"قال الملك ائتونى به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسئله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم "المعنى قال الحاكم جيئونى به فلما أتاه المبعوث قال عد إلى ملكك فاستفهمه عن أمر النساء اللاتى جرحن أكفهن إن إلهى بمكرهن خبير ،يبين الله لنبيه(ص)أن الساقى لما ذهب فأخبر الملك قال الملك وهو الحاكم لمن حوله ائتونى به والمراد جيئونى بيوسف(ص) فلما جاءه الرسول والمراد فلما ذهب المبعوث الذى بعثه الملك لإخراج يوسف رفض يوسف(ص)الخروج فقال ارجع إلى ربك والمراد عد إلى حاكمك فسئله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن والمراد فاستفهم منه ما حكاية النساء اللاتى قطعن أيديهن أى جرحن أكفهن إن ربى بكيدهن عليم والمراد إن خالقى بمكرهن خبير وهذا يعنى أن يوسف(ص) أراد إثبات براءته وأنه دخل السجن مظلوما قبل أن يخرج منه
"قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين "المعنى قال ما أمركن إذ حدثتن يوسف عن شهوته قلن الصدق لله ما عرفنا عليه من فساد قالت زوجة العزيز الآن ظهر الحق أنا حدثته عن شهوته وإنه لمن العادلين يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف لما رفض الخروج من السجن حقق الملك بنفسه فى القضية فطلب جمع النسوة فحضرن فسألهن ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه والمراد ما حقيقة أمركن حين حدثتن يوسف عن شهوته ؟فأتاه الجواب منهن حاش لله والمراد الصدق واجب لله ما علمنا عليه من سوء والمراد ما عرفنا منه من فاحشة وهذا يعنى أنه برىء فى رأيهن ،فقالت امرأة العزيز وهى زوجة الوزير :الآن حصحص الحق أى فى هذا الوقت ظهر الصدق أنا راودته عن نفسه والمراد أنا حدثته عن شهوته والمراد أنا طالبته بالزنى وإنه لمن الصادقين أى المحقين فى كلامهم.
"ذلك ليعلم إنى لم أخنه بالغيب وإن الله لا يهدى كيد الخائنين وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم "المعنى ذلك ليعرف إنى لم أكذبه بالغياب وإن الله لا يفلح مكر الكاذبين وما أزكى نفسى إن النفس لموصية بالشر إلا ما نفع إلهى إن إلهى عفو مفيد ،يبين الله لنبيه (ص)أن امرأة العزيز قالت أيضا للملك:ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب والمراد ذلك ليعرف يوسف(ص) أنى لم أكذبه فى غيابه وهذا يعنى أنها تريد أن يعرف يوسف(ص)أن غيابه لم يمنعها من أن تقول الحق وقالت وإن الله لا يهدى كيد الخائنين والمراد وإن الله لا ينجح مكر الكاذبين وهذا يعنى أن الله يفشل مكر الكفار وقالت وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء والمراد وما أزكى نفسى والمراد ما أريد أن أشكر نفسى إن النفس لموصية بالشر إلا ما رحم ربى أى إلا من نفع إلهى إن ربى غفور رحيم والمراد إن إلهى عفو نافع ومن هذا القول يتضح لنا أن امرأة العزيز قد أسلمت فهذا هو كلام المسلمين .
"قال الملك ائتونى به أستخلصه لنفسى فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين "المعنى قال الحاكم جيئونى بيوسف(ص)أصطفيه لنفسى فلما حدثه قال إنك اليوم قادر مخلص ،يبين الله لنبيه(ص)أن الملك وهو حاكم مصر قال للحاشية :ائتونى به والمراد أحضروا لى يوسف (ص)استخلصه لنفسى أى أختاره لنفسى وهذا يعنى أنه طلب منهم إحضار يوسف(ص)حتى يتخذه صديق له وبلغة العصر مستشار خاص له وحده فلما حضر يوسف (ص) كلمه أى تحدث معه الملك فقال له :إنك اليوم لدينا مكين أمين والمراد إنك الآن عندنا آمر مخلص وهذا يعنى أن الملك عين يوسف(ص)أميرا وهو أمير مخلص لدى الملك .
"قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم "المعنى قال حكمنى فى أرزاق البلاد إنى وكيل خبير،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف(ص)قال للملك:اجعلنى على خزائن الأرض والمراد حكمنى فى منافع البلاد وهذا يعنى أنه طلب منه أن يكون وزيرا للاقتصاد حتى ينظمه وقال إنى حفيظ أى أمين أى صائن لمال البلاد عليم أى خبير بهذه الموارد وكيفية الاستفادة بها.
"وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين "المعنى وهكذا مهدنا ليوسف (ص)فى البلاد ينزل منها حيث يريد نعطى رزقنا من نريد ولا نبخس ثواب المصلحين ،يبين الله لنبيه(ص)أنه كذلك أى بتلك الطريقة وهو تفسير الأحلام مكن أى مهد أى حكم يوسف(ص)فى الأرض وهى البلاد يتبوأ منها حيث يريد والمراد يذهب فيها حيث يحب ،ويبين له أنه يصيب برحمته من يشاء والمراد يعطى رزقه لمن يريد من العباد ولا نضيع أجر المحسنين والمراد لا يبخس حق المصلحين مصداق لقوله بسورة الأعراف"إنا لا نضيع أجر المصلحين "وهذا يعنى أنه لا يظلم المطيع لحكمه .
"ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون "المعنى ولثواب القيامة أفضل للذين صدقوا وكانوا يطيعون ،يبين الله لنبيه(ص)أن أجر الآخرة وهو ثواب القيامة من الله خير للذين آمنوا أى صدقوا حكم الله وكانوا يتقون أى يعملون الصالحات مصداق لقوله بسورة القصص"ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ".
"وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون "المعنى وأتى اخوة يوسف (ص)فولجوا عليه فعلم بهم وهم به جاهلون ،يبين الله لنبيه(ص)أن اخوة يوسف (ص)العشرة جاءوا أى أتوا لمقر إقامته فدخلوا عليه والمراد فحضروا عنده فعرفهم أى فعلم أنهم اخوته والسبب أنهم كانوا كبارا لما فعلوا به المكر ولم تتغير وجوههم وأما هو فكانوا له منكرون أى كانوا به جاهلون وهذا يعنى أنهم لم يعرفوه لتغير شكله لأنه كان صغيرا ثم كبروالشكل يتغير من الصغر للكبر ولأنهم يظنون أنه لا يصل لهذه المكانة .
"ولما جهزهم بجهازهم قال ائتونى بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أنى أوفى الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون "المعنى ولما أعدهم بأحمالهم قال جيئونى بأخ لكم من والدكم ألا تعلمون أنى أتم الوزن وأنا أحسن المعطين فإن لم تجيئونى به فلا وزن لكم لدى ولا تأتون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)جهز اخوته بجهازهم والمراد حمل لاخوته الأحمال على رحالهم ثم قال لهم ائتونى بأخ لكم من أبيكم والمراد أحضروا لى أخ لكم من والدكم ألا ترون أنى أوفى الكيل وأنا خير المنزلين أى ألا تعلمون أنى أحسن الوزن وأنا أفضل الوازنين فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون والمراد فإن لم تحضروه عندى فلا وزن لكم لدى أى لا تحضرون عندى وهذا القول غريب فالبيع والشراء لا يستلزم وجود الأخ ولكن الواضح أن هذه التجارة كانت بنظام البطاقات المكتوب فيها أسماء العائلة وحضورهم لاستلام هذا الطعام فاستغل يوسف(ص)هذه النقطة لتدبير مكيدة لاخوته حتى يعرفوا أن الله حق وهذا يعنى أنه اشترط لأخذ الكيل حضور الأخ حتى يحصلوا على وزنهم وعدم إحضارهم يعنى أنهم كاذبون فيما كتب فى بطاقتهم ومن ثم فالأفضل ألا يحضروا لأخذ الوزن .
"قال سنرواد عنه أباه وإنا لفاعلون "المعنى قالوا سنحدث عن ذلك والده وإنا لصانعون،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة قالوا ليوسف(ص)سنراود عنه أباه والمراد سنحدث عن إحضاره لك والده وإنا لفاعلون والمراد وإنا لجالبونه لك وهذا يعنى أنهم سيضغطون على الأب بشتى الوسائل لإحضار الأخ حتى يحصلوا على الطعام .
"وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون "المعنى وقال لخدمه ضعوا تجارتهم فى متاعهم لعلهم يعلمون بها إذا عادوا إلى أسرهم لعلهم يعودون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)قال لفتيانه وهم خدمه العاملون معه :اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم والمراد ضعوا سلعهم فى متاعهم وهو حقائبهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم والمراد لعلهم يعلمون بها إذا عادوا إلى أسرهم لعلهم يرجعون أى يعودون والغرض من وضع السلع فى الحقائب مرة أخرى هو إغراء الاخوة على العودة بسبب عدل العزيز الذى لم يرض أن يأخذ سلعهم دون مقابل وأعادها لهم .
"فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون "المعنى فلما عادوا إلى والدهم قالوا يا والدنا حرم علينا الوزن فابعث معنا أخانا نزن وإنا له لصائنون،يبين الله لنبيه(ص)أن الأبناء لما رجعوا إلى أبيهم أى لما عادوا إلى مكان وجود والدهم قالوا له :يا أبانا أى يا والدنا منع منا الكيل والمراد حرمنا الوزير من الطعام فأرسل أى فابعث معنا أخانا لأنه اشترط حضوره معنا نكتل أى نأخذ وزن الطعام منه وإنا له لحافظون أى لحامون من كل خطر وهذا يعنى أنهم بينوا لأبيهم السبب فى منع الطعام هو عدم وجود أخيهم معهم فى الرحلة السابقة وأن وجوده هو الذى سيجلب الطعام .
"قال هل أمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين"المعنى قال هل أحفظكم عليه إلا كما حفظتكم على أخيه من قبل فالله أفضل صائن وهو أفضل النافعين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب قال لهم هل أمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل والمراد هل أحفظكم عليه إلا كما حفظتكم على يوسف (ص)من قبل ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن يثق فيهم كما وثق فيهم فى يوسف(ص)من قبل وقال فالله خير حافظا والمراد أحسن حاميا وهو أرحم الراحمين أى خير النافعين للخلق.
"ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا نمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير "المعنى ولما فتشوا حقائبهم لقوا سلعهم أعيدت لهم قالوا يا والدنا هذه سلعنا أعيدت لنا ونزود أسرنا ونحمى أخانا ونكثر وزن بعير هذا وزن هين،يبين الله لنبيه(ص)أن الأبناء لما فتحوا متاعهم والمراد لما فتشوا حقائبهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم والمراد لقوا سلعهم أعيدت لهم ففرحوا وتأكدوا من عدل الوزير فعزموا على العودة فقالوا لأبيهم :يا أبانا أى يا والدنا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا والمراد هذا الذى نريد هذه سلعنا أعيدت لنا ونمير أهلنا أى نزود أسرنا بالطعام ونحفظ أخانا أى ونحمى أخانا من الخطر ونزداد كيل بعير أى ونضيف لنا وزن راحلة طعام ذلك كيل يسير أى حمل هين ومن هذا يتضح أن هدف الرحلة هو الحصول على الطعام .
"قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتتنى به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل "المعنى قال لن أبعثه معكم حتى تحلفون لى بالله لتجيئونى به إلا أن يلم بكم فلما أعطوه عهدهم قال الله على الذى نتحدث شهيد ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب(ص)قال لهم لن أرسله معكم والمراد لن أبعثه معكم حتى تؤتون موثقا من الله والمراد حتى تقولون عهدا بالله لتأتتنى به إلا أن يحاط بكم والمراد لتحضروه لى إلا يلم بكم هلاك وهذا يعنى أنه طلب منهم أن يحلفوا بالله أن يحضروا أخيهم مرة أخرى واستثنى من ذلك حالة واحدة هى نزول مصيبة عليهم كلهم تمنعهم من إحضاره ،فلما أتوه موثقهم أى لما حلفوا له حلفانهم على ما طلب قال الله على ما نقول وكيل والمراد الله على الذى نتكلم شهيد وهو بهذا القول يعنى أنه يكلهم إلى الله إذا حنثوا فى قسمهم .
"يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون "المعنى يا أولادى لا تلجوا من مدخل واحد ولجوا من مداخل متعددة وما أمنع عنكم من الله من ضرر إن القضاء إلا لله بطاعته احتميت وبطاعته فليحتمى المحتمون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يعقوب(ص)قال لأولاده:يا بنى أى يا أولادى لا تدخلوا من باب واحد والمراد لا تلجوا البلد من مدخل واحد وادخلوا من أبواب متفرقة والمراد واذهبوا من منافذ متعددة وما أغنى عنكم من الله من شىء أى ولا أمنع عنكم من الله من ضرر ،وهذه النصيحة الغرض منها حماية الأولاد من الخطر فإذا أصاب البعض فإنه لا يصيب البعض الأخر بسبب تفرقهم وقد بين لهم أنه لا يقدر على منع ضرر الله لهم فى أى وقت وقال إن الحكم إلا لله والمراد إن القضاء إلا لله وحده عليه توكلت أى بطاعة حكمه احتميت من ضرره وعليه فليتوكل المتوكلون والمراد وبطاعة حكم الله فليحتمى المحتمون .
"ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شىء إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون "المعنى ولما ذهبوا من حيث أوصاهم والدهم ما كان يمنع عنهم من الله من ضرر إلا رغبة فى قلب يعقوب(ص)نفذها وإنه لصاحب معرفة بما عرفناه ولكن معظم الخلق لا يشكرون ،يبين الله لنبيه(ص) أن الأولاد دخلوا من حيث أمرهم أبوهم والمراد ولجوا البلد من حيث أوصاهم والدهم وهذا يعنى أنهم دخلوا من أبواب وهى مداخل البلدة المتعددة ،ويبين له أن والدهم ما كان يغنى أى يمنع عنهم من الله من شىء أى ضرر إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها أى إلا رغبة فى قلب يعقوب(ص)نفذها وهذا يعنى أن الرغبة وهى الخوف من فقد أولاده كلهم هى التى دفعته لتلك النصيحة وهو ذو علم أى صاحب حكمة والسبب ما علمه الله أى ما عرفه الله من حكمه ويبين له أن أكثر الناس لا يعلمون أى أن معظم الخلق لا يطيعون حكم الله أى لا يشكرون كما قال بنفس السورة .
"ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون "المعنى ولما ولجوا على يوسف(ص) ضم له أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تحزن على ما كانوا يفعلون،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة لما دخلوا أى لما حضروا فى مكان وجود يوسف(ص) أوى إليه أخاه والمراد ضم أى احتضن أخاه بعيدا عن أعينهم وهو يقول له إنى أنا أخوك أى أنا يوسف فلا تبتئس بما كانوا يعملون والمراد فلا تحزن على الذى كانوا يفعلون وهذا يعنى أنه يطمئن أخاه على أن زمن الحزن ولى .
"فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون " المعنى فلما حملهم بأحمالهم وضع الصواع فى حقيبة أخيه ثم نادى منادى أيها الركب إنكم لصوص،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)اتفق مع أخيه على مكيدة لإخوتهم فجهزهم بجهازهم أى فلما حمل أحمالهم على الرواحل جعل السقاية فى رحل أخيه والمراد وضع صواع الملك وهو إناء الكيل فى حقيبة أخيه وبعد أن ساروا قليلا بعث يوسف (ص)مؤذن أى منادى أذن أى نادى عليهم قائلا :أيتها العير إنكم لسارقون والمراد إنكم أيها الركب إنكم لصوص وهذا يعنى أنهم اتهموهم بأنهم لصوص
"قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم "المعنى قالوا ورجعوا إليهم ماذا تنقصون قالوا ننقص سقاية الحاكم ولمن أتى به وزن حمار وأنا له معطى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة أقبلوا عليهم أى عادوا إلى مكان المنادى وقالوا للمؤذن ماذا تفقدون أى ماذا نقصتم؟قال:نفقد صواع الملك والمراد ننقص سقاية الحاكم وهو إناء الوزن ولمن جاء به حمل بعير والمراد ولمن أتى به وزن حمار من الطعام وأنا به زعيم أى معطى وهذا يعنى أن يوسف (ص)حبكا للمكيدة جعل جائزة لمن يأتى بالمكيال والجائزة تتمثل فى حمل بعير أى كيل طعام محمول على الحمار .
"قالوا تا الله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه كذلك نجزى الظالمين "المعنى قالوا والله لقد عرفتم ما أتينا لنخرب فى البلاد أى ما كنا لصوص قالوا فما عقابه إن كنتم مفترين قالوا استرقاق من لقى فى حقيبته فهو عقابه هكذا نعاقب اللصوص،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة ردوا على المنادى:لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض والمراد لقد عرفتم ما حضرنا لنظلم فى البلاد وفسروا قولهم بأنهم ما كانوا سارقين أى لصوص أى ظالمين ،فسألهم يوسف(ص)وهو يعرف العقاب ما جزاؤه إن كنتم كاذبين والمراد ما عقاب السارق إن كنتم مفترين فى قولكم ؟فردوا قائلين جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه والمراد استعباده من لقى فى حقيبته فهو عقابه هكذا نجزى الظالمين والمراد بالاسترقاق نعاقب اللصوص وهذا يعنى أن عقوبة السارق فى شريعة إبراهيم(ص)هو استرقاقه لصالح المسروق منه .
"فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم "المعنى فاستهل التفتيش بحقائبهم قبل حقيبة أخيه ثم استطلعها من حقيبة أخيه هكذا مكرنا ليوسف (ص)ما كان ليستعبد أخاه فى سقاية الحاكم إلا أن يريد الله نزيد عطايا من نريد وفوق كل صاحب معرفة عارف،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)بدأ بأوعيتهم والمراد استهل التفتيش بحقائب اخوته من أبيه فقط ثم استخرجها من وعاء أخيه والمراد ثم طلعها من حقيبة أخيه من أبيه وأمه وبذلك كاد الله ليوسف (ص)والمراد بإنجاح المكيدة انتقم الله ليوسف(ص)،ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله والمراد ما كان ليعاقب أخاه بسبب سقاية الحاكم إلا أن يريد الله وهذا يعنى أن أمر العقاب كان صوريا فيوسف(ص)لم يستعبد أخاه كما قال لاخوته عندما أقروا بالعقوبة،ويبين الله له أنه يرفع درجات من نشاء والمراد يزيد من يريد من الخلق عطايا على الآخرين وفوق كل ذى علم عليم والمراد أن كل صاحب معرفة فوقه عارف أفضل منه هو الله .
"قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصنعون "المعنى قالوا إن ينهب فقد نهب أخ له من قبل فأخفاها فى قلبه ولم يظهرها لهم قال أنتم أسوأ مقاما والله أعرف بالذى تعملون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل والمراد إن يأخذ ما ليس حقه فقد أخذ أخ له ما ليس له بحق من قبل وهم بهذا يشيرون لحادثة كان يوسف طرف فيها ولم يكن سارقا وإن بدت سرقة ،فأسرها والمراد فأخفى يوسف (ص)أمر السرقة الكاذبة فى نفسه ولم يبدها لهم والمراد ولم يشرحها لهم حتى تتم مكيدته وقال فى نفسه أنتم شر مكانا والمراد أنتم أسوأ خلقا والله أعلم بما تصنعون والمراد والله أعرف بالذى تعملون وهذا يعنى أن الله يعرف أنه برىء من التهمة كأخيه .
"قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين "المعنى قالوا يا أيها الوزير إن له والدا عجوزا فأمسك أحدنا مقامه إنا نعرفك من الصالحين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة تذكروا قسمهم لوالدهم فتمسكوا بتنفيذه حتى ولو عرضوا أحدهم للاسترقاق فقرروا أن يعرضوا على الوزير أمر أخذ واحد منهم كعبد بدلا من أخيهم الأخر فذهبوا وقالوا له يا أيها العزيز أى الوزير إن له أبا شيخا والمراد إن له والدا عجوزا فخذ أحدنا مكانه والمراد فاسترق أحدنا مقامه أى بدلا منه إنا نراك من المحسنين أى إنا نعرفك من الصالحين وهذا القول يعنى أنهم بينوا للعزيز سبب طلبهم وهو أن أبوه شيخ عجوز وهو يحبه ولن يقوى على فراقه واستعباده وأن الحل الوحيد هو استعباد أحدهم بدلا منه .
"قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون "المعنى قال حماية الله أن نمسك إلا من لقينا مكيالنا لديه إنا إذا لكافرون ،يبين الله لنبيه(ص)إن يوسف(ص)رد على طلبهم فقال معاذ الله أى حماية الله والمراد احتمى بطاعة حكم الله من عذابه أن آخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده والمراد أن أسترق إلا من لقينا مالنا لديه إنا إذا لظالمون أى لكافرون ،وهذا يعنى أن يوسف(ص)تذرع بأن فعل ذلك وهو أخذ غير السارق بجريرة السارق ظلم أى كفر وهو لا يفعله .
"فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم فى يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لى أبى أو يحكم الله لى وهو خير الحاكمين "المعنى فلما قنطوا منه اجتمعوا سرا فقال أكبرهم ألم تعرفوا أن والدكم قد أخذ عليكم عهدا من الله ومن قبل أسرفتم فى يوسف(ص)فلن أترك البلدة حتى يسمح لى والدى أو يقضى الله لى وهو أحسن القضاة،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة لما استيئسوا من العزيز والمراد لما قنطوا من موافقة الوزير على طلبهم خلصوا نجيا والمراد اجتمعوا فتحدثوا فى السر بينهم فقال كبيرهم وهو أكبرهم سنا :ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله والمراد ألم تتذكروا أن والدكم قد فرض عليكم عهدا بالله ؟والغرض من إخبارهم بالواجب عليهم وهو تنفيذ العهد وهو إعادة الأخ إلى الأب إلا فى الحالة المستثناة وهى غير متوفرة هنا فى رأى كبيرهم ،وقال ومن قبل ما فرطتم فى يوسف والمراد وقد سبق أن أضعتم يوسف(ص)وهو هنا يذكرهم أنهم قد أضاعوا يوسف(ص)قبل أخيه الثانى والغرض من هذا التذكير هو إخبارهم أن أبيهم لن يثق فيهم أبدا بعد ذلك إن لم يعيدوا أخيهم ،وقال :فلن أبرح الأرض حتى يأذن لى أبى والمراد لن أترك هذه البلدة حتى يسمح لى والدى أو يحكم الله لى أى حتى يقضى الله لى وهو خير الحاكمين أى وهو أحسن القضاة،والمراد أنه لن يترك البلد التى فيها أخيه إلا فى حالتين الأولى أن يسمح له والده بالعودة إلى مكان إقامته ،الثانية أن يصدر الله فيه وحيا يجعله يترك البلد إلى غيرها .
"ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين وسئل القرية التى كنا فيها والعير التى أقبلنا فيها وإنا لصادقون "المعنى عودوا إلى والدكم فقولوا يا والدنا إن ولدك نهب وما قلنا إلا ما عرفنا وما كنا للمجهول عارفين واستخبر البلدة التى كنا فيها والقافلة التى جئنا معها وإنا لعادلون،يبين الله لنبيه(ص)أن الأخ الأكبر قال لاخوته:ارجعوا إلى أبيكم والمراد عودوا إلى والدكم فقولوا يا أبانا أى يا والدنا إن ابنك سرق أى نهب وبألفاظ أخرى إن ولدك اغتصب مال الغير وما شهدنا إلا بما علمنا والمراد وما قلنا إلا الذى رأينا وهذا يعنى أن الشهادة تكون مبنية على العلم وحده وليس الظن وقال وما كنا للغيب حافظين أى وما كنا للخفاء عارفين وهذا يعنى أنهم لم يكونوا يعرفون أن أخيهم سيسرق وإلا كانوا منعوه من ذلك حتى يرجعوا به كما يعنى أن سبب عدم عودته راجع إليه وليس إليهم ،وقال وقولوا لأبيكم وسئل القرية التى كنا فيها والمراد واستفهم أهل البلدة التى كنا فيها عن الأمر إن لم تكن مصدقا لنا وسئل العير التى أقبلنا فيها والمراد واستخبر أهل القافلة التى أتينا معها عن الأمر إن لم تكن مصدقا لنا وإنا لصادقون أى لمحقون فى قولنا وهذا القول يبين لنا أن الأبناء استشهدوا بغيرهم على صحة القول وهم أهل القرية وأهل القافلة لأنهم حضروا الأمر أو علموا به وقد نفذ الاخوة القول .
"قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم "المعنى قال لقد حسنت لكم أنفسكم سوء فطاعة حسنة عسى الله أن يجيئنى الله بهم كلهم إنه هو الخبير القاضى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب قال لهم بل سولت لكم أنفسكم أمرا والمراد لقد حسنت لكم أنفسكم سوءا وهذا يعنى أنه يتهمهم بتدبير مكيدة لأخيهم ونلاحظ أن من جرب كذب إنسان فإنه يعتبر هذا الإنسان كاذب إذا قال له شىء أخر فيعقوب (ص)لما جرب كذبهم فى يوسف (ص)اعتبرهم كاذبين فى أمر أخيه وقال فصبر جميل أى فطاعة مستمرة لحكم الله عسى أن يأتينى أى يجيئنى بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم أى الخبير القاضى بالحق .
"وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم"المعنى وأعرض عنهم وقال يا حزنى على يوسف(ص)وعمت عيناه من البكاء فهو مغتم ،يبين الله لنبيه(ص)أن يعقوب(ص)تولى عنهم أى أعرض عن أولاده وهو يقول يا أسفى على يوسف والمراد يا حزنى أى يا حسرتى على يوسف(ص)،وابيضت عيناه والمراد وعمى نظره من الحزن وهو البكاء المستمر ولذا هو كظيم أى غاضب أى مغتم بسبب الولدين .
"قالوا تا الله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين"المعنى قالوا والله تظل تردد يوسف حتى تصبح مريضا أو تصبح من الميتين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأولاد قالوا لأبيهم تا الله تفتأ تذكر يوسف والمراد والله تستمر تردد قصة يوسف (ص)حتى تكون حرضا أى عليلا أو تكون من الهالكين أى الميتين وهذا يعنى أن الأولاد نصحوا أبيهم ألا يستمر فى تذكره أمر يوسف(ص)لأن نتيجة تذكره هى أمر من اثنين الأول :الحرض وهو المرض وهو ما حدث بالعمى ،والثانى أن يموت غما عليه .
"قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون "المعنى قال إنما أقول غمى أى همى إلى الله وأعرف من الله الذى لا تعرفون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يعقوب (ص)قال لهم إنما أشكو بثى أى حزنى والمراد إنما أقول همى أى غمى إلى الله والمراد إنما أطلب من الله ذهاب غمى وأعلم من الله ما لا تعلمون والمراد وأعرف من الله الذى لا تعرفون وهذا يعنى أنه عرف من الله الذى لا يعرفون وهو حياة يوسف (ص).
"يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "المعنى يا أولادى سافروا فاعرفوا خبر يوسف(ص)وأخيه ولا تقنطوا من رحمة الله إنه لا يقنط من رحمة الله إلا الناس المكذبون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب قال لأولاده :يا بنى أى يا أولادى اذهبوا فتحسسوا والمراد ارتحلوا فاعلموا خبر عن يوسف (ص)وأخيه وهذا يعنى أنه يطلب منهم الرحيل فى البلاد للتفتيش عن يوسف (ص)وأخيه من أجل العودة بهم وقال ولا تيأسوا من روح الله والمراد ولا تقنطوا من رحمة الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون والمراد إنه لا يقنط من رحمة الله إلا الناس الظالمين ،وهذا يعنى أن الواجب عليهم هو عدم فقد الأمل فى رجوع الأخوين كما يعنى أن كل من يفقد الأمل فى أن تطوله هو وغيره رحمة الله كافر .
"فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين "المعنى فلما ولجوا عليه قالوا يا أيها الوزير أصابنا وأسرنا الأذى وأتينا بتجارة جيدة فأتم لنا الوزن وأحسن إلينا إن الله يثيب المحسنين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة لما دخلوا عليه أى حضروا عند يوسف (ص)قالوا له يا أيها العزيز أى الوزير مسنا وأهلنا الضر والمراد أصابنا وأسرنا الجوع بسبب الأخ السارق وجئنا ببضاعة مزجاة والمراد وأحضرنا سلعا ممتازة فأوف لنا الكيل والمراد فأعطنا الوزن وهذا يعنى أنهم أتوا لمبادلة السلع بالطعام وأنهم يريدون العدل فى المبادلة وتصدق علينا والمراد وأحسن إلينا إن الله يحب المتصدقين والمراد إن الله يرحم المحسنين وهذا يعنى أنهم يطلبون منه إعطاءهم زيادة على الكيل وهى إطلاق سراح أخيهم .
"قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "المعنى قال هل عرفتم الذى صنعتم بيوسف (ص)وأخيه قالوا أإنك لأنت يوسف(ص)قال أنا يوسف وهذا أخى قد تفضل الله علينا إنه من يطع أى يتبع حكم الله فإن الله لا يخسر ثواب المصلحين ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)سأل اخوته هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون والمراد هل عرفتم الذى عملتم فى يوسف(ص)وأخيه حين أنتم كافرون ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بأن ما فعلوه فيه وفى أخيه كان كفرا منهم بحكم الله ،فقالوا له إأنك لأنت يوسف والمراد هل أنت يوسف ؟والسؤال هنا يدلنا على أنهم شكوا فى كونه يوسف (ص)من عدمه لأنه لا أحد يعرف ما فعلوه به غيره فقال لهم أنا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا والمراد قد تفضل أى أنعم الله علينا وهذا يعنى أن الله وهبهم من عطاياه وقال إنه من يتق أى يصبر أى يطع حكم الله فإن الله لا يضيع أجر المحسنين والمراد فإن الله لا يخسر ثواب المصلحين .
"قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين "المعنى قالوا والله لقد اختارك الله من بيننا وإن كنا لكافرين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة قالوا ليوسف(ص)تالله أى والله لقد آثرك الله علينا والمراد لقد اختارك الله من بيننا وإن كنا لخاطئين أى كافرين وهذا اعتراف منهم بفعلهم للمكيدة .
"قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا بقميصى هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا وأتونى بأهلكم أجمعين "المعنى قال لا لوم عليكم الآن يعفوا الله عنكم وهو أحسن العافين خذوا ثوبى هذا فارموه على رأس والدى يرتد مبصرا وجيئونى بأسركم كلهم ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف قال لاخوته:لا تثريب عليكم اليوم والمراد لا عتاب عليكم الآن وهذا يعنى أنه قد عفا عنهم ،يغفر أى يعفو الله عن ذنبكم وهو أرحم الراحمين وهو أحسن النافعين للتائبين وهذا يعنى أنه طلب لهم من الله أن يغفر لهم ذنبهم معه وهذه منة منه ،وقال اذهبوا بقميصى هذا والمراد سافروا بثوبى هذا فألقوه على وجه أبى والمراد فارموه على دماغ والدى يأت بصيرا والمراد يعود مبصرا وأتونى بأهلكم أجمعين والمراد وجيئونى بأسركم كلهم وهذا يعنى أن يحضروا الأهل كلهم ولا يتركوا أحدا.
"ولما فصلت العير قال أبوهم إنى لأجد ريح يوسف لولا أن يفندون "المعنى ولما أتت القافلة قال والدهم إنى لأشم رائحة يوسف(ص)لولا أن تكذبون ،يبين الله لنبيه(ص)أن العير وهى قافلة التجارة لما فصلت أى وصلت لمكان سكن يعقوب (ص)قال أبوهم وهو يعقوب لمن معه من أولاده :إنى لأجد ريح يوسف والمراد إنى لأشم رائحة يوسف(ص)لولا أن تفندون أى تكذبون وهذا يعنى معجزة وهى شم الرائحة من مسافة كبيرة لا يمكن أن يشم منها ريح ويميزه بأنه ريح يوسف (ص)
"قالوا تالله إنك لفى ضلالك القديم "المعنى قالوا والله إنك لفى كفرك السابق ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأولاد الموجودين مع الأب ردوا عليه فقالوا تالله إنك لفى ضلالك القديم والمراد والله إنك لفى تيهك السابق وهذا يعنى أن الأولاد يتهمون الأب بالكفر لأن ما قاله يعد معجزة .
"فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم أنى أعلم من الله ما لا تعلمون "المعنى فلما أن أتى المفرح رماه على دماغه فعاد مبصرا قال ألم أحدثكم أنى أعرف من الله الذى لا تعرفون ،يبين الله لنبيه(ص)أن البشير وهو أحد الأبناء الذى كان عند يوسف(ص)لما جاء ألقى القميص على وجهه والمراد لما حضر أمام الأب رمى الثوب على دماغ الأب فقال الأب لهم ألم أقل أنى أعلم من الله ما لا تعلمون والمراد ألم أحدثكم أنى أعرف من الله الذى لا تعرفون ،والغرض من السؤال إخبارهم أن الله عرفه أن يوسف(ص)حى وهو الذى لم يعرفوه .
"قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف استغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم "المعنى قالوا يا والدنا استعفى لنا سيئاتنا إنا كنا كافرين قال سوف استعفى لكم إلهى إنه هو العفو النافع ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأولاد لما عرفوا الحقيقة قالوا للأب :يا أبانا أى يا والدنا استغفر لنا ذنوبنا والمراد اطلب لنا العفو من الله عن سيئاتنا إنا كنا خاطئين أى مذنبين أى كافرين وهذا اعتراف منهم بالكفر سابقا فقال لهم الأب سوف استغفر لكم ربى والمراد سوف أستعفى لكم إلهى وهذا يعنى أنه سوف يطلب من الله أن يمحو ذنوبهم إنه هو الغفور الرحيم أى العفو النافع للمستغفرين .
"فلما دخلوا على يوسف أوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين "المعنى فلما ولجوا على يوسف(ص)ضم إليه والديه وقال اسكنوا مصر إن أراد الله مطمئنين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأهل لما دخلوا أى حضروا فى مكان وجود يوسف(ص)أوى إليه أبويه والمراد ضم إليه احتضن يوسف(ص)والديه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين والمراد اسكنوا مصر إن أراد الله مطمئنين وهذا يعنى أنه يريد منهم أن يقيموا سعداء فى مصر .
"ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم"المعنى وأجلس والديه على الكرسى وسقطوا له ساجدين وقال يا والدى هذا تفسير حلمى من قبل قد جعله إلهى صدقا وقد أنعم على حين أطلعنى من الحبس وأتى بكم من البادية من بعد أن أوقعت الشهوة بينى وبين إخوتى إن إلهى هاد من يريد إنه هو الخبير القاضى ،يبين الله لنبيه (ص)أن يوسف(ص)رفع أبويه على العرش والمراد أجلس والديه على كرسى الملك فخروا له سجدا والمراد فأقر الأبوان والاخوة له مطيعين تكريما له وعند هذا قال لأبيه:هذا تأويل رؤياى من قبل والمراد هذا تفسير حلمى من قبل فالشمس هى الأم والقمر هو الأب والكواكب وهى الاخوة الأحد عشر ،قد جعلها ربى حقا والمراد قد أوقعها إلهى صدقا وقد أحسن بى والمراد وقد من على إذ أخرجنى من السجن والمراد حين أطلعنى من الحبس فحكمنى فى البلاد وجاء بكم من البدو والمراد وأتى بكم من البادية وهى الصحراء من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى والمراد من بعد أن أوقعت الشهوة بينى وبين إخوتى ،إن ربى لطيف لما يشاء والمراد إن إلهى هاد من يريد إنه هو العليم الحكيم والمراد إنه هو الخبير القاضى بالعدل .
"رب قد أتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولى فى الدنيا والآخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين " المعنى إلهى قد أعطيتنى من الحكم وعرفتنى من تفسير الأحلام خالق السموات والأرض أنت ناصرى فى الأولى والقيامة أمتنى مؤمنا وأدخلنى مع المسلمين ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)قال لله رب قد أتيتنى من الملك والمراد إلهى قد أعطيتنى من الحكم مصداق لقوله بنفس السورة "أتيناه حكما "وهذا يعنى عمله كعزيز لمصر وعلمتنى من تأويل الأحاديث والمراد وعرفتنى من تفسير الأحلام كما قيل بنفس السورة "بتأويل الأحلام" فاطر أى خالق السموات والأرض مصداق لقوله بسورة الزمر "الله خالق كل شىء"أنت ولى فى الدنيا والآخرة والمراد أنت ناصرى فى الحياة الأولى وفى القيامة المشهودة مصداق لقوله بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"توفنى مسلما والمراد أمتنى مطيعا لحكمك أى ألحقنى بالصالحين أى أدخلنى مع المسلمين الجنة والمراد أسكنى الجنة مع الأبرار مصداق لقوله بسورة آل عمران"وتوفنا مع الأبرار".
"ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"المعنى ذلك من أخبار المجهول نلقيه لك وما كنت معهم حين نفذوا اتفاقهم وهم يكيدون وما أغلب الخلق ولو أحببت بمصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن ذلك وهو قصة يوسف(ص)واخوته من أنباء الغيب والمراد من أخبار المجهول يوحيها إليه أى يقصها عليه مصداق لقوله بسورة هود"نقصه عليك"ويبين له أنه ما كان لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون والمراد أنه لم يكن حاضرا معهم حين وحدوا قرارهم وهم يكيدون ليوسف(ص)وهذا النفى لوجود الرسول(ص)فى عهد سابق يعنى أن عملية التقمص المزعومة ليست موجودة ويبين له أن أكثر الناس ولو حرص ليسوا بمؤمنين والمراد أن معظم الخلق ولو أراد هدايتهم ليسوا بمصدقين لحكم الله وإنما هم كفار مصداق لقوله بسورة الفرقان "فأبى أكثر الناس إلا كفورا ".
"وما تسئلهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين "المعنى وما تطالبهم عليه من مال إن هو إلا حكم للجميع ،يبين الله لنبيه(ص)أنه ما يسألهم عليه من أجر والمراد لا يطالبهم على إبلاغه الوحى لهم بمال كما قال تعالى بسورة هود"لا أسألكم عليه مالا "،ويبين له أن القرآن هو ذكر للعالمين والمراد حكم للجميع يجب طاعتهم له .
"وكأين من آية فى السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون "المعنى وكم من علامة فى السموات والأرض ينظرون إليها وهم عنها متولون ،يبين الله لنبيه(ص)بالسؤال وكأين من آية والمراد وكم من مخلوق فى السموات والأرض يمرون عليها أى ينظرون لها وهم عنها معرضون أى غير مفكرون والغرض من السؤال هو الإخبار أن مع كثرة الآيات وهى المخلوقات المبرهنة على وجوب عبادة الله وحده فإن الكفار ينظرون لها وهم مكذبون بتلك النتيجة التى يؤدى لها المرور على الآيات .
"وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون "المعنى وما يصدق معظمهم بالله إلا وهم كافرون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس لا يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون والمراد لا يصدق أغلبهم بالله إلا وهم كافرون أى مصدقون بوجود آلهة مع الله .
"أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون "المعنى هل استحالوا أن تجيئهم طائفة من عقاب الله أو تجيئهم القيامة فجأة وهم لا يعلمون ،يسأل الله أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون والمراد هل استبعدوا أن ينزل عليهم بعض من عقاب الله أو تحضر لهم القيامة فجأة وهم لا يعرفون ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار قد استبعدوا عذاب الله فى الدنيا وعذابه فى الآخرة استبعادا تاما فركنوا إلى متاع الحياة الدنيا ولكن عذاب الله فى الدنيا والآخرة سيأتيهم فجأة وهم مشغولون بمتاع الحياة الدنيا .
"قل هذه سبيلى أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين"المعنى قل هذا دينى أعبد الله على علم أنا ومن أطاعنى والطاعة لله وما أنا من الكافرين ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس قل هذه سبيلى أى هذا دينى أدعوا الله أنا على بصيرة ومن اتبعنى والمراد أعبد الله أنا على علم من الله ومن أطاعنى وهذا يعنى أنهم يطيعون حكم الله بعد علمهم به ،وسبحان الله والمراد والطاعة لحكم الله وما أنا من المشركين أى الكافرين والمراد المطيعين مع حكم الله حكم أخر .
"وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون "المعنى وما بعثنا من قبلك إلا ذكورا نلقى إليهم من أصحاب البلاد أفلم يتحركوا فى البلاد فيعلموا كيف كان عقاب الذين من قبلهم ولجنة القيامة أفضل للذين أطاعوا أفلا تذكرون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه ما أرسل من قبله إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى والمراد أنه ما بعث من قبله سوى ذكور يلقى لهم الحكم من أصحاب البلاد وهذا يعنى أن الرسل(ص)رجال فقط ويسأل الله أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم والمراد هل لم يسافروا فى البلاد فيعرفوا كيف كان هلاك الذين سبقوهم وهم المكذبين مصداق لقوله بسورة الأنعام"فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين "والغرض من السؤال إخبار الناس أن الأقوام السابقة هلكوا وهم سيهلكون مثلهم إن كفروا ويبين لهم أن دار الآخرة وهو أجر القيامة ممثل فى الجنة للذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله وفى هذا قال بسورة يوسف"ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا" ويسأل أفلا تعقلون أى "أفلا تذكرون "كما قال بسورة الجاثية والغرض من السؤال هو حض الناس على ترك الباطل والعودة للعقل وهو طاعة حكم الله والخطاب حتى قبلهم للنبى(ص) وما بعده للناس ويبدو أنه جزء من آية حذف بعضها .
"حتى إذ استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين "المعنى حتى إذا قنط المبعوثين وعلموا أنهم قد كفر بهم أتاهم تأييدنا فننقذ من نريد ولا يمنع عذابنا عن الناس الكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرسل وهم المبعوثين (ص)إذا استيئسوا أى قنطوا من إيمان الناس وفسر هذا بأنهم ظنوا أنهم قد كذبوا والمراد علموا أنهم قد كفر برسالتهم جاءهم بأسنا والمراد أتاهم تأييد الله لهم فنجى من نشاء والمراد فننقذ من نريد وهم الرسل والذين آمنوا معهم مصداق لقوله بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا"ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين والمراد ولا يمنع عذابنا عن الناس الكافرين وهذا يعنى أن لا أحد يقدر على إيقاف العقاب عن الكفار .
"لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديث يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"المعنى لقد كان فى حكاياتهم عظة لأصحاب العقول ما كان حكم يقال وإنما تطبيق الذى عنده وبيان لكل حكم ونور أى نفع لناس يصدقون ،يبين الله لنبيه(ص)أن فى قصص وهى حكايات الرسل(ص)عبرة لأولى الألباب والمراد عظة لأصحاب العقول أى الأبصار مصداق لقوله بسورة آل عمران"لعبرة لأولى الأبصار"ويبين له أن القرآن ما كان حديث يفترى والمراد ما كان كلام يقال من عند المخلوقات ولكن تصديق الذى بين يديه والمراد وإنما شبيه الذى عنده وهذا يعنى أن القرآن مطابق للذى عند الله فى الكعبة فى اللوح المحفوظ وهو تفصيل كل شىء أى تبيان لكل حكم مصداق لقوله بسورة النحل"تبيانا لكل شىء "وفسر هذا بأنه هدى أى رحمة أى نفع أى فائدة لقوم يؤمنون أى لناس يصدقون حكم الله
"قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين "المعنى قال ما أمركن إذ حدثتن يوسف عن شهوته قلن الصدق لله ما عرفنا عليه من فساد قالت زوجة العزيز الآن ظهر الحق أنا حدثته عن شهوته وإنه لمن العادلين يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف لما رفض الخروج من السجن حقق الملك بنفسه فى القضية فطلب جمع النسوة فحضرن فسألهن ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه والمراد ما حقيقة أمركن حين حدثتن يوسف عن شهوته ؟فأتاه الجواب منهن حاش لله والمراد الصدق واجب لله ما علمنا عليه من سوء والمراد ما عرفنا منه من فاحشة وهذا يعنى أنه برىء فى رأيهن ،فقالت امرأة العزيز وهى زوجة الوزير :الآن حصحص الحق أى فى هذا الوقت ظهر الصدق أنا راودته عن نفسه والمراد أنا حدثته عن شهوته والمراد أنا طالبته بالزنى وإنه لمن الصادقين أى المحقين فى كلامهم.
"ذلك ليعلم إنى لم أخنه بالغيب وإن الله لا يهدى كيد الخائنين وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم "المعنى ذلك ليعرف إنى لم أكذبه بالغياب وإن الله لا يفلح مكر الكاذبين وما أزكى نفسى إن النفس لموصية بالشر إلا ما نفع إلهى إن إلهى عفو مفيد ،يبين الله لنبيه (ص)أن امرأة العزيز قالت أيضا للملك:ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب والمراد ذلك ليعرف يوسف(ص) أنى لم أكذبه فى غيابه وهذا يعنى أنها تريد أن يعرف يوسف(ص)أن غيابه لم يمنعها من أن تقول الحق وقالت وإن الله لا يهدى كيد الخائنين والمراد وإن الله لا ينجح مكر الكاذبين وهذا يعنى أن الله يفشل مكر الكفار وقالت وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء والمراد وما أزكى نفسى والمراد ما أريد أن أشكر نفسى إن النفس لموصية بالشر إلا ما رحم ربى أى إلا من نفع إلهى إن ربى غفور رحيم والمراد إن إلهى عفو نافع ومن هذا القول يتضح لنا أن امرأة العزيز قد أسلمت فهذا هو كلام المسلمين .
"قال الملك ائتونى به أستخلصه لنفسى فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين "المعنى قال الحاكم جيئونى بيوسف(ص)أصطفيه لنفسى فلما حدثه قال إنك اليوم قادر مخلص ،يبين الله لنبيه(ص)أن الملك وهو حاكم مصر قال للحاشية :ائتونى به والمراد أحضروا لى يوسف (ص)استخلصه لنفسى أى أختاره لنفسى وهذا يعنى أنه طلب منهم إحضار يوسف(ص)حتى يتخذه صديق له وبلغة العصر مستشار خاص له وحده فلما حضر يوسف (ص) كلمه أى تحدث معه الملك فقال له :إنك اليوم لدينا مكين أمين والمراد إنك الآن عندنا آمر مخلص وهذا يعنى أن الملك عين يوسف(ص)أميرا وهو أمير مخلص لدى الملك .
"قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم "المعنى قال حكمنى فى أرزاق البلاد إنى وكيل خبير،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف(ص)قال للملك:اجعلنى على خزائن الأرض والمراد حكمنى فى منافع البلاد وهذا يعنى أنه طلب منه أن يكون وزيرا للاقتصاد حتى ينظمه وقال إنى حفيظ أى أمين أى صائن لمال البلاد عليم أى خبير بهذه الموارد وكيفية الاستفادة بها.
"وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين "المعنى وهكذا مهدنا ليوسف (ص)فى البلاد ينزل منها حيث يريد نعطى رزقنا من نريد ولا نبخس ثواب المصلحين ،يبين الله لنبيه(ص)أنه كذلك أى بتلك الطريقة وهو تفسير الأحلام مكن أى مهد أى حكم يوسف(ص)فى الأرض وهى البلاد يتبوأ منها حيث يريد والمراد يذهب فيها حيث يحب ،ويبين له أنه يصيب برحمته من يشاء والمراد يعطى رزقه لمن يريد من العباد ولا نضيع أجر المحسنين والمراد لا يبخس حق المصلحين مصداق لقوله بسورة الأعراف"إنا لا نضيع أجر المصلحين "وهذا يعنى أنه لا يظلم المطيع لحكمه .
"ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون "المعنى ولثواب القيامة أفضل للذين صدقوا وكانوا يطيعون ،يبين الله لنبيه(ص)أن أجر الآخرة وهو ثواب القيامة من الله خير للذين آمنوا أى صدقوا حكم الله وكانوا يتقون أى يعملون الصالحات مصداق لقوله بسورة القصص"ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ".
"وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون "المعنى وأتى اخوة يوسف (ص)فولجوا عليه فعلم بهم وهم به جاهلون ،يبين الله لنبيه(ص)أن اخوة يوسف (ص)العشرة جاءوا أى أتوا لمقر إقامته فدخلوا عليه والمراد فحضروا عنده فعرفهم أى فعلم أنهم اخوته والسبب أنهم كانوا كبارا لما فعلوا به المكر ولم تتغير وجوههم وأما هو فكانوا له منكرون أى كانوا به جاهلون وهذا يعنى أنهم لم يعرفوه لتغير شكله لأنه كان صغيرا ثم كبروالشكل يتغير من الصغر للكبر ولأنهم يظنون أنه لا يصل لهذه المكانة .
"ولما جهزهم بجهازهم قال ائتونى بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أنى أوفى الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون "المعنى ولما أعدهم بأحمالهم قال جيئونى بأخ لكم من والدكم ألا تعلمون أنى أتم الوزن وأنا أحسن المعطين فإن لم تجيئونى به فلا وزن لكم لدى ولا تأتون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)جهز اخوته بجهازهم والمراد حمل لاخوته الأحمال على رحالهم ثم قال لهم ائتونى بأخ لكم من أبيكم والمراد أحضروا لى أخ لكم من والدكم ألا ترون أنى أوفى الكيل وأنا خير المنزلين أى ألا تعلمون أنى أحسن الوزن وأنا أفضل الوازنين فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون والمراد فإن لم تحضروه عندى فلا وزن لكم لدى أى لا تحضرون عندى وهذا القول غريب فالبيع والشراء لا يستلزم وجود الأخ ولكن الواضح أن هذه التجارة كانت بنظام البطاقات المكتوب فيها أسماء العائلة وحضورهم لاستلام هذا الطعام فاستغل يوسف(ص)هذه النقطة لتدبير مكيدة لاخوته حتى يعرفوا أن الله حق وهذا يعنى أنه اشترط لأخذ الكيل حضور الأخ حتى يحصلوا على وزنهم وعدم إحضارهم يعنى أنهم كاذبون فيما كتب فى بطاقتهم ومن ثم فالأفضل ألا يحضروا لأخذ الوزن .
"قال سنرواد عنه أباه وإنا لفاعلون "المعنى قالوا سنحدث عن ذلك والده وإنا لصانعون،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة قالوا ليوسف(ص)سنراود عنه أباه والمراد سنحدث عن إحضاره لك والده وإنا لفاعلون والمراد وإنا لجالبونه لك وهذا يعنى أنهم سيضغطون على الأب بشتى الوسائل لإحضار الأخ حتى يحصلوا على الطعام .
"وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون "المعنى وقال لخدمه ضعوا تجارتهم فى متاعهم لعلهم يعلمون بها إذا عادوا إلى أسرهم لعلهم يعودون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)قال لفتيانه وهم خدمه العاملون معه :اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم والمراد ضعوا سلعهم فى متاعهم وهو حقائبهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم والمراد لعلهم يعلمون بها إذا عادوا إلى أسرهم لعلهم يرجعون أى يعودون والغرض من وضع السلع فى الحقائب مرة أخرى هو إغراء الاخوة على العودة بسبب عدل العزيز الذى لم يرض أن يأخذ سلعهم دون مقابل وأعادها لهم .
"فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون "المعنى فلما عادوا إلى والدهم قالوا يا والدنا حرم علينا الوزن فابعث معنا أخانا نزن وإنا له لصائنون،يبين الله لنبيه(ص)أن الأبناء لما رجعوا إلى أبيهم أى لما عادوا إلى مكان وجود والدهم قالوا له :يا أبانا أى يا والدنا منع منا الكيل والمراد حرمنا الوزير من الطعام فأرسل أى فابعث معنا أخانا لأنه اشترط حضوره معنا نكتل أى نأخذ وزن الطعام منه وإنا له لحافظون أى لحامون من كل خطر وهذا يعنى أنهم بينوا لأبيهم السبب فى منع الطعام هو عدم وجود أخيهم معهم فى الرحلة السابقة وأن وجوده هو الذى سيجلب الطعام .
"قال هل أمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين"المعنى قال هل أحفظكم عليه إلا كما حفظتكم على أخيه من قبل فالله أفضل صائن وهو أفضل النافعين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب قال لهم هل أمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل والمراد هل أحفظكم عليه إلا كما حفظتكم على يوسف (ص)من قبل ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن يثق فيهم كما وثق فيهم فى يوسف(ص)من قبل وقال فالله خير حافظا والمراد أحسن حاميا وهو أرحم الراحمين أى خير النافعين للخلق.
"ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا نمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير "المعنى ولما فتشوا حقائبهم لقوا سلعهم أعيدت لهم قالوا يا والدنا هذه سلعنا أعيدت لنا ونزود أسرنا ونحمى أخانا ونكثر وزن بعير هذا وزن هين،يبين الله لنبيه(ص)أن الأبناء لما فتحوا متاعهم والمراد لما فتشوا حقائبهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم والمراد لقوا سلعهم أعيدت لهم ففرحوا وتأكدوا من عدل الوزير فعزموا على العودة فقالوا لأبيهم :يا أبانا أى يا والدنا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا والمراد هذا الذى نريد هذه سلعنا أعيدت لنا ونمير أهلنا أى نزود أسرنا بالطعام ونحفظ أخانا أى ونحمى أخانا من الخطر ونزداد كيل بعير أى ونضيف لنا وزن راحلة طعام ذلك كيل يسير أى حمل هين ومن هذا يتضح أن هدف الرحلة هو الحصول على الطعام .
"قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتتنى به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل "المعنى قال لن أبعثه معكم حتى تحلفون لى بالله لتجيئونى به إلا أن يلم بكم فلما أعطوه عهدهم قال الله على الذى نتحدث شهيد ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب(ص)قال لهم لن أرسله معكم والمراد لن أبعثه معكم حتى تؤتون موثقا من الله والمراد حتى تقولون عهدا بالله لتأتتنى به إلا أن يحاط بكم والمراد لتحضروه لى إلا يلم بكم هلاك وهذا يعنى أنه طلب منهم أن يحلفوا بالله أن يحضروا أخيهم مرة أخرى واستثنى من ذلك حالة واحدة هى نزول مصيبة عليهم كلهم تمنعهم من إحضاره ،فلما أتوه موثقهم أى لما حلفوا له حلفانهم على ما طلب قال الله على ما نقول وكيل والمراد الله على الذى نتكلم شهيد وهو بهذا القول يعنى أنه يكلهم إلى الله إذا حنثوا فى قسمهم .
"يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون "المعنى يا أولادى لا تلجوا من مدخل واحد ولجوا من مداخل متعددة وما أمنع عنكم من الله من ضرر إن القضاء إلا لله بطاعته احتميت وبطاعته فليحتمى المحتمون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يعقوب(ص)قال لأولاده:يا بنى أى يا أولادى لا تدخلوا من باب واحد والمراد لا تلجوا البلد من مدخل واحد وادخلوا من أبواب متفرقة والمراد واذهبوا من منافذ متعددة وما أغنى عنكم من الله من شىء أى ولا أمنع عنكم من الله من ضرر ،وهذه النصيحة الغرض منها حماية الأولاد من الخطر فإذا أصاب البعض فإنه لا يصيب البعض الأخر بسبب تفرقهم وقد بين لهم أنه لا يقدر على منع ضرر الله لهم فى أى وقت وقال إن الحكم إلا لله والمراد إن القضاء إلا لله وحده عليه توكلت أى بطاعة حكمه احتميت من ضرره وعليه فليتوكل المتوكلون والمراد وبطاعة حكم الله فليحتمى المحتمون .
"ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شىء إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون "المعنى ولما ذهبوا من حيث أوصاهم والدهم ما كان يمنع عنهم من الله من ضرر إلا رغبة فى قلب يعقوب(ص)نفذها وإنه لصاحب معرفة بما عرفناه ولكن معظم الخلق لا يشكرون ،يبين الله لنبيه(ص) أن الأولاد دخلوا من حيث أمرهم أبوهم والمراد ولجوا البلد من حيث أوصاهم والدهم وهذا يعنى أنهم دخلوا من أبواب وهى مداخل البلدة المتعددة ،ويبين له أن والدهم ما كان يغنى أى يمنع عنهم من الله من شىء أى ضرر إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها أى إلا رغبة فى قلب يعقوب(ص)نفذها وهذا يعنى أن الرغبة وهى الخوف من فقد أولاده كلهم هى التى دفعته لتلك النصيحة وهو ذو علم أى صاحب حكمة والسبب ما علمه الله أى ما عرفه الله من حكمه ويبين له أن أكثر الناس لا يعلمون أى أن معظم الخلق لا يطيعون حكم الله أى لا يشكرون كما قال بنفس السورة .
"ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون "المعنى ولما ولجوا على يوسف(ص) ضم له أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تحزن على ما كانوا يفعلون،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة لما دخلوا أى لما حضروا فى مكان وجود يوسف(ص) أوى إليه أخاه والمراد ضم أى احتضن أخاه بعيدا عن أعينهم وهو يقول له إنى أنا أخوك أى أنا يوسف فلا تبتئس بما كانوا يعملون والمراد فلا تحزن على الذى كانوا يفعلون وهذا يعنى أنه يطمئن أخاه على أن زمن الحزن ولى .
"فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون " المعنى فلما حملهم بأحمالهم وضع الصواع فى حقيبة أخيه ثم نادى منادى أيها الركب إنكم لصوص،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)اتفق مع أخيه على مكيدة لإخوتهم فجهزهم بجهازهم أى فلما حمل أحمالهم على الرواحل جعل السقاية فى رحل أخيه والمراد وضع صواع الملك وهو إناء الكيل فى حقيبة أخيه وبعد أن ساروا قليلا بعث يوسف (ص)مؤذن أى منادى أذن أى نادى عليهم قائلا :أيتها العير إنكم لسارقون والمراد إنكم أيها الركب إنكم لصوص وهذا يعنى أنهم اتهموهم بأنهم لصوص
"قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم "المعنى قالوا ورجعوا إليهم ماذا تنقصون قالوا ننقص سقاية الحاكم ولمن أتى به وزن حمار وأنا له معطى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة أقبلوا عليهم أى عادوا إلى مكان المنادى وقالوا للمؤذن ماذا تفقدون أى ماذا نقصتم؟قال:نفقد صواع الملك والمراد ننقص سقاية الحاكم وهو إناء الوزن ولمن جاء به حمل بعير والمراد ولمن أتى به وزن حمار من الطعام وأنا به زعيم أى معطى وهذا يعنى أن يوسف (ص)حبكا للمكيدة جعل جائزة لمن يأتى بالمكيال والجائزة تتمثل فى حمل بعير أى كيل طعام محمول على الحمار .
"قالوا تا الله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه كذلك نجزى الظالمين "المعنى قالوا والله لقد عرفتم ما أتينا لنخرب فى البلاد أى ما كنا لصوص قالوا فما عقابه إن كنتم مفترين قالوا استرقاق من لقى فى حقيبته فهو عقابه هكذا نعاقب اللصوص،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة ردوا على المنادى:لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض والمراد لقد عرفتم ما حضرنا لنظلم فى البلاد وفسروا قولهم بأنهم ما كانوا سارقين أى لصوص أى ظالمين ،فسألهم يوسف(ص)وهو يعرف العقاب ما جزاؤه إن كنتم كاذبين والمراد ما عقاب السارق إن كنتم مفترين فى قولكم ؟فردوا قائلين جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه والمراد استعباده من لقى فى حقيبته فهو عقابه هكذا نجزى الظالمين والمراد بالاسترقاق نعاقب اللصوص وهذا يعنى أن عقوبة السارق فى شريعة إبراهيم(ص)هو استرقاقه لصالح المسروق منه .
"فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم "المعنى فاستهل التفتيش بحقائبهم قبل حقيبة أخيه ثم استطلعها من حقيبة أخيه هكذا مكرنا ليوسف (ص)ما كان ليستعبد أخاه فى سقاية الحاكم إلا أن يريد الله نزيد عطايا من نريد وفوق كل صاحب معرفة عارف،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)بدأ بأوعيتهم والمراد استهل التفتيش بحقائب اخوته من أبيه فقط ثم استخرجها من وعاء أخيه والمراد ثم طلعها من حقيبة أخيه من أبيه وأمه وبذلك كاد الله ليوسف (ص)والمراد بإنجاح المكيدة انتقم الله ليوسف(ص)،ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله والمراد ما كان ليعاقب أخاه بسبب سقاية الحاكم إلا أن يريد الله وهذا يعنى أن أمر العقاب كان صوريا فيوسف(ص)لم يستعبد أخاه كما قال لاخوته عندما أقروا بالعقوبة،ويبين الله له أنه يرفع درجات من نشاء والمراد يزيد من يريد من الخلق عطايا على الآخرين وفوق كل ذى علم عليم والمراد أن كل صاحب معرفة فوقه عارف أفضل منه هو الله .
"قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصنعون "المعنى قالوا إن ينهب فقد نهب أخ له من قبل فأخفاها فى قلبه ولم يظهرها لهم قال أنتم أسوأ مقاما والله أعرف بالذى تعملون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل والمراد إن يأخذ ما ليس حقه فقد أخذ أخ له ما ليس له بحق من قبل وهم بهذا يشيرون لحادثة كان يوسف طرف فيها ولم يكن سارقا وإن بدت سرقة ،فأسرها والمراد فأخفى يوسف (ص)أمر السرقة الكاذبة فى نفسه ولم يبدها لهم والمراد ولم يشرحها لهم حتى تتم مكيدته وقال فى نفسه أنتم شر مكانا والمراد أنتم أسوأ خلقا والله أعلم بما تصنعون والمراد والله أعرف بالذى تعملون وهذا يعنى أن الله يعرف أنه برىء من التهمة كأخيه .
"قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين "المعنى قالوا يا أيها الوزير إن له والدا عجوزا فأمسك أحدنا مقامه إنا نعرفك من الصالحين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة تذكروا قسمهم لوالدهم فتمسكوا بتنفيذه حتى ولو عرضوا أحدهم للاسترقاق فقرروا أن يعرضوا على الوزير أمر أخذ واحد منهم كعبد بدلا من أخيهم الأخر فذهبوا وقالوا له يا أيها العزيز أى الوزير إن له أبا شيخا والمراد إن له والدا عجوزا فخذ أحدنا مكانه والمراد فاسترق أحدنا مقامه أى بدلا منه إنا نراك من المحسنين أى إنا نعرفك من الصالحين وهذا القول يعنى أنهم بينوا للعزيز سبب طلبهم وهو أن أبوه شيخ عجوز وهو يحبه ولن يقوى على فراقه واستعباده وأن الحل الوحيد هو استعباد أحدهم بدلا منه .
"قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون "المعنى قال حماية الله أن نمسك إلا من لقينا مكيالنا لديه إنا إذا لكافرون ،يبين الله لنبيه(ص)إن يوسف(ص)رد على طلبهم فقال معاذ الله أى حماية الله والمراد احتمى بطاعة حكم الله من عذابه أن آخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده والمراد أن أسترق إلا من لقينا مالنا لديه إنا إذا لظالمون أى لكافرون ،وهذا يعنى أن يوسف(ص)تذرع بأن فعل ذلك وهو أخذ غير السارق بجريرة السارق ظلم أى كفر وهو لا يفعله .
"فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم فى يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لى أبى أو يحكم الله لى وهو خير الحاكمين "المعنى فلما قنطوا منه اجتمعوا سرا فقال أكبرهم ألم تعرفوا أن والدكم قد أخذ عليكم عهدا من الله ومن قبل أسرفتم فى يوسف(ص)فلن أترك البلدة حتى يسمح لى والدى أو يقضى الله لى وهو أحسن القضاة،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة لما استيئسوا من العزيز والمراد لما قنطوا من موافقة الوزير على طلبهم خلصوا نجيا والمراد اجتمعوا فتحدثوا فى السر بينهم فقال كبيرهم وهو أكبرهم سنا :ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله والمراد ألم تتذكروا أن والدكم قد فرض عليكم عهدا بالله ؟والغرض من إخبارهم بالواجب عليهم وهو تنفيذ العهد وهو إعادة الأخ إلى الأب إلا فى الحالة المستثناة وهى غير متوفرة هنا فى رأى كبيرهم ،وقال ومن قبل ما فرطتم فى يوسف والمراد وقد سبق أن أضعتم يوسف(ص)وهو هنا يذكرهم أنهم قد أضاعوا يوسف(ص)قبل أخيه الثانى والغرض من هذا التذكير هو إخبارهم أن أبيهم لن يثق فيهم أبدا بعد ذلك إن لم يعيدوا أخيهم ،وقال :فلن أبرح الأرض حتى يأذن لى أبى والمراد لن أترك هذه البلدة حتى يسمح لى والدى أو يحكم الله لى أى حتى يقضى الله لى وهو خير الحاكمين أى وهو أحسن القضاة،والمراد أنه لن يترك البلد التى فيها أخيه إلا فى حالتين الأولى أن يسمح له والده بالعودة إلى مكان إقامته ،الثانية أن يصدر الله فيه وحيا يجعله يترك البلد إلى غيرها .
"ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين وسئل القرية التى كنا فيها والعير التى أقبلنا فيها وإنا لصادقون "المعنى عودوا إلى والدكم فقولوا يا والدنا إن ولدك نهب وما قلنا إلا ما عرفنا وما كنا للمجهول عارفين واستخبر البلدة التى كنا فيها والقافلة التى جئنا معها وإنا لعادلون،يبين الله لنبيه(ص)أن الأخ الأكبر قال لاخوته:ارجعوا إلى أبيكم والمراد عودوا إلى والدكم فقولوا يا أبانا أى يا والدنا إن ابنك سرق أى نهب وبألفاظ أخرى إن ولدك اغتصب مال الغير وما شهدنا إلا بما علمنا والمراد وما قلنا إلا الذى رأينا وهذا يعنى أن الشهادة تكون مبنية على العلم وحده وليس الظن وقال وما كنا للغيب حافظين أى وما كنا للخفاء عارفين وهذا يعنى أنهم لم يكونوا يعرفون أن أخيهم سيسرق وإلا كانوا منعوه من ذلك حتى يرجعوا به كما يعنى أن سبب عدم عودته راجع إليه وليس إليهم ،وقال وقولوا لأبيكم وسئل القرية التى كنا فيها والمراد واستفهم أهل البلدة التى كنا فيها عن الأمر إن لم تكن مصدقا لنا وسئل العير التى أقبلنا فيها والمراد واستخبر أهل القافلة التى أتينا معها عن الأمر إن لم تكن مصدقا لنا وإنا لصادقون أى لمحقون فى قولنا وهذا القول يبين لنا أن الأبناء استشهدوا بغيرهم على صحة القول وهم أهل القرية وأهل القافلة لأنهم حضروا الأمر أو علموا به وقد نفذ الاخوة القول .
"قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم "المعنى قال لقد حسنت لكم أنفسكم سوء فطاعة حسنة عسى الله أن يجيئنى الله بهم كلهم إنه هو الخبير القاضى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب قال لهم بل سولت لكم أنفسكم أمرا والمراد لقد حسنت لكم أنفسكم سوءا وهذا يعنى أنه يتهمهم بتدبير مكيدة لأخيهم ونلاحظ أن من جرب كذب إنسان فإنه يعتبر هذا الإنسان كاذب إذا قال له شىء أخر فيعقوب (ص)لما جرب كذبهم فى يوسف (ص)اعتبرهم كاذبين فى أمر أخيه وقال فصبر جميل أى فطاعة مستمرة لحكم الله عسى أن يأتينى أى يجيئنى بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم أى الخبير القاضى بالحق .
"وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم"المعنى وأعرض عنهم وقال يا حزنى على يوسف(ص)وعمت عيناه من البكاء فهو مغتم ،يبين الله لنبيه(ص)أن يعقوب(ص)تولى عنهم أى أعرض عن أولاده وهو يقول يا أسفى على يوسف والمراد يا حزنى أى يا حسرتى على يوسف(ص)،وابيضت عيناه والمراد وعمى نظره من الحزن وهو البكاء المستمر ولذا هو كظيم أى غاضب أى مغتم بسبب الولدين .
"قالوا تا الله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين"المعنى قالوا والله تظل تردد يوسف حتى تصبح مريضا أو تصبح من الميتين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأولاد قالوا لأبيهم تا الله تفتأ تذكر يوسف والمراد والله تستمر تردد قصة يوسف (ص)حتى تكون حرضا أى عليلا أو تكون من الهالكين أى الميتين وهذا يعنى أن الأولاد نصحوا أبيهم ألا يستمر فى تذكره أمر يوسف(ص)لأن نتيجة تذكره هى أمر من اثنين الأول :الحرض وهو المرض وهو ما حدث بالعمى ،والثانى أن يموت غما عليه .
"قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون "المعنى قال إنما أقول غمى أى همى إلى الله وأعرف من الله الذى لا تعرفون ،يبين الله لنبيه(ص)أن يعقوب (ص)قال لهم إنما أشكو بثى أى حزنى والمراد إنما أقول همى أى غمى إلى الله والمراد إنما أطلب من الله ذهاب غمى وأعلم من الله ما لا تعلمون والمراد وأعرف من الله الذى لا تعرفون وهذا يعنى أنه عرف من الله الذى لا يعرفون وهو حياة يوسف (ص).
"يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "المعنى يا أولادى سافروا فاعرفوا خبر يوسف(ص)وأخيه ولا تقنطوا من رحمة الله إنه لا يقنط من رحمة الله إلا الناس المكذبون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأب قال لأولاده :يا بنى أى يا أولادى اذهبوا فتحسسوا والمراد ارتحلوا فاعلموا خبر عن يوسف (ص)وأخيه وهذا يعنى أنه يطلب منهم الرحيل فى البلاد للتفتيش عن يوسف (ص)وأخيه من أجل العودة بهم وقال ولا تيأسوا من روح الله والمراد ولا تقنطوا من رحمة الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون والمراد إنه لا يقنط من رحمة الله إلا الناس الظالمين ،وهذا يعنى أن الواجب عليهم هو عدم فقد الأمل فى رجوع الأخوين كما يعنى أن كل من يفقد الأمل فى أن تطوله هو وغيره رحمة الله كافر .
"فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين "المعنى فلما ولجوا عليه قالوا يا أيها الوزير أصابنا وأسرنا الأذى وأتينا بتجارة جيدة فأتم لنا الوزن وأحسن إلينا إن الله يثيب المحسنين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة لما دخلوا عليه أى حضروا عند يوسف (ص)قالوا له يا أيها العزيز أى الوزير مسنا وأهلنا الضر والمراد أصابنا وأسرنا الجوع بسبب الأخ السارق وجئنا ببضاعة مزجاة والمراد وأحضرنا سلعا ممتازة فأوف لنا الكيل والمراد فأعطنا الوزن وهذا يعنى أنهم أتوا لمبادلة السلع بالطعام وأنهم يريدون العدل فى المبادلة وتصدق علينا والمراد وأحسن إلينا إن الله يحب المتصدقين والمراد إن الله يرحم المحسنين وهذا يعنى أنهم يطلبون منه إعطاءهم زيادة على الكيل وهى إطلاق سراح أخيهم .
"قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "المعنى قال هل عرفتم الذى صنعتم بيوسف (ص)وأخيه قالوا أإنك لأنت يوسف(ص)قال أنا يوسف وهذا أخى قد تفضل الله علينا إنه من يطع أى يتبع حكم الله فإن الله لا يخسر ثواب المصلحين ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)سأل اخوته هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون والمراد هل عرفتم الذى عملتم فى يوسف(ص)وأخيه حين أنتم كافرون ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بأن ما فعلوه فيه وفى أخيه كان كفرا منهم بحكم الله ،فقالوا له إأنك لأنت يوسف والمراد هل أنت يوسف ؟والسؤال هنا يدلنا على أنهم شكوا فى كونه يوسف (ص)من عدمه لأنه لا أحد يعرف ما فعلوه به غيره فقال لهم أنا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا والمراد قد تفضل أى أنعم الله علينا وهذا يعنى أن الله وهبهم من عطاياه وقال إنه من يتق أى يصبر أى يطع حكم الله فإن الله لا يضيع أجر المحسنين والمراد فإن الله لا يخسر ثواب المصلحين .
"قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين "المعنى قالوا والله لقد اختارك الله من بيننا وإن كنا لكافرين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الاخوة قالوا ليوسف(ص)تالله أى والله لقد آثرك الله علينا والمراد لقد اختارك الله من بيننا وإن كنا لخاطئين أى كافرين وهذا اعتراف منهم بفعلهم للمكيدة .
"قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا بقميصى هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا وأتونى بأهلكم أجمعين "المعنى قال لا لوم عليكم الآن يعفوا الله عنكم وهو أحسن العافين خذوا ثوبى هذا فارموه على رأس والدى يرتد مبصرا وجيئونى بأسركم كلهم ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف قال لاخوته:لا تثريب عليكم اليوم والمراد لا عتاب عليكم الآن وهذا يعنى أنه قد عفا عنهم ،يغفر أى يعفو الله عن ذنبكم وهو أرحم الراحمين وهو أحسن النافعين للتائبين وهذا يعنى أنه طلب لهم من الله أن يغفر لهم ذنبهم معه وهذه منة منه ،وقال اذهبوا بقميصى هذا والمراد سافروا بثوبى هذا فألقوه على وجه أبى والمراد فارموه على دماغ والدى يأت بصيرا والمراد يعود مبصرا وأتونى بأهلكم أجمعين والمراد وجيئونى بأسركم كلهم وهذا يعنى أن يحضروا الأهل كلهم ولا يتركوا أحدا.
"ولما فصلت العير قال أبوهم إنى لأجد ريح يوسف لولا أن يفندون "المعنى ولما أتت القافلة قال والدهم إنى لأشم رائحة يوسف(ص)لولا أن تكذبون ،يبين الله لنبيه(ص)أن العير وهى قافلة التجارة لما فصلت أى وصلت لمكان سكن يعقوب (ص)قال أبوهم وهو يعقوب لمن معه من أولاده :إنى لأجد ريح يوسف والمراد إنى لأشم رائحة يوسف(ص)لولا أن تفندون أى تكذبون وهذا يعنى معجزة وهى شم الرائحة من مسافة كبيرة لا يمكن أن يشم منها ريح ويميزه بأنه ريح يوسف (ص)
"قالوا تالله إنك لفى ضلالك القديم "المعنى قالوا والله إنك لفى كفرك السابق ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأولاد الموجودين مع الأب ردوا عليه فقالوا تالله إنك لفى ضلالك القديم والمراد والله إنك لفى تيهك السابق وهذا يعنى أن الأولاد يتهمون الأب بالكفر لأن ما قاله يعد معجزة .
"فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم أنى أعلم من الله ما لا تعلمون "المعنى فلما أن أتى المفرح رماه على دماغه فعاد مبصرا قال ألم أحدثكم أنى أعرف من الله الذى لا تعرفون ،يبين الله لنبيه(ص)أن البشير وهو أحد الأبناء الذى كان عند يوسف(ص)لما جاء ألقى القميص على وجهه والمراد لما حضر أمام الأب رمى الثوب على دماغ الأب فقال الأب لهم ألم أقل أنى أعلم من الله ما لا تعلمون والمراد ألم أحدثكم أنى أعرف من الله الذى لا تعرفون ،والغرض من السؤال إخبارهم أن الله عرفه أن يوسف(ص)حى وهو الذى لم يعرفوه .
"قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف استغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم "المعنى قالوا يا والدنا استعفى لنا سيئاتنا إنا كنا كافرين قال سوف استعفى لكم إلهى إنه هو العفو النافع ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأولاد لما عرفوا الحقيقة قالوا للأب :يا أبانا أى يا والدنا استغفر لنا ذنوبنا والمراد اطلب لنا العفو من الله عن سيئاتنا إنا كنا خاطئين أى مذنبين أى كافرين وهذا اعتراف منهم بالكفر سابقا فقال لهم الأب سوف استغفر لكم ربى والمراد سوف أستعفى لكم إلهى وهذا يعنى أنه سوف يطلب من الله أن يمحو ذنوبهم إنه هو الغفور الرحيم أى العفو النافع للمستغفرين .
"فلما دخلوا على يوسف أوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين "المعنى فلما ولجوا على يوسف(ص)ضم إليه والديه وقال اسكنوا مصر إن أراد الله مطمئنين ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأهل لما دخلوا أى حضروا فى مكان وجود يوسف(ص)أوى إليه أبويه والمراد ضم إليه احتضن يوسف(ص)والديه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين والمراد اسكنوا مصر إن أراد الله مطمئنين وهذا يعنى أنه يريد منهم أن يقيموا سعداء فى مصر .
"ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم"المعنى وأجلس والديه على الكرسى وسقطوا له ساجدين وقال يا والدى هذا تفسير حلمى من قبل قد جعله إلهى صدقا وقد أنعم على حين أطلعنى من الحبس وأتى بكم من البادية من بعد أن أوقعت الشهوة بينى وبين إخوتى إن إلهى هاد من يريد إنه هو الخبير القاضى ،يبين الله لنبيه (ص)أن يوسف(ص)رفع أبويه على العرش والمراد أجلس والديه على كرسى الملك فخروا له سجدا والمراد فأقر الأبوان والاخوة له مطيعين تكريما له وعند هذا قال لأبيه:هذا تأويل رؤياى من قبل والمراد هذا تفسير حلمى من قبل فالشمس هى الأم والقمر هو الأب والكواكب وهى الاخوة الأحد عشر ،قد جعلها ربى حقا والمراد قد أوقعها إلهى صدقا وقد أحسن بى والمراد وقد من على إذ أخرجنى من السجن والمراد حين أطلعنى من الحبس فحكمنى فى البلاد وجاء بكم من البدو والمراد وأتى بكم من البادية وهى الصحراء من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى والمراد من بعد أن أوقعت الشهوة بينى وبين إخوتى ،إن ربى لطيف لما يشاء والمراد إن إلهى هاد من يريد إنه هو العليم الحكيم والمراد إنه هو الخبير القاضى بالعدل .
"رب قد أتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولى فى الدنيا والآخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين " المعنى إلهى قد أعطيتنى من الحكم وعرفتنى من تفسير الأحلام خالق السموات والأرض أنت ناصرى فى الأولى والقيامة أمتنى مؤمنا وأدخلنى مع المسلمين ،يبين الله لنبيه(ص)أن يوسف (ص)قال لله رب قد أتيتنى من الملك والمراد إلهى قد أعطيتنى من الحكم مصداق لقوله بنفس السورة "أتيناه حكما "وهذا يعنى عمله كعزيز لمصر وعلمتنى من تأويل الأحاديث والمراد وعرفتنى من تفسير الأحلام كما قيل بنفس السورة "بتأويل الأحلام" فاطر أى خالق السموات والأرض مصداق لقوله بسورة الزمر "الله خالق كل شىء"أنت ولى فى الدنيا والآخرة والمراد أنت ناصرى فى الحياة الأولى وفى القيامة المشهودة مصداق لقوله بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"توفنى مسلما والمراد أمتنى مطيعا لحكمك أى ألحقنى بالصالحين أى أدخلنى مع المسلمين الجنة والمراد أسكنى الجنة مع الأبرار مصداق لقوله بسورة آل عمران"وتوفنا مع الأبرار".
"ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"المعنى ذلك من أخبار المجهول نلقيه لك وما كنت معهم حين نفذوا اتفاقهم وهم يكيدون وما أغلب الخلق ولو أحببت بمصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن ذلك وهو قصة يوسف(ص)واخوته من أنباء الغيب والمراد من أخبار المجهول يوحيها إليه أى يقصها عليه مصداق لقوله بسورة هود"نقصه عليك"ويبين له أنه ما كان لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون والمراد أنه لم يكن حاضرا معهم حين وحدوا قرارهم وهم يكيدون ليوسف(ص)وهذا النفى لوجود الرسول(ص)فى عهد سابق يعنى أن عملية التقمص المزعومة ليست موجودة ويبين له أن أكثر الناس ولو حرص ليسوا بمؤمنين والمراد أن معظم الخلق ولو أراد هدايتهم ليسوا بمصدقين لحكم الله وإنما هم كفار مصداق لقوله بسورة الفرقان "فأبى أكثر الناس إلا كفورا ".
"وما تسئلهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين "المعنى وما تطالبهم عليه من مال إن هو إلا حكم للجميع ،يبين الله لنبيه(ص)أنه ما يسألهم عليه من أجر والمراد لا يطالبهم على إبلاغه الوحى لهم بمال كما قال تعالى بسورة هود"لا أسألكم عليه مالا "،ويبين له أن القرآن هو ذكر للعالمين والمراد حكم للجميع يجب طاعتهم له .
"وكأين من آية فى السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون "المعنى وكم من علامة فى السموات والأرض ينظرون إليها وهم عنها متولون ،يبين الله لنبيه(ص)بالسؤال وكأين من آية والمراد وكم من مخلوق فى السموات والأرض يمرون عليها أى ينظرون لها وهم عنها معرضون أى غير مفكرون والغرض من السؤال هو الإخبار أن مع كثرة الآيات وهى المخلوقات المبرهنة على وجوب عبادة الله وحده فإن الكفار ينظرون لها وهم مكذبون بتلك النتيجة التى يؤدى لها المرور على الآيات .
"وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون "المعنى وما يصدق معظمهم بالله إلا وهم كافرون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس لا يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون والمراد لا يصدق أغلبهم بالله إلا وهم كافرون أى مصدقون بوجود آلهة مع الله .
"أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون "المعنى هل استحالوا أن تجيئهم طائفة من عقاب الله أو تجيئهم القيامة فجأة وهم لا يعلمون ،يسأل الله أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون والمراد هل استبعدوا أن ينزل عليهم بعض من عقاب الله أو تحضر لهم القيامة فجأة وهم لا يعرفون ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار قد استبعدوا عذاب الله فى الدنيا وعذابه فى الآخرة استبعادا تاما فركنوا إلى متاع الحياة الدنيا ولكن عذاب الله فى الدنيا والآخرة سيأتيهم فجأة وهم مشغولون بمتاع الحياة الدنيا .
"قل هذه سبيلى أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين"المعنى قل هذا دينى أعبد الله على علم أنا ومن أطاعنى والطاعة لله وما أنا من الكافرين ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس قل هذه سبيلى أى هذا دينى أدعوا الله أنا على بصيرة ومن اتبعنى والمراد أعبد الله أنا على علم من الله ومن أطاعنى وهذا يعنى أنهم يطيعون حكم الله بعد علمهم به ،وسبحان الله والمراد والطاعة لحكم الله وما أنا من المشركين أى الكافرين والمراد المطيعين مع حكم الله حكم أخر .
"وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون "المعنى وما بعثنا من قبلك إلا ذكورا نلقى إليهم من أصحاب البلاد أفلم يتحركوا فى البلاد فيعلموا كيف كان عقاب الذين من قبلهم ولجنة القيامة أفضل للذين أطاعوا أفلا تذكرون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه ما أرسل من قبله إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى والمراد أنه ما بعث من قبله سوى ذكور يلقى لهم الحكم من أصحاب البلاد وهذا يعنى أن الرسل(ص)رجال فقط ويسأل الله أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم والمراد هل لم يسافروا فى البلاد فيعرفوا كيف كان هلاك الذين سبقوهم وهم المكذبين مصداق لقوله بسورة الأنعام"فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين "والغرض من السؤال إخبار الناس أن الأقوام السابقة هلكوا وهم سيهلكون مثلهم إن كفروا ويبين لهم أن دار الآخرة وهو أجر القيامة ممثل فى الجنة للذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله وفى هذا قال بسورة يوسف"ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا" ويسأل أفلا تعقلون أى "أفلا تذكرون "كما قال بسورة الجاثية والغرض من السؤال هو حض الناس على ترك الباطل والعودة للعقل وهو طاعة حكم الله والخطاب حتى قبلهم للنبى(ص) وما بعده للناس ويبدو أنه جزء من آية حذف بعضها .
"حتى إذ استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين "المعنى حتى إذا قنط المبعوثين وعلموا أنهم قد كفر بهم أتاهم تأييدنا فننقذ من نريد ولا يمنع عذابنا عن الناس الكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرسل وهم المبعوثين (ص)إذا استيئسوا أى قنطوا من إيمان الناس وفسر هذا بأنهم ظنوا أنهم قد كذبوا والمراد علموا أنهم قد كفر برسالتهم جاءهم بأسنا والمراد أتاهم تأييد الله لهم فنجى من نشاء والمراد فننقذ من نريد وهم الرسل والذين آمنوا معهم مصداق لقوله بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا"ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين والمراد ولا يمنع عذابنا عن الناس الكافرين وهذا يعنى أن لا أحد يقدر على إيقاف العقاب عن الكفار .
"لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديث يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"المعنى لقد كان فى حكاياتهم عظة لأصحاب العقول ما كان حكم يقال وإنما تطبيق الذى عنده وبيان لكل حكم ونور أى نفع لناس يصدقون ،يبين الله لنبيه(ص)أن فى قصص وهى حكايات الرسل(ص)عبرة لأولى الألباب والمراد عظة لأصحاب العقول أى الأبصار مصداق لقوله بسورة آل عمران"لعبرة لأولى الأبصار"ويبين له أن القرآن ما كان حديث يفترى والمراد ما كان كلام يقال من عند المخلوقات ولكن تصديق الذى بين يديه والمراد وإنما شبيه الذى عنده وهذا يعنى أن القرآن مطابق للذى عند الله فى الكعبة فى اللوح المحفوظ وهو تفصيل كل شىء أى تبيان لكل حكم مصداق لقوله بسورة النحل"تبيانا لكل شىء "وفسر هذا بأنه هدى أى رحمة أى نفع أى فائدة لقوم يؤمنون أى لناس يصدقون حكم الله