الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
قال الله تعالى في سورة الحج { وبشر المخبتين الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ }
قال حبر الأمة ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- وقتادة لفظ «المخبتين» : هم المتواضعون.
وقال مجاهد: المخبت المطمئنّ إلى اللّه عزّ وجلّ. قال:والخبت: المكان المطمئنّ من الأرض، وقال الأخفش:الخائفون، وقال الكلبيّ: هم الرّقيقة قلوبهم.
قال الثّوريّ- رحمه اللّه تعالى- :المطمئنّين الرّاضين بقضاء اللّه المستسلمين له.
وهذه الأقوال تدور على معنيين: التّواضع، والسّكون إلى اللّه- عزّ وجلّ-، ولذلك عدّي بإلى، تضمينا لمعنى الطّمأنينة، والإنابة والسّكون إلى اللّه. كما في تفسير ابن كثير (3/ 222).ومدارج السالكين لابن القيم (2/ 6).
درجات الإخبات :
وهو على ثلاث درجات:
الدّرجة الأولى: أن تستغرق العصمة الشّهوة، وتستدرك الإرادة الغفلة، ويستهوي الطّلب السّلوة .. و«العصمة» هي الحماية والحفظ، و«الشّهوة» الميل إلى مطالب النّفس، و«الاستغراق للشّيء» الاحتواء عليه والإحاطة به.
يقول: تغلب عصمته شهوته وتقهرها وتستوفي جميع أجزائها. فإذا استوفت العصمة جميع أجزاء الشهوة: فذلك دليل على إخباته. ودخوله في مقام الطّمأنينة، ونزوله أوّل منازلها، وخلاصه في هذا المنزل من تردّد الخواطر بين الإقبال والإدبار، والرّجوع والعزم، إلى الاستقامة والعزم الجازم، والجدّ في السّير. وذلك علامة السّكينة. وتستدرك إرادته غفلته. و«الإرادة» عند القوم: هي اسم لأوّل منازل القاصدين إلى اللّه، و«المريد» هو الّذي خرج من وطن طبعه ونفسه، وأخذ في السّفر إلى اللّه، والدّار الآخرة. فإذا نزل في منزل «الإخبات» أحاطت إرادته بغفلته فاستدركها، واستدرك بها فارطها.
فالحاصل: أنّ عصمته وحمايته تقهر شهوته، وإرادته تقهر غفلته، ومحبّته تقهر سلوته.
الدّرجة الثّانية: أن لا يوحش قلبه عارض، ولا يقطع عليه الطّريق فتنة. و«العارض» هو المخالف كالشّيء الّذي يعترضك في طريقك فيجيء في عرضها. ومن أقوى هذه العوارض: عارض وحشة التّفرّد فلا يلتفت إليه كما قال بعض الصّادقين:
انفرادك في طريق طلبك دليل على صدق الطّلب، وقال آخر: لا تستوحش في طريقك من قلّة السّالكين، ولا تغترّ بكثرة الهالكين.
وأمّا «الفتنة» الّتي تقطع عليه الطّريق: فهي الواردات الّتي ترد على القلوب، تمنعها من مطالعة الحقّ وقصده. فإذا تمكّن من منزل «الإخبات» وصحّة الإرادة والطّلب لم يطمع فيه عارض الفتنة.
الدّرجة الثّالثة: أن يستوي عنده المدح والذّمّ وتدوم لائمته لنفسه.
فاعلم أنّه متى استقرّت قدم العبد في منزلة «الإخبات» وتمكّن فيها، ارتفعت همّته، وعلت نفسه عن خطفات المدح والذّمّ، فلا يفرح بمدح النّاس، ولا يحزن لذمّهم. هذا وصف من خرج عن حظّ نفسه، وتأهّل للفناء في عبوديّة ربّه، وصار قلبه مطّرحا لأشعّة أنوار الأسماء والصّفات. وباشر حلاوة الإيمان واليقين قلبه. والوقوف عند مدح النّاس وذمّهم:
علامة انقطاع القلب، وخلوّه من اللّه، وأنّه لم تباشره روح محبّته ومعرفته، ولم يذق حلاوة التّعلّق به والطّمأنينة إليه، ولا يذوق العبد حلاوة الإيمان، وطعم الصّدق واليقين، حتّى تخرج الجاهليّة كلّها من قلبه.
فالنّفس جبل عظيم شاقّ في طريق السّير إلى اللّه- عزّ وجلّ- وكلّ سائر لا طريق له إلّا على ذلك الجبل. فلا بدّ أن ينتهي إليه، ولكن منهم من هو شاقّ عليه، ومنهم من هو سهل عليه، وإنّه ليسير على من يسّر اللّه عليه.
وفي ذلك الجبل أودية، وعقبات، وشوك، ولصوص يقتطعون الطّريق على السّائرين ولا سيّما أهل اللّيل المدلجون. فإذا لم يكن معهم عدد الإيمان، ومصابيح اليقين تتّقد بزيت الإخبات، تعلّقت بهم تلك الموانع. وتشبّثت بهم تلك القواطع. وحالت بينهم وبين السّير. مدارج السالكين لابن القيم (2/ 6).
قال الله تعالى في سورة الحج { وبشر المخبتين الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ }
قال حبر الأمة ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- وقتادة لفظ «المخبتين» : هم المتواضعون.
وقال مجاهد: المخبت المطمئنّ إلى اللّه عزّ وجلّ. قال:والخبت: المكان المطمئنّ من الأرض، وقال الأخفش:الخائفون، وقال الكلبيّ: هم الرّقيقة قلوبهم.
قال الثّوريّ- رحمه اللّه تعالى- :المطمئنّين الرّاضين بقضاء اللّه المستسلمين له.
وهذه الأقوال تدور على معنيين: التّواضع، والسّكون إلى اللّه- عزّ وجلّ-، ولذلك عدّي بإلى، تضمينا لمعنى الطّمأنينة، والإنابة والسّكون إلى اللّه. كما في تفسير ابن كثير (3/ 222).ومدارج السالكين لابن القيم (2/ 6).
درجات الإخبات :
وهو على ثلاث درجات:
الدّرجة الأولى: أن تستغرق العصمة الشّهوة، وتستدرك الإرادة الغفلة، ويستهوي الطّلب السّلوة .. و«العصمة» هي الحماية والحفظ، و«الشّهوة» الميل إلى مطالب النّفس، و«الاستغراق للشّيء» الاحتواء عليه والإحاطة به.
يقول: تغلب عصمته شهوته وتقهرها وتستوفي جميع أجزائها. فإذا استوفت العصمة جميع أجزاء الشهوة: فذلك دليل على إخباته. ودخوله في مقام الطّمأنينة، ونزوله أوّل منازلها، وخلاصه في هذا المنزل من تردّد الخواطر بين الإقبال والإدبار، والرّجوع والعزم، إلى الاستقامة والعزم الجازم، والجدّ في السّير. وذلك علامة السّكينة. وتستدرك إرادته غفلته. و«الإرادة» عند القوم: هي اسم لأوّل منازل القاصدين إلى اللّه، و«المريد» هو الّذي خرج من وطن طبعه ونفسه، وأخذ في السّفر إلى اللّه، والدّار الآخرة. فإذا نزل في منزل «الإخبات» أحاطت إرادته بغفلته فاستدركها، واستدرك بها فارطها.
فالحاصل: أنّ عصمته وحمايته تقهر شهوته، وإرادته تقهر غفلته، ومحبّته تقهر سلوته.
الدّرجة الثّانية: أن لا يوحش قلبه عارض، ولا يقطع عليه الطّريق فتنة. و«العارض» هو المخالف كالشّيء الّذي يعترضك في طريقك فيجيء في عرضها. ومن أقوى هذه العوارض: عارض وحشة التّفرّد فلا يلتفت إليه كما قال بعض الصّادقين:
انفرادك في طريق طلبك دليل على صدق الطّلب، وقال آخر: لا تستوحش في طريقك من قلّة السّالكين، ولا تغترّ بكثرة الهالكين.
وأمّا «الفتنة» الّتي تقطع عليه الطّريق: فهي الواردات الّتي ترد على القلوب، تمنعها من مطالعة الحقّ وقصده. فإذا تمكّن من منزل «الإخبات» وصحّة الإرادة والطّلب لم يطمع فيه عارض الفتنة.
الدّرجة الثّالثة: أن يستوي عنده المدح والذّمّ وتدوم لائمته لنفسه.
فاعلم أنّه متى استقرّت قدم العبد في منزلة «الإخبات» وتمكّن فيها، ارتفعت همّته، وعلت نفسه عن خطفات المدح والذّمّ، فلا يفرح بمدح النّاس، ولا يحزن لذمّهم. هذا وصف من خرج عن حظّ نفسه، وتأهّل للفناء في عبوديّة ربّه، وصار قلبه مطّرحا لأشعّة أنوار الأسماء والصّفات. وباشر حلاوة الإيمان واليقين قلبه. والوقوف عند مدح النّاس وذمّهم:
علامة انقطاع القلب، وخلوّه من اللّه، وأنّه لم تباشره روح محبّته ومعرفته، ولم يذق حلاوة التّعلّق به والطّمأنينة إليه، ولا يذوق العبد حلاوة الإيمان، وطعم الصّدق واليقين، حتّى تخرج الجاهليّة كلّها من قلبه.
فالنّفس جبل عظيم شاقّ في طريق السّير إلى اللّه- عزّ وجلّ- وكلّ سائر لا طريق له إلّا على ذلك الجبل. فلا بدّ أن ينتهي إليه، ولكن منهم من هو شاقّ عليه، ومنهم من هو سهل عليه، وإنّه ليسير على من يسّر اللّه عليه.
وفي ذلك الجبل أودية، وعقبات، وشوك، ولصوص يقتطعون الطّريق على السّائرين ولا سيّما أهل اللّيل المدلجون. فإذا لم يكن معهم عدد الإيمان، ومصابيح اليقين تتّقد بزيت الإخبات، تعلّقت بهم تلك الموانع. وتشبّثت بهم تلك القواطع. وحالت بينهم وبين السّير. مدارج السالكين لابن القيم (2/ 6).