*3* باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ
الشرح:
قوله (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بجوامع الكلم) وذكر فيه حديثين لأبي هريرة أحدهما بلفظ الترجمة وزاد " ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض " وتقدم تفسير جوامع الكلم في باب المفاتيح في اليد من " كتاب التعبير " وفيه تفسيرها عن الزهري وحاصله أنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني، وجزم غير الزهري بأن المراد " بجوامع الكلم " القرآن بقرينة قوله " بعثت"، والقرآن هو الغاية في إيجاز اللفظ واتساع المعاني، وتقدم شرح " نصرت بالرعب " في " كتاب التيمم".
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا أَوْ تَرْغَثُونَهَا أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا
الشرح:
قوله (فوضعت في يدي) أي المفاتيح وتقدم تفسير المراد بها في باب النفخ في المنام من " كتاب التعبير".
قوله (قال أبو هريرة) هو موصول بالسند المذكور أولا وقوله " فذهب " أي مات، وقوله "وأنتم تلغثونها أو ترغثونها أو كلمة تشبهها " فالأولى بلام ساكنة ثم غين معجمة مفتوحة ثم مثلثة والثانية مثلها لكن بدل اللام راء وهي من الرغث كناية عن سعة العيش وأصله من رغث الجدي أمه إذا ارتضع منها وأرغثته هي أرضعته ومن ثم قيل رغوث وأما باللام فقيل إنها لغة فيها وقيل تصحيف وقيل مأخوذة من اللغيث بوزن عظيم وهو الطعام المخلوط بالشعير، ذكره صاحب المحكم عن ثعلب والمراد يأكلونها كيفما اتفق وفيه بعد.
وقال ابن بطال: وأما اللغث باللام فلم أجده فيما تصفحت من اللغة انتهى، ووجدت في حاشية من كتابه هما لغتان صحيحتان فصيحتان معناهما الأكل بالنهم وأفاد الشيخ مغلطاي عن كتاب " المنتهى " لأبي المعالي اللغوي لغث طعامه ولغث بالغين والعين أي المعجمة والمهملة إذا فرقه، قال وألغيت ما يبقى في الكيل من الحب، فعلى هذا فالمعنى وأنتم تأخذون المال فتفرقونه بعد أن تحوزوه واستعار للمال ما للطعام لأن الطعام أهم ما يقتنى لأجله المال، وزعم أن في بعض نسخ الصحيح وأنتم تلعقونها بمهملة ثم قاف.
قلت: وهو تصحيف ولو كان له بعض اتجاه، والثالثة جاءت من رواية عقيل في " كتاب الجهاد " بلفظ تنتثلونها بمثناة ثم نون ساكنة ثم مثناة ولبعضهم بحذف المثناة الثانية من النثل بفتح النون وسكون المثلثة وهو الاستخراج نثل كنانته استخرج ما فيها من السهام، وجرابه نفض ما فيه والبئر أخرج ترابها فمعنى تنتثلونها تستخرجون ما فيها وتتمتعون به، قال ابن التين عن الداودي هذا المحفوظ في هذا الحديث، قال النووي: يعني ما فتح على المسلمين من الدنيا وهو يشمل الغنائم والكنوز، وعلى الأول اقتصر الأكثر ووقع عند بعض رواة مسلم بالميم بدل النون الأولى وهو تحريف.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ أَوْ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الشرح:
قوله (عن سعيد) هو ابن أبي سعيد المقبري واسم أبي سعيد كيسان.
قوله (ما مثله أومن أو آمن عليه البشر) أو شك من الراوي، فالأولى بضم الهمزة وسكون الواو وكسر الميم من الأمن، والثانية بالمد وفتح الميم من الإيمان، وحكى ابن قرقول أن في رواية القابسي بفتح الهمزة وكسر الميم بغير مد من الأمان وصوبها ابن التين فلم يصب، وقوله "وإنما كان الذي أوتيته " في رواية المستملي " أوتيت " بحذف الهاء، وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في أوائل فضائل القرآن بحمد الله تعالى، ومعنى الحصر في قوله " إنما كان الذي أوتيته " أن القرآن أعظم المعجزات وأفيدها وأدومها لاشتماله على الدعوة والحجة ودوام الانتفاع به إلى آخر الدهر، فلما كان لا شيء يقاربه فضلا عن أن يساويه كان ما عداه بالنسبة إليه كأن لم يقع، قيل يؤخذ من إيراد البخاري هذا الحديث عقب الذي قبله أن الراجح عنده أن المراد بجوامع الكلم القرآن وليس ذلك بلازم، فإن دخول القرآن في قوله " بعثت بجوامع الكلم " لا شك فيه وإنما النزاع هل يدخل غيره من كلامه من غير القرآن؟ وقد ذكروا من أمثلة جوامع الكلام في القرآن قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) وقوله (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون) إلى غير ذلك ومن أمثلة جوامع الكلم من الأحاديث النبوية حديث عائشة " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " وحديث " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " متفق عليهما، وحديث أبي هريرة " وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وسيأتي شرحه قريبا، وحديث المقدام " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه " الحديث أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان والحاكم إلى غير ذلك مما يكثر بالتتبع، إنما يسلم ذلك فيما لم تتصرف الرواة في ألفاظه، والطريق إلى معرفة ذلك أن تقل مخارج الحديث وتتفق ألفاظه، وإلا فإن مخارج الحديث إذا كثرت قل أن تتفق ألفاظه لتوارد أكثر الرواة على الاقتصار على الرواية بالمعنى بحسب ما يظهر لأحدهم أنه واف به، والحامل لأكثرهم على ذلك أنهم كانوا لا يكتبون ويطول الزمان فيتعلق المعنى بالذهن فيرتسم قيه ولا يستحضر اللفظ فيحدث بالمعنى لمصلحة التبليغ، ثم يظهر من سياق ما هو أحفظ منه أنه لم يوف بالمعنى.
الشرح:
قوله (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بجوامع الكلم) وذكر فيه حديثين لأبي هريرة أحدهما بلفظ الترجمة وزاد " ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض " وتقدم تفسير جوامع الكلم في باب المفاتيح في اليد من " كتاب التعبير " وفيه تفسيرها عن الزهري وحاصله أنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني، وجزم غير الزهري بأن المراد " بجوامع الكلم " القرآن بقرينة قوله " بعثت"، والقرآن هو الغاية في إيجاز اللفظ واتساع المعاني، وتقدم شرح " نصرت بالرعب " في " كتاب التيمم".
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا أَوْ تَرْغَثُونَهَا أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا
الشرح:
قوله (فوضعت في يدي) أي المفاتيح وتقدم تفسير المراد بها في باب النفخ في المنام من " كتاب التعبير".
قوله (قال أبو هريرة) هو موصول بالسند المذكور أولا وقوله " فذهب " أي مات، وقوله "وأنتم تلغثونها أو ترغثونها أو كلمة تشبهها " فالأولى بلام ساكنة ثم غين معجمة مفتوحة ثم مثلثة والثانية مثلها لكن بدل اللام راء وهي من الرغث كناية عن سعة العيش وأصله من رغث الجدي أمه إذا ارتضع منها وأرغثته هي أرضعته ومن ثم قيل رغوث وأما باللام فقيل إنها لغة فيها وقيل تصحيف وقيل مأخوذة من اللغيث بوزن عظيم وهو الطعام المخلوط بالشعير، ذكره صاحب المحكم عن ثعلب والمراد يأكلونها كيفما اتفق وفيه بعد.
وقال ابن بطال: وأما اللغث باللام فلم أجده فيما تصفحت من اللغة انتهى، ووجدت في حاشية من كتابه هما لغتان صحيحتان فصيحتان معناهما الأكل بالنهم وأفاد الشيخ مغلطاي عن كتاب " المنتهى " لأبي المعالي اللغوي لغث طعامه ولغث بالغين والعين أي المعجمة والمهملة إذا فرقه، قال وألغيت ما يبقى في الكيل من الحب، فعلى هذا فالمعنى وأنتم تأخذون المال فتفرقونه بعد أن تحوزوه واستعار للمال ما للطعام لأن الطعام أهم ما يقتنى لأجله المال، وزعم أن في بعض نسخ الصحيح وأنتم تلعقونها بمهملة ثم قاف.
قلت: وهو تصحيف ولو كان له بعض اتجاه، والثالثة جاءت من رواية عقيل في " كتاب الجهاد " بلفظ تنتثلونها بمثناة ثم نون ساكنة ثم مثناة ولبعضهم بحذف المثناة الثانية من النثل بفتح النون وسكون المثلثة وهو الاستخراج نثل كنانته استخرج ما فيها من السهام، وجرابه نفض ما فيه والبئر أخرج ترابها فمعنى تنتثلونها تستخرجون ما فيها وتتمتعون به، قال ابن التين عن الداودي هذا المحفوظ في هذا الحديث، قال النووي: يعني ما فتح على المسلمين من الدنيا وهو يشمل الغنائم والكنوز، وعلى الأول اقتصر الأكثر ووقع عند بعض رواة مسلم بالميم بدل النون الأولى وهو تحريف.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ أَوْ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الشرح:
قوله (عن سعيد) هو ابن أبي سعيد المقبري واسم أبي سعيد كيسان.
قوله (ما مثله أومن أو آمن عليه البشر) أو شك من الراوي، فالأولى بضم الهمزة وسكون الواو وكسر الميم من الأمن، والثانية بالمد وفتح الميم من الإيمان، وحكى ابن قرقول أن في رواية القابسي بفتح الهمزة وكسر الميم بغير مد من الأمان وصوبها ابن التين فلم يصب، وقوله "وإنما كان الذي أوتيته " في رواية المستملي " أوتيت " بحذف الهاء، وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في أوائل فضائل القرآن بحمد الله تعالى، ومعنى الحصر في قوله " إنما كان الذي أوتيته " أن القرآن أعظم المعجزات وأفيدها وأدومها لاشتماله على الدعوة والحجة ودوام الانتفاع به إلى آخر الدهر، فلما كان لا شيء يقاربه فضلا عن أن يساويه كان ما عداه بالنسبة إليه كأن لم يقع، قيل يؤخذ من إيراد البخاري هذا الحديث عقب الذي قبله أن الراجح عنده أن المراد بجوامع الكلم القرآن وليس ذلك بلازم، فإن دخول القرآن في قوله " بعثت بجوامع الكلم " لا شك فيه وإنما النزاع هل يدخل غيره من كلامه من غير القرآن؟ وقد ذكروا من أمثلة جوامع الكلام في القرآن قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) وقوله (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون) إلى غير ذلك ومن أمثلة جوامع الكلم من الأحاديث النبوية حديث عائشة " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " وحديث " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " متفق عليهما، وحديث أبي هريرة " وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وسيأتي شرحه قريبا، وحديث المقدام " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه " الحديث أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان والحاكم إلى غير ذلك مما يكثر بالتتبع، إنما يسلم ذلك فيما لم تتصرف الرواة في ألفاظه، والطريق إلى معرفة ذلك أن تقل مخارج الحديث وتتفق ألفاظه، وإلا فإن مخارج الحديث إذا كثرت قل أن تتفق ألفاظه لتوارد أكثر الرواة على الاقتصار على الرواية بالمعنى بحسب ما يظهر لأحدهم أنه واف به، والحامل لأكثرهم على ذلك أنهم كانوا لا يكتبون ويطول الزمان فيتعلق المعنى بالذهن فيرتسم قيه ولا يستحضر اللفظ فيحدث بالمعنى لمصلحة التبليغ، ثم يظهر من سياق ما هو أحفظ منه أنه لم يوف بالمعنى.