حديث قدسي
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهَا ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لا تُشْرِكَ وَلا أُدْخِلَكَ النَارَ، فَأَبَيْتَ إلا الشِّرْكَ."
رواه مسلم.
شرح الحديث
قَالَ الإمَامُ النووي في شرح صحيح مسلم ( مُختَصَرَاً ):
المراد بـ ( أردت منك ) طلبت منك وأمرتك، لأنه يستحيل عند أهل الحق أن يريد الله تعالى شيئا فلا يقع، ومذهب أهل الحق أن الله تعالى مريد لجميع الكائنات، خيرها وشرها، ومنها الإيمان والكفر، فهو سبحانه وتعالى مريد لإيمان المؤمن ومريد لكفر الكافر.
وأما قوله ( فَيُقَالُ لَهُ كذبت ) فالظاهر أن معناه أن يُقَالَ له: لو رددناك إلى الدنيا وكانت لك كلها أكنت تفتدي بها ؟
فيقول: نعم، فَيُقَالُ لَهُ: كذبت، فلقد سُئِلْتَ أيسر من ذلك فأبيت، ويكون هذا من معنى قوله تعالى: ولو رُدُّوا لعادوا لما نُهُوا عنه ولا بد من هذا التأويل ليجمع بينه وبين قوله تعالى: ولو أن للذين ظلموا مَا في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة أي لو كان لهم يوم القيامة مَا في الأرض جميعا ومثله معه وأمكنهم الإفتداء لافتدوا.
قَالَ الإمَامُ ابن قيم الجوزية في شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل:
القضاء في كتاب الله نوعان:
كَوني قَدَري، كقوله تعالى: " فلما قضينا عليه الموت " وقوله: " وقضى بينهم بالحق ".
وشرعي ديني، كقوله: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " أي أمر وشرع، ولو كان قضاءاً كونياً لما عُبِدَ غير الله.
والحكم أيضاً نوعان:
فالكوني كقوله: " قل رب احكم بالحق " أي افعل ما تنصر به عبادك وتخذل به أعدائك.
والديني كقوله: " ذلكم حكم الله يحكم بينكم " وقوله: " إن الله يحكم ما يريد ".
وقد يَرِد بالمعنيين معاً، كقوله: " ولا يشرك في حكمه أحدا " فهذا يتناول حكمه الكوني وحكمه الشرعي.
والإرادة أيضاً نوعان:
فالكونية كقوله تعالى: " فعَّال لما يريد " وقوله: " وإذا أردنا أن نهلك قرية " وقوله: " إن كان الله يريد أن يغويكم " وقوله: " ونريد أن نَمُنَّ على الذين استُضعِفُوا في الأرض ".
والدينية كقوله: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وقوله: " والله يريد أن يتوب عليكم " فلو كانت هذه الإرادة كونية لما حصل العسر لأحدٍ منا، ولو وقعت التوبة من جميع المُكَلَّفين.
وبهذا التفصيل يزول الإشتباه في مسألة الأمر والإرادة، هل هما متلازمان أم لا ؟
فقالت القدرية: الأمر يستلزم الإرادة، واحتجوا بحجج لا تندفع.
وقالت المثبتة: الأمر لا يستلزم الإرادة، واحتجوا بحجج لا تندفع.
والصواب أن الأمر يستلزم الإرادة الدينية، ولا يستلزم الإرادة الكونية، فإنه لا يأمر إلا بما يريده شرعاً وديناً، وقد يأمر بما لا يريده كوناً وقدراً، كإيمان مَنْ أمره ولم يُوَفِّقْه للإيمان مراد له ديناً لا كوناً، وكذلك أمره خليله بذبح إبنه ولم يُرِدْه كوناً وقدراً، وأمر رسوله بخمسين صلاة، ولم يُرِدْ ذلك كوناً وقدراً. وبين هذين الأمرين وأمر مَنْ لم يؤمن بالإيمان فَرقٌ؛ فإنه سبحانه لم يحب من إبراهيم ذبح ولده، وإنما أحبَّ منه عزمه على الإمتثال وأن يُوَطِّن نفسه عليه، وكذلك أمره محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة الإسراء بخمسين صلاة، وأما أمر مَنْ عَلِمَ أنه لا يؤمن بالإيمان فإنه سبحانه يحب من عباده أن يؤمنوا به وبرسله، ولكن اقتضت حكمته أن أعان بعضهم على فعل ما أمره ووفَّقه له، وخذل بعضهم فلم يُعِنْه ولم يُوَفِّقه فلم تحصُل مصلحة الأمر منهم وحصُلَت من الأمر بالذبح
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهَا ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لا تُشْرِكَ وَلا أُدْخِلَكَ النَارَ، فَأَبَيْتَ إلا الشِّرْكَ."
رواه مسلم.
شرح الحديث
قَالَ الإمَامُ النووي في شرح صحيح مسلم ( مُختَصَرَاً ):
المراد بـ ( أردت منك ) طلبت منك وأمرتك، لأنه يستحيل عند أهل الحق أن يريد الله تعالى شيئا فلا يقع، ومذهب أهل الحق أن الله تعالى مريد لجميع الكائنات، خيرها وشرها، ومنها الإيمان والكفر، فهو سبحانه وتعالى مريد لإيمان المؤمن ومريد لكفر الكافر.
وأما قوله ( فَيُقَالُ لَهُ كذبت ) فالظاهر أن معناه أن يُقَالَ له: لو رددناك إلى الدنيا وكانت لك كلها أكنت تفتدي بها ؟
فيقول: نعم، فَيُقَالُ لَهُ: كذبت، فلقد سُئِلْتَ أيسر من ذلك فأبيت، ويكون هذا من معنى قوله تعالى: ولو رُدُّوا لعادوا لما نُهُوا عنه ولا بد من هذا التأويل ليجمع بينه وبين قوله تعالى: ولو أن للذين ظلموا مَا في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة أي لو كان لهم يوم القيامة مَا في الأرض جميعا ومثله معه وأمكنهم الإفتداء لافتدوا.
قَالَ الإمَامُ ابن قيم الجوزية في شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل:
القضاء في كتاب الله نوعان:
كَوني قَدَري، كقوله تعالى: " فلما قضينا عليه الموت " وقوله: " وقضى بينهم بالحق ".
وشرعي ديني، كقوله: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " أي أمر وشرع، ولو كان قضاءاً كونياً لما عُبِدَ غير الله.
والحكم أيضاً نوعان:
فالكوني كقوله: " قل رب احكم بالحق " أي افعل ما تنصر به عبادك وتخذل به أعدائك.
والديني كقوله: " ذلكم حكم الله يحكم بينكم " وقوله: " إن الله يحكم ما يريد ".
وقد يَرِد بالمعنيين معاً، كقوله: " ولا يشرك في حكمه أحدا " فهذا يتناول حكمه الكوني وحكمه الشرعي.
والإرادة أيضاً نوعان:
فالكونية كقوله تعالى: " فعَّال لما يريد " وقوله: " وإذا أردنا أن نهلك قرية " وقوله: " إن كان الله يريد أن يغويكم " وقوله: " ونريد أن نَمُنَّ على الذين استُضعِفُوا في الأرض ".
والدينية كقوله: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وقوله: " والله يريد أن يتوب عليكم " فلو كانت هذه الإرادة كونية لما حصل العسر لأحدٍ منا، ولو وقعت التوبة من جميع المُكَلَّفين.
وبهذا التفصيل يزول الإشتباه في مسألة الأمر والإرادة، هل هما متلازمان أم لا ؟
فقالت القدرية: الأمر يستلزم الإرادة، واحتجوا بحجج لا تندفع.
وقالت المثبتة: الأمر لا يستلزم الإرادة، واحتجوا بحجج لا تندفع.
والصواب أن الأمر يستلزم الإرادة الدينية، ولا يستلزم الإرادة الكونية، فإنه لا يأمر إلا بما يريده شرعاً وديناً، وقد يأمر بما لا يريده كوناً وقدراً، كإيمان مَنْ أمره ولم يُوَفِّقْه للإيمان مراد له ديناً لا كوناً، وكذلك أمره خليله بذبح إبنه ولم يُرِدْه كوناً وقدراً، وأمر رسوله بخمسين صلاة، ولم يُرِدْ ذلك كوناً وقدراً. وبين هذين الأمرين وأمر مَنْ لم يؤمن بالإيمان فَرقٌ؛ فإنه سبحانه لم يحب من إبراهيم ذبح ولده، وإنما أحبَّ منه عزمه على الإمتثال وأن يُوَطِّن نفسه عليه، وكذلك أمره محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة الإسراء بخمسين صلاة، وأما أمر مَنْ عَلِمَ أنه لا يؤمن بالإيمان فإنه سبحانه يحب من عباده أن يؤمنوا به وبرسله، ولكن اقتضت حكمته أن أعان بعضهم على فعل ما أمره ووفَّقه له، وخذل بعضهم فلم يُعِنْه ولم يُوَفِّقه فلم تحصُل مصلحة الأمر منهم وحصُلَت من الأمر بالذبح