاجه أى جادله أى ناقشه فى أمر عيسى(ص) بالباطل من بعد ما جاءه من العلم والمراد من بعد الذى أتاه من الوحى فى أمر عيسى(ص) فعليه أن يطلب من المجادلين التالى :تعالوا أى هلموا إلى فعل الأتى ندع والمراد نجمع كل من أبناءنا وهم أولاد المسلمين وأبناءكم وهم أولاد المجادلين ونساءنا أى وزوجات المسلمين ونساءكم وهن زوجات المجادلين وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل أى ندعو الله فنجعل لعنة الله على الكاذبين والمراد فنطلب إنزال عقاب الله على الكافرين بحكم الله والمقصود بهذا الطلب هو أن ينقطع النصارى المجادلون عن جدالهم لعلمهم أن نتيجة المباهلة ليست فى صالحهم والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم "المعنى إن هذا لهو القول العدل وما من رب إلا الله وإن الله لهو الغالب القاضى ،يبين الله لنا أن هذا وهو – والمراد حكم المباهلة – هو القصص الحق والمراد هو الحكم العادل من أجل إنهاء الجدال فى أمر عيسى(ص)ويبين لنا أن لا إله إلا الله والمراد لا رب سوى الله وهو رد على من ادعوا ألوهية عيسى(ص) ويبين لنا أنه العزيز أى الغالب على أمره الحكيم وهو القاضى بالعدل.
"فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الشورى"فإن أعرضوا"فتولوا تعنى أعرضوا وقوله بسورة البقرة"والله عليم بالظالمين "فالمفسدين هم الظالمين والمعنى فإن عصوا حكم الله فإن الله خبير بالكافرين ،يبين الله لنا أن النصارى المجادلين إذا تولوا أى رفضوا حكم الله والمراد أبوا المباهلة فعلينا أن نعلم أن الله عليم بالمفسدين أى خبير بالكافرين بحكمه .
"قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النساء"تعالوا إلى ما أنزل الله"فالكلمة السواء هى ما أنزل الله وهى التى تطلب عبادة الله وقوله بسورة الإسراء"ألا تتخذوا من دونى وكيلا "فالأرباب هم الوكلاء وقوله بسورة الشورى "فإن أعرضوا "فتولوا تعنى أعرضوا والمعنى قل يا محمد يا أهل الوحى السابق هلموا إلى حكم واحد بيننا وبينكم ألا نطيع سوى حكم الله ولا نطيع معه حكما أخر أى لا يطيع بعضنا حكم بعض كآلهة من غير حكم الله فإن رفضوا فقولوا اعترفوا بأنا مطيعون لحكم الله ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يخاطب أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق نزوله على القرآن فيقول لهم:تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم والمراد هلموا إلى أمر مشترك بيننا وبينكم هو ألا نعبد إلا الله والمراد ألا نتبع حكم سوى حكم الله وفسر الأمر بأن لا نشرك به شيئا أى ولا نتبع مع حكمه حكما أخر وفسر الأمر بأن لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله والمراد أن لا يتبع بعضنا حكم البعض الأخر باعتبارهم آلهة من غير حكم الله الإله الوحيد ومن هنا نفهم أن الألوهية ليست سوى الحكم على الخلق وفى الخلق ،ويبين الله لرسوله(ص)أنهم إن تولوا أى رفضوا الكلمة السواء فعلى المسلمين أن يقولوا لهم :أشهدوا بأنا مسلمون أى أقروا أننا المطيعون لحكم الله وهو عبادته وحده والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"يا أهل الكتاب لم تحاجون فى إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون "يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة الذاريات "أفلا تبصرون "فتعقلون تعنى تبصرون والمعنى يا أصحاب الوحى السابق لماذا تجادلون فى إبراهيم وما أوحيت التوراة والإنجيل إلا من بعد وفاته أفلا تفهمون؟يسأل الله أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى :لم تحاجون أى تجادلون فى أمر إبراهيم(ص)فتزعمون أنه يهودى أو نصرانى والغرض من السؤال ليس أن يجيب القوم ولكن الغرض منه إثبات كذبهم ويبين لهم أن التوراة وهى كتاب اليهود كما يزعمون والإنجيل وهو كتاب النصارى كما يزعمون ما أنزلوا إلا من بعده والمراد ما أوحاهم الله لموسى(ص)وعيسى(ص)إلا من بعد وفاة إبراهيم (ص)بسنوات طوال ،ويسألهم :أفلا تعقلون أى تفهمون؟والغرض من السؤال هو إثبات جنونهم أى عدم عقلهم .
"ها أنتم حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النساء"ها أنتم هؤلاء جادلتم "فحاججتم تعنى جادلتم وقوله بسورة الحج"ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا"فالعلم هو السلطان المنزل وقوله بسورة النحل"بل أنتم قوم تجهلون" فلا تعلمون تعنى تجهلون والمعنى ها أنتم جادلتم فى الذى لكم به وحى فلماذا تجادلون فى الذى ليس لكم به وحى والله يعرف وأنتم تجهلون ،يبين الله لأهل الكتاب أنهم حاجوا فى ما لهم به علم والمراد أنهم جادلوا المسلمين فى الذى لديهم فيه وحى وهو أمر عيسى (ص)حيث عندهم الإنجيل ويسألهم :فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والمراد فلماذا تجادلون فى الذى ليس لديكم فيه وحى منزل وهو أمر إبراهيم(ص)والغرض من السؤال هو إثبات جهل القوم وقولهم دون وجود وحى منزل عليهم فى أمر إبراهيم(ص) ،ويبين الله لهم أنه يعلم أى يعرف كل شىء وهو لا يعلمون أى يجهلون والمراد لا يتبعون وحى الله.
"ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النحل"إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا "فمسلما تعنى قانتا لله والمعنى ما كان إبراهيم على دين اليهودية ولا على دين النصرانية ولكن كان مطيعا متبعا لله وما كان من الكافرين ،يبين الله لنا أن إبراهيم(ص) لم يكن يهوديا يدين باليهودية ولا نصرانيا يدين بالنصرانية ولا مشركا يدين بدين من أديان الشرك المتعددة وإنما كان حنيفا أى مسلما أى مطيعا لدين الله وهو الإسلام .
"إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبى والذين أمنوا والله ولى المؤمنين"يفسر الجزء الأخير قوله بسورة الجاثية "والله ولى المتقين "فالمؤمنين هم المتقين وولاية الله هى دفاعه عنهم مصداق لقوله تعالى بسورة الحج "إن الله يدافع عن الذين أمنوا"والمعنى إن أحق الناس بالإقتداء بإبراهيم(ص)الذين أطاعوه وهذا الرسول(ص)والذين صدقوا به والله ناصر المسلمين ،يبين الله لأهل الكتاب أن أولى الناس بإبراهيم(ص)والمراد أحق الخلق بالإنتساب لدين إبراهيم(ص)هم الذين اتبعوه أى أطاعوا الرسالة المنزلة عليه وهذا النبى أى محمد(ص)والذين أمنوا أى والذين صدقوا بمحمد(ص) ،ويبين للكل أنه ولى المؤمنين أى ناصر المسلمين على الكافرين فى الدنيا والأخرة والخطاب للناس
"إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم"المعنى إن الله اختار آدم(ص)ونوحا(ص)وأهل إبراهيم(ص)وأهل عمران من الناس فريق بعضه من بعض والله خبير محيط ،يبين الله لنا أنه اصطفى من العالمين والمراد اختار من الناس رسلا منهم :آدم(ص)ونوح(ص)وآل إبراهيم والمراد أهل إبراهيم وهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط عليهم الصلاة والسلام وآل عمران وهم عمران وعيسى عليهم الصلاة والسلام وهم ذرية بعضها من بعض والمراد شيعة واحدة الدين وليسوا ذرية بمعنى نسل بعض لأن نوح(ص)لم ينجب أحدا فبنى إسرائيل هم ذرية أى نسل من كانوا معه فى السفينة مصداق لقوله تعالى بسورة الإسراء"ذرية من حملنا مع نوح"،ويبين الله أنه سميع عليم أى خبير محيط بكل أمر فى الكون ،والخطاب وما بعده من بقية القصة للنبى(ص).
"إذ قالت امرأة عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم "المعنى لقد قالت زوجة عمران إلهى إنى جعلت لك الذى فى رحمى خالصا فإرض عنى إنك أنت الخبير المحيط ،يبين الله لنا أن امرأة أى زوجة عمران(ص)لما كانت حاملا وزوجها عمران(ص)ميت قالت أى دعت الله :رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا أى إلهى إنى خصصت لخدمة بيتك الذى فى رحمى خالصا ،وهذا يعنى أنها بينت لله أن الجنين فى بطنها سيكون خادم لبيت الله وحده ،وقالت فتقبل منى إنك أنت السميع العليم والمراد فإرض عن طلبى إنك أنت الخبير المحيط بكل أمر ،وهذا يعنى أنها طلبت من الله الرضا والموافقة على النذر وهذا النذر يدلنا على وفاة الأب لأنه لا يجوز للأم أن تنذر ولد زوجها دون موافقته .
"فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم "المعنى فلما ولدتها قالت إلهى إنى أنجبتها بنتا والله أعرف بالذى ولدت وليس الولد كالبنت وإنى أطلقت عليها مريم وإنى أحميها ونسلها من الكافر الملعون، يبين الله لنا أن زوجة عمران(ص)لما وضعتها أى ولدت البنت قالت:رب إنى وضعتها أنثى أى يا إلهى لقد أنجبت بنتا وهذا القول منها يعنى أنها كانت تظن أن ما فى بطنها كان ولدا ومن ثم فالنذر فى ظنها لا ينفع،ويبين لنا أنه أعلم بما وضعت أى والله أعرف بالذى ولدته وهذا يعنى أن النذر واجب التنفيذ لأن ظنها لا يفيد فى شىء ،وقالت:وليس الذكر كالأنثى والمراد وليس الولد كالبنت ،وهذا يعنى فى رأيها أن البنت لا تصلح لخدمة بيت الله مثل الولد،وقالت :وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم والمراد وإنى أطلقت عليها اسم مريم ويقولون أن معناه العابدة وأرى أنه يعنى المقصودة وإنى أحميها بحكمك من الكافر الملعون وهذا يعنى أنها تطلب من الله أن يحمى مريم(ص)ونسلها من وساوس الشهوات.
"فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل زكريا عليها المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" المعنى فرضا عنها خالقها رضا جميلا فنماها نموا جميلا وضمنها زكريا(ص) كلما ولج زكريا(ص) المسجد لقى لديها نفعا قال يا مريم من أين لك هذا قالت هو من لدى الله إن الله يعطى من يريد دون حدود ،يبين الله لنا أن الله تقبل مريم (ص)بقبول حسن والمراد رضا عنها الرضا التام وهذا يعنى أنه قبلها كنذر وأنبتها نباتا حسنا والمراد فنماها نموا جميلا أى رباها تربية حسنة وكفلها زكريا(ص)والمراد وجعل زكريا(ص)مسئولا عنها فى الرزق والتربية ومع هذا كان زكريا(ص)كلما دخل عليها المحراب والمراد كلما ولج على مريم(ص)المسجد وهو مكان خدمتها للإطمئنان عليها وجد عندها رزقا والمراد لقى لديها نفعا أى طعاما وشرابا وكافة ما تحتاجه وهى الأشياء التى يجب عليه توفيرها لها ومن ثم كان يسألها أنى لك هذا ؟أى من أين لك هذا النفع؟وهذا واجب كل رب أسرة أو كفيلها إذا وجد ما يريبه فقالت له:هو من عند أى لدى الله وهذا معناه أن الله أرسله لها إن الله يرزق من يشاء بغير حساب والمراد إن الله يعطى من يريد بغير حدود أى بدون قانون للعطاء ولأن زكريا(ص) رسول فقد كان يعلم صدق مريم(ص) ولذا تذكر أن له حاجة عند الله.
"هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء"يفسره قوله تعالى بسورة مريم"فهب لى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا "فالذرية هى الولى والطيبة هى الرضية والمعنى عند هذا نادى زكريا (ص)إلهه فقال:إلهى أعطنى من عندك نسلا صالحا إنك عارف النداء ،يبين الله لنا أن مريم (ص)لما ذكرت زكريا(ص)بقدرة الله على العطاء دون وجود الأسباب دعا أى نادى الله فقال:رب هب لى من لدنك ذرية طيبة والمراد إلهى أعطنى من عندك نسلا صالحا وهذا يعنى أنه يطلب من الله الولد الصالح لأنه سميع الدعاء أى مجيب النداء وهو الطلب كيف أراد .
"فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة مريم"وكان تقيا "و"وأتيناه الحكم صبيا" والسيد هو الحاكم بحكم الله المؤتى له والحصور هو التقى وليس العاقر لأن كل الرسل أنجبوا مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية "والكلمة هو عيسى مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران "إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم"والمعنى فخاطبته الملائكة وهو داع يدعو فى المسجد أن الله يخبرك بيحيى مؤمنا برحمة من الله وحاكما وتقيا ورسولا من المسلمين ،يبين الله لنا أن الإستجابة لدعاء زكريا(ص)كانت سريعة حيث تحققت وهو ما زال يكرر الدعاء ويلح عليه فى المسجد وهو المحراب فقد نادته أى خاطبته الملائكة فقالت إن الله يبشرك بيحيى أى إن الله يخبرك بإبن لك اسمه يحيى وهذا يعنى أن الله هو الذى اختار له الإسم،مصدقا بكلمة من الله والمراد مؤمنا برحمة من الله وهو عيسى (ص)وسيدا أى حاكما بحكم الله أى حصورا أى مطيعا لحكم الله ونبيا من الصالحين أى ورسولا من المحسنين وهذا يعنى أن الله جعله رسولا وأخبر الأب بهذا .
"قال رب أنى يكون لى غلام وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقرا قال كذلك الله يفعل ما يشاء"المعنى قال إلهى كيف يصبح لى ابن وقد وصلنى العجز وزوجتى عقيمة قال هكذا يصنع ما يريد ،يبين الله لنا أن زكريا(ص)لما سمع الإجابة استغرب من مجىء الولد دون وجود الأسباب المعروفة قال :كيف يصبح لى ابن وقد وصلتنى الشيخوخة وزوجتى عقيم؟إن هذا السؤال يدل على كبر زكريا(ص)أى وصوله لسن متقدمة وأيضا يدل على عقر أى عقم زوجته وهذا يعنى أنهما لا يصلحان للإنجاب والتساؤل يعنى كيف سيأتى الولد هل من زوجتى أم من زوجة أخرى؟فرد الملاك وهو جبريل(ص)عليه فقال:كذلك أى ستنجبان وأنتما على حالكما فالله يصنع الذى يريد .
"قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والأبكار "يفسر الآية قوله تعالى بسورة مريم"آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا "فالأيام هى الليالى والمعنى قال إلهى حدد لى علامة للحمل قال علامتك ألا تحدث البشر إلا إشارة وأطع إلهك دوما أى اتبع حكم الله بالليالى والنهارات ،يبين الله لنا أن زكريا(ص)طلب من الله أن يحدد له آية أى علامة يعرف بها حدوث الحمل فأخبره جبريل(ص)أن علامة حدوث الحمل هى اللحظة التى لا يتكلم فيها لسانه ويستمر على هذه الحال ثلاثة أيام لا يتحدث فيها سوى بالرمز وهو الإشارة وطلب منه الملاك أن يذكر ربه كثيرا أى أن يطيع حكم الله دوما وفسر هذا بأن يسبحه بالعشى والأبكار أى يتبع حكم الله دوما بالليالى والنهارات وهنا الحمل حدث دون جماع فالرجل فى المحراب وزوجته فى البيت .
"وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين"المعنى وقد قال جبريل(ص):يا مريم إن الرب اختارك أى زكاك أى اجتباك من إناث الخلق،يبين الله لنا أن الملائكة والمراد جبريل(ص)قال لمريم(ص)بأمر من الله:إن الله اصطفاك أى طهرك أى اختارك من نساء العالمين أى من إناث البشر وهذا يعنى أن الله اختارها من بين إناث الناس كلهن لأداء مهمة معينة هى ولادة طفل بدون أب .
"يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج "يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم "وقوله بسورة البقرة"وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين "فالركوع هنا هو السجود هو القنوت هو العبادة هو إقامة الصلاة هو إيتاء الزكاة والمعنى يا مريم اخضعى لخالقك أى اتبعى حكم ربك أى أصبحى من المطيعين ،يبين الله لنا أن جبريل(ص)طلب من مريم(ص)أن تقنت لله أى تسجد لله والمراد أن تطيع حكم الله أى تركع مع الراكعين والمقصود أن تكون مع المسلمين المطيعين لحكم الله.
"ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة طه"كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق "فنوحيه إليك تعنى نقص عليك وأنباء الغيب هى أنباء ما قد سبق والمعنى ذلك من أخبار المجهول نلقيه لك وما كنت عندهم حين يضعون أقلامهم أيهم يضمن مريم وما كنت معهم حين يتنازعون ،يبين الله لرسوله(ص)أن ما سبق ذكره من أمر زكريا(ص)وامرأة عمران ومريم(ص)هو من أنباء الغيب أى أخبار المجهول الذى لا يعلم حقيقته الناس التى يوحيها أى يلقيها أى يقصها الله عليه وينفى الله عن رسوله(ص)حضور إلقاء القوم وهم المختصمون أى المتنازعون فى كفالة مريم(ص)أقلامهم والمراد رميهم أقلامهم وهى أدوات الكتابة أيهم الكفيل أى الوصى على مريم(ص)،وينفى حضوره الخصام وهو الإختلاف بين القوم فى أمر مريم(ص)،ومما ينبغى قوله أن نفى الله وجود رسوله (ص)فى عصر زكريا (ص)ومريم(ص)يعنى عدم وجود ما يسمونه التناسخ الذى يعنى وجود الإنسان فى أكثر من عصر ومما ينبغى قوله أن رمى الأقلام لم يرد فيه خبر موجود حاليا فى الكتب المعروفة ولكن المفهوم هو أن صاحب القلم المميز بخاصية معينة هو الذى كفل مريم(ص)وهذه الخاصية قد تكون الغطس فى الماء أو الطفو عليه أو غير ذلك والله أعلم .
"إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والأخرة ومن المقربين ويكلم الناس فى المهد وكهلا ومن الصالحين"يفسرالآية قوله تعالى بسورة مريم"قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا"فالكلمة هو الغلام الزكى وقوله بسورة مريم "ولنجعله آية للناس ورحمة منا "فالكلمة هو الرحمة هو الآية وقوله بنفس السورة"وجعلنى مباركا أينما كنت "فالوجيه هو المبارك وقوله بسورة مريم"قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا قال إنى عبد الله أتانى الكتاب وجعلنى نبيا"فكونه من المقربين يعنى أنه نبى والمعنى قد قال جبريل(ص)يا مريم إن الرب يخبرك برحمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم مباركا فى الأولى والقيامة ومن الرسل ويحدث الخلق فى الرضاع وشابا ومن المسلمين ،يبين الله لنا أن الملائكة والمراد جبريل(ص)أخبر مريم(ص)أن الله يخبرها بكلمة منه أى رحمة أى روح من لديه وهى ولد اسمه وهو اللفظ الذى يدعى به المسيح عيسى ابن مريم وهذا يعنى أن الولد ليس له أب لأنه منسوب إلى أمه ،أضف لهذا أن الله هو الذى سماه ومعنى المسيح السائح أى العابد وأما عيسى فيعنى الصابر غالبا-والله أعلم- وأخبرها أنه وجيها فى الدنيا والأخرة أى مباركا أى زكيا أى طاهرا أى مسلما وهو من المقربين أى المصطفين أى من الرسل المختارين ويكلم الناس فى المهد وكهلا والمراد أنه يحدث البشر بكلام العقلاء وهو فى فراش الرضاع كما يحدثهم عندما يكبر وهذه معجزة إلهية وهو من الصالحين أى المسلمين .
"قالت رب أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون "يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة يس"إنما أمره إذا أراد أمرا أن يقول له كن فيكون"فقضى تعنى أراد والمعنى قالت مريم(ص)كيف يصبح لى ابن ولم يجامعنى إنسان ؟قال هكذا الله يصنع ما يريد إذا أراد شيئا أن يوحى له تواجد فيتواجد ،يبين الله لنا أن مريم (ص)لما سمعت كلام جبريل(ص)اندهشت وتساءلت:أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر أى كيف أنجب ابن ولم يباشرنى إنسان حلالا أو حراما؟وهذا السؤال منها دليل على أنها لم تتزوج حتى ذلك الوقت ولم ترتكب الزنى والسؤال هنا هو عن كيفية مجىء الولد مع امتناع أسباب وجوده وهو الجماع فقال لها جبريل (ص)كذلك أى ستلدين وأنت على هذه الحال دون زواج أو زنى لأن الله يخلق ما يشاء أى ينشىء ما يريد بأى كيفية وطريقة الخلق هى أنه إذا قضى أمرا أى إذا أراد خلقا لشىء فإنه يقول له كن فيكون والمراد فإنه يوحى له :تواجد فيتواجد وهذا يرينا قدرة الله ليس لها حدود فهو يخلق بلا أب وأم وبلا أم وبلا أب وبأم وأب فهو قادر على كل شىء.
"ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة مريم "وجعلنى نبيا"فرسولا تعنى نبيا وقوله بسورة مريم "قال إنى أعبد الله أتانى الكتاب "وقوله تعالى بسورة الزخرف"قال قد جئتكم بالحكمة "فالكتاب هو الحكمة هو التوراة والإنجيل وتفسيرهما وهو الوحى وقوله بسورة المائدة"وإذ تخرج الموتى بإذنى"فأحى الموتى تعنى أنه يخرج الموتى للحياة مرة ثانية بإذن الله وقوله بسورة النازعات"إن فى ذلك لعبرة لمن يخشى"فالآية هى العبرة والمؤمنين هم من يخشى والمعنى ويعرفه الوحى أى حكم الله أى التوراة والإنجيل ومبعوثا إلى أولاد يعقوب (ص)أنى قد أتيتكم بعلامة من خالقكم أنى أصنع لكم من الطين كشكل الطير فأنفث فيه فيصبح طيرا بأمر الله وأشفى الأعمى والأمهق وأبعث الهلكى بأمر الرب وأخبركم بما تطعمون وما تخزنون فى مساكنكم إن فى هذا لعلامة لكم إن كنتم مصدقين ،يبين الله لنا أن جبريل(ص)أخبر مريم(ص)أن ولدها سيعلمه أى سيوحى إليه الله الكتاب وهو الحكمة أى حكم الله ممثلا فى التوراة والإنجيل وهذا خبر بالغيب الممثل فى نزول وحى على عيسى(ص)فى المستقبل اسمه الإنجيل ،وقال ورسولا إلى بنى إسرائيل والمراد أن عيسى(ص)سيكون مبعوثا لأولاد يعقوب(ص)برسالة الله ،فلما بعثه الله لهم قال لهم :أنى قد جئتكم بآية من ربكم والمراد أنى قد أتيتكم بعلامات من إلهكم تدل على أن رسالتى من عند الله وهى:أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير والمراد أنى أصنع لكم من التراب المعجون بالماء كشكل الطيور فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله والمراد فأنفث فيه بفمى فتصبح الأشكال الطينية طيورا حية بأمر الله ونسبة الإحياء لله تدل على أنه لا يقدر على عمل ذلك من نفسه وهذه العلامة الأولى ،وقال وأبرىء الأكمه والأبرص والمراد وأشفى الأعمى وهو من لا يبصر والأمهق وهو المصاب بتغير لونى فى بعض مناطق الجلد والشفاء هنا ليس بالدواء وإنما بالكلام وهذه العلامة الثانية ،وقال وأحى الموتى بإذن الله والمراد وأبعث المتوفين للحياة مرة أخرى بأمر الله ونسبة الشفاء والإحياء إلى الله يدل على أنه لا قدرة له على هذا وإنما هو فعل الله وهذه العلامة الثالثة ،وقال وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم والمراد وأخبركم بأصناف الذى تطعمون والذى تخزنون فى مساكنكم وهذا يعنى أن الله أعطاه القدرة على معرفة أصناف الطعام فى بطونهم ومعرفة الأشياء التى يخزنونها فى المساكن من طعام وشراب وحلى ومال وهى فى البيوت وهذه المعجزة الرابعة ،وقال إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين والمراد إن فى الذى سبق ذكره من المعجزات لدليل على رسوليتى إن كنتم صادقين فى أنكم أتباع لدين الله.
"ومصدقا لما بين يدى من التوراة ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزخرف"قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه"فالآية هى الحكمة والمختلف فيه هو الذى سيحله لهم وقوله بسورة الزخرف "واتبعون "فأطيعون تعنى اتبعون وقوله بسورة الأعراف"فاذكروا آلاء الله"فاتقوا الله هى اذكروا آلاء الله والمعنى ومؤمنا بالذى عندى من التوراة ولأبيح لكم بعض الذى منع عليكم وأتيتكم بإنجيل من إلهكم فأطيعوا حكم الله أى اتبعوا الحكم المنزل على ،يبين الله لنا أن عيسى (ص)بين لبنى إسرائيل أنه مصدق بما بين يديه من التوراة والمراد مؤمن بالذى يحفظه فى نفسه من التوراة والمراد مؤمن بكل ما فى التوراة الإلهية وبين لهم أنه جاء ليحل لهم بعض الذى حرم عليهم والمراد ليبيح لهم بعض الذى منعه الله عليهم بسبب ظلمهم وهو الأحكام الثقيلة التى طلبوا تكلفتهم بها ومنها تحريم الطعام الذى حرمه إسرائيل (ص)على نفسه ،وبين لهم أنه جاءهم بآية من ربهم والمراد قد أتاهم بدليل من إلههم هو الإنجيل وطلب منهم أن يتقوا الله أى يطيعوا حكم الله وهو الإنجيل وفسر ذلك بأن يطيعوه أى يتبعوا الإنجيل المنزل عليه.
"إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج"فإلهكم إله واحد فله أسلموا"فربكم تعنى إلهكم واعبدوه تعنى أسلموا له وقوله بسورة مريم "أهدك صراطا سويا"فالمستقيم هو السوى والمعنى إن الرب إلهى وإلهكم فأطيعوه هذا دين سوى ،يبين الله لنا أن عيسى(ص) قال لبنى إسرائيل:إن الله ربى أى خالقى وربكم أى وخالقكم فاعبدوه أى أطيعوا حكمه فهذا هو الصراط المستقيم أى الدين العادل السليم .
"فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأعراف"آمنا بآيات الله "فالإيمان بالله هو الإيمان بآيات الله والمعنى فلما عرف عيسى(ص)منهم التكذيب لحكم الله قال من أعوانى فى نصر دين الله قال المؤمنون به نحن أعوان دين الله صدقنا بدين الله واعترف بأننا مطيعون ،يبين الله لنا أن عيسى(ص)لما أحس الكفر منهم والمراد لما عرف التكذيب من القوم قال :من أنصارى إلى الله والمراد من أعوانى فى نصر دين الله ؟فكان رد الحواريين وهم المحيطين أى المؤمنين برسالة عيسى(ص) :نحن أنصار الله أى نحن أعوان دين الله آمنا بالله أى صدقنا بدين الله واشهد بأنا مسلمون أى واعترف بأنا مطيعون لحكم الله .
"ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا فاكتبنا مع الشاهدين" يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأعراف"آمنا بآيات الله "وقوله بسورة النور"وأطعنا"فالإيمان بما أنزل هو الإيمان بآيات الله واتبعنا تعنى أطعنا والمعنى إلهنا صدقنا بالذى أوحيت وأطعنا فاجعلنا من المسلمين ،يبين الله لنا أن الحواريين قالوا :ربنا أمنا بما أنزلت أى إلهنا صدقنا بالذى أوحيت لنا وهو الإنجيل واتبعنا أى وأطعنا الوحى فاكتبنا مع الشاهدين أى فأدخلنا الجنة مع المسلمين وهم الذين يتقون مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"فسأكتبها للذين يتقون".
"ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال"وأن الله موهن كيد الكافرين"وقوله بسورة الطارق"إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا "فمكروا تعنى يكيدون وخير الماكرين هو موهن كيد الكافرين والمعنى وكادوا وكاد الله والله أحسن الكائدين،يبين الله لنا أن الكفار مكروا بعيسى (ص) أى دبروا له خطة ليقتلوه ومكر الله والمراد ورد الله كيدهم إليهم فبدلا من أن يقتل عيسى(ص)قتل أحدهم وهو شبيه عيسى(ص)والله خير الماكرين أى أفضل من يرد كيد أعداء الإسلام.
"إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم تختلفون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة المؤمنون "وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "فالرفع لله هو دخوله الربوة وهى الجنة وقوله بسورة الصف"فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين"فجعل الذين اتبعوا عيسى(ص)فوق الكفار هو تأييد الله لهم على عدوهم وقوله بسورة لقمان"ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "فأحكم بينكم فيما كنتم تختلفون تعنى أنبئكم بما كنتم تعملون والمعنى وقد قال الله يا عيسى إنى مميتك أى مدخلك جنتى وناصرك على الذين كذبوا بحكم الله وناصر الذين أطاعوك على الذين كذبوك إلى يوم البعث ثم إلى عودتكم فأفصل بينكم فى الذى كنتم فيه تتنازعون،يبين الله لنا أنه أخبر عيسى(ص) أنه سيتوفاه أى سيميته أى سيرفعه إليه والمراد أنه سيجعله بعد الموت فى مكان رفيع عالى هو الجنة وفسر الله ذلك بأنه مطهره من الذين كفروا أى رافعه على الذين كذبوا وهذا يعنى أنه فى الجنة العالية وهم فى النار السفلى وأخبره أنه سيجعل أى سينصر الذين اتبعوه وهم الذين أطاعوا ما أنزل عليه على الذين كفروا أى كذبوا حكم الله المنزل عليه وهذا النصر سيظل مستمر حتى يوم القيامة وهو يوم البعث وعند ذلك يكون مرجعهم إلى أى عودتهم إلى جزاء الله فيحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون والمراد فيفصل بينهم فى الذى كانوا فيه يتنازعون عن طريق إعطاء المؤمنين كتابهم بيمينهم والكفار كتابهم بشمالهم .
"فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا فى الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزخرف"فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم "فالذين كفروا هم الذين ظلموا والعذاب الشديد هو الأليم وقوله بسورة هود "وما لكم من دون الله من أولياء"فالناصرين هم الأولياء والمعنى فأما الذين كذبوا بحكم الله فأعاقبهم عقابا أليما فى الأولى والقيامة وما لهم من منقذين ،يبين الله لعيسى(ص)أن الذين كفروا أى عصوا حكم الله لهم عذاب شديد والمراد عقاب مهين فى الدنيا وهو انتصار المسلمين عليهم وإنزال بعض العقاب عليهم فيها وفى الآخرة وهو دخولهم النار وما لهم من ناصرين أى ليس لهم من منقذين ينقذونهم من العقاب الربانى.
"وأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "والله لا يحب الكافرين "فالظالمين هم الكافرين والمعنى وأما الذين صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات فيعطيهم ثوابهم والله لا يثيب الكافرين ،يبين الله لعيسى(ص)أن الذين أمنوا أى صدقوا بوحى الله وعملوا الصالحات أى وصنعوا الطاعات لأحكام الله يوفيهم أجورهم أى يعطيهم ثوابهم الممثل فى دخولهم الجنة ويبين له أنه لا يحب الظالمين أى لا يثيب الكافرين والمراد لا يدخلهم الجنة .
"ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم"المعنى ذلك نقصه عليك من الأحكام أى الوحى الفاصل ،يبين الله لرسوله(ص)أن ما سبق ذكره من القصص يتلوه عليه أى يوحيه له من الآيات وهى الأحكام وفسرها بأنها الذكر الحكيم أى القرآن القاضى بالحق.
"إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكونن من الممترين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام"ولا تكونن من المشركين"فالممترين هم المشركين والمعنى إن شبه عيسى (ص)لدى الله كشبه آدم (ص)أنشأه من طين ثم أوحى له تواجد فتواجد، الصدق من إلهك فلا تصبحن من الكافرين ، يبين الله لرسوله(ص)أن مثل عيسى (ص)عند الله كمثل آدم(ص) والمراد أن خلق عيسى (ص)يشبه خلق أدم(ص)فى أن كلاهما تم خلقه من تراب والمراد أنشأه من طين وكلاهما قال الله له كن فكان والمراد وكلاهما تم خلقه بقول تواجد فتواجد وهذا القول من الله رد على من ادعوا ألوهية عيسى (ص)فهو يقول لهم لو كان عيسى(ص)إلها لكان آدم(ص)إلها مع الأخذ فى الإعتبار أن آدم (ص) يتميز عليه بأنه ليس له أم ،ويبين الله لرسوله (ص)أن ذلك هو الحق من ربه أى العدل أى الصدق فى أمر عيسى(ص)ويطلب منه ألا يكون من الممترين وهم الكافرين بدين الله .
"فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج"وإن جادلوك"فحاجك يعنى جادلوك وقوله بسورة البقرة"من بعد ما جاءتهم البينات"فالعلم هو البينات وقوله بسورة البقرة"فلعنة الله على الكافرين "فالكاذبين هم الكافرين وقوله بسورة النحل"فعليهم غضب من الله"فاللعنة هى الغضب والمعنى فمن جادلك فى عيسى(ص)من بعد الذى أتاك من الوحى فقل هلموا نجمع أولادنا وأولادكم وزوجاتنا وزوجاتكم وذواتنا وذواتكم ثم ندعو فنطلب غضب الله للكافرين بدينه ،يبين الله لرسوله (ص)أن من حاجه أى جادله أى ناقشه فى أمر عيسى(ص) بالباطل من بعد ما جاءه من العلم والمراد من بعد الذى أتاه من الوحى فى أمر عيسى(ص) فعليه أن يطلب من المجادلين التالى :تعالوا أى هلموا إلى فعل الأتى ندع والمراد نجمع كل من أبناءنا وهم أولاد المسلمين وأبناءكم وهم أولاد المجادلين ونساءنا أى وزوجات المسلمين ونساءكم وهن زوجات المجادلين وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل أى ندعو الله فنجعل لعنة الله على الكاذبين والمراد فنطلب إنزال عقاب الله على الكافرين بحكم الله والمقصود بهذا الطلب هو أن ينقطع النصارى المجادلون عن جدالهم لعلمهم أن نتيجة المباهلة ليست فى صالحهم والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم "المعنى إن هذا لهو القول العدل وما من رب إلا الله وإن الله لهو الغالب القاضى ،يبين الله لنا أن هذا وهو – والمراد حكم المباهلة – هو القصص الحق والمراد هو الحكم العادل من أجل إنهاء الجدال فى أمر عيسى(ص)ويبين لنا أن لا إله إلا الله والمراد لا رب سوى الله وهو رد على من ادعوا ألوهية عيسى(ص) ويبين لنا أنه العزيز أى الغالب على أمره الحكيم وهو القاضى بالعدل.
"فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الشورى"فإن أعرضوا"فتولوا تعنى أعرضوا وقوله بسورة البقرة"والله عليم بالظالمين "فالمفسدين هم الظالمين والمعنى فإن عصوا حكم الله فإن الله خبير بالكافرين ،يبين الله لنا أن النصارى المجادلين إذا تولوا أى رفضوا حكم الله والمراد أبوا المباهلة فعلينا أن نعلم أن الله عليم بالمفسدين أى خبير بالكافرين بحكمه .
"قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النساء"تعالوا إلى ما أنزل الله"فالكلمة السواء هى ما أنزل الله وهى التى تطلب عبادة الله وقوله بسورة الإسراء"ألا تتخذوا من دونى وكيلا "فالأرباب هم الوكلاء وقوله بسورة الشورى "فإن أعرضوا "فتولوا تعنى أعرضوا والمعنى قل يا محمد يا أهل الوحى السابق هلموا إلى حكم واحد بيننا وبينكم ألا نطيع سوى حكم الله ولا نطيع معه حكما أخر أى لا يطيع بعضنا حكم بعض كآلهة من غير حكم الله فإن رفضوا فقولوا اعترفوا بأنا مطيعون لحكم الله ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يخاطب أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق نزوله على القرآن فيقول لهم:تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم والمراد هلموا إلى أمر مشترك بيننا وبينكم هو ألا نعبد إلا الله والمراد ألا نتبع حكم سوى حكم الله وفسر الأمر بأن لا نشرك به شيئا أى ولا نتبع مع حكمه حكما أخر وفسر الأمر بأن لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله والمراد أن لا يتبع بعضنا حكم البعض الأخر باعتبارهم آلهة من غير حكم الله الإله الوحيد ومن هنا نفهم أن الألوهية ليست سوى الحكم على الخلق وفى الخلق ،ويبين الله لرسوله(ص)أنهم إن تولوا أى رفضوا الكلمة السواء فعلى المسلمين أن يقولوا لهم :أشهدوا بأنا مسلمون أى أقروا أننا المطيعون لحكم الله وهو عبادته وحده والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"يا أهل الكتاب لم تحاجون فى إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون "يفسر الجزء الأخير قوله تعالى بسورة الذاريات "أفلا تبصرون "فتعقلون تعنى تبصرون والمعنى يا أصحاب الوحى السابق لماذا تجادلون فى إبراهيم وما أوحيت التوراة والإنجيل إلا من بعد وفاته أفلا تفهمون؟يسأل الله أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى :لم تحاجون أى تجادلون فى أمر إبراهيم(ص)فتزعمون أنه يهودى أو نصرانى والغرض من السؤال ليس أن يجيب القوم ولكن الغرض منه إثبات كذبهم ويبين لهم أن التوراة وهى كتاب اليهود كما يزعمون والإنجيل وهو كتاب النصارى كما يزعمون ما أنزلوا إلا من بعده والمراد ما أوحاهم الله لموسى(ص)وعيسى(ص)إلا من بعد وفاة إبراهيم (ص)بسنوات طوال ،ويسألهم :أفلا تعقلون أى تفهمون؟والغرض من السؤال هو إثبات جنونهم أى عدم عقلهم .
"ها أنتم حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النساء"ها أنتم هؤلاء جادلتم "فحاججتم تعنى جادلتم وقوله بسورة الحج"ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا"فالعلم هو السلطان المنزل وقوله بسورة النحل"بل أنتم قوم تجهلون" فلا تعلمون تعنى تجهلون والمعنى ها أنتم جادلتم فى الذى لكم به وحى فلماذا تجادلون فى الذى ليس لكم به وحى والله يعرف وأنتم تجهلون ،يبين الله لأهل الكتاب أنهم حاجوا فى ما لهم به علم والمراد أنهم جادلوا المسلمين فى الذى لديهم فيه وحى وهو أمر عيسى (ص)حيث عندهم الإنجيل ويسألهم :فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والمراد فلماذا تجادلون فى الذى ليس لديكم فيه وحى منزل وهو أمر إبراهيم(ص)والغرض من السؤال هو إثبات جهل القوم وقولهم دون وجود وحى منزل عليهم فى أمر إبراهيم(ص) ،ويبين الله لهم أنه يعلم أى يعرف كل شىء وهو لا يعلمون أى يجهلون والمراد لا يتبعون وحى الله.
"ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النحل"إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا "فمسلما تعنى قانتا لله والمعنى ما كان إبراهيم على دين اليهودية ولا على دين النصرانية ولكن كان مطيعا متبعا لله وما كان من الكافرين ،يبين الله لنا أن إبراهيم(ص) لم يكن يهوديا يدين باليهودية ولا نصرانيا يدين بالنصرانية ولا مشركا يدين بدين من أديان الشرك المتعددة وإنما كان حنيفا أى مسلما أى مطيعا لدين الله وهو الإسلام .
"إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبى والذين أمنوا والله ولى المؤمنين"يفسر الجزء الأخير قوله بسورة الجاثية "والله ولى المتقين "فالمؤمنين هم المتقين وولاية الله هى دفاعه عنهم مصداق لقوله تعالى بسورة الحج "إن الله يدافع عن الذين أمنوا"والمعنى إن أحق الناس بالإقتداء بإبراهيم(ص)الذين أطاعوه وهذا الرسول(ص)والذين صدقوا به والله ناصر المسلمين ،يبين الله لأهل الكتاب أن أولى الناس بإبراهيم(ص)والمراد أحق الخلق بالإنتساب لدين إبراهيم(ص)هم الذين اتبعوه أى أطاعوا الرسالة المنزلة عليه وهذا النبى أى محمد(ص)والذين أمنوا أى والذين صدقوا بمحمد(ص) ،ويبين للكل أنه ولى المؤمنين أى ناصر المسلمين على الكافرين فى الدنيا والأخرة والخطاب للناس