الزهــــــــــــــد فــــــــــي الدنيــــــــــــــــا
• تعريف الزهد في الدنيا
تعددت عبارات السلف في تعريف الزهد في الدنيا ، وكلها تدور على عدم الرغبة فيها وخلو القلب من التعلق بها.
قال الإمام أحمد: الزهد في الدنيا: قصر الأمل.
وقال عبدالواحد بن زيد: الزهد في الدينار والدرهم.
وسئل الجنيد عن الزهد فقال: استصغار الدنيا، ومحو آثارها من القلب.
وقال أبو سليمان الداراني: الزهد: ترك ما يشغل عن الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما تخاف ضرره في الآخرة .
قال ابن القيم: والذي أجمع عليه العارفون: أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا، وأخذه في منازل الآخرة !!.
فأين المسافرون بقلوبهم إلى الله؟
أين المشمرون إلى المنازل الرفيعة والدرجات العالية؟
أين عشاق الجنان وطلاب الآخرة؟
• الزهد في القرآن :
قال الإمام ابن القيم: والقرآن مملوء من التزهيد في الدنيا، والإخبار بخستها وقلتها وانقطاعها وسرعة فنائها، والترغيب في الآخرة والإخبار بشرفها ودوامها.
ومن الآيات التي حثت على التزهيد في الدنيا:
1ـ قوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20].
2ـ وقوله سبحانه: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14].
• أحاديث الزهد في الدنيا :
أما أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي رغبت في الزهد في الدنيا والتقلل منها والعزوف عنها فهي كثيرة منها:
1ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنهما: { كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل } [رواه البخاري]
وقال صلى الله عليه وسلم : { ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس } [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
• حقيقة الزهد في الدنيا :
الزهد في الدنيا هو ما كان عليه رسول الله وأصحابه، فهو ليس بتحريم الطيبات وتضييع الأموال، ولا بلبس المرقع من الثياب، ولا بالجلوس في البيوت وانتظار الصدقات، فإن العمل الحلال والكسب الحلال والنفقة الحلال عبادة يتقرب بها العبد إلى الله ، بشرط أن تكون الدنيا في الأيدي، ولا تكون في القلوب، وإذا كانت الدنيا في يد العبد لا في قلبه، استوى في عينه إقبالها وإدبارها ، فلم يفرح بإقبالها، ولم يحزن على إدبارها.
قال ابن القيم في وصف حقيقة الزهد: وليس المراد من الزهد رفضها ـ أي الدنيا ـ من الملك، فقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المال والملك والنساء مالهما.
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة.
• أهمية الزهد :
إن الزهد في الدنيا ليس من نافلة القول، بل هو أمر لازم لكل من أراد رضوان الله تعالى والفوز بجنته، ويكفي في فضيلته أنه اختيار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال ابن القيم رحمه الله: لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، فإيثار الدنيا على الآخرة إما من فساد في الإيمان، وإما من فساد في العقل، أو منهما معاً.
• أقسام الزهد :
قال ابن القيم رحمه الله : الزهد أقسام:
1ـ زهد في الحرام وهو فرض عين.
2ـ وزهد في الشبهات، وهو بحسب مراتب الشبهة، فإن قويت التحق بالواجب، وإن ضعفت كان مستحباً.
3ـ وزهد في الفضول، وهو زهد فيما لا يعني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره.
4ـ وزهد في الناس.
5ـ وزهد في النفس، بحيث تهون عليه نفسه في الله.
6ـ وزهد جامع لذلك كله، وهو الزهد فيما سوى الله وفي كل ما يشغلك عنه.
وأفضل الزهد إخفاء الزهد.. والقلب المعلق بالشهوات لا يصح له زهد ولا ورع.
• الأسباب المعينة على الزهد في الدنيا :
1ـ النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها ونقصها وخستها ، و ما في المزاحمة عليها من الغصص والنغص والأنكاد.
2ـ النظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات.
3ـ الإكثار من ذكر الموت والدار الآخرة.
4ـ تشييع الجنائز والتفكر في مصارع الآباء والإخوان ، وأنهم لم يأخذوا في قبورهم شيئاً من الدنيا ، ولم يستفيدوا غير العمل الصالح.
5ـ التفرغ للآخرة والإقبال على طاعة الله وإعمار الأوقات بالذكر وتلاوة القرآن.
6ـ إيثار المصالح الدينية على المصالح الدنيوية.
7ـ البذل والإنفاق وكثرة الصدقات.
8ـ ترك مجالس أهل الدنيا والاشتغال بمجالس الآخرة.
9ـ الإقلال من الطعام والشراب والنوم والضحك والمزاح.
10ـ مطالعة أخبار الزاهدين وبخاصة سيرة النبي وأصحابه.
نسأل الله أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا إلى النار مصيرنا ،
وأن يجعل الجنة هي دارنا إنه سميع مجيب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم